جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي
المحقق: الدكتور أحمد محمّد قاسم
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: نشر أدب الحوزة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٣٠
لا يخلو : إما أن يكون «أفعلا» أو «فعلنا» أو «أيفلا» أو «فيعلا» لأن الأول كثير كأكلب ، وفعلن : له نظير فى أمثلتهم نحو : خلبن (١) وعلجن (٢) ، وأيفل نظيره أينق ، وفيعل نظيره صيرف.
ولا يجوز أن يقول : ولا يخلو [أيمن] أن يكون أيفعا ، ولا فعملا ، و [لا] أيفما (٣) ، ونحو ذلك ، لأن هذه أمثلة لا تقرب من أمثلتهم فيحتاج إلى ذكرها (٤) ، انتهى.
قال ابن الأنبارى (٥) : الاستدلال بالتقسيم ضربان :
أحدهما : أن يذكر الأقسام التى يجوز أن يتعلق الحكم بها فيبطلها جميعا فيبطل بذلك قوله ، وذلك مثل أن يقول : لو جاز دخول اللام فى خبر لكنّ ، لم يخل : إما أن تكون (٦) لام التأكيد ، أو لام القسم ، بطل أن تكون (٧) لام التوكيد ، لأنها إنما حسنت مع إنّ لاتفاقهما فى المعنى ، وهو التأكيد ، ولكنّ ليست كذلك.
وبطل أن تكون لام القسم ، لأنها إنما حسنت مع إنّ ، لأن إنّ تقع فى جواب القسم كاللام ، ولكنّ ليست كذلك.
__________________
ولقد روى ابن جنى الشطر الذى ذكره مرة أخرى هكذا :
* يأتى لها من أيمن وأشمل*
وانظر : الخصائص ج ٢ ص ١٣٠ وج ٣ ص ٦٨
(١) الخلبن : الحمقاء
(٢) العلجن : الناقة الغليظة
(٣) فى الأصل : أفعما
(٤) فى الأصل : «فيحتاج إلى ذكرها» وابن جنى أورد مكان هذه العبارة قوله : «فيجتاز بها فى جملة تقسيم المثل لها» وانظر : الخصائص ج ٣ ص ٦٩.
(٥) انظر : الفصل الرابع والعشرين من لمع الأدلة ، ولقد اختصر السيوطى هذا الفصل اختصار كبيرا.
(٦) فى الأصل : يكون.
(٦) فى الأصل : يكون.
وإذا بطل أن تكون لام التوكيد ولام القسم : بطل أن يجوز دخول اللام فى خبرها.
والثانى : أن يذكر الأقسام التى يجوز أن يتعلق الحكم بها فيبطلها ، إلا الذى يتعلق الحكم به من جهة فيصحح (١) قوله ، وذلك كأن يقول : لا يخلو نصب المستثنى فى الواجب (٢) ، نحو «قام القوم إلا زيدا».
إما أن يكون بالفعل المتقدم بتقوية «إلّا» أو «بإلّا» لأنها بمعنى : استثنى.
أو لأنها مركبة من أن المخففة ولا.
أو لأن التقدير فيه إلا أنّ (٣) زيدا لم يقم.
والثانى : باطل بنحو قام القوم غير زيد ، فإن نصب غير لو كان بإلّا لصار التقدير : إلا غير زيد ، وهو يفسد المعنى ، وبأنه لو كان العامل إلا بمعنى استثنى : لوجب النصب فى النفى ، كما يجب فى الإيجاب ، لأنها فيه أيضا بمعنى استثنى ، ولجاز الرفع بتقدير امتنع لاستوائهما فى حسن التقدير كما أورد ذلك عضد الدولة (٤) على أبى علىّ حيث أجابه بذلك.
__________________
(١) فى الأصل : فيصح.
(٢) أى الواجب النصب وهو التام الموجب.
(٣) أن هذه : زيادة من السيوطى.
(٤) عضد الدولة كان تلميذا لأبى على الفارسى فقد ألف له كتاب «الإيضاح» فى النحو ، وقال السيوطى فى بغية الوعاة ج ١ ص ٤٩٦ : إن أبا على كان مع عضد الدولة فى الميدان فسأله فقال له : بم ينتصب المستثنى؟ قال أبو على : بتقديرى «أستثنى» ، فقال له : لم قدرت «استثنى» فنصبت؟ هلا قدرت «امتنع زيد» فرفعت! فقال : هذا جواب ميدانى ، فإذا رجعت قلت الجواب الصحيح ، والذى اختاره أبو على : أنه بالفعل المقدم بتقوية إلا. ثم قال السيوطى : والمسألة فيها سبعة
والثالث : باطل بأنّ أن المخففة لا تعمل ، وبأن الحرف إذا ركب مع حرف آخر خرج كل منهما عن حكمه ، وثبت له بالتركيب حكم آخر.
والرابع : باطل بأنّ أنّ لا تعمل مقدرة. وإذا بطل الثلاثة ثبت الأول وهو أن النصب بالفعل السابق بتقوية إلا ، انتهى ملخصا.
وقال أبو البقاء (١) فى التبيين : الدليل على أن نعم وبئس فعلان : السبر والتقسيم ، وذلك أنهما ليسا حرفين بالإجماع ، وقد دلّ الدليل على أنهما ليسا اسمين بوجهين :
أحدهما : بناؤهما على الفتح ولا سبب له لو كانتا اسمين ، لأن الاسم إنما يبنى : إذا أشبه الحرف ، ولا مشابهة بين نعم وبئس وبين الحرف ، فلو كانت [إحداهما] اسما لأعربت (٢).
والثانى : أنها (٣) لو كانت اسما لكانت إما جامدا ، أو وصفا ، ولا سبيل
__________________
أقوال ، حكيتها فى جمع الجوامع ، من غير ترجيح وأنا أميل إلى القول الذى ذكره أبوعلى أولا ، وقد أشرت إليه فى جمع الجوامع ، فى الكلام على «غير» فتفطن له ، وانظر جمع الجوامع ج ١ ص ٢٣١ ، ونزهة الألباء ص ٢٠٩ ، وإنباه الرواة ج ١ ص ٢٧٣ ، ولمع الأدلة ص ١٣٠.
(١) الامام محب الدين أبو البقاء عبد الله العكبرى المتوفى سنة ٦١٦ ه ، له مؤلفات كثيرة فى النحو وغيره منها التبيين الذى ذكره السيوطى والمسائل الخلافية واللباب ومنه نسخة خطية بمكتية الأزهر برقم ٧٧٧ نحو ، وفى الورقة رقم ٣٥ تحدث عن الخلاف حول فعلية «نعم وبئس» وأثبت أنهما فعلان لثلاثة أمور : اتصال تاء التأنيث الساكنة بهما ، واستتار الضمير فيهما ، والاجماع على عدم حرفينهما ، ولو كانا اسمين لرفعا أو نصبا ، ولا سبيل إلى ذلك فهما فعلان ، وانظر كذلك المسألة رقم ١٤ من الإنصاف فى مسائل الخلاف.
(٢) فى الأصل : أعرب.
(٣) أفرد الكلام هنا عن «نعم»
إلى اعتقاد الجمود فيها ، لأن وجه الاشتقاق فيها ظاهر ، لأنها من نعم الرجل إذا أصاب نعمة ، والمنعم عليه يمدح ، ولا يجوز أن يكون وصفا : إذ كانت يظهر الموصوف معها ، ولأن الصفة ليست على هذا البناء ، وإذا بطل كونها اسما ثبت أنها فعل ، انتهى.
وقال ابن فلاح فى المغنى : الدليل على أن كيف اسم : السبر والتقسيم ، فنقول : لا يجوز أن تكون حرفا : لحصول الفائدة منها مع الاسم ، وليس ذلك لغير حرف النداء ، ولا فعلا لأن الفعل يليها بلا فاصل ، نحو «كيف تصنع» فلزم أن تكون اسما ، لأنه الأصل فى الإفادة.
الخامس : [المناسبة]
المناسبة وتسمى الإخالة أيضا ، لأن بها يخال ـ أى يظن ـ أن الوصف علة ، ويسمى قياسها : قياس علة ، وهو أن يحمل الفرع على الأصل بالعلة التى علق عليها الحكم فى الأصل ، كحمل ما لم يسم فاعله ، على الفاعل فى الرفع ، بعلة الإسناد.
وحمل المضارع على الاسم فى الإعراب ، بعلة اعتوار (١) المعانى عليه ، ذكره ابن الأنبارى [حيث قال](٢) : واختلفوا هل يجب إبراز المناسبة عند المطالبة؟
فقال قوم : لا يجب ، وذلك مثل أن يدل على جواز تقديم خبر «كان» عليها ، فيقول : فعل متصرف فجاز تقديمه عليها ، قياسا على سائر الأفعال المتصرفة ، فيطالبه بوجه الإخالة والمناسبة.
__________________
(١) الاعتوار : التداول ، واعتوروا الشىء ، وتعوروه ، وتعاوروه : تداولوه.
(٢) انظر : الفصل الحادى والعشرين من لمع الادلة.
واستدل لعدم الوجوب : بأن المستدل أتى بالدليل بأركانه ، فلا يبقى عليه إلا (١) الإتيان بوجه الشرط ، وهو : الإخالة ، وليس على المستدل بيان الشروط ، بل يجب على المعترض : بيان عدم الإخالة التى هى الشرط ، ولو كلفناه أن يذكر الأسئلة ، لكلفناه أن يستقل بالمناظرة وحده ، وأن يورد الأسئلة ويجيب عنها وذلك لا يجوز.
وقال قوم : يجب ، لأن الدليل إنما يكون دليلا إذا ارتبط به الحكم ، وتعلق به ، وإنما يكون متعلقا به إذا بان وجه الإخالة.
وأجيب : بوجود الارتباط ، فإنه قد صرح بالحكم ، فصار بمنزلة ما قامت عليه البينة بعد الدعوى ، فأما المطالبة بوجه الإخالة والمناسبة فبمنزلة عدالة الشهود ، فلا يجب ذلك على المدعى ، ولكن على الخصم أن يقدح فى الشهود ، وكذلك لا يجب على المستدل إبراز الإخالة ، وإنما على المعترض أن يقدح ، انتهى.
السادس : [قياس الشبه]
الشبه : قال ابن الأنبارى (٢) : وهو «أن يحمل الفرع على أصل بضرب من الشبه ، غير العلة التى علق عليها الحكم فى الأصل» ، وذلك مثل أن يدل
__________________
(١) فى لمع الأدلة : فلا يبقى عليه الإتيان ، والمتأمل فى العبارة يجد إسقاط «إلا» أصوب من بقائها.
(٢) تلخيص وإيجاز للفصل الخامس عشر من لمع الأدلة.
على إعراب المضارع بأنه يتخصص بعد شياعه (١) ، كما أن الاسم يتخصص بعد شياعه ، فكان معربا كالاسم ، أو بأنه يدخل عليه لام الابتداء كالاسم (٢) ، أو بأنه على حركة الاسم وسكونه (٣) ، وليس شىء من هذه العلل هى التى وجب لها الإعراب فى الأصل (٤) ، إنما هو إزالة اللبس (٥) ، كما تقدم.
قال : وقياس الشبه قياس صحيح ، يجوز التمسك به فى الأصح كقياس العلة.
السابع : [قياس الطرد]
الطرد : قال ابن الأنبارى (٦) : «وهو الذى يوجد معه الحكم وتفقد الإخالة فى العلة».
واختلفوا فى كونه حجة.
فقال قوم : ليس بحجة ، لأن مجرد الطرد لا يوجب غلبة الظن ، ألا ترى أنك لو علّلت بناء «ليس» بعدم التصرف ، لاطراد البناء فى كل فعل غير
__________________
(١) المضارع قد يكون شائعا صالحا للحال والاستقبال ، فإذا دخلت عليه السين اختص بالاستقبال.
(٢) مثل : إن زيدا ليقوم ، فاللام قد دخلت على الفعل كما دخلت على الاسم فى قولك : إن زيدا لقائم.
(٣) فحركات الفعل وسكناته فى «يضرب» مثل حركات الاسم وسكناته فى «ضارب».
(٤) المراد بالأصل : الاسم.
(٥) أى علة الإعراب فى الاسم هى : إزالة اللبس ؛ لأن الاسم قد يكون فاعلا ، او مفعولا ، أو مضافا إليه ، فلو لم يعرب : لالتبس الفاعل بالمفعول وبالمضاف إليه.
(٦) اختصر السيوطى هذا الفصل عن لمع الأدلة ، وانظر : الفصل السادس عشر تحت عنوان : فى قياس الطرد
متصرف ، وإعراب ما لا ينصرف بعدم الإنصراف ، لاطراد الإعراب فى كل اسم غير منصرف ، لما (١) كان ذلك الطرد [لا](٢) يغلب على الظن أن بناء «ليس» لعدم التصرف ، ولا أن إعراب ما لا ينصرف لعدم الانصراف ، بل نعلم يقينا أن ليس إنما بنى لأن الأصل فى الأفعال البناء ، وأن ما لا ينصرف إنما أعرب لأن الأصل فى الأسماء الإعراب ، وإذا ثبت بطلان هذه العلة مع اطرادها : علم أن مجرد الطرد لا يكتفى به فلا بد من إخالة أو شبه.
يدل على أن الطرد لا يكون علة ، أنه لو كان علة : لأدى إلى الدور ، ألا ترى أنه إذا قيل له : ما الدليل على صحة دعواك؟
فيقول : أن أدّعى أن هذه علة فى محل آخر.
فإذا قيل له : وما الدليل على أنها علة فى محل آخر؟
فيقول : دعواى أنها علة فى مسألتنا (٣) فدعواه دليل على صحة دعواه!
فإذا قيل له : ما الدليل على أنها علة فى الموضعين معا؟
فيقول : وجود الحكم معها فى كل موضع دليل على أنها علة (٤) فى الموضعين معا.
فإذا قيل له : إن الحكم قد يوجد مع الشرط كما يوجد مع العلة فما الدليل على أن الحكم يثبت بها فى المحل الذى هو فيه؟
فيقول : كونها علة.
__________________
(١) فى لمع الأدلة : فلما.
(٢) لا : مثبتة فى لمع الأدلة وبها يستقيم المعنى.
(٣) فى الأصل : مسئلتنا.
(٤) العبارة من قوله «فيقول» إلى قوله «علة» مكررة بالأصل
فإذا قيل له : وما الدليل على كونها علة؟
فيقول : وجود الحكم معها فى كل موضع وجدت فيه ، فيصير الكلام «دورا».
وقال قوم : إنه حجة ، واحتجوا على ذلك بأن قالوا : الدليل على صحة العلة أن يكون هو العلة (١) ، بل ينبغى أن يثبتوا العلة ثم يدلوا على صحتها بالطرد ، لأن نظر بان (٢) بعد ثبوت العلة.
وردّ الثانى (٣) : بأن العجز عن تصحيح العلة عند المطالبة دليل على فسادها.
وردّ الثالث (٤) : بأنه تمسك بالطرد فى إثبات الطرد ، فإن ما فيه إخالة
__________________
(١) فى الكلام هنا سقط وتحريف ، ويجدر بنا أن ننقل نص عبارة الأنبارى فى لمع الأدلة حتى يتضح المعنى ، ويفهم المراد حيث قال : «وذهب قوم إلى أنه [أى قياس الطرد] حجة ، واحتجوا على ذلك بأن قالوا : الدليل على صحة العلة : اطرادها وسلامتها عن النقض ، وهذا موجود ها هنا.
وربما قالوا : عجز المعترض دليل على صحة العلة
وربما حروروا عبارة وقالوا : نوع من القياس ، فوجب أن يكون حجة ، كما لو كان فيه إخالة أو شبه ، وهذا ليس بصحيح
فأما قولهم : الدليل على صحة العلة اطرادها وسلامتها عن النقض ، فلا حجة لهم فيه ، فإنهم جعلوا الطرد دليلا على صحة العلة ، وادعوا ها هنا أنه العلة نفسها ، فليس من ضرورة أن يكون دليلا على صحة العلة : أن يكون هو العلة بل ينبغى» الخ ، وانظر : ص ١١١ من لمع الأدلة.
(٢) فى الأصل : ثان.
(٣) المراد بالثانى : «هو عجز المعترض دليل على صحة العلة» وهو ما سقط من الأصل ، وذكرناه بالحاشية.
(٤) المراد بالثالث : «أن قياس الطرد : نوع من القياس فوجب أن يكون حجة كما لو كان فيه إخالة أو شبه» وهو ما سقط من الأصل وأشرنا إليه.
أو شبه : لم يكن حجة ، لكونه قياسا لقبا وتسمية ، لما فيه من الإخالة والشبه المغلب على الظن ، وليس ذلك موجودا فى الطرد ، فوجب ألا (١) يكون حجة ، انتهى.
الثامن : [إلغاء الفارق]
إلغاء الفارق : «وهو بيان أن الفرع لم يفارق الأصل إلا فيما لا يؤثر (٢)» فيلزم اشتراكهما ، مثاله (٣) «قياس الظرف على المجرور فى [مواقع كثيرة](٤) بجامع ألّا فارق بينهما» فإنهما يستويان فى جميع الأحكام ، وإنما وقع الخلاف فى هذه المسألة (٥)
ذكر القوادح فى العلة
[القوادح (٦) كثيرة : منها «النقض»]
منها النقض : قال ابن الأنبارى فى جدله : «وهو وجود العلة ، ولا حكم على مذهب من يرى (٧) تخصيص العلة».
__________________
(١) فى الأصل : أن وهو تحريف لا يستقيم به المعنى.
(٢) فى الأصل : يوثر.
(٣) فى الأصل : مثال.
(٤) فى العبارة سقط من الأصل ، وما ذكرناه يوضح المعنى.
(٥) فى الأصل : المسئلة.
(٦) القوادح : من قدحه إذا عابه.
(٧) جاء بالأصل : من لا يرى تخصيص العلة ، وهو تحريف مخالف لما جاء فى عبارة الأنبارى ، وانظر : الإغراب فى جدل الإعراب ص ٦٠.
وقال فى أصوله (١) : الأكثرون على أن الطرد شرط فى العلة ، وذلك أن يوجد الحكم عند وجودها فى كل موضع ، كرفع كل ما أسند إليه الفعل فى كل موضع ، لوجود علة الإسناد ، ونصب كل مفعول وقع فضلة لوجود علة وقوع الفعل عليه.
وإنما كان [الطرد] شرطا [فى العلة] لأن العلة [النحوية كالعلة العقلية ، والعلة](٢) العقلية لا تكون إلا مطردة ، ولا يجوز أن يدخلها التخصيص ، فكذلك العلة النحوية.
وقال قوم : [الطرد] ليس بشرط [فى العلة] فيجوز أن يدخلها التخصيص ، لأنها دليل على الحكم بجعل جاعل ، فصارت بمنزلة الاسم العام ، [وكما يجوز تخصيص الاسم العام] ، فكذلك ما كان فى معناه ، وكما يجوز التمسك بالعموم للخصوص (٣) فكذلك بالعلة المخصوصة.
وعلى الأول قال فى الجدل (٤) : مثال النقض أن يقول : إنما بنيت حذام وقطام ورقاش ، لاجتماع ثلاث علل وهى : التعريف ، والتأنيث ، والعدل.
فيقول : هذا ينتقض بـ «آذربيجان» فإن فيه ثلاث علل بل أكثر ، وليس بمبنى.
قال : والجواب عن النقض أن نمنع مسألة النقض إن كان فيها نقض (٥) ، أو ندفع النقض باللفظ أو بمعنى فى اللفظ.
__________________
(١) انظر : لمع الأدلة فى أصول النحو ص ١١٢ ـ ١١٦ وما ذكر هنا ملخص له.
(٢) من كلام الأنبارى فى لمع الأدلة ، وهو يوضح المعنى.
(٣) فى الأصل : المخصوص.
(٤) أى : جدل الإعراب للأنبارى.
(٥) عبارة الأنبارى : «إن كان فيها منع» وانظر الإغراب ص ٦٠.
فالمنع مثل أن يقول : إنما جاز النصب فى نحو «يا زيد الظريف» حملا على الموضع ، لأنه وصف لمنادى مفرد مضموم.
فيقال : هذا ينتقض بقولهم : «يا أيها الرجل» فإن الرجل وصف لمنادى مفرد مضموم ، ولا يجوز فيه النصب.
[فيقول : لا أسلم أنه لا يجوز فيه النصب] ، ويمنع على مذهب من يرى جوازه.
والدفع باللفظ مثل أن يقول فى حد المبتدأ : كل اسم عرّيته من العوامل اللفظية لفظا أو تقديرا.
فيقال : هذا ينتقض بقولهم : «إذا زيد جاءنى أكرمته» فزيد قد تعرى من العوامل اللفظية ، ومع هذا فليس بمبتدأ.
فيقول (١) : قد ذكرت فى الحد ما يدفع النقض لأنى قلت : «لفظا أو تقديرا» وهو إن تعرّى لفظا ، لم يتعرّ تقديرا ، فإن التقدير : إذا جاءنى زيد (٢)
والدفع بمعنى اللفظ : مثل أن يقول : إنما ارتفع بكتب فى نحو «مررت برجل يكتب» (٣) ، فإنه فعل قد قام مقام الاسم ، وهو : «كاتب»
[فيقول : هذا ينتقض بقولهم «مررت برجل كتب» فإنه فعل قام مقام الاسم ، وهو كاتب](٤) ، وليس بمرفوع.
__________________
(١) فى الأصل : فنقول.
(٢) عبارة الأنبارى فى الإغراب : (فإن التقدير : «إذا جاءنى زيد ..» وإنما حذف لما فى اللفظ من الدلالة عليه).
(٣) فى الأصل : كتب.
(٤) هذا الاعتراض غير مذكور بالأصل ، وقد أثبتناه هنا من كلام الأنبارى فى الإغراب ليستقيم المعنى.
فنقول : قيام الفعل مقام الاسم إنما يكون موجبا للرفع : إذا كان الفعل معربا ، وهو الفعل المضارع ، نحو «يكتب» ، و «كتب» فعل ماض ، والفعل الماضى لا يستحق شيئا من الإعراب ، فلما لم يستحق شيئا من جنس الاعراب ، منع الرفع الذى هو نوع منه ، فكأنا قلنا : هذا النوع (١) المستحق للإعراب قام مقام الاسم ، فوجب له الرفع فلا يرد النقص بالفعل الماضى ، الذى لا يستحق شيئا من الإعراب.
أما على [رأى] من يرى تخصيص العلة ، فإن النقض غير مقبول (٢).
[من القوادح فى العلة : تخلف العكس]
ومنها : «تخلف العكس» بناء على أن العكس شرط فى (٣) العلة ، وهو رأى الأكثرين ، وهو : «انتفاء الحكم عند عدم العلة» كعدم رفع الفاعل لعدم إسناد الفعل إليه لفظا أو تقديرا (٤) ، وعدم نصب المفعول لعدم وقوع الفعل عليه لفظا أو تقديرا (٥)
__________________
(١) قال الأنبارى : هذا الفعل بدلا من هذا النوع.
(٢) قال الأنبارى : «وهذا ليس بصحيح ، لأن العلة المخيلة [أى المناسبة] إنما جاز التمسك بها لأنها توجب غلبة الظن فى كونها علة للحكم ، فإذا رأيناها موجودة ولا حكم معها ، لم يغلب على الظن كونها علة» وانظر : الإعراب ص ٦٢.
(٣) انظر : الفصل الثامن عشر من لمع الأدلة.
(٤) مثال إسناد الفعل للفاعل تقديرا قوله تعالى : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ) فإن تقديره : وإن استجارك أحد استجارك.
(٥) مثال وقوع الفعل على المفعول تقديرا «امرأ اتقى الله» تقديره «رحم الله امرأ اتقى الله».
وقال قوم : إنه [أى العكس] ليس بشرط [فى العلة] ، لأن هذه العلة مشبهة بالدليل العقلى ، يدل وجوده على وجود الحكم ، ولا يدل عدمه على عدمه ، مثال تخلف العكس ، قول بعض النحاة فى نصب الظرف إذا وقع خبرا عن المبتدأ ، نحو «زيد أمامك» إنه [منصوب] بفعل محذوف ، غير مطلوب ولا مقدر ، بل حذف الفعل واكتفى بالظرف منه ، وبقى منصوبا بعد حذف الفعل لفظا وتقديرا على ما كان عليه قبل حذف الفعل.
[من القوادح فى العلة : عدم التأثير]
ومنها : «عدم التأثير» وهو أن يكون الوصف لا مناسبة فيه.
قال ابن الأنبارى : الأكثر على أنه لا يجوز إلحاق الوصف بالعلة مع عدم الإخالة ، سواء كان لدفع نقض أو غيره ، بل هو حشو فى العلة ، وذلك مثل : أن تدل على ترك صرف «حبلى» فتقول : إنما امتنع من الصرف لأن فى آخره ألف التأنيث المقصورة ، فذكر المقصورة «حشو» لأنه لا أثر له فى العلة ، لأن ألف التأنيث لا تستحق أن تكون سببا مانعا من الصرف لكونها مقصورة ، بل لكونها للتأنيث فقط ، ألا ترى أن الممدودة سبب مانع أيضا؟
فوجب عدم الجواز (١) لأنه لا إخالة فيه ولا مناسبة ، وإذا كان خاليا عن ذلك لم يكن دليلا ، وإذا لم يكن دليلا لم يجز إلحاقه بالعلة.
وقال قوم : إذا ذكر لدفع النقض لم يكن حشوا ، لأن الأوصاف فى العلة تفتقر إلى شيئين :
__________________
(١) أى عدم جواز إلحاق الوصف بالعلة مع عدم الاخالة والمناسبة.
أحدهما : أن يكون لها تأثير.
والثانى : أن فيها احترازا فكما لا يكون ماله تأثير حشوا ، فكذلك لا يكون ما فيه احتراز حشوا.
وقال ابن جنى فى الخصائص (١) : قد يزاد فى العلة صفة لضرب من الاحتياط ، بحيث لو أسقطت لم يقدح فيها ، كقولهم : [فى] همز «أوائل» : أصله «أو اول» فلما اكتف الألف واوان ، [و] قربت الثانية منها من الطرف ، ولم يؤثر إخراج ذلك على الأصل ، تنبيها على غيره من المغيّرات فى معناه ، وليس هناك ياء قبل الطرف مقدرة ، وكانت الكلمة جمعا ثقل ذلك ، فأبدلت الواو همزة ، فصار : أوائل.
فهذه علة مركبة من خمسة أوصاف محتاج إليها ، إلا الخامس ، فقولك ولم يؤثر إلى آخره اعتراز من نحو قوله :
* تسمع من شذّانها عواولا (٢) *
وقولك : وليس هناك ياء مقدرة لئلا يلزمك نحو قوله :
* وكحّل العينين بالعواور (٣) *
__________________
(١) انظر : الخصائص ج ١ ص ١٩٤ والكلام مختصر هنا.
(٢) الشذان : جمع شاذ ، والعواول : جمع عوال ـ بكسر العين وتشديد الواو ـ مصدر عول ، أى صاح ، ويظن أنه يصف دلوا يتناثر منه الماء ، أو منجنيقا يتناثر منها الحجارة ، ومحل الاستشهاد فيه : «عواولا» حيث لا يصح أن يقال فيه ما قيل فى «أوائل» نظرا للقيد المذكور.
(٣) من رجز لجندى بن المثنى الطهوى وهو :
غرك أن تقاربت أبا عرى |
|
وإن رأيت الدهر ذا الدوائر |
لأن أصله عواوير ، وقولك : «وكانت الكلمة جمعا» ، غير محتاج إليه لأنك لو لم تذكره لم يخل ذلك بالعلة ، ألا ترى أنك لو بنيت من : قلت ، وبعت واحدا على فواعل ، أو أفاعل لهمزت ، كما تهمز فى الجمع ، لكنه ذكر تأنسا من حيث كان الجمع ، فى غير هذا مما يدعو إلى قلب الواو ياء ، فى نحو حقّى ، ودلىّ ، فذكر هنا تأكيدا لا وجوبا.
قال : ولا يجوز زيادة صفة لا تأثير لها أصلا البتة ، كقولك فى رفع طلحة من نحو «جاءنى طلحة» إنه لإسناد الفعل إليه ولأنه مؤنث أو علم ، فذكر التأنيث والعلمية لغو لا فائدة له ، انتهى.
[من القوادح فى العلة : القول بالموجب]
ومنها : «القول بالموجب» قال ابن الأنبارى فى جدله (١) : وهو أن يسلم للمستدل ما اتخذه موجبا (٢) للعلة ، مع استبقاء الخلاف ، ومتى توجه كان المستدل منقطعا ، فإن توجه فى بعض الصور مع عموم العلة لم يعد منقطعا ، مثل أن يستدل البصرى على جواز تقديم الحال على عاملها «الفعل المتصرف» (٣) نحو «راكبا جاء زيد» فيقول : جواز تقديم معمول الفعل المتصرف ثابت فى غير الحال ، فكذلك فى الحال.
__________________
حتى عظامى وأراه ثاغرى |
|
وكحل العينين بالعوار |
والشاهد فيه : «العواور» لان الياء قبل الطرف مقدرة ، إذ أصله «عواوير» لانه جمع عوار.
(١) انظر : الإغراب فى جدل الإعراب ص ٥٦ ـ ٥٧.
(٢) عبارة الأنبارى : «ما اتخذه موجبا للحكم من العلة» الخ.
(٣) لم يذكر السيوطى قول الأنبارى : «وذو الحال اسما ظاهرا» وهذا قيد لا بد منه ، لأنه إذا كان ضميرا فلا خلاف فى جوازه.
فيقول له الكوفى : أنا أقول بموجبه ، فإن الحال يجوز تقديمها عندى إذا كان ذو الحال مضمرا.
والجواب : أن يقدر العلة على وجه لا يمكنه القول بالموجب ، بأن يقول عنيت [به] ما وقع الخلاف فيه وعرّفته بالألف واللام فتناوله [اللفظ] وانصرف إليه ، وله أن يقول هذا قول بموجب العلة فى بعض الصور مع عموم العلة جميعا (١) فلا يكون قولا بموجبها.
[من القوادح فى العلة : فساد الاعتبار]
ومنها : «فساد الاعتبار» قال ابن الأنبارى (٢) : وهو أن يستدل بالقياس [على شىء] فى مقابلة النص عن العرب ، كأن يقول البصرى : الدليل على أنّ ترك صرف ما ينصرف لا يجوز لضرورة الشعر : أنّ الأصل فى الاسم الصرف ، فلو جوزنا ترك صرف ما ينصرف لأدى ذلك إلى أن نردّه عن الأصل ، إلى غير أصل ، فوجب ألّا يجوز قياسا على مدّ المقصور.
فيقول له المعترض : هذا استدلال منك بالقياس فى مقابلة النص عن العرب ، وهو لا يجوز ، فإنه قد ورد النص عنهم فى أبيات تركوا فيها صرف المنصرف للضرورة (٣)
__________________
(١) عبارة الأنبارى فى المرجع السابق : «مع عموم العلة فى جميع الصور» ، وانظر كذلك المسألة رقم ٣١ من الإنصاف.
(٢) عبارة الأنبارى فى الإعراب فى جدل الإعراب : «مثل أن يستدل» الخ ، وانظر الفصل التاسع تحت عنوان : «فى الاعتراض على الاستدلال بالقياس».
(٣) مثل قول حسان بن ثابت :
نصروا نبيهم وشدوا أزره |
|
بحنين حين تواكل الأبطال |
والجواب : الطعن فى النقل المذكور :
إما فى «إسناده» : وذلك من وجهين :
أحدهما : أن يطالبه بإثباته ، وجوابه : أن يسنده ، ويحيله على كتاب معتمد عند أهل اللغة.
والثانى : القدح فى روايه ، وجوابه : أن يبدى له طريقا آخر.
وإما فى «متنه» : وذلك من خمسة (١) أوجه :
أحدها : التأويل بأن يقول الكوفى الدليل على ترك صرف المنصرف قوله :
وممّن ولدوا عام |
|
ر ذو الطول وذو العرض (٢) |
__________________
فقد ذكره الأنبارى فى الإغراب ص ٥٤ ، وفى الإنصاف ج ٢ ص ٤٩٤ وقال : «فترك صرف «حنين» وهو منصرف» والدليل على صرفه مجيئه منونا فى قوله تعالى : (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ) الآية رقم ٩ من سورة التوبة ، ومثال ما ترك فيه صرف المنصرف للضرورة أيضا قول الأخطل :
طلب الأزارق بالكتائب إذ هوت |
|
بشبيب غاثلة الثغور غدور |
فترك صرف «شبيب» وهو منصرف ، وشبيب : اسم رجل ، وهو ابن يزيد الشيبانى ، قائد الخوارج الثائرين فى عصر عبد الملك بن مروان.
(١) انظر : الفصل الثامن من الإغراب فى جدل الإعراب ص ٤٦ وما بعدها ، والسيوطى أغفل وجها من الوجوه الخمسة ، وقدم وأخر واختصر كلام الأنبارى.
(٢) البيت لذى الإصبع العدوانى ، واسمه الحارث بن محرث بن حرثان من كلمة رواها صاحب الأغانى فى ج ٣ ص ٤ و ١٠ ، وشرح ابن يعيش على المفصل ج ١ ص ٦٨ ، ولسان العرب ج ٦ ص ٢٨٦ ، و «عامر» هو : عامر بن الظرب العدوانى الذى يقول فيه ذو الإصبع من أبيات الشاهد :
ومنهم حكم يقصى |
|
فلا ينقض ما يقضى |
فيقول له البصرى : إنما لم يصرف لأنه ذهب به إلى القبيلة ، والحمل على المعنى كثير فى كلامهم.
والثانى : المعارضة بنص آخر مثله فيتساقطان ويسلم الأول ، كأن يقول الكوفى : الدليل على أن إعمال الأول فى باب التنازع أولى قول الشاعر :
* وقد نغنى بها ونرى عصورا (١) *
فيقول له البصرى : هذا معارض بقول الآخر :
__________________
وذو الطول وذو العرض : كناية عن عظم جسمه ، ومحل الاستشهاد قوله : «عامر» فقد جاء به مرفوعا من غير تنوين فدل على منعه من الصرف ، وليس فيه علة سوى العلمية ، وتأويله البصريون بأنه أريد به القبيلة ، ولقد فصل القول فى هذه المسألة الأنبارى فى المسألة ٧٠ من كتاب الإنصاف فى مسائل الخلاف.
(١) نسبه سيبويه فى ج ١ ص ٤٠ إلى المرار الأسدى ، والشطر الثانى لا بد منه فى الاستشهاد ، وهو :
* بها يقتدننا الخرد الخدالا*
وقبله :
فرد على الفؤاد هوى عميدا |
|
وسوئل لو يبين لنا السؤالا |
واستشهد به الأنبارى فى المسألة رقم ١٣ من الانصاف ، ومحل الاستشهاد فى قوله : «ونرى يقتدننا الخرد الخدالا».
فهذه العبارة من باب التنازع حيث تقدم فعلان هما «نرى» و «يقتاد» ، وتأخر معمول هو : «الخرد الخدالا» ، وقد أعمل الشاعر الفعل الأول فى هذا المعمول بدليل نصبه والاتيان بضميره معمولا للفعل الثانى وهو نون النسوة ، ولو أعمل الثانى لقال : نرى يقتادنا الخرد الخدال ، وإعمال الأول مذهب الكوفيين ، والأولى أن نقول : إن إعمال الاول جائز حيث ورد عن العرب ما يدل على إعمال الثانى.
ولكنّ نصفا لو سببت وسبّنى |
|
بنو عبد شمس من مناف وهاشم (١) |
والثالث : اختلاف الرواية كأن يقول الكوفى : الدليل على جواز مد المقصور قوله :
سيغنينى الّذى أغناك عنّى |
|
فلا فقر يدوم ولا غناء (٢) |
فيقول البصرى : الرواية غناء بفتح الغين وهو ممدود.
الرابع : منع ظهور (٣) دلالته على ما يلزم منه فساد القياس ، كأن يقول
__________________
(١) البيت للفرزدق همام بن غالب ، وهو من شواهد سيبويه ج ١ ص ٣٩ ، وفى ديوان الفرزدق ص ٨٤٤ ، وقبله :
وليس بعدل أن سببت مجاشعا |
|
بآبائى الشم الكرام الخضارم |
والشاهد فيه : «سببت وسبنى بنو عبد شمس» ، فالعبارة من باب الاشتغال تقدم فيها عاملان هما : «سببت» ، «وسبنى» ، وتأخر معمول واحد هو قوله : «عبد شمس» وقد أعمل الثانى ، ولو أعمل الأول لقال : «سببت وسبونى بنى عبد شمس» وإعمال الثانى مذهب البصريين ، والأولى أن نقول إن إعمال الثانى جائز ، لأنه سمع عن العرب ما يؤيد إعمال الأول.
(٢) فى الأصل : ولا غنا وهو تحريف ، لأن محل الاستشهاد «غناء» بمد المقصور جوازا فى الشعر على رأى الكوفيين ، والبيت من شواهد الأشمونى ج ٤ ص ١١٠ ، وأوضح المسالك الشاهد رقم ٥٣٧ ، وشرحه العينى بهامش الخزانة ج ٤ ص ٥١٣ ، وابن منظور ج ١٩ ص ٣٧٣ ، وقال فى «غناء» : إنه يجوز فيها فتح الغين والمراد بها : الغنى ، وكسر الغين والمراد بها : مصدر غانيت ، والغانى : ذو الوفر.
(٣) قال الأنبارى : «أن يشاركه الدليل» بدلا من «منع ظهور دلالته» على ما يلزم منه فساد القياس».
البصرى : الدليل على أن المصدر أصل للفعل : أنه يسمى مصدرا ، والمصدر هو الذى تصدر عنه الإبل ، فلو لم يصدر عنه الفعل وإلا لما سمى مصدرا.
فيقول الكوفى : هذا حجة لنا فى أن الفعل أصل للمصدر ، فإنه يسمى مصدرا لأنه مصدور عنه (١) ، كما يقال : «مركب فاره (٢) ، ومشرب عذب» أى مركوب ومشروب (٣).
[من القوادح فى العلة : فساد الوضع]
ومنها : «فساد الوضع» ، قال ابن الأنبارى : وهو أن يعلق (٤) على العلة ضد المقتضى ، كأن يقول الكوفى : إنما جاز التعجب من السواد والبياض دون سائر الألوان لأنهما أصلا الألوان.
فيقول له البصرى : قد علقت على العلة ضد المقتضى ، لأن التعجب إنما امتنع من سائر الألوان للزومها ، وهذا المعنى فى الأصل أبلغ منه فى الفرع ، فإذا لم يجز مما كان فرعا لملازمته المحل فلأن لا يجوز مما كان أصلا وهو ملازم للمحل أولى.
__________________
(١) فى الأصل : عن.
(٢) مركب فاره : فى اللسان دابة فارهة : أى نشيطة.
(٣) لم يذكر المؤلف الخامس من أوجه الطعن فى المتن وهو : أن يستدل بما لا يقول به ، مثل أن يقول البصرى : الدليل على أن واو «رب» لا تعمل والعمل لرب المقدرة : أنه قد جاء الجر بإضمارها من غير عوض منها فى نحو قوله :
رسم دار وقفت فى طلله |
|
كدت أقضى الحياة من جلله |
فيقول له الكوفى : «إعمال حرف الجر مع الحذف من غير عوض لا تقول به ، فكيف يجوز لك الاستدلال به؟».
(٤) انظر ص ٥٥ وما بعدها من الإغراب فى جدل الإعراب.