تاريخ مدينة دمشق - ج ٧

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]

تاريخ مدينة دمشق - ج ٧

المؤلف:

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]


المحقق: علي شيري
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٧٧
الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٢ الجزء ٣٣ الجزء ٣٤ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١ الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠

قال الكسائي : حدّث عن أبي زرعة بن عمرو وغيره ، وكان ثقة ؛ حدثنا عنه : أبو الحسن عبد الرحمن بن محمد بن ياسر ، وتمام بن محمد وغيرهما ، وذكر الميداني : أنه دفن بباب توما ، قال : وكان قد نيّف على الثمانين سنة (١).

٤٩٦ ـ إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد الله

أبو إسحاق القرشي التّيمي (٢)

من أهل المدينة.

روى عن سعيد بن زيد ، وأبي عبد الرحمن عبد الله بن عمر ، وأبي محمد عبد الله بن عمرو ، وابن عباس ، وأبي هريرة ، وعمه عمران بن طلحة ، وعبد الله بن شدّاد بن الهاد ، وسمع من عائشة.

روى عنه : سعد بن إبراهيم الزّهري ، وعبد الله بن محمد بن عقيل ، ومحمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة ، ومخرمة بن سليمان ، وحبيب بن أبي ثابت ، وعبد الله بن الحسن ، ومحمد بن زيد بن المهاجر ، وابن عمه طلحة بن يحيى بن طلحة.

وقدم على عبد الملك بن مروان مع الحجّاج بن يوسف ، وكان قد استخصّه واستصحبه ، ووفد على هشام.

أخبرنا أبو بكر وجيه بن طاهر المستملي ، أنا أحمد بن الحسن بن محمد بن الحسن الأزهري ، أنا أبو محمد المخلدي (٣) ، أنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن مسلم الإسفرائيني ، نا حاجب بن سليمان ، نا ابن أبي روّاد ، حدثناه سفيان الثوري عن عبد الله بن الحسن ، عن إبراهيم بن محمد بن طلحة ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من أريد ماله بغير حقّ فقتل [دونه](٤) فهو شهيد» [١٩٠٢].

أخبرناه أبو القاسم بن الحصين أنا أبو علي بن المذهب ، أنا أبو بكر بن مالك ، نا عبد الله بن أحمد ، حدثني أبي (٥) ، نا وكيع عن سفيان ، عن عبد الله بن الحسن ، عن

__________________

(١) ذكر وفاته في السير وتذكرة الحفّاظ سنة ٣٤٩ وفي موضع في التذكرة ٣ / ٨٩٦ ذكر وفاته سنة ٣٤٤.

(٢) سير أعلام النبلاء ٤ / ٥٦٢ وبحاشيتها انظر ثبتا بأسماء مصادر ترجمت له.

(٣) اسمه الحسن بن أحمد بن محمد بن الحسن بن علي ، ترجمته في سير الأعلام ١٦ / ٥٣٩ (٣١٥).

(٤) زيادة عن مختصر ابن منظور ٤ / ١٢٠.

(٥) مسند أحمد ٢ / ١٩٤ وبسند آخر عن أبي هريرة ٢ / ٣٢٤.

١٤١

خاله إبراهيم بن محمد بن طلحة ، عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من أريد ماله بغير حق فقتل [دونه](١) فهو شهيد» [١٩٠٣].

أنبأنا أبو علي الحداد ثم أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي ، أنا يوسف بن الحسن بن محمد ، قالا : أنا أبو نعيم الحافظ ، أنا عبد الله بن جعفر بن أحمد بن فارس ، نا أبو بشر يونس بن حبيب ، نا أبو داود الطيالسي ، نا ابن أبي ذئب ، عن محمد بن زيد بن قنفذ ، عن إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد الله ، عن سعيد بن زيد قال : أراد مروان أن يأخذ أرضه فأبى عليه وقال : إن أتوني قاتلتهم سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «من قتل دون ماله فهو شهيد» [١٩٠٤].

أخبرنا أبو محمد بن الأكفاني ، نا عبد العزيز بن أحمد ، أنا أبو محمد بن أبي نصر ، أنا أبو الميمون بن راشد ، نا أبو زرعة ، نا سعيد بن عفير ، نا نافع بن يزيد ، عن أبي عقيل أنه سمع سعيد بن المسيّب أنه كان هو قاعد وعروة بن الزبير وإبراهيم بن محمد بن طلحة ، فقال سعيد بن المسيّب : سمعت أبا سعيد الخدري يقول : صلاة الوسطى هي صلاة العصر ، فمرّ بنا عبد الله بن عمر ، فقال عروة : ارسلوا إلى ابن عمر فاسألوه ، فأرسلنا إليه غلاما فسأله ، فجاءنا الرسول فقال : هي صلاة الظهر ، فشككنا في قول الغلام ، فقمنا جميعا فسألناه فقال : هي الظهر ، وهذا يدل على سماع إبراهيم من ابن عمر.

أخبرنا أبو العز أحمد بن عبيد الله بن كادش ـ فيما ناولني إياه ، وقرأ عليّ إسناده وقال : أروه عني ـ أنا أبو علي محمد بن الحسن الجازري ، أنا المعافا بن زكريا ، نا محمد بن أبي الأزهر ، نا الزّبير بن بكّار ، قال : وحدثني محمد بن يحيى ، حدثني عمران بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف الزّهري قال (٢) : لما ولي الحجّاج بن يوسف الحرمين بعد قتل عبد الله بن الزّبير استخصّ (٣) إبراهيم بن طلحة بن عبيد الله وقرّبه في المنزلة ، فلم يزل على حالته عنده حتى خرج إلى

__________________

(١) زيادة عن مسند أحمد ٢ / ١٩٤.

(٢) سير أعلام النبلاء ٤ / ٥٦٣ العقد الفريد ٢ / ٧٨.

(٣) في العقد الفريد : استخلص.

١٤٢

عبد الملك زائرا له ، فخرج معه فعادله (١) لا يترك في برّه وإجلاله وتعظيمه شيئا ، فلما حضر باب عبد الملك حضر به معه ، فدخل على عبد الملك فلم يبدأ بشيء بعد السّلام ، إلّا أن قال : قدمت عليك ـ يا أمير المؤمنين ـ برجل الحجاز لم أدع له ـ والله ـ فيها نظيرا في كمال المروءة والأدب ، والديانة والستر ، وحسن المذهب ، والطاعة والنصيحة ، مع القرابة ووجوب (٢) الحقّ إبراهيم بن طلحة بن عبيد الله ، وقد أحضرته بابك ليسهل عليك إذنك وتلقاه ببشرك وتفعل به ما تفعل بمثله ممن كانت مذاهبه مثل مذاهبه.

فقال عبد الملك : ذكّرتنا حقا واجبا ، ورحما قريبة ؛ يا غلام ائذن لإبراهيم بن طلحة.

فلما دخل عليه قرّبه حتى أجلسه على فرشه ، ثم قال له : يا ابن طلحة ، إن أبا محمد أذكرنا ما لم نزل نعرفك به من الفضل والأدب ، وحسن المذهب ، مع قرابة الرحم ووجوب الحق ، فلا تدعنّ حاجة في خاصّ أمرك ولا عامّ إلّا ذكرتها ؛ قال : يا أمير المؤمنين ، إن أولى الأمور أن يفتتح بها الحوائج ، ويرجى بها الزّلف ، ما كان لله عزوجل رضى ولحقّ نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أداء ، ولك فيه ولجماعة المسلمين نصيحة ، وإن عندي نصيحة لا أجد بدّا من ذكرها ، ولا يكون البوح بها إلّا وأنا خال ، فأخلني ترد عليك نصيحتي ؛ قال : دون أبي محمد؟ قال : نعم ، قال : قم يا حجّاج ، فلما جاوز (٣) الستر قال : قل يا ابن طلحة نصيحتك ، قال : الله ، يا أمير المؤمنين؟ قال : الله قال : إنك عمدت إلى الحجّاج مع تغطرسه وتعترسه وتعجرفه لبعده من الحقّ وركونه إلى الباطل ، فولّيته الحرمين وفيهما من فيهما ، وبهما من بهما من المهاجرين والأنصار ، والموالي المنتسبة [إلى](٤) الأخيار أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأبناء الصحابة ، يسومهم الخسف ، ويقودهم بالعسف (٥) ويحكم فيهم بغير السّنّة ، ويطؤهم بطغام من أهل الشام ، ورعاع لا روية لهم في إقامة حقّ ولا إزاحة باطل ، ثم ظننت أن ذلك فيما بينك وبين الله ينجيك ، وفيما بينك

__________________

(١) العقد الفريد : معادله ، لا يقصر له في برّ ولا إعظام.

(٢) العقد الفريد : مع قرابة الرحم ووجوب الحق وعظم قدر الأبوة ، وما بلوت منه في الطاعة والنصيحة وحسن المؤازرة.

(٣) في العقد الفريد : خطرف.

(٤) الزيادة عن مختصر ابن منظور ، وفي العقد : الموالي الأخيار.

(٥) في المختصر : بالعنف.

١٤٣

وبين رسول الله [صلى‌الله‌عليه‌وسلم] يخلصك إذا جاثاك (١) للخصومة في أمّته ، أما والله لا تنجو هناك إلّا بحجة تضمن لك النجاة ، فأفق (٢) على نفسك أو دع ، فقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «كلّكم راع وكلّكم مسئول عن رعيّته» [١٩٠٥].

فاستوى عبد الملك جالسا ـ وكان متكئا ـ فقال : كذبت ـ لعمر الله ـ ومقت (٣) ولؤمت في ما جئت به. قد ظنّ بك الحجّاج ما لم يجده فيك ، وربما ظنّ الخير بغير أهله ، قم فأنت الكاذب المائن الحاسد ، قال : فقمت ـ والله ـ ما أبصر طريقا ، فلما خلّفت الستر لحقني لا حق من قبله ، فقال للحاجب : احبس هذا ، [و](٤) أدخل أبا محمد الحجّاج ؛ فلبثت مليا لا أشك أنهما في أمري ، ثم خرج الآذن فقال : قم يا ابن طلحة فادخل ، فلما كشف لي السّتر لقيني الحجّاج وأنا داخل وهو خارج فاعتقني وقبّل ما بين عينيّ ثم قال : إذا جزى الله المتآخيين [خيرا](٥) بفضل تواصلهما ، فجزاك الله أفضل ما جزى به أخا ، فو الله لئن سلمت لك لأرفعنّ ناظرك ، ولأعلينّ كعبك ، ولأتبعنّ الرجال غبار قدميك ؛ قال : فقلت : يهزأ بي.

فلما وصلت إلى عبد الملك أدناني حتى أجلسني في مجلسي الأول ، ثم قال : يا ابن طلحة ، لعل أحدا من الناس شاركك في نصيحتك؟ قال : قلت : لا والله ، ولا أعلم أحدا كان أظهر عندي معروفا ، ولا أوضح (٦) يدا من الحجّاج ، ولو كنت محابيا أحدا بديني لكان هو ، ولكني آثرت الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمسلمين ؛ فقال : قد علمت أنك آثرت الله عزوجل ورسوله ، ولو أردت الدنيا لكان لك في الحجّاج أمل ، وقد أزلت الحجّاج عن الحرمين لما كرهت من ولايته عليهما ، وأعلمته أنك استنزلتني له عنهما استصغارا (٧) لهما ، وولّيته العراقين لما هناك من الأمور التي لا يرخصها (٨) إلّا مثله ،

__________________

(١) المجاثاة للخصومة أن يجلس كلّ على ركبتيه مستوفزا.

(٢) العقد : «فاربع على نفسك».

(٣) أي حمقت.

(٤) الزيادة عن مختصر ابن منظور.

(٥) الزيادة عن العقد الفريد.

(٦) في العقد الفريد : أنصع.

(٧) العقد : استقلالا لهما.

(٨) العقد : لا يدحضها.

١٤٤

وأعلمته أنك استدعيتني إلى التولية له عليهما استزادة له ليلزمه من ذمامك ما يؤدّي به عني إليك أجر نصيحتك ، فاخرج معه فإنك غير ذامّ صحبته مع تفريطه ، إيّاك ويدك عنده.

قال فخرجت على هذه (١) الجملة.

قوله إبراهيم بن طلحة نسبه إلى جده ، وقد روى هذه الحكاية بعينها عبد الله بن أبي سعيد الورّاق ، عن عبد العزيز بن يحيى بن عبد العزيز بن سعد المدني عن عمر بن عبد العزيز الزّهري ، وقال : إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد الله ، وهو الصواب.

أخبرنا أبو غالب وأبو عبد الله ابنا البنّا ، قالا : أنا أبو جعفر بن المسلمة ، أنا أبو طاهر المخلّص ، أنا أحمد بن سليمان الطّوسي ، نا الزّبير بن بكّار ، حدثني إبراهيم بن عثمان بن سعيد بن مهران ، قال : وفد إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد الله على هشام بن عبد الملك وقد قام هشام فقام إليه الحاجب فقال : قد قام أصلحك الله ، فقال : اللهمّ غلقت دونه الأبواب وقام بعذره الحجّاب ؛ فبلغ ذلك هشاما فأذن له وكلّمه ووقف على ما قال وأغلظ له ، وقال : يا لحان ، فقال إبراهيم : أما والله ما أعدو في ذلك أن أحكيك ، فقال له هشام : أما والله لئن قلت ذاك ما وجدت لها طلاوة بعد أمير المؤمنين سليمان ، فقال له إبراهيم : وأنا والله ما وجدت لها موضعا بعد بني تماضر من بني عبد الله بن الزبير.

أخبرنا أبو البركات الأنماطي ، أنا أحمد بن الحسن الباقلاني ، أنا أبو محمد يوسف بن رباح ، نا أحمد بن محمد بن إسماعيل ، نا أبو بشر محمد بن أحمد الدّولابي ، نا معاوية بن صالح ، قال : سمعت يحيى بن معين يقول في تسمية تابعي أهل المدينة ومحدثيهم : إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد الله.

أخبرنا أبو الغنائم بن النّرسي ـ إجازة واللفظ له ـ وحدثنا أبو الفضل بن ناصر ، أنا أبو الفضل بن خيرون والمبارك بن عبد الجبار ، وأبو الغنائم بن النّرسي قالوا : أنا أبو أحمد الغندجاني ـ زاد ابن خيرون : وأبو الحسين الأصبهاني ـ قالا : أنا أحمد بن

__________________

(١) مطموسة بالأصل ، والمثبت عن م ، وانظر مختصر ابن منظور.

١٤٥

عبدان ، أنا محمد بن سهل ، أنا محمد بن إسماعيل البخاري ، قال (١) : إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد الله القرشي التّيمي سمع عائشة. وقال إسحاق ، نا يحيى بن بكير (٢) : كنيته أبو إسحاق.

أخبرنا أبو بكر الشّقّاني ، أنا أبو بكر بن خلف ، أنا أبو سعيد بن حمدون ، أنا مكي بن عبدان ، قال : سمعت مسلم بن الحجّاج يقول : أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد الله سمع عائشة وعمّه عمر بن طلحة ، وأبا هريرة. روى عنه عبد الله بن محمد بن عقيل ومخرمة (٣) بن سليمان ، ومحمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة.

قرأت على أبي الفضل بن ناصر عن أبي الفضل بن الحكّاك ، أنا أبو نصر الوائلي ، أنا أبو الحسن الخصيب بن عبد الله ، أخبرني عبد الكريم بن أبي عبد الرحمن النسائي ، أخبرني أبي قال : أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد الله عن عائشة.

أخبرنا أبو البركات الأنماطي ، أنا أبو الحسين بن الطّيوري ، أنا الحسين بن جعفر ، وأحمد بن محمد العتيقي ح.

وأخبرنا أبو عبد الله البلخي ، أنا ثابت بن بندار بن إبراهيم ، أنا الحسين بن جعفر ، قالا : أنا الوليد بن بكر ، أنا علي بن أحمد بن زكريا ، نا صالح بن أحمد بن عبد الله ، حدثني أبي أحمد بن عبد الله قال (٤) : إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد الله : مدني ، تابعي ، ثقة ، رجل صالح.

أخبرنا أبو عبد الله الخلّال ، أنا عبد الرحمن بن مندة ، أنا أبو طاهر بن سلمة ، أنا أبو الحسن الفأفاء ح.

قال : وأنا حمد بن عبد الله ـ إجازة ـ قالا : أنا ابن أبي حاتم قال (٥) : إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد الله القرشي التّيمي روى عن عبد الله بن عمرو ، وعن عمّه

__________________

(١) التاريخ الكبير ١ / قسم ١ / ٣١٥ ـ ٣١٦.

(٢) ضبطت عن تقريب التهذيب.

(٣) ضبطت عن التبصير ٤ / ١٢٦٦ وفي المغني : بفتح فسكون ففتح.

(٤) تاريخ الثقات ص ٥٤ ترجمة ٣٥.

(٥) الجرح والتعديل ١ / قسم ١ / ١٢٤.

١٤٦

عمران بن طلحة ، روى عنه سعد بن إبراهيم ، وعبد الله بن محمد بن عقيل ، وطلحة بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله ، سمعت أبي يقول ذلك ، قال أبو محمد : روى عن عمر بن الخطاب أنه قال : لأمنعنّ فروج ذوات الأنساب (١) إلّا من الأكفّاء ، روى عنه حبيب بن أبي ثابت.

أخبرنا أبو غالب وأبو عبد الله ابنا البنّا ، قالا : أنا أبو جعفر بن المسلمة ، أنا أبو طاهر المخلّص ، أنا أحمد بن سليمان الطوسي ، نا الزّبير بن بكّار ، قال : ومن ولد محمد بن طلحة بن عبيد الله إبراهيم بن محمد ، استعمله عبد الله بن الزبير على خراج الكوفة ، وكان يقال له : «أسد الحجاز» ، وبقي حتى أدرك هشاما (٢).

قال : فأخبرني عمي مصعب بن عبد الله (٣) : أن هشاما قدم حاجّا (٤) فتظلّم من عبد الملك بن مروان في دار آل علقمة (٥) التي بين الصّفا والمروة (٦) ، وكان لآل طلحة شيء منها ، فأخذه نافع بن علقمة الكنانيّ ، وهو خال مروان بن الحكم ، وكان عاملا لعبد الملك بن مروان على مكة ، فلم ينصفهم عبد الملك من نافع بن علقمة ، وقال له هشام : ألم تكن ذكرت ذلك لأمير المؤمنين عبد الملك؟ قال : بلى ، وترك الحقّ وهو يعرفه ، قال : فما صنع الوليد؟ قال : اتّبع أثر أبيه ، وقال ما قال القوم الظالمون (إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ)(٧) قال : فما فعل فيها سليمان؟ قال : لا قفي ولا سيري ، قال : فما فعل فيها عمر بن العزيز؟ قال : ردّها ، يرحمه‌الله ، قال : فاستشاط هشام غضبا ، وكان إذا غضب بدت حولته ، ودخلت عينه في حجاجه ، ثم أقبل عليه فقال : أما والله أيّها الشّيخ ، لو كان فيك مضرب لأحسنت أدبك! قال إبراهيم : فهو

__________________

(١) في الجرح والتعديل : الأحساب.

(٢) الخبر في تهذيب التهذيب ١ / ١٠٠ نقلا عن مصعب الزبيري. والخبر في نسب قريش لمصعب الزبيري ص ٢٨٣.

(٣) انظر نسب قريش ص ٢٨٣.

(٤) في نسب قريش : فدخل عليه حين قدم هشام حاجّا.

(٥) في ياقوت : دار علقمة : بمكة تنسب إلى طارق بن المعقل ، وهو علقمة بن عريج بن جذيمة بن مالك بن سعد بن عوف بن الحارث بن عبد مناة بن كنانة (معجم البلدان).

(٦) الصفا والمروة : جبلان بين بطحاء مكة والمسجد ، (معجم البلدان).

(٧) سورة الزخرف ، الآية : ٢٣.

١٤٧

والله فيّ الدين والحسب ، لا يبعدنّ الحقّ وأهله ، ليكوننّ لهذا نحت (١) بعد اليوم.

قال : وحدثني مصعب بن عثمان بما جرى بين إبراهيم بن محمد وهشام بن عبد الملك في هذه القصة ، واختلفا في بعض الخبر.

ثم طلب ولد إبراهيم بن محمد في حقّهم من الدار إلى أمير المؤمنين الرشيد ، وجاءوا ببينة تشهد لهم على حقّهم من هذه الدار. فردّها على ولد طلحة ، وأمر قاضيه وهب بن وهب بن كبير بن عبد الله بن زمعة ، أن يكتب لهم به سجلّا ، ففعل.

قال عمي مصعب بن عبد الله (٢) : فكنت فيمن شهد على قضاء أبي البختريّ وهب بن وهب فردّها عليهم ، وكان القائم لولد طلحة فيها محمد بن موسى بن إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد الله ، ثم اشتراها أمير المؤمنين هارون من عدّة من ولد طلحة ، وكتب الشراء عليهم (٣) وقبضها ، فلم يزل في القبض حتى قدم أمير المؤمنين المأمون من خراسان ، فقدم عليه ولد نافع بن علقمة فردّها عليهم.

قال : وحدثني محمد بن إسماعيل بن جعفر بن إبراهيم قال : دخل إبراهيم بن محمد بن طلحة على هشام بن عبد الملك فكلّمه بشيء لحن فيه ، فردّ عليه إبراهيم الجواب ملحونا ، فقال له هشام : أتكلّمني وأنت تلحن؟ فقال له إبراهيم : ما عدوت أن رددت عليك نحو كلامك ، فقال هشام : إن تقل ذلك ، فما وجدت للعربية طلاوة بعد أمير المؤمنين سليمان ، فقال له إبراهيم : وأنا ما وجدت لها طلاوة بعد بني تماضر من بني عبد الله بن الزبير (٤).

ومما هاج هشاما على أن يقول ما قال لإبراهيم : أن إبراهيم طلب الإذن عليه ، فأبطأ ذلك ، فقال له على الباب رافعا صوته : اللهمّ غلّقت دونه الأبواب ، وقام بعذره الحجّاب ، فبلغ ذلك هشاما فأغضبه.

قرأت على أبي غالب بن البنا ، عن أبي محمد الجوهري ، أنا أبو عمر بن حيّويه ،

__________________

(١) عن نسب قصير وبالأصل «بحث».

(٢) نسب قريش ص ٢٨٤.

(٣) زيد في نسب قريش : فلم يعطهم لها ثمنا.

(٤) تقدم الخبر قريبا أثناء الترجمة.

١٤٨

أنا أحمد بن معروف الخشّاب ، نا الحسين بن الفهم ، نا محمد بن سعد ، قال (١) : فولد محمد بن طلحة إبراهيم الأعرج ، وكان شريفا صارما ولّاه عبد الله بن الزّبير بن العوّام خراج العراق ، وسليمان بن محمد ، وبه كان يكنّى ، وداود ، وأمّ القاسم ، وأمّهم خولة بنت منظور بن زبّان بن سيّار بن عمرو بن جابر بن عقيل بن هلال بن سميّ بن مازن بن فزارة.

قال : وأنا ابن حيّوية ، أنا سليمان بن إسحاق الجلّاب ، نا الحارث بن أبي. الحارث بن أبي أسامة ، قال في الطبقة الثالثة من أهل المدينة : إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرّة ، وكان إبراهيم أخو حسن بن حسن بن علي لأمه ، وكان أعرج وكان شريفا صارما وكان يسمى أسد قريش وأسد الحجاز ، وكانت له عارضة ونفس شريفة ، وإقدام بالكلام بالحق عند الأمراء والخلفاء ، وكان قليل الحديث ، وقد روى إبراهيم بن محمد عن أبي هريرة ، وابن عمر ، وابن عباس.

أنبأنا أبو غالب شجاع بن فارس الذّهلي ، وأبو البركات الأنماطي ، أنا ثابت بن بندار بن إبراهيم ، أنا أبو تغلب (٢) عبد الوهاب بن علي بن الحسن الملحمي (٣) ، نا أبو الفرج المعافا بن زكريا الجريري (٤) ، نا محمد بن يزيد ، نا الزبير بن بكّار ، عن أبي سعد بن بشير قال : سمعت إبراهيم بن هرمة يقول : أردت لا بني البناء على أهله ، وخروجا إلى باديتي ، ومرمّة الشتاء ، ففكّرت في قريش ، فلم أذكر غير إبراهيم بن طلحة ، فخرجت إليه في مال له بين شرقي المدينة وغربيّها ، وقد هيأت له شعرا ، فلما جئته قال لبنيه : قوموا إلى عمّكم فأنزلوه ، فقاموا فأنزلوني عن دابّتي ، فسلّمت عليه وجلست معه أحدّثه ، فلما اطمأنّ بي المجلس قلت له : أردت الخروج إلى باديتي ، وحضر الشتاء ومئونته ، وأردت أن أجمع على ابني أهله ، وكانت الأشياء متعذّرة ، فتفكّرت في قومي فلم أذكر سواك ، وقد هيّأت لك من الشعر ما أحبّ أن تسمعه ، فقال : بحقّي عليك إن أنشدتني

__________________

(١) طبقات ابن سعد ٥ / ٥٢.

(٢) بالأصل «أبو ثعلب» والمثبت عن م ، وانظر الأنساب «الملحمي».

(٣) ضبطت عن الأنساب وهذه النسبة إلى الملحم وهي ثياب تنسج بمرو من الابريسم قديما وجماعة اشتهروا بهذه النسبة وترجم له في الأنساب.

(٤) ضبطت عن الأنساب بفتح الجيم.

١٤٩

شعرا ، ففي قرابتك ورحمك وواجب حقّك ، ما توصل به رحمك وتقضى به حوائجك ، فانصرف إلى باديتك واعذرني فيما يأتيك مني.

قال : فخرجت إلى باديتي ، فإني لجالس بعد أيام إذا بشويهات تتسايل يتبع بعضها بعضا ، فأعجبني حسنها ، فما زالت تتسايل حتى افترش الوادي منها ، وإذا فيها غلامان أسودان ، وإذا إنسان على دابّة يحمل بين يديه رزمة ، فلما جاءني ثنى رجله ، وقال : أرسلني إليك إبراهيم بن طلحة وهذه ثلاثمائة شاة من غنمه وهذان راعيان ، وهذه أربعون ثوبا ، ومائتا دينار وهو يسألك أن تعذره.

وأخبرنا بهذه الحكاية أبو الحسن علي بن أحمد بن الحسن بن الموحد ، وأبو غالب أحمد ، وأبو عبد الله يحيى ابنا الحسن بن البنّا ، قالوا : أنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن الآبنوسي ، أنا علي بن عمر الدارقطني ، نا الحسين بن إسماعيل القاضي حدثني عبد الله بن أبي سعد ، نا عبد العزيز بن يحيى بن عبد العزيز بن سعد المدني ، حدثني أبو سعيد بن بشير حدّثني إبراهيم بن هرمة قال : أردت البناء على ابني ، وخروجا إلى باديتي ـ وكان يخرج إلى العقيق (١) في كل سنة ـ ومرمّة الشتاء فتذكرت في قريش فلم أذكر إلّا إبراهيم بن محمد بن طلحة ، فخرجت إليه في مال له بين شرقي المدينة وغربيّها مما يلي أحدا فقال له رحيه (٢) وقد هيأت له شعرا فلما جئته قال لبنيه : قوموا إلى عمّكم ، فقاموا إليّ حتى أنزلوني عن دابّتي فسلّمت عليه وجلست أتحدّث معه ، ورحّب بي وبشّ إليّ ، فقلت له حيث اطمأن بي المجلس : أردت البادية وحضر الشتاء ومئونته وأردت أن أجمع على ابني أهله ، وكانت الأشياء متعذرة فتذكرت في قومي فلم أذكر إلّا أنت ، وقد هيأت لك ما أحبّ أن تسمعه ، فقال : بحقّي عليك أن تسمعني شعرا في قرابتي ورحمك وواجب حقّك ما توصل به رحمك وتقضى به حاجتك ، فامض إلى باديتك ، واعذرني ، فيما يأتيك مني فلما قال ، انصرفت ، مضيت إلى باديتي بالعقيق فإني ليوما جالس بعد أيام إذ نظرت إلى شويهات تتسايل يتبع بعضها بعضا ، فأعجبني ما رأيت من حسنها فما زالت تتسايل حتى انغرست في الوادي وإذا غلامان أسودان فيهما ، وإنسان راكب على بغل يحمل بين يديه رزمة حتى جاءني يثني رجله ثم قال : أرسلني إليك أخوك

__________________

(١) العقيق : واد عليه أموال أهل المدينة ، وهو على ثلاثة أميال أو ميلين (معجم البلدان).

(٢) كذا.

١٥٠

إبراهيم بن محمد بن طلحة هذه ثلاثمائة شاة من غنمه ، وهذان راعيان ، وهذه أربعون ثوبا ومائتا دينار ، وهو يسألك أن تعذره.

قال : ونا القاضي الحسين بن إسماعيل ، نا عبد الله بن أبي سعد حدثني عمر بن شبّة (١) ، نا عبيد الله بن محمد قال : سمعت أبي يقول : لما مات حسن بن حسن فحمل اعترض غرماؤه لسريره ، فقال إبراهيم بن محمد بن طلحة : عليّ دينه فحمله وهو أربعون ألفا وكان رجلا مسيكا فإذا حزبه أمر جادله.

أنبأنا أبو علي محمد بن سعيد بن إبراهيم بن نبهان (٢) ، وحدثنا أبو الفضل بن ناصر ، أنا أبو طاهر أحمد بن الحسن بن أحمد ، وأبو الحسن محمد بن إسحاق بن إبراهيم البزاز ، ومحمد بن سعيد بن إبراهيم بن نبهان ح.

وأخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي ، أنا أبو طاهر أحمد بن الحسن ، قالوا : أنا أبو علي بن شاذان ، أنا أبو بكر محمد بن الحسن بن مقسم المقرئ ، نا أبو العباس أحمد بن يحيى ، نا ابن شبّة ـ يعني عمر ـ نا ابن عائشة قال : سمعت أبي يقول : كتب عبد العزيز بن مروان إلى ابنه عمر أن تزوّج بنت إبراهيم بن محمد بن طلحة ، قال : فتزوّجها ، وكتب بذلك إلى أبيه ، فكتب إليه تزوّج بنت عمها وأنت أنت ، قال : فخطب إلى عمر بن عبيد الله بن معمر بنته فزوّجه.

قال : فكان إبراهيم يدخل بين الخصوم ، فقال عمر لبنته قولي لأبيك يكفّ عن الدخول بينهم ، فكان لا يكفّ عن ذلك ، قال : فدخل على ابنته ، فقال : كيف ترين بعلك؟ قالت : بخير ، قال : وكيف عيشك؟ قالت : تأتيني مائدة غدوة أصيب منها أنا ومن حضرني ، وأخرى عشيّة أصيب منها أنا ومن حضرني ، قال : أوما لك خزانة تعوّلين عليها إن ألمّ بك ملمّ بأضعاف ذلك؟ قالت : لا ، فأرسل إليها ما يحمله الرّجال أوّلهم عندها وآخرهم في السّوق ، فسأل عمر عن ذلك فأخبر به ، فملأ خزانتها بعد.

قرأت على أبي غالب بن البنّا ، عن أبي محمد الجوهري ، أنا أبو عمر بن حيّويه ، أنا سليمان بن إسحاق بن إبراهيم بن الخليل ، نا الحارث بن أبي أسامة ، نا محمد بن

__________________

(١) ترجمته في سير الأعلام ١٢ / ٣٦٩ وضبطت شبة عن التبصير ٢ / ٧٧.

(٢) ترجمته في السير ١٩ / ٢٥٥ (١٥٨).

١٥١

سعد ، أنا محمد بن عمر ، عن عبد الرّحمن بن أبي الزناد ، قال : حج هشام بن عبد الملك وهو خليفة وخرج إبراهيم بن محمد بن طلحة تلك السنة فوافاه بمكة فجلس لهشام على الحجر وطاف هشام بالبيت فلما مرّ بإبراهيم صاح به إبراهيم : أنشدك الله في ظلامتي ، قال : وما ظلامتك؟ قال : دار لي مقبوضة ، قال : فأين كنت عن أمير المؤمنين عبد الملك؟ قال : ظلمني والله ، قال : فأين كنت عن الوليد؟ قال : ظلمني والله ، قال : فأين كنت عن سليمان؟ قال : ظلمني والله ، قال : فأين كنت عن عمر بن عبد العزيز قال : رحمه‌الله ردّها عليّ ، فلما ولي يزيد بن عبد الملك قبضها وهي اليوم في يدي وكلائك ظلما ، قال : أما والله لو كان فيك ضرب لأوجعتك ، قال : فيّ والله ضرب للسّوط والسّيف قال : فمضى هشام وتركه ، ثم دعا الأبرش الكلبي وكان خاصّا به فقال : يا أبرش كيف ترى هذا اللسان؟ هذا لسان قريش لا لسان كلب ، إن قريشا لا يزال فيهم بقية ما كان فيهم مثل هذا.

قال : وأنا محمد بن عمر ، نا عبد الله بن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر قال : جاء كتاب هشام بن عبد الملك إلى إبراهيم بن هشام المخزومي وهو عامله على المدينة أن يحط فرض آل صهيب بن سنان إلى فرض الموالي ، ففزعوا إلى إبراهيم بن محمد بن طلحة وهو عريف بني تيم ورأسها فقال : سأجهد في ذلك ولا أتركه ، فشكروا له وجزوه خيرا.

قال : وكان إبراهيم بن هشام يركب كلّ يوم سبت إلى قباء (١) قال : فجلس إبراهيم بن محمد بن طلحة على باب دار طلحة بن عبد الله بن عون بالبلاط (٢) ، وأقبل إبراهيم بن هشام ، فنهض إليه إبراهيم بن محمد فأخذ بمعرفة (٣) دابّته فقال : أصلح الله الأمير ، حلفائي ولد صهيب (٤) ، وصهيب من الإسلام بالمكان الذي هو به ؛ قال : فما أصنع؟ جاء كتاب أمير المؤمنين فيهم ، والله لو جاءك لم تجد بدا من إنفاذه ، فقال :

__________________

(١) قباء قرية على ميلين من المدينة على يسار القاصد إلى مكة (معجم البلدان).

(٢) البلاط : يروى بكسر الباء وفتحها ، وهو في مواضع ، منها : موضع بالمدينة مبلط بالحجارة بين مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبين سوق المدينة (معجم البلدان).

(٣) المعرفة بالفتح ، منبت عرف الفرس من الناصية إلى المنسج ، وقيل : هو اللحم الذي ينبت عليه العرف (اللسان).

(٤) هو صهيب الرومي بن سنان بن النمر بن قاسط ، ترجمته في سير الأعلام ٢ / ١٧ (٤).

١٥٢

والله ، إن أردت أن تحسن فعلت ، وما يردّ أمير المؤمنين قولك ، وإنك لوالد ، فافعل في ذلك ما تعرف ، فقال : ما لك عندي إلّا ما قلت لك! فقال إبراهيم بن محمد : واحدة أقولها لك ، والله لا يأخذ رجل من بني تيم درهما حتى يأخذ آل صهيب قال : فأجابه والله إبراهيم بن هشام إلى ما أراد ، وانصرف إبراهيم بن محمد ، فأقبل إبراهيم بن هشام على أبي عبيدة بن محمد بن عمار ـ وهو معه ـ فقال : لا يزال في قريش عزّ ما بقي هذا ، فإذا مات هذا ذلّت قريش.

قال : وأنا محمد بن عمر بن عبد الرّحمن بن أبي الزناد قال : أمر لأهل المدينة بالعطاء في خلافة هشام بن عبد الملك ، فلم يتمّ من الفيء فأمر هشام أن يتمّ من صدقات اليمامة ، فحمل إليهم ، وبلغ ذلك إبراهيم بن محمد بن طلحة ، فقال : والله لا نأخذ عطاءنا من صدقات الناس وأوساخهم ، حتى نأخذه من الفيء ، وقدمت الإبل تحمل ذلك المال ، فخرج إليهم ، وأهل المدينة فجعلوا يردون الإبل ويضربون وجوهها بأكمّتهم [ويقولون :](١) والله لا يدخلها وفيها درهم من الصدقة ، فردّت الإبل ، وبلغ هشام بن عبد الملك ، فأمر أن تصرف عنهم الصدقة ، وأن يحمل إليهم تمام عطائهم من الفيء.

قال : وأنا محمد بن عمر ، أنا ابن أبي ذئب قال : حضرت إبراهيم بن محمد بن طلحة ومات بمنى أو ليلة جمع ، فدفن أسفل العقبة وهو محرم ، فرأيت وجهه ورأسه مكشوفا فسألت فقالوا : أمر بذلك فمرّ به عبد الله بن واقد بن عبد الله بن عمر وأنا أنظر فخمر وجهه ورأسه كما فعل بأبيه ومر به عبد المطلب بن عبد الله بن حنطب فكشف عن وجهه ورأسه كما فعل بعبد الله بن الوليد المخزومي فدفن على ذلك.

قرأت على أبي الفتح نصر الله بن محمد ، عن أبي الحسين المبارك بن عبد الجبّار ، أنا عبد العزيز علي الأزجي ، أنا عبد الرّحمن بن عمر بن أحمد بن جمّة (٢) الخلّال ، أنا أبو بكر محمد بن أحمد بن يعقوب بن شيبة ، نا جدي يعقوب ، قال : سمعت علي بن المديني يقول : كان إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد الله أعرج ، وكانت وفاته بالمدينة سنة عشرين ومائة (٣).

__________________

(١) زيادة لازمة عن مختصر ابن منظور ، وهي مستدركة أيضا فيه بين معكوفتين.

(٢) ضبطت بالفتح وتثقيل الميم عن تبصير المنتبه ١ / ٤٦٢ وذكره بإسقاط «أحمد» من عامود نسبه.

(٣) كذا ونقل ابن حجر عن ابن المديني في تهذيب التهذيب أنه مات سنة ١١٠ ه‍.

١٥٣

هذا وهم فإن إبراهيم مات سنة عشر.

أخبرنا أبو البركات الأنماطي ، أنا أبو طاهر أحمد بن الحسن ، وأبو الفضل أحمد بن الحسن ، قالا : أنا أبو الحسين محمد بن الحسن ح.

وأخبرنا أبو العز ثابت بن منصور الكيلي ، أنا أبو طاهر أحمد بن الحسن الأصبهاني ، أنا محمد بن أحمد بن إسحاق ، أنا أبو حفص عمر بن أحمد الأهوازي ، نا شباب (١) قال : إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد الله ، أمّه خولة بنت منظور بن زبّان بن سيّار بن عمرو بن جابر بن عقيل بن هلال بن سمح ـ وصوابه سميّ بن مازن بن فزارة بن بغيص ـ توفي سنة عشر ومائة.

أخبرنا أبو غالب الماوردي ، أنا أبو الحسن السّيرافي ، أنا أبو عبد الله أحمد بن إسحاق ، نا أحمد بن عمران بن موسى ، نا موسى بن زكريا التّستري ، نا خليفة بن خيّاط قال : وفيها ـ يعني سنة عشر ومائة ـ مات إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد الله (٢).

أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي ، أنا محمد بن الحسن بن هبة الله ، أنا أبو الحسين بن بشران ، نا أبو عمرو بن السمّاك ، أنا محمد بن أحمد بن البراء ، قال : قال علي بن المديني : مات إبراهيم بن محمد بن طلحة سنة عشر ومائة.

أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي ، أنا أبو القاسم بن البسري ، أنا أبو طاهر المخلّص ـ إجازة ـ أن أبا محمد عبيد الله بن عبد الرّحمن السكري حدّثهم قال : دفع إليّ أبو الحسن عبد الرّحمن بن محمد بن المغيرة كتابه وأخبرني عن أبيه أنه قرأ بخط أبي عبيد القاسم بن سلّام وأنه سمعه من أبيه محمد بن المغيرة وأن أباه قرأه على أبي عبيد قال [أبو](٣) محمد فنسخته [وقرأته عليه حدثني أبي حدثني أبو عبيد قال : سنة عشر ومائة ، توفي فيها إبراهيم بن محمد بن طلحة](٤).

أخبرنا أبو بكر اللفتواني ، أنا أبو عمرو بن منده ، أنا الحسن بن محمد بن

__________________

(١) يعني خليفة بن خياط العصفري.

(٢) تاريخ خليفة ص ٣٤٠.

(٣) ما بين معكوفتين سقط من الأصل واستدركت عن هامشه وبجانبها كلمة صح.

(٤) ما بين معكوفتين سقط من الأصل واستدركت عن هامشه وبجانب العبارة كلمة صح.

١٥٤

يوسف ، أنا أحمد بن محمد بن عمر بن أبان ، نا أبو بكر بن أبي الدنيا ، نا محمد بن سعد ، قال : في الطبقة الثالثة من أهل المدينة إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد الله بن عثمان التّيمي ، وكان أعرج سمع أبا هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص ، ومات بالمدينة سنة عشر ومائة.

٤٩٧ ـ إبراهيم بن محمد المهديّ بن عبد الله المنصور

ابن محمد بن عليّ بن عبد الله بن عبّاس بن عبد المطّلب ،

أبو إسحاق ، المعروف بابن شكلة الهاشميّ (١)

ولاه أخوه الرشيد إمرة دمشق ، فقدمها ثم عزله عنها وولّاها غيره ، ثم أعاد إبراهيم إلى ولايتها.

حدّث عن المبارك بن فضالة ، وحمّاد بن يحيى الأبحّ.

روى عنه ابنه هبة الله بن إبراهيم بن المهدي ، وحميد بن فروة ، وأحمد بن الهيثم وولي إمرة الحجّ.

أخبرنا أبو القاسم الشّحّامي ، أنا أبو بكر البيهقي ، أنا أبو عبد الله الحافظ ، أنا أبو معشر موسى بن محمد الماليني ، نا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن سعيد ، نا محمد بن حميد بن فروة ، حدثني أبي حميد بن فروة ، قال : لما استقرت للمأمون الخلافة دعا إبراهيم بن المهدي المعروف بابن شكلة (٢) فوقف بين يديه فقال (٣) : يا إبراهيم أنت المتوثب علينا تدّعي الخلافة؟ فقال إبراهيم : يا أمير المؤمنين أنت وليّ الثأر ، والمحكّم في القصاص ، والعفو أقرب للتّقوى ، وقد جعلك الله فوق كلّ ذي ذنب (٤) ، كما جعل كلّ ذي ذنب دونك ، فإن أخذت أخذت بحقّ ، وإن عفوت عفوت بفضل ، ولقد حضرت أبي ، وهو جدّك ، وأتي برجل ، وكان جرمه أعظم من جرمي ، فأمر الخليفة بقتله ، وعنده المبارك بن فضالة ، فقال المبارك : إن رأى أمير المؤمنين أن يتأنّى

__________________

(١) سير أعلام النبلاء ١٠ / ٥٥٧ وانظر بحاشيتها ثبتا بأسماء مصادر أخرى ترجمت له.

(٢) ضبطت عن وفيات الأعيان بفتح الشين وكسرها ١ / ٣٧ وفي القاموس بالقلم بفتح أوله.

(٣) الخبر في تاريخ بغداد ٦ / ١٤٥ ومختصر ابن منظور ٤ / ١٢٦ والأغاني ١٠ / ١١٦ باختصار واختلاف الرواية.

(٤) تاريخ بغداد : عفو.

١٥٥

في أمر هذا الرّجل حتى أحدّثه بحديث سمعته من الحسن ؛ قال : إيه يا مبارك ، فقال : حدّثنا الحسن عن عمران بن حصين أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إذا كان يوم الجمعة نادى مناد من بطنان العرش : ألا ليقومنّ العافون من الخلفاء إلى أكرم الجزاء ، فلا يقوم إلّا من عفا» [١٩٠٦].

فقال الخليفة : إيها يا مبارك قد قبلت الحديث بقبوله وعفوت عنه. يعني فقال المأمون : وقد قبلت الحديث بقبوله وعفوت عنك هاهنا يا عمّ هاهنا يا عمّ.

رواه الخطيب أبو بكر في تاريخ بغداد عن محمد بن أحمد بن يعقوب عن أبي عبد الله الحافظ.

كتب إليّ أبو طالب الحسين بن محمد بن علي الزينبي وحدثنا أبو طاهر إبراهيم بن الحسن الحصني (١) عنه ، أنا القاضي أبو القاسم علي بن المحسّن بن علي ، نا إسماعيل بن سعيد بن سويد الشاهد ـ قراءة عليه ـ نا أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري ، نا أحمد بن الهيثم ، نا إبراهيم بن المهدي ، نا حمّاد الأبحّ عن ابن أبي مليكة ، عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من نوقش الحساب عذّب» [١٩٠٧].

قرأت بخط أبي الحسين الرازي ، أخبرني أبو الطّيّب محمد بن حميد بن سليمان الكلابي ، نا جعفر بن علي بن سهل البغدادي ، نا محمد بن عبد الرّحمن أبو بكر الخطيب ، نا علي بن المغيرة الأثرم ، نا أبو إسحاق إبراهيم بن المهدي ، قال : كان سبب ولايتي دمشق أن الهادي زوّجني أمّ محمد بنت صالح بن المنصور وأمّها أم عبد الله ابنة عيسى بن علي بن عبد الله بن العباس ، وكان لي سبع سنين ، ثم إنّي قبل انسلاخ اثنتي عشرة سنة من مولدي أدركت ، فاستحثتني أم عبد الله ابنة عيسى بن علي على الابتناء بأمّ محمد ابنة صالح ، فاستأذنت الرشيد في ذلك فأعلمني أن العباسة أخته ، قد شهدت عليك أنّك حلفت يمينا بطلاقها لحقك فيها الحنث.

قال إبراهيم : وكانت البلية في هذا الباب أن الرشيد رغب في تزويج أم محمد وأراد مني أن أطلّقها ، فامتنعت عليه من طلاقها فتغير عليّ في الخاصة ولم يقصّر بي في

__________________

(١) ضبطت عن الأنساب ، وهذه النسبة إلى حصن ترجم له في الوافي بالوفيات ٥ / ٣٤٤ وفيه : المعروف بالحصني. توفي في صفر سنة ٥٦١ بدمشق.

١٥٦

العامة ، فلم أزل في جفوة منه في الخاصّة ، وسوء رأي ، ويتأدى إليّ عنه أشياء ، وأشاهد بما يظهر منه إليّ أن استتممت ست عشرة (١) سنة ، وصح عندي رغبة أم محمد في الرشيد ، وعلمت أنها لا تصلح لي فطلّقتها فلم يكن بين تطليقي إيّاها وبين ابتناء الرشيد بها إلّا مقدار العدّة ثم رجع لي الرشيد إلى ما كنت أعهده من برّه ولطفه قبل ذلك.

وحدثني إبراهيم بن المهدي أن تطليقه أم محمد ابنة صالح بن المنصور وعقد الرشيد نكاحها لنفسه بعده ، أسكنا قلبه غمرا (٢) على الرّشيد خامره. فكان لا يستحسن له حسنا ، ولا يشكر له فعلا جميلا يأتيه إليه ، وكان الرشيد قد تبيّن ذلك منه ، فكانت تعطفه عليه الرّحم ، ويصلح ذلك له جعفر بن يحيى بن خالد بن برمك ، إلى أن دخل إبراهيم في سنة ثماني عشرة سنة من مولده.

فلما دخل في أول السنّة رأى فيما يرى النائم في ليلة سبت ـ قد كان يريد بالغلس الركوب إلى الرّشيد إلى الحلبة في صبيحتها بقصره في ظهر الرافقة ـ فيما يرى النائم المهديّ في النوم ، فكأنه قال له : كيف حالك يا إبراهيم؟ فأجابه وكيف يكون حال من خليفتك عليه هارون إلّا شرّ حال ، ظلمني حقّي من ميراثك ، وقطع رحمي ، ولم يحفظني لك ، واستنزلني عن ابنة عمّي ، فكأنه يقول لي لقد اضطغنت عليه أشياء ، أقلّ منها يضغن ، وشرّ من قطيعة الرحم الاضطغان على ذوي الأرحام ، فما تحبّ الآن أن أفعل به؟

فقلت : تدعو الله عليه! فكأنه تبسّم من قولي ، ثم قال : اللهمّ أصلح ابني هارون ، اللهمّ أصلح عبدك هارون.

قال إبراهيم : فكأني حزنت من دعائه له بالصلاح ، فبكيت ، وقلت : يا أمير المؤمنين أسألك أن تدعو الله عليه ، فتدعو له؟ قال : فكأنه يقول لي : إنما ينبغي للعبد أن يدعو بما ينتفع به ، ويرجو فيه الإجابة ، وإن دعوت الله عليه فاستجاب لي ، لم ينفعك ذلك ، وقد دعوت الله له بالصلاح ، وإن استجيب دعائي بصلاحه ، صلح لك ، فانتفعت به ثم ولّى عني ، ثم التفت إليّ فقال لي : قد استجيبت الدعوة ، وهو قاض عنك دينك ،

__________________

(١) بالأصل : ستة عشر.

(٢) الغمر : الحقد (القاموس).

١٥٧

ومولّيك جند دمشق ، وموسّع عليك في الرّزق ، فاتق الله يا إبراهيم فيمن تتقلد أمره.

قال : فكأني أقول له ـ وأنا أدير السّبّابة من يدي اليمنى ـ دمشق دمشق دمشق ، قال : فكأنه يقول لي : حركت مسبّحة يدك اليمنى ، وقلت : دمشق دمشق دمشق تكرّرها استقلالا لها! إنها دنيا يا بنيّ ، وكل ما قلّ حظك منها كان أجدى عليك في آخرتك. وانتبهت مرعوبا ، فاغتسلت ولبست ثيابي ، وركبت إلى الرشيد ، إلى قصر الخشب بالرّافقة ، وكنت لا أحجب عنه إذا لم يكن عنده حرمه ، فسألت عند موافاتي القصر عن خبره فأخبرت أنه يتهيأ للصّلاة ، فلما صرت إلى الرّواق الذي هو جالس فيه ، قال لي مسرور الكبير : اجلس بأبي أنت ، لا تدخل على أمير المؤمنين فإنه مغموم يبكي لشيء لا أعلمه ، فما هو إلّا أن سمع كلامي حتى صاح بي : يا إبراهيم ادخل فديتك ، فما هو إلّا أن رآني حتى شهق شهقة تخوفت عليه منها ، ورفع صوته بالبكاء ، ثم قال : يا حبيبي ويا بقية أبي ـ وكان يقول لي كثيرا : يا بقية أبي ، لشدة شبه إبراهيم بالمهدي في لونه وعينيه وأنفه ـ أسألك بحقّ الله وحقّ رسوله ، وحقّ المهديّ ، هل رأيت في نومك في هذه الليلة أحدا تحبه؟ فقلت : إي ، والله يا أمير المؤمنين ، لقد رأيت آنفا المهديّ ، قال فبحقّه عليك ، هل شكوتني إليه؟ وسألته أن يدعو الله عليّ فدعا الله لي بالصلاح ، فأنكرت ذلك عليه ، حتى قال لك في ذلك قولا طويلا؟ فقلت له : وحقّ المهدي لقد كان ذلك ، ولقد أخبرني بعد دعائه أن الله قد استجاب دعاءه ، وأنك قد صلحت لي وأنك تقضي ديني ، وتوسّع عليّ في الرزق ، وتوليني دمشق.

قال : فازداد الرشيد في البكاء وقال : قد ـ وحقّه الواجب عليّ ـ أمرني بقضاء دينك ، والتوسعة في الرزق عليك ، وتوليتك جند دمشق. ثم دعا بمسرور وقال : أحمل معك قناة ولواء إلى ميدان الخيل ، حتى أعقد لبقيّة أبي على جند دمشق إذا رجعت الخيل.

فصلى وركب وركبت معه ، فلما رجعت الخيل عقد لي على دمشق وأمر لي بأربعين ألف دينار ، فقضيت بها ديني وأجرى عليّ في كل سنة ثلاثين ألف دينار عمالة ، فلبثت في العمل سنتين ارتزقت فيهما ستين ألف دينار ، فصار مرزقي من تلك الولاية مع ما قضى عني من الدين مائة ألف دينار.

قرأت بخط أبي الحسين الرازي ، أخبرني محمد بن حميد بن سليمان ، نا

١٥٨

جعفر بن علي بن سهل ، نا محمد بن عبد الرحمن ، نا علي بن المغيرة الأثرم قال : وحدثني إبراهيم أنه استأذن الرشيد أمير المؤمنين في إخراج جماعة كان يأنس بهم من أهل المدينة وغيرها إلى دمشق فيهم دنية (١) المديني وكان راوية لربيعة الرأي (٢) ، ومالك بن أنس ، وابن أبي ذئب ، ومنهم عبد الله بن منارة مولى المنصور أمير المؤمنين وكان منارة مدنيا ، ومنهم خالد وقويصر المعيطيان ، وابن أشعب الطمع ، فأذن له في إشخاصهم إلى دمشق فكان يأنس بهم في سفره.

وحدثني إبراهيم ، أنه ما علم أحدا ولي جند دمشق فسلم من لقب يلقّبه به أهل ذلك الجند غيره ، فسألته عن السبب في ذلك ، فأعلمني أنه فحص عنه عند عقد الرشيد له على جند دمشق فأخبر أن كل ملقّب ممن ولي إمرته لم يكن إلّا ممن ينحرف عنه من اليمانيّة أو المضريّة ، فكان إن مال إلى المضرية لقّبته اليمانية ، وإن مال إلى اليمانية لقّبته المضرية.

وأخبرني إبراهيم : أنه لما ولي وافى حمص ، كتب إلى خليفته المستلم لعمله بدمشق يأمره بإعداد طعام له كما يعد للأمراء في العيدين ، وأنه لما وافى غوطة دمشق تلقّاه الحيّان من مضر ويمن ، فلقي كلّ من تلقّاه بوجه واحد ، فلما دخل المدينة أمر حاجبه بإحضار وجوه الحيين ، وأمره بتسمية أشرافهم ، وأن يقدّم من كلّ حيّ الأفضل فالأفضل منهم ، وأن يأتيه بذلك ، فلما أتاه به أمر بتصيير أعلى الناس من الجانب الأيمن مضريا ، وعن شماله يمانيا ، ومن دون اليماني مضريّ ومن دون المضريّ يمانيّ ، حتى لا يلتصق مضريّ بمضريّ ولا يمانيّ بيمانيّ ، ثم قدّم الطعام ، فلم يطعم شيئا حتى حمد الله وأثنى عليه ، وصلى على نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم قال : إن الله عزوجل جعل قريشا موازين بين العرب ، فجعل مضر عمومتها ، وجعل يمن خئولتها ، وافترض عليها حبّ العمومة والخؤولة ، فليس يتعصب قرشيّ إلّا للجهل بالمفترض عليه ؛ ثم قال : يا معشر مضر كأنّي بكم وقد قلتم إذا خرجتم لإخوانكم من يمن قد قدّم أميرنا مضر على يمن ، وكأني بكم يا يمن قد قالت : وكيف قدّمكم علينا وقد جعل بجنب اليمانيّ مضريا ، وبجنب

__________________

(١) كذا بالأصل وم.

(٢) واسمه ربيعة بن أبي عبد الرحمن التيمي مولاهم ، من موالي آل المنكدر ، مفتي المدينة ترجمته في سير أعلام النبلاء ٦ / ٨٩ وانظر بحاشيتها ثبتا بأسماء مصادر ترجمت له.

١٥٩

المضري يمانيا ، فقلتم يا معشر مضر : إن الجانب الأيمن أعلى من الجانب الأيسر ، وقد جعلت الجانب الأيمن لمضر والأيسر لليمن ، وهذا دليل على تقدمه إيّانا عليكم ، ألا إن مجلسك يا رئيس المضريّة في غد من الجانب الأيسر ، ومجلسك يا رئيس اليمانية من غد في الجانب الأيمن ، وهذان الجانبان نوب بينكما ، يكون كلّ من كان فيه في يومه متحوّل عنه في غده إلى الجانب الآخر ، ثم سمّيت الله ، ومددت يدي إلى طعامي ، فطعمت وطعموا معي ، فانصرف القوم عني في ذلك اليوم ، وكلّهم لي حامد.

ثم كانت تعرض الحاجة لبعض الحيين ، فأسأل قبل أن أقضيها له : هل لأحد من الحي الآخر حاجة تشبه حاجة السائل؟ فإذا عرفتها قضيت الحاجتين في وقت واحد ، فكنت عند الحيين محمودا ، لا أستحقّ عند واحد منهم ذمّا ولا عيبا ولا نبزا (١) ينبز به.

وحدثني إبراهيم (٢) : أنه ولي دمشق سنتين ثم أربع سنين بعدهما لم يقطع على أحد في عمله طريق وأخبرت أن الآفة كانت في قطع الطريق في عمل دمشق من ثلاثة نفر دعامة والنعمان موليان لبني أمية ، ويحيى بن أرميا من يهود البلقاء (٣) وأنهم لم يضعوا أيديهم في يد عامل قط ، وأنّه لما ولي البلد كاتبهم ، فكتب إليه النعمان يعلمه أن له سبعة أولاد من ابنة عم له ، وأنّ لها سبعة أخوة من صعاليك الشام لا يصطلى بنارهم ، وأنه قد حلف بطلاق ابنة عمه وهي أم بنيه السبعة أن لا يضع يده في يد عامل أبدا ، وأنّه لا يأمن إن هو طلّق ابنة عمه قتل أخويها به ، وحلف له بالأيمان المخرجة في خطابه أنه لا يفسد في عمله ما كان فيه واليا. وأن دعامة الأموي لا يمين عليه مثل يمينه وأنّه سيدخل إلى مدينة دمشق ويضع يده في يد الأمير ويضمن عنه الوفاء بما فارقه عليه ، وبما حلف الأمير عليه ، قال إبراهيم : فدخل إليّ دعامة سامعا مطيعا وأعلمني أن النعمان قد صدق فيما قال ، وضمن لي عنه الوفاء بما فارقه عليه ، وأنه خلع على دعامة وحمله وجعله من خاصّته ، وقبل من النعمان ما بذله له وأعلمني أن اليهودي كتب إليه : إني خارج إلى مناظرتك فيما دعوتني إليه ، فاكتب لي أمانا تحلف لي فيه بمؤكدة الأيمان أنك لا تحدث في أمري حدثا حتى يردّني إلى مأمني فأجبته إلى ما سألني ، فقدم عليّ منه شابّ أشعر

__________________

(١) نبزا : لقبا.

(٢) الخبر في سير أعلام النبلاء ١٠ / ٥٥٧ ـ ٥٥٨ مختصرا.

(٣) البلقاء : كورة من أعمال دمشق بين الشام ووادي القرى ، قصبتها عمان (معجم البلدان).

١٦٠