المناقب

الموفق بن احمد البكري المكي الحنفي الخوارزمي

المناقب

المؤلف:

الموفق بن احمد البكري المكي الحنفي الخوارزمي


المحقق: الشيخ مالك المحمودي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤١٣

سبعون الف ركن ، على كل ركن ياقوتة حمراء تضيء للراكب مسيرة ثلاثة أيام وبيده لواء الحمد ينادي : لا إله إلا الله محمد رسول الله فيقول الخلايق : من هذا أملك مقرب أم نبي مرسل أم حامل عرش؟ فينادي مناد من بطنان العرش : ليس بملك مقرب ولا نبي مرسل ولا حامل عرش ، هذا علي بن أبي طالب وصي رسول رب العالمين وأمير المؤمنين وقائد الغر المحجلين في جنات النعيم (١)

__________________

(١) رواه الخطيب البغدادي في تاريخه ١٣ / ١٢٢ و ١١ / ١١٢ وما بعدها ورواه أيضاً ابن عساكر في ترجمة الإمام علي عليه‌السلام ٢ / ٣٣٣.

٣٦١

الفصل الثالث والعشرون

في بيان ان النظر إليه وذكره عبادة

٣٧٣ ـ أخبرنا الشيخ الزاهد الحافظ علي بن أحمد العاصمي ، أخبرنا القاضي الإمام شيخ القضاة اسماعيل بن أحمد الواعظ ، أخبرنا والدي شيخ السنة أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي اخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، حدثنا أبو بكر محمد ابن أحمد بن يحيى الغازي ، حدثنا ، المسيب بن زهير الضبي ، حدثنا عاصم ابن على ، حدثنا المسعودي ، عن عمرو بن مرة ، عن ابراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله بن مسعود قال : قال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : النظر إلى وجه علي عبادة (١).

٣٧٤ ـ وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرنا أبو علي بن شاذان البغدادي بها ، أخبرنا عبد الله بن جعفر ، حدثنا يعقوب بن سفيان ، حدثنا عمران بن خالد بن طليق بن محمد بن عمران بن حصين أبي نجيد ، حدثنى أبي ، عن أبيه ، عن جده قال : مرض عمران بن حصين مرضة فدخل عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال له : انى لأبتئس عليك من شدة علتك ، فقال له : لا تفعل ذلك بأبي أنت وامي فان احب ذلك الي احبه إلى الله فوضع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يده على رأسه ثم قال له : لا بأس عليك يا عمران فعوفى من تلك العلة وانصرف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأتاه علي بن أبي طالب عليه‌السلام فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : أعدت أخاك؟ [ عمران بن حصين ] قال لا قال لم؟ قال [ لم ] اعمل ، قال عزمت عليك

__________________

(١) رواه ابن عساكر في ترجمة الإمام علي عليه‌السلام ٢ / ٣٩٤ ورواه أيضاً الحاكم في المستدرك ٣ / ١٤١ واورده أبو نعيم في حلية الاولياء ٥ / ٥٨ و ٢ / ١٨٢ وللتوسع انظر مناقب ابن المغازلي / ١٠٩.

٣٦٢

لما لم تقعد حتى تأتيه ، فلما قصد إلى عمران نظر عمران إليه فلم يصرف بصره عنه حتى جلس بين يديه فهوى إليه ثم قام منصرفا فأتبعه بصره حتى غاب عنه فقال أصحابه : لقد رأيناك ما صنعت قال : نعم سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : النظر إلى علي عبادة (١).

٣٧٥ ـ وأخبرنا العلامة فخر خوارزم أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي ، أخبرني الاستاد الامين أبو الحسن علي بن الحسين بن مردك الرازي ، أخبرنا الحافظ أبو سعد اسماعيل بن علي بن الحسين السمان ، أخبرنا عبيدالله بن محمد بن بدر الكرخي بقراءتي عليه ، حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الله بن زياد العطار ، حدثنا أبو الحسن علي بن سراج المصري (٢) ، حدثنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة قالت : كان أبو بكر يديم النظر إلى علي فقيل له في ذلك ، فقال : سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : النظر إلى علي عليه‌السلام عبادة (٣).

٣٧٦ ـ وأنبأني الامام الحافظ صدر الحافظ أبوالعلا الحسن بن أحمد العطار الهمداني والإمام الاجل نجم الدين أبو منصور محمد بن الحسين بن محمد البغدادي قالا : أنبأنا الإمام الشريف الاجل نور الهدى أبو طالب الحسين بن محمد بن على الزينبي ، عن الإمام محمد بن أحمد بن علي بن الحسن بن شاذان ، حدثنا القاضي المعافي بن زكريا ـ من حفظه ـ عن ابراهيم بن الفضل ابن يوسف ، عن الحسن بن صابر ، عن وكيع ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ذكر علي بن أبي طالب عبادة (٤).

__________________

(١) و (٣) انظر تاريخ ابن عساكر ترجمة الإمام علي عليه‌السلام ٢ / ٣٩٩ و ٣٩١ وفيه : يكثر النظر إلى .. مناقب ابن المغازلي / ٢١٠ ورواه الخطيب البغدادي في تاريخه ٢ / ٥١ عن معاذ بن جبل واخرجه من اعلامنا الإمامية ابن البطريق في عمدته / ٣٦٦ بتحقيقنا ـ.

(٢) في [ و ] : أبو الحسن علي بن أحمد بن سراج المصري.

(٤) كتاب مائة منقبة لابن شاذان / ١٣٦ ـ ح / ٦٨.

٣٦٣

الفصل الرابع والعشرون

في بيان شيء من جوامع كلمه وبوالغ حكمه

٣٧٧ ـ أخبرنا الشيخ الإمام الزاهد أبو الحسن علي بن أحمد العاصمي الخوارزمي ، أخبرني القاضي الإمام شيخ القضاة اسماعيل بن أحمد الواعظ ، أخبرنا والدي شيخ السنة أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي ، أخبرني محمد بن عبد الله الحافظ ، حدثنا أبو عبد الله علي بن عبد الله العطار ببغداد ، حدثنا علي بن حرب الموصلي حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن عطاء بن سائب ، عن أبي عبد الرحمان السلمي قال : خطب علي بن أبي طالب عليه‌السلام بالكوفة فقال : ايها الناس ، ان اخوف ما اخاف عليكم : طول الأمل واتباع الهوى ، فاما طول الامل فينسي الآخرة ، واما اتباع الهوى فيصد عن الحق ، ألا ان الدنيا قد ولت مدبرة (١) والآخرة مقبلة ولكل واحدة منهما بنون ، فكونوا من ابناء الآخرة ولا تكونوا من ابناء الدنيا ، فان اليوم عمل ولا حساب وغداً حساب ولا عمل (٢).

٣٧٨ ـ وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرنا أبو الحسين أحمد بن عثمان بن يحيى الآدمي ، حدثنا أحمد بن عبد الجبار العطاردي ، حدثنا يونس بن بكير ، عن عنبسة بن الأزهري ، عن يحيى بن

____________

(١) في نهج البلاغة : حذاء.

(٢) رواه ابن عساكر في على عليه‌السلام ٣ / ٢٦٠ ورواه أيضا نصر بن مزاحم في وقعة صفين / ٣.

٣٦٤

عقيل ، عن علي بن أبي طالب عليه‌السلام انه قال لعمر : يا أمير المؤمنين ان سرك ان تلحق بصاحبك فاقصر الأمل ، وكل دون الشبع ، واكس الازار ، وارقع القميص (١) واخصف النعل تلحق بهم.

٣٧٩ ـ وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين ، أخبرنا أبو الحسين بن بشران ، أخبرنا أبو علي الحسين بن صفوان ، حدثنا عبد الله بن أبي الدنيا ، حدثنا الحسين بن عبد الرحمان ، حدثنا عبيدالله بن محمد التقي عن شيخ من بني عدي قال : قال رجل لعلي بن أبي طالب عليه‌السلام : يا أمير المؤمنين صف لنا الدنيا ، قال : وما أصف لك من دار من صح فيها أمن ، ومن سلم فيها ندم ، ومن افتقر فيها حزن ، ومن استغنى فيها فتن ، في حلالها حساب وفي حرامها النار (٢).

٣٨٠ ـ وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا ، اخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، حدثني أبو جعفر محمد بن علي الزوزني الأديب ، حدثنا علي بن القاسم النحوي الاديب قال : سمعت عبد الله بن عروة الهروي يذكر باسناد له عن الأحنف بن قيس قال : ما سمعت بعد كلام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله احسن من كلام أمير المؤمنين علي عليه‌السلام حيث يقول : ان للنكبات نهايات لابد لأحد إذا نكب من أن ينتهي إليها ، فينبغي للعاقل إذا أصابته نكبة ان ينام لها حتى تنقضي مدتها ، فان في دفعها قبل انقضاء مدتها زيادة في مكروهها وفي مثله يقول القائل :

الدهر يخنق أحياناً قلادته

فاصبر عليه ولا تجزع ولا تثب

حتى يفرجها في حال شدتها

فقد يزيد أختناقاً كل مضطرب

__________________

(١) في [ ر ] : ارفع القميص.

(٢) هكذا في المخطوطتين الموجودتين بايدينا ولكن في نهج البلاغة : ما اصف من دار اولها عناء ، وآخرها فناء ، في حلالها حساب وفي حرامها عقاب ، من استغنى فيها فتن ، ومن افتقر فيها حزن ... انظر الخطبة رقم : ٨٢.

٣٦٥

٣٨١ ـ وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرنا أبو حامد أحمد بن محمد بن الحسين الخسروجردي بخسروجرد (١) حدثني عيسى بن محمد ، حدثنا الحسن بن حماد بن حمدان العطار ، حدثنا أبو حمزة محمد بن ميمون السكوني ، أخبرني ابراهيم بن الصائغ ، عن حماد بن ابراهيم قال : قال علي ابن أبي طالب عليه‌السلام : التوفيق خير قائد وحسن الخلق خير قرين ، والعقل خير صاحب ، والأدب خير ميراث ولا وحشة أشد من العجب (٢).

٣٨٢ ـ وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرنا أبو عبد الله ، أخبرنا أبو حامد ، حدثنا عيسى حدثنا الحسن ، حدثنا أبو حمزة ، أخبرني ابراهيم ، عن حماد ، عن ابراهيم : ان علي بن أبي طالب عليه‌السلام جمع الدنيا والآخرة في خمس كلمات كان يقول : اللهم اني اسألك من الدنيا وما فيها ، ما اسد به لساني واحصن به فرجي وأؤدي به أمانتي وأصل به رحمي واتجر به لآخرتي.

٣٨٣ ـ وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، حدثني بكر بن محمد بن سهل بن الحداد الصوفي بمكة ، قال : حدثنا البيهقي ، واخبرنا أبو طاهر الحسين بن علي بن الحسن بن محمد بن سلمة الهمداني بها ، حدثنا أبو بكر عمر بن أحمد بن القاسم الفقيه بنهاوند ـ املاء ـ قالا حدثني موسى بن اسحاق الانصاري ، حدثنا أبو نعيم ضرار بن صرد ، حدثنا عاصم ابن حميد الحناط ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن عبد الرحمان بن جندب الفزاري ، عن كميل بن زياد النخعي قال : اخذ بيدي علي واخرجني إلى ناحية الجبانة (٣) فلما اصحر جلس ثم تنفس ثم قال يا كميل احفظ ما اقول لك : القلوب أوعية ، خيرها اوعاها الناس ثلاثة : فعالم رباني ومتعلم على سبيل

__________________

(١) خسروجرد ، بضم اوله وجرد بالجيم المكسورة وراء ساكنة ودال ، مدينة كانت قصبة بيهق من اعمال نيسابور ـ مراصد الاطلاع ومعجم البلدان.

(٢) رواه ابن عساكر في ترجمة الإمام علي عليه‌السلام ٣ / ٢٨٦.

(٣) الجبان والجبانة بالتشديد : الصحراء وتسمى بهما المقابر ايضاً.

٣٦٦

نجاة وهمج رعاع اتباع كل ناعق (١) يميلون مع كل ريح ، لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق ، العلم خير من المال ، العلم يحرسك وأنت تحرس المال ، والعلم يزكو على العمل والمال تنقصه النفقة ، محبة العالم دين يدان بها يتكسبه الطاعة في حياته.

[ وفي رواية أبي عبد الله عليه‌السلام : صحبة العالم دين يدان بها باكتساب الطاعة في حياته ] وجميل الاحدوثة بعد موته ، والعلم حاكم والمال محكوم عليه ، وصنيعة المال تزول بزواله

[ وفي رواية أبي عبد الله عليه‌السلام : يفنى المال بزوال صاحبه ] مات خزان الاموال وهم أحياء ، والعلماء باقون ما بقي الدهر ، اعيانهم مفقودة وأمثالهم في القلوب موجودة ، ها ان هاهنا واومى بيده إلى صدره : علما لو أصبت له حملة بلى اصبت لقنا غير مأمون عليه يستعمل آلة الدين للدنيا ويستظهر بنعم الله على عباده وبحجته على كتابه أو منقاد لأهل الحق لا بصيرة له في إحيائه ، يقدح الشك في قلبه بأول شبهة لاذا ولا ذاك ، أو منهوما باللذة.

[ وفي رواية أبي عبد الله عليه‌السلام : بالدنيا ] سلس القياد للشهوات ، أو مغرما بجمع الاموال والاذخار ليسا من دعاة الدين أقرب شبها بهما الأنعام السائمة كذلك يموت العلم بموت حامليه ، اللهم بلى لا تخلو الارض من قائم بحجة ، [ وفي رواية أبي عبد الله عليه‌السلام بلى لن تخلو الارض من قائم لله بحجة ] (٢) لئلا تبطل حجج الله وبيناته

__________________

(١) الهمج بالتحريك : جمع همجة وهي ذباب صغير كالبعوض ... والرعاع : الاحداث الطغام من العوام والسفلة وامثالها النعيق : صوت الراعى نغمه ويقال لصوت الغراب أيضاً.

(٢) هذه العبارات الموجودة بين المعقوفات ، والمروية عن الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام التي توسطت كلام الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام هنا ، اغلب الظن انها كتبها احد العلماء في حاشية الكتاب الحاضر ثم ادرجها المستنسخ في متن الكتاب بسبب المناسبة بين الكلامين. ونحن تركناها على حالها. كما ان هذا الحديث الملقى من قبل أمير المؤمنين عليه‌السلام على تلميذه الخاص كميل بن

٣٦٧

اولئك الأقلون عدداً ، الاعظمون عند الله قدراً بهم يدفع الله عن حججه حتى يؤدوها إلى نظرائهم ويزرعوها في قلوب أشباههم ، هجم بهم العلم على حقيقة الامر فاستلانوا ما استوعر منه المترفون وأنسوا بما استوحش الجاهلون وصحبوا الدنيا بابدان ارواحها معلقة بالمحل الاعلى أولئك خلفاء الله في عباده والدعاة إلى دينه هاه شوقا إليهم واستغفر الله لي ولك ، إذا شئت (١) فقم (٢).

٣٨٤ ـ وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان ، أخبرنا أبو سهل بن زياد القطان ، حدثنا عبد الله بن روح المدايني ، حدثنا شبابة بن سوار ، حدثنا شعيب بن ميمون الواسطي ، عن حصين بن عبد الرحمان ، عن عبد خير ، عن علي عليه‌السلام : أحبب حبيبك هونا ما ، فعسى ان يكون بغيضك يوماً ما ، وابغض بغيضك هونا ما ، عسى أن يكون حبيبك يوماً ما (٣).

٣٨٥ ـ وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرنا أبو حامد أحمد بن محمد بن الحسين الخسروجردي بخسروجرد قال : سمعت داود بن الحسين يذكر عن الحافظ قال : لوددت ان لي سبع كلمات قالهن أمير المؤمنين علي عليه‌السلام وكل ما قلته لم ينسب إلي وهي : استغفر

__________________

زياد النخعي يختلف بعض الاختلاف عما ورد في نهج البلاغة وقد تركناه أيضاً على حاله.

(١) « إذا شئت فقم » قال ابن أبي الحديد : وهذه الكلمة من محاسن الآداب ، ومن لطائف الكلم لانه لم يقتصر على ان قال « انصرف » كيلا يكون امرا وحكما بالانصراف لا محالة ، فيكون فيه نوع علو عليه ، فاتبع ذلك بقوله : « إذا شئت » ليخرجه من ذل الحكم وقهر الامر إلى عزة المشيئة والاختيار ـ شرح نهج البلاغة ١٨ / ٣٥٢.

(٢) نهج البلاغة لعبده ٣ / ١٨٦ ـ ك ١٤٧ ـ ورواه أبو نعيم في حلية الاولياء ١ / ٧٩ ـ وذكره ابو اسحاق الثقفي في الغارات ١ / ١٤٧.

(٣) نهج البلاغة لعبده ك ٢٦٨ ورواه أيضاً ابن حنبل في فضائل الصحابة ١ / ٣٣٦ ـ والهون بالفتح ـ الحقير ، والمراد منه الخفيف لا مبالغة فيه إلى لا تبالغ في الحب ولا في البغض فعسى ان ينقلب كل إلى ضده فلا تعظم ندامتك على ما قدمت منه.

٣٦٨

الله حق قدره ، من لانت كلمته وجبت مودته ، ما ضاع امرء ، عرف قدره ، من جهل شيئا عاداه ، قيمة كل امرء ما يحسنه ، تفضل على من شئت تكن أميره ، واستغن عمن شئت تكن نظيره.

٣٨٦ ـ وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرنا أبو الحسين بن بشران ، أخبرنا الحسين بن صفوان ، حدثنا عبد الله بن أبي الدنيا ، حدثنا عفان بن مخلد ، حدثنا وكيع ، عن اياس بن أبي تميمة قال : سمعت عطاء يقول : استعمل علي بن أبي طالب عليه‌السلام رجلاً على سرية فقال : أوصيك بتقوى الله الذي لا بد لك من لقائه ولا منتهى لك دونه وهو يملك الدنيا والآخرة.

٣٨٧ ـ وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرنا أبو الحسين ، حدثنا ابن أبي الدنيا ، حدثنا محمد بن الحسين ، حدثنا خلف بن تميم ، حدثنا عمر بن الزحال الحنفي ، حدثنا العلاء بن المسيب ، حدثنا أبو إسحاق ، عن عبد خير قال : قال علي عليه‌السلام : لا يقل عمل مع تقوى وكيف يقل ما يتقبل (١).

٣٨٨ ـ وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ ، حدثنا أبو محمد القاسم بن غانم بن حموية بن الحسين ، أخبرني أبو الحجاف الفروس بن القرضاب البرني من ولد عفير ـ صاحب رسول الله ـ قال حدثني عبيد بن الصباح النهدي حدثني زرعة بن شداد حدثني شجاع بن وادعة ـ صاحب جابر بن عبد الله الانصاري ـ قال حدثني جابر بن عبد الله الانصاري قال : دخلت على أمير المؤمنين عليه‌السلام لاعوده من بعض علله ، فلما نظر إليّ قال : يا جابر بن عبد الله الانصاري ، قوام الدين بأربعة : عالم مستعمل لعلمه وجاهل لا يستنكف ان يتعلمه وغني جواد بمعروفه وفقير لا يبيع آخرته بدنياه ، فإذا عطل العالم علمه ، استنكف الجاهل أن يتعلمه ، وإذا بخل الغني بمعروفه باع الفقير آخرته بدنياه ، وإذا كان ذلك

__________________

(١) نهج البلاغة لعبده ك ٩٥ رواه أيضاً ابن عساكر في ترجمة الإمام علي عليه‌السلام ٣ / ٢٨٣.

٣٦٩

فالويل ثم الويل ، يا جابر بن عبد الله ـ سبعين مرة ـ من كثرت نعماء الله عنده ، كثرت حوائج المخلوقين إليه ، فان قام بما امر الله عرضها للدوام ، فان لم يعمل فيها بما أمر الله عرضها للزوال والفناء (١) ثم انشأ أمير المؤمنين يقول :

ما أحسن الدنيا واقبالها

إذا أطاع الله من نالها

من لم يواس الناس من فضله

عرض للادبار اقبالها

فاحذر زوال الفضل يا جابراً

واعط من الدنيا لمن سالها

فان ذا العرش جزيل العطا

يضعف بالجنة أمثالها

قال جابر : ثم هزني إليه هزة ، خيل لي ان عضدي خرجت من كاهلي.

قال : يا جابر بن عبد الله ، حوائج الناس اليكم نعم من الله عليكم فلا تملوا النعم فتحل بكم النقم ، واعلموا ان خير المال ما اكتسب به حمداً واعقب اجراً ثم انشأ يقول :

لا تخضعن لمخلوق على طمع

فان ذلك وهن منك في الدين

وسل إلهك مما في خزائنه

فانما هي بين الكاف والنون

اما ترى كل من ترجو وتأمله

من البرية مسكين ابن مسكين

ما احسن الجود في الدنيا وفي الدين

واقبح البخل ممن صيغ من طين

ثم قال جابر بن عبد الله : فهممت أن أقوم ، فقال : وانا معك يا جابر ، قال فلبس نعليه والقى رداءه على منكبيه وطائفه فوق قذاله (٢) فلما ان بلغنا جبانة الكوفة ، سلم على أهل القبور فسمعت ضجة وهدة ، فقلت : يا أمير المؤمنين ما هذه الضجة وما هذه الهدة؟ فقال : هؤلاء اخواننا كانوا بالأمس معنا واليوم فارقونا ، اخوان لا يزاورون ، واوداء لا يعادون ، ثم خلع

__________________

(١) نهج البلاغة لعبده ٣ / ٢٤٢ ك ٣٧٢.

(٢) الطائف : طرف الثوب المجتمع ، والقذال : جماع مؤخر الرأس ، ومعنى الجملة : ان أمير المؤمنين عليه‌السلام جمع ووضع طرف ثوبه على مؤخرة رأسه.

٣٧٠

نعليه وحسر عن رأسه وذراعيه وقال : يا جابر بن عبد الله ، اعطوا من دنياكم الفانية لآخرتكم الباقية ، ومن حياتكم لموتكم ، ومن صحتكم لسقمكم ، ومن غناكم لفقركم ، اليوم في الدور ، وغداً في القبور ، والى الله تصير الامور ، ثم انشأ يقول :

سلام على أهل القبور الدوارس

كأنهم لم يجلسوا في المجالس

ولم يشربوا من بارد الماء شربة

ولم يأكلوا من كل رطب ويابس

٣٨٩ ـ وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرنا أبو الحسين بن بشران العدل ببغداد ، أخبرنا أبو على الحسين بن صفوان ، حدثنا عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا ، حدثنى علي بن الحسين بن عبد الله ، عن (١) عبد الله بن صالح بن مسلم العجلي ، أخبرنا رجل من بني شيبان ، ان علي بن أبي طالب عليه‌السلام خطب فقال :

الحمد لله أحمده واستعينه وأومن به واتوكل عليه وأشهد ان لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له وان محمداً عبده ورسوله ، ارسله بالهدى ودين الحق ، ليزيح به علتكم ويوقظ به غفلتكم ، واعلموا انكم ميتون ومبعوثون من بعد الموت ، وموفون على اعمالكم ومجزيون فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور ، فانها دار بالبلاء محفوفة وبالفناء معروفة وبالغدر موصوفة ، وكل ما فيها إلى زوال وهي بين أهلها دول وسجال لا تدوم احوالها ولن يسلم من شرها نزالها بينا أهلها منها في رخاء وسرور إذا هم منها في بلاء وغرور احوال مختلفة وتارات متصرفة ، العيش فيها مذموم والرخاء فيها لا يدوم وإنما أهلها فيها اغراض مستهدفة ترميهم بسهامها وتقصمهم بحمامها (٢) وكل حتفه فيها مقدور وحظه فيها موفور واعلموا عباد الله انكم وما أنتم فيه من هذه الدنيا على سبيل من قد مضى ممن كانوا أطول منكم اعمارا واشد منكم

__________________

(١) هكذا في المطبوع ولكن في المخطوطتين : ابن عبد الله بن صالح.

(٢) الحمام بالكسر : الموت.

٣٧١

بطشا واعمر دياراً وابعد آثارا فاصبحت اصواتهم خامدة من بعد طول تعليها واجسادهم بالية وديارهم خالية وآثارهم عافية واستبدلوا بالقصورة المشيدة والسرر [ المنضدة ] والنمارق الممهدة ، الصخور والاحجار المسندة في القبور اللاطئة الملحدة (١) التي قد بني للخراب فناؤها وشيد بالتراب بناؤها فمحلها مقترب وساكنها مغترب بين أهل عمارة وموحشين وأهل محلة متشاغلين لا يستأنسون بالعمران ولا يتواصلون تواصل الجيران والاخوان على ما بينهم من قرب الجوار ودنو الدار وكيف يكون بينهم تواصل وقد طحنهم بكلكله البلى واكلتهم الجنادل والثرى فاصبحوا بعد الحياة امواتاً وبعد غضارة العيش رفاتاً فجع بهم الاحباب وسكنوا التراب وظعنوا فليس لهم أياب ، هيهات هيهات : « كلا انها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون » (٢) فكأن قد صرتم إلى ما صاروا إليه من البلى والوحدة في دار المثوى وارتهنتم في ذلك المضجع وضمكم ذلك المستودع فكيف بكم لو قد تناهت الامور وبعثرت القبور ، « وحصل ما في الصدور » (٣) ووقفتم للتحصيل بين يدى الملك الجليل فطارت القلوب لاشفاقها من سالف الذنوب وهتكت عنكم الحجب والاستار وظهرت منكم العيوب والاسرار ، « هنالك تجزى كل نفس بما كسبت » ان الله عزوجل يقول : « ليجزى الذين أساؤا بما عملوا وليجزى الذين أحسنوا بالحسنى » (٤) وقال : « ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضراً ولا يظلم ربك أحدا » (٥) جعلنا الله واياكم عاملين بكتابه ، متبعين لاوليائه حتى يحلنا واياكم دار المقامة من فضله انه حميد مجيد (٦).

__________________

(١) لطأ بالارض : لصق ـ والملحدة من « الحد القبر » جعل له لحداً ، أي شقاقا في وسطه أو جانبه.

(٢) المؤمنون : ١٠٠.

(٣) العاديات : ١٠.

(٤) النجم : ٣١.

(٥) الكهف : ٤٩.

(٦) نهج البلاغة لصبحى الصالح الخطبة رقم / ٢٢١.

٣٧٢

٣٩٠ ـ وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرنا أبو زكريا بن أبي اسحاق ، حدثنا أبو محمد أحمد بن عبد الله المزني ، حدثنا عبد الله بن غنام بن حفص بن غياث ، حدثنا سفيان بن وكيع ، حدثنا سفيان بن عيينة ، عن محمد بن سوقة ، عن العلاء بن عبد الرحمان قال : قام رجل إلى على بن أبي طالب عليه‌السلام فقال : يا أمير المؤمنين ما الايمان؟ فقال : الايمان على أربع دعائم : على الصبر والعدل واليقين والجهاد.

والصبر من ذلك على أربع شعب : على الشوق والشفق (١) والزهد والترقب ، فمن اشتاق إلى الجنة سلا عن الشهوات ، ومن اشفق من النار رجع عن المحرمات ، ومن زهد في الدنيا هانت عليه المصيبات ، ومن ترقب الموت تسارع إلى الخيرات.

والعدل على أربع شعب : تبصرة الفطنة وتأويل الحكمة وموعظة العبرة وسنة الأولين فمن تبصر الفطنة تأول الحكمة ومن تأول الحكمة عرف العبرة ومن عرف العبرة فكأنما كان في الأولين.

واليقين على اربع شعب : غائص الفهم وغمر العلم وزهرة الحكم (٢) وروضة الحلم ، فمن فهم فسر جميل العلم ، ومن فسر جميل العلم ، عرف شرائع الحكم ، ومن عرف شرائع الحكم حلم وعاش في الناس ولم يفرط.

والجهاد على اربع شعب : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصدق في المواطن وشنآن الفاسقين ، فمن أمر بالمعروف شد ظهر المؤمن ، ومن نهى عن المنكر ارغم [ انف ] المنافق ، ومن صدق في المواطن قد قضى ما عليه ، ومن شنا الفاسقين وغضب لله غضب الله له وما اكتحل رجل بمثل ملمول (٣)

__________________

(١) الشفق : ـ بالتحريك ـ الخوف ـ النهاية.

(٢) زهرة الحكم ـ بضم الزاى ـ : حسنه.

(٣) الملمول ، على وزن العصفور : هو الذي يكحل به البصر ولا يقال ميل الا للميل من اميال الطريق ـ لسان العرب مادة « ميل ».

٣٧٣

الحزن ، فقام الرجل إلى رأس علي عليه‌السلام فقبله (١).

٣٩١ ـ وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرنا أبو محمد عبد الله بن يوسف الاصبهاني ، أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسين الآجري ـ بمكة ـ حدثنا أبو الفضل العباس بن يوسف الشكلي قال : سمعت الفتح بن شخرف يقول : رأيت علي بن أبي طالب عليه‌السلام في النوم فسمعته يقول : التواضع يرفع الفقير على الغني ، واحسن من ذلك تواضع الغنى للفقير (٢).

٣٩٢ ـ وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا ، قال سمعت السيد أبا منصور الظفر بن محمد العلوي يقول : سمعت أبا بكر بن أبي دارم يقول : سمعت إبراهيم بن بريدة الهاشمي يقول : سمعت الفتح بن شخرف يقول : سمعت بشر بن الحارث يقول : رأيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام في المنام ، فقلت : يا أمير المؤمنين تقول شيئاً لعل الله ينفعني به؟ فقال : ما احسن عطف الأغنياء على الفقراء رغبة في ثواب الله ، واحسن منها تيه (٣) الفقراء على الاغنياء ثقة بالله فقلت : يا أمير المؤمنين تزيدنا؟ قولى وهو يقول :

قد كنت ميتا فصرت حيا

وعن قليل تصير ميتا

عز بدار الفناء بيت

فاين لدار البقاء بيتا

٣٩٣ ـ وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرنا أبو نصر بن قتادة ، أخبرنا أبو منصور النصروي ، حدثني أحمد بن نجدة ، حدثني سعيد بن منصور ، حدثنا أبو شهاب ، عن القاسم بن الوليد الهمداني ، عن داود بن أبي عمرة :

__________________

(١) نهج البلاغة لبعده ك / ٣٠ ورواه أيضاً ابن عساكر في ترجمة الامام علي عليه‌السلام ٣ / ٢٨٨ عن قبيصة بن جابر الأسدي واورده أبو نعيم في حلية الاولياء ١ / ٧٤.

(٢) تاريخ بغداد ٩ / ٤٢٥ ورواه أيضا الجويني في فرائد السمطين ١ / ٤٠٢ وفيه : حدثنا الفتح بن شجرف.

(٣) لان تيه الفقير وانفته على الغنى ادل على كمال اليقين بالله فانه بذلك قد امات طمعا ومحا خوفا وصابر في بأس شديد ولا شيء من هذا في تواضع الغنى.

٣٧٤

ان عليا عليه‌السلام قال خمس ، خذوهن عني : لا يخافن أحد منكم إلا ذنبه ولا يرجون إلا ربه ولا يستحيى من لا يعلم ان يتعلم ولا يستحيى من يعلم إذا سئل عما لا يعلم ان يقول الله اعلم وان الصبر من الايمان بمنزلة الرأس من الجسد إذا ذهب الصبر ذهب الايمان إذا ذهب الرأس ذهب الجسد (١).

٣٩٤ ـ أنبأني مهذب الائمة أبو المظفر عبد الملك بن علي بن محمد الهمداني ـ نزيل بغداد ـ أخبرني فيدر بن عبد الرحمان بن شاذي ، أخبرنا أبو غانم حميد بن المأمون ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن عبد الرحمان الشيرازي ، أخبرنا محمد بن أحمد ابن يعقوب المديني ، قال حدثنى الحسين بن جعفر بن عبد الله ، حدثنا علي ابن الحسن القطان ، حدثنا الاصمعي ، عن جعفر بن سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس ، عن أبيه ، عن جده قال : قال عبد الله بن عباس : ما انتفعت بشيء بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله انتفاعي بكلمات كتب الي بهن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام كتب اليّ :

بسم الله الرحمن الرحيم

أما بعد ، فإن المرء قد يفرح بادراك ما لم يكن يفوته ويحزن لفوت ما لم يكن يدركه فإذ أتاك الله في الدنيا شيئاً فلا تكثرن به فرحا ، وإذا فاتك منها شيء فلا تكثرن عليه حزنا وليكن همك لما بعد الموت والسلام (٢).

٣٩٥ ـ وأخبرنا الفقيه أبو سعيد الفضل بن محمد الاسترابادي ، حدثنا أبو غالب الحسن بن علي بن القاسم ، حدثنا أبو علي الحسن بن أحمد الجهرمي بعسكر مكرم (٣). حدثنا أبو أحمد الحسن بن عبد الله بن سعيد ، حدثنا أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد ، قال : قال أبو الفضل أحمد بن أبي طاهر ـ صاحب أبي

__________________

(١) نهج البلاغة لمحمد عبده ك / ٤٠٦.

(٢) رواه ، ابن عساكر في ترجمة الامام علي عليه‌السلام ٣ / ٢٧٢.

(٣) عسكر مكرم ، بضم الميم وسكون الكاف وفتح الراء : بلدة مشهورة من نواحي خوزستان ـ مراصد الاطلاع.

٣٧٥

عثمان الجاحظ ـ كان الجاحظ يقول لنا زمانا : ان لأمير المؤمنين عليه‌السلام مائة كلمة ، كل كلمة منها تفي ألف كلمة ، من محاسن كلام العرب قال : وكنت أسأله دهراً بعيدا أن يجمعها ويمليها علي وكان يعدني بها ويتغافل عنها ضناً بها قال : فلما كان آخر عمره أخرج يوما جملة من مسودات مصنفاته ، فجمع منها تلك الكلمات وأخرجها إلى بخطه فكانت الكلمات المائة هذه :

لو كشف الغطاء ما أزددت يقينا ، الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا ، الناس بزمانهم أشبه منهم بآبائهم ، ما هلك امرء عرف قدره ، قيمة كل امرء ما يحسنه ، من عرف نفسه فقد عرف ربه ، المرء مخبوء تحت لسانه ، من عذب لسانه كثر اخوانه ، بالبر يستعبد الحر ، بشر مال البخيل بحادث أو وارث ، لا تتظر إلى من قال وانظر إلى ما قال ، الجزع عند البلاء تمام المحنة ، لاظفر مع البغي ، لاثناء مع الكبر ، لا بر مع الشح ، لا صحة مع النهم (١) لا شرف مع سوء أدب ، لا اجتناب محرم مع حرص ، لا راحة مع حسد لا محبة مع مراء ، لا سؤدد مع انتقام ، لا زيادة مع دعارة (٢) لا صواب مع ترك المشورة ، لا مروة لكذوب ، لا وفاء لملوك ، لا كرم اعز من التقوى ، لا شرف اعز من الاسلام ، لا معقل احرز من الورع ، لا شفيع انجح من التوبة ؛ لالباس أجمل من السلامة ، لاداء اعيى من الجهل ، لا مرض اضنى من قلة العقل ، لسانك يقتضيك ما عودته ، المرء عدو ما جهله ، رحم الله امرء عرف قدره ولم يتعد طوره ، اعادة الاعتذار تذكير للذنب ، النصح بين الملإ تقريع ، إذا تم العقل نقص الكلام ، الشفيع جناح الطالب ، نفاق المرء ذلة ، نعمة الجاهل كروضة على مزبلة ؛ الجزع اتعب من الصبر ، المسؤول حر حتى لا يعد اكبر الاعداء اخفاهم مكيدة ، من طلب ما لا يعنيه فاته ما يعنيه ، السامع للغيبة احد المغتابين ؛ الذل

__________________

(١) في [ و ] : الهم.

(٢) في [ ر ] : ذعارة.

٣٧٦

مع الطمع ، الراحة مع اليأس الحرمان مع الحرص ، من كثر مزاحه لم يخل من حقد عليه واستخفافا به ، عبد الشهوة أذل من عبدالرق ، الحاسد مغتاظ على من لا ذنب له ، كفى بالظفر شفيعا للمذنب ، رب ساع فيما يضره ، لا تتكل على المنى فانها بضائع النوكى ، الياس حر والرجاء عبد ، ظن العاقل كهانة ، من نظر اعتبر ، العداوة شغل القلب ، القلب إذا كره عمي ، الادب صورة العقل ، لاحياء لحريص ، من لانت اسافله صلبت اعاليه ؛ من اتي في عجانه قل حياؤه وبذو لسانه ، السعيد من وعظ بغيره ، الحكمة صالة المؤمن ، الشرة جامع لمساوى العيوب ، كثرة الوفاق نفاق ، كثرة الخلاف شقاق ، رب أمل خائب ؛ رب رجاء يؤدى إلى الحرمان ، رب ارباح تؤدي إلى الخسران ، رب طمع كاذب ، البغى سائق إلى الحين ، في كل جرعة شرقة ، مع كل أكلة غصة ، من كثر فكره في العواقب لم يشجع ، إذا حلت المقادير ضلت التدابير ، إذا حل المقدور بطل التدبير ، إذا حل القدر بطل الحذر ، الاحسان يقطع اللسان ، الشرف بالعقل والأدب لا بالأصل والحسب ؛ اكرم الحسب حسن الخلق ، أكرم النسب حسن الأدب ؛ افقر الفقر الحمق ، اوحش الوحشة العجب. أغنى الغنى العقل ، الطامع وثاق الذل ، احذروا نفار النعم فما كل شارد بمردود ؛ اكثر مصارع العقول تحت بروق الاطماع ، من ابدى صفحته للحق هلك ، إذا املقتم فتاجروا الله بالصدقة ، من لان عوده كثف اغصانه ، قلب الاحمق في فيه ، لسان العاقل في قلبه ، من جرى في عنان امله عثر بأجله ، إذا وصلت اليكم اطراف النعم فلا تنفروا اقصاها بقلة الشكر ، إذا قدرت على عدوك فاجعل العفو عنه شكره للقدرة عليه ، ما اضمر أحدكم شيئاً إلا ظهر منه في فلتات لسانه وصفحات وجهه.

أللهم اغفر رمزات الالحاظ ؛ وسقطات الالفاظ ؛ وشهوات الجنان ، وهفوات اللسان.

البخيل مستعجل للفقر ، يعيش في الدنيا عيش الفقراء ويحاسب في

٣٧٧

الاخرة حساب الاغنياء ، لسان العاقل وراء قلبه ؛ قلب الاحمق وراء لسانه ، الحذر الحذر فوالله لقد ستر حتى كانه غفر ، من اطال الأمل اساء العمل [ الكاسب فوق قوته خازن لغيره ] (١) مسكين ابن آدم ، مكنون العلل ، مكتوم الأجل ، محفوظ العمل ، تؤلمه البقة وتقتله الشرقة وتنتنه العرقة.

__________________

(١) ما بين المعقوفتين ليس موجوداً في الاصلين بل موجود في المطبوع بالنجف.

٣٧٨

الفصل الخامس والعشرون

في بيان من غير الله خلقهم وأهلكهم بسبهم إياه

٣٩٦ ـ أخبرنا سيد الحفاظ أبو منصور شهردار بن شيرويه بن شهردار الديلمي ـ فيما كتب إلى من همدان ـ أخبرنا أبو الفتح عبدوس بن عبد الله بن عبدوس الهمداني كتابة ، أخبرنا أبو طالب الجعفري ، حدثنا ابن مردويه الحافظ ، حدثنا محمد بن أحمد بن علي ، حدثنا موسى بن يوسف بن موسى بن راشد القطان ، حدثنا وهب بن بقية ، حدثني هشيم ، عن اسماعيل بن سالم ، عن عماد الحضرمي ، عن زاذان أبي عمر : ان علي بن أبي طالب عليه‌السلام سأل رجلاً بالرحبة عن حديث ، فكذبه ، فقال علي : انك قد كذبتني؟ فقال ما كذبتك ، قال : ادعو الله عليك ان كذبتني أن يعمي بصرك قال : ادع الله ، فدعا الله عليه فلم يخرج من الرحبة حتى قبض بصره (١).

٣٩٧ ـ وأنبأني مهذب الائمة أبو المظفر عبد الملك بن علي بن محمد الهمداني ـ نزيل بغداد ـ أنبأني اسماعيل بن محمد بن ملة ، حدثنا القاسم بن أبي بكر ابن على ، حدثنا أبو عبد الله بن شهريار ، اخبرني أبو العباس الطهراني ، حدثنا سلمة بن شبيب النيسابوري ، حدثنا الحسن بن محمد بن أعين ، حدثنا عمرو بن ثابت قال : سمعت أبا معشر يقول : كنا جلوسا فمر بنا رجل وهو يقول : من كان يحب عليا فاني ابغضه في الله ، قال : فما قمنا من مجلسنا حتى مروا به

____________

(١) فضائل الصحابة لابن حنبل ١ / ٥٣٩ ـ ح / ٩٠٠ ورواه أبو نعيم في حلية الاولياء ٥ / ٢٦ ورواه أيضاً البلاذرى في انساب الاشراف ٢ / ١٥٦.

٣٧٩

يقاد وهو أعمى.

٣٩٨ ـ وأنباني مهذب الائمة هذا ، أخبرني أحمد بن الحسين ، أخبرنا أبي ، أخبرنا هلال بن محمد الحفار ، أخبرنا أبو بكر النقاش ، حدثنا مسيح بن حاتم بالبصرة ، حدثنا ابن عائشة ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد قال : سمعت سعيد بن المسيب : مر غلامك فلينظر إلى وجه هذا ، فقلت وما هو؟ قال انه كان يسب عليا وطلحة والزبير فدعوت الله عليه فسود وجهه.

٣٩٩ ـ وأنبأني مهذب الائمة هذا ، أخبرنا أبو علي الحسن بن محمد بن اسحاق ابن ابراهيم بن مخلد الباقرجي ، أخبرنا أبو إسحاق ابراهيم بن عمر بن أحمد البرمكي ، اخبرنا أبو محمد عبد الله بن ابراهيم بن أيوب بن ماسي البزاز ، حدثنا أبو مسلم ابراهيم بن عبد الله بن مسلم اللخمى البصري ، حدثنا أبو عبد الله محمد بن المثنى بن أنس بن مالك الانصاري ، حدثني ابن عون ، أنبأني محمد بن الاسود ، عن عامر بن سعد قال : بينا سعد يمشى إذ مر برجل وهو يشتم عليا ، فقال سعد : انك تشتم قوما قد سبق لهم من الله ما سبق ، والله لتكفن عن شتمهم أو لأدعون الله عليك قال : اتخوفني كأنه نبي قال : فقال سعد : أللهم ان كان هذا قد سب اقواماً قد سبق لهم منك ما سبق ، فاجعله اليوم نكالا ، قال فجاءت بختية وافرج الناس لها فتخبطته قال فجعلت الناس يتبعون سعداً رضي الله عنه ويقولون استجاب الله لك يا أبا اسحاق (١).

__________________

(١) الحديث بطوله في مستدرك الصحيحين ٣ / ٤٩٩ ـ رواه أيضاً ابن المغازلي في مناقبه / ٧٤ واورده الحلبي في سيرته ٣ / ١٨٢ التي بهامشها السيرة الدهلانية.

٣٨٠