تاريخ مدينة دمشق - ج ٧

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]

تاريخ مدينة دمشق - ج ٧

المؤلف:

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]


المحقق: علي شيري
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٧٧
الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٢ الجزء ٣٣ الجزء ٣٤ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١ الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠

أنبا [أبو](١) محمد الصريفيني ، أنبا أبو القاسم بن حبابة ، نا أبو القاسم البغوي ، نا علي بن الجعد ، أنا شعبة ، عن منصور ، قال : سمعت سالما يحدث عن أبي سلمة ، عن أم سلمة قالت : كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا يصوم شهرا كاملا إلّا شعبان فإنّه كان يصله برمضان أو إلى رمضان [١٦١٦].

٤٥٨ ـ إبراهيم بن علي بن الحسين

أبو إسحاق القبّاني الصّوفيّ ، شيخ الصّوفيّة

سمع أبا محمد بن جميع ـ بصيدا ـ وأبا الحسين بن الترجمان بالرملة ، وأبا الفرج بن برهان ـ بصور ـ وأبا محمد عبد العزيز بن عبد الرّحمن القزويني.

روى عنه : الفقيه أبو الفتح نصر بن إبراهيم ، وأبو العينان عمر بن أبي الحسن الذهباني (٢) ، وغيث بن علي الخطيب. وسكن الصور.

أخبرنا أبو حفص عمر بن الحسن الفرغولي (٣) ، أنا عمر بن أبي الحسن بن سعدويه الذّهباني ، نا إبراهيم بن علي بن الحسين القبّاني أبو إسحاق الصوفي بصور ، نا محمد بن الحسين الغزي الصوفي ، نا القاضي أبو الحسين محمد بن جعفر بن أبي الزبير ـ بمنبج ـ نا محمد بن جعفر الزّرّاد (٤) ، نا يحيى بن عمرو النصيبي ـ شيخ بالرحبة ، وأنا سألته ـ نا حميد الطويل ، عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إذا قال العبد : أشهد أن لا إله إلّا الله ، قال الله تعالى : يا ملائكتي علم عبدي أنه ليس له ربّ غيري ، أشهدكم أنّي قد غفرت له» [١٦١٧].

أنبأنا أبو الفرج غيث بن علي الصوري ـ ونقلته من خطه ـ أنا أبو إسحاق القبّاني ، نا محمد بن الحسين بن الترجمان ـ بالرملة ـ نا القاضي أبو الحسين محمد بن جعفر بن أبي الزبير المنبجي بمنبج (٥) ، نا أبو عروبة الحرّاني ، نا أحمد بن المقدام ، نا معتمر بن

__________________

(١) سقطت من الأصل واستدركت عن هامشه وبجانبها كلمة صح.

(٢) ضبطت عن الأنساب ، وهذه النسبة إلى ذهبان وهو بطن من حضرموت.

(٣) ضبطت عن الأنساب ، وهذه النسبة إلى فرغول وهي قرية من قرى دهستان ترجم له السمعاني باسم : عمر بن محمد بن الحسن.

(٤) بالأصل وم «الرزاز» تحريف والصواب ما أثبت انظر ترجمته في الأنساب.

(٥) منبج : مدينة كبيرة واسعة ، بينها وبين الفرات ثلاثة فراسخ ، وبينها وبين حلب عشرة فراسخ (معجم البلدان).

٦١

سليمان ، قال : سمعت أبي سليمان التّيمي يحدّث عن قتادة عن أنس قال : كانت عامة وصية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين حضرته الوفاة : «الصّلاة وما ملكت أيمانكم». حتى جعل يغر غر بها في صدره ، وما يقبض بها لسانه [١٦١٨].

يقبض : لا يتبين كلامه من الوجع.

أخبرناه عاليا أبو المظفّر بن القشيري ، أنبا أبو سعد الجنزرودي ، أنبا أبو عمرو بن حمدان ، أنبا أبو يعلى هزيم بن عبد الأعلى ـ أبو حمزة الأسدي ـ نا المعتمر قال : سمعت أبي يحدث عن قتادة ، عن أنس قال : كان عامة وصية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين حضره الموت : «الصلاة وما ملكت أيمانكم». حتى جعل يغرغرها ، أو يغرغر بها في صدره وما يقبض بها لسانه.

قرأت بخط أبي الفرج غيث بن علي ، نا إبراهيم بن علي بن الحسين ، أبو إسحاق القباني (١) ، شيخ الصوفية بالثغر ، يرجع إلى ستر ظاهر ، وسمت حسن ، وطريقة مستقيمة ، كثير الدرس للقرآن ، طويل الصمت ، لازم لما يعنيه ، ولد بما وراء النهر (٢) ، وخرج صغيرا وتغرّب ، وسافر قطعة كبيرة من بلاد خراسان والعراق والحجاز وغير ذلك ، ثم نزل صور فأقام بها واستوطنها إلى أن مات ، وحدّث بها عن أبي محمد بن جميع ، وأبي الفرج بن برهان ، وابن الترجمان وغيرهم. كساعنه (٣). وكان سماعه صحيحا ، وحدثني أنه أدرك من أصحاب القفال الشاشي في بلد الشاش (٤) أربعة ، وأنه سمع من ثلاثة منهم. سمع من أنيس كتاب دلائل النبوة عنه ، ومن الآخر بعض كتاب إلّا أنه لم يصحبه منها بشيء ؛ وأقام بصور نحوا من أربعين سنة.

سألت أبا إسحاق عن مولده فقال في سنة أربع أو خمس وتسعين وثلاثمائة ، وتوفي ـ رحمه‌الله ـ ليلة يوم الاثنين نصف الليل ودفن من الغد الظهر العاشر من جمادى

__________________

(١) بالأصل وم «العتابي» خطأ والصواب ما أثبت ، وهو صاحب الترجمة.

(٢) يريد ما وراء نهر جيحون بخراسان (انظر معجم البلدان).

(٣) كذا رسمها بالأصل وم.

(٤) الشاش : قرية ما وراء النهر ، نهر سيحون ، متاخمة لبلاد الترك ، (معجم البلدان).

والقفال الشاشي هو أبو بكر محمد بن علي بن إسماعيل القفال الشاشي ، شافعي المذهب ، وهو الذي أشاع هذا المذهب في تلك النواحي مات سنة ٣٦٦ كان عالما بالفقه والتفسير واللغة.

٦٢

الآخرة منه سنة إحدى وسبعين وأربعمائة ، ودفن بين يدي باب المسجد المعروف بعتيق ، حضرت دفنه والصّلاة عليه ، وتبع جنازته خلق عظيم ـ رحمه‌الله ـ وذكر لي جماعة من الفقهاء أنه لم يبق في الشام ولا الحجاز شيخ لهذه الطائفة يجري مجراه.

٤٥٩ ـ إبراهيم بن علي بن سلمة بن عامر بن هرمة بن هذيل

ابن ربيع بن عامر بن صبح بن عدي بن قيس بن الحارث بن فهر بن مالك

أبو إسحاق القرشي الفهري المديني (١)

قدم دمشق وامتدح الوليد بن يزيد بن عبد الملك ، وأجازه وارتبطه واشتاق إلى وطنه ، وقال في ذلك شعرا ، وقدم دمشق قاصدا عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك.

أخبرنا أبو غالب أحمد وأبو عبد الله يحيى ابنا البنّا ، قالا : أنا أبو جعفر بن المسلمة ، أنا أبو طاهر المخلّص ، أنبا أحمد بن سلميان الطوسي ، نا الزبير بن بكار قال : وولد قيس بن الحارث الذي يقال له الحكم : عديا وعلقمة ، فولد عدي بن قيس صبحا وسنانا ، فولد صبح عامرا ، فولد عامر ربيعا ، فولد ربيع الهذيل ، وأوسا ، فولد الهذيل هرمة ونجبة ، فمن ولد هرمة بن الهذيل إبراهيم بن علي بن سلمة بن عامر بن هرمة بن الهذيل الشاعر.

قرأت على أبي غالب بن البنا ، عن أبي الفتح المحاملي ، أنا أبو الحسن الدار قطني قال : وأما هرمة فهو ح.

وأخبرنا أبو الحسن بن قبيس ، نا وأبو منصور بن خيرون ، أنا أبو بكر الخطيب (٢) : أنا أبو القاسم الأزهري ، وعبد الكريم بن محمد بن أحمد النصيبي (٣).

قالا : نا علي بن عمر الحافظ قال : هرمة بن هذيل بن ربيع بن عامر بن صبح بن عديّ بن قيس بن الحارث بن فهر ، من ولده إبراهيم بن علي بن سلمة بن عامر بن هرمة الشاعر مقدّم في شعر المحدثين ، قدّمه محمد بن داود بن الجرّاح على بشّار وأبي نواس

__________________

(١) الوافي بالوفيات ٦ / ٥٩ وبهامشه ثبت بمصادر أخرى ترجمت له. وفوات الوفيات ١ / ٣٤ وبهامشه أيضا ثبت بمصادر أخرى ترجمت له.

(٢) تاريخ بغداد ٦ / ١٢٨.

(٣) تاريخ بغداد : الضبي.

٦٣

وغيرهما. زاد ابن البنّا : من المحدثين.

أخبرناه أبو الحسن بن قبيس وأبو منصور بن خيرون ، قالا : قال لنا أبو بكر الخطيب (١) : إبراهيم بن علي

بن سلمة بن عامر بن هرمة. أبو إسحاق الفهري المدني شاعر مفلق. فصيح مسهب ، مجيد حسن القول ، سائر الشعر ، وهو أحد الشعراء المخضرمين أدرك الدولتين الأموية والهاشمية ، وقدم بغداد على أبي جعفر المنصور ومدحه فأجازه ، وأحسن صلته ، وكان ممن اشتهر بالانقطاع إلى الطالبيين (٢).

قرأت على أبي محمد السلمي ، عن أبي نصر بن ماكولا (٣) ، قال : أما هرمة ـ بفتح الهاء وسكون الراء ـ فهو إبراهيم بن علي بن سلمة بن عامر بن هرمة بن هذيل بن ربيعة بن صبح بن عدي بن قيس بن الحارث بن فهر الشاعر المشهور ، وقيس بن الحارث هو الخلج (٤).

أخبرنا أبو الحسن بن قبيس ، نا وأبو منصور بن خيرون ، أنا أبو بكر الخطيب (٥) ، أنا الحسن بن علي الجوهري ، نا محمد بن عمران الكاتب ، قال : قال أبو الحسن الأخفش : قال لنا ثعلب مرة : إنّ الأصمعي قال : ختم الشعر بإبراهيم بن هرمة وهو آخر الحجج.

قرأت في كتاب علي بن الحسين بن محمد القرشي (٦) : أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمّار ، نا يعقوب بن إسرائيل حدثني إبراهيم بن إسحاق المعمري (٧) ، نا عبد الله بن إبراهيم الجمحي قال : قلت لابن هرمة : أتمدح عبد الواحد بن سليمان بشعر ما مدحت به أحدا غيره فتقول (٨) فيه :

وجدنا غالبا كانت جناحا

وكان أبوك قادمة الجناح

__________________

(١) تاريخ بغداد ٦ / ١٢٧ ـ ١٢٨.

(٢) بالأصل «الطالبين» والصواب ما أثبت عن تاريخ بغداد.

(٣) الإكمال لابن ماكولا ٧ / ٣١٤.

(٤) بالأصل «الحلج» المثبت والضبط (بالقلم) عن الإكمال.

(٥) تاريخ بغداد ٦ / ١٣١.

(٦) الخبر في الأغاني ٦ / ١٠٧ في ترجمة عبادل وأخباره.

(٧) الأغاني : العمري.

(٨) عن الأغاني وبالأصل «فيقول».

٦٤

ثم تقول (١) فيها :

أعبد الواحد المأمول (٢) إنّي

أغصّ [حذار](٣) سخطك بالقراح

فبأي شيء استوجب ذلك منك؟ فقال : إني أخبرك بالقصة لتعذرني : أصابتني أزمة وقحمة (٤) بالمدينة فاستنهضتني ابنة عمي للخروج فقلت لها : ويحك إنه ليس عندي ما يقلّ جناحي ، فقالت : أنا أنهضك بما أمكنني ، وكانت عندي ناب لي ، فنهضت عليها بجهد (٥) القوام ونؤذي السّمّار ، وليس من منزل أنزله إلّا قال الناس ابن هرمة ، حتى دفعت إلى دمشق ، فأويت إلى مسجد عبد الواحد في جوف الليل ، فجلست فيه أنتظره إلى أن نظرت إلى بزوغ الفجر ، فإذا الباب ينفلق عن رجل كأنه البدر. فدنا فأذّن ، ثم صلّى ركعتين ، وتأمّلته فإذا هو عبد الواحد ، فقمت فدنوت منه فسلّمت عليه ، فقال : أبا إسحاق! أهلا ومرحبا ، فقلت : لبّيك ، بأبي وأمي أنت! وحيّاك الله بالسلام وقرّبك من رضوانه ، فقال : أما آن لك أن تزورنا؟ فقد طال العهد ، واشتد الشّوق ، فما وراءك؟ فقلت : لا تسألني ، بأبي أنت ، فإن الدهر قد أخنى عليّ ، فما وجدت مستغاثا غيرك ؛ فقال : لا ترع ، فقد وردت على ما تحبّ [إن شاء](٦) الله.

فو الله إني لأخاطبه فإذا بثلاثة فتية قد خرجوا كأنهم الأشطان (٧) فسلّموا ، فاستدنى (٨) الأكبر منهم فهمس إليه بشيء دوني ودون أخويه ، فمضى إلى البيت ثم رجع فجلس إليه فكلمه بشيء ثم ولّى ، فلم يلبث أن خرج ومعه عبد ضابط (٩) يحمل (١٠) عبئا من الثياب حتى ضرب به بين يديّ ، ثم همس [إليه](١١) ثانية فعاد ، وإذا به قد رجع ومعه

__________________

(١) عن الأغاني وبالأصل «يقول» وقوله : «ثم تقول فيها» سقط من م.

(٢) في الأغاني : «الميمون» وبهامشها عن بعض نسخها «المحمود».

(٣) سقطت من الأصل واستدركت على هامشه وبجانبها كلمة صح.

(٤) القحمة : السنة الشديدة والقحط.

(٥) في الأغاني : نهجد النوام.

(٦) ما بين معكوفتين سقط من الأصل واستدركت العبارة عن هامشه وبجانبها كلمة صح.

(٧) الأشطان جمع شطن وهو الحبل ، وقيل هو الحبل الطويل.

(٨) عن الأغاني ، وبالأصل : فأسندني.

(٩) ضابط : قوي.

(١٠) بالأصل «على» والمثبت عن الأغاني.

(١١) الزيادة عن الأغاني.

٦٥

مثل ذلك ، فضرب به بين يديّ ، فقال لي عبد الواحد : ادن يا أبا إسحاق ، فإني أعلم إنك لم تصر إلينا حتى تفاقم صدعك ، فخذ هذا وارجع إلى عيالك ، فو الله ما سلكنا لك هذا إلّا من بين أشداق عيالنا. ودفع إليّ ألف دينار ، وقال لي : قم فارحل فأغث من وراءك.

فقمت إلى الباب ، فلما نظرت إلى [ناقتي](١) ضقت ، وقال لي : تعال ما أرى هذه بمبلغتك ، يا غلام قدّم له جملي فلانا فو الله لكنت بالجمل أشدّ سرورا مني بكل ما نلته ؛ فهل تلومني أن أغصّ حذار سخط هذا بالقراح؟ وو الله ما أنشدته بيتا واحدا.

أخبرنا أبو غالب وأبو عبد الله ابنا البنّا ، قالا : أنا أبو جعفر بن المسلمة ، أنا أبو طاهر المخلّص ، أنا أحمد بن سليمان الطّوسي ، نا الزبير بن بكار ، حدثني عمّي مصعب بن عبد الله ، عن جدّي عبد الله بن مصعب قال (٢) : لقيني إبراهيم بن علي بن هرمة فقال لي : يا ابن مصعب لم (٣) يبلغني أنك تفضل عليّ ابن أذينة؟ نعم ما شكرتني في مديحي إياك ، ألم تعلم :

رأيتك مختلّا عليك خصاصة

كأنّك لم تنبت ببعض المنابت

كأنك لم تصحب شعيب بن جعفر

ولا مصعبا ذا المكرمات ابن ثابت (٤)

قال : فقلت له : يا أبا إسحاق أقلنيها وأنا اعتبك ، وهلمّ فروّني من شعرك ما شئت ، فرويت له هاشمياته (٥) يعني فأخذتها من فيه.

أخبرنا أبو منصور بن خيرون ، أنا أبو بكر الخطيب ، نا أبو القاسم الأزهري ، أنا الحسن بن محمد بن سليمان ، نا محمد بن القاسم الأنباري ، حدثني أبي ، حدثني أبو عكرمة الضّبّي ، قال : قال سليمان بن أبي شيخ قال راوية (٦) بن هرمة : بعث إليّ ابن هرمة في وقت الهاجرة صر إليّ ، فقال : اكتر حمارين إلى أربعة أميال من المدينة أين شئنا فقلت : هذا وقت الهاجرة وأرض المدينة سخنة فامهل حتى تبرد ، فقال : لا لابن

__________________

(١) الزيادة عن الأغاني.

(٢) الخبر في الأغاني ٤ / ٣٨٠.

(٣) في الأغاني : يا بن مصعب أتفضل عليّ ابن أذينة.

(٤) ديوانه ص ٧٧ ـ ٧٨ والأغاني ٤ / ٣٨٠.

(٥) في الأغاني : «عباسياته» وبهامشه : لعله يريد قصائده التي مدح بها بني العباس.

(٦) اسمه : ابن ربيح كما في الأغاني ٤ / ٣٧٥ وفي المختصر : ابن زبنّج.

٦٦

جبير الخياط عليّ مائة دينار قد منعتني القائلة ، وضيقت على عيالي ، فاكتريت حمارين فركبنا فمضيت معه حتى انتهينا إلى الحمراء ـ قصر الحسن بن زيد ـ فصادفناه يصلّي العصر ، فأقبل علي ابن هرمة فقال : ما جاء بك في هذا الوقت والحر شديد؟ فقال : لابن جبير الخياط عليّ مائة دينار قد منعتني القائلة وضيقت على عيالي ، وقد قلت شعرا فاسمعه ، فقال : قل ، فأنشأ يقول :

أما بنو هاشم حولي فقد رفضوا

نبل الضّباب (١) الذي جمّعت في قرني

فما بيثرب منهم من أعاتبه

إلّا عوائد أرجوهنّ من حسن

الله أعطاك فضلا من عطيّته

على هن وهن فيما مضى وهن

قال : يا غلام افتح باب تمرنا فبع منه بمائة دينار ، واحضر ابن جبير الخياط وليكن معه ذكر دينه وماله على ابن هرمة ، فحضر فأخذ منه ذكر دينه فدفعه إلى ابن هرمة وسلّم إلى ابن جبير مائة دينار ، وقال : يا غلام بع بمائة دينار أخرى وادفعها إلى ابن هرمة يستعين بها على حاله فقال ابن هرمة : يا سيدي مر لي بحمل ثلاثين حمارا تمرا لعيالي ، قال : يا غلام افعل ذلك. فانصرفنا من عنده فقال لي ويحك رأيت نفسا أكرم من هذه النفس أو راحة أدنى من هذه الراحة ، فإنّا لنسير على السيالة [إذا رجل مرّ](٢) فذعر ابن هرمة فالتفت إليه فإذا هو عبد الله بن حسن بن حسن فقال : يا دعيّ الأدعياء (٣) أتفضل عليّ وعلى أبي الحسن بن زيد فقال : والله ما فعلت هذا.

أنبأنا أبو علي محمد بن سعيد بن إبراهيم بن نبهان ، ثم أخبرني أبو الفضل محمد بن ناصر ، أنا أحمد بن الحسن بن أحمد ، ومحمد بن إسحاق بن مخلد ، ومحمد بن سعيد ح.

وأخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي ، أنا أبو طاهر أحمد بن الحسن ، قالوا : أنا أبو علي الحسن بن أحمد بن إبراهيم ، أنا أبو بكر محمد بن الحسن بن مقسم ، أنا أحمد بن

__________________

(١) بدون نقط بالأصل ، والمثبت عن الأغاني ، يريد بهاهنا : الأحقاد.

وفي المختصر : الصياب.

(٢) ما بين معكوفتين الكلام بالأصل مطموس ولعل الصواب ما أثبتنا. وفي م : «إذا غافر».

(٣) الكلمة مطموسة بالأصل ، والمثبت عن م.

٦٧

يحيى ـ ثعلب ـ حدثني عمر بن شبّة ، حدثني أبو سلمة ، أخبرني ابن زنيح (١) قال : أصابت ابن هرمة أزمة ، فقال لي في يوم حارّ : اذهب فتكار لي حمارين إلى ستة أميال ، ولم يسمّ موضعا. فركب واحدا وركبت واحدا ، ثم سرنا حتى انتهينا (٢) إلى قصور حسن بن زيد ببطحاء ابن أزهر ، فدخلنا مسجده. فلما زالت (٣) الشمس خرج علينا مشتملا على قميصه فقال لمولى له : أذّن فأذّن ، ثم لم يكلمنا كلمة ثم قال له : أقم فأقام فصلّى بنا ، ثم أقبل على ابن هرمة فقال : مرحبا بك أبا إسحاق ، حاجتك؟ قال : نعم بأبي أنت وأمي أبيات قلتها ـ وقد كان عبد الله بن حسن ، وحسن وإبراهيم بنو حسن وعدوه شيئا فأخلفوه ـ فقال : هاتها. فأنشد (٤) :

أما بنو هاشم حولي فقد فرغوا (٥)

نبل الضّباب (٦) الذي جمّعت في قرني

فما بيثرب منهم من أعاتبه

إلّا عوائد أرجوهنّ من حسن

الله أعطاك فضلا من عطيّته

على هن وهن فيما مضى وهن

قال : حاجتك قال : لابن أبي مضرّس عليّ خمسون ومائة دينار قال : فقال لمولى له ، أيا هيثم ، اركب هذه البغلة فائتني بابن مضرّس وذكر حقّه. قال : فما صلّينا العصر حتى جاء به. فقال له : مرحبا بك يا ابن [أبي] مضرس ، أمعك ذكر حقّ على ابن هرمة؟ فقال : نعم قال : فامحه قال : فمحاه ، ثم قال : يا هيثم بع ابن أبي مضرس من تمر الخانقين (٧) بمائة وخمسين دينارا وزده في كل دينار ربع دينار ، وكل لابن هرمة بخمسين ومائة دينار تمرا ، وكل لابن زنيج بثلاثين دينارا تمرا قال : فانصرفنا من عنده ، فلقيه محمد بن عبد الله بن حسن بالسّيالة (٨) ، وقد بلغه الشعر ، فغضب لأبيه وعمومته فقال : أيا ماصّ بعل أمه! أأنت القائل :

__________________

(١) كذا بالأصل ، وفي المختصر : «زبنّج» وفي الأغاني ٤ / ٣٧٥ ربيح.

(٢) الأصل والمختصر ، وفي الأغاني : صرنا.

(٣) الأصل والمختصر وفي الأغاني : مالت.

(٤) الأبيات في ديوانه ص ٢٢٣ والأغاني ٤ / ٣٧٦ والمختصر ٤ / ٩٠.

(٥) الأغاني : قرعوا.

(٦) الأغاني : الضباب.

(٧) الخانقين موضع بالمدينة.

(٨) السيالة أول مرحلة لأهل المدينة إذا أرادوا مكة (معجم البلدان).

٦٨

على هن وهن فيما مضى وهن

قال : لا والله يا بني ، ولكني الذي أقول لك :

لا والذي أنت منه نعمة سلفت

نرجو عواقبها في آخر الزّمن

لقد أتيت بأمر ما عمدت له

ولا تعمّده قولي ولا سنن

فكيف أمشي مع الأقوام معتدلا

وقد رميت بريء العود بالأبن (١)

ما غيّرت وجهه أمّ مهجّنة

إذا القتام تغشّى أوجه الهجن (٢)

قال : وأم الحسن أم ولد.

أخبرنا أبو القاسم الحسين بن الحسن بن محمد الأسدي ، أنا أبو البركات بن طاوس ، أنا أبو القاسم التّنوخي ، أنا أبو عمر بن حيّوية ، أنا أبو بكر محمد بن خلف بن المرزبان ـ إجازة ـ أخبرني أبو الفضل أحمد بن أبي طاهر ، أخبرني بعض الأدباء قال : كان لإبراهيم بن هرمة كلاب إذا أبصرت الأضياف بشّت بهم ، ولم تنبح وبصبصت بأذنابها بين أيديهم فقال يمدحها :

ويدل ضيفي في الظلام إذا سرى

إيقاد ناري أو نباح كلابي

حتى إذا واجهنه وعرفنه

فدينه ببصابص الأذناب

وجعلن ممّا قد عرفن يقدنه

ويكدن أن ينطقن بالتّرحاب

قرأت على أبي محمد السلمي ، عن أبي بكر الخطيب ، أخبرني أبو القاسم الأزهري ، نا أحمد بن إبراهيم بن شاذان البزاز ، نا محمد بن أبي الأزهر ، نا الزّبير بن بكار ، حدّثني يحيى بن يحيى ، عن محمد ، حدثني عمي إبراهيم بن محمد قال : نزلت ببنات ابن هرمة بعد أن هلك فرأيت حالتهن سيئة فقلت لبعض بناته : قد كان أبوك حسن الحال ، فما ترك لكنّ؟ قالت : وكيف وهو الذي يقول (٣) :

لا غنمي مدّ في البقاء لها

 ـ إلّا دراك القرى ـ ولا إبلي

__________________

(١) الأبن جمع أبنة وهي العقدة تكون في العود تفسده ويعاب بها ، ويعني به : العيب والوصمة.

(٢) الهجن جمع هجين ، وتجمع على هجناء وهجنان ومهاجين ومهاجنة.

والهجين الذي أبوه خير من أمه ، أو الذي أبوه عربي وأمه غير عربية. (انظر اللسان والقاموس).

(٣) البيت في ديوانه ص ١٨٥ والأغاني ٥ / ٢٦١ ؛ باختلاف الرواية.

٦٩

ذاك افناها ، أذاك أفناها.

أخبرنا أبو الحسن بن قبيس ، نا وأبو منصور بن خيرون ، أنا أبو بكر الخطيب (١) ، أنا أبو جعفر محمد بن جعفر بن علّان الورّاق ، نا محمد بن أحمد بن محمد بن حمّاد ، نا هاشم بن محمد بن هارون الخزاعي ، نا عبد الرّحمن بن عبد الله بن قريب ابن أخي الأصمعي ، عن عمه قال : قال لي رجل من أهل الشام : قدمت المدينة فقصدت منزل إبراهيم بن هرمة ، فإذا بنيّة له صغيرة تلعب بالطين ، فقلت لها : ما فعل أبوك؟ قالت : وفد إلى بعض الملوك الأجياد (٢) ، فما لنا به علم منذ مدة. فقلت : انحري لنا ناقة فإنّا أضيافك ، قالت : والله ما عندنا ، قلت : فشاة؟ قالت : والله ما عندنا. قلت : فدجاجة؟ قالت : والله ما عندنا قلت : فأعطينا (٣) بيضة قالت : والله ما عندنا قلت : فباطل ما قال أبوك :

كم ناقة قد وجأت منحرها

بمستهلّ الشئوب (٤) أو جمل (٥)

قالت : فذلك الفعل من أبي هو الذي أصارنا إلى أن ليس عندنا شيء.

قرأت بخط أبي الحسن رشأ بن نظيف المقرئ ، وأنبأنيه أبو القاسم النسيب وأبو الوحش سبيع بن المسلّم عنه ، أنا أبو القاسم عبد الرّزّاق بن أحمد بن عبد الحميد ، نا أبو محمد عبد الله بن جعفر بن محمد بن ورد ، نا أبو إسحاق بن حميد البصري القاضي ، حدثني محمد بن زكريا قال : اجتاز نصيب مرّة بالسّيّالة وبها منزل ابن هرمة فناداه : يا أبا إسحاق فخرجت إليه بنته مذعورة ، فقال : أين أبوك؟ قالت : راح لحاجة انتهز فيها برد الفيء قال : فهل من قرى؟ قالت : لا والله ، [قال :] ولا جزور ولا شاة؟ قالت : لا والله ولا دجاجة ولا بيضة. قال : قاتل الله أباك ما أكذبه إذ يقول :

لا أمتّع العوذ بالفصال (٦)

ولا أبتاع إلّا قصيرة الأجل

__________________

(١) تاريخ بغداد ٦ / ١٣٠ ـ ١٣١.

(٢) في تاريخ بغداد : وفد إلى بعض الأجواد.

(٣) عن تاريخ بغداد والمختصر ، وبالأصل «فاعطنا».

(٤) الشؤبوب : حدّ كل شيء. ووجأه : ضربه بسكين أو نحوه.

(٥) البيت في ديوانه ص ١٨٤ والأغاني ٥ / ٢٦٣.

(٦) بالأصل : «لا أمنع العود» والمثبت عن الأغاني ٥ / ٢٦٠ والعوذ الإبل التي قد نتجت ، واحدتها عائذ. وفي القاموس : الحديثات النتاج من الظباء وكل أنثى.

٧٠

إني إذا ما البخيل أمّنها

باتت ضموزا مني على وجل (١)

قالت : ففعله ـ والله ـ ذاك بها ، أقلّها عندنا.

أخبرنا أبو الحسن بن قبيس ، نا وأبو منصور بن خيرون ، أنا أبو بكر الخطيب (٢) ، أخبرني أبو القاسم الأزهري ، نا أحمد بن إبراهيم ، نا إبراهيم بن محمد بن عرفة ، قال : ـ وفي هذه السنة ـ يعني سنة خمس وأربعين ومائة ـ تحوّل المنصور إلى مدينة السلام ، واستتمّ بناءها سنة ست وأربعين ، ثم كتب إلى أهل المدينة أن يوفدوا عليه خطباءهم وشعراءهم ، فكان فيمن وفد عليه إبراهيم بن هرمة. قال : فلم يكن في الدنيا خطبة أبغض إليّ من خطبة تقربني منه ، واجتمع الخطباء والشعراء من كل مدينة ، وعلى المنصور ستر يرى الناس من ورائه ولا يرونه ، وأبو الخصيب حاجبه قائم وهو يقول : يا أمير المؤمنين هذا فلان الخطيب ، فيقول : اخطب ، ويقول هذا فلان الشاعر. فيقول : أنشد ، حتى كنت آخر من بقي قال : يا أمير المؤمنين : هذا ابن هرمة ، فسمعته يقول : لا مرحبا ولا أهلا. ولا أنعم الله به عينا ، فقلت : (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ)(٣) ، ذهبت والله نفسي ، ثم رجعت إلى نفسي فقلت : يا نفس هذا موقف إن لم تشتدي فيه هلكت.

فقال أبو الخصيب : أنشد ، فأنشدته (٤) :

سرى ثوبه عنك (٥) الصّبا المتخايل

وقرّب للبين الخليط المزايل

حتى انتهيت إلى قولي :

له لحظات في حوافي (٦) سريره

إذا كرّها فيها عقاب ونائل

فأمّ الذي أمّنته تأمن الرّدى

وأمّ (٧) الذي حاولت بالثكل ثاكل

__________________

(١) البيت في الأغاني ٥ / ٢٥٩ والضمير في أمنها يعود على العوذ.

وضموز ، بالزاي ، يقال : ضمز البعير : أمسك جرّته في فيه ، ولم يجتر ، فهو ضامز وضموز (قاموس).

(٢) تاريخ بغداد ٦ / ١٢٨.

(٣) سورة البقرة ، الآية : ١٥٦.

(٤) ديوانه ص ١٦٦ وتاريخ بغداد والمختصر.

(٥) بالأصل «عند» والمثبت عن المصادر السابقة.

(٦) في تاريخ بغداد : خفاء سريرة.

(٧) في تاريخ بغداد : «فأما الذي ... وأما الذي».

٧١

فقال : يا غلام ارفع عني الستر فرفع عني الستر فرفع فإذا وجهه فلقة قمر ثم قال : تمّم القصيدة ، فلما فرغت قال : ادن ، فدنوت ، ثم [قال :](١) اجلس فجلست ، وبين يديه مخصرة فقال : يا إبراهيم قد بلغني عنك أشياء لو لا ذلك لفضّلتك على نظرائك ، فأقر لي بذنوبك أعفها عنك. فقلت : هذا رجل فقيه عالم ، وإنما يريد أن يقتلني بحجة تجب عليّ ، فقلت : يا أمير المؤمنين كل ذنب بلغك مما عفوته عني فأنا مقرّ به ، فتناول المخصرة فضربني بها ، فقلت :

أصبر من ذي ضاغط عركرك

ألقى بواني زوره للمبرك (٢)

قال : ثم ثنّى فضربني ، فقلت :

أصبر من عود بجنبيه جلب

قد أثّر البطان فيه والحقب (٣)

قال : قد أمرت لك (٤) بعشر آلاف درهم ، وخلعة ، وألحقتك بنظرائك من طريح بن إسماعيل ، ورؤبة بن العجّاج ، ولئن بلغني عنك أمر أكرهه لأقتلنّك ؛ قلت : نعم ، أنت في حلّ وسعة من دمي ، إن بلغك أمر تكرهه. قال ابن هرمة : فأتيت المدينة فأتاني رجل من الطالبيين فسلّم علي ، فقلت : تنحّ عني لا تشيط بدمي.

أنبأنا أبو القاسم النسيب وأبو الوحش المقرئ ، عن أبي الحسن رشأ بن نظيف ـ ونقلته من خطه ـ أخبرني أبو الفتح إبراهيم بن علي بن الحسين البغدادي ، نا أبو بكر محمد بن يحيى الصولي ، نا عبد الله بن شبيب ومهدي بن إسحاق قالا : لما ولي المنصور الخلافة حضر على بابه ثلاثمائة شاعر ، فأعلمه بذلك الربيع فقال : اخرج إليهم فعرّفهم أن جائزتنا ألف ، وعقوبتنا ألف من مدحنا فاقتصد أجزناه ، ومن أفرط وتجاوز عاقبناه. فخرج فعرّفهم ، فقال بعضهم لبعض : ما منا إلّا من أفرط في المدح فانصرفوا ، إلّا إبراهيم بن هرمة فإنه لم يبرح قال : فدخل فعرّفه أنهم قد انصرفوا إلّا إبراهيم بن هرمة المدني فقال : ما علمته إلّا سجاما ومع ذلك مجيدا ، فأذن له ، فلما دخل قال : عرفت

__________________

(١) زيادة عن تاريخ بغداد.

(٢) الضاغط انفتاق في إبط البعير ، والعركرك : الجمل الغليظ ، والواني : التعب.

(٣) العود : المسن من الإبل ، والجلب : الجرح القديم برأ أو يبس ؛ والبطان : حزام البطن ، والحقب : الحزام يلي حقو البعير ، أو حبل يشد به الرحل في بطنه.

(٤) عن تاريخ بغداد وبالأصل «له».

٧٢

شرطنا قال : قد عرفت قال : هات فأنشده شعرا طويلا وقال فيه :

له لحظات في حوافي سريره

إذا كرّها فيها عقاب ونائل

فأمّ الذي أمّنت أمّنه الردى

وأمّ الذي حاولت بالثكل ثاكل

فقال له : بارك الله عليك. وأجازه بألف ، وكان في المنصور جفاء فقال له : يا إبراهيم هل لك أن تدعها للطالبيين (١) إلى أن تطلق أرزاقهم ، ونضعف لك؟ قال إبراهيم : إنما جئت أستمنح أمير المؤمنين ولا استشيره ، وتعجيلها أحب إليّ فعجلت له.

فقال : يا أمير المؤمنين إني أسألك شيئا ، قال : سل ، قال : إن عمال أمير المؤمنين بالمدينة قد أنهكوا أكتافي بما يحدّونني على السكر ، فإن رأى أمير المؤمنين أن يكتب لي كتابا [إن](٢) وجدت سكرانا فلا أحدّ ، فليفعل ، فقال له المنصور : ما كنت لأرفع حدّا من حدود الله بحبّ ، ولكن أكتب لك خيرا من هذا ، قال : ما هو؟ قال : أكتب لك كتابا من جاء بك وأنت سكران جلد مائة وجلدت أنت ثمانين ، قال : قد رضيت قال : فكتب له بذلك ، قال : فكان إبراهيم بن هرمة يسكر ويطرح نفسه في الشوارع ، ويقول : من يشتري ثمانين بمائة فليتقدم (٣).

قال : ونا الصولي ، نا ثعلب ، نا ابن شبيب عن الزبير قال : وقال نوفل بن ميمون حدثني مرقّع قال : كنت مع ابن هرمة في سقيفة (٤) ابن أذينة فجاءه راع بقطعة من غنم يشاوره فيما يبيع منها ، وكان قد أمر (٥) ببيع بعضها. قال مرقّع : فقلت : يا أبا إسحاق : [أين عزب عنك قولك :](٦)

لا غنمي مدّ في الحياة لها

 ـ إلّا دراك القرى ـ ولا إبلي

__________________

(١) بالأصل «للطالبين».

(٢) زيادة لازمة عن مختصر ابن منظور ٤ / ٩٤.

(٣) الخبر في الأغاني ٤ / ٣٧٥.

(٤) في الأغاني ٥ / ٢٦١ «أم أذينة».

(٥) الأغاني : «أمره».

(٦) ما بين معكوفتين سقط من الأصل وم واستدرك عن الأغاني.

٧٣

لا أمنع (١) العود الفصال ولا

أبتاع إلّا قريبة الأجلي

قال : فقال : مالك؟ أخزاك (٢) الله من أخذ شيئا فهو له ، فانتهبناها حتى وقف الراعي ما معه منها شيء.

قال : وأنا أبو الفتح إبراهيم بن علي بن الحسين بن محمد بن سيبخت (٣) البغدادي ، نا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن إبراهيم بن قريش الحليمي ، نا ثعلب ، نا ابن شبيب ، عن الزبير ، عن يحيى بن محمد بن عبد الله بن ثوبان : أن الفرزدق قدم المدينة ثم خرج ، فسئل عن شعرائهم فقال : رأيت بها شاعرين وعجبا لهما ، أحدهما أخضر يسكن خارجا من بطحان يريد إبراهيم بن هرمة ، والآخر : أحمر كأنه وحرة على برودة في شعره يريد الأحوص. قال ثعلب : الوحرة اليعسوب الأحمر الذي يلزم البيار.

أخبرنا أبو الحسن بن قبيس ، نا وأبو منصور بن خيرون ، أنا أبو بكر الخطيب (٤) ، أخبرني عبيد الله بن أبي الفتح ، نا محمد بن حميد الخراز (٥) ، نا ابن قانع ، نا ابن زكريا ، نا عبيد الله بن عائشة قال : لما قدم ابن هرمة على أبي جعفر مدحه فأعطاه عشرة آلاف وقال : يا ابن هرمة إن الزمان ضيّق بأهله فاشتر بهذه إبلا عوامل ، وإياك أن تقول : كلما مدحت أمير المؤمنين أعطاني مثلها هيهات والعود إلى مثلها.

أخبرنا أبو العزّ (٦) أحمد بن عبيد الله بن كادش ـ فيما ناولني إياه ، وقرأ علي إسناده وقال : اروه عني ـ أنا أبو علي الجازري ، أنا المعافا بن زكريا ، نا عمر بن علي بن الحسن بن علي بن مالك الشيباني ، نا محمد بن يزيد النحوي ، أنا قعنب ، نا سعيد بن سلم ، قال (٧) : لما ولّى المنصور معن بن زائدة أذربيجان (٨) قصده قوم من أهل الكوفة ، فلما صاروا ببابه واستأذنوا عليه ، فدخل الآذن فقال : أصلح الله الأمير بالباب

__________________

(١) في الأغاني : «لا أمتع العوذ الفصال» وقد تقدم البيتان قريبا.

(٢) في الأصل : «أجزأك» والمثبت عن الأغاني.

(٣) ضبطت عن التبصير.

(٤) تاريخ بغداد ٦ / ١٢٩.

(٥) تاريخ بغداد : الخزاز.

(٦) بالأصل «أبو العون» والصواب ما أثبت عن م ، وانظر ترجمته في سير أعلام النبلاء ١٩ / ٥٥٨.

(٧) تاريخ بغداد ١٣ / ٢٣٦ في ترجمة معن بن زائدة الشيباني.

(٨) أذربيجان إقليم واسع ، من مشهور مدائنها تبريز ، وهي اليوم قصبتها وأكبر مدنها (معجم البلدان).

٧٤

وفد من أهل العراق قال : من أي [أهل](١) العراق؟ قال : من الكوفة ، قال : ائذن لهم فدخلوا عليه ، فنظر إليهم معن في هيئة زرية (٢) فوثب على أريكته وأنشأ يقول :

إذا نوبة نابت صديقك فاغتنم

مرمّتها فالدّهر بالناس قلّب

فأحسن ثوبيك الذي هو لابس

وأفره مهريك الذي هو يركب

وبادر بمعروف إذا كنت قادرا

زوال اقتدار أو غنى (٣) عنك يذهب

قال : فوثب إليه رجل من القوم فقال : أصلح الله الأمير ، ألا أنشدك أحسن من هذا ، قال : لمن؟ قال : لابن عمك ، ابن هرمة قال : هات فأنشأ يقول :

وللنّفس تارات تحل بها العرى

وتسخو عن المال النفوس الشحايح

إذا المرء (٤) لم ينفعك حيّا فنفعه

أقلّ إذا ضمّت عليه الصّفائح

لأية حال ينفع المرء ماله

غدا فغدا والموت غاد ورائح (٥)

فقال معن : أحسنت والله ، وإن كان الشعر لغيرك. يا غلام اعطهم أربعة آلاف أربعة ألاف يستعينوا بها على أمورهم ، إلى أن يتهيأ لنا فيهم ما نريد ، فقال الغلام : يا سيدي أجعلها دنانير أم دراهم؟ فقال معن : والله لا تكون همّتك أرفع من همتي ، يا غلام صفّرها لهم.

أخبرنا أبو الحسن بن قبيس ، نا وأبو منصور بن خيرون ، أنا أبو بكر الخطيب (٦) ح.

وأخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي ، أنا الشريف أبو الفضل العباس بن أحمد بن محمد بن بكران الهاشمي ، وأبو محمد أحمد وأبو الغنائم محمد ابنا علي بن الحسن بن أبي عثمان ، وأبو منصور محمد بن محمد بن عبد العزيز العكبري ، وعبيد الله بن

__________________

(١) زيادة عن تاريخ بغداد.

(٢) طمس جزء من الكلمة بالأصل ، والمثبت عن م ، وانظر تاريخ بغداد.

(٣) بالأصل : «اقتدار وغنى» والمثبت عن تاريخ بغداد وم.

(٤) عن تاريخ بغداد وبالأصل «إذ المرء».

(٥) كذا بالأصل أواخر الأبيات غير مهموزة ، وفي تاريخ بغداد والمختصر «الشحائح ، والصفائح ورائح» مهموزة.

(٦) تاريخ بغداد ٦ / ١٢٩ ـ ١٣٠.

٧٥

عثمان بن محمد بن دوست ـ المعروف بابن الشوكي ـ وأبو بكر محمد بن هبة الله بن الحسن الطبري ، وأبو الحسن علي بن المقلّد البوّاب ح.

وأخبرنا أبو بكر بن المزرفي ، أنا الشريف أبو الفضل الهاشمي ح.

وأخبرنا أبو محمد بن طاوس ، أنا أبو الغنائم بن أبي عثمان ، قالوا : نا أبو عبد الله الحسين بن الحسن بن القاسم الغضائري (١) ، نا أبو بكر محمد بن يحيى الصولي ، نا محمد بن زكريا الغلّابي ، نا أحمد بن عيسى وذكر ابن هرمة ـ زاد المزرفي : وترحم عليه ـ وقالوا : قال : وكان متصلا بنا ، وهو القائل فينا :

ومهما ألام (٢) على حبهم

فإني أحبّ بني فاطمة

بني بنت من جاء بالمحكما

ت والدين والسنة القائمة

ولست (٣) أبالي بحبي لهم

سواهم من النعم السائمة

قال : فقيل له في دولة بني العباس : ألست القائل كذا ـ فأنشدوه هذه الأبيات؟ فقال : أعضّ الله قائلها بهن أمه ، فقال من يثق (٤) به : ألست قائلها؟ قال : بلى ، ولكن أعض بهن أمي خير من أن أقتل.

أخبرنا أبو القاسم علي بن إبراهيم الحسيني ، أنا رشأ بن نظيف ، أنا الحسن بن محمد ، نا أحمد بن مروان ، نا أحمد بن عبدان ، نا محمد بن منصور ، قال : رأت جارية المنصور وعليه قميص مرقوع ، فقال : وقد سمعها تقول : خليفة قميصه مرقوع فقال : ويحك أما سمعت قول ابن هرمة :

قد يدرك الشرف الفتى ورداؤه

خلق وجيب قميصه مرقوع

أخبرنا أبو الحسين محمد بن محمد بن الفراء ، وأبو غالب وأبو عبد الله ابنا

__________________

(١) في تاريخ بغداد : «المخزومي» وفي الأنساب : «الغضائري» (كما أثبتنا وهي غير واضحة بالأصل) المعروف بالمخزومي. وبالأصل «الحسين بن الحسين» والصواب عن تاريخ بغداد والأنساب وفيهما : الحسين بن الحسن بن محمد بن القاسم.

(٢) لم يجزم الفعل وهو من الشاذ.

(٣) في تاريخ بغداد : «فلست».

(٤) القائل له : «ابنه» كما في الأغاني ٤ / ٣٨٨.

٧٦

البنّا ، قالوا : أنا أبو جعفر بن المسلّمة ، أنا أبو طاهر المخلّص ، أنا أحمد بن سليمان الطوسي ، أنا الزبير بن بكار ، حدثني محمد بن إسماعيل بن جعفر بن إبراهيم الجعفري ، حدثني أبو حبيب محمد بن عمر بن محمد بن عبد الله بن الحصين ، قال : كان إبراهيم بن علي بن هرمة يشرب في أناس بأعلى السّيالة ثم أنه قلّ ما عنده ، وكان صدر بصدار من أهل المدينة ، فذكر له حسن بن حسن بن حسن ، قد قدم السّيالة ، وكتب إليه فذكر أن أصحابا له قدموا عليه ، وقد خفّ ما معهم ولم يذكر من شرابه شيئا ، وكتب في أسفل كتابه :

إنّي استحيتك أن أقول بحاجتي

فإذا قرأت صحيفتي فتفهّم

وعليك عهد الله إن أخبرتها

أهل السّيالة إن فعلت وإن لم

فسأل حسن عن أمره فأخبر بقصته ، فقال : وأنا على عهد الله إن لم أخبر بقصته أهل السّيالة ، فردعه أميرها منها ـ وكان يشتد على السفهاء ـ فقال : يا أهل السّيالة هذا ابن هرمة في سفهاء له قد جمعهم بشرب بالشّرف ، فأنذر بذلك ابن هرمة ففرّ هو وأصحابه فلم يقدر عليهم.

قال : وأخبرني نوفل بن ميمون قال : أنشدني أبو مالك محمد بن مالك بن علي بن هرمة لعمّه إبراهيم بن علي بن هرمة يمدح عمران بن عبد الله بن مطيع ويذكر ولادة آل أسيد بن أبي العيص إياه :

ستكفيك الحوائج إن ألمّت

عليك بصرف متلاف مفيد

فتى يتحمّل الأثقال ماض

مطيع جدّه وبنو أسيد

حلفت لأمدحنّك في معدّ

وذي يمن على رغم الحسود

يقول لا يزال (١) حسنا

بأفواه الرّواة على النّشيد

لأرجع راضيا وأقول حقا

ويغبر باقي الأبد الأبيد

وقبلك ما مدحت زناد كاب

لأخرج وري آبية صلود

فأعياني فدونك فاعتنيني

فما المذموم كالرجل الحميد

وكان كحية رقيت فصمّت

على الصادي (٢) برقيته المعيد

__________________

(١) في مختصر ابن منظور والديوان : لا يزال له رواء.

(٢) في الديوان : البادي.

٧٧

فأقسم لا تعود له رقائي

ولا أثني له ما عشت جيدي

أخبرنا أبو القاسم النسيب ، أنا رشأ بن نظيف ، أنا الحسن بن محمد ، أنا أحمد بن مروان ، أنشدنا عبد الله بن مسلم بن قتيبة لإبراهيم بن هرمة ـ وأنشدناه أيضا المبرد (١) :

قد يدرك الشرف الفتى ورداؤه

خلق وجيب قميصه مرقوع

إمّا تراني شاحبا متبذلا

كالسيف يخلق جفنه فيضيع

فلربّ لذة ليلة قد نلتها (٢)

وحرامها بحلالها مدفوع

أنبأنا أبو الفضل بن ناصر ، وأبو منصور موهوب بن أحمد بن الجواليقي ، قالا : أنا أبو الحسن علي بن الحسين بن أيوب ، قالا : أنا أبو بكر بن شاذان ، أنا أبو علي عيسى بن محمد بن أحمد الطوماري ، نا أبو العباس أحمد بن يحيى ـ ثعلب ـ نا زبير ، حدثني عمر بن أبي بكر المؤمّلي ، عن عبد الله بن أبي عبيدة (٣) بن عمّار بن ياسر قال : زرت عبد الله بن حسن بباديته ، وزاره ابن هرمة. فجاءه رجل من أسلم فقال ابن هرمة لعبد الله بن الحسن : أصلحك الله! سل الأسلمي أن يأذن لي أن أخبرك خبري وخبره. فقال عبد الله بن حسن : ائذن له ، فأذن له الأسلمي. فقال ابن هرمة :

فإني خرجت ـ أصلحك الله ـ أبغي ذودا (٤) لي ، فأوحشت فضفت هذا الأسلمي ، فذبح لي شاة وخبز لي خبزا وأكرمني ، ثم غدوت من عنده ، فأقمت ما شاء الله. ثم خرجت أيضا [في بغاء ذود لي](٥) فأوحشت فقلت : لو ضفت الأسلمي ، فجاءني بلبن وتمر ، ثم [خرجت في بغاء ذود لي ... ف](٦) ضفته بعد ما أوحشت ، فقلت : التمر واللبن خير من الطّوى فجاء بلبن حامض.

__________________

(١) لم ترد الأبيات في الكامل للمبرد ، وهي في ديوانه ص ١٤٣ والشعر والشعراء ص ٤٧٤.

(٢) الشعر والشعراء : قد بتّها.

(٣) كذا بالأصل والمختصر ، وفي الأغاني ٤ / ٣٦٨ أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر.

(٤) الذود القطيع من الإبل من الثلاث إلى التسع ، وقيل ما بين الثلاث إلى الثلاثين ، ولا يكون إلا من الإناث دون الذكور. وهو واحد وجمع أو جمع لا واحد له ، أو واحد (قاموس ـ لسان).

(٥) ما بين معكوفتين زيادة عن الأغاني ٤ / ٣٦٩ سقط من الأصل وم.

(٦) ما بين معكوفتين زيادة عن الأغاني ٤ / ٣٦٩ سقط من الأصل وم.

٧٨

قال الأسلمي : قد أجبته إلى ما سأل ، فاسأله أن يأذن لي أن أخبرك لم فعلت ذلك ؛ فقال : ائذن له ، فقال : ضافني ـ أصلحك الله ـ فسألته من هو؟ فقال : رجل من قريش ، فذبحت له الشاة التي ذكر ، والله لو كان عندي غيرها لذبحته له ، حين ذكر أنه من قريش. ثم غدا من عندي وغدا الحيّ فقالوا : من ضيفك البارحة؟ فقلت : رجل من قريش ؛ فقالوا : ليس من قريش ، إنما هو دعيّ فيها ، فضافني الثانية ، قال : إنه دعيّ في قريش ، فجئته بتمر ولبن ، ثم غدا من عندي ، وغدا الحيّ فقالوا : من ضيفك البارحة قال : فقلت : الذي ذكرتم أنه الدعيّ في قريش ، فقالوا : لا والله ما هو فيها بدعيّ ولكنه دعيّ أدعياء. فضافني الثالثة على أنه دعيّ أدعياء قريش ، فو الله لو وجدت له شرا من لبن حامض لجئته به. فانكسر (١) ابن هرمة ، وضحكنا منه.

أخبرنا أبو منصور بن خيرون ، أنا أبو بكر الخطيب (٢) : أنا أبو الحسين محمد بن عبد الواحد بن علي البزاز ، أنا عمر بن محمد بن سيف الكاتب ، نا محمد بن العباس اليزيدي ، نا الزبير بن بكار ، نا محمد بن ثابت ، حدثني محمد بن فضالة النحوي قال : لقي رجل من قريش ممن كان خرج مع إبراهيم بن عبد الله بن حسن ، إبراهيم بن علي بن هرمة الشاعر فقال له : ما الخبر؟ ما فعل الناس يا أبا إسحاق؟ فقال ابن هرمة (٣) :

أرى الناس في أمر سحيل (٤) فلا تزل

على ثقة أو تبصر الأمر مبرما

وأمسك بأطراف الكلام فإنه

نجاتك مما خفت أمرا مجمجما

فلست على رجع الكلام بقادر

إذا القول عن زلّاته فارق الفما

وكائن ترى من وافر العرض صامتا

وآخر أردى نفسه أن تكلما

أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد الجرباذقاني (٥) المعدّل ـ بهراة ـ أنا أبو إسماعيل عبد الله بن محمد بن علي الأنصاري بهراة ، أنا إسحاق بن أبي إسحاق القراب ، أنشدني أحمد بن محمد السّرخسي ، أنشدنا أبو عمر محمد بن أحمد

__________________

(١) الأغاني : فانخذل.

(٢) تاريخ بغداد ٦ / ١٣٠.

(٣) ديوانه ص ١٩٣ وتاريخ بغداد.

(٤) الأمر السحيل غير المبرم ، وهو الحبل الذي على قوة واحدة غير مفتول ، يعني أنه غير موثوق وغير محكم وغير متين.

(٥) هذه النسبة إلى جرباذقان : بلدتان إحداهما بين جرجان وأسترآباذ ، والثانية بين أصبهان والكرج (الأنساب).

٧٩

النوقاني (١) ، أنشدني أبو عبد الله الوضّاحي لابن هرمة (٢) :

كأنّ عيني إذا ولّت حمولهم

عنا جناحا حمام صادفت مطرا

أو لؤلؤ سلس في عقد جارية

خرقاء نازعها الولدان فانتثرا

٤٦٠ ـ إبراهيم بن علي بن محمد بن أحمد

أبو إسحاق الدّيلمي الصّوفي (٣)

لقي بدمشق أبوي بكر الجصّاص البصري ، ومحمد بن داود الدّينوري الرّقّي ، وببغداد جعفر الخالدي ، وبفارس أبا عبد الله بن خفيف ، وبصور أحمد بن عطاء الروذباري.

روى عنه : أبو القاسم سهل بن إبراهيم.

ذكره أبو الوليد عبد الله بن محمد بن يوسف بن الفرضي القاضي الأندلسي في كتاب تاريخ [علماء] الأندلس الذي صنفه فقال : إبراهيم بن علي بن محمد بن أحمد الدّيلمي الصّوفي. من أهل خراسان من مدينة كرتم (٤) ، يكنى أبا إسحاق. دخل إلى الأندلس سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة ، فأقام بقرطبة يسيرا ، ثم خرج منصرفا إلى المشرق ، وكان أحد الخيار الفضلاء المتزيّنين بالفقه (٥) ، [و](٦) المستورين بالصيانة والصبر.

قال لي أبو القاسم سهل بن إبراهيم : سألت أبا إسحاق الخراساني عن من تخلّفه بالمشرق ممن لقيه ورآه فذكر أنه لقي بفارس أبا عبد الله بن خفيف ، وبأبهر : أبا بكر بن برد ، ولقي ببغداد : أبا الحسن الحصريّ ، وجعفر بن نصير الخلدي ، وبصور ـ من عمل الشام ـ أبا عبد الله الرّوذباريّ ، وبدمشق : أبا بكر الرّقّي ، وأبا بكر الجصاص (٧) وهو

__________________

(١) ضبطت عن الأنساب ، هذه النسبة إلى نوقان ، إحدى بلدتي طوس.

(٢) ديوانه ص ١١٥.

(٣) ترجم له ابن الفرضي في تاريخ علماء الأندلس ص ٢٠.

(٤) بالأصل «كريم» والمثبت عن ابن الفرضي والمختصر ، ولم أعثر على هذا الموضع فيما لدي من مصادر.

(٥) عن ابن الفرضي ، وبالأصل «الفقر».

(٦) زيادة عن ابن الفرضي.

(٧) ابن الفرضي : الخصاصي.

٨٠