السيّدة رقيّة بنت الإمام الحسين عليه السلام

الشيخ علي ربّاني الخلخالي

السيّدة رقيّة بنت الإمام الحسين عليه السلام

المؤلف:

الشيخ علي ربّاني الخلخالي


المترجم: الشيخ جاسم الأديب
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: انتشارات مكتب الحسين عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ٢
ISBN: 964-91933-8-3
الصفحات: ٢٩٥

وحقيقة كان ذلك اليوم صعب على أهل البيت عليهم السلام إذ أنّ كلّ واحد منهم راح يظهر شجونه وآلامه بلسان خاصّ إلى أن خرجوا من دروازة الشام.

أمّا أهل الشام الذين خرجوا لمشايعة أهل البيت عليهم السلام فلم يهدأ ضجيجهم وبكائهم إلّا بعد أن غابت أشخاص أهل البيت عليهم السلام عن الشام فعادوا إلى ديارهم باكين مهمومين.

وعلى خلاف مسير أهل البيت عليهم السلام إلى الشام حيث كانوا يسوقونهم بلا هوادة رجعوا إلى مدينة جدّهم رسول الله صلى الله عليه واله معزّزين أحراراً ، متى أرادوا المسير ساروا ، ومتى ما أحبّوا البقاء والمكوث بقوا ، بل وفي أي مدينة يريدون الدخول يسمح لهم بكلّ حرّية ، فكان أهل البيت عليهم السلام يدخلون المدن ويقيمون العزاء على سيّد الشهداء عليه السلام وينصبون له المآتم طيلة سفرهم.

وفي طيلة مسيرهم إلى المدينة كان النعمان بن بشير يرافقهم بكلّ احترام وتوقير ، ومتى ما نزلت القافلة كان يبتعد وهو وجماعته عن الحرم لتطمئنّ العلويات ويهدأ بالهنّ ولا يضطرب خاطر أحد منهم ، وقد استمرّ الوضع على هذا الحال إلى أن قربت القافلة من العراق.

يبقى القول إنّ مسيرة السبايا من أوّلها إلى آخرها حيث عاد أهل البيت عليهم السلام إلى مدينة جدّهم رسول الله صلى الله عليه واله ستبقى شاهد صدق على مرّ التاريخ يشهد للأجيال على مرّ الزمان ويشيد ببطولة عقيلة الهاشميين السيّدة زينب عليها السلام التي هدّت عرش الطاغية يزيد ، وقلبت عاصمته رأس على عقب حتّى جعلت ذلك الأرعن يسمح لها بإقامة مجلس العزاء في دياره ولا يمنع أحداً من الدخول إلى هذا المجلس علماً أنّه يعلم أنّ العقيلة لم تعقد المجلس إلّا لتشيد بفضائل أهل البيت عليهم السلام وتنال من آل أبي سفيان.

فلولا السيّدة زينب عليها السلام لما افتضح يزيد الطاغية بهذه الكيفية بحيث إنّ أهل الشام ينصبون أعلام السواد حزناً على سيّد الشهداء عليه السلام ، وبالطبع فإنّ هذا غير مقتصر على الشام فقط ، بل في كلّ مكان نزلت به العقيلة زينب عليها السلام كانت تشيد بفضائل أهل البيت عليهم السلام وتبذل مساعيها الجبّارة من أجل أعلاء كلمة الحقّ خفّاقة.

١٨١

ولذا فإنّ العالم اليوم مدين في عقيدته لمواقف العقيلة زينب عليها السلام التي حفظت الشريعة من الضياع وأوصلت صوت سيّد الشهداء عليه السلام إلى العالم عبر مرّ التاريخ ، وهذا خير شاهد على عظمتها وجلالة شأنها وعلوّ همّتها وشرافة فضلها وارتفاع مقامها الذي حباها الباري تعالى به حيث منحها كلّ هذه الصفات حتّى حقّقت ما حقّقته بعد استشهاد الإمام الحسين عليه السلام (١).

مصيبة السيّدة رقيّة في المدينة

ينقل أهل البيت عليهم السلام حينما رجعوا إلى المدينة أقبلن نساء المدينة ليواسين العلويات في مصابهنّ.

وقد كانت العقيلة زينب عليها السلام تحدّث النساء بما جرى عليهم في كربلاء والكوفة والشام من مصائب وآلام وتعدّد لهنّ الرزايا المؤلمة التي نزلت بهم وكان النساء يبكين ويندبن سيّد الشهداء عليه السلام.

ولمّا وصلت العقيلة زينب عليها السلام إلى مصيبة السيّدة رقيّة عليها السلام تأوّهت وقالت : أمّا مصيبة رقية في خرابة الشام فقد أحنت ظهري وشيّبت رأسي ، فارتفع صوت نساء المدينة بالبكاء واعتلى أنينهنّ وعويلهنّ لمصاب يتيمة سيّد الشهداء عليه السلام (٢).

__________________

(١) رياحين الشريعة ج ٣ ص ١٩٨.

(٢) حضرة رقيه عليها السلام تأليف حجّة الإسلام الشيخ علي الفلسفي ص ٤٨ نقلاً عن نواسخ التواريخ ص ٥٠٧.

١٨٢

الفصل الثاني عشر

كرامات السيّدة رقيّة

لقد ظهرت للسيّدة رقيّة عليه السلام كرامات عديدة تدلّ على قداستها وجلالة قدرها وعلو مكانتها الرفيعة عند الله عزّوجلّ أنّنا أشرنا إلى بعضها في طيّات البحث سابقاً إلّا أنّنا في هذا الفصل نذكر البقية ليطلع القارئ الكريم عليها ولتقام الحجّة على أُولئك المشكّكين الذين يشكّكون في المقامات العالية التي أولاها الله تعالى لأهل البيت عليهم السلام.

١ ـ اقرأ مصيبة ابنتي رقيّة عليها السلام

يقول الشيخ علي نجل المحدّث العظيم الشيخ عبّاس القمّي قدس سره والذي يعدّ من أكابر الخطباء المشهورين في مدينة طهران : ابتليت في إحدى السنوات بمرض في حنجرتي بحيث عجزت عن ارتقاء المنبر والوعظ والإرشاد.

لذلك وكسائر المرضى عندما يصابون بالمرض فقد راجعت طبيباً متخصّصاً وقد أخبرني بعد المعاينة قائلاً : إنّ مرضك بلغ من الشدّة بحيث أنّ بعض أوتارك الصوتية قد شلّت ، ومن الصعب جدّاً معالجتها ، وربما يكون علاجها بلا فائدة. إلّا أنّ الطبيب كتب لي وصفة ببعض الأدوية ونصحني بالاستراحة التامّة والتجنّب من صعود المنبر بل منعني من التحدّث مع الناس حتّى زوجتي وأطفالي ، وإذا احتجت إلى شيء عليَّ أن أستفيد من الكتابة علّ ذلك يجدي في خلاصي من هذا المرض الصعب العلاج.

وفي واقع الأمر كان هذا العلاج صعباً جدّاً لأنّ الإنسان لا يستغني عن الحديث والتحدّث مع الناس ، فكيف يمكنني تحمّل كلّ هذه المدّة دون أن أتحدّث على أنّ الأمل في الشفاء قليل جدّاً؟

لقد شعرت أنّ جميع الأبواب أُغلقت في وجهي وأدركت بكلّ كياني أنّ قدرات

١٨٣

الناس العاديين لا يمكن أن تخلّصني من هذا الابتلاء الشديد وليس هنا من حيلة سوى التوسّل بباب نجاة الأُمّة أبي عبدالله عليه السلام.

وبالفعل في أحد الأيّام بعد انتهائي من صلاة الظهر والعصر شعرت بانكسار عجيب فبكيت بكاءً ومرّاً واعتلى أنيني وحنيني ولا شعورياً أخذت أتوسّل بأبي عبدالله الحسين عليه السلام وأقول له : سيّدي ، يابن رسول الله إنّ الصبر على مرض كهذا صعب جدّاً ، علماً أنّ الناس من أهل المجالس يتوقّعون صعودي المنبر.

سيّدي إنّ شهر رمضان المبارك على الأبواب وقد قضيت عمري في خدمتكم فماذا حصل حتّى أقع في مثل هذا المرض المعضل وأحرم من خدمتكم؟!

سيّدي كن أنت الشفيع إلى الله في خلاصي من هذا المرض الصعب.

وبعد هذه التوسّلات خلدت إلى النوم كعادتي كلّ يوم فرأيت في عالم الرؤيا أنّ شخصاً نورانياً دخل الغرفة بحيث أنّ نورانيّته ملأت أطراف الغرفة.

لا إرادياً شعرت أنّ هذا الشخص هو سيّد الشهداء عليه السلام وقد غمرتني الفرحة وأخذت أُكرّر التوسّلات التي توسّلتها في عالم اليقظة وأخذت أصرّ بشدّة وأتوسّل بإلحاح قائلاً : سيّدي إنّ شهر رمضان على الأبواب وقد دعيت في مساجد متعدّدة ، ومع هذا الحال كيف أستطيع صعود المنبر؟ وإذا بسيّد الشهداء عليه السلام يشير قائلاً : قل لهذا الجالس عند الباب ـ وقد كان هناك رجل جالس عند الباب ـ أن يقرأ مصيبة عزيزتي رقية وابك أنت وسوف تشافى وتعافى إن شاء الله.

دقّقت النظر عند الباب وإذا به زوج أُختي الحاج مصطفى الطباطبائي القمّي الذي هو من علماء طهران ، فأخبرته بأمر سيّد الشهداء عليه السلام إلّا أنّه كان يعتذر عن قراءة المصيبة وأنا أبكي. ومع الأسف الشديد استيقظ أبنائي من نومهم ، وأيقظوني فاستيقظت من النوم منزعجاً متأسّفاً على حرماني من مواصلة البكاء في ذلك المجلس النوراني.

١٨٤

وفي اليوم نفسه أو اليوم الذي بعده راجعت المتخصّص نفسه وإذا به يتعجّب كثيراً ويقول : لا يوجد أثر للمرض أصلاً ، ثمّ إنّه أخذ يسألني قائلاً : ماذا تناولت حتّى شفيت بهذه السرعة؟!

فنقلت له القصّة وكيف أنّني توسّلت بسيّد الشهداء عليه السلام وإذا بالطبيب يتسمّر في مكانه وكان يحمل قلماً فسقط القلم من يده دون إرادة ، وأخذ يبكي بشدّة ويئن بكلّ حرقة بحيث إنّ لحيته ابتلّت بالدموع وقال : إنّ مرضك لم يكن له علاج سوى التوسّل بسيّد الشهداء عليه السلام وقد حصلت على مرادك ببركة هذا التوسّل.

٢ ـ حضور الزهراء في خرابة الشام

كتب سماحة حجّة الإسلام والمسلمين السيّد مرتضى مجتهدي السيستاني أحد مدرّسي الحوزة العلمية في قم المقدّسة رسالة إلى مكتب انتشارات الإمام الحسين عليه السلام جاء فيها :

نقل العالم الربّاني ومفسّر القرآن الكريم حجّة الإسلام والمسلمين السيّد حسن در افشان (١) بعض كرامات آية الله العظمى السيّد علي السيستاني رحمه الله (٢) فقال :

في أحد الأيّام كنت جالساً عند سماحة آية الله العظمى السيّد علي السيستاني وكنت أدرس كتاب قطر الندى ـ في النحو ـ وكان يرتدي ثوباً خشناً وهو مشغول بالمطالعة ، وبينما هو كذلك إذا بالباب تطرق فأخبروه أنّ معتم الوزراء وراء الباب وهو

__________________

(١) هو ابن أخ آية الله العظمى السيستاني وقد أدركه عمّه مدّة من الزمن.

(٢) المرحوم آية الله العظمى السيستاني من تلاميذ الميرزا الشيرازي الكبير والسيّد الصدر ، وقد أدرك بعض أيّام الشيخ الأنصاري قدس سره.

ينسب هذا المرجع المرحوم إلى مدينة مشهد المقدّسة وله كرامات عديدة ومعروفة وكان من المعارضين المعروفين للحكومة في زمانه.

ولذا فإنّهم حاوا اغتياله أكثر من مرّة إلّا أنّ عناية الصدّيقة الزهراء عليها السلام كانت تخفظه ، وقد توفّي في ١٣ من شهر رمضان المبارك سنة ١٣٤١ ه ودفن في حرم الإمام الرضا عليه السلام.

١٨٥

يريد ملاقاتك ، ففتحوا له الباب وأذنوا له بالدخول وإذا به يدخل بحذاءه ، فلم يعتن به آية الله السيستاني للحظات ثمّ التفت إليه وقال : أما تستحي تطأ الفرش النبوي بحذاءك؟!

فخرج المعتمد وخلع حذاءه ثمّ عاد وأخرج سلاحاً وورقة من جيبه وقال : هذا حكم اعدامك قد صدر من المركز ، فماذا تقول أُنفّذ الحكم أم تسكت وتحترم نفسك؟!

فكشف آية الله السيستاني عن صدره وقال : يابن الخرابات وربيبها تهدّدني؟! اذهب وافرغ السلاح في رأسك!

يقول السيّد حسين در افشان : نظرت إلى المعتمد وإذا بعينيه تدمع ويقول : إنّ أُمّي تعرف ابن من أنا ـ ومراده بذلك أنّني ولد حلال ولست ابن زنا ـ ثمّ وضع سلاحه في جيبه ومضى.

آنذاك التفت ابن عم آية الله السيستاني (١) وقال له : لماذا لم تتق منه؟ أتريد أن تيتّم العالم؟!

فقال آية الله العظمى السيستاني : أُدن منّي ، فدنا السيّد محمّد وجلس بالقرب منه ، حينها التفت آية الله العظمى السيستاني إليه وقال : رأيت البارحة إنّني في خرابة الشام وقد كان جميع أُسارى كربلاء فيها وعلى رأسهم جدّتي الصدّيقة الزهراء عليها السلام ، وحينما دخلت الخرابة أشارت عليَّ جدّتي الزهراء عليها السلام ودعتني أن أدنو منها ، فدنوت منها حتّى أخذتني في حجرها وجعلت تقبّلني وتقول : ولدي قل ولا تخف فأنا أحفظك.

ثمّ التفت آية الله السيستاني إلى السيّد محمّد وقال : إن الذي تحفظه مثل الصدّيقة الزهراء عليها السلام لا يعبأ بمثل هؤلاء الذئاب.

٣ ـ تشيّع امرأة فرنسية

نقل حجّة الإسلام والمسلمين الشيخ محمّد مهدي تاج اللنگرودي في كتابه

__________________

(١) هو آية الله العظمى السيّد محمّد باقر مجتهدي السيستاني والد المرجع الكبير سماحة آية الله العظمى السيّد علي السيستاني دام ظلّه العالي.

١٨٦

«التوسّلات» فقال : ذكر القصّة التالية أحد الوعّاظ المشهورين في فنّ الخطابة والذي سافر أكثر من مرّة لزيارة السيّدة رقيّة عليها السلام في إحدى محاضراته فقال : أهدت إحدى النساء الفرنسيات لحرم السيّدة رقيّة عليها السلام سجّادتين فاخرتين ممّا أثار تعجّب الناس واستغرابهم ، فهم يعلمون أنّ المرأة مسيحية ، ولا ربط لها بالإسلام ، ومع ذلك تأتي من فرنسا وتقدّم هذه الهدية القيّمة؟!

بقي الناس يتساءلون بينهم عن سبب الهدية فحملهم الشوق لمعرفة السبب إلى السؤال من المرأة ، فقالت :

كما ترون ، فإنّني لست مسلمة ، إلّا أنّني وقبل سنوات جئت إلى هنا بمهمّة ونزلت في إحدى المنازل القريبة من الحرم الشريف ، وفي أوّل ليلة ـ وكنت متعبة جدّاً ـ أردت النوم وإذا بي أسمع صوت بكاء شديد ، وحيث أنّ بكاء الزوّار لم يكن ينقطع ، تساءلت من البعض وقلت لهم : من أين هذا البكاء؟ فقالوا : هذا البكاء في حرم طفلة يتيمة مدفونة بالقرب منّا.

في البدء تصوّرت أنّ الطفلة كانت قد ماتت للتوّ والذين يبكون هم أقرباءها إلّا أنّهم قالوا لي : لقد مضى على وفاتها الف عام.

فازداد تعجّبي وتساءلت في نفسي وقلت : لماذا يصنع الناس هكذا بعد مضي مئات السنين على وفاة هذه الطفلة؟! فتبيّن لي فيما بعد أنّ هذه الطفلة تفرق عن سائر الأطفال العاديين ، إنّها طفلة الإمام الحسين عليه السلام الذي قتل الأعداء والدها ظلماً وعدواناً ثمّ سبوا عياله إلى الشام ـ عاصمة يزيد ـ فماتت الطفلة من غصّة فراق أبيها دفنها أهل البيت عليهم السلام في هذا المحلّ.

وحينما جئت إلى الحرم الشريف وشاهدت العشّاق الذين أقبلوا من مختلف بلاد العالم كيف ينذرون ويقدّمون الهدايا للحرم الشريف ويتوسّلون إلى الله تعالى بمقام السيّدة رقيّة عليها السلام كي يقضي حوائجهم ، وقعت محبّة هذه الطفلة بقلبي وأحسست بالإنشداد العظيم إليها منذ أن شاهدت حرمها المبارك.

١٨٧

وبعد مدّة ـ وكنت حاملة ـ أخذوني إلى المستشفى فأخبرني الأطباء بعد الفحوصات وقالوا : لابدّ من اجراء عملية جراحية لك ، فحالة الطفل غير طبيعية ، فازداد اضطرابي وقلقي وبدأت أتساءل في نفسي قائلة : إلهي ماذا أصنع؟ وما هي الحيلة؟! ولا إرادياً أحسست أنّ الحلّ الوحيد لمشكلتي هو التوسّل والدعاء.

آنذاك تذكّرت هذه الطفلة رقيّة عليها السلام وانشددت دون إرادتي إليها وقلت : إلهي أُقسم عليك بحقّ تلك الطفلة التي ألّمتها سياط الظلمة ، وبمظلومية والدها إمام الطاعة ووصي رسولك صلى الله عليه واله إلّا ما خلّصتني ممّا أنا فيه.

ثمّ إنّي خاطبت السيّدة رقية وقلت : سيّدتي إن أنقذتيني من هذه الشدّة فإنّي سأهدي سجّادتين فاخرتين لحرمك الشريف.

شهد الله أنّه لم تمض سوى لحظات على توسّلي ومخاطبتي لهذه الطفلة وإذا بي ألد ولدي بكلّ سهولة على خلاف ما توقّع الأطباء والمتخصّصون فأنجاني الله تعالى من الموت الحتمي ببركة التوسّل بهذه اليتيمة ، والآن جئت بهاتين السجّادتين وفاءً بعهدي الذي عاهدت السيّدة رقيّة عليها السلام عليه.

٤ ـ إسلام امرأة مسيحية

ذكر سماحة حجّة الإسلام السيّد عسكر حيدري وهو من طلّاب الحوزة العلمية الزينبية في الشام الكرامة التالية فقال : في أحد الأيّام أقبلت امرأة مسيحية مع طفلتها المشلولة إلى سوريا بعد أن أجابها دكاترة لبنان وأخبروها بأن لاعلاج لابنتك.

ولحسن الحظّ أنّها استأجرت منزلاً كان قريباً من حرم السيّدة رقيّة عليها السلام واتّخذته كمقرّ لها أثناء بقاءها في سوريا لمعالجة طفلتها المريضة.

وفي أحد الأيّام شاهدت المرأة أفواجاً من الناس يقبلون إلى الحرم الشريف ممّا أثار تعجّبها وتساءلها فقالت : ما الخبر؟ ولماذا يأتي هؤلاء الناس إلى هنا؟ وما هي المناسبة؟ فقالوا لها : إنّ اليوم هو يوم عاشوراء وهذا حرم السيّدة رقيّة بنت الإمام الحسين عليه السلام ، والناس يأتون لإقامة العزاء عند مرقدها الطاهر ، وإذا بالمرأة تترك طفلتها

١٨٨

في البيت وتذهب إلى الحرم الشريف وتتوسّل بالسيّدة رقيّة عليها السلام وتلحّ عليها في قضاء حاجتها بكلّ إخلاص إلى أن فقدت الوعي وعشى عليها ، وفيما هي كذلك أحسّت المرأة أنّ شخصاً يقول لها : قومي واذهبي إلى بيتك فإنّ ابنتك بقيت وحيدة ولا أحد معها وقد شافاها الله تعالى.

وبالفعل فقد استيقظت المرأة وذهبت إلى منزلها وإذا بها تجد طفلتها تلعب وكأن لم يكن بها شيء أصلاً ، آنذاك تساءلت الأُمّ من الطفلة وقالت : ما الخبر؟ وكيف تحسّن حالك؟ قالت : عندما خرجتي من المنزل دخلت طفلة اسمها رقيّة الدار وقالت لي : قومي لنلعب معاً. ثمّ إنّها قالت لي : قولي بسم الله الرحمن الرحيم لتستطيعي القيام والنهوض على قدميك.

ثمّ إنّها أخذت يدي وأوقفتني وقد أحسست منذ ذلك الوقت إنّني قد شفيت من المرض وبينما كانت الطفلة تحدّثني إذا بك تفتحين الباب فقالت : لقد جاءت أُمّك واختفت.

يقول السيّد الحيدري : على أثر هذه الكرامة للسيّدة رقيّة عليها السلام اهتدت المرأة المسيحية ودخلت في مذهب الحقّ مذهب أهل البيت عليهم أفضل الصلاة وأزكى السلام.

٥ ـ وشفيت من جديد

نقل حجّة الإسلام والمسلمين السيّد شهاب الدين الحسيني القمّي فقال : بعث مدّاح اهل البيت عليهم السلام المخلص الحاج أحمد أكبري إليّ رسالة كتب فيها قصّة شفاءه من الموت الحتمي ببركة يتيمة الإمام الحسين عليه السلام السيّدة رقيّة عليها أفضل الصلاة والسلام جاء فيها :

ابتليت بألم شديد عجز الأطباء عن معالجته وتشخيصه وبعد أن العديد من المعاينات والفحوصات قرّروا أن يجروا لي عملية جراحية ، علماً أنّهم أخبروني قبل ذلك أنّ العملية قد تنجح وربما تفشل.

١٨٩

وبعد إجراء العمليةة تبيّن أنّها كانت فاشلة فبقوا فترة الزمن يجرون لي الفحوصات ثمّ أخبروني بأن لا أمل من شفاءك وأنّ موتك حال لا محالة ، فاعقد وصيّتك وودّع أطفالك وأهلك ، ففي أي لحظة يمكن أن تفارق الدنيا.

لذلك بعثت خلف عائلتي وبقيّة الأقرباء والأرحام وكنت مسجّاً على الفراش وقد ربطوا يدي وقدماي واستسلمت للموت. وبعد ساعات أقبل الجميع وأخبرتهم بالقضية وأخذت أُصيهم بوصاياي الأخيرة وأُودّعهم ويودّعوني وقد ضجّ الجميع بالبكاء والنحيب وارتفعت أصوات الحزن والعويل من كلّ جانب ، وأتذكّر أنّ لي طفلة صغيرة قد حضرت لوداعي فضممتها إلى صدري وأخذت أُقبّلها وأُودّعها وداع مفارق لارجعة له أبداً.

وبعد ساعة خرج الجميع بعيون باكية وقلوب مصدّعة وقد هيّأوا أنفسهم لموتى واستلام جنازتي ليقوموا بواجبات الميّت من الغسل والصلاة والدفن وما شابه ذلك.

آنذاك وبعد أن أغلقت جميع الأبواب في وجهي توجّهت إلى عزيزة الإمام الحسين عليه السلام ويتيمته السيّدة رقيّة وأخذت أتوسّل بها وأقرأ مصيبتها المشجية.

ولم تمض لحظات إذا بطفلة كأنّها القفر تقف أمام السرير وتناديني باسمي وتقول : قم يا فلان.

تعجّبت كثيراً واستولت الغرابة عليّ وقلت : يا ترى من هذه التي تعرف اسمي ولا أعرفها؟!

فقلت في نفسي : لعلّها ابنة أحد المرضى النازلين في نفس الغرفة جاءت لتسأل أحوالي ... لحظات قليلة إذا بها تقول ثانية : قم ، فقلت : لا أستطيع إنّ يداي وقدماي مربوطتان وقد منعني الأطباء من الحركة.

قالت : قم ، لماذا تقول أنّ يداك وقدماك مربوطتان؟!

نظرت إلى يدي وقدمي إذا بهما مفتوحتان ، ثمّ أنّها قالت : لماذا لا تقوم؟ قلت : لقد أجرى الأطباء لي عملية ومنعوني من الحركة.

١٩٠

قالت : أين هو محلّ العملية ، أرني إيّاه؟!

فنظرت مكان العملية وإذا بي لا أرى أثراً له أصلاً وقد التأم الجرح تماماً وكأنّني لم أجر عملية جراحية قطّ ، فتعجّبت كثيراً وتساءلت منها وقلت : من أنت؟

قالت : أليس إنّك توسّلت بي قبل قليل ثمّ اختفت عن أنظاري.

مباشرة قمت من السرير وارتديت ثيابي وهرولت إلى الخارج وأخبرت الجميع بكرامة السيّدة رقيّة عليها السلام ، علماً أنّني أحرص كثيراً على ذكر هذه الكرامة في مجالسي.

٦ ـ رفيق الدرب

يقول أحد العلماء الأعلام : عند ما رجعت من بيت الله الحرام سنة ١٣٣٥ ه. ش ذهبت إلى الشام لأزور المراقد المقدّسة فيها ومن هناك أذهب إلى العراق لزيارة العتبات المقدّسة ، وحيث أنّني كنت وحيداً في سوريا تمنّيت أن أحصل على رفيق حسن في سفري يرافقني رحلتي ويؤنسني في غربتي.

وفي أحد الأيّام وبعد أن دخلت حرم السيّدة رقيّة عليها السلام وفرغت من زيارتها الشريفة طلبت منها أن تهيّأ لي رفيق درب يشدّ أزري في السفر ويرافقني في زيارتي.

وقبل أن أخرج من الحرم الشريف تعرّفت على أحد التجّار الخيرين من أهالي الكاظمية وأخبرته عن رغبتي لزيارة العتبات المقدّسة في العراق فأبدى استعداده لمرافقتي وبالفعل فقد سافرت مع هذا التاجر إلى العتبات ـ كربلاء والنجف والكاظمين ـ وكان حقيقة نعم الرفيق وخير صديق في السفر حتّى أنّني لم أشعر بالغربة والوحشة بل عشت معه خير أيّام عمري ... وحقيقة كنت دائماً أُلامس بركة توسّلي بعزيزة الإمام الحسين عليه السلام التي هيّأت لي هكذا صديق في سفري إلى العتبات المقدّسة.

٧ ـ هكذا وفّقت لشراء الكتب

في ليلة السادسة والعشرين من شهر محرّم الحرام سنة ١٤١٨ ه وفّقت لزيارة آية الله السيّد مهدي الحسيني اللاجوردي ، وفي أثناء الزيارة تساءلت منه قائلاً : ألا تعرف شيئاً من كرامات عزيزة الإمام الحسين عليه السلام السيّدة رقيّة عليها السلام لأنقله في طيّات كتابي

١٩١

حول هذه السيّدة الجليلة؟!

فنقل لي القصّة التالية وقال : في إحدى سفراتي إلى سوريا وبينما كنت أتمشّى مع أحد الأصدقاء بالقرب من المسجد الأموي شاهدت بعض الكتب الخطّية القديمة جدّاً ومنها كتاب نهج البلاغة بخطّ أحد العلماء الأعلام عام (٦٠٠ ه). وحينما سألت من البائع عن قيمتها طلب مبلغاً كبيراً جدّاً لم أكن أملكه أصلاً ، ولذا ذهبت إلى زيارة السيّدة رقيّة عليها السلام وتوسّلت بها وطلبت منها أن تجعل الكتب من نصيبي ، وفي أثناء عودتي إلى المنزل مررت على نفس بائع الكتب وإذا به يناديني قائلاً : سيّدنا تعال أريد أن أبيع الكتب وقيمتها باختيارك.

وبحمد الله وعناية السيّدة رقيّة عليها السلام فقد اشتريت الكتب وصارت من نصيبي وهي إلى الآن موجودة عندي في المكتبة ، ولا يخفى أنّ هذه الكرامة هي من أقلّ كرامات السيّدة رقيّة عليها السلام.

٨ ـ توسّل آخر

نقل العالم الجليل الورع سماحة حجّة الإسلام والمسلمين السيّد مرتضى المجتهدي السيستاني حفظه الله أحد مدرّسي الحوزة العلمية في مدينة قمّ المقدّسة عن الحاج صادق متقيّان أحد خدمة الإمام الحسين عليه السلام المخلصين في مدينة مشهد المقدّسة في شهر محرّم الحرام سنة ١٤١٨ ه أنّه قال : مضت ثمان سنين على زواج ابنتي ولم ترزق بمولود وقد راجعت العديد من الأطباء والمتخصّصين ولكن دون جدوى إلى أن عزمت السفر إلى سوريا في شهر صفر المظفّر سنة ١٤١٧ ه وقبل سفري بقليل أعطتني زوجتي كاروكاً كانت قد أعدّته بيدها وقالت : اعقده بضريح السيّدة رقيّة ليقضي الله حاجة ابنتي وتنظر السيّدة رقيّة عليها السلام نظرة رحيمة. وبالفعل فقد أخذت المهد إلى الشام وحينما ذهبت إلى زيارة عزيزة الإمام الحسين عليه السلام السيّدة رقيّة عليها السلام ودخلت حرمها الشريف أخذتني روحانية عجيبة وغرقت في عالم مليئ بالحزن والمأساة فتوجّهت نحو الضريح الطاهر بروحانية وتوجّه خاص وعقدت «الكاروك» به.

١٩٢

وبينما أنا كذلك إذا بشخص كان ينظر إليّ يقول : أنت أيضاً لماذا تعتقد بمثل هذه العقائد؟! قلت : إنّ عقيدتي بالسيّدة رقيّة عليها السلام لا بـ «الكاروك» وما هذا «الكاروك» إلّا وسيلة لإظهار عقيدتي بهذه السيّدة الجليلة علّني أنال لطفها وعنايتها ، وكلّ شخص يظهر محبّته وولائه حسب عقيدته ومعرفته ، وهذا هو قدر معرفتي بالسيّدة رقيّة عليها السلام ولا يقدح ذلك بمقامها العالي ومكانتها الرفيعة.

وبعد رجوعي من زيارة العتبات المقدّسة في سوريا لم تمض سوى أيّام قليلة إذا بزوجتي تقول : يجب أن نأخذ «فلانة» إلى المستشفى لتجري الفحوصات ونرى هل أنّ السيّدة رقيّة عليها السلام تشفّعت إلى الله في قضاء حاجتنا أم لا؟!

وبعد إجراء الفحوصات تبيّن أنّها حامل وأنّنا عبر هذا «الكاروك» الصغير استطعنا أن ننال عناية هذه السيّدة العظيمة الجليلة ونحصل على شفاعتها عند الله في قضاء حاجتنا علماً أنّ ابنتي الآن لديها طفل صغير.

٩ ـ إنّها السيّدة رقيّة عليها السلام

بعث سماحة حجّة الإسلام والمسلمين الشيخ محمّد علي برهاني فريدني حفظه الله رسالة لدفتر انتشارات الإمام الحسين عليه السلام ذكر فيها كرامة للسيّدة رقيّة عليها السلام فقال : استجابة لأمر سماحة حجّة الإسلام والمسلمين ونخبة المتّقين الشيخ علي الربّاني الخلخالي «دامت توفيقاته» أُشير إلى كرامة حصلت في أحد المجالس قبل (٣٤) سنة تقريباً وقد نقلها سماحة الخطيب المشهور السيّد عبدالله تقوي شفاهياً فقال :

من لطف الله تعالى عليَّ وتوفيقاته لي أنّه أنعم عليَّ منذ سنين بخدمة سيّد الشهداء عليه السلام من خلال ارتقائي المنبر في مدينة طهران.

وفي إحدى الليالي وبعد أن فرغت من المجلس ورجعت إلى المنزل رنّ الهاتف عند الساعة التاسعة ليلاً تقريباً فرفعت السمّاعة وإذا به أحد الأصدقاء ، وبعد السلام والتحيّة قال : إنّ «فلان» الكاسب قد توفّي وغداً بعد الظهر سيكون مجلس الفاتحة وقد اقترحت على أبناء المرحوم أن ترتقي أنت المنبر.

١٩٣

فلا تنسى أن تعدّ نفسك غداً بعد الظهر عند الساعة الثالثة أو الرابعة.

وفي نفس الوقت تذكّرت أنّني في الليلة الماضية قرأت مجلساً شهرياً ـ أي كلّ شهر يقرؤون ليلة واحدة ـ في أحد المنازل التي نسيت عنوانه وبعد المجلس جاءتني إحدى النساء وتوسّلت بي كثيراً كي أقرأ لها مجلساً يوم غد في نفس ساعة ذلك المجلس وذلك في المنزل المقابل للمنزل الذي قرأت فيه الليلة البارحة.

وقد ذكرت المرأة أنّها لديها نذر وتريد أن تطعم بعد المجلس تبرّكاً باسم السيّدة رقيّة عليها السلام التي سيكون المجلس باسمها ، ولذا طلبت منّي أن أعدّ نفسي لقراءة مصيبة هذه السيّدة المظلومة وأتوسّل بها لقضاء حاجتها.

وعلى كلّ فقد أخبرت صاحبي أنّني وعدت تلك المرأة أن أقرأ لها مجلساً حول السيّدة رقيّة عليها السلام ولذا فإنّني لا أستطيع القراءة في مجلس الفاتحة.

فتأثّر صاحبي كثيراً وقال : إنّك كيف تفكّر؟! لقد أردت خدمتك.

وبعد لحظات أخذت أُفكّر وأتأمّل وأقول في نفسي : كم مجلس يجب أن نقرأ للسيّدة رقيّة عليها السلام وعلي الأصغر حتّى يعطوني ثلاثين توماناً؟! أمّا إنّني إذا قرأت مجلس التاجر فإنّهم حتماً سيعطوني مبلغاً جيّداً.

ولذا فقد انصرفت عن الذهاب إلى مجلس المرأة ثمّ ذهبت إلى النوم. وفي عالم الرؤيا رأيت أنّني في نفس الشارع الذي يقع فيه منزل المرأة وكان هناك سيّد نوراني جميل المنظر قد أخذ بيد طفلة عمرها ثلاث سنين ، فسلّمت عليه وسألت أحواله وسألته عن اسمه ومسكنه فقال : إنّني أحضر في كلّ المجالس وهذه ابنتي رقيّة ، فلا تبعنا يا سيّد بمادّيات الدنيا؟!

كما أضاف ذلك الرجل قائلاً : لماذا تترك تلك المرأة تترقّب حضورك وتنتظر مجيئك بعد أن وعدتها أن تأتي إلى بيتها وتقرأ لها المجلس؟!

ولماذا تريد تخلف الوعد وترجّح مجلس التاجر ، حتّى يعطوك أموالاً أكثر؟!

فاستيقظت من النوم فزعاً حزيناً ولا إرادياً أخذت الهاتف واتّصلت بصاحبي

١٩٤

وقلت له ودموعي تجري : «فلان» لا تنتظروني غداً في مجلس التاجر ، فمن المستحيل أن أقرأ لكم هذا المجلس.

وفي اليوم الثاني ذهبت إلى مجلس المرأة وقرأت مصيبة السيّدة رقيّة عليها السلام ونقلت القضية على المنبر فانقلب المجلس وضجّ الحضور بالبكاء بما فيهم أنا وقد عمّت ذلك المجلس حالة من الروحانية لم أر لها مثيلاً بحيث إنّ الحضور بقوا يبكون إلى فترة من ختام المجلس. الجدير بالذكر أنّ رائحة طيّبة انتشرت في المجلس لم استشم مثلها من قبل قطّ.

١٠ ـ من آثار التوسّل بالسيّدة رقيّة عليها السلام

نقل سماحة حجّة الإسلام والمسلمين الشيخ هادي أشرفي التبريزي فقال : في إحدى سفراتي إلى تبريز وكنت نازلاً ضيفاً عند أُختي دار الحديث حول عزيزة الإمام الحسين عليه السلام السيّدة رقيّة عليها السلام ، فقلت للحضور : إنّ البعض ينفون أن تكون للإمام الحسين عليه السلام طفلة بهذا الاسم ويكذّبون الأخبار الواردة في ذلك.

وفجأة إذا بعمّة أُختي ـ أي أُمّ زوجها ـ تلتفت إليّ وقد بدت حالة العصبانية والغضب على وجهها وقالت : لو أنكر الجميع حقيقة السيّدة رقيّة عليها السلام فلن أعتقد بكلام واحد منهم ، فإنّني ولأكثر من مرّة توسّلت بها وأخذت حاجتي منها ثمّ ذكرت القضية التالية فقالت :

قبل فترة كان ولدي «صابر ريحاني» قد ذهب إلى الجندية في إحدى المقرّات العسكرية في أهواز.

وفي أحد الأيّام مرّ زوجي الذي كان يقود سيارة «الشاحنة» على حادث لناقلة المسافرين كانت تحمل مجنّدين ، والمؤسف أنّ جميع الركّاب قد ماتوا ، فرجع زوجي إلى المنزل قلقاً مضطرباً شاحب اللون.

وبعد أن أتّصلنا بالمقرّ العسكري وسألنا عن «صابر» أخبرونا أنّه ليس موجوداً في المقرّ وإنّه قد أخذ اجازة عن الخدمة فازداد قلقنا ، وفي نفس اليوم أخبرنا بعض الجيران

١٩٥

أنّ البعض كان يسأل عن منزل أحد الجنود كان اسم والده «قدرة الله» ليخبروا أهله بموته فبدأنا نظنّ بقوّة بل نتيقّن بموت صابر.

آنذاك وفيما كنت مضطربة توجّهت بكلّ إخلاص إلى السيّدة رقيّة عليها السلام وخاطبتها قائلة : سيّدتي أنت تعلمين بضعف حالتي وفقري ولكن إذا بلغني خبر عن سلامة ولدي فسأُطعم الفقراء مقدار من الحليب. وما هي إلّا لحظات إذا بالهاتف يرنّ فرفعت السمّاعة والاضطراب يخيم على كياني وإذا به ولدي صابر ، وما أن سمعت صوته وإذا بي أسقط مغشيّة فهرع ولدي الأكبر وتناول السمّاعة وإذا صابر يخبره أنّه كان في إجازة عندما اتّصلنا به ولمّا عاد إلى المقرّ العسكري أخبروه باتّصالنا فاتّصل بنا ليطمأننا على أحواله.

١١ ـ قلّ له يسمّيه حسيناً

بعث سماحة حجّة الإسلام والمسلمين الشيخ محمود شريعة زاده الخراساني رسالة إلى مكتب الإمام الحسين كتبها في تاريخ ٢ جمادي الآخرة ١٤١٨ ه وجاء فيها : دخلت في أحد الأيّام حرم السيّدة رقيّة عليها السلام فرأيت مجموعة من الناس كانوا واقفين مقابل الضريح المقدّس يقرؤون الزيارة الشريفة بينما كان مدّاح أهل البيت عليهم السلام الحاج نيكوئي يقرأ لهم المصيبة وقد ذكر القضية التالية فقال :

فيما كان مسؤولوا حرم السيّدة رقيّة عليها السلام يشترون المنازل المجاورة لتوسعة المرقد الشريف رفض أحد اليهود أو النصارى المجاورين للحرم أن يبيع منزله وبقي يصرّ على ذلك علماً أنّهم عرضوا عليه أكثر من ضعفي قيمة منزله إلّا أنّه رفض وبقي يعاند بكلّ إصرار.

وبعد مدّة من الزمن حملت زوجة الرجل ، وقبل ولادتها أخذها إلى بعض الدكاترة لمعاينة حالتها فأخبروه أنّ الأُمّ والطفل معرّضان للخطر ولذا من اللازم أن يبقيا تحت إشرافنا هذه المدّة. يقول الرجل : عندما أخذ الطلق من الزوجتي مأخذة أخذتها إلى المستشفى ورجعت إلى حرم السيّدة رقيّة عليها السلام وبقيت أتوسّل بها وقد عاهدتها بأنّها إذا تشفّعت لي في سلامة زوجتي وطفلي فإنّني أهدي المنزل إليها.

١٩٦

بقيت فترة أتوسّل بها ثمّ ذهبت إلى المتستشفى فوجدت زوجتي جالسة على «سرير» وفي حجرها طفل وهما في أحسن حال وهي تقول : أين ذهبت؟ قلت : لقد كان لدي أمر مهمّ ذهبت لأداءه ، فقالت : لا ، لقد ذهبت وتوسّلت بابنة الإمام الحسين عليه السلام ، قلت : من أين عرفتي؟ قالت : عندما كنت أُعاني آلام الطلق أُغمي عليَّ وإذا بطفلة صغيرة دخلت الغرفة وقالت : لا تقلقي ، لقد طلبت من الله تعالى سلامتك أنت وطفلك وهو ولد.

ثمّ أنّها قالت : أبلغي سلامي إلى زوجك وقولي له يسمّيه حسيناً ، فقلت لها : من أنت؟ قالت : أنا رقيّة بنت الإمام الحسين عليه السلام.

ولمّا فرغ المدّاح المذكور «الحاج نيكوئي» من قراءة المصيبة سألت منه : من أين لك هذه القصّة؟ قال : سمعتها من خادم حرم السيّدة رقيّة عليها السلام وهو من أهل السنّة وكان يفتخر بهذه الخدمة ، وكان أبوه أيضاً يخدم معه في حرم السيّدة رقيّة عليها السلام.

١٢ ـ إنّها الطفلة التي رأيتها في المنام

وذكر حجّة الإسلام والمسلمين الشيخ محمود شريعة زاده في نفس الرسالة فقال : سماحة حجّة الإسلام والمسلمين خادم أهل البيت عليهم السلام الشيخ علي الربّاني الخلخالي دام عزّه سمعت القصّة التالية من البعض ، وحيث أنّها قصّة عجيبة وجدت من الجدير بي أن أذكرها لك وهي :

في أحد الأيّام كنت في حرم السيّدة رقيّة عليها السلام مشغولاً بذكر مصيبتها المشجية فسمعت أصوات بعض النساء يصحن بينما كانت إحداهنّ قد أُغمي عليها من شدّة المصيبة.

وبعد المجلس أفاقت المرأة وجاءت إليّ وقالت :

كنت مبتلاة بمرض القلب وقد أجابني الدكاترة بعدم الفائدة من العلاج فيأست من الحياة وسأمتها وقلت لزوجي : أُريد الذهاب إلى حرم السيّدة رقيّة عليها السلام ففي الليلة البارحة رأيت في عالم الرؤيا طفلة صغيرة أعطتني ورقة خضراء وقالت : إذا أردت أن يتحسّن حالك فكلي هذه الورقة ، فسألتها : من أنت؟ قالت : أنا رقيّة بنت الإمام

١٩٧

الحسين عليه السلام ، واليوم وبعد أن استيقظت من النوم جئت إلى الحرم الشريف فوجدتك تقرأ مصيبة السيّدة رقيّة عليها السلام فشاهدت نفس الطفلة في عالم اليقظة تقدّم لي نفس الورقة الخضراء وقد شاهد الذين كانوا معي هذه القضية ، ولذلك لم أتحمّل ذلك المنظر العجيب وأُغشي عليَّ من شدّة الهول.

والآن وبحمد الله تعالى فإنّ حالي على أحسن وجه وكأنّ المرض قد ذهب عنّي كاملاً.

١٣ ـ بركات التوسّل بالسيّدة رقيّة

بعث سماحة الحاج عبدالحسين الاسماعيلي القمشه اي ـ وهو الشخصيات المثقّفة ـ في مدينة «شهر رضا» رسالة إلى مكتب الإمام الحسين عليه السلام ذكر فيها كرامة للسيّدة رقيّة عليها السلام حصلت له شخصياً وذلك بعد أن سألناه أن يذكر لنا ما يعرفه من الكرامات لهذه السيّدة الجليلة فقال : لقد حصلت هذه القضية قبل خمسة عشر سنة تقريباً ـ أي في بدايات الانقلاب الإسلامي في ايران ـ فقد كنت مقيماً في دولة الكويت ، وفي تاريخ ٧ مهر ١٣٦١ ه. ش عزمت الذهاب إلى الكويت ولكن عن طريق سوريا لأبقى فيها يومين وأحظى بزيارة العتبات المقدّسة ، وفي سوريا حصلت لي هذه القضية العجيبة ، فقد كانت لي حاجة مهمّة ولذا فإنّني لمّا دخلت حرم السيّدة رقيّة ألقيت بنفسي على أعتاب الضريح الطاهر وخاطبت السيّدة رقيّة قائلاً : يا عزيزة الحسين عليه السلام إنّ أخذي بأطراف ضريحك هو كناية عن أخذي بأذيالك الطاهرة وإنّك تعرفين حاجتي وعلمك بحالي يكفيك عن سؤالي ، فبحقّك عندالله تعالى ، وبجاه أجدادك الطاهرين إلّا ما سألت والدك سيّد الشهداء عليه السلام أن يشفع لي عند جدّه رسول الله صلى الله عليه واله في قضاء حاجتي.

ولمّا عزمت السفر إلى الكويت وقد كانت أيّام الحرب المشؤومة التي شنّها البعثيون ضدّ ايران وكانت الحكومة الايرانية تمنع أن يأخذ المسافر معه أكثر من الفين تومان وهو مبلغ زهيد جدّاً إلّا أنّني كنت أقضي سفرتي بأن أقترض من البعض مقدار من المال لأسدّ به تكاليف السفر كالكراية وما شابه ثمّ أُرجعها لهم في ايران. وعلى كلّ عندما ذهبت إلى

١٩٨

الكويت عرفت أنّ الحكومة الايرانية سمحت للايرانيين المقيمين في الكويت أن يدخلوا ما يعادل مئة الف تومان من البضاعة إلى البلد ولذا فقد وقعت في مضيقة مالية ولم أجد من يقرضني مبلغاً من المال لأقضي به بعض احتياجات سفري إلى ايران كالأُجرة وما شابه.

وفي إحدى الليالي عند السحر توسّلت مرّة أُخرى بالسيّدة رقيّة عليها السلام وقلت لها : سيّدتي أين جواب توسّلي بك؟

مباشرة وبدون أيّة مقدّمات طرأ في ذهني ما يلي : أن أذهب إلى المدرسة الايرانية وأعمل عندهم كخطّاط ، وبالفعل فقد قضت السيّدة رقيّة عليها السلام حاجتي حيث وافق مسؤولوا لمدرسة على طلبي وحلّت مشكلتي تماماً.

وبعد سنة من القضية ذهبت إلى الكويت بدعوة من وزارة التعليم إلّا إنّني أُخرجت منها لشدّة المضايقات على الايرانيين في الكويت جرّاء الحرب المفروضة على ايران وهذا أيضاً بعناية السيّدة رقيّة عليها السلام وقد أذكر لكم تفاصيله في يوم ما.

١٤ ـ هكذا ذهبت إلى الحجّ

كتب سماحة المحقّق الشيخ علي أبو الحسني (منذر) في مقالة له فقال : طلب سماحة حجّة الإسلام والمسلمين الشيخ علي ربّاني الخلخالي (دام ظلّه) منّي أن أكتب له شيئاً ممّا رأيته أو سمعته من كرامات يتيمة الشام السيّدة رقيّة عليها السلام لينقلها للقرّاء الكرام فانتخبت له الكرامة التالية :

ففي ليلة السبت الموافقة ٢آبان ١٣٧٦ ه. ش كنت عند والدتي في منزل والدي حجّة الإسلام والمسلمين الشيخ محمد أبو الحسني ، وتساءلت منها قائلاً : لقد ذهبت مع الوالد أكثر من مرّة إلى العتبات المقدّسة في العراق وسوريا ، فهل رأيت كرامة للسيّدة رقيّة عليها السلام لينقلها سماحة الشيخ علي الخلخالي في كتابه «السيّدة رقيّة بنت الإمام الحسين» فتأوّهت الوالدة العزيزة وقالت : نعم ، لقد رأيت كرامة للسيّدة رقيّة عليها السلام بعيناي ، ففي بداية حكومة «البازرگان» وفي شهر رجب سنة ١٣٩٩ ه. ش تقريباً

١٩٩

أعطاني والدك صورته وصور اخوانك وقال : اذهبي إلى السفارة العراقية لعلّهم يعطوك «تأشيرة» لنذهب بها إلى زيارة سيّد الشهداء عليه السلام.

فأخذت الصور وذهبت إلى السفارة وكتبت أسمائنا خلفها وقدّمتها إليهم ثمّ رجعت إلى المنزل ، وبقينا ننتظر أن يعلنوا أسمائنا للزيارة. وبعد أشهر ـ وكنّا ننتظر يعلنوا عن أسمائنا بفارق الصبر علّنا نوفّق لزيارة أبا عبدالله عليه السلام ـ وفي شهر رمضان بالذات ، راجعت السفارة أكثر من مرّة علّني أجد خبراً منهم إلّا إنّني في كلّ مرّة أعود خائبة مهمومة.

وفي شهر شوال راجعت السفارة وكانت قد أعلنت عن أسماء البعض إلّا أنّ أسمائنا لم تكن معها ، رجعت إلى المنزل مغمومة حزينة باكلية وقد توجّهت إلى الله تعالى وقلت : إلهي إمّا أن تقسم لنا زيارة حجّ بيتك الحرام أو زيارة العتبات المقدّسة ، وحقيقة كنت مشتاقة أيضاً لزيارة بيت الله الحرام إلّا إنّنا لم نكن نملك جواز السفر الخاص لزيارة بيت الله الحرام أيّام الحجّ الأمر الذي جعلني أفقد الأمل في الذهاب إلى بيت الله الحرام.

لحظات قليلة إذا بزوجي يدخل الدار ويقول : ماذا حصل؟ فهل أعلنوا أسمائنا؟ قلت : لا ، فاغتمّ هو أيضاً.

وفي تلك الأيّام كان زوجي يرتقي المنبر في منزل آية الله الزنجاني ، ولمّا رآه السيّد الزنجاني مغموماً تساءل منه وقال : ما هي مشكلتك؟ فنقل والدك له القضية ، وإذا بآية الله الزنجاني يطمئنه ويقول : لا بأس عليك سأكتب لك رسالة للسفارة السعودية ليعطوك تأشيرة الذهاب إلى بيت الله الحرام.

وبالفعل فقد كتب له الرسالة وأخذها والدك إلى السفارة السعودية وتحدّث معهم بالعربية فاستأنسوا به وأعطوه تأشيرة له وحده وهو يتصوّر أنّهم أعطوه تأشيرة لنا جميعاً ... ولمّا عاد والدك إلى المنزل وأخبرنا بالخبر كنّا لا نصدّق من شدّة الفرح خاصّة الأطفال الذين كانوا يذهبون لأوّل مرّة إلى بيت الله الحرام.

وفي نصف شوال تقريباً سنة ١٣٩٩ ه وبعد أن أعدّ والدك لوازم السفر إلى سوريا

٢٠٠