أضواء على التقيّة

المؤلف:

السيد علي الحسيني الصدر


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات دليل ما
المطبعة: نگارش
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-397-824-2
الصفحات: ٨٧

القيامة على لسان نبيّه محمّدٍ صلى الله عليه وآله ـ يا مروان ـ ما تنكر أنت ولا أحدٌ ممّن حضر هذه اللّعنة من رسول الله صلى الله عليه وآله لك ولأبيك من قبلك وما زادك الله ـ يا مروان ـ بما خوّفك إلّا طغياناً كبيراً ، صدق الله وصدق رسوله يقول : (وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا) (١) وأنت يا مروان وذرّيّتك الشّجرة الملعونة في القرآن عن رسول الله صلى الله عليه وآله ، عن جبرئيل ، عن الله عزّوجلّ.

فوقب معاوية فوضع يده على قم الحسن ... فنفض الحسن عليه السلام ثوبه وقام وخرج فتفرّق القوم عن المجلس بغيظٍ وحزنٍ وسواد الوجوه (٢).

والحق أنّ هذا الاحتجاج أصرح بيان كُشف فيه عن الحقيقة وارتفعت فيه التقية ولا يغيب عنك نهضة الحسين المقدّسة التي هدمت عروش الظالمين وشيّدت أسس الدين ، ورسمت المَثَل العُليا من التضحية والعذار.

__________________

١. سورة الإسراء (١٧) : الآية ٦٠.

٢. الاحتجاج للشيخ الطبرسي : ج ١ ، ص ٤٠١ ـ ٤١٦.

٨١

حصيلة البحث

عرفت من خلال هذا البحث :

أوّلاً : أنّ التقيّة من صميم الدين ومن ولائد القرآن والسنّة والاجماع والعقل.

ثانياً : انّ التقيّة ليست مختصّة بالشيعة ، بل هي عامة لجميع المذاهب.

ثالثاً : أنّ ملاك التقيّة هو التحفّظ على الدين ، وحفظ نفوس المؤمنين.

رابعاً : انّ التقيّة أمرٌ فطري جُبل عليه الانسان قبل الاحتجاج إلى الدليل والبرهان.

خامساً : انّ الشيعة الأبرار لا تقول بالتقيّة في جميع الموارد والمجالات ، بل لها عندهم مواردها الخاصّة بحفظ النفس ، ومرامها في غير تلك الموارد والتفدية والتضحيات ، كما ثبت عملاً ووجداناً. والذي نعتقده أخيراً ـ وليس آخراً ـ انّ ابن تيميّة وأزلامه الحثالة ليسوا من الاسلام في شيء فضلاً عن كونهم علماء المسلمين حتّى يكون لهم قول في الدين.

ثمّ اعلم انّ نفس ملاك التقيّة الواجبة ـ يعني حفظ النفوس المحترمة ـ هو الملاك في أحاديثنا الاتقيائيّة الصادرة من أهل بيت العصمة عليهم السلام الذين ساروا على منهاج رسول الله ، ونطقوا بكتاب الله ، وجروا على النهج الذي رسمهم لهم الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم.

فكان الاختلاف في بعض أحاديثهم الصادرة للتقيّة مع بعض الأحاديث الاُخرى الصادرة لبيان الحكم الواقعي لأجل نفس ملاك حفظ النفوس المحترمة ، والتحفّظ على عدم وصول الأذى إلى شيعتهم الطيّبة ، كما نبّه عليه المحدّث البحراني في حدائقه في بيان مفصّل منه ومستدلّاً بالأحاديث المعتبرة عليه ، ننقله بطول لفائدته.

٨٢

قال قدس سره : غير خفي ـ على ذوي العقول من أهل الايمان وطالبي الحق من ذوي الأذهان ـ ما بُلي به هذا الدين من اولئك المردة المعاندين بعد موت سيّد المرسلين ، وغصب الخلافة من وصيّه أمير المؤمنين ، وتواثب اولئك الكفرة عليه ، وما بلغ إليه حال الأئمّة صلوات الله عليهم من الجلوس في زاوية التقيّة ، والأغضاء على كلّ محنة وبلية ، وحث الشيعة على استشعار شعار التقيّة ، والتديّن بما عليه تلك الفرقة الغوية ، حتّى كورت شمس الدين النيرة ، وخسفت كواكبه المقمرة ، فلم يعلم من أحكام الدين على اليقين إلّا القليل ، لا متززاج أخباره باخبار التقيّة ، كما قد اعترف بذلك ثقة الاسلام وعلم الأعلام (محمّد بن يعقوب الكليني نوّر الله تعالى مرقده) في جامعه الكافي ، حتّى انه قدس سره تخطّأ العمل بالترجيحات المرويّة عند تعارض الأخبار ، والتجأ إلى مجرّد الردّ والتسليم للأئمّة الأبرار ، فصاروا صلوات الله عليهم ـ محافظة على أنفسهم وشيعتهم ـ يخالفون بين الأحكام ، وإن لم يحضرهم أحد من اولئك الأنام ، فتراهم يجيبون في المسألة الواحدة بأجوبة متعدّدة وإن لم يكن بها قائل من المخالفين ، كما هو ظاهر لمن تتبّع قصصهم وأخبارهم وتحدّى سيرهم وآثارهم.

فمن ذلك ما رواه الكافي في الموثق عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال :

سألته عن مسألةٍ فأجابني ، ثمّ جاءه رجلٌ فسأله عنها فأجابه بخلاف ما أجابني ، ثمّ جاء رجلٌ آخر فأجابه بخلاف ما أجابني وأجاب صاحبي ، فلمّا خرج الرّجلان قلت : يا ابن رسول الله رجلان من أهل العراق من شيعتكم قدما يسألان فأجبت كلّ واحدٍ منهما بغير ما أجبت به صاحبه؟

فقال : «يا زرارة! إنّ هذا خيرٌ لنا وأبقى لنا ولكن ، ولو اجتمعتم على أمرٍ واحدٍ لصدّقكم النّاس علينا ولكن أقلّ لبقائنا وبقائكم».

قال : ثمّ قلت لأبي عبد الله عليه السلام : شيعتكم لو حملتموهم على الأسنّة أو على النّار لمضوا

٨٣

وهم يخرجون من عندكم مختلفين ، قال فأجابني بمثل جواب أبيه.

فانظر إلى صراحة هذا الخبر في اختلاف أجوبته عليه السلام في مسألة واحدة في مجلس واحد وتعجب زرارة ، ولو كان الاختلاف إنّما وقع لموافقة العامّة لكفى جواب واحد بما عليه ، ولما تعجب زرارة من ذلك لعلمه بفتواهم عليهم السلام احياناً بما يوافق العامّة تقية ، ولعلّ السر في ذلك أنّ الشيعة إذا خرجوا عنهم مختلفين كل ينقل عن امامه خلاف ما ينقله الآخر هانوا في نظرهم ، بخلاف ما إذا اتفقت كلمتم وتعاضدت مقالتهم. فانهم يصدقونهم ويشتدّ بغضهم لهم ولامامهم ومذهبهم ، ويصير ذلك سبباً لثوران العداوة ، وإلى ذلك يشير قوله عليه السلام : «ولو اجتمعتم على أمر واحد لصدقكم الناس علينا ..».

ومن ذلك ـ أيضاً ـ ما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح ـ على الظاهر ـ عن سالم أبي خديجة ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ـ سأله انسان وأنا حاضر ـ فقال : ربّما دخلت المسجد وبعض أصحابنا يصلي العصر ، وبعضهم يصلّي الظهر؟ فقال : «أنا أمرتهم بهذا ، لو صلّوا على وقت واحد لعرفوا فأخذ برقابهم» وهو أيضاً صريح في المطلوب ؛ إذ لا يخفى أنه لا تطرق للحمل هنا على موافقة العامة ، لاتفاقهم على التفريق بين وقتي الظهر والعصر ومواظبتهم على ذلك.

وما رواه الشيخ في كتاب العدة مرسلاً عن الصادق عليه السلام : انه سئل عن اختلاف أصحابنا في المواقيت؟ فقال : «أنا خالفت بينهم».

وما رواه في الاحتجاج بسنده فيه ، عن حريز ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قلت به : انه ليس شيء أشدّ عليّ من اختلاف أصحابنا ، قال : «ذلك من قِبلي».

وما رواه في كتاب معاني الأخبار عن الخزاز ، عمّن حدّثه ، عن أبي الحسن عليه السلام قال : «اختلاف أصحابي لكم رحمة» وقال عليه السلام : «إذا كان ذلك جمعتكم على أمر واحد» وسئل عن اختلاف أصحابنا فقال عليه السلام : «أنا فعلت ذلك بكم ولو اجتمعتم على أمر واحد لأخذ برقابكم».

٨٤

وما رواه في الكافي بسنده فيه من موسى بن أشيم قال : كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فسأله رجلٌ عن آيةٍ من كتاب الله عزّوجلّ فأخبره بها ، ثمّ دخل عليه داخلٌ فسأله عن تلك الآية فأخبره بخلاف ما أخبر به الأوّل ، فدخلني من ذلك ما شاء الله حتّى كأنّ قلبي يشرح بالسّكاكين ، فقلت في نفسي : تركت أبا قتادة بالشّام لا يخطئ في الواو وشبهه وجئت إلى هذا يخطئ هذا الخطأ كلّه؟! فبينا أنا كذلك إذ دخل عليه آخر فسألهعن تلك الآية فأخبره بخلاف ما أخبرني وأخبر صاحبيّ ، فسكنت نفسي فعلمت أنّ ذلك منه تقيّةٌ قال : ثمّ التفت إليّ فقال لي : «يا ابن أشيم! إنّ الله عزّوجلّ فوّض إلى سليمان بن داود فقال : (هَـٰذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) وفوّض إلى نبيّه صلى الله عليه وآله فقال : (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا) فما فوّض إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقد فوّضه إلينا» (١).

هذا ـ وفي الجولة المختصرة تعرف انّ التقيّة النقيّة ليست نفاقاً ولا غشّاً ولا خداعاً كما يدّعيه بعض أعداء الشيعة بل هي وسيلة التحفظ على الدين والمتديّنين ، وكتمان الايمان المؤمنين من شرّ الأشرار والمعادين ، كما كان مؤمن آل فرعون يكتم ايمانه ، فهل هذا هو نفاق وشقاق كما يريد أن يصوّرها بعض الأعداء غير المتورّعين؟! ونعوذ بالله تعالى من كيد الكائدين.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

__________________

١. الحدائق : ج ١ ، ص ٤.

٨٥

المحتويات

تمهيد.......................................................................... ٧

ضحايا الشيعة في سبيل الحق والحقيقة......................................... ١٢

١ ـ عمرو بن الحمق الخزاعي................................................... ١٢

٢ ـ حُجر بن عديّ الكندي................................................... ١٣

٣ ـ ميثم التمّار.............................................................. ١٤

٤ ـ رشيد الهجري............................................................ ١٧

٥ ـ قنبر خادم أمير المؤمنين عليه السلام......................................... ١٩

دعوى الخصم................................................................ ٢٣

الجواب الفصل............................................................... ٢٣

١ ـ موضوع التقيّة......................................................... ٢٣

٢ ـ حكم التقيّة........................................................... ٢٥

التقيّة في القرآن الكريم........................................................ ٢٩

التقيّة في السنّة النبويّة......................................................... ٣٥

التقية في سيرة الصحابة........................................................ ٥٥

٨٦

التقيّة في أقوال وأفعال علماء المذاهب......................................... ٥٨

تقيّة أبي حنيفة............................................................... ٥٨

تقيّة مالك بن أنس........................................................... ٥٩

تقيّة الشافعي................................................................ ٥٩

تقيّة أحمد بن حنبل........................................................... ٦٠

التقية في حكم العقل والفطرة.................................................. ٦٢

كلمةٌ لابدّ منها................................................................ ٦٩

حصيلة البحث................................................................ ٨٢

المحتويات................................................................... ٨٦

٨٧