تاريخ مدينة دمشق - ج ٩

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]

تاريخ مدينة دمشق - ج ٩

المؤلف:

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]


المحقق: علي شيري
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٦٠
الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٢ الجزء ٣٣ الجزء ٣٤ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١ الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠

في وثاقك ، فأرسله خالد [ففتحها له ، فلما دخل أوثق أخاه وفتحها لخالد ، ثم قال : اصنع ما شئت ، فدخل خالد](١) وأصحابه فذكر خالد قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم والذي أمره فقال أكيدر : والله ما رأيتها قط جاءتنا إلّا البارحة ـ يريد البقر ـ ولقد كنت أضمر (٢) لها إذا أردت أخذها فأركب بها اليوم واليومين ، ولكن هذا القدر ، ثم قال يا خالد : إن شئت حكّمتك وإن شئت حكّمتني ، فقال خالد : بل يقبل منك ما أعطيت ، فأعطاهم ثمان مائة من السبي وألف بعير وأربعمائة درع وأربعمائة رمح ، وأقبل خالد بأكيدر إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأقبل معه يحنة (٣) بن روما عظيم (٤) أيلة فقدم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم واتفق أن يبعث إليه كما بعث إلى أكيدر ، فاجتمعا عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقاضاهما على قضيته على دومة [الجندل] وعلى تبوك وعلى أيلة وعلى تيماء وكتب لهما كتابا [٢٣٤٢].

أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي ، أنا أبو الحسين بن النّقّور ، أنا أبو طاهر المخلّص ، أنا رضوان بن أحمد ح.

وأخبرنا أبو عبد الله الفراوي وأبو القاسم الشحامي ، قالا : أنا أبو بكر البيهقي (٥) ، أنا أبو عبد الله الحافظ ، حدّثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، قالا : حدثنا أحمد بن عبد الجبار ، حدثنا يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق ، حدّثني يزيد بن رومان وعبد الله بن أبي بكر : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعث خالد بن الوليد إلى أكيدر بن عبد الملك رجل من [كندة](٦) كان ملكا على دومة ، وكان نصرانيا فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنّك ستجده يصيد البقر» فخرج خالد حتى إذا كان من حصنه منظر العين ، وفي ليلة مقمرة صافية ، وهو على سطح ومعه امرأته ، فأتت البقر تحك بقرنها باب القصر ، فقالت له امرأته هل رأيت مثل هذا قط؟ قال : لا والله فمن يترك هذا؟ فقال : لا أحد ، فنزل بفرسه فأسرج وركب معه نفر من أهل بيته فيهم أخ له يقال له حسان ، فخرجوا معهم بمطاردهم (٧) ، فبلغهم (٨) خيل

__________________

(١) ما بين معكوفتين سقط من الأصل واستدرك عن دلائل النبوة للبيهقي.

(٢) رسمها غير واضح بالأصل والمثبت عن البيهقي.

(٣) عن دلائل البيهقي وبالأصل مخلد.

(٤) رسمها مضطرب بالأصل والمثبت «عظيم أيلة» عن البيهقي.

(٥) دلائل النبوة للبيهقي ٥ / ٢٥٠.

(٦) سقطت من الأصل واستدركت عن البيهقي.

(٧) المطارد واحدها مطرد كمنبر ، رمح قصير يطعن به (لسان).

(٨) البيهقي : فتلقتهم.

٢٠١

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخذ به ، وقتلوا أخاه حسان ، وكان عليه قباء ديباج مخرّص بالذهب فاستلبه إياه خالد ، فبعث به إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبل قدومه عليه ، ثم أن خالدا قدم بالأكيدر على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فحقن له دمه ، وصالحه على الجزية وخلّى سبيله فرجع إلى قريته. انتهى حديث الشحامي وزاد : فقال رجل من طيء يقال له بجير بن بجرة فذكر قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لخالد : «إنك ستجده يصيد البقر» [٢٣٤٣] وما كانت صنعة البقرة (١) تلك الليلة حتى استخرجته لقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

تبارك سائق البقرات إني

رأيت الله يهدي كل هاد

فمن يكن حائدا عن ذي تبرّك (٢)

فإنا قد أمرنا بالجهاد

أخبرنا أبو بكر الفرضي ، أنا أبو بكر الجوهري ، أنا أبو عمر بن حيّوية ، أنا عبد الوهاب بن أبي حيّوية ، أنا محمد بن شجاع [الثّلجي ، أنا محمد بن عمر الواقدي ، حدّثني [ابن] أبي حبيبة عن داود بن الحصين ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ،](٣) ومحمد بن صالح عن عاصم بن عمر بن قتادة ومعاذ بن محمد ، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، وإسماعيل بن إبراهيم عن موسى بن عقبة فكلّ قد حدثني من هذا الحديث بطائفة وعماده حديث ابن أبي حبيبة (٤) قالوا : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خالد بن الوليد من تبوك في أربعمائة وعشرين فارسا إلى أكيدر بن عبد الملك في دومة الجندل ، وكان أكيدر من كندة قد ملكهم ، وكان نصرانيا ، فقال خالد : يا رسول الله كيف لي به وسط بلاد كلب ، وإنما أنا في أناس يسير ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ستجده يصيد البقر فتأخذه» قال : فخرج خالد حتى إذا كان من حصنه بنظر العين ، وفي ليلة مقمرة صائفة على سطح له ومعه امرأته الرباب بنت أنيف بن عامر من كندة ، وصعد على ظهر الحصن من الحر وقينته تغنّيه ، ثم دعا بشراب فشرب ، فأقبلت البقر تحك بقرونها باب الحصن ، فأقبلت امرأته الرباب فأشرفت على الحصن فرأت البقر فقالت : ما رأيت كالليلة في اللحم ، هل رأيت مثل هذا قط؟ قال : لا ، ثم قالت من يترك هذا؟ قال : لا أحد ، قال يقول أكيدر : والله ما

__________________

(١) بالأصل : «صمت للكفرة ، كذا ، والمثبت عن البيهقي وفي م : صنعت البقر.

(٢) البيهقي : تبوك وفي م : تبوك أيضا.

(٣) ما بين معكوفتين سقط من الأصل واستدرك على هامشه.

(٤) مغازي الواقدي ٣ / ١٠٢٥.

٢٠٢

رأيت جاءتنا بقر ليلا غير تلك الليلة ولقد كنت أضمر لها الخيل إذا أردت أخذها شهرا أو أكثر ثم أركب بالرجال وبالآلة.

قال : فنزل ، فأمر (١) بفرسه فأسرج وأمر بخيل فأسرجت وركبت معه نفر من أهل بيته معه أخوه حسان ومملوكان له فخرجوا من حصنهم بمطاردهم ، فلما فصلوا من الحصن وخيل خالد تنتظرهم لا يصهل منها فرس ولا يتحرك فساعة فصل أخذته الخيل ، فاستأسر أكيدر وامتنع حسان فقاتل حتى قتل وهرب المملوكان ومن كان معه من أهل بيته فدخلوا الحصن ، وكان على حسان قباء ديباج مخوّص بالذهب واستلبه خالد فبعث به إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مع عمرو (٢) بن أمية الضمري حين قدم عليهم فأخبرهم بأخذهم أكيدر.

قال أنس بن مالك وجابر بن عبد الله : رأينا قباء حسان أخي أكيدر حين قدم به إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فجعل المسلمون يلمسونه بأيديهم ويتعجبون منه ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يعجبون من هذا ، والذي نفسي بيده لمناديل سعد بن معاذ في الجنّة أحسن من هذا» وقد كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لخالد بن الوليد : «إن ظفرت بأكيدر فلا تقتله ، وائت به إليّ وإن أبى فاقتلوه» فطاوعهم. فقال بجير بن بجرة من طيء ذكر قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لخالد : «إنك تجده يصيد البقر» وما صنع البقر تلك الليلة بباب الحصن تصديق قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

تبارك الله سائق البقرات

إني رأيت الله يهدي كل هاد

فمن يك عائدا عن ذي تبوك

فإنا قد أمرنا بالجهاد

وقال خالد بن الوليد لأكيدر : هل لك أن أجيرك من القتل حتى آتي بك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على أن تفتح لي دومة؟ قال : نعم ذلك لك فلما صالح خالد أكيدر ، وأكيدر في وثاق وانطلق به خالد حتى أدناه من باب الحصن نادى أكيدر أهله افتحوا باب الحصن ، فأرادوا ذلك فأبى عليهم مصاد أخو أكيدر (٣) فقال أكيدر (٤) لخالد : يعلم والله ، والله لا يفتحون لي ما رأوني في وثاقك ، فخلّ عني ، فلك الله والأمانة أن أفتح لك الحصن إن كنت صالحتني على أهله ، قال خالد : فإني أصالحك ، فقال أكيدر : إن شئت حكّمتك وإن شئت حكّمتني ، قال خالد : بل نقبل منك ما أعطيت ، فصالحه على ألفي بعير وثمان مائة رأس

__________________

(١) بالأصل : قال : فتولى يأمر ، والمثبت عن الواقدي.

(٢) عن الواقدي بالأصل «عمر».

(٣) بالأصل في الموضعين : أكيد.

(٤) بالأصل في الموضعين : أكيد.

٢٠٣

وأربعمائة درع وأربعمائة رمح على أن ينطلق به وأخيه إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيحكم فيهما حكمه ، فلما قاضاه خالد على ذلك خلّى سبيله ، ففتح الحصن فدخله خالد ، وأوثق مصاد (١) أخا أكيدر وأخذ ما صالح عليه من الإبل والرقيق والسلاح ، ثم خرج قافلا إلى المدينة ومعه أكيدر ومصاد ، فلما قدم بأكيدر على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم صالحه على الجزية وحقن دمه ودم أخيه وخلّى سبيلهما ، وكتب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كتابا فيه أمانهم ، وصالحهم وختمه يومئذ بظفره.

وذكر غيره أنه أسلم ، وقد تقدم [٢٣٤٤].

وذكر أحمد بن يحيى البلاذري (٢) : حدّثني العباس بن هشام الكلبي ، عن أبيه ، عن جدّه قال : وجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خالد بن الوليد إلى أكيدر ، فقدم به عليه فأسلم وكتب له كتابا ، فلما قبض النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم منع الصدقة ونقض العهد وخرج من دومة الجندل فلحق بالحيرة ، وابتنى بها بناء سماه دومة بدومة الجندل.

قال العباس (٣) : وأخبرني أبي عن عوانة بن الحكم أن أبا بكر كتب إلى خالد بن الوليد وهو بعين التّمر يأمره أن يسير إلى أكيدر فسار إليه فقتله ، وفتح دومة ، وقد كان خرج منها بعد وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم عاد إليها ، فلما قتله خالد مضى خالد إلى الشام [قال] ولعله أن يكون قتله بدومة الجندل عند الحيرة ، فهي تقرب من عين التّمر والله أعلم.

٨٠٠ ـ ألب رسلان بن رضوان بن تتش بن ألب رسلان التركي (٤)

ولي إمرة حلب بعد موت أبيه رضوان في جمادى الآخرة سنة سبع وخمسمائة وهو صبي عمره ست عشرة سنة ، وتولى تدبير أمره خادم لأبيه اسمه لؤلؤ البابا ، ورفع عن أهل حلب بعض (٥) ما كان جدد عليهم من الكلف ، وقتل أخويه ملك شاه وأمير كاد (٦). قتل جماعة من الباطنية ، وكانت دعوتهم قد ظهرت في حلب في أيام أبيه ، ثم كاتب طغتكين

__________________

(١) في الواقدي : «مضاد» بالضاد المعجمة أينما وقع في الخبر.

(٢) فتوح البلدان (فتح دومة الجندل) ص ٦٩.

(٣)) فتوح البلدان ص ٧٠.

(٤)) بغية الطلب ٤ / ١٩٨٤ والوافي بالوفيات ٩ / ٣٥٠ ووفيات الأعيان ١ / ٢٩٥ فيها وفي ابن العديم «أرسلان».

(٥)) بالأصل «بعد» والمثبت عن ابن العديم.

(٦) في بغية الطلب : «وميريجا» وفي الكامل لابن الأثير ١٠ / ٤٩٩ مباركشاه وفي م : واسركا.

٢٠٤

أمير دمشق ، ورغب في استعطافه ، فأجابه طغتكين إلى ذلك ، ودعي له على منبر دمشق في شهر رمضان من هذه السنة ، ثم قدم ألب رسلان في هذا الشهر دمشق وتلقّاه طغتكين وأهل دمشق في أحسن زي ، وأنزله في قلعة دمشق ، وبالغ في إكرامه ، فأقام بها أياما ثم عاد إلى حلب في أول شوال ، وصحبه طغتكين ، فلما وصل إلى حلب لم ير منه طغتكين ما يحب ، ففارقه وعاد إلى دمشق.

وساءت سيرة ألب رسلان بحلب ، وانهمك في المعاصي واغتصاب الحرم ، وخافه لؤلؤ البابا فقتله بقلعة حلب في الثاني من شهر ربيع الآخر من سنة ثمان وخمسمائة ، ونصّب أخا له طفلا (١) عمره ست سنين ، وبقي لؤلؤ بحلب إلى أن قتل في آخر سنة عشر وخمس مائة ببالس.

٨٠١ ـ ألفتكين

هو هفتكين التركي الأمير يأتي ذكره في حرف الهاء.

٨٠٢ ـ إلياس بن نميس (٢) بن العازر بن هارون ،

ويقال : إلياس بن شبر ، ويقال : إلياس بن ياسين بن فنحاص بن العيزار بن هارون ، ويقال إلياس بن العازر بن العيزار بن هارون بن عمران بن قاهث بن لاوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم.

أرسله الله إلى أهل بعلبك من أعمال دمشق ، وقيل إنه اختفى من الكفار في المغارة التي بجبل قاسيون بدمشق عشر سنين.

أخبرنا أبو الفضائل ناصر بن محمود القرشي ، أنا علي بن أحمد بن زهير ، حدّثنا علي بن محمد بن شجاع ، أنا عبد الرّحمن بن عمر ، أنا أبو يعقوب الأذرعي ، حدّثنا يزيد بن عبد الصمد ، عن هشام بن عمّار ، قال : وسمعت من يذكر عن كعب أنه قال : إن إلياس اختبأ من ملك قومه في الغار الذي تحت الدم عشر سنين ، حتى أهلك الله الملك ، ووليهم غيره ، فأتاه إلياس فعرض عليه الإسلام ، فأسلم وأسلم من قومه خلق عظيم غير عشرة آلاف منهم ، فأمر بهم فقتلهم عن آخرهم.

__________________

(١) هو سلطان شاه بن رضوان ، نقله ابن العديم في بغية الطلب ٤ / ١٩٨٧.

(٢) في مختصر ابن منظور «تشبين» وفي م : امسن.

٢٠٥

أخبرنا أبو محمد بن طاوس ، أنا عاصم بن الحسن بن محمد ، أنا أبو السهل محمود بن عمر بن جعفر بن إسحاق بن محمود العكبري ، أنا أبو الحسن علي بن الفرج بن علي بن أبي روح العكبري ، حدّثنا ابن أبي الدنيا ، حدثني أبو محمد القاسم بن هشام ، حدّثنا عمر بن سعيد الدّمشقي ، نا سعيد بن عبد العزيز ، عن بعض مشايخه دمشق قال : أقام إلياس صلى‌الله‌عليه‌وسلم هاربا من قومه في كهف جبل عشرين ليلة ـ أو قال : أربعين ـ تأتيه الغربان برزقه.

أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي ، أنا أبو محمد الجوهري ، أنا أبو عمر بن حيوية (١) ، أنا أحمد بن معروف ، حدّثنا حارث بن أبي أسامة ، أنا محمد بن سعد (٢) ، أنا هشام بن محمد بن السائب الكلبي ، عن أبيه قال : أول نبي بعث إدريس ، ثم نوح ، ثم إبراهيم ، ثم إسماعيل وإسحاق ، ثم يعقوب ، ثم يوسف ، ثم لوط ، ثم هود ، ثم صالح ، ثم شعيب ، ثم موسى وهارون ابنا عمران ، ثم إلياس بن نميس (٣) بن العازر بن هارون بن عمران بن قاهث بن لاوي بن يعقوب.

أنبأنا أبو منصور محمد بن عبد الملك وغيره عن أبي بكر الخطيب ، أنا محمد بن أحمد بن محمد بن زرقويه ، أنا أبو بكر أحمد بن سندي بن الحسن الحداد ، حدّثنا الحسن بن علي ، حدّثنا إسماعيل بن عيسى ، أنا إسحاق بن بشر ، عن أبي إلياس ، عن وهب : أن حزقيل قام في بني إسرائيل بأمر الله عزوجل وطاعته ، وكان فيما أعطاه الله عزوجل عزّة لبني إسرائيل حتى قبضه الله عزوجل إليه. فعظمت الأحداث في بني إسرائيل وخالطوا عبدة الأوثان ، فنصبت الأوثان طوائف منهم وطائفة متمسكين بالعهد ، فكانوا يقتلون الأنبياء وأبناء الأنبياء والذين يأمرون بالقسط من الناس ، واحبوا الملك حتى بعث الله جلّ وعزّ إليهم إلياس بن العازر بن هارون نبيا ، وإنما كانت الأنبياء تبعث في بني إسرائيل بعد موسى لتجديد ما نسوا من التوراة ، وكانت لا تنزل عليهم الكتب إنما كانوا يعملون بما في التوراة ، ويجددون لهم ما نسوا من التوراة ، وكان إلياس ـ عليه‌السلام ـ مع ملك من ملوك بني إسرائيل (٤) يقوم بأمره ، وينتهي الملك إلى رأيه ، وكان سائر ملوك بني

__________________

(١) بالأصل «حمويه» خطأ والصواب عن م ، انظر ترجمته في سير الأعلام ١٦ / ٤٠٩.

(٢) طبقات ابن سعد ١ / ٥٤.

(٣) في ابن سعد : «تشبين» وبالأصل «ثم نميس» خطأ.

(٤) يقال له أحاب ، انظر الطبري ١ / ٤٦١.

٢٠٦

إسرائيل اتّخذوا الأصنام وكان له صنم يقال له بعل. وأنا إسحاق عن جرير ، عن الضحاك ، عن ابن عباس قال : البعل : الربّ سموا الصنم ربّا ، وهو بلغة اليمن : البعل : الربّ.

أنبأنا أبو طاهر بن الحنّائي (١) ، وأبو محمد عبد الله بن أحمد ، وهبة الله بن أحمد ، قالوا : أنا أحمد بن عبد الواحد ح.

وأخبرنا أبو الحسن بن أبي الحديد ، أنا جدّي أبو عبد الله ، أنا أبي أبو الحسن ، أنا أبو محمد بن أبي نصر ، أنا أبو علي عبد السلام بن أحمد بن القرشي ، أنا أبو حصين محمد بن إسماعيل بن محمد التميمي ، حدّثنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الزاهدي ، حدّثنا علي بن عاصم عن برد بن مكحول ، عن كعب قال : أربعة أنبياء اليوم اثنان في الدنيا ، واثنان في السماء ، فأما اللذان في الدنيا فإلياس والخضر ، وأما اللذان في السماء فعيسى وإدريس عليهما‌السلام.

أخبرني أبو المظفّر بن القشيري ، أنا أبو بكر البيهقي الحافظ ح.

وأخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي ، أنا عمر بن عبيد الله بن عمر ، قالا : أنا أبو الحسين بن بشران ، أنا عثمان بن أحمد بن عبد الله ، حدّثنا حنبل بن إسحاق ، حدثني أبو عبد الله ، نا أبو كامل ح.

وأخبرنا أبو البركات الأنماطي ، أنا أبو الفضل بن خيرون ، أنا أبو القاسم بن بشران ، أنا أبو علي بن الصّوّاف ، حدّثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، حدّثنا أبي ، نا يحيى بن آدم ، قالا : نا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن عبيدة بن ربيعة ، قال : قال عبد الله بن مسعود : إن إسرائيل هو يعقوب عليه‌السلام ، وإن إلياس هو إدريس ـ في رواية ابن أبي شيبة عن عبد الله قال : إدريس هو إلياس ويعقوب هو إسرائيل.

وأخبرني أبو المظفّر ، أنا أبو بكر البيهقي ، أنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو ، قالا : حدّثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، قال : سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل يقول : وجدت في كتاب أبي بخط يده سمعنا أن ستة من الأنبياء لهم في القرآن اسمان

__________________

(١) رسمها غير واضح بالأصل وم والمثبت عن فهارس شيوخ ابن عساكر (المطبوعة عبد الله بن جابر ـ عبد الله بن زيد ص ٦٨٠) واسمه محمد بن الحسين بن محمد الحنائي وانظر ترجمته في سير أعلام النبلاء ١٩ / ٤٣٦.

٢٠٧

اسمان : محمد وأحمد ، وإبراهيم وأبراهام ، ويعقوب وإسمايل (١) ، ويونس ذو النون ، وإلياس الياسين ، وعيسى المسيح عليهم‌السلام.

أخبرنا أبو القاسم بن السّوسي ، أنا جدي أبو محمد حدّثنا أبو علي الأهوازي ، حدّثنا أبو شجاع فاتك بن عبد الله البراجمي ـ بصور ـ حدّثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن هاشم المؤدب ـ بصور ـ حدّثنا أبو محمد جعفر بن محمد بن علي الهمذاني (٢) ـ بصور ـ حدّثنا أبو رفاعة عمارة بن وثيمة ، حدّثنا عبد الرّحمن ، حدّثنا محمد بن المتوكل ، حدّثنا ضمرة بن ربيعة ، عن عبد الله بن شوذب ، قال : الخضر من ولد فارس ، وإلياس من بني إسرائيل فيلتقيان كل عام بالموسم.

أنبأنا [أبو](٣) الوحش سبيع بن المسلم ، وأبو تراب حيدرة بن أحمد بن الحسين ، قالا : نا أبو بكر الخطيب ، أنا أبو الحسن بن رزقوية ، أنا أحمد بن سندي ، حدّثنا الحسن بن علي ، حدّثنا إسماعيل بن عيسى ، أنا إسحاق بن بشر القرشي عن جرير ، عن الضحاك عن ابن عباس ، ومقاتل عن الضحاك ، عن ابن عباس في قول الله عزوجل : (وَإِنَّ إِلْياسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ، إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ ، أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ اللهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ)(٤) قال وإنما سمّي بعلبك لعبادتهم البعل ، وكان موضعهم يقال له بك. فسمي بعل بك يقول الله عزوجل : (وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ اللهَ).

قال : وأنا إسحاق ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن قال : إن الله عزوجل بعث الناس إلى بعل بك وكانوا قوما يعبدون الأصنام ، وكانت ملوك بني إسرائيل متفرقة عن العامة ، كل ملك على ناحية يأكلها ؛ وكان الملك الذي كان إلياس معه يقوم له أمره ، ويقتدي برأيه ، وهو على هدى من بين أصحابه ، حتى وقع إليهم قوم من عبدة الأصنام فقالوا : ما يدعوك إلّا إلى الضلال والباطل ، وجعلوا يقولون له : اعبد هذه الأوثان التي يعبد الملوك ودع ما أنت عليه ، فقال الملك لإلياس : يا إلياس والله ما تدعو إلّا إلى الباطل ، وإني أرى ملوك بني إسرائيل كلهم قد عبدوا الأوثان التي تفيد الملوك ، وهم على ما نحن عليه

__________________

(١) كذا بالأصل وفي مختصر ابن منظور ٥ / ٢٤ وإسرائيل وفي م : واسرايل.

(٢) رسمها بالأصل «المهذابي» وفي م : الهمذاني.

(٣) زيادة لازمة عن م.

(٤) سورة الصافات ، الآيات : ١٢٣ ـ ١٢٦.

٢٠٨

يأكلون ويشربون وهم في ملكهم يتقلبون وما تنقص دنياهم من أمرهم الذي تزعم أنه باطل ، وما لنا عليهم من فضل ، فاسترجع الناس وقام شعر رأسه وجلده ، فخرج عليه إلياس.

قال : وأنا إسحاق ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن قال : إن الذي زين لذلك الملك امرأته (١) ، وكانت قبله تحت ملك جبّار وكان من الكنعانيين من طول وجسم وحسن ، فمات زوجها الأول فاتّخذت تمثالا على صورة بعلها من الذهب ، وجعلت له حدقتين من ياقوت وتوّجته بتاج مكلّل بالدرّ والجوهر ، ثم أقعدته على سرير تدخل عليه فتدخّنه وتطيبه وتسجد له ثم تخرج عنه ، فتزوجت بعد ذلك هذا الملك الذي كان إلياس معه. وكانت فاجرة قد قهرت زوجها ، فكانت هي التي جمعت هؤلاء السبعين الذين زعموا أنهم أنبياء ، وبنت بيت الأصنام ووضعت البعل. فدعاهم إلياس إلى الله فلم يزدهم ذلك إلّا بعدا. فقال إلياس : اللهم إن بني إسرائيل قد أبوا [إلّا](٢) الكفر بك وعبادة غيرك ، فغير ما بهم من نعمتك. قال الحسن : إن الله أوحى إلى إلياس إني قد جعلت أرزاقهم بيدك حتى تكون أنت الذي تأذن لهم ، فقال إلياس : اللهم أمسك عنهم القطر ثلاث سنين ، فأمسك الله عنهم ، وأرسل إلياس الملك فتاه وكان تلميذه يقال له اليسع بن حطوب (٣) ، وليس باليسع الذي يقال له الخضر ، وذلك ابن عاميا وكان هذا غلام يتيم من بني إسرائيل ، أوت أمه إلياس ، أخفت أمره ، وكان اليسع به ضرّ فدعا الله فعافاه من الضرّ الذي كان به ، واتّبع إلياس وآمن به وصدّقه ولزمه ، فذهب حيث ما ذهب ، فلما أمسك الله عنهم القطر أرسل إلياس أليسع إلى الملك ، فقال : قل له إن إلياس يقول لك إنك اخترت عبادة البعل على عبادة الله واتّبعت عتاة قومك هؤلاء الكذبة الذين يزعمون أنهم أنبياء ، واتّبعت هوى امرأتك الخبيثة التي خانتك وأهلكتك فاستعد للعذاب والبلاء.

قال : وأمسك الله عنهم القطر حتى هلكت الماشية والدوابّ والهوام وجهد الناس جهدا شديدا وخرج إلياس شفقا على نفسه حين دعا عليهم فانطلق اليسع فبلّغ رسالته الملك ، فعصمه الله من شرك الملك ولحق بإلياس ، فانطلق إلياس حتى أتى ذروة جبل ،

__________________

(١) واسمها أزبل ، انظر الطبري ١ / ٤٦١.

(٢) زيادة عن الطبري ١ / ٤٦٢.

(٣) في الطبري : أخطوب.

٢٠٩

فكان الله يأتيه برزقه ، وفجّر له عينا معينا لشرابه وطهوره حتى أصاب الناس الجهد ، فأكلوا الكلاب والجيف والعظام فأرسل الملك إلى السبعين فقال لهم سلوا البعل أن يفرّج ما بنا قال : فأخرجوا أصنامهم فقرّبوا لها الذبائح ، وعكفوا عليها وجعلوا يدعون حتى طال ذلك عليهم ، فقال لهم الملك : إن إله إلياس كان أسرع إجابة من هؤلاء ، قال : فبعثوا في طلب إلياس ليدعو لهم فلم يجبهم فغارموه فقال : يا رب غار مائي ، فأوحى الله إليه أني قد أهلكت خلقا كثيرا لم أرد هلاكهم بخطايا بني إسرائيل فقال : أتحبون أن تعلموا أن الله عليكم ساخط وإنما حبس عنكم المطر للذي أنتم عليه ، فأخرجوا أوثانكم التي تعبدونها وتزعمون أنها خير مما أدعوكم إليه فادعوها هل تستجيب لكم؟ وإلّا دعوت ربي يفرّج عنكم ، فقالوا : أنفعل (١) ، فأخرجوا أوثانهم فجعلت الكذبة تدعو وتتضرع ، ويدعو إلياس معهم فلا يستجاب لهم ، فقالوا : يا إلياس ادع لنا ربك. قال : فدعا إلياس ربه أن يفرّج عنهم ، فارتفعت سحابة مثل الترس وهم ينظرون حتى ركزت عليهم ثم أدحيت (٢) ، ثم أرسل الله عليهم المطر فأغاثهم. فقال الحسن فتابوا وراجعوا.

أخبرنا أبو الوحش سبيع بن مسلم وأبو تراب حيدرة بن أحمد المقرءان ـ في كتابهما ـ قالا : حدّثنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت ، أنا محمد بن أحمد بن محمد ، أنا أحمد بن سندي الحداد ، حدّثنا الحسن بن علي ، حدّثنا إسماعيل العطار ، أنا إسحاق بن بشر ، قال : وقال أبو إلياس عن وهب : تمادوا بعد ذلك فلما رأى ذلك إلياس دعا ربه أن يريحه منهم ، فقيل له : انظر يوم كذا وكذا فإذا رأيت دابّة لونها مثل النار فاركبها ، فجعل يتوقع ذلك اليوم ، فإذا هو بشيء قد أقبل على صورة فرس لونه كلون النار حتى وقف بين يديه ، فوثب عليه فانطلق به ، وناداه أليسع : يا إلياس بما ذا تأمرني؟ فكان آخر العهد به ، فكساه الله عزوجل الريش ، وألبسه النور ، وقطع عنه لذة المطعم والمشرب فصار في الملائكة فقال : كان إنسيا (٣) ملكيا سمائيا.

وقال الحسن : هو موكل بالفيافي ، والخضر بالبحار ، وقد أعطيا الخلد في الدنيا إلى الصيحة الأولى. فإنهما يجتمعان في كل عام بالموسم.

__________________

(١) الطبري : أنصفت.

(٢) الطبري : أدجنت.

(٣) بالأصل : «أنيسا مليكا» والمثبت عن الطبري ١ / ٤٦٤.

٢١٠

أخبرنا أبو الحسن بركات بن عبد العزيز بن الحسين ـ إذنا ـ حدّثنا أبو بكر أحمد بن علي الحافظ ، أنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن رزقوية ، أنا أحمد بن سندي ، حدّثنا الحسن بن علي القطان ، حدّثنا إسماعيل بن عيسى العطّار ، أنا إسحاق بن بشر ، حدّثنا زكريا ـ يعني ابن عمرو ـ وإدريس ـ يعني ابن بنت وهب ـ عن وهب فيما ذكر من قول جرجس الشهيد لدابّة الجبار ملك الموصل فقال وإني سائلا عن شيء : هل تستطيع أن تجعل طرملسا (١) وما مال من ولايتك ، فإنه عظيم قومك مثل إلياس ، وما بال بولاية الله تعالى؟ قال : ومن إلياس وما بال بولاية الله تعالى قال : فإن إلياس كان عبدا من عباد الله أطاعه وكان بدؤه آدميا يأكل الطعام ، ويمشي في الأسواق ، ويعيش عيش الناس ، ويستظل بظلمهم ، فلم يزل تتراقى به كرامة الله عزوجل حتى أنبت له الريش ، وألبسه النور فصار إنسيا (٢) ملكيا سمائيا أرضيا يطير مع الملائكة قد كسي ريشهم وألبس نورهم وأعطي قوتهم وصبرهم ، فأين نجعل هذا ، وما بال من ولاية من مطر (٣) ملينا وما بال بولايتك.

حدّثنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي ـ إملاء ـ قال : قرئ على أبي الحسن علي بن إبراهيم بن عيسى الباقلاني ـ وأنا حاضر ـ حدّثنا أبو بكر بن مالك ـ إملاء ـ نا علي بن الحسن القطيعي ، حدّثنا أحمد بن محمد بن أحمد بن زيد ، أنا عمرو بن عاصم ، حدّثنا الحسن بن رزين ، عن ابن جريج ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن ابن عباس قال : ولا أعلمه إلّا مرفوعا إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : يلتقي الخضر وإلياس عليهما‌السلام في كل عام من الموسم بمنى فيحلق كل واحد منهما رأس صاحبه ويتفرقان عن هؤلاء الكلمات : سبحان الله ما شاء الله لا يسوق الخير إلّا الله ما شاء الله لا يصلح السوء إلّا الله ، ما شاء الله لا قوة إلّا بالله.

قال : قال ابن عباس : من قالهن حين يصبح وحين يمسي ثلاث مرات أمنه الله من الغرق والسرق ؛ قال : وأحسبه قال : ومن الشيطان والسلطان والحية والعقرب (٤).

أخبرنا أبو الحسن علي بن المسلم الفقيه وعلي بن الحسن بن الحسين الموازيني ، قالا : أنا أبو الحسن بن أبي الحديد ، أنا جدي أبو بكر ، أنا محمد بن يوسف بن بشر

__________________

(١) كذا بالأصل وفي م : طرقلبنا.

(٢) بالأصل : «أنيسا مليكا» والمثبت عن م وانظر الطبري ١ / ٤٦٤.

(٣) كذا بالأصل وفي م : طرمليتا.

(٤) نقله ابن كثير في البداية والنهاية ١ / ٣٨٨ بتحقيقي. وفيه : محمد بن أحمد بن يزيد بدل زيد.

٢١١

الهروي ، أنا محمد بن حماد الطّهراني (١) ، أنا عبد الرّزّاق ، أنا معمر ، عن قتادة في قوله تبارك وتعالى : (وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ)(٢) قال ترك الله تبارك وتعالى عليه ثناء حسنا في الآخرة.

أخبرنا أبو عبد الله الفراوي ، أنا أبو بكر البيهقي (٣) ، أنا أبو عبد الله الحافظ ، حدّثني أبو العباس أحمد بن سعيد المعداني (٤) ـ ببخارا ـ أنا عبد الله بن محمود ، نا عبدان بن سنان ، حدثني أحمد بن عبد الله البرقي (٥) ، حدّثنا يزيد بن يزيد البلوي (٦) ، حدّثنا أبو إسحاق الفزاري ، عن الأوزاعي ، عن مكحول ، عن أنس بن مالك قال : كنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في سفر فنزلنا منزلا فإذا رجل في الوادي يقول : اللهم اجعلني من أمة محمد المرحومة المغفورة المثاب لها. قال : فأشرفت على الوادي فإذا رجل طوله أكثر من ثلاثمائة ذراع ، فقال لي : من أنت؟ قلت : أنا أنس بن مالك خادم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : فأين هو؟ قلت : هو ذا يسمع كلامك ، قال : فائته فاقرئه السلام ، وقل له أخوك إلياس يقرئك السلام ، قال : فأتيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخبرته ، فجاء حتى لقيه فعانقه وسلّم ثم قعدا (٧) يتحدثان فقال له : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إني ما آكل في سنة إلّا يوما وهذا يوم فطري فآكل أنا وأنت قال : فنزلت عليهما مائدة من السّماء عليها خبز وحوت وكرفس فأكلا وأطعماني وصلّينا العصر ، ثم ودّعه فرأيته مرّ في السحاب نحو السماء.

قال البيهقي إسناد هذا الحديث ضعيف بمرة وقد روي هذا الحديث من وجه آخر أطول من هذا.

أنبأناه أبو الكرم المبارك بن الحسن بن أحمد بن علي الشهرزوي ، أنا عمّي أبو البركات عبد الملك بن أحمد بن علي الشهرزوي سنة سبع وستين وأربعمائة ، أنا

__________________

(١) ضبطت عن الأنساب وهذه النسبة إلى طهران قرية كبيرة على باب أصبهان وأخرى قرية بالري ، والمذكور ينتسب إلى الأخيرة ، ذكره السمعاني وترجم له.

(٢) سورة الصافات ، الآية : ١٢٩.

(٣) دلائل النبوة للبيهقي ٥ / ٤٢١ باب ما روي في التقاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بإلياس عليه‌السلام ، ونقله عنه ابن كثير في البداية والنهاية ١ / ٣٩٤.

(٤) الأصل وابن كثير ، وفي البيهقي : البغدادي.

(٥) البيهقي : الرقي.

(٦) البيهقي : يزيد العلوي.

(٧) عن البيهقي وبالأصل «قعد».

٢١٢

عبيد الله بن عمر بن أحمد الواعظ ، حدّثني أبي ، حدّثنا أحمد بن عبد العزيز بن منير الحرّاني ـ بمصر ـ حدّثنا أبو الطاهر خبر ابن عوفة الأنصاري ، حدّثنا هانئ بن الحسن ، حدّثنا بقية ، عن الأوزاعي ، عن مكحول ، قال : سمعت واثلة بن الأسقع قال : غزونا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم غزوة تبوك حتى إذا كنا في بلاد جذام (١) في أرض لهم يقال لها الحوزة (٢) وقد كان أصابنا عطش شديد ، فإذا بين أيدينا آثار غيث فسرنا مليا فإذا بغدير وإذا فيه جيفتان ، وإذا السباع قد وردت الماء فأكلت من الجيفتين وشربت من الماء قال : فقلت : يا رسول الله هذه جيفتان وآثار السباع قد أكلت منها فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «نعم ، هما طهوران اجتمعا من السماء والأرض لا ينجسهما شيء ، [وللسباع](٣) ما شربت في بطنها ولنا ما بقي» ، حتى إذا ذهب ثلث الليل إذا نحن بمنادي ينادي بصوت حزين : اللهم اجعلني من أمة محمد المرحومة المغفور لها المستجاب لها المبارك عليها فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يا حذيفة ويا أنس ادخلا إلى هذا الشعب فانظرا ما هذا الصوت» قال : فدخلنا فإذا نحن برجل عليه ثياب بياض أشد بياضا من الثلج ، وإذا وجهه ولحيته كذلك ما أدري أيهما أشد ضوءا ثيابه أو وجهه فإذا هو أعلى جسما منا بذراعين أو ثلاثة ، قال فسلّمنا عليه فرد علينا السلام ، ثم قال : مرحبا أنتما [رسولا](٤) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قالا : فقلنا : نعم ، قالا : فقلنا من أنت رحمك الله؟ قال : أنا إلياس النبي خرجت أريد مكة فرأيت عسكركم ، فقال لي جند من الملائكة على مقدمتهم جبريل وعلى ساقتهم ميكائيل هذا أخوك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فسلّم عليه وألقه ، ارجعا فاقرءاه السلام وقولا له : لم يمنعني من الدخول إلى عسكركم إلّا أني أتخوف أن تذعر الإبل ويفزع المسلمون من طولي ، فإن خلقي ليس كخلقكم ، قولا له صلى‌الله‌عليه‌وسلم يأتيني قال حذيفة وأنس فصافحناه ، فقال لأنس خادم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من هذا؟ قال : حذيفة بن اليمان صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : فرحّب به ثم قال : والله إنه لفي السماء أشهر منه في الأرض ، يسميه أهل السماء صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال حذيفة : هل تلقى الملائكة؟ قال : ما من يوم إلّا وأنا ألقاهم ويسلمون علي وأسلم عليهم ، قال : فأتينا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فخرج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم معنا حتى أتينا الشعب وهو يتلألأ وجهه نورا ، وإذا ضوء وجه إلياس وثيابه كالشمس ، قال

__________________

(١) بالأصل «جذال» والمثبت عن م.

(٢) الحوزة : واد بالحجاز (معجم البلدان).

(٣) الزيادة عن م.

(٤) الزيادة عن م.

٢١٣

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «على رسلكم» قال : فتقدمنا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قدر خمسين ذراعا وعانقه مليا ثم قعدا.

قالا : فرأينا شيئا كهيئة الطير العظام بمنزلة الإبل قد أحدقت به وهي بيض ، وقد نثرت أجنحتها فحالت بيننا وبينهم ، ثم صرخ بنا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : يا حذيفة ويا أنس تقدّما ، فتقدمنا فإذا بين أيديهم مائدة خضراء لم أر شيئا قط أحسن منها ، قد غلب خضرتها لبياضها فصارت وجوهنا خضراء ، وثيابنا خضراء وإذا عليها خبز ورمان وموز وعنب ورطب وبقل ، ما خلا الكراث. قال : ثم قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «كلوا بسم الله» قال : فقلنا : يا رسول الله أمن طعام الدنيا هذا؟ قال : لا ، قال لنا : «هذا رزقي ولي في كل أربعين يوما وأربعين ليلة أكلة تأتيني بها الملائكة وهذا تمام الأربعين يوما والليالي ، وهو شيء يقول الله عزوجل له كن فيكون» قال : فقلنا من أين وجهك؟ قال : وجهي من خلف رومية كنت في جيش من الملائكة من جيش من المسلمين غزوا أمة من الكفار. قال : فقلنا : فكم يسار من ذلك الموضع الذي كنت فيه قال : أربعة أشهر وفارقته أنا منذ عشرة أيام ، وأنا أريد إلى مكة أشرب بها في كل سنة شربة ، وهي ربّي وعصمتي إلى تمام الموسم من قابل. قال : فقلت : فأي المواطن أكبر معارك؟ قال : الشام وبيت المقدس والمغرب واليمن ، وليس في مسجد من مساجد محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلّا وأنا أدخله صغيرا كان أو كبيرا. قال : الخضر متى عهدك به؟ قال : منذ سنة كنت قد التقيت أنا وهو بالموسم ، وقد كان [قال :](١) إنك ستلقى محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبلي ، فأقرئه مني السلام ، وعانقه وبكى قال : ثم صافحناه وعانقناه وبكى وبكينا ، فنظرنا إليه حتى هوى في السماء كأنه يحمل حملا ، فقلنا : يا رسول الله لقد رأينا عجبا إذا هوى إلى السماء. فقال : «إنّه يكون بين جناحي ملك حتى ينتهي به حيث أراد» [٢٣٤٥].

هذا حديث منكر وإسناده ليس بالقوي (٢).

أخبرنا أبو بكر بن المزرفي ، حدّثنا أبو الحسين بن المهتدي ، أنا أبو أحمد عبيد الله بن محمد بن أبي مسلم الفرضي ، أنا أبو عمر عثمان بن أحمد السّمّاك ، حدّثنا أبو القاسم إسحاق بن إبراهيم بن سفيان الختّلي ، حدثني عثمان بن سعيد الأنطاكي ، حدّثنا

__________________

(١) سقطت من الأصل واستدركت على هامشه.

(٢) نقله ابن كثير في البداية والنهاية ١ / ٣٩٥.

٢١٤

علي بن إبراهيم المصّيصي ، عن عبد الحميد بن بحر ، عن سلام الطويل ، عن داود بن يحيى مولى عون الطّفاوي (١) ، عن رجل كان مرابطا في بيت المقدس وبعسقلان قال : بينا أنا أسير في وادي الأردن إذا أنا برجل في ناحية الوادي قائم يصلّي ، فإذا سحابة تظله من الشمس ، فوقع في قلبي أنه إلياس النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأتيته فسلمت عليه فانفتل من صلاته فردّ علي السلام فقلت له : من أنت يرحمك الله؟ فلم يرد علي شيئا ، فأعدت القول مرتين فقال : أنا إلياس النبي ، فأخذتني رعدة شديدة خشيت على عقلي أن يذهب ، فقلت له : إن رأيت ـ رحمك الله ـ أن تدعو لي أن يذهب الله عني ما أجد حتى أفهم حديثك ، فدعا لي بثمان دعوات ، فقال : يا بر يا رحيم ، يا حي يا قيوم ، يا حنان يا منان يا هيا شراهيا. فذهب عني ما كنت أجد ، فقلت له : إلى من بعثك؟ قال : إلى أهل بعلبك ، قال : فهل يوحى إليك اليوم؟ قال : منذ بعث محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم خاتم النبيين فلا. قلت فكم من الأنبياء في الحياة؟ قال : أربعة : أنا والخضر في الأرض ، وإدريس وعيسى في السماء. قلت : فهل تلتقي أنت والخضر؟ قال : نعم في كل عام بعرفات وبمنى ، قلت : فما حديثكما؟ قال : يأخذ من شعري وآخذ من شعره ، قلت : فكم الأبدال؟ قال : هم ستون رجلا خمسون ما بين عريش مصر إلى شاطئ الفرات ، ورجلان بالمصّيصة. ورجل بانطاكية ، وسبعة في سائر أمصار العرب هم بهم يسقون الغيث وبهم ينتصرون على العدو ، وبهم وبهم ، يقيم الله بهم أمر الدنيا حتى إذا أراد الله أن يهلك كلهم أماتهم جميعا رواه أبو حذيفة إسحاق بن بشر ، عن محمد بن الفضل ، عن عطية ، عن داود بن يحيى ، عن زيد مولى عون الطّفاوي نحوه فالله أعلم.

آخر الجزء الخامس بعد المائة.

أخبرنا أبو القاسم إسماعيل بن محمد بن الفضل ، أنا محمد بن عمر بن الحسن ، أنا الفضل بن محمد بن سعيد ، أنا أبو محمد بن حيان ، حدّثنا عبد الله بن عبد الكريم ، حدّثنا المنذر بن شاذان ، حدّثنا يعقوب بن كعب الأنطاكي ، حدّثنا أبي عن الخليل بن مرّة قال : بينا رجل يبيع سلعة له وهو يكثر الكلام فيها ، إذ أتى عليه آت فقال : يا عبد الله ، إن كثرة الكلام لا تزيد في رزقك شيئا ، وإنّ قلّة الكلام لا تنقص من رزقك شيئا ، قال : عليك

__________________

(١) ضبطت عن الأنساب هذه النسبة إلى طفاوة ، قال ابن الأثير في اللباب : لم يذكر طفاوة من أي العرب هي ، وهذه النسبة إلى ثعلبة وعامر ومعاوية أولاد أعصر بن سعد بن قيس عيلان ، قيل في أسمائهم غير ذلك ، وأمهم طفاوة بنت جرم بن ريان فنسبوا إليها ، ولا خلاف أنهم نسبوا إلى أمهم.

٢١٥

شأنك يا عبد الله ، قال : هذا شأني ، ثم ولّى الرجل ، فلحقه ، فقال : يا عبد الله قلت لي قولا فأحبّ أن تفسره لي ، قال : إنّ من الإيمان أن تؤثر الصدق على الكذب وإن ضرّك ، [وأن](١) تدع الكذب وإن نفعك ، وأن لا يكون لقولك فضل على عملك ، قال : يا عبد الله ، إني أحب أن تكتب لي هذا فإني أخاف أن أنساه ، قال : فبينما أكلمه إذ (٢) غاب عني فلم أره ، فلقيت رجلا من آل عمر ـ رضي‌الله‌عنه ـ فأخبرته ، فقال : هذا من قول إلياس عليه‌السلام.

أخبرنا أبو القاسم الشحامي ، أنا أبو بكر البيهقي ، أنا أبو زكريا بن أبي إسحاق ، أنا أحمد بن سليمان الفقيه ، حدّثنا الحسن بن مكرم ، حدّثنا عبد الله بن بكر ، حدّثنا الحجّاج بن فرافصة : أن رجلين كانا يتبايعان عند عبد الله بن عمر ، فكان أحدهما يكثر الحلف ، فبينما هو كذلك إذ مر عليهما رجل فقام عليهما فقال للذي يكثر الحلف ، منهما : يا عبد الله اتّق الله ولا تكثر الحلف ، فإنه لا يزيد في رزقك إن حلفت ، ولا ينقص من رزقك إن لم تحلف. قال : امض لما يغنيك ، قال : إن ذا مما يغنيني ، قالها ثلاث مرات ، ورد عليه قوله ، فلما أراد أن ينصرف عنهما قال : اعلم أن ذا مما يغنيني ، قالها ثلاث مرات ، ورد عليه قوله ، فلما أراد أن ينصرف عنهما قال : اعلم أن من آية الإيمان أن تؤثر الصدق حيث يضرك على الكذب حيث ينفعك ، ولا يكن في قولك فضل على فعلك ، ثم انصرف. فقال عبد الله بن عمر الحلفة ، فاستكتبه هؤلاء الكلمات ، فقال : يا عبد الله أكتبني هذه الكلمات يرحمك الله ، فقال الرجل : ما يقدّر الله تعالى من أمر يكن ، فأعادهن عليه حتى حفظه ، ثم مشى معه حتى وضع إحدى رجليه في المسجد فما أرى أرض لحسته أم سماء ، قال : كأنهم كانوا يرونه الخضر وإلياس عليهما‌السلام.

أخبرنا أبو السعادات أحمد بن أحمد المتوكّلي وأبو محمد [عبد](٣) الكريم بن حمزة السلمي ، قالا : حدّثنا أبو بكر أحمد بن علي الخطيب ، أنا محمد بن موسى بن الفضل ، أنا محمد بن عبد الله بن أحمد الصّفّار ، حدّثنا أبو بكر بن أبي الدنيا ، حدّثني بشر بن معاذ ، حدثنا أحمد بن واقد ، عن ثابت ، قال : كنا مع مصعب بن الزّبير بسواد الكوفة ، فدخلت حائطا أصلّي ركعتين ، وافتتحت : (حم تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ

__________________

(١) الزيادة عن م.

(٢) بالأصل «إذا» والمثبت عن م.

(٣) سقطت من الأصل واستدركت على هامشه.

٢١٦

الْعَلِيمِ ، غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ ، شَدِيدِ الْعِقابِ ، ذِي الطَّوْلِ)(١) فإذا رجل من خلفي على بغلة شهباء عليه مقطّعات (٢) يمنة ، فقال لي : إذا قلت : (غافِرِ الذَّنْبِ) اغفر ذنبي فقل : يا غافر الذنب اغفر لي ذنبي ، وإذا قلت : (قابِلِ التَّوْبِ) فقل : يا قابل التوب تقبل توبتي ، فإذا قلت (شَدِيدِ الْعِقابِ) فقل : يا شديد العقاب [لا تعاقبني](٣) وإذا قلت : (ذِي الطَّوْلِ) [فقل : يا ذي الطول](٤) طل عليّ منك برحمة ، فالتفتّ فإذا لا أجده ، خرجت فسألت : بربكم رجل على بغلة شهباء عليه مقطّعات يمنة؟ فقال : ما مرّ بنا أحد ، فكانوا لا يرون إلّا أنه إلياس (٥).

٨٠٣ ـ إمام بن أقوم النّميري

شاعر حبسه أبان بن مروان بن الحكم الأموي بالبلقاء ، فهرب من حبسه وقال في ذلك شعرا.

قرأت بخط أبي الحسن رشأ بن نظيف ، وأنبأنيه أبو القاسم النسيب وأبو الوحش المقرئ عنه ، أنا أبو أحمد عبيد الله بن محمد بن أبي مسلم الفرضي المقرئ ، حدّثنا أبو طاهر عبد الواحد بن عمر بن أبي هاشم ، حدّثنا إسماعيل بن يونس ، حدّثنا أبو القاسم أحمد بن يزيد من المسجديين حتى جعفر بن يزيد قال : قال عوانة : كان أبان بن مروان على البلقاء والحجاج بن يوسف على شرطته فأخذ إمام بن أقوم النميري فحبسه ، فتكلم في أمره يزيد بن هبيرة المحاربي وابن أبي شريف الفزاري والحجاج بن يوسف الثقفي وابن أبي كثير السلولي فلم يشفعهم وأبى أن يخرجه ، واحتال إمام حتى خرج من السجن فنجا وقال في ذلك :

ولما أن برزت إلى سلاحي

ودرعي قلت : ما أنا بالأسير

طليق الله أن يمنن عليه

أبو داود وابن أبي كثير

وأجري ولا ابن أبي شريف

ولا أهل الأمير ولا الأمير

ولا الحجاج عينا بنت ما

تقلب طرفها حذر الصقور

__________________

(١) سورة غافر ، الآيات : ١ ـ ٣.

(٢) المقطعات : برود عليها وشي مقطع ، وفي البداية والنهاية مقطعات يمنية.

(٣) ما بين معكوفتين سقط من الأصل واستدرك عن م وانظر مختصر ابن منظور ٥ / ٣٠ والبداية والنهاية ١ / ٣٩٥.

(٤) ما بين معكوفتين سقط من الأصل واستدرك عن م وانظر مختصر ابن منظور ٥ / ٣٠ والبداية والنهاية ١ / ٣٩٥.

(٥) نقله ابن كثير في البداية والنهاية ١ / ٣٩٥ ـ ٣٩٦ وفيه : حماد بن واقد بدل أحمد بن واقد.

٢١٧

قال : فبينا إمام في قصر بني نمير بواسط وقد أمطرت السماء ، وقد خرج الحجاج يسير وعليه منظر يجعل يأمر بإصلاح الطريق حتى انتهى إلى قصر بني نمير ، فرأى إمام فعرفه فالتفت إلى عنبسة بن سعيد فقال : أعيناي أشبه بعيني بنت إمام عينا هذا؟ قال : بل غير هذا أصلحك الله ، قال : فذهب إمام يعتذر ، فقال له الحجاج : لا بأس عليك وكفّ عنه وزاده في عطائه ، وقال : أنشدني قولك في أبان وأنشده :

تركت أبان نائما وتمطرت

بسرحي سول كالعقاب ذنوب

وما كنت جثاما إذا الأمر ثابني

خشوعا لريب الدهر حين ينوب

ولا ضاق ذرعي يا أبان بسخطكم

ولكنني في الحادثات صليب

نزوط لدار الضيم والخسف مجهز

يصير بفعل المكرمات طبيب

إذا سامني السلطان والخسف مجهز

يصير بفعل المكرمات طبيب

إذا سامني السلطان حسا أتيته

ولم أعط ضيما ما أقام عسيب

وعندي عتاد الحادثات طمرة

وأبيض من ماء الحديد سنيب

وموضونة دعف دلاص كأنها

غدير زهته شمال وجنوب

وماء جعير من سلاحهم صبعة

وملق هتوف ما نوال نخوب

وأسمر عراص كأن نشابه

شهاب جلت عنه دجى وعيوب

وقلب حمي في الحروب مصنع

إذا رجعت حوب الحروب قلوب

وعلم بأن الموت للناس غاية

يصير إليها صارم وهيوب

وإنّ امرأ يخشى الردى ليس

ناجيا ولا مفلتا مما يزيد شعوب

٨٠٤ ـ أماجور (١)

ويقال أياجور ، ولي إمرة دمشق في أيام المعتمد على الله.

قرأت بخط أبي الحسين الرازي ، حدّثني أبو الحارث إسماعيل بن إبراهيم المزني ، قال : سمعت القاسم بن أحمد المعروف بابن كراد يقول : ولي أماجور دمشق سنة ست وخمسين ومائتين ، ومات سنة أربع وستين ومائتين.

قال أبو الحسين : وحدّثني أبو [الميمون](٢) عبد الرّحمن بن عبد الله بن راشد الدّمشقي المحدّث قال : رأيت أماجور وكان أميرا مهابا ضابطا لعمله حشما شجاعا لا يقطع

__________________

(١) ترجمته في الوافيات بالوفيات ٩ / ٣٧٥.

(٢) زيادة عن م.

٢١٨

في جميع أعماله الطريق ، فوجه مرة فارسا إلى أذرعات (١) في رسالة ، فلما رجع الفارس من أذرعات نزل اليرموك فصادف في القرية رجلا من الأعراب فلمّا رأى الأعرابي الجندي مدّ يده فنتف من سبال الجندي خصلتين من شعر. فلمّا أن رجع الفارس إلى دمشق اتّصل الخبر بأماجور ما فعل الأعرابي بالفارس ، فدعاه أماجور جو فسأله عن القصة؟ فأخبره ، فأمر بالفارس فحبس ثم قال لكتّابه (٢) اطلبوا معلما يعلم الصبيان ، فجاءوا بمعلم. فقال أماجور للمعلم هو ذا أعطيك نفقة واسعة وتخرج إلى اليرموك ، وأعطيك طيورا تكون معك ، فإذا دخلت القرية تقول لهم : إني معلّم جئت أطلب المعاش وأعلم صبيانكم ، فإذا تمكنت من القرية فارصد لي الأعرابي الذي نتف سبال الفارس (٣) ، وخذ خبره واسمه ، ولا تبرح من القرية وإن بقيت بها مدة طويلة ، حتى يوافي هذا الأعرابي القرية ، فإذا رأيته قد وافى خذ هذا الكتاب الذي أعطيك ، وادفعه إلى أهل القرية حتى يقرءوه ، ثم أرسل الطيور إليّ (٤) بخبرك طيرا خلف طير. ففعل المعلم ذلك. وافى اليرموك ، وأقام بها ستة أشهر حتى وافى الأعرابي القرية فلمّا أن رآه المعلم أخرج كتاب أماجور إلى القرية : الله الله في أنفسكم ، اشغلوا الأعرابي إلى ما أوافيكم ، فإن جئت ولم أوافه (٥) خرّبت القرية وقتلت الرجال وأطلق (٦) المعلم الطيور إلى دمشق بخبر الأعرابي وموافاته القرية ، فلما أن وصل الخبر إلى أماجور ضرب بالبوق ، وخرج من وقته حتى وافى اليرموك في أسرع (٧) وقت ، وأحدقوا بالقرية ، فأصاب الأعرابي في وسط القرية ، فأخذه وأردفه خلف بعض غلمانه ووافى به دمشق ، فلما أصبح أماجور دعا بالأعرابي فقال له : ما حملك على أن رأيت رجلا من أولياء السلطان في قرية لم يؤذك ولم يعارضك نتفت خصلتين من سباله؟ فقال الأعرابي : كنت سكرانا أيها الأمير لم أعقل ما فعلت ، فقال أماجور : ادعوا لي بحجام ، فأتي بحجام فقال : لا تدع في وجه الأعرابي ولا في رأسه ولا على بدنه شعرة إلّا نتفتها ، فبدأ بأشفار عينيه ثم حاجبيه ثم بلحيته ثم بشاربه ثم برأسه ثم بقرنه فما ترك عليه شعرة إلّا نتفها ثم قال : هاتوا

__________________

(١) أذرعات : بلد في أطراف الشام ، يجاور أرض البلقاء وعمان (معجم البلدان).

(٢) وبالأصل «لكتابته» وفي م : «لكاتبه» ولعل الصواب ما أثبت انظر تهذيب ابن عساكر.

(٣) بالأصل «الفاس» والمثبت عن م.

(٤) بالأصل «الذي يخبرك» والمثبت عن م.

(٥) بالأصل وم «أوافيه خربة» والمثبت عن مختصر ابن منظور.

(٦) عن الوافي وبالأصل «وجاء».

(٧) في الوافي : في يوم واحد.

٢١٩

الجلادين ، فأتي بالجلادين فضربه أربع مائة (١) سوط ، ثم أمر بحبسه ، فلمّا كان الغبد دعا به فضربه أربع مائة سوط أخر ، ثم قطع يده ، فلما أن كان في اليوم الثالث قطع رجليه ، فلما أن كان في اليوم الرابع قطع عنقه وصلبه ، ثم دعا بذلك الجندي من الحبس فضربه مائة عصاة وأسقط اسمه ، وقال : أنت ليس فيك خير لنفسك حيث رأيت أعرابيا واحدا ليس معه أحد ولا غلمان ولا أصحاب استخذيت له وخضعت له حتى فعل بسبالك ما فعل كيف يكون لي فيك خير إذا احتجت إليك ، وطرده.

قرأت بخط أبي أحمد بن علي بن جعفر الواصلي الحلبي ، سمعت أبا يعقوب الأذرعي يقول : لما بنى ماجور (٢) الفندق الذي في الخوّاصين بدمشق كتب على بابه : مائة سنة وسنة قال الشيخ فما عاش بعد أن كتب ذلك إلّا مائة يوم ويوم.

قرأت على أبي محمد السّلمي عن أبي محمد التميمي ، أنا مكي بن محمد بن الغمر ، أنا أبو سليمان بن زبر (٣) ، قال : وفيها يعني سنة أربع وستين ومائتين مات أماجور أمير دمشق.

أنبأنا أبو القاسم علي بن إبراهيم ، وحدّثني أبو البركات الفقيه عنه ، أنا رشأ بن نظيف المقرئ ـ إجازة ـ أنا عبد الوهاب بن جعفر بن علي الميداني ، أنا أبو بكر محمد بن سليمان بن يوسف الرّبعي ، حدّثنا عبد الرّحمن بن إسماعيل الكوفي ، حدّثنا أبو الحسن بن قريش أبو علي المحاملي الحرّاني ـ بدمشق ـ قال : رأيت أماجور الأمير في النوم فقلت له : ما فعل الله بك؟ قال : غفر لي ، قال : قلت لما ذا؟ فقال : بضبطي طريق المسلمين وطريق الحجّاج.

٨٠٥ ـ أمد بن أبد الحضرمي اليماني

أحد المعمّرين ، استقدمه معاوية بن أبي سفيان.

أنبأنا أبو الفرج غيث بن علي الخطيب ، حدّثنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت ، أنا أبو منصور محمد بن علي بن إسحاق الكاتب ، أنا أبو بكر أحمد بن بشر بن سعيد

__________________

(١) في الوافي : ألف سوط.

(٢) كذا بالأصل وم هنا بدون ألف.

(٣) بالأصل «زبير» خطأ ، والصواب عن م ، وقد تقدم.

٢٢٠