أخلاق أهل البيت عليهم السلام

السيد علي الحسيني الصدر

أخلاق أهل البيت عليهم السلام

المؤلف:

السيد علي الحسيني الصدر


الموضوع : الأخلاق
الناشر: منشورات دليل ما
المطبعة: نگارش
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-397-654-5
الصفحات: ٢٤٤
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

(١١) وطيب المخالقة

المخالقة : مفاعلة من الخُلق بضمّتين ، يعني : المعاشرة .

يُقال : خالَقَ القوم أي عاشرهم بخلق حَسَن .

فتكون المخالقة هنا بمعنى المعاشرة مع الناس .

والطيب : هو الحسن الذاتي ، ويُطلق على ما هو طيّبٌ واقعاً وذاتاً ، لذلك يطلق على العطور بأنّها طيب ، ولا يقال للشيء المعطّر بأنّها طيب ، بل يقال : إنّه مطيّب .

وفيها نحن فيه المعاشرة مع الناس قد تكون بسجيّة طيّبة ، وقد تكون بسجيّة غير طيّبة .

وفي هذا الدّعاء الشريف عبّر الإمام عليه‌السلام بطيب المخالقة ، ولم يقل حسن المخالقة ، إشارة إلى طلب السجيّة الطيّبة الذاتيّة الواقعيّة ، والعلاقة الودّية الحقيقيّة ، فهي التي تكون حلية الصالحين ، وزينة المتّقين .

دون العلاقة الحسنة الظاهريّة ، التي قد تكون مراوغة وحيلة إذا لم تطابق قلب الإنسان وباطنه ..

فإنّك ترى أنّه قد يعاشر أحدٌ مع شخصٍ ، فيُحسن في معاشرته ويضاحكه

١٨١

ويمازحه ويلاطفه بلسانه ، مراوغةً مصانعةً ، لا حقيقة ، وهذه مخالقة غير طيّبة ، بل غير حسنة كما هو المنقول عن شريح القاضي الذي ضُرب به المثل في مراوغاته ومصانعاته فقيل :

( شريح أدهى من الثعلب ) .

في قضيّةٍ ينقلها الشعبي ، وجاء ذكره في كتاب الدميري(١) .

فالطيب من المخالقة هي التي تكون حقيقيّة واقعيّة ، ويستمرّ عليها حتّى تصير سجيّة ذاتيّة ، وهي المطلوبة في الدعاء الشريف .

والاُسوة والقدوة في المخالقة والمعاشرة الطيّبة مع الناس هم أهل البيت عليهم‌السلام الذين طابت معاشراتهم مع الناس في جميع أدوار حياتهم ، في حكومتهم وغير حكومتهم ، مع أصحابهم وغير أصحابهم ، مع أوليائهم وأعدائهم ، حتّى مع خدّامهم .

كانت معاشراتهم معهم طيّبة حقيقيّة ، وصافية صفو الماء الزلال ، وصادقةً صدق الحقّ الأبلج ، كما تلاحظ ذلك بوضوح في سيرتهم الغرّاء ، وحياتهم المباركة .

ومن أمثلة ذلك : ـ

١ ـ أمير المؤمنين عليه‌السلام ... ذهب إلى السوق ، واشترى ثوبين ، أحدهما بدرهمين ، والآخر بثلاث دراهم .

فأعطى الثوب ذا الثلاث دراهم لخادمه قنبر المعاشر معه ، ولبس هو عليه‌السلام الثوب ذا الدرهمين .

٢ ـ الإمام الحسين عليه‌السلام .. وهب بستانه لغلامه صافي ، حتّى أنّه استأذن منه لدخوله هو إلى البستان .

وهبه له لكونه غلاماً شكوراً ، ومُنفقاً من طعامه على كلب البُستان ، فأحسن الإمام في عشرته .

__________________________________

(١) حياة الحيوان / ج ١ / ص ١٧٣ .

١٨٢

٣ ـ الإمام الصادق عليه‌السلام .. أبطأ عليه خادمه ونام ولم ينجز ما طلبه الإمام منه ، فسار الإمام عليه‌السلام في طلبه فوجده نائماً ، فجلس عند رأس الخادم ، يروّح له بيده حتّى لا يصيبه الحرّ .

وفي برهةٍ من الزمان كان الإمام الصادق عليه‌السلام مبعّداً إلى الحيرة(١) من قبل المنصور الدوانيقي الذي عادى الإمام عليه‌السلام ، محاربةً لعلمه الإلهي ، ومعارضةً لحقّه الشرعي ، وإغلاقاً لباب أهل البيت عليهم‌السلام الذين كانوا الأصحاب الحقيقيّين لخلافة الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وحين وجود الإمام الصادق عليه‌السلام في الحيرة كان معه خادمه المعلّى بن خنيس . وفي ليلة من تلك الليالي التي كانت من ليالي الصيف ، أمر الإمام عليه‌السلام أن يُفرش له فراشه في الصحراء ، ليكون نومه وعبادته هناك .

وأمرَ أن يُؤتى بسراجٍ ومركبٍ له وللمعلّى بن خنيس .

فجيء بسراجٍ وبغلةٍ وحمار ..

فركب هو عليه‌السلام الحمار ، وأمر المعلّى أن يركب البغل الذي هو أحسن من الحمار ، فذهبوا إلى الصحراء ، ثمّ ذهبوا من هناك إلى زيارة مرقد أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فتلاحظ طيب عشرته مع خادمه حيث فضّله على نفسه في المركب إيثاراً .

٤ ـ الإمام الرضا عليه‌السلام .. كان يجلس على مائدة الطعام مع غلمانه وخَدَمه ، وهو سلطان الدِّين والدّنيا والآخرة .

حتّى في حال مسموميّته وتألّمه لم يترك ذلك ، بل كان يعاشرهم بأطيب المخالقة ، وأفضل معاشرة .

__________________________________

(١) الحيرة : كانت بلدة على بُعد ٥ كيلومترات من جنوب الكوفة كما في المنجد / ص ١٧٠ .

١٨٣

وهكذا سائر الأئمّة المعصومين عليهم‌السلام ، الذين هم أشرف خلق الله تعالى ، ترى أنّهم كانوا يحسنون المعاشرة الطيّبة مع جميع طبقات الخلق ، ويأمرون بحسن المعاشرة ، وطلاقة الوجه مع المعاشرين .

ففي حديث الإمام الصادق عليه‌السلام قال : ـ

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :

يا بني عبد المطّلب ، إنّكم لن تسعوا الناس بأموالكم ، فألقوهم بطلاقة الوجه ، وحُسن البُشر(١) .

وفي حديثٍ آخر : ـ

صنائع المعروف ، وحُسن البُشر ، يكسبان المحبّة ، ويُدخلان الجنّة .. والبخل وعبوس الوجه يبعّدان من الله ، ويُدخلان النار(٢) .

وعن الإمام الصادق عليه‌السلام أيضاً أنّه قال : ـ

عليكم بالصلاة في المساجد ، وحسن الجوار للناس ، وإقامة الشهادة ، وحضور الجنائز ، إنّه لابدّ لكم من الناس ...(٣) .

وفي حديث أبي الربيع الشامي قال : ـ

دخلتُ على أبي عبد الله عليه‌السلام ، والبيت غاصّ بأهله ، فيه الخراساني ، والشامي ، ومن أهل الآفاق .

فلم أجد موضعاً أقعد فيه ، فجلس أبو عبد الله عليه‌السلام وكان متّكئاً ثمّ قال : يا شيعة آل محمّد ، إنّه ليس منّا من لم يملك نفسه عند غضبه ، ومن لم يُحسن صحبة من صَحِبَه ، ومخالقة مَن خالقَه ، ومرافقة مَن رافقَهُ ، ومجاورة مَن جاورَهُ ، وممالحة مَن مالحهُ .

__________________________________

(١) اُصول الكافي / ج ٢ / ص ٨٤ .

(٢) اُصول الكافي / ج ٢ / ص ٨٥ .

(٣) اُصول الكافي / ج ٢ / ص ٤٦٤ .

١٨٤

يا شيعة آل محمّد ، اتّقوا الله ما استطعتم ، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله(١) .

فطيب المخالقة ، وحسن المعاشرة مع الناس ، من الصفات الكريمة ، والخصال المباركة التي تجعلنا من شيعة آل محمّد صلوات الله عليهم أجمعين .

إذ هي من حلية الصالحين ، وزينة الأتقياء ..

والمتّقون الصالحون هم شيعة أهل البيت عليهم‌السلام .

__________________________________

(١) اُصول الكافي / ج ٢ / ص ٤٦٥ .

١٨٥

١٨٦

(١٢) والسَّبقِ إلى الفضيلة

السَبْق بسكون الباء هو : التقدّم ...

يُقال : سَبَق إلى الشيء سبْقاً يعني : تقدّم إليه وخلَّفَ غيره .

والفضيلة : مقابل الرذيلة والنقيصة .

ومعنى الفضيلة هي الدرجة الرفيعة والمقام الرفيع .

وكذلك ما يوجب تلك الدرجة والمقام ، كالإحسان إلى الخلق ، وإعانة الضعيف ، وكفالة اليتيم ، وإغاثة الملهوف ، والانتصار للمظلوم ، وإطعام الطعام ، ونشر العلم ، وجهاد العدوّ ، والمجاهدة مع النفس ، وإتيان اُمور الخير ، كلّ ذلك من موجبات الفضيلة .

والمطلوب في هذه الفقرة من الدعاء الشريف هو ما يكون من حلية الصالحين وزينة المتّقين ، وهو استباقهم وحيازتهم قصب السبق في درك الفضائل ، والأعمال الخيريّة التي توجب الفضيلة والدرجة الرفيعة .

والتسابق إلى مفاضل الأعمال ، وصنائع الخيرات فضلٌ محبوب ومرغوب رُغّب فيه شرعاً وعقلاً ، وكتاباً وسنّةً .

١٨٧

قال تعالى : ـ

( وَلَوْ شَاءَ اللَّـهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّـهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ) (١) .

وقال عزّ اسمه : ـ

( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (١٠) أُولَـٰئِكَ الْمُقَرَّبُونَ )(٢) .

وفي الحديث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : ـ

( مَن فُتح له بابٌ من الخير فلينتهزه ، فإنّه لا يدري متىٰ يُغلق )(٣) .

وعن الإمام زين العابدين عليه‌السلام أنّه قال : ـ

( إذا كان يوم القيامة جمع الله تبارك وتعالى الأوّلين والآخرين في صعيدٍ واحد ، ثمّ ينادي منادٍ أين أهل الفضل ؟

قال : فيقوم عُنقٌ من الناس ، فتتلقّاهم الملائكة ، فيقولون : ما كان فضلكم ؟ فيقولون : كنّا نصِلُ مَن قطَعَنا ، ونُعطي مَن حَرَمنا ، ونعفو عمّن ظَلَمنا .

فيُقال لهم : صدقتم ، اُدخلوا الجنّة )(٤) .

وفي حديث : الإمام الصادق عليه‌السلام لعمّار : ـ

( يا عمّار ، أنت ربُّ مالٍ كثير ؟

قال : نعم ، جُعلتُ فداك .

قال عليه‌السلام ـ فتؤدّي ما افترض الله عليك من الزكاة ؟

قال : ـ نعم .

__________________________________

(١) سورة المائدة : الآية ٤٨ .

(٢) سورة الواقعة : الآية ١٠ و ١١ .

(٣) ميزان الحكمة / ج ٧ / ص ٤٤٤ .

(٤) مستدرك السفينة / ج ٨ / ص ٢٣٣ .

١٨٨

قال عليه‌السلام : ـ فتصِل قرابتك ؟

قال : ـ نعم .

قال عليه‌السلام : ـ فتصِل إخوانَك ؟

قال : ـ نعم .

فقال عليه‌السلام : ـ يا عمّار ، إنّ المال يَفنىٰ ، والبدن يَبلىٰ ، والعمل يبقىٰ ، والديّان حيٌّ لا يموت .

يا عمّار : إنّه ما قدّمت فلن يسبقك ، وما أخّرتَ فلن يلحقَك )(١) .

وفي حديثه الآخر : ـ

( أيّما مؤمن أوصل إلى أخيه المؤمن معروفاً فقد أوصل ذلك إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله )(٢) .

والمثلُ الأعلى ، والقدوة الأسمىٰ في السّبق إلى الفضائل هم أهل البيت عليهم‌السلام ، وفيهم نزل قوله تعالى : ـ ( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (١٠) أُولَـٰئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ) »(٣) .

فهم عليهم‌السلام سبقوا الناس في جميع الفضائل منذ أوّل خلقهم في عالم الذرّ ، إلى آخر حياتهم في عالم الدُّنيا ...

وهم السابقون إلى الله تعالى في الدُّنيا والآخرة ..

سبقوا إلى الجواب ببلىٰ ، عند سؤاله تعالى : ( أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ) في الذرّ .

وسبقوا إلى الخيرات في الدُّنيا .

وسبقوا إلى الجنّة في الآخرة .

ومَن غير عليّ عليه‌السلام كان سبّاقاً إلى الفضائل ؟!

__________________________________

(١) الكافي / ج ٤ / ص ٢٧ / ح ٧ .

(٢) الكافي / ج ٤ / ص ٢٧ / ح ٨ .

(٣) تفسير الصافي / ج ٥ / ص ١٢٠ ، وإحقاق الحقّ / ج ٣ / ص ١١٤ .

١٨٩

أليس كان هو السابق إلى الإسلام ، وكان إسلامه عن فطرة ، وإسلام الناس عن كفر(١) ؟

ألم يكن هو السابق إلى تفدية نفسه المباركة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في ليلة المبيت بين أربعمائة سيف من المشركين ؟

وهل غيره سبق إلى الجهاد في سبيل الله ، والجُهد في طاعة الله ، والاجتهاد في عبادة الله ؟

ولقد أجاد كافي الكفاة الصاحب بن عبّاد في وصف أمير المؤمنين عليه‌السلام في نثره وفي شعره .

قال في النثر الذي وصف به عليّاً وذكر نسبته إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ـ

( صنوه الذي واخاه ، وأجابه حين دعاه ، وصدّقه قبل الناس ولبّاه ، وساعده وواساه ، وشيّد الدِّين وبناه ، وهَزَم الشرك وأخزاه ، وبنفسه على الفراش فداه ، ومانَع عنه وحماه ، وأرغَمَ من عانده وقلاه ، وغسله وواراه ، وأدّىٰ دَينه وقضاه ، وقام بجميع ما أوصاه ، ذاك أمير المؤمنين لا سواه )(٢) .

وقال في شعره في غديريّته المعروفة في مدح أمير المؤمنين عليه‌السلام ، أنشدها كمحاورةٍ سُئل فيها فأجاب في ٢٥ بيتاً : ـ

قالت : فَمَنْ صاحبُ الدِّين الحنيف أجِب ؟

فقلتُ : أحمدُ خيرُ السّادةِ الرُّسلِ

قالت : فَمَنْ بعدَه تُصفي الولاءُ له ؟

قلت : الوصيّ الذي أربىٰ على زُحلِ

قالت : فَمَنْ باتَ مِن فَوق الفراشِ فَدىٰ ؟

فقلت : أثيتُ خلقِ اللهِ في الوَهَلِ

__________________________________

(١) سُئل بعض العلماء : متى أسلم عليّ عليه‌السلام ؟

فأجاب : ومتىٰ كفر ؟ حتّى يكون أسلم ، إنّه جدّد الإسلام .

فهو عليه‌السلام وُلد على الإيمان وفطرة الإسلام ودين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وجدّده في البعثة .

(٢) الكنى والألقاب / ج ٢ / ص ٣٦٨ .

١٩٠

قالت : فَمَنْ ذا الذي آخاهُ عن مِقةٍ ؟

فقلت : من حاز ردَّ الشمس في الطفلِ

قالت : فَمَنْ زُوَّج الزّهراء فاطمة ؟

فقلت : أفضلُ مَن حافٍ ومُنتعلِ

قالت : فَمَنْ والدُ السبطين إذ فَرَعا ؟

فقلت : سابقُ أهلِ السَبق في مَهَلِ

قالت : فَمَنْ فاز في بَدرٍ بمعجزها ؟

فقلت : أضربَ خلقِ الله في القُللِ

قالت : فَمَنْ أسَدُ الأحزاب يفرسها ؟

فقلت : قاتلُ عمروِ الضيغمِ البطلِ

قالت : فيومُ حُنين مَن فَرا وبَرا

فقلت : حاصدُ أهلِ الشِّركِ في عجلِ

قالت : فَمَنْ ذا دُعي للطّير يأكله ؟

فقلت : أقربُ مَرضيٍّ ومُنتحِلِ

قالت : فَمَنْ تِلْوُه يومَ الكساء أجِب ؟

فقلت : أفضلُ مَكسوٍ ومُشتمِلِ

قالت : فَمَنْ سادَ في يوم «الغدير » أَبِنْ ؟

فقلت : مَن كان للإسلام خيرُ وليّ

قالت : فَفي مَن أتى في هل أتى شَرَفٌ ؟

فقلتُ : أبذلُ أهلِ الأرض للنُفَلِ

قالت : فمَنْ راكعٌ زكّىٰ بخاتمه ؟

فقلت : أطعنهم مُذ كان بالاُسُلِ

قالت : فمَنْ ذا قسيمُ النار يُسهُمها ؟

فقلت : مَن رأيُه أذكىٰ من الشُّعلِ

قالت : فمَنْ باهَلَ الطّهرُ النبيُّ به ؟

فقلت : تاليه في حِلٍّ ومُرتحِلِ

قالت : فمَنْ شِبْهُ هارونٍ لنعرِفُه ؟

فقلت : مَن لم يُحِلْ يوماً ولم يزلِ

قالت : فمَنْ ذا غدا بابَ المدينة قُل ؟

فقلت : مِن سألوهُ وهو لم يَسلِ

قالت : فمَنْ قاتَلَ الأقوامَ إذ نكثوا ؟

فقلت : تفسيرُه في وقعةِ الجملِ

قالت : فمَنْ حارَبَ الأرجاسَ إذ قَسَطوا ؟

فقلت : صفّين تُبدي صفحةَ العملِ

قالت : فمَنْ قارَعَ الأنْجاسَ إذ مَرَقوا ؟

فقلت : معناه يومَ النّهروان جَلي

قالت : فمَنْ صاحبَ الحوضِ الشريف غداً ؟

فقلت : مَن بيتُهُ في أشرف الحُللِ

قالت : فمَن ذا لواءَ الحمدِ يحملُه ؟

فقلت : مَن لم يكن في الرّوع بالوَجِلِ

قالت : أكلُّ الذي قد قلتَ في رجلٍ ؟

فقلت : كلُّ الذي قد قلتُ في رجلِ

قالت : فمَنْ هو هذا الفردُ سِمْهُ لنا ؟

فقلتُ : ذاكَ أميرُ المؤمنينَ عليّ(١)

__________________________________

(١) الغدير / ج ٤ / ص ٤٠ .

١٩١

وهذه الدراسة تعطينا أنّ السبق إلى الفضيلة من مفاخر صفات الصالحين وسجايا المتّقين ، المحبوبة عند ربّ العالمين ، والشرع المبين ، ومن موجبات عظيم الأجر والثواب في يوم الدِّين ..

كلّ هذا مضافاً إلى نتائجه الحسنة في نفس هذه الحياة الدُّنيا ، فإنّ السبق إلى الفضائل من صنائع المعروف التي تدفع مصارع السوء ، وتحفظ الإنسان من البلايا العظيمة كما هو المجرّب المحسوس في قضايا المحسنين .

من ذلك ما حدّث بعض السادة الأجلّاء الثقات ما مضمونه : ـ

أنّه كان في بعض البلاد المقدّسة شخصٌ مؤمنٌ صالح ، وكان رجلاً تاجراً متمكِّناً ثريّاً ، يحبّ الخير ، ويصنع الخير لمن يعرفه ومَن لا يعرفه ، خصوصاً الزائرين .

رأى في بعض الأيّام أحد زوّار ذلك البلد المقدّس لم يحصّل على فندقٍ أو محلّ مسكنٍ يسكنه في مدّة زيارتهم هو وعائلته .

وكانت تلك الزيارة أوّل زيارتهم لذلك البلد المقدّس الذي لم يعرف فيه أحداً ولم يتعرّف على أحد .

وكانوا قد جلسوا علىٰ رصيفٍ في الطريق ينتظرون الحصول على غرفةٍ فارغة .

فصادفهم هذا التاجر المؤمن ، وسألهم : لماذا أنتم جالسون هنا ؟

قالوا : ننتظر الحصول على مكانٍ نستأجره ونسكنه .

فقال لهم : ـ لي بيتٌ واسع ، ومكانٌ مناسب ، ودارٌ مفروشة مع وجبات الطعام .

ففرحوا وأجابوا بالقبول ، بعنوان أن يسكنوا في بيته ، ثمّ يعطون له الاُجرة التي تدفع إلى الفنادق للسكن والطعام ، ظنّاً منهم أنّ بيته معدّ لإيجار الزائرين .

فذهب بهم ذلك التاجر إلى بيته ، وأكرمهم غاية الإكرام ، وبقوا عنده عشرة أيّام ، يخدمهم فيها بالإطعام والإكرام ، بغاية الحفاوة والاحترام .

وحينما أرادوا الانصراف والرجوع إلى وطنهم حضّروا له النقود ، لدفع ثمن

١٩٢

الإيجار والوجبات الغذائيّة ، لكنّه لم يقبل منهم أيّ مال ، وأدنى نقود .

وبالرغم من أنّهم أصرّوا عليه كثيراً بالقبول ، لم يستجب لهم ذلك ، وأجابهم بأنّي آخذ ثمن الإيجار والخدمة من الإمام عليه‌السلام بأكثر ممّا آخذه منكم ، فليطيب خاطركم بذلك .

فتشكّروا منه ، وودّعوه راجعين إلى بلدهم .

ومضت على ذلك الأيّام والسنين ، ثمّ إنّ ذلك التاجر حدثت له مشكلة سياسيّة أدّت إلى أن يُسجن ، ويحتمل عليه الإعدام ..

واُجريت عليه لقاءات مع المسؤولين ، وسؤال وجواب ، ورتّبت له ملفّات شدّدت عليه الأمر .

وفي آخر الأمر جاء عنده في السجن أحد المسؤولين الكبار الذي كانت له درجة عسكريّة رفيعة ، وبيده ملفّةٌ كبيرة تخصّني .

فنظر إليَّ مليّاً ، ثمّ سألني ألست أنت الحاجّ فلان ، من أهل مدينة كذا ، وتسكن دار كذا ، في محلّة كذا ؟

وأنا في كلّ المسائل اُجيبه بنعم ، وتخيّلت أنّه يعرف هذه الخصوصيّات من الأسئلة التي طُرحت عليَّ سابقاً ..

لكنّه قال لي : ـ أتعرفني ؟

قلتُ في دهشةٍ : لا مع الأسف .

فرفع قُبّعته العسكريّة ، وقال : هل عرفتني الآن ؟

قلت : ملامحكم مأنوسة عندي ، مَن أنتم ؟

قال : أنا ذلك الشخص الذي نزلتُ مع عائلتي عندك في سنة كذا ، وبقيتُ في بيتك عشرة أيّام ، استضفتني فيها بكلّ كرامة .

ثمّ قال : هذه ملفّة إضبارتك التي تنتهي بإعدامك ، لكن أنا اُمزّقها ، واُسقط

١٩٣

حكم الإعدام قِبال ذلك العطف والإكرام ، فمزّقها أمامي وحكم بتسريحي .

فنجوت من الإعدام والسجن بفضل السبق إلى ذلك العمل الخيري الذي عملته أنا محبّةً للإمام عليه‌السلام وزائريه .

١٩٤

(١٣) وإيثار التفضّل

الإيثار : هو التقديم والاختيار على النفس .

قال تعالى : ـ ( وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ ) أي يقدّمون عليها .

ويُقال : آثرتُ ذلك أي اخترته ، وفضّلته ، وقدّمته .

والتفضّل : هو الابتداء بالإحسان .

فإنّ صنع المعروف والفعل الحَسَن قد يكون جزاءً وهو الإحسان ..

وقد يكون تطوّلاً وابتداءً به وهو التفضّل ، ومنه المواساة .

فالتفضّل هو الابتداء بالإحسان ، وابتداء المعروف .

ومن حلية الصالحين وزينة المتّقين أنّهم يقدّمون غيرَهم على أنفسهم ويبتدئون بالفضل والإحسان .

وهو مرغوبٌ وممدوح كتاباً وسنّةً .

أمّا الكتاب فقوله تعالى : ـ

( وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )(١) .

__________________________________

(١) سورة الحشر : الآية ٩ .

١٩٥

وقد أجمع الفريقان في أحاديثهم أنّها نزلت في الإمام عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام وأهل بيته سلام الله عليهم(١) .

ففي حديث شيخ الطائفة الطوسي مسنداً أنّه جاء رجلٌ إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فشكا إليه الجوع .

فبعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى بيوت أزواجه ..

فقُلن : ما عندنا إلّا الماء .

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من لهذا الرجل الليلة ؟

فقال عليّ عليه‌السلام : أنا له يا رسول الله ، وأتى فاطمة عليها‌السلام وقال لها : ـ

هل عندك يا بنتَ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله شيء ؟

فقالت : ما عندنا إلّا قوت العشيّة ، لكنّا نُؤثِر ضيفنا .

فقال : يا ابنة محمّد نوّمي الصبية ، واطفئي المصباح .

فلمّا أصبح عليّ عليه‌السلام غدا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأخبره الخبر ، فلم يبرح حتّى أنزل الله تعالى : ـ ( وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) »(٢) .

وأمّا السنّة ، فيستفاد فضل الإيثار والمواساة في أحاديث بابه مثل : ـ

١ ـ حديث المفضّل قال : كنتُ عند أبي عبد الله عليه‌السلام فسأله رجلٌ : في كم تجب الزكاة من المال ؟

فقال له : الزكاة الظاهرة أم الباطنة تريد ؟

فقال : اُريدهما جميعاً .

فقال : أمّا الظاهرة ففي كلّ ألف خمسة وعشرون درهماً .

__________________________________

(١) كنز الدقائق / ج ١٣ / ص ١٧٥ ، وإحقاق الحقّ / ج ٩ / ص ١٤٤ .

(٢) أمالي شيخ الطائفة / ص ١٨٨ .

١٩٦

وأمّا الباطنة فلا تستأثر على أخيك بما هو أحوج إليه منك(١) .

٢ ـ حديث السعداني عن أمير المؤمنين عليه‌السلام في قوله تعالى : ـ

( فَأُولَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ )(٢) .

قال عليه‌السلام : ـ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ـ قال الله عزّ وجلّ : ـ

لقد حقّت كرامتي ـ أو مودّتي ـ لمن يراقبني ، ويتحابّ بجلالي ..

إنّ وجوههم يوم القيامة من نور ، على منابر من نور ، عليهم ثيابٌ خُضر .

قيل : مَن هم يا رسول الله ؟

قال : قومٌ ليسوا بأنبياء ، ولا شهداء ، ولكنّهم تحابّوا بجلال الله ، ويدخلون الجنّة بغير حساب ، نسأل الله أن يجعلنا منهم برحمته(٣) .

٣ ـ حديث الطبرسي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّه قال : ـ

اُتيَ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأسيرين ـ يهوديّين مستحقّين للقتل ـ فأمر النبيّ بضرب عنقهما ، فضُرب عنق واحدٍ منهما ، ثمّ قُصد الآخر .

فنزَلَ جبرئيل فقال : ـ يا محمّد ، إنّ ربّك يقرؤوك السلام ، ويقول : ـ لا تقتله ، فإنّه حسن الخلق سخيُّ قومه .

فقال اليهودي تحت السيف : هذا رسول ربّك يخبرك ؟

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : نعم .

قال : والله ما ملكتُ درهماً مع أخ لي قطّ ، ولا قطبتُ وجهي في الحرب ، وأنا أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأنّك محمّد رسول الله .

__________________________________

(١) بحار الأنوار / ج ٧٤ / ب ٢٨ / ص ٣٩٦ / ح ٢٤ .

(٢) سورة غافر : الآية ٤٠ .

(٣) بحار الأنوار / ج ٧٤ / ب ٢٨ / ص ٣٩٦ / ح ٢٥ .

١٩٧

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : هذا ممّن جرّه حسنُ خلقه وسخاؤه إلى جنّات نعيم(١) .

وعليه فالإيثار والمواساة فضيلة ممدوحة ، وخليقة طيّبة ، بدليل الكتاب والسنّة .

وأهل البيت عليهم‌السلام هم القدوة في إيثار التفضّل ، والابتداء بالفضل والإحسان إلى الغير .

وقد آثروا على أنفسهم ثلاثة أيّام في سبيل الله مسكيناً ويتيماً وأسيراً ، لا يريدون بذلك منهم جزاءً ولا شكوراً ، إلّا رضا الله تعالى ، فخصّهم الله بسورة الدهر ، كما تلاحظه في جميع تفاسير الفريقين .

ودراسة موجزة في إنفاقاتهم تعطيك صورة واضحة عن أنّهم كانوا قمّة الخلق في الإيثار والمواساة .

من ذلك ما تقرأه في باب إنفاقات أمير المؤمنين عليه‌السلام (٢) .

كإيثاره بالتصدّق بجميع أمواله ، ووقف عيون ماءه ، وتخصيص حوائطه وبساتينه للفقراء والمساكين ، ولم يدّخر لنفسه ديناراً ولا درهماً ، ولا حطاماً من حطام الدُّنيا .

قال أبو الطفيل : رأيت عليّاً عليه‌السلام يدعو اليتامى فيطعمهم العسل ويلعقهم ذلك ، حتّى قال بعض أصحابه : لوددتُ أنّي كنتُ يتيماً .

في حين لم يشبع هو من خبز الشعير ، ولم يأكل خبز البُرّ ، وكان إدامُه الملح فقط ، وربما ائتدم باللبن الحامض كما في حديث سويد بن غفلة .

وكان يقول : ـ ( أَ أَقْنَعُ مِنْ نَفْسِي بِأَنْ يُقَالَ هَذَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَلاٰ أُشَارِكُهُمْ فِي مَكَارِهِ الدَّهْرِ ، أَوْ أَكُونَ أُسْوَةً لَهُمْ فِي جُشُوبَةِ الْعَيْشِ ، وَلَعَلَّ بِالْحِجَازِ أَوْ الْيَمَامَةِ مَنْ لاٰ طَمَعَ لَهُ فِي الْقُرْصِ وَلاٰ عَهْدَ لَهُ بِالشِّبَعِ )(٣) .

__________________________________

(١) مشكاة الأنوار / ص ٢٣١ .

(٢) لاحظ بحار الأنوار / ج ٤١ / ص ٢٤ / باب إنفاقات أمير المؤمنين عليه‌السلام .

(٣) نهج البلاغة / الكتاب ٤٥ .

١٩٨

وحقّاً أنّه ليس ولم يكن في تاريخ العالم حاكمٌ مثل أمير المؤمنين عليه‌السلام . وكذا جميع أهل البيت عليهم‌السلام كانوا متفضّلين ، ومؤثّرين على أنفسهم بالتفضّل لجميع الناس ، و « بيُمنهم رُزق الورىٰ » .

وعظماء الشيعة وأخيارهم وعلماؤهم جَرَوا على هذه الخصلة الفاضلة ، وتعلّموا من أئمّتهم وسادتهم ، إيثار الفقراء والمحتاجين على أنفسهم ، والتفضّل إليهم ، فنالوا بذلك أعظم الأجر ، وأرقىٰ درجات الفخر .

خُذ نموذجاً منهم : محمّد بن أبي عمير الأزدي رضوان الله تعالى عليه .

كان له على رجلٍ عشرة آلاف درهم ، فذهب ماله ـ أي مال ذلك الرجل ـ وافتقر .

فجاء الرجل وباع داره بعشرة آلاف درهم ، وحملها إليه ، فدقَّ عليه الباب ، فخرج إليه محمّد بن أبي عمير رحمه الله تعالى ..

فقال له الرجل : هذا مالُك الذي لك عليَّ فخذه .

فقال ابن أبي عمير : فمن أين لك هذا المال ، ورثتَه ؟

قال : لا .

قال : ـ وُهبَ لك ؟

قال : ـ لا ، ولكنّي بعتُ داري الفلاني لأقضي دَيني .

فقال ابن أبي عمير : حدّثني ذريح المحاربي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال : ـ لا يخرج الرجل عن مسقط رأسه بالدِّين .

إرفعها ، فلا حاجة لي فيها ، والله إنّي محتاج في وقتي هذا إلى درهم ، وما يدخل ملكي منها درهم »(١) .

وهذا غاية الإيثار والمواساة في سبيل الله وإطاعة لحكم الإمام الصادق عليه‌السلام

__________________________________

(١) الكُنى والألقاب / ج ١ / ص ١٩١ .

١٩٩

الذي هو حكم الله تعالى ، من هذا الرجل الجليل والورع التقيّ الذي كان من أثرياء الشيعة في بغداد لكن اُخذ وحبس لتشيّعه ، فأصابه الجهد والضيق العظيم من ذلك ، واُخذ كلّ شيء كان له بأمر المأمون العبّاسي ، وضُرب مائة خشبة .

وبالرغم من حاجته الماسّة هذه تراه يؤثِر المؤمنين على نفسه ، ويقدّم حاجة أخيه على حاجته .

والنموذج الآخر من الإيثار ، إيثار الشيخ الأعظم الأنصاري قدس‌سره :

آثر تلك المرأة المؤمنة الأرملة على نفسه ، وهو في غاية الاحتياج إلى المال في حياته ، في قضيّته المعروفة التي حدّث بها بعض الأعاظم : ـ

فإنّه في أوّل شبابه ، ولعلّه في سنّ العشرين أو قبل العشرين من عمره ، جاء إلى كربلاء المقدّسة لحضور درس شريف العلماء أعلى الله مقامه الذي كان يحضره ألف تلميذ ، وفيهم المجتهدون .

وكان الشيخ الأنصاري في تلك الأيّام يعيش في فقر مالي ، وأزمةٍ اقتصاديّة شديدة ، مع أنّ غداءه وعشاءه لم يكن أزيد من خبزٍ ولبن ، أو خبز وتمر ، أو خبز وملح ، وبالرغم من ذلك لم يكن له من المال ما يتكفّل بهذا الطعام ، وهذا المقدار من الغذاء .

ففكّر أن يشتغل ويكتسب في بعض ساعات نهاره بشكلٍ لا يزاحم دروسه ، علماً بأنّ التكسّب والعمل للعيش مفخرةً للمؤمن ، ولا عيب فيه للمرء ، بل هو عزّةً له ، لذلك عبّر الإمام الصادق عليه‌السلام لمن تأخّر عن محلّ عمله وقال له : ـ ( اُغذُ إلى عزّك ) .

ولذلك جمع الشيخ الأنصاري مقداراً من الأقفال التي لا مفتاح لها ، ومقداراً من المفاتيح التي لا قفل لها بثمنٍ زهيد ، لأنّها سلعة ناقصة .

وكانت تلك الأقفال والمفاتيح آنذاك تُصنع باليد ، وقد يضيع من أحدٍ مفتاحه فيحتاج إلى مفتاح يرهم لقفله ، أو يضيع قفله فيحتاج إلى شراء قفلٍ يناسب

٢٠٠