تاريخ مدينة دمشق - ج ٨

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]

تاريخ مدينة دمشق - ج ٨

المؤلف:

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]


المحقق: علي شيري
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٤
الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٢ الجزء ٣٣ الجزء ٣٤ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١ الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠

[ومائتين](١) ، وهو ابن سبع وسبعين سنة.

أخبرنا أبو الحسن بن قبيس ، نا وأبو منصور بن خيرون ، أنا أبو بكر الخطيب قال (٢) : قرأت على الحسن بن أبي بكر ، عن أحمد بن كامل القاضي ، أخبرني أبو يحيى الشعراني : أن إسحاق بن راهويه توفي في سنة ثمان وثلاثين [ومائتين](٣) وإنه كان يخضب بالحنّاء وقال لي : ما رأيت بيد إسحاق كتابا قط ، وما كان يحدّث إلّا حفظا.

قال : كنت إذا ذكرت إسحاق في العلم وجدته فيه فردا ، فإذا جئت إلى أمر الدنيا رأيته لا رأي له.

قال : وأنا أحمد بن محمد العتيقي ، أنا محمد بن عدي البصري ـ في كتابه ـ نا أبو عبيد محمد بن علي الأجري قال : سمعت أبا داود يقول : إسحاق بن راهويه تغيّر قبل أن يموت بخمسة أشهر ، وسمعت منه في تلك الأيام ورميت به ، ومات سنة سبع أو ثمان وثلاثين.

أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي ، أنا أبو علي بن المسلمة ، وأبو القاسم عبد الواحد بن علي بن محمد بن فهد العلّاف قالا : أنا أبو الحسن الحمّامي ، أنا الحسن بن محمد بن الحسن السّكوني ، نا محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي قال : مات إسحاق بن إبراهيم بن راهويه سنة ثمان وثلاثين ومائتين.

أخبرنا أبو الحسن بن قبيس ، نا وأبو منصور بن خيرون ، أنا أبو بكر الخطيب (٤) ، أنا أبو بكر البرقاني قال : قرأت على أبي حامد أحمد بن عمر بن حفص المروزي ـ بها ـ قال : سمعت أبا يزيد محمد بن يحيى بن خالد يقول : مات إسحاق بن إبراهيم ليلة الخميس سنة ثمان وثلاثين ومائتين قال : وأنا محمد بن أحمد بن يعقوب ، أنا محمد بن نعيم ، نا محمد بن إبراهيم المزكي ، نا الحسين بن محمد بن زياد قال : توفي إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ليلة النصف من شعبان سنة ثمان وثلاثين ومائتين.

__________________

(١) ما بين معكوفتين زيادة عن التاريخ الكبير.

(٢) تاريخ بغداد ٦ / ٣٥٤.

(٣) زيادة عن تاريخ بغداد.

(٤) تاريخ بغداد ٦ / ٣٥٥.

١٤١

كتب إليّ أبو نصر بن القشيري ، أنا أبو بكر البيهقي ، أنا أبو عبد الله الحافظ قال : قرأت بخط أبي عمرو المستملي أخبرني علي بن سلمة بن علي الجلاباذي (١) الكرابيسي ـ وهو من الصالحين ـ قال : رأيت ليلة مات إسحاق بن إبراهيم الحنظلي كأن قمرا ارتفع من الأرض إلى السماء من سكة إسحاق بن إبراهيم ثم نزل فسقط في الموضع الذي دفن فيه إسحاق بن إبراهيم ، ولم أشعر أنا بموته ، فلما عدوت إذا أنا بحفّار يحفر قبر إسحاق بن إبراهيم في الموضع الذي رأيت القمر وقع فيه. فسألت الحفّار قلت : قبر من هذا؟ قال : قبر إسحاق بن إبراهيم (٢).

قال أبو عمرو : وأخبرني علي بن سلمة ، نا شاذان وكان وكيلا لآل طاهر قال : رأيت الليلة الذي مات فيها إسحاق بن إبراهيم كان عليه إزار ورداء وهو متحرك كأنه قائم مستقبل قبره الذي دفن فيه ومعه رجال كثير كأنهم قالوا لإسحاق بن إبراهيم أين (٣) تريد؟ فقال إسحاق بن إبراهيم : أريد الحجّ.

٦١٨ ـ إسحاق بن إبراهيم بن ميمون ،

أبو محمد التّميمي المعروف أبوه بالموصلي (٤)

سمع : مالك بن أنس ، وسفيان بن عيينة ، وهشيم بن بشير ، وأبا معاوية الضرير ، وأبا سعيد الأصمعي ، وأبا عبيدة معمر بن المثنى ، وبقية بن الوليد ، وروح بن عبادة (٥).

روى عنه ابنه حمّاد ، وشيخه أبو سعيد الأصمعي ، والزبير بن بكّار ، وأبو العيناء محمد بن القاسم بن خلّاد ، وميمون بن هارون الكاتب ، وعلي بن يحيى المنجّم ، وأبو خالد يزيد بن محمد المهلّبي ، والحسين بن يحيى الكاتب ، وغيرهم.

__________________

(١) هذه النسبة إلى كلاباذ محلة كبيرة بنيسابور (انظر الأنساب : الجلاباذي).

(٢) الخبر في بغية الطلب لابن العديم ٣ / ١٤٠٨.

(٣) رسمها غير واضح بالأصل ، والمثبت عن م وانظر بغية الطلب ٣ / ١٤٠٩.

(٤) تاريخ بغداد ٦ / ٣٣٨ الأغاني ٥ / ٢٦٨ معجم الأدباء ٦ / ٥ الوافي بالوفيات ٨ / ٣٨٨ ووفيات الأعيان ١ / ٢٠٢ وسير أعلام النبلاء ١١ / ١١٨ وانظر بالحاشية في المصادر الثلاثة الأخيرة ثبتا بأسماء مصادر أخرى كثيرة ذكرته وترجمت له.

(٥) ضبطت اللفظتان عن تقريب التهذيب.

١٤٢

وقدم دمشق مع المأمون (١).

أخبرنا أبو الحسن بن قبيس ، نا وأبو منصور بن خيرون ، أنا أبو بكر الخطيب (٢) : حدّثني أبو سعيد مسعود بن ناصر السّجزي ، نا علي بن أحمد بن إبراهيم السّرخاباذي (٣) ، نا أحمد بن فارس بن حبيب ، حدّثني محمد بن عبد الله الدّوري ـ بمدينة السلام ـ حدّثني علي بن الحسين بن الهيثم ، نا الحسين بن علي المرداسي ، نا حمّاد بن إسحاق بن إبراهيم الموصلي قال : قال لي أبي : قلت ليحيى بن خالد أريد أن تكلم لي سفيان بن عيينة ليحدّثني بأحاديث ، فقال : نعم إذا جاءنا فأذكرني ، قال : فجاءه سفيان ، فلما جلس أومأت إلى يحيى ، فقال له : يا أبا محمد إسحاق بن إبراهيم من أهل العلم والأدب ، وهو مكره على ما تعلمه منه. فقال سفيان : ما تريد بهذا الكلام؟ قال : تحدّثه بأحاديث ، قال : فتكرّه ذلك ، فقال يحيى : أقسمت عليك إلّا فعلت ، قال ؛ نعم ، فليبكر إليّ قال : فقلت ليحيى : افرض لي عليه شيئا ، فقال له : يا أبا محمد افرض له شيئا ، قال : نعم ، قد جعلت له خمسة أحاديث ، قال : زده ، قال : قد جعلتها سبعة ، قال : هل لك أن تجعلها عشرة؟ قال : نعم ، قال إسحاق : فبكّرت إليه واستأذنت ودخلت فجلست بين يديه وأخرج كتابه فأملى عليّ عشرة أحاديث ، فلما فرغ قلت له : يا أبا محمد إن المحدّث يسهو ويغفل وإنّ المحدّث أيضا كذلك ، فإن رأيت أن أقرأ عليك ما سمعته منك قال : اقرأ فديتك ، فقرأت عليه ، وقلت له أيضا : إن القارئ ربما أغفل (٤) طرفه الحرف ، والمقروء عليه ربما ذهب عنه الحرف ، فأنا في حل أن أروي جميع ما سمعته منك؟ قال : نعم فديتك أنت والله فوق أن تستشفع أو يشفع لك ، فتعال كل يوم ، فلوددت أن أصحاب الحديث كانوا مثلك.

قال (٥) : وأخبرني أحمد بن محمد بن يعقوب الكاتب ، حدثني جدي محمد بن عبيد الله بن قفرجل ، نا محمد بن يحيى ، نا أبو العيناء ، نا إسحاق بن إبراهيم الموصلي قال : جئت أبا معاوية الضرير ومعي مائة حديث أريد أن أقرأها عليه ، فوجدت

__________________

(١) الخبر نقله ابن العديم عن ابن عساكر في بغية الطلب ٣ / ١٤١٩.

(٢) تاريخ بغداد ٦ / ٣٣٩.

(٣) هذه النسبة إلى سرخاباذ ، قرية من قرى الري.

(٤) عن تاريخ بغداد وبالأصل «غفل».

(٥) تاريخ بغداد ٦ / ٣٣٨ ـ ٣٣٩.

١٤٣

في دهليزه رجلا ضريرا ، فقال لي : إنه قد جعل الأذن عليه اليوم إليّ لينفعني ، وأنت رجل جليل ، فقلت له : معي مائة حديث ، وأنا أهب لك عنها مائة درهم ، فقال : قد رضيت ، ودخل فاستأذن لي فدخلت ، وقرأت المائة حديث ، فقال لي أبو معاوية : الذي ضمنته لهذا يأخذه من أذناب الناس ، وأنت من رؤسائهم وهو ضعيف معيل ، وأنا أحب منفعته. قلت : قد جعلتها له مائة دينار. فقال : أحسن الله جزاك ، فدفعتها إليه فأغنيته.

أنبأنا أبو القاسم علي بن إبراهيم وأبو الوحش سبيع بن المسلّم ، عن أبي الحسن رشأ بن نظيف ـ ونقلته من خطه ـ أنا أبو الفتح إبراهيم بن علي بن إبراهيم بن الحسين بن سيبخت البغدادي ، نا أبو بكر محمد بن يحيى الصولي ، نا عون بن محمد ، نا أبي قال : قال لي إسحاق بن إبراهيم كنت مع المأمون بدمشق وكان قد قلّ المال عنده حتى ضاق وشكى ذاك إلى أبي إسحاق المعتصم فقال له : يا أمير المؤمنين كأنك بالمال قد وافاك بعد جمعة. قال : وقد كان حمل إليه ثلاثين ألف ألف من خراج ما كان يتولاه أبو إسحاق ، فلما ورد عليه ذلك المال قال المأمون ليحيى بن أكثم : اخرج بنا ننظر إلى هذا المال فخرجا حتى أصحرا ووقفا ينظران إليه ، وكان قد هيئ بأحسن هيئة ، وحلّيت أباعره وألبست الأجلّة الموشّاة والجلال المصبوغة وقلّدت العهن وجعلت البدور من الحرير الأحمر والأخضر والأصفر ، وأبديت رءوسها. قال : فنظر المأمون إلى شيء حسن ، واستكثر ذلك المال وعظم في عينه واستشرفه الناس ينظرون إليه ويعجبون منه ، فقال المأمون : يا أبا محمد ينصرف أصحابنا هؤلاء الذين تراهم إلى منازلهم خائبين ، وننصرف نحن بهذه الأموال قد ملكناها دونهم ، إنّا إذا للئام ، ثم دعا محمد بن يزداد فقال : وقّع لفلان بألف ألف ، ولفلان بمثلها ، ولفلان بثلاثمائة ألف ، ولفلان بمثلها ، قال : فو الله إن زال كذلك حتى فرّق أربعة وعشرين ألف ألف ، درهم ورجله في ركابه ؛ قال : ثم قال : ادفع الباقي إلى المعلّى لعطاء جندنا. قال : فقال العبسي : فجئت حتى قمت نصب عينيه فلم أرد طرفي عنه فجعل لا يلحظني إلّا رآني بتلك الحال. فقال : يا أبا محمد : وقّع لهذا بخمسين ألف درهم من الستة الألف ألف درهم لا يختلس ناظري قال : فلم تأت عليّ ليلتان حتى أخذت المال وفي رواية أخرى : العيشي ، فالله أعلم.

أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد ، وأبو منصور بن خيرون قالا : قال لنا أبو بكر

١٤٤

الخطيب (١) : إسحاق بن إبراهيم بن ميمون ، أبو محمّد التّميمي المعروف والده بالموصلي يقال : إنه ولد في سنة خمسين ومائة ، وقيل : ولد بعد ذلك ، وكتب الحديث عن سفيان بن عيينة ، وهشيم بن بشير (٢) ، وأبي معاوية الضرير ، وطبقتهم. وأخذ الأدب عن أبي سعيد الأصمعي ، وأبي عبيدة ، ونحوهما. وبرع في علم الغناء وغلب عليه فنسب إليه ، وكان حسن المعرفة ، حلو النادرة ، مليح المحاضرة ، جيد الشعر مذكورا بالسخاء ، معظّما عند الخلفاء ، وهو صاحب كتاب الأغاني الذي يرويه عنه ابنه حمّاد. وقد روى عنه أيضا الزبير بن بكار وأبو العيناء ، وميمون بن هارون وغيرهم.

قرأت على عبد الكريم بن حمزة ، عن أبي نصر بن ماكولا ، قال (٣) : وإسحاق بن إبراهيم الموصلي المغني : شاعر متأدب فاضل له روايات كثيرة ، وكتاب مصنّف في الأغاني.

أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد ، نا وأبو منصور بن خيرون ، أنا أبو بكر الخطيب (٤) : حدّثني (٥) الحسن بن علي المقنّعي (٦) ، عن محمد بن موسى الكاتب ، أخبرني يوسف بن يحيى بن علي المنجّم ، عن أبيه ، عن جده ، عن إسحاق قال : بقيت دهرا من دهري أغلس في كل يوم إلى هشيم أو غيره من المحدّثين وأسمع منه ، ثم أصير إلى الكسائي أو الفراء أو ابن غزالة (٧) فأقرأ عليه جزءا من القرآن ، ثم آتي منصور زلزل فيضاربني طريقتين (٨) أو ثلاثة (٩) ، ثم آتي عاتكة بنت شهدة (١٠) فآخذ منها صوتا أو

__________________

(١) تاريخ بغداد ٦ / ٣٣٨ وبغية الطلب ٣ / ١٤١٤ وباختلاف في الأغاني ٥ / ٢٧١ ـ ٢٧٢.

(٢) في تاريخ بغداد : «بشر» خطأ.

(٣) الإكمال لابن ماكولا ٧ / ٢٧٦.

(٤) تاريخ بغداد ٦ / ٣٤٠.

(٥) تاريخ بغداد : حدثنا.

(٦) ضبطت عن الأنساب بضم الميم وفتح القاف والنون وتشديدها ، لم يذكر السمعاني إلى أي شيء هذه النسبة. وذكره وترجم له.

(٧) كذا بالأصل وتاريخ بغداد والأغاني وفي تاج العروس (غزل) : وعبد الرحمن بن أحمد بن غزال مقرئ.

(٨) كذا بالأصل وم.

(٩) كذا بالأصل وفي تاريخ بغداد : «طريقين» وفي الأغاني : «طرقين» ولعله الصواب فالطرق بالفتح صوت أو نغمة بالعود ونحوه ، يقال : تضرب الجارية كذا طرقا.

(١٠) إحدى المغنيات ، أمها جارية الوليد بن يزيد وكانت بدورها مغنية انظر الأغاني ٦ / ٥٧ ط بولاق.

١٤٥

صوتين ، ثم آتي الأصمعي وأبا عبيدة فأناشدهما وأحدّثهما وأستفيد منهما ثم أصير إلى أبي فأعلمه ما صنعت ، ومن لقيت وما (١) أخذت وأتغدى معه ، فإذا كان العشي رحت إلى أمير المؤمنين الرشيد.

أخبرنا أبو القاسم علي بن إبراهيم وأبو الوحش سبيع بن المسلّم ، عن رشأ بن نظيف ـ ونقلته من خطه ـ أنا أبو الفتح إبراهيم بن علي بن سيبخت البغدادي ، نا أبو بكر محمد بن يحيى الصولي ، نا ثعلب ، عن ابن الأعرابي ، نا الأصمعي قال : سمعت إسحاق بن إبراهيم يقول : مكثت أيام الرشيد أبكّر إلى هشيم ووكيع فأسمع منهما ثم أنصرف إلى عاتكة بنت شهدة وزلزل الضارب فتطارحني عاتكة صوتين ثم آخذ من زلزل طريقتين ، ثم أنصرف فأبعث إلى أبي عبيدة والأصمعي فيكونان عندي إلى بعد الظهر ، ثم أروح إلى أمير المؤمنين.

أخبرنا أبو الحسن بن قبيس ، نا وأبو منصور بن خيرون ، أنا أبو بكر الخطيب (٢) : أخبرني الحسين بن علي الصّيمري (٣) ، نا محمد بن عمران بن موسى الكاتب أخبرني محمد بن يحيى ، أخبرني عون بن محمد الكندي أن محمد بن عطية العطوي (٤) الشاعر حدّثه أنه كان عند يحيى بن أكثم في مجلس له يجتمع الناس فيه ، فوافاه إسحاق بن إبراهيم فأخذ يناظر أهل الكلام حتى انتصف منهم ، ثم تكلم في الفقه فأحسن ، وقاس واحتج ، وتكلّم في الشعر واللغة ، ففاق من حضر ، فأقبل على يحيى فقال : أعزّ الله القاضي ، أفي شيء مما ناظرت فيه وحكيته نقص أو مطعن؟ قال : لا ، قال : فما بالي أقوم بسائر هذه العلوم قيام أهلها وأنسب إلى فن واحد قد اقتصر الناس عليه؟

__________________

(١) عن تاريخ بغداد والأغاني وبالأصل «ومن».

(٢) تاريخ بغداد ٦ / ٣٤٢ ـ ٣٤٣.

(٣) ترجمته في سير الأعلام ١٦ / ٦١٥ (٤١٢).

(٤) هو محمد بن عبد الرحمن بن عطية العطوي مولى بني ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة ، من أهل البصرة ، كان يعد في متكلمي المعتزلة ، ويذهب مذهب الحسين النجار في خلق الأفعال ، له شعر يستحسن ، ومن ذلك قوله :

يأمل المرء أبعد الآمال

وهو رهن بأقرب الآجال

(الأنساب : العطوي).

١٤٦

قال العطوي : فالتفت إليّ يحيى بن أكثم فقال : جوابه في هذا عليك. قال : وكان العطوي من أهل الجدل فقلت : نعم أعزّ الله القاضي ، الجواب عليّ : ثم أقبلت على إسحاق فقلت : يا أبا محمد أنت كالفراء والأخفش في النحو؟ قال : لا ، قلت : أفأنت في اللغة وعلم الشعر كالأصمعي وأبي عبيدة؟ قال : لا ، قلت : أفأنت في الأنساب كالكلبي وأبي اليقظان؟ قال : لا ، قلت : أفأنت في الكلام كأبي الهذيل والنّظام؟ قال : لا ، قلت : أفأنت في الفقه كالقاضي؟ قال : لا ، قلت : أفأنت في قول الشعر كأبي العتاهية وأبي نواس؟ قال : لا ، قلت : فمن هاهنا نسبت إلى ما نسبت إليه لأنه لا نظير لك فيه ولا شبيه وأنت في غيره دون رؤساء أهله. فضحك وقام فانصرف ، فقال لي يحيى بن أكثم : لقد وفّيت الحجة حقّها ، وفيها ظلم قليل لإسحاق. وإنه لممن يقل في الزمان نظيره.

قال (١) : وقرأت على الحسن بن علي الجوهري ، عن أبي عبيد الله المرزباني قال : أخبرني محمد بن يحيى ، نا محمد بن عبيد الله الحزنبل قال : ما سمعت ابن الأعرابي يصف أحدا بمثل ما يصف به إسحاق من العلم والصدق والحفظ وكان كثيرا مما يقول : أسمعتم بأحسن من ابتدائه في قوله :

هل إلى أن تنام عيني سبيل

إن عهدي بالنوم عهد طويل؟

هل تعرفون من شكا نومه بمثل هذا اللفظ الحسن.

قال (٢) : وقال محمد بن يحيى سمعت إبراهيم بن إسحاق الحربي يقول : كان إسحاق الموصلي ثقة صدوقا عالما ، وما سمعت منه شيئا ، ولوددت أني سمعت وما كان يفوتني منه شيء لو أردته. قال محمد : وسمعت أحمد بن يحيى النحوي يقول نحو هذا القول.

قال الخطيب (٣) : وحدثني علي بن المحسّن قال : وجدت في كتاب جدي علي بن محمد بن أبي الفهم التّنّوخي ، نا الحرمى بن أبي العلاء ، نا أبو خالد يزيد بن محمد المهلّبي قال : سمعت إسحاق الموصلي يقول : لما خرجنا مع الرشيد إلى الرّقّة قال لي

__________________

(١) تاريخ بغداد ٦ / ٣٤٣.

(٢) تاريخ بغداد ٦ / ٣٤٣.

(٣) تاريخ بغداد ٦ / ٣٤٠ ومختصرا في الأغاني ٥ / ٣٠٢.

١٤٧

الأصمعي : كم حملت معك من كتبك؟ قلت : تخفّفت فحملت ثمانية أحمال ، ستة (١) عشر صندوقا؟ قال : فعجب فقلت : كم معك يا أبا سعيد؟ قال : ما معي إلّا صندوق واحد قلت : ليس إلّا؟ قال : وتستقل صندوقا من حقّ! قال أبو خالد : وسمعت إسحاق بن إبراهيم الموصلي يقول : رأيت في منامي كأن جريرا ، ناولني كبّة من شعر فأدخلتها في فمي ، فقال بعض المعبرين : هذا رجل يقول من الشعر ما شاء. قال : وجاء مروان بن أبي حفصة يوما إليّ فاستنشدني من شعري فأنشدته (٢) :

إذا كانت الأحرار أصلي ومنصبي

ودافع ضيمي خازم (٣) وابن خازم

عطست بأنف شامخ وتناولت

يداي السماء (٤) قاعدا غير قائم

قال : فجعل مروان يستحسن ذلك ويقول : لأبي : إنّك لا تدري ما يقول هذا الغلام.

قال : وأخبرني أحمد بن محمد الكاتب حدّثني جدي محمد بن عبيد الله بن قفرجل ، نا محمد بن يحيى ، نا محمد بن يزيد المبرّد ، نا حمّاد بن إسحاق بن إبراهيم ، حدّثني أبي قال : عوتب أبو عبيدة فيما كان يعطيني من العلم ، قال : وما ينفعه ما أعطيه ، إنما ألقيه في وعاء منخرق الأسفل ، كلما ألقيت في أعلاه شيئا خرج من أسفله ، فلقيت أبا عبيدة فقلت له : أنا عندك وعاء منخرق حتى قلت ما قلت؟ قال : وأنت لا ترضى أن يأخذ الناس الكلام الذي لا يضرك وتأخذ أنت العلم وتسكت ، ولا تجعل حجّة عليّ.

أنبأنا أبو القاسم علي بن إبراهيم وأبو الوحش سبيع بن المسلّم ، عن أبي الحسن رشأ بن نظيف ـ ونقلته من خطه ـ أنا أبو الفتح إبراهيم بن علي البغدادي ، نا محمد بن يحيى ، حدّثني عبد الله بن المعتزّ حدّثني أبي ، عن جده ، أن الرشيد قال لإبراهيم الموصلي : كيف تصوغ الألحان؟ فقال : يا أمير المؤمنين أخرج الهمّ من قلبي وأمثل الطرب بين عيني فتسرع إليّ مسالك الألحان ، فأسلكها بدليل من الإيقاع فلا أرجع

__________________

(١) في الأغاني : ثمانية عشر.

(٢) البيتان في تاريخ بغداد ٦ / ٣٤٠ وبغية الطلب ٣ / ١٤١٦ والأغاني ٥ / ٢٧٨.

(٣) الأصل والأغاني ، وفي تاريخ بغداد : «حازم وابن حازم» بالحاء المهملة فيهما ، والصواب بالخاء فيهما ، فهو في البيت يذكر ولاءه لخزيمة بن خازم ، كان هو وأبوه من أشراف الدولة العباسية.

(٤) الأغاني : «أي الثريا».

١٤٨

خائبا ، قال له الرشيد : يحق لك يا إبراهيم أن تدرك ما طلبت.

أخبرنا أبو الحسن بن قبيس ، نا وأبو منصور بن خيرون ، أنا أبو بكر الخطيب (١) ، حدّثني الحسن بن علي المقنّعي ، عن محمد بن موسى الكاتب أخبرني الصولي حدّثني عبد الله بن المعتز ، حدثني أبو عبد الله الهاشمي (٢) قال : اعتبر أهلنا على إسحاق بأن دعوه ومدّوا ستارة وأقعدوا كاتبين ضابطين بحيث لا يراهما إسحاق وقالوا : كلما غنّت الستارة صوتا فتكلم عليه إسحاق ، فاكتبا الصوت ، واكتبا لفظه فيه ، وجعل إسحاق كلما سمع صوتا أخبرنا بالشعر لمن هو ، ونسب الصوت وذكر جميع من تغنى فيه ، وخبرا إن كان له خبر حتى كتب ذلك كله وحفظ ، ثم دعوا إسحاق بعد مدّة طويلة وضربوا ستارة وأمروا من خلفها أن يغنين بمثل ما كن غنين به ذلك اليوم ، ففعلن وابتدأ إسحاق يتكلم في الغناء بمثل ما كان تكلم به ، ما خرم حرفا. قال : فعلموا وعلم الناس أنه لا يقول إلّا صوابا وحقا ، وعجبوا منه.

قال (٣) : وقرأت على أبي محمد الجوهري ، عن أبي عبيد الله المرزباني أخبرني يوسف بن يحيى بن علي المنجّم ، عن أبيه : أخبرني أحمد بن القاسم الهاشمي ، عن إسحاق بن إبراهيم قال : دعاني المأمون وعنده إبراهيم بن المهدي وفي مجلسه عشرون جارية قد أقعد عشرا عن يمينه ، وعشرا عن يساره معهن (٤) العيدان يضربن بها ، فلما دخلت سمعت من الناحية اليسرى خطأ فأنكرته ، فقال المأمون : يا إسحاق أتسمع خطأ؟ قلت : نعم يا أمير المؤمنين ، فقال لإبراهيم بن المهدي : هل تسمع خطأ؟ قال : لا ، فأعاد عليّ السؤال ، فقلت : بلى ، والله يا أمير المؤمنين وإنه لفي الجانب الأيسر ، فأعاد إبراهيم سمعه إلى الناحية اليسرى فقال : لا ، والله يا أمير المؤمنين ما في هذه الناحية خطأ ، فقلت : يا أمير المؤمنين مر الجواري اللواتي على الميمنة أن يمسكن فأمرهن فأمسكن ثم قلت لإبراهيم : هل تسمع خطأ فتسمّع ثم قال : ما هاهنا خطأ ، فقلت : يا أمير المؤمنين يمسكن وتضرب الثامنة فأمسكن وضربت الثامنة فعرف إبراهيم الخطأ.

__________________

(١) تاريخ بغداد ٦ / ٣٤٠.

(٢) تاريخ بغداد : الهشامي.

(٣) تاريخ بغداد ٦ / ٣٤٣ ـ ٣٤٤ والخبر في الأغاني ٥ / ٢٨٥.

(٤) بالأصل وم «معهم» والمثبت عن تاريخ بغداد والأغاني.

١٤٩

فقال : نعم ، يا أمير المؤمنين هاهنا خطأ فقال عند ذلك المأمون : يا إبراهيم لا تمار إسحاق بعد اليوم فإن رجلا فهم الخطأ بين ثمانين وترا وعشرين حلقا لجدير بأن لا تماريه ، فقال : صدقت يا أمير المؤمنين.

أخبرنا أبو العز بن كادش ـ فيما قرأ عليّ أسناده ، وناولني إياه وقال : اروه عني ـ أنا أبو علي الجازري ، أنا المعافى بن زكريا (١) ، نا الحسين بن القاسم الكوكبي ، حدّثني أبو الفضل الرّبعي ، حدّثني إسحاق بن إبراهيم الموصلي قال : قال لي علي بن هشام (٢) قد عزمت على الصبوح فاغد عليّ. فعاقني عائق فشغلني عن البكور إليه ، فجئت في وقت الظهر وعنده مخارق فقال لي : يا إسحاق أين كنت؟ فقلت : شغلني ـ أعز الله الأمير ـ ما لم أجد من القيام به بدا ، ثم دعا لي بطعام وجلسنا على شرابنا ، فغنى مخارق صوتا من الطويل شعر المؤمل والغناء لأبي سعيد مولى فائد وهو :

وقد لامني في حب مكنونة التي

أهيم بها أهل الصفاء فأكثروا

يقولون لي : مهلا وصبرا فلم أجد

جوابا سوى أن قلت : كيف التّصبّر

أأصبر عن نفسي وقد حيل دونها

وواقعني (٣) منها الذي كنت أحذر

وفرق صرف الدهر بيني وبينها

فكيف تقر العين ، أم كيف تحبر (٤)

فأخطأ فيه فقلت : أخطأت ويلك ، ثم غنّى صوتا من البسيط ، شعره لحميد بن ثور ، والغناء للهذلي وهو :

يا موقد النار بالعلياء من إضم

قد هجت لي سقما يا موقد النار

يا ربّ نار هدتني وهي (٥) موقدة

بالندّ والعنبر الهندي والغار

تشبّها إذ خبت أيد مخضّبة

من ثيّبات مصونات وأبكار

قلوبهن ولم تبرحن شاخصة

ينظرن من أين يأتي الطارق الساري (٦)

__________________

(١) الخبر في الجليس الصالح الكافي ط بيروت ص ٢٢٨ وبغية الطلب ٣ / ١٤٢٣ والأغاني ٥ / ٣٠٦ برواية أحمد بن يحيى المكي ، وورد في آخر الخبر في الأغاني أنه يروي عن أبي الفضل الربعي.

(٢) في الأغاني أن الذي دعاه الفضل بن الربيع.

(٣) الجليس الصالح : ووافقني.

(٤) سقط البيت من الجليس الصالح.

(٥) عن الجليس الصالح وبالأصل «وهو».

(٦) الأبيات ليس في ديوانه.

١٥٠

فأخطأ فيه فقلت : أخطأت ويلك. ثم تغنّى صوتا ثالثا من الكامل ، شعره لكثيّر والغناء لمعبد وهو :

إني استحيتك بأن أقول بحاجتي

فإذا قرأت صحيفتي فتفهّم

وعليك عهد الله إن أنبأته

أحدا ولا أظهرته بتكلم

فأخطأ فيه. فقلت : أخطأت ويلك ، فغضب وقال : يا إسحاق يأمرك الأمير بالبكور فتأتي ظهرا ، وتغنّيت أصواتا كلها يحبها ويطرب لها فخطّأتني فيها ، وتزعم أنك لا تضرب العود إلّا بين يدي خليفة أو ولي عهد. ولو قال لك بعض البرامكة مثل ذلك لبكّرت وضربت وغنّيت فقلت : ما ظننت أن هذا يجترئ عليّ والله ما أبدي انتقاصا لمجلس الأمير أعزّه الله ، ولكن اسمع يا جاهل ثم أقبلت على ابن هشام فقلت : دعاني أصلح الله الأمير ـ يحيى بن خالد يوما ، وقال لي : بكّر فإني على الصبوح ، وقد كنت يومئذ في دار بأجرة ، فجاءني من الليل صاحب الدار فأزعجني إزعاجا شديدا فجرت مني يمين غليظة إني لا أصبح حتى أتحوّل ، فلما أصبحت خرجت أنا وغلماني حتى اكتريت منزلا وتحوّلت ثم صرت إلى يحيى وقت الظهر فقال لي : أين كنت إلى الساعة؟ فحدّثته بقصتي ، فقعدنا على شرابنا وأخذنا في غنائنا ، فلم ألبث أن دعا يحيى بداوة وقرطاس فوقّع شيئا لم أدر ما هو ثم دفع الرقعة إلى جعفر ، فوقّع فيها شيئا ودفعها إليّ. فإني لأنظر فيها ولم أدر ما تضمّنت ، إذ أخذها الفضل من يدي فوقّع فيها شيئا ودفعها إليّ ، وإذا يحيى قد كتب : يدفع إلى إسحاق ألف ألف درهم يبتاع بها منزلا ، وإذا جعفر قد وقّع يدفع إلى إسحاق ألف ألف يبتاع بها أثاثا ، وإذا الفضل قد وقّع يدفع إلى إسحاق ألف ألف درهم يصرفها في نفقاته ومئونته ، فقلت في نفسي هذا حلم فلم ألبث أن جاء خادم فأخذها من يدي ، فلما كان وقت الانصراف استأذنت وخرجت فإذا أنا ـ والله ـ بالمال وإذا بوكلاء ينتظروني حتى أقبض منهم. فعلام يلومني هذا الجاهل؟ ثم قلت لمخارق : هات العود ، فأخذته ورددت الأصوات التي أخطأ فيها وغنّيت صوتا من الطويل بشعر لأبي (١) بشير ، والغناء لي فيه وهو (٢) :

__________________

(١) في الجليس الصالح والأغاني : لابن ياسين.

(٢) البيتان في الجليس الصالح ٢ / ٢٣٠ والأغاني ٥ / ٣١١ وبغية الطلب ٣ / ١٤٢٥.

١٥١

إلهي منحت الودّ مني بخيلة (١)

وأنت على تغيير ذاك قدير

شفاء الهوى بثّ الجوى (٢) واشتكاؤه

وإنّ امرأ أخفى الهوى لصبور

فطرب لذلك طربا شديدا ثم قال : حقّ لك ، ثم أقبل على مخارق فقال : يا فاسق ما أنت والكلام ، وأمر لي بمائة ألف درهم وخلعة ، وأمر لمخارق بعشرة آلاف درهم ، فبلغ ذلك إسحاق بن خلف فأنشأ يقول :

إن جئت ساحته تبغي سماحته

بلّتك (٣) راحته بالوبل والدّيم

ما ضر زائره الراجي لنائله

إن كان ذا رحم أو غير ذي رحم

فعاله كرم وقوله نعم

بقوله نعم قد لجّ في نعم

أخبرنا أبو السعادات أحمد بن أحمد [بن عبد الواحد المتوكلي ، أنا أبو بكر](٤) [الخطيب نا أبو عمر محمد بن العباس](٥) بن زكريا بن حيّويه الخزاز ، نا أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري ، نا أحمد بن يحيى النحوي ، نا حمّاد بن إسحاق بن إبراهيم الموصلي ـ واللفظ في الروايتين مختلط ـ قال : دخلت على هارون الرشيد فقال لي : يا إسحاق أنشدني شيئا من شعرك فأنشدته :

وآمرة بالبخل قلت لها : اقصدي (٦)

فذلك شيء ما إليه سبيل

قال الخطيب : كذا رأيته بخط ابن حيّوية : أقصدي ، بالدال.

أرى الناس خلّان الجواد (٧) ولا أرى

بخيلا له في العالمين خليل

وإني رأيت البخل يزري بأهله

فأكرمت نفسي أن يقال بخيل

__________________

(١) بالأصل «بحيلة» والمثبت عن الجليس الصالح والأغاني.

(٢) عن الجليس الصالح وبالأصل «الجوب» ، وفي الأغاني : «الهوى».

(٣) في الجليس الصالح : تلقاك.

(٤) ما بين معكوفتين سقط من الأصل واستدرك عن هامشه.

(٥) ما بين معكوفتين زيادة لازمة للإيضاح انظر الأنساب (الحيويي ـ الخزاز ـ المتوكلي) وانظر بغية الطلب لابن العديم ٣ / ١٤٢٩ ـ ١٤٣٠.

(٦) الأغاني ٥ / ٣٢٢ : «اقصرى».

(٧) الأغاني : الكرام.

١٥٢

ومن خير حالات الفتى لو علمته

إذا نال شيئا (١) أن يكون ينيل

عطائي عطاء المكثرين تكرّما

ومالي كما قد تعلمين قليل

وكيف أخاف الفقر أو أحرم الغنى

ورأي أمير المؤمنين جميل

فقال : لا ، كيف إن شاء الله ، يا فضل ، أعطه مائة ألف درهم ثم قال : لله در أبيات تأتينا بها يا إسحاق ، ما أجود أصولها وأحسن فصولها. فقلت : يا أمير المؤمنين كلامك أحسن من شعري ، فقال : يا فضل أعطه مائة ألف أخرى ، قال إسحاق : فكان ذلك أول مال اعتقدته.

أخبرنا أبو الحسن بن قبيس ، نا وأبو منصور بن خيرون ، أنا أبو بكر الخطيب (٢) ، أنا الحسن بن الحسين النعالي ، نا أبو الفرج الأصبهاني قال : ذكر أحمد بن أبي طاهر ، عن عبد الله بن أبي سعد أن عبد الله بن سعيد بن زرارة حدثه عن محمد بن إبراهيم البيساري (٣) قال : لما قدم العتابي مدينة السلام على المأمون أذن له ، فدخل عليه وعنده إسحاق الموصلي ، وكان العتابي شيخا جليلا نبيلا ، فسلّم فردّ عليه وأدناه وقرّبه حتى قرب منه ، فقبّل يده ثم أمره بالجلوس فجلس ، وأقبل عليه يسائله عن حاله وهو يجيبه بلسان طلق ، فاستظرف المأمون ذلك منه ، وأقبل عليه بالمداعبة والمزح ، فظنّ الشيخ أنه استخفّ به فقال : يا أمير المؤمنين : الإيناس قبل الإبشاش (٤) فاشتبه على المأمون قوله : فنظر إلى إسحاق مستفهما فأومأ إليه بعينه وغمزه على معناه حتى فهمه ثم قال : نعم يا غلام ألف دينار فأتى بذلك فوضعه بين يدي العتابي ، وأخذوا في الحديث ، ثم غمز المأمون إسحاق بن إبراهيم عليه ، فجعل العتابي لا يأخذ في شيء إلّا عارضه فيه إسحاق ، فبقي العتابي متعجبا ثم قال : يا أمير المؤمنين أتأذن لي في مسألة هذا الشيخ عن اسمه قال : نعم ، سله ، فقال لإسحاق : يا شيخ من أنت؟ وما اسمك؟ قال : أنا من الناس واسمي كل بصل ، فتبسم العتابي ثم قال : أما النسب فمعروف وأما الاسم فمنكر ، فقال له إسحاق : ما أقلّ إنصافك أتنكر أن يكون اسمي كل بصل واسمك كلثوم ، وما

__________________

(١) الأغاني : خيرا.

(٢) الخبر في تاريخ بغداد ١٢ / ٤٨٩ في ترجمة العتابي. واسمه كلثوم بن عمرو العتابي.

(٣) في تاريخ بغداد : السياري.

(٤) كذا وفي تاريخ بغداد وبغية الطلب : «الإبساس» وهو مثل. (انظر مجمع الأمثال للميداني ـ اللسان).

١٥٣

كلثوم من الأسماء. أوليس البصل أطيب من الثوم؟ فقال له العتابي : لله درك ما أحجّك! أتأذن لي يا أمير المؤمنين أن أصله بما وصلتني به؟ فقال له المأمون : بل ذلك موفر عليك ، ونأمر له بمثله ، فقال له إسحاق : أما إذ أقررت بهذه فتوهمني (١) تجدني ، فقال له : ما أظنك إلّا إسحاق الموصلي الذي يتناهى إلينا خبره ، قال : أنا حيث ظننت فأقبل عليه بالتحية والسلام ، فقال المأمون ـ وقد طال الحديث بينهما ـ : أما إذ اتفقتما على المودّة ، فانصرفا فانصرف العتابي إلى منزل إسحاق فأقام عنده.

أخبرنا أبو المعالي الحسين بن حمزة بن الحسين السّلمي ، نا أحمد بن علي بن ثابت الحافظ ، أنا علي بن أبي علي البصري ، حدّثني أبي ، حدّثني أبو الفرج علي بن الحسين المعروف بالأصبهاني (٢) ـ إملاء من حفظه وكتبته عنه في أصول سماعاتي منه ، ولم يحضرني كتابي فأنقله منه فأثبته من حفظي ، توخيت ألفاظه بجهدي ـ قال أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر ، نا حماد بن إسحاق بن إبراهيم الموصلي ، حدّثني أبي قال : غدوت يوما وأنا ضجر من ملازمة دار الخلافة والخدمة فيها ، فخرجت وركبت بكرة وعزمت على أن أطوف الصحراء وأتفرّج : فقلت لغلماني : إن جاء رسول الخليفة أو غيره فعرّفوه أني بكّرت في مهم لي وإنكم لا تعرفون أين توجّهت قال : ومضيت فطفت ما بدا لي ، وعدت وقد حمي النهار. فوقفت في شارع المخرّم (٣) في فناء ثخين الظل وجناح خارج رحب على الطريق لأستريح. فلم ألبث أن جاء خادم يقود حمارا فارها عليه جارية راكبة ، تحتها منديل دبيقيّ (٤) وعليها من اللباس الفاخر ما لا غاية وراءه. ورأيت لها قواما حسنا وطرفا فاترا وشمائل ظريفة. فحدست (٥) أنها مغنية ، فدخلت الدار التي كنت واقفا عليها. وعلقها قلبي في الوقت علوقا شديدا لم أستطع معه البراح ، فلم ألبث إلّا يسيرا حتى أقبل رجلان شابان جميلان لهما هيئة تدل على قدرهما. وهما راكبان فاستأذنا فأذن لهما. فحملني ما قد حصل في قلبي من حب الجارية وإيثاري علم حالها والتوصل إليها على أن نزلت معهما ودخلت بدخولهما ، فظنّا

__________________

(١) عن تاريخ بغداد وبغية الطلب وبالأصل «فتوهمي».

(٢) الأغاني ج ٥ / ٤٢٣.

(٣) محلة ببغداد بالجانب الشرقي. (معجم ما استعجم).

(٤) تقدمت قريبا (راجع معجم البلدان «دبيق» والقاموس «دبق»).

(٥) الأغاني : «فخرصت» يعني ظننت وخمنت.

١٥٤

أن صاحب البيت دعاني ، وظن صاحب البيت أنني معهما ، فجلسنا وأتي بالطعام فأكلنا ، وبالشراب فوضع ، وخرجت الجارية وفي يدها عود. فرأيت جارية حسناء ، وتمكّن ما في قلبي منها فغنّت غناء صالحا وشربنا (١) وقمت قومة للبول ، فسأل صاحب المنزل عني الفتيين (٢) فأخبراه أنهما لا يعرفاني (٣) فقال : هذا طفيلي ولكنه ظريف فأجملوا عشرته ، وجئت فجلست فغنّت الجارية في لحن لي (٤) :

ذكرتك إن مرّت بنا أمّ شادن (٥)

أمام المطايا تشرئبّ وتسنح

من المؤلفات الرمل أدماء (٦) حرّة

شعاع الضّحى في متنها (٧) يتوضح

فأدّته أداء صالحا وشربت ، ثم غنّت أصواتا فيها من صنعتي :

الطّلول الدوارس

فارقتها الأوانس

أو حشت بعد أهلها

فهي قفر بسابس (٨)

فكان أمرها فيه أصلح من الأول ، ثم غنّت أصواتا من القديم والمحدث ، وغنّت في أضعافهما من صنعتي من شعري :

قل لمن صدّ عاتبا

ونأى عنك جانبا

قد بلغت الذي أردت

وإن كنت لاعبا

واعترفنا بما ادّعيت

وإن كنت كاذبا

فكان أصلح ما غنته ، فاستعدته منها لأصحّحه ، فأقبل عليّ رجل من الرجلين فقال : ما رأيت طفيليا أصفق وجها منك ، لم ترض بالتطفيل حتى اقترحت ، وهذا تصديق المثل : «طفيلي ويقترح» فأطرقت ولم أجبه وجعل صاحبه يكفّه عني ولا يكفّ ،

__________________

(١) سقطت من الأصل واستدركت على هامشه وبجانبها كلمة صح.

(٢) الأغاني : الرجلين.

(٣) رسمها ناقص بالأصل ، والمثبت عن الأغاني.

(٤) البيتان لذي الرمة ديوانه ص ٨٠ والأغاني ٥ / ٢٩٢ و ٤٢٤.

(٥) أم شادن كنية الظبية.

(٦) الأدماء : الظباء البيض تعلوهن جدد فيهن غبرة ، والخالصة البياض يقال لها الآرام.

(٧) عن الديوان والأغاني ، وبالأصل «منتهى».

(٨) الشعر لابن ياسين كما في الأغاني ٥ / ٤٢٦.

١٥٥

ثم قاموا للصّلاة وتأخّرت ، فأخذت عود الجارية وشددت طبقته وأصلحته إصلاحا محكما وعدت إلى موضعي ، فصلّيت وعادوا ، فأخذ ذلك الرجل في عربدته عليّ ، وأنا صامت ، ثم أخذت الجارية العود وجسته فأنكرت حاله ، فقالت : من مسّ عودي؟ فقالوا : ما مسّه أحد فقالت : بلى ، والله قد مسه حاذق متقدّم وشدّ طبقته وأصلحه إصلاح متمكن في صناعته ، فقلت لها : أنا أصلحته قالت : فبالله عليك خذه واضرب به ، فأخذته منها فضربت مبدأ طريق عجيب صعب (١) ، فيه نقرات محركة فما بقي أحد منهم إلّا وثب فجلس بين يدي ، وقالوا : بالله يا سيدنا أتغنّي؟ قلت : نعم ، وأعرّفكم نفسي أيضا ، أنا إسحاق بن إبراهيم الموصلي ، وو الله إني لآتيه على الخليفة وأنتم تشتموني منذ اليوم ، لأنني تملّحت معكم بسبب هذه الجارية ، وو الله لا نطقت بحرف ولا جلست معكم ، أو تخرجوا هذا المعربد المقيت الغثّ ، ونهضت لأخرج فعلقوا بي فلم أعرج ، ولحقتني الجارية فعلقت بي فلنت وقلت : ما أجلس إلّا أن تخرجوا هذا المعربد البغيض ، فقال له صاحبه : من هذا وشبهه حذرت عليك ، فأخذ يعتذر ، فقلت : اجلس ولكن والله لا أنطق بحرف وهو حاضر ، فأخذوا بيده فأخرجوه ، فتغنّيت الأصوات التي غنّتها الجارية من صنعتي ، فطرب صاحب البيت طربا شديدا وقال : هل لك في أمر أعرضه عليك؟ قلت : ما هو؟ قال : تقيم عندي شهرا والجارية والحمار لك مع ما عليه من الحلية (٢) ، وللجارية من كسوة؟ قلت : أفعل ، فأقمت عنده ثلاثين يوما ، لا يعرف أحدا أين أنا ، والمأمون يطلبني في كل موضع فلا يعرف لي خبرا ، فلما كان بعد ثلاثين يوما سلّم إليّ الجارية والحمار والخادم فجئت بذلك إلى منزلي ، وهم في أقبح صورة لفقدي ، وركبت إلى المأمون من وقتي فلما رآني قال : إسحاق ويحك ، أين تكون؟ فأخبرته بخبري ، فقال : عليّ بالرجل الساعة ، فدللتهم على بيته فأحضر ، فسأله المأمون عن القصة فأخبره ، فقال أنت رجل ذو مروءة وسبيلك أن تعاون عليها ، وأمر له بمائة ألف درهم ، وقال له : لا تعاشر ذلك المعربد النّذل ، فقال : معاذ الله يا أمير المؤمنين ، وأمر لي بخمسين ألف درهم ، وقال : أحضرني الجارية فأحضرته إياها فغنّته فقال لي : قد جعلت عليها نوبة في كل يوم ثلثاء تغنّيني من وراء الستارة مع الجواري ، وأمر لها

__________________

(١) الأغاني : وضربت به مبدأ صحيحا ظريفا عجيبا صعبا.

(٢) الأغاني : من حلي.

١٥٦

بخمسين ألف درهم ، فربحت والله بتلك الركبة وأربحت.

أخبرنا أبو السعود أحمد بن علي بن محمد بن المجلي (١) ، أنا أبو منصور محمد بن محمد بن أحمد العكبري ، أنا أبو القاسم آدم بن محمد بن آدم المعدّل ، أنا أبو الفرج علي بن الحسين بن محمد الأصبهاني (٢) ، نا إبراهيم بن محمد [بن بركشة](٣) قال : سمعت شيخا يحدّث أبي وأنا غلام ، فحفظت عنه ما حدّثه به ولم أعرف اسمه قال : حدثني إسحاق بن إبراهيم الموصلي قال : عملت في أيام الرشيد لحنا وهو هذا :

سقيّا لأرض إذا ما نمت نبّهني

بعد الهدوء بها قرع النواقيس

كأن سوسنها في كل شارقة

على الميادين أذناب الطواويس (٤)

فأعجبني ذلك ، وعملت على أن أباكر به الرشيد ، فلقيني في طريقي خادم لعليّة بنت المهدي فقال : مولاتي تأمرك بدخول الدّهليز لتسمع من بعض جواريها غناء أخذته من أبيك ، وتشكّ فيه الآن ، فدخلت معه إلى حجرة قد أفردت لي كأنها كانت معدّة ، فجلست وقدّم إليّ طعام وشراب ، فنلت حاجتي منها ، ثم خرج إليّ خادم فقال : تقول لك مولاتي أنا أعلم أنك قد غدوت إلى أمير المؤمنين بصوت قد أعددته له محدث ، فأسمعنيه ولك جائزة سنية تتعجلها ، ثم ما يأمر به لك بين يديك ولعله لا يأمر لك بشيء أو لا يقع الصوت منه بحيث ظننت (٥) ، فيذهب سعيك باطلا ، فاندفعت فغنّيتها إياه ولم تزل تستعيده مرارا ، ثم أخرجت إليّ عشرين ألف درهم وعشرين ثوبا ، ثم قالت : هذه جائزتك ولم تزل تستعيده ثم قالت : اسمعه الآن ، فغنّته غناء ما خرق سمعي مثله ، ثم قالت : كيف تراه؟ قلت : أرى والله ما لم أر مثله ، قالت : يا فلانة أعيدي له مثل ما أخذ فأحضرتني عشرين ألفا أخرى وعشرين ثوبا فقالت : هذا ثمنه ، وأنا الآن داخلة إلى أمير المؤمنين ولن أبدأ الغناء غيره ، وأخبره أنه من صنعتي وأعطي الله عهدا لئن نطقت بأن لك فيه صنعة لأقتلنّك ، هذا إن نجوت منه إن علم بمصيرك إليّ ، فخرجت

__________________

(١) ضبطت عن التبصير.

(٢) الأغاني ١٠ / ١٦٨ في أخبار علية بنت المهدي.

(٣) الزيادة عن الأغاني.

(٤) البيتان في الأغاني ١٠ / ١٦٨.

(٥) الأغاني : توخيت.

١٥٧

من عندها وو الله إني كالموقن (١) ما أكره من جائزتها أسفا على الصوت ، فما جسرت والله بعد ذلك أن أتنغم به في نفسي فضلا عن أن أظهره حتى ماتت ، فدخلت على المأمون في أول مجلس جلسه للهو بعدها ، فبدأت به في أول ما غنّيت ، فتغيّر وجه المأمون وقال : من أين لك ويلك هذا ، قلت : ولي الأمان على الصّدق؟ قال : ذلك لك ، فحدّثته الحديث فقال : فما كان في هذا من النفاسة حتى شهرته ، وذكرت هذا منه مع الذي أخذته من العوض ، وهجّنني فيه هجنة وددت معها أني لم أذكره ، وآليت ألا أغنّيه بعدها أبدا.

أخبرنا أبو الحسن بن قبيس ، نا وأبو منصور بن خيرون ، أنا أبو بكر الخطيب (٢) ، أخبرني أحمد بن محمد بن عبد الواحد المرورّوذي ، نا عبيد الله بن محمد بن أحمد المقرئ ، نا أبو بكر محمد بن يحيى النديم ، نا الحسن بن يحيى الكاتب ، نا إسحاق الموصلي قال : أنشدت الأصمعي شعرا لي على أنه لشاعر قديم :

هل إلى نظرة إليك سبيل

يرو (٣) منها الصّدى ويشفى (٤) الغليل

إن ما قلّ منك يكثر عندي

وكثير (٥) من الحبيب القليل

فقال لي : هذا والله الديباج الخسرواني (٦) ، فقلت له : انه ابن ليلته ، فقال : لا جرم إنّ أثر التوليد فيه! فقلت له : لا جرم إن أثر الحسد فيك. قال أبو بكر وقد أعجب هذا المعنى إسحاق فردده في شعره فقال (٧) :

أيها الظبي الغرير

هل لنا منك مجير

إن ما تولتنا من

ك وإن قلّ كثير

__________________

(١) عن الأغاني وبالأصل كالموقر.

(٢) تاريخ بغداد ٦ / ٣٤٢ والأغاني ٥ / ٣١٨.

(٣) كذا بالأصل والمصدرين ، وجزم الفعل لضرورة الشعر.

(٤) بالأصل : «ويشفي العليل» والمثبت عن الأغاني وتاريخ بغداد.

(٥) الأغاني :

وكثير ممن تحب القليل

(٦) ثياب منسوبة إلى خسرو شاه من الأكاسرة.

(٧) البيتان في تاريخ بغداد ٦ / ٣٤٢ والأغاني ٥ / ٣١٨.

١٥٨

وكان إسحاق يظن أنه [ما](١) سبق إلى هذا المعنى حتى أنشد لأعرابي [من بني عقيل](٢) :

قفي ودعينا يا مليح بنظرة

فقد حان منا يا مليح رحيل

أليس قليلا (٣) نظرة إن نظرتها

إليك وكلّ ليس منك قليل

قال فحلف إسحاق أنه ما كان سمعه.

أخبرنا أبو القاسم النسيب وأبو الوحش المقرئ ، عن أبي الحسن رشأ بن نظيف ـ وقرأته من خط رشأ ـ أنا إبراهيم بن علي بن إبراهيم البغدادي ، نا محمد بن يحيى ، أنا أبو العيناء ، قال : قال لي الأصمعي يوما : لقيني إسحاق الموصلي فقال لي : ما تقول في قول الشاعر :

هل إلى نظرة إليك سبيل

يرو منها الصّدى ويشفى الغليل

إنّ ما قلّ منك يكثر عندي

وكثير من المحب القليل

فقلت له : هذا والله الديباج الخسرواني وأعجبت به ، فقال لي : إنه ابن ليلته ، أي أنا قلته البارحة فحملت وقلت له : لا جرم إن أثر التوليد فيه قال : لا جرم إن أثر الحسد فيه. وإنما سرق إسحاق هذا البيت من العباس بن قطن الهلالي حيث يقول :

قفي متّعينا يا مليح بنظرة

فقد حان منا يا مليح رحيل

أليس قليلا نظرة نظرتها

إليك وكلّا ليس منك قليل

أخبرنا أبو علي بن نبهان ، ثم حدثنا أبو الفضل بن ناصر ، أنا أبو طاهر أحمد بن الحسن ، وأبو الحسن محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن مخلد البزاز ، وأبو علي محمد بن سعيد بن نبهان ح.

وأخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي ، أنا أبو طاهر أحمد بن الحسن قالوا : أنا أبو علي بن شاذان ، أنا أبو بكر محمد بن الحسن بن مقسم المقرئ ، أنشدنا أبو العباس

__________________

(١) زيادة عن تاريخ بغداد.

(٢) ما بين معكوفتين زيادة عن الأغاني ٥ / ٣١٨.

(٣) عن تاريخ بغداد والأغاني ، وبالأصل «قليل».

١٥٩

لأبي زياد في إسحاق بن إبراهيم الموصلي :

نزورك يا ابن الموصلي لحاجة

ونفعك يا ابن الموصلي قليل

أنبأنا أبو الحسن بن قبيس ، نا وأبو منصور بن خيرون ، أنا أبو بكر الخطيب (١) ، أنا تركان بن الفرج الباقلاني ، أنا أبو بكر محمد بن الحسن بن مقسم العطار ـ املاء ـ نا أبو العباس ـ وهو أحمد بن يحيى ثعلب ـ قال : قال إسحاق بن إبراهيم الموصلي استبطأني أبو زياد ـ يعني الكلابي ـ فقال :

نزورك يا ابن الموصلي لحاجة

ونفعك يا ابن الموصلي قليل

وفي غير هذه الرواية بيت ثان وهو هذا :

فما لك عندي من فعال أذمه

وما لك ما يثنى عليك جميل

فأعتبته. قال : وأخبرني أبو طالب عمر بن إبراهيم الفقيه ، أنا إسماعيل بن محمد بن إسماعيل الكاتب ، أنشدنا أحمد بن سعيد ـ يعني الدمشقي ـ أنشدني الزبير ـ وهو ابن بكار ـ أنشدني أبو سليمان إدريس بن أبي حفصة يمدح إسحاق بن إبراهيم التّميمي الموصلي (٢) :

إذا الرجال جهلوا المكارما

كان بها ابن الموصليّ عالما

أبقاك ذو العرش بقاء دائما

لو كنت أدركت الجواد حاتما (٣)

كان نداه لنداك خادما

فقد جعلت للكرام خاتما

وأنشدنا أيضا في إسحاق يمدحه (٤) :

لقد ذهب المعروف إلّا بقية

بها أنت يا ابن الموصليّ تقوم

إذا ما كريم غيّر الدّهر ودّه

فودك يا ابن الموصليّ يدوم

تطيب بك الدنيا وليس بزائل

من الناس فيها ما بقيت كريم

__________________

(١) تاريخ بغداد ٦ / ٣٤٤.

(٢) الأبيات في تاريخ بغداد ٦ / ٣٤٤ والأغاني ٥ / ٤١٠.

(٣) مكانه في الأغاني :

إسحاق لو كنت لقيت حاتما

(٤) الأبيات في تاريخ بغداد ٦ / ٣٤٥.

١٦٠