المناقب

الموفق بن احمد البكري المكي الحنفي الخوارزمي

المناقب

المؤلف:

الموفق بن احمد البكري المكي الحنفي الخوارزمي


المحقق: الشيخ مالك المحمودي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤١٣

نسيت ، فلن أسل عليك سيفا فأدبر ، فقال له عبد الله ابنه : ما هذا الذي ذكر لك علي؟ قال : ذكرني شيئا كنت قد نسيته ، فقال : بعد ما أخرجت القوم تتركهم وتذهب ، قال ابو بشر : فرد عليهم ما كان في العسكر حتى القدر. وروى ان ابنه عبد الله وبخه بتركه القتال وقال : لعلك رأيت الموت الاحمر تحت رايات ابن أبي طالب عليه‌السلام ، لقد فضحتنا فضيحة لا نغسل منها رؤوسنا أبداً ، فغضب الزبير من ذلك وصاح بفرسه وحمل على أصحاب علي عليه‌السلام حملة منكرة ، فقال علي لأصحابه : فرجوا له فانه محرج ، فأوسعوا له ، فشق الصفوف حتى خرج منها ، ثم رجع فشقها ثانية ، ولم يطعن أحداً ولم يضرب ، ثم رجع إلى ابنه فقال : هذه حملة جبان؟ فقال له ابنه عبد الله : فلم تنصرف عنا الآن وقد التقت حلقتا البطان؟ فقال الزبير : يا بني ارجع والله لأخبار كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عهدها إلى فانسيتها حتى أذكرنيها علي فعرفتها قال : ثم خرج الزبير من عسكرهم تائباً مما كان فيه وهو ينشد ويقول :

ترك الأمور التي تخشى عواقبها

لله أجمل في الدنيا وفي الدين

نادى علي بأمر لست أنكره

قد كان عمر أبيك الخير مذ حين

فاخترت عاراً على نار مؤججة

أنى بقوم لها خلق من الطين

أخال طلحة وسط القوم منجدلا

ركن الضعيف ومأوى كل مسكين

قد كنت أنصر احيانا وينصرني

في النائبات ويرمى من يرامينى

حتى ابتلينا بامر ضاق مصدره

فأصبح اليوم ما يعنيه يعنينى

قال ثم مضى الزبير منفرداً وتبعه خمسة من الفرسان ، فحمل عليهم وفرقهم وفرق جمعهم ، ومضى حتى إذا صار إلى واد السباع (١) ، فنزل على قوم

__________________

(١) في مراصد الاطلاع : وادي السباع الذي قتل فيه الزبير بين البصرة ومكة ووادي السباع من نواحي الكوفة.

١٨١

من بني تميم فقام إليه عمرو بن جرموز المجاشعى ، فقال له : أبا عبد الله كيف تركت القوم؟ فقال الزبير : تركتهم والله قد عزموا على القتال ولا شك الا وقد التقوا ، قال فسكت عنه عمرو بن جرموز وامر له بطعام وشئ من لبن فأكل الزبير وشرب ، ثم قام فصلى واخذ مضجعه ، فلما علم ابن جرموز أن الزبير قد نام ، وثب إليه فضربه بسيفه ضربة على ام رأسه فقتله (١).

قال رضي الله عنه : التقت حلقتا البطان يضرب في تناهي الأمر (٢) ، لأن البطان هو الرحل ، وانما تلتقي حلقتاه وعروتاه إذا اضطرب حزام الرجل واستأخر حتى التفت عروتاه وهو لا يقدر على النزول فرقا ليشد.

٢١٧ ـ وأخبرنا الشيخ الزاهد أبو الحسن علي بن أحمد العاصمي ، أخبرنا اسماعيل بن أحمد الواعظ ، أخبرنا والدى أحمد بن الحسين البيهقي ، أخبرنا أبو محمد عبد الله بن يحيى بن عبد الجبار السكري ببغداد ، اخبرنا اسماعيل بن محمد الصفار ، حدثنا سعدان بن نصر ، حدثنا عمرو بن شيب ، حدثنا الحسن بن الحسين بن الحسن بن علي بن أبي طالب قال : أول شهود شهدوا في الاسلام بالزور واخذوا عليه الرشا ، الشهود الذين شهدوا عند عائشة حين مرت بماء الحوأب (٣) ، فقالت عائشة : ردوني ، ردوني مرتين ، فأتوها بسبعين شيخا فشهدوا أنه ماؤنا وما هو بماء الحوأب (٤).

__________________

(١) رواه الطبري في وقايع سنة ٣٦ ج ٤ / ٥٣٥.

(٢) في [ ر ] : الشر.

(٣) حوأب : موضع في طريق البصرة محاذي البقرة ماءة أيضا من مياههم ـ معجم البلدان وقد تذكرت عائشة تحذير النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عن محاربة علي في موقع آخر وبمناسبة اخرى ودلك عندما احضروا لها بعيرا فلما رأته اعجبها وانشأ الجمال يحدثها بقوته وشدته ويقول : في اثناء كلامه : « عسكر » فلما سمعت هذه اللفظة استرجعت وقالت : ردوه لا حاجة لي فيه ، وذكرت حين سئلت أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ذكر لها هذا الاسم ونهاها عن ركوبه ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٦ / ٢٢٤.

(٤) انساب الأشراف ٢ / ٢٢٤ اطول من ذلك الامامة والسياسة ١ / ٦٣ ـ مروج الذهب ٢ / ٣٥٨.

١٨٢

٢١٨ ـ وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، حدثنا أبو إسحاق المدني وأبو الحسن الحافظ قالا : حدثنا محمد بن اسحاق الثقفي ، حدثنا سليمان بن خالد بن صبيح ـ مولى سهل بن حنيف ـ أبو عمر الرقى حدثنا أبو علية ، عن أبي سفيان بن العلاء ، عن أبي عتيق قال : قالت عائشة : إذا مر ابن عمر فأرونيه ، فلما مر قيل لها : هذا بن عمر ، قالت : يا أبا عبد الرحمان ما يمنعك أن تنهاني عن مسيري؟ قال : قد رأيت رجلا قد غلب عليك وظننت أن لا تخالفيه ، قالت : أما انك لو نهيتني ما خرجت.

٢١٩ ـ وبهذا الاسناد عن أبي سفيان بن العلا هذا ، عن بن أبي عتيق قال : قالت عائشة : إذا ذكرت يوم الجمل أخذت مني هاهنا ، وتشير بيدها إلى حلقها.

٢٢٠ ـ وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرنا أبو عبد الله محمد ابن أحمد بن أبي طاهر الدقاق ببغداد ، أخبرنا أحمد بن عثمان الآدمي ، حدثنا أبو جعفر محمد بن سويد الطحان ، حدثنا سفيان بن محمد المصيصي ، حدثنا يوسف بن أسباط ، حدثنا سفيان الثوري ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه قال : ما ذكرت عائشة مسيرها إلا بكت حتى تبل خمارها ، وتقول : يا ليتني كنت نسياً منسياً (١).

٢٢١ ـ وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرنا أبو الوليد الامام وابو بكر بن قريش قالا : حدثنا الحسين بن سفيان ، حدثنا أحمد بن عبدة ، حدثنا الحسن بن الحسين ، حدثنا رفاعة بن أياس الضبي ، عن أبيه ، عن جده قال : كنا مع علي يوم الجمل ، فبعث إلى طلحة بن عبيدالله أن القني فأتاه ، فقال : نشدتك الله هل سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : من كنت مولاه فعلى مولاه ، اللهم وال من والاه ،

____________

(١) تاريخ بغداد ٩ / ١٨٥ ـ ونظيره في انساب الاشراف ٢ / ٢٦٥.

١٨٣

وعاد من عاداه ، قال نعم ، قال فلم تقاتلني؟ قال : لم اذكر ، قال فانصرف طلحة (١).

٢٢٢ ـ وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرنا أبو الحسن بن الفضل القطان ، أخبرنا أبو عبد الله بن جعفر ، حدثنا يعقوب بن سفيان ، حدثنا بن نمير ، حدثنا وكيع ، حدثنا اسماعيل بن أبي خالد ، عن قيس قال : كان مروان مع طلحة والزبير يوم الجمل ، فلما نشبت الحرب ، قال مروان لا اطلب بثأري بعد اليوم ، فرماه بسهم فاصاب ركبته (٢) ـ يعني طلحة ـ.

٢٢٣ ـ وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرنا أبو نصر بن عمر بن عبد العزيز عمر بن قتادة ، أخبرنا أبو الحسن محمد بن الحسن السراج ، حدثنا أبو جعفر الحضرمي مطين ، حدثنا جندل بن والق ، حدثنا محمد بن عمر المازني ، عن أبي عامر الانصاري ، عن بلال بن ثور بن مجزأة السدوسي ، عن أبيه ، عن جده قال : مررت بطلحة وهو صريع بآخر رمق ، فقال : من أنت؟ فانى أرى وجهك كالقمر ليلة البدر؟ قال قلت : رجل من أصحاب أمير المؤمنين ، قال : فمد يدك أبايعك لأمير المؤمنين ، فبسطت يدي فبايعني ، ثم قضى نحبه فاتيت علياً فأخبرته بمقالته ، فقال : الله اكبر صدق الله ورسوله ، أبي الله أن يدخله الجنة الا وبيعتي في عنقه ، وأما الزبير بن العوام فانه أيضاً خرج يطلب بدم عثمان ثم تلهف على ذلك حين أحس الفتنة.

قال رضي الله عنه : وذكر ابن اعثم في فتوحه : أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام كتب إلى طلحة والزبير قبل قتال الجمل اخذاً للحجة عليهما : أما بعد فقد علمتما اني لم أرد الناس حتى أرادوني ، ولم ابايعهم حتى اكرهوني ، وانتما ممن أراد بيعتي وبايعوا ، ولم تبايعا لسلطان غالب ولا لغرض

__________________

(١) مروج الذهب ٢ / ٣٦٤.

(٢) رواه البلاذري في انساب الاشراف ٢ / ٢٤٦ اطول من ذلك.

١٨٤

حاضر (١) ، فإن كنتما بايعتما طائعين ، فتوبا إلى الله وارجعا عما أنتما عليه ، وان كنتما مكروهين فقد جعلتما لي السبيل (٢) عليكما باظهاركما الطاعة وكتمانكا المعصية ، وأنت يا زبير فارس قريش ، وأنت يا طلحة شيخ المهاجرين ودفعكما هذا الأمر قبل ان تدخلا فيه أوسع لكما من خروجكما منه بعد إقراركما (٣)

وكتب إلى عائشة : أما بعد ، فإنك قد خرجت من بيتك عاصية لله ولرسوله محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، تطلبين أمراً كان عنك موضوعاً ثم تزعمين أنك تريدين الاصلاح بين المسلمين ، فخبريني ما للنساء وقود العساكر والاصلاح بين الناس؟ وطلبت كما زعمت بدم عثمان وعثمان رجل من بني أمية ، وأنت امرأة من بني تيم بن مرة ، ولعمر الله ان الذي عرضك للبلاء وحملك على المعصية لأعظم اليك ذنبا من قتلة عثمان ، وما غضبت حتى اغضبت ولا هجت حتى هيجت ، فاتق الله يا عائشة وارجعي إلى منزلك واسبلي عليك سترك والسلام (٤).

وروى : انه راسلهم مرة بعد اخرى ليكفوا عن الحرب ، وحمل زيد ابن صوحان وعبد الله بن عباس رسالاته إليهم ، فلما لم يجيبوا إلى ذلك جمع من تابعه من الناس من اهل بيعته فخطبهم فقال : يا أيها الناس اني قد تأنيت هؤلاء القوم وراقيتهم وناشدتهم كيما يرجعوا ويرتدعوا ، فلم يفعلوا ولم يستجيبوا وقد بعثوا إلي ان ابرز إلى الطعان واثبت للجلاد وقد كنت وما اهدد بالحروب ولا أدعى إليها وقد انصف من راماها ، ولعمري لئن ابرقوا

__________________

(١) هكذا في الأصلين ولكن في شرح لنهج البلاغة لابن أبي الحديد : « لحرص حاضر » وفي شرح لنهج البلاغة لعبده : « لعرض حاضر » وفي هامشه : والعرض ، بفتح فسكون ـ أو بالتحريك ـ : هو المتاع ، وما سوى النقدين من المال ومعناه ولا لطمع في مال حاضر.

(٢) السبيل : الحجة.

(٣) شرح نهج البلاغة لعبده ولابن أبي الحديد ١٧ / ١٣١ الكتاب / ٥٤.

(٤) الامامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري ١ / ٧٠.

١٨٥

وارعدوا فلقد عرفوني وراوا نكايتي القارة ، أنا أبو الحسن الذي فللت حدهم ، وفرقت جماعتهم فبذلك القلب القى عدوي وأنا على بينة من ربي لما وعدني من النصر والظفر ، واني لعلي غير شبهة من أمري ، ألا ان الموت لا يفوته المقيم ولا يعجزه الهارب ، ومن لم يقتل يمت ، وان أفضل الموت القتل ، والذي نفس على بيده لألف ضربة بالسيف أهون علي من ميتة الفراش ، ثم رفع يده إلى السماء وهو يقول : اللهم ان طلحة بن عبيدالله اعطاني صفقة يمينه طائعا ثم نكث بيعتى ، اللهم فعاجله ولا تمهله ، اللهم وان الزبير بن العوام قطع قرابتي ونكث عهدي وظاهر عدوي ونصب الحرب لي وهو يعلم انه ظالم لي ، فاكفنيه كيف شئت وانى شئت. قال « رض » أنصف القارة من راماها ، القارة قبيلة وهم عضل والديش وهم ابناء الهون بن خزيمة ، سموا قارة لاجتماعهم والتفافهم ، تشبيهاً بالقارة التي هي الاكمة ، وقد أراد الشداخ أن يفرقهم في قبائل كنانة فقال رجل منهم :

دعونا قارة لا تنفرونا

فنجفل مثل اجفال الظليم

أي دعونا مجتمعين ، وكانوا رماة الحدق زعموا أن أربعين منهم احسوا بشيء في الليلة المظلمة فرموه فاصبحوا فرأوا الأربعين سهما في هرة (١) والتقى قاري واسدى فقال القاري : ان شئت صارعتك ، وأن شئت راميتك ، وان شئت سابقتك ، فاختار الاسدي المراماة ، فقال القاري :

قد علمت سلمى ومن والاها

إنا نصد الخيل من هواها

قد انصف القارة من راماها

إنا إذا ما فئة نلقاها

نرد اولاها على أخراها

نردها دامية كلاها

ثم انتزع القاري له بسهم فشك به فؤاده ، ضربه أمير المؤمنين مثلا فيمن

__________________

(١) وفي [ ر ] : هزة وهو تصحيف.

١٨٦

أختار محاربته وهو ابن بجدتها (١) فقد انصفه.

قال رضي الله عنه : ولما تقابل العسكران : عسكر أمير المؤمنين علي عليه‌السلام وعسكر أصحاب الجمل ، جعل أهل البصرة يرمون أصحاب علي بالنبل حتى عقروا منهم جماعة ، فقال الناس : يا أمير المؤمنين انه قد عقرنا نبلهم فما انتظارك بالقوم ، فقال علي : اللهم اني اشهدك اني قد اعذرت وانذرت فكن لي عليهم من الشاهدين ، ثم دعا على بالدرع ، فأفرغها عليه وتقلد بسيفه واعتجر بعمامته واستوى على بغلة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثم دعا بالمصحف فأخذه بيده وقال : يا أيها الناس من ياخذ هذا المصحف فيدعوا هؤلاء القوم إلى ما فيه؟ قال فوثب غلام من مجاشع يقال له مسلم ، عليه قباء أبيض ، فقال له : انا آخذه يا أمير المؤمنين ، فقال له علي : يافتى ان يدك اليمنى تقطع فتأخذه باليسرى فتقطع ، ثم تضرب عليه بالسيف حتى تقتل ، فقال الفتى : لا صبر لي على ذلك (٢) يا أمير المؤمنين ، قال فنادى علي ثانية ، والمصحف في يده ، فقام إليه ذلك الفتى وقال : أنا آخذه يا أمير المؤمنين ، قال فاعاد عليه على مقالته الاولى ، فقال الفتي : لا عليك يا أمير المؤمنين فهذا قليل في ذات الله ، ثم اخذ الفتى المصحف وانطلق به إليهم ، فقال : يا هؤلاء ، هذا كتاب الله بيننا وبينكم ، قال فضرب رجل من أصحاب الجمل يده اليمنى فقطعها ، فأخذ المصحف بشماله فقطعت شماله ، فاحتضن المصحف بصدره فضرب عليه حتى قتل ـ رحمة الله عليه ـ قال فنظرت إليه امه فرثته بأبيات من الشعر ، قال ثم رفع علي رأيته إلى ابنه محمد بن الحنفية وقال : تقدم يا بني ، فتقدم محمد ثم وقف بالراية لا يبرح بها ،

__________________

(١) هو ابن بجدتها : يقال للعالم المتقن ، واصله الدليل الهادي في الصحراء ، ومن لا يبرح عن قوله ـ المعجم الوسيط.

(٢) في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ـ لأصبر على ذلك.

١٨٧

فصاح به علي : اقتحم لا ام لك ، فحمل محمد بالراية وطعن بها في أصحاب الجمل طعناً منكراً ، وعلي ينظر فاعجبه ما رأى من فعاله فجعل يقول عليه‌السلام :

اطعن بها طعن أبيك تحمد

لا خير في الحرب إذا لم توقد

قال فقاتل بالراية محمد بن الحنفية ساعة ، ثم رجع وضرب علي بيده إلى سيفه فاسله ، ثم حمل على القوم فضرب فيهم يمينا وشمالاً ، ثم رجع وقد انحنى سيفه فجعل يسويه بركبته فقال له أصحابه : نحن نكفيك ذلك يا أمير المؤمنين ، فلم يجب أحداً حتى سواه ثم حمل ثانية حتى اختلط فيهم ، فجعل يضرب فيهم قدما حتى انحنى سيفه ، ثم رجع إلى أصحابه ووقف يسوي السيف بركبته وهو يقول : والله ما أريد بذلك إلا وجه الله والدار الآخرة ، ثم التفت إلى ابنه محمد بن الحنفية وقال : هكذا فاصنع يا بني (١) ثم تقدم رجل من أصحاب الجمل يقال له عبد الله بن يبرى فجعل يرتجز ويقول :

يا رب أني طالب أبا الحسن

ذاك الذي يعرف حقاً بالفتن

ذاك الذي نطلبه على الاحن

ونقضـه شريعة من السنن

قال فخرج إليه علي وهو يقول :

ان كنت تبغي ان ترى أبا حسن

وكنت ترميه بايثار الفتـن

فاليوم تلقاه مليا فاعلمن

بالضرب والطعن عليما بالسنن

قال ثم شد عليه علي بالسيف فضربه ضربة هتك بها عاتقه فسقط قتيلاً ، فوقف عليه علي وقال : قد رأيت أبا الحسن فكيف رأيته؟ (٢) قال وخرج أخوه عبد الله بن يبرى وهو يرتجز ويقول :

أضربكم ولو أرى علياً

عممته أبيض مشرفياً

واسمراً عنطنطا خطيا

ابكي عليه الولد والوليا

__________________

(١) و (٢) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١ / ٢٥٧ و ٩ / ١١١ و ١ / ٢٥٦.

١٨٨

قال : فخرج إليه علي عليه‌السلام متنكرا وهو يقول :

يا طالبا في حربه عليا

يمنحه أبيض مشرفيا

أثبت لتلقاه بها عليا

مهذبا سميدعاً كميا

قال ثم حمل عليه علي فضربه ضربة على وجهه فرمى بنصف رأسه ، وأنصرف علي يريد إلى أصحابه ، فصاح به صائح من ورائه والتفت فإذا بعبدالله بن خلف الخزاعي ـ وهو صاحب منزل عائشة بالبصرة ـ فلما رآه علي عليه‌السلام عرفه فنادى : ما تشاء يابن خلف؟ قال هل لك في المبارزة؟ قال علي عليه‌السلام : ما اكره ذلك ولكن ويحك يابن خلف ما راحتك في القتل ، وقد علمت من أنا ، فقال عبد الله بن خلف ، زرني من بذخك يابن أبي طالب وادن مني لترى أينا يقتل صاحبه فثنى إليه علي عليه‌السلام عنان فرسه ، قال : والتقيا للضراب فبدره عبد الله بن خلف بضربة ، دفعها علي عليه‌السلام بححفته ، ثم ضربه ضربة رمى بيمينه ثم ثناه بأخرى ، فاطار قحف رأسه (١) (٢).

قال « رضي الله عنه » العنطنط : الطويل المضطرب ، والسميدع : السيد الكريم الموطأ الاكتاف. وجال الأشتر بين الصفين وقتل من شجعان أهل الجمل جماعة واحداً بعد واحد مبارزة ، وكذلك عمار بن ياسر ومحمد بن أبي بكر واشتبكت الحرب بين العسكرين واقتتلوا قتلاً شديداً لم يسمع بمثله ، وقطعت على خطام الجمل ثماني وتسعون يداً ، وصار الهودج كأنه القنفذ (٣) مما فيه من النبل والسهام ، واحمرت الارض بالدماء ، وعقر الجمل من ورائه فعج (٤) ورغا ، فقال علي : عرقبوه فانه شيطان ، ثم التفت إلى محمد بن أبي بكر وقال : انظر

__________________

(١) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١ / ٢٦١.

(٢) قحف الرأس : فوق الدماغ ـ النهاية.

(٣) و (٤) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١ / ٢٦٢ ـ ٢٦٦.

١٨٩

إذا عرقب الجمل فادرك اختك فوارها ، وقد عرقب الجمل فوقع لجنبه وضرب بجرانه الارض ، ورغا رغاء شديداً وبادر عمار بن ياسر فقطع أنساع الهودج بسيفه واقبل علي عليه‌السلام على بغلة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقرع الهودج برمحه ، ثم قال : يا عائشة اهكذا أمرك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ فقالت عائشة [ يا ] أبا الحسن قد ظفرت فأحسن ، وملكت فاسجح ، وقال علي عليه‌السلام لمحمد بن أبي بكر : شأنك باختك فلا يدنو أحد سواك ، فأدخل محمد يده إلى عائشة فاحتضنها ، ثم قال : اصابك شيء؟ قالت لا ، ولكن من أنت ويحك فقد مسست مني ما لا يحل لك؟ فقال محمد : اسكتي فأنا محمد أخوك ، فعلت بنفسك ما فعلت ، وعصيت ربك وهتكت سترك وابحت حرمتك ، وتعرضت للقتل ، ثم ادخلها البصرة وانزلها في دار عبد الله بن خلف الخزاعي(١).

قال رضي الله عنه : ومن كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في ذم البصرة وأهلها : « كنتم جند المرأة واتباع البهيمة ، رغا فأجبتم ، وعقر فهربتم ، أخلاقكم دقاق ، وعهدكم شقاق ، ودينكم نفاق ، وماؤكم زعاق ، المقيم بين أظهركم مرتهن بذنبه ، والشاخص عنكم متدارك برحمة من ربه ، كأني بمسجدكم كجوجؤ سفينة قد بعث إليها العذاب من فوقها ومن تحتها وغرق من في ضمنها » (٢).

قال « رض » الزعاق : الماء الشديد الملوحة.

الفصل الثالث

في بيان قتال أهل الشام أيام صفين وهم القاسطون

٢٢٤ ـ أخبرنا سيد الحفاظ أبو منصور شهردار بن شيرويه بن شهردار

__________________

(١) انساب الاشراف ٢ / ٢٤٩ اقصر من ذلك.

(٢) خطبة ٦ من نهج البلاغة لصبحي الصالح.

١٩٠

الديلمي ـ فيما كتب الي من همدان ـ أخبرنا أبو الفتح عبدوس بن عبد الله بن عبدوس الهمداني كتابة ، أخبرنا أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم الشيباني ، حدثنا الحسين بن الحكم الحبري ، حدثنا اسماعيل بن أبان ، حدثنا اسحاق ابن ابراهيم الإزدي عن أبي هارون العبدي ، عن أبي سعيد الخدري قال : أمرنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين ، فقلنا : يا رسول الله أمرتنا بقتال هؤلاء ، فمع من؟ قال : مع علي بن أبي طالب ، معه يقتل عمار بن ياسر (١).

٢٢٥ ـ وأخبرنا أبو منصور شهردار هذا أخبرنا أبو الفتح عبدوس هذا كتابة ، أخبرنا الامام أبو بكر أحمد بن اسحاق الفقيه ، حدثنا الحسن بن علي ، حدثنا زكريا بن الخزاز المقري ، حدثنى اسماعيل بن عباد المقري ، حدثنا شريك ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله قال : خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأتى منزل ام سلمة ، فجاء علي فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : هذا والله قاتل الناكثين والقاسطين والمارقين بعدي (٢).

٢٢٦ ـ وأخبرني أبو منصور شهردار هذا كتابة ، أخبرني أبو الفتح عبدوس هذا كتابة ، حدثنا أبو بكر محمد بن بالويه ، حدثنا الحسن بن علي ين شبيب المعمري ، حدثنا محمد بن حميد ، حدثنا سلمة بن الفضل ، قال حدثني أبو زيد الاحول ، عن عتاب بن ثعلبة قال : حدثني أبو أيوب الانصاري في خلافة عمر بن الخطاب قال : أمرني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين مع علي بن أبي طالب عليه‌السلام (٣).

٢٢٧ ـ وأخبرنا الشيخ الزاهد أبو الحسن علي بن أحمد العاصمي ،

__________________

(١) اسد الغابة لابن الاثير ٤ / ٣٢ ـ ورواه ابن عساكر في ترجمة الإمام علي عليه‌السلام ٣ / ٢١٢.

(٢) تاريخ ابن عساكر ترجمة الإمام علي عليه‌السلام ٣ / ٢٠٦.

(٣) مستدرك الصحيحين ٣ / ١٣٩ ـ تاريخ ابن عساكر ترجمة الإمام علي عليه‌السلام ٣ / ٢١٣.

١٩١

أخبرنا القاضي الامام شيخ القضاة اسماعيل بن أحمد الواعظ ، أخبرنا والدي أحمد بن الحسين البيهقي ، أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد السبعى النيسابوري بها ، حدثنا أبو العباس الأصم ، حدثنا ابراهيم بن مرزوق ، حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث ، حدثنا شعبة ، عن خالد الحذاء ، عن سعيد بن أبي الحسن ، عن امه ، عن ام سلمة : ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعمار : تقتلك الفئة الباغية (١).

٢٢٨ ـ وبهذا الأسناد عن إبراهيم بن مرزوق هذا ، حدثنا أبو داود ، حدثنا شعبة ، عن خالد الحذاء ، عن الحسن بن أبي الحسن ، عن امه ، عن ام سلمة : ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعمار : تقتلك الفئة الباغية (٢) أخرجه مسلم في الصحيح.

٢٢٩ ـ وبهذا الأسناد عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، حدثنا أبو عبد الله ابن بطة الاصبهاني ، حدثنا الحسن بن الجهم ، حدثنا الحسين بن الفرج ، حدثنا محمد بن عمرو ـ هو الواقدي ـ حدثني عبد الله بن الحارث ، عن أبيه ، عن عمارة بن خزيمة بن ثابت قال : شهد خزيمة بن ثابت الجمل وهو لا يسل سيفاً ، وشهد صفين وقال لا اصلي ابداً (٣) حتى يقتل عمار ، فأنظر من يقتله فاني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : تقتله الفئة الباغية ، قال : فلما قتل عمار ، قال خزيمة : قد جازت لي الصلاة ، ثم اقترب فقاتل حتى قتل ، وكان الذي قتل عماراً ابو عادية المزني طعنه برمح فسقط وكان يومئذ يقاتل وهو إبن أربع وتسعين سنة ، فلما وقع اكب عليه رجل آخر فاحتز رأسه فأقبلا يختصمان كلاهما يقول : أنا قتلته ،

__________________

(١) و (٢) صحيح مسلم الجزء الثامن ـ / ١٨٦.

(٣) أي لا اصلي خلف امام حتى يتبين الإمام. هكذا في المخطوطات وروى ابن سعد في طبقاته ج ٣ ص ٢٥٩ هكذا : أنا لا أصل أبدا .. فلما قتل عمار.. قال خزيمة : قد بانت لي الضلالة وهكذا أيضاً رواه ابن الاثير في اسد الغابة ٤ / ٤٧.

١٩٢

فقال عمرو بن العاص : والله ان تختصمان إلا في النار ، فسمعها منه معاوية فلما انصرف الرجلان ، قال معاوية لعمرو : ما رأيت مثل ما صنعت ، قوم بذلوا أنفسهم دوننا تقول لهما : انكما لتختصمان في النار ، فقال عمرو : وهو والله ذاك والله انك لتعلمه ولو ددت اني مت قبل هذا بعشرين سنة (١).

٢٣٠ ـ وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرنا أبو الحسن علي ابن أحمد بن عبدان ، أخبرنا أحمد بن عبيد ، حدثني محمد بن اسحاق الصفار ، حدثني وهب ـ هو بن بقية ـ (٢) ، حدثني خالد يعني ـ ابن عبد الله ـ عن خالد الحذاء ، عن عكرمة : أن ابن عباس قال له ولعلي بن عبد الله بن عباس : انطلقا [ إلى ] ابى سعيد فاسمعا من حديثه ، فأتيناه فإذا هو في حائط له ، فلما رآنا جاء فاخذ ردائه ثم قعد فأنشا يحدثنا حتى أتى على ذكر بناء المسجد قال : كنا نحمل لبنة لبنة ، وعمار لبنتين لبنتين ، فرآه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فجعل ينفض التراب عن رأس عمار ويقول : يا عمار الا تحمل كما يحمل أصحابك؟ قال : اني أريد الأجر من الله عزوجل قال فجعل ينفض التراب عنه ويقول : ويحك تقتلك الفئة الباغية ، تدعوهم إلى الجنة ويدعونك إلى النار ، قال عمار : أعوذ بالرحمان ـ أظنه قال من الفتن ـ (٣).

قال أحمد بن الحسين البيهقي هذا حديث صحيح على شرط البخاري.

٢٣١ ـ وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، حدثنا أحمد بن عبد الجبار ،

__________________

(١) مستدرك الصحيحين ٣ / ٣٨٥ ورواه ابن الاثير في اسد الغابة ٤ / ٤٧٤ والطبقات الكبرى لابن سعد ٣ / ٢٥٩. وهذا كلام قالته عائشة أيضا بعد حرب الجمل ـ انظر شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١ / ٢٦٤.

(٢) في [ ر ] : (خ ل) : منبه.

(٣) صحيح البخاري الجزء الأول ص ٣ باب التعاون في بناء المسجد ـ الطبقات الكبرى لابن سعد ٣ / ٢٥٢ و ٢٥٢ ـ والحديث أيضاً في الجزء الرابع منه ص ٢١ باب مسح الغبار عن الناس.

١٩٣

حدثنا يونس بن بكير ، عن محمد بن اسحاق ، قال حدثني بريدة بن سفيان ، عن محمد بن كعب : أن كاتب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بهذا الصلح ، كان علي بن أبي طالب عليه‌السلام فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو ، فجعل على يتلكأ ويابى إلا أن يكتب : « محمد رسول الله » فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : اكتب فان لك مثلها تعطيها وأنت مضطهد ، فكتب : هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو (١)

٢٣٢ ـ قال رضي الله عنه : وروى السيد أبو طالب باسناده عن علقمة والاسود قالا : أتينا أبا أيوب الانصاري فقلنا : يا أبا أيوب ، ان الله أكرمك بنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله إذ أوحى إلى راحلته فبركت على بابك ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ضيفا لك ، فضيلة الله فضلك بها ، فاخبرنا عن مخرجك مع علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، قال أبو أيوب : فاني أقسم لكما : لقد كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في هذا البيت الذي أنتما فيه ، وما فيه غير رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلي جالس عن يمينه ، وأنا جالس عن يساره ، وأنس بن مالك قائم بين يديه ، إذ تحرك الباب فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : انظر من بالباب؟ فخرج أنس فنظر فقال : هذا عمار بن ياسر ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : افتح لعمار الطيب المطيب ، ففتح أنس ودخل عمار فسلم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فرحب به ثم قال لعمار : انه سيكون في امتي من بعدي هنات حتى يختلف السيف فيما بينهم وحتى يقتل بعضهم بعضا وحتى يبرأ بعضهم من بعض ، فإذا رأيت ذلك فعليك بهذا الأصلع عن يميني علي بن أبي طالب ، وان سلك الناس كلهم وادياً وسلك علي وادياً ، فاسلك وادى علي وخل عن الناس ، ان عليا لا يردك عن هدى ،

__________________

(١) شرح النهج لابن أبي الحديد ٢ / ٢٣٢ و ٢٣٣ من الطبقة الثالثة باختلاف يسير.

١٩٤

ولا يدلك على ردى ، يا عمار طاعة علي طاعتي وطاعتي طاعة الله (١)

قال رضي الله عنه : يقال فيه هنات وهنوات وهنيات : خصال سوء قال لبيد : إن البرى من الهنات سعيد.

الآثار :

٢٣٣ ـ أخبرني سيد الحفاظ أبو منصور شهردار بن شيرويه بن شهردار الديلمي ـ فيما كتب الي من همدان ـ أخبرنا الشيخ العالم محيى السنة أبو الفتح عبدوس بن عبد الله بن عبدوس الهمداني كتابة ، أخبرنا أبو الحسين (٢) محمد بن أحمد بن تميم الحنظلي بقنطرة بردان (٣) ، حدثنا محمد بن سعيد بن الحسن بن عطية بن سعد العوفي ، حدثني عمى عمرو بن عطية بن سعد ، عن أخيه الحسن بن عطية ، حدثني جدى سعد بن عبادة ، عن علي عليه‌السلام ، قال : أمرت بقتال ثلاثة ، القاسطين والناكثين والمارقين ، فأما القاسطون فاهل الشام ، وأما الناكثون فذكرناهم ، وأما المارقون فاهل النهروان ـ يعنى الحرورية (٤).

٢٣٤ ـ وأخبرنا الشيخ الزاهد أبو الحسن علي بن أحمد العاصمي ، أخبرنا شيخ القضاة إسماعيل بن أحمد الواعظ ، أخبرنا والدي أحمد بن الحسين البيهقي ، أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرنا أبو عمر عثمان بن أحمد الدقاق ، حدثنا عبد الملك بن محمد الرقاشي ، حدثنا وهب بن جرير وأبو الوليد ، عن شعبة ، عن عمرو بن مرة قال : سمعت عبد الله بن سلمة يقول : رأيت عمار

__________________

(١) حديث مشهور وله مصادر كثيرة منها : تاريخ الخطيب البغدادي ٣ / ١٨٦ ، تاريخ ابن عساكر ترجمه الإمام علي عليه‌السلام ٣ / ٢١٤ وفرائد السمطين للجويني ١ / ١٧٨.

(٢) في [ و ] : أبو الحسن.

(٣) قنطرة البردان ، بفتح الباء والراء : محلة ببغداد ، بناها رجل يقال له السرى بن الحطم صاحب الحطمية قرية قرب بغداد ـ معجم البلدان.

(٤) رواه ابن عساكر في ترجمة الإمام علي عليه‌السلام ٣ / ٢٠٢ واورده البلاذري في انساب الاشراف ٢ / ١٣٨ عن علقمة وروى أحمد بن حنبل في فضائل الصحابة ٢ / ٨٥٨ قطعة من الحديث.

١٩٥

بن ياسر يوم صفين شيخا آدما طويلا ، آخذ الحربة بيده ويده ترعد قال : والذي نفسي بيده لقد قاتلت بهذه الراية مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاث مرات ، وهذه الرابعة ، والذي نفسي بيده لو ضربوا بنا حتى يبلغوا [ بنا ] سعفات هجر لعرفنا ان مسلحتنا على الحق وانهم على الضلالة (١).

٢٣٥ ـ وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرنا أبو عبد الله مكي بن بندار الزنجاني ببغداد ، حدثنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن رجاء الحنفي بمصر ، حدثنا هارون بن محمد بن أبي الهيدام العسقلاني ، حدثنا عثمان بن طالوت بن عباد الجحدري ، حدثنى بشر بن أبي عمرو بن العلا ، حدثني أبي ، حدثني الذيال بن حرملة قال : سمعت صعصعة بن صوحان يقول : لما عقد علي بن أبي طالب عليه‌السلام أخرج لواء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولم ير ذلك اللواء مذ قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فعقده ، ودعا قيس بن سعد بن عبادة فدفعه إليه واجتمعت الأنصار وأهل بدر ، فلما نظروا إلى لواء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بكوا فانشأ قيس بن سعد بن عبادة « رض » يقول :

هذا اللواء الذي كنا نحف به

دون النبي وجبريل لنا مدد

ما ضر من كانت الانصار عيبته

أن لا يكون لهم من غيرهم عضد (٢)

٢٣٦ ـ وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرنا أبو الحسين بن الفضل ، حدثنا عبد الله بن جعفر ، حدثنا يعقوب بن سفيان ، حدثنا محمد بن مصفى ، حدثني يحيى بن سعيد ، عن يحيى ابي معشر ، عن محمد بن قيس ، عن ابن عمارة ، عن خزيمة بن ثابت قال : ما زال جدى كافاً سلاحه حتى

__________________

(١) حديث مشهور رواه جمع من الحفاظ منهم : ابن سعد في الطبقات ٣ / ٢٥٨ و ٢٥٩ ـ الحاكم في المستدرك ٢ / ١٤٨ ـ أحمد في المسند ٦ / ٢٨٩.

(٣) وقعة صفين لنصر بن مزاحم / ٤٥٣ ، والابيات هذه جاءت في اسد الغابة ٤ / ٢١٦.

١٩٦

قتل عمار بصفين ، فسل سيفه فقاتل حتى قتل.

قال أحمد بن الحسين البيهقي : لما قتل عمار بصفين ، اقتتل (١) أمير المؤمنين علي عليه‌السلام فيما زعم أهل التواريخ قتالاً شديداً وقتل من عدوه ليلة الهرير ناس كثير ، واتصلت الحرب بينهم حتى ولى اكثر أهل الشام أدبارهم ، فجعل معاوية ومن بقى معه مصاحفهم على رؤوس أرماحهم (٢) وقالوا : نحن ندعوكم إلى كتاب الله عزوجل وكان ذلك منهم مكراً وحيلة ، ليمسك أصحاب علي عن قتالهم فكان الأمر كما ظنوا واشاروا إلى علي عليه‌السلام بترك القتال (٣).

٢٣٧ ـ وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرنا السيد ابو الحسن محمد بن الحسين العلوي ، أخبرنا أبو الأحرز محمد بن عمر بن جميل ، حدثنا أبو بكر بن أبي الدنيا ، حدثنا عبد الله بن يونس بن بكير ، حدثنا أبي ، عن الأعمش ، حدثني من رأى عليا عليه‌السلام يوم صفين : يصفق بيديه ويعض عليهما فقال : يا عجبا أعصى ويطاع معاوية! (٤).

٢٣٨ ـ وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرني الحاكم أبو عبد الله الحافظ في التاريخ ، قال : سمعت أبا عثمان سعيد بن نصر الاندلسي يقول : سمعت أبا علي اسماعيل بن محمد الصفار يقول : سمعت أحمد بن عبيد بن ناصح يقول : سمعت أبا عبيد (٥) يحدث عن أبي سنان العجلي قال : قال ابن عباس لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب : ابعثنى إلى معاوية بن أبي سفيان بينك وبينه فوالله لافتلن له حبلا لا ينقطع وسطه ولا ينقضى طرفه ، فقال علي : لست من مكرك ومكر معاوية في شيء ،

__________________

(١) في [ ر ] : (خ ل) : قاتل.

(٢) ارماح : جمع رمح ويأتي جمعه على رماح أيضاً.

(٣) وقعة صفين ـ / ٤٧٦ وما بعدها.

(٤) وقعة صفين ـ لنصر بن مزاحم / ٣٨٨.

(٥) في [ و ] ـ أبا عبد الله.

١٩٧

والله لا اعطي معاوية إلا السيف حتى يغلب الحق الباطل ، قال ابن عباس : أو غير هذا ، قال كيف؟ قال [ ابن عباس ] : أنه يطاع ولا يعصى وانت عن قليل تعصى ولا تطاع ، قال فلما جعل اهل العراق يختلفون على علي عليه‌السلام قال : لله در ابن عباس انه لينظر إلى الغيب من ستر رقيق.

٢٣٩ ـ وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرنا أبو الحسين بن الفضل ، حدثنا عبد الله بن جعفر ، حدثنا يعقوب بن سفيان ، حدثنا سعيد ابن أسد ، حدثنا ضمرة عن ابن شوذب قال : قطع يوم صفين أربعون الف قصبة ، فوضعت كل قصبة على قتيل فنفدت القصبه (١) ولم تحص القتلى.

قال يعقوب وروى حماد بن زيد ، عن هشام ، عن ابن سيرين قال : بلغ القتلى يوم صفين سبعين الفا ، فما قدروا على ان يعدوهم إلا بالقصب.

٢٤٠ ـ وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرنا أبو الحسين بن بشران ، أخبرني أبو عمرو بن السماك ، حدثنا حنبل بن إسحاق ، حدثنا يعلى بن أسد ، حدثنا حاتم بن وردان ، حدثني علي بن زيد ، حدثني رجل من بني سعد قال : كنت واقفاً إلى جنب الأحنف بصفين ، والأحنف إلى جنب عمار ، فقال عمار : حدثنى خليلي : ان آخر زادك من الدنيا ضيحة لبن ، قال فبينا نحن وقوف إذ سطع الغبار وقالوا : جاء أهل الشام فقام السقاة يسقون الناس ، فجاءت جارية معها قدح فناولته عماراً ، فشرب وأعطى الاحنف فضله فشرب الاحنف وناولني فضله فإذا هو لبن ، فأصغيت إلى الأحنف فقلت : ان كان صاحبك صادقا ليقتلن الآن قال قال وغشينا الناس فسمعته يقول : الجنة.

الجنة تحت الأسنة

اليوم القى الاحبة

محمّداً وحزبه

__________________

(١) في [ و ] القصب.

١٩٨

فكان آخر العهد منه (١).

قال « رضي الله عنه » : الضيح والضياح : اللبن الرقيق.

وروى ان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام ارسل إلى معاوية رسله الطرماح وجرير بن عبد الله البجلي وغيرهما قبل مسيره إلى صفين ، وكتب إليه مرة بعد اخرى يحتج عليه ببيعة أهل الحرمين له وسوابقه في الإسلام ، لئلا يكون بين أهل العراق وأهل الشام محاربة ، ومعاوية يعتل بدم عثمان ويستغوى بذلك جهال الشام واجلاف العرب ويستميل طلبة الدنيا بالاموال والولايات ، وكان يشاور في اثناء ذلك ثقاته وأهل مودته وعشيرته في قتال علي رضي الله عنه فقال له أخوه عتبة : هذا أمر عظيم لا يتم الا بعمرو ابن العاص فانه قريع زمانه في الدهاء والمكر ، يخدع ولا يخدع ، وقلوب أهل الشام مائلة إليه ، فقال معاوية : صدقت والله ، ولكنه يحب عليا فأخاف ان لا يجيئنى ، فقال : اخدعه بالاموال ومصر ، فكتب إليه معاوية :

من معاوية بن أبي سفيان خليفة عثمان بن عفان ، امام المسلمين وخليفة رسول رب العالمين ذي النورين ختن المصطفى على ابنتيه وصاحب جيش العسرة وبئر رومة ، المعدوم الناصر ، الكثير الخاذل ، المحصور في منزله ، المقتول عطشاً وظلماً في محرابه ، المعذب بأسياف الفسقة ، إلى عمرو بن العاص ، صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وثقته وأمير عسكره بذات السلاسل ، المعظم رأيه ، المفخم تدبيره.

أما بعد لن يخفى عليك احتراق قلوب المؤمنين وما اصيبوا به من الفجيعة بقتل عثمان وما ارتكب به جاره حسدا وبغيا بامتناعه من نصرته وخذلانه إياه واشلائه (٢) الغاغة عليه حتى قتلوه في محرابه ، فيالها من مصيبة

____________

(١) الامامة والسياسة ١ / ١٢٦.

(٢) الإشلاء : الاغراء. يقال أشلى الكلب على الصيد وهو مأخوذ من الشلو ، لأن المراد به التسليط على أشلاء الصيد وهي اعضاؤه. والغاغة : الكثير المختلط من الناس.

١٩٩

عمّت جميع المسلمين وفرضت عليهم طلب دمه من قتلته ، وانا أدعوك إلى الحظ الأجزل من الثواب والنصيب الأوفر من حسن المآب بقتال من آوى قتلة عثمان.

فكتب إليه عمرو : من عمرو بن العاص صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى معاوية بن أبي سفيان.

اما بعد فقد وصل كتابك فقراته وفهمته ، فأما ما دعوتني إليه من خلع ربقة الإسلام من عنقي والتهور في الضلالة معك ، وإعانتي إياك على الباطل واختراط السيف على وجه علي وهو أخو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ووصيه ووارثه ، وقاضي دينه ومنجز وعده ، وزوج ابنته سيدة نساء أهل الجنة ، وأبو السبطين : الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة ، فلن يكون ، واماما قلت إنك لخليفة عثمان ، فقد صدقت ولكن تبين اليوم عزلك عن خلافته وقد بويع لغيره فزالت خلافتك ، وأماما عظمتني ونسبتني إليه من صحبة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وانى صاحب جيشه فلا أغتر بالتزكية ولا أميل بها عن الملة ، وأما ما نسبت أبا الحسن أخا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ووصيه إلى الحسد والبغى على عثمان وسميت الصحابة فسقة ، وزعمت أنه اشلاهم على قتله ، فهذا كذب وغواية.

ويحك يا معاوية ، أما علمت أن أبا حسن بذل نفسه بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وبات على فراشه وهو صاحب السبق إلى الإسلام والهجرة وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : هو مني وأنا منه ، وهو منى بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدى ، وقد قال فيه يوم غدير خم : ألا من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ، وهو الذي قال فيه عليه‌السلام يوم خيبر : لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله ، وهو الذي

٢٠٠