الاستغاثة - ج ٢

أبو القاسم علي بن أحمد الكوفي

الاستغاثة - ج ٢

المؤلف:

أبو القاسم علي بن أحمد الكوفي


الموضوع : العقائد والكلام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٩٢
الجزء ١ الجزء ٢

الجنة قد أحدث كل واحد منهم ما يخالف شريعد الله واحكام دينه من فرائضه وسنن رسوله ، وذلك مثل ما شرحناه من بدع الثلاثة وما قد ارتكبوه من المسلمين وأحدثوه من الفساد في الدين فطرقوا به سبل الضلالة ومناهج الجور لكل من اقتفى آثارهم من بعدهم وسلك سبيلهم ، واما الستة الباقون من التسعة فمنهم طلحة والزبير اللذان ارتكبا من رسول الله (ص) في هتك حريمه مالا يرتكبه منه كافر ولا مشرك بقصدهما اخراج حرمته يسيران بها بين العساكر في البراري والفلوات غير مبالين في ذلك ولا متحرجين مع ما قد أجمع اهل الخبر عليه من الرواية ان رسول الله (ص) قد أعلم طلحة والزبير واعلم عائشة زوجته أنهم سيقاتلون عليا صلوات الله عليه ظالمين له فلم يردهم ذلك من قول رسول الله (ص) عن محاربتهم عليا عليه السلام الا ظلما واعتداء وعن سفك ما سفك منهم من الدماء وتلك الدماء كلها في عنقيهما وعنق عائشة جميعا ، وقد زعم الجهال منهم ان الزبير قتل تائبا قتله عمر بن جرموز اعتيالا في رجوعه الى مكة تائبا فقال لهم اهل الدين والتمييز ان ذلك من الزبير لم تكن توبة له لانه اورد الذين جلبهم للحرب مورد الحرب (١) وقذف بهم مناهج الضلالة وحرضهم على محاربة صاحب الحق ودعاهم الى ذلك فكانت تربته ان يقوم في القوم مناديا بظلمه واعتدائه ويعلم من كان معه على رأيه هذا بالظلم ليرجعوا برجوعه ثم يصير بعد ذلك الى امامه علي بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام فيضع يده بيده وينصرف بين امره ونهيه فلما لم يفعل ذلك كان ممن حقت عليهم كلمة الرسول (ص) حين قال (اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله) وكان الزبير في أول أمره محاربا له ومعاديا

__________________

(١) الحرب هنا بفتح الراء المهملة بمعنى الهلاك ، ولعمري أي هلاك اوردهم للزبير مورده فكم نفوس هلكت ودما اريقت في حرب البصرة وفتنة الجمل

(الكاتب)

٦١

وفي آخره خاذلا فقد حقت عليه الدعوة بالعداوة والخذلان جميعا من الله ورسوله ومن حقت عليه دعوة الرسول (ص) بذلك فالنار أولى به من الجنة وأما طلحة بن عبيد الله فانه قتل في معركة الحرب قتله مروان ابن الحكم وزعم انه بقتله طلب دم عثمان فان طلحة كان ممن حضر في دار عثمان ، فقتلا جميعا طلحة والزبير محاربين خاذلين مع ما قد سمعناه من دعوة الرسول (ص) بالعداوة من الله والخذلان لفاعل ذلك ، وليس يخلو حالهما في ذلك ان يكونا استهانا بدعوة الرسول (ص) وعداوة الله أو ان يكونا قد رأى ان دعوة الرسول (ص) غير مجابة ، ولا وجه ثالث لهما يوجب تأويله في دعوة الرسول (ص) بذلك ومن قصد الوجهين أو واحدا منهما فقد خرج من دين الله وشريعة الاسلام. هذا مع ما يلزمهما من عقوبة ما قصدا له من الاذى الذي ادخلاه على رسول الله (ص) باخراجهما زوجته من بيتها ومن سترها وما ضربه الرسول (ص) من الحجاب لانه من المحال ان يخرجا زوجته من بيتها ومن سترها الى مواطن الحرب وتصفح وجوه الرجال في مواقف الصفوف والعساكر الا وهما قد ادخلا على رسول الله (ص) الاذى العظيم بذلك والله يقول (ان الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والاخرة واعد لهم عذابا مهينا) هذا وقد سمعنا الله يأمر نساء النبي (ص) بالاستقرار في بيوتهن بقوله (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء ان اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الاولى) فاستخفا جميعا بأمر الله في ذلك وحملاها على مخالفة الرسول ـ ص ـ فيما امرت به ونهيت عنه وكان الواجب عليهما فيما يلزمهما من طاعة الله وحق رسوله ان لو ارادت عائشة الخروج معهما واستدعت ذلك منهما أن يمنعاها من ذلك ويلزماها بيتها صيانة لحرمة رسول الله ـ ص ـ وينهماها عن مخالفة

٦٢

كتاب الله ولكنهما صانا حرمهما في منزلهما واخرجا حرمة رسول الله (ص) وعصيانا في ذلك كله لله ولرسوله (ص) وكانت هي مشاركة لهما فيما استحقاه على ذلك من اليم العقوبة إذ اطاعتهما في معصية الله وهتك سترها الذي اسبله الله عليها ورسوله (ص) فلينظر الناظر بحق في هذا الذي شرحناه وبيناه هل هو من فعل من يجوز أن يشهد له الرسول (ص) بالجنة كلا بلا شهادته لهو بالنار أقرب من شهادته لهم بالجنة عند ذوي الفهم.

وأما سعد بن أبي وقاص فرجل يروي عنه الخاص والعام انه قال سمعت رسول الله (ص) يقول في علي (من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله) وانه قال سمعت رسول الله (ص) يقول (علي مع الحق والحق مع علي يدور معه حيثما دار لن يفترقا حتى يردا علي الحوض) وهذا وجد عنه في رواية جميع اصحاب الحديث حتى قد اودعوه كتابا لهم يعرف بكتاب السنة ، ثم رووا عنه بعد هذا كله أن عليا عليه السلام دعاه الى نصرته والخروج معه في حروبه فامتنع عليا وقال له ان اعطيتني سيفا يعرف المؤمن من الكافر فيقتل الكافر وينبو عن المؤمن خرجت معك ، وقد جعل اصحاب الحديث من الحشوية هذا من مناقبه في ورعه بزعمهم ، وهذا قول من لا يؤمن بالله ولا برسوله لانه لم يعرف المؤمن بالله ولا برسوله بزعمه فقد شهد انه قد سمع رسول الله (ص) يقول في علي عليه السلام ما قد رواه وليس يخلو حال سعد في خذلانه لعلي عليه السلام بقعوده عنه أن يكون استحق بهذا القول من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اللعنة ولم يتخوف من مخالفته أو ان يكون ظن في نفسه ان دعوة الرسول (ص) غير مستجابة في ذلك ولا موجبة ، ومن ظن هذا وقصد الوجه الاول فقد خرج من كل دين الله جل اسمه ، ولا وجه آخر يتأول في هذا المعنى بعد هذين الوجهين وكذلك ايضا حاله فيما شهد به من قوله انه سمع رسول الله (ص)

٦٣

يقول (علي مع الحق والحق مع علي يدور معه حيثما دار) لا يخلو في ذلك من ان يكون كذب على الرسول (ص) وقد قال رسول الله ـ ص ـ من كذب على عامدا متعمدا فليتبؤ مقعده من النار ، ان يكون الراوون عن سعد هذا الخبر كذبوا على سعد فان اقروا بالكذب على سعد لزمهم ايضا تكذيبهم فيما رووا عن الرسول ـ ص ـ من الشهادة للعشرة بالجنة وفي غيره من جيمع رواياتهم حتى لا يصححوا عن سلفهم شيئا من الرواية ، وكفى بهذا خزيا عند من فهم أو ان يكون سعد لم يصدق رسول الله ـ ص ـ فيما قاله من ذلك ومن لم يصدق رسول الله ـ ص ـ في اخباره كفره بغير خلاف أو ان يكون سعد سمع بذلك وتيقنه انه كما قال الرسول ـ ص ـ فتهاون بالحق وعانده ومن تهاون بالحق وعانده فقد كفره الحق ومن كره الحق كان ممن قال الله فيه ـ ذلك بأنهم كرهوا ما انزل الله فأحبط أعمالهم ـ لان جميع ما انزل الله في كتابه وبعث به رسوله فهو الحق لقوله ـ هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ـ وقوله ـ وبالحق انزلناه وبالحق نزل وقوله ـ انا ارسلناه بالحق بشيرا ونذيرا ـ ومن كان هذه صفته كان الى صفات الكفر أقرب منه الى صفات الايمان وكانت الشهادة له بالنار احرى من الشهادة له بالجنة.

وأما سعيد فانه مات ولم تكن العداوة منه قد ظهرت لامير المؤمنين عليه السلام وأهل بيت الرسول عليهم السلام بعناد ظاهر الا انه قد روي عن طريق أهل البيت عليهم السلام انه كان من اصحات العقبة الذين جلسوا لرسول الله ـ ص ـ لينفروا به ناقته في عقبة هو شى فان كان ما رووا من من ذلك حقا فكفى به خزيا ومقتا وان كان باطلا فسبيله كسبيل غيره من المسلمين ان كان قد عمل خيرا فخير وان كان عمل شرا فجزاؤه جهنم

واما عبد الرحمن بن عوف الزهري فرجل قد أجمع الخاص والعام انه كان أحد الستة الذين جعل عمر الشورى بينهم وفي وقت وفاته قال للخمسة

٦٤

اني أهب لكم نصيبي ونصيب ابن عمي سعد بن أبي وقاص على أن اكون المختار للامام منكم ففعلوا ذلك فاستعرض الاربعة الباقين وهم علي وعثمان وطلحة والزبير فاختار من الاربعة عليا وعثمان فلما اراد ان يختار واحدا من الاثنين قال لعلي عليه السلام ان اخترتك لهذا الامر تسير فينا بسيرة أبي بكر وعمر فقال علي عليه السلام بل اسير فيكم بكتاب الله وسنة رسوله (ص) فتركه وصار الى عثمان فقال ان اخترتك تسير فينا بسيرة أبي بكر وعمر فقال نعم فاختاره وبايع له ، فانظروا الى هذا الحال وما طالب به عبد الرحمن بن عوف وما كان جواب علي عليه السلام في ذلك فان كانت سيرة أبي بكر وعمر على كتاب الله وسنة نبيه فما معنى ذهابه الى سيرة أبي بكر وعمر ، وان كانت سيرة أبي بكر وعمر بخلاف كتاب الله وسنة رسوله (ص) فكفى بذلك خزيا لمن طلبه ، ولعمري لقد كانت كذلك بما قدمنا ذكره من بدعهما ، ثم رووا عنه بعد هذا كله أنه جرى بينه وبين عثمان جدال من مدة من بيعته فقال له عثمان يا منافق فقال له عبد الرحمن ما ظننت اني أعيش الى زمان تقول في فيه يا عثمان يا منافق ثم حلف انه لا يكلمه ما عاش فبقى مهاجرا له طول حياته حتى مات (١) هذا مع ما رووا جميعا ان الرسول (ص) قال لا يحل لمؤمن ان يهجر اخاه المؤمن اكثر من ثلاثة أيام فان كان عثمان مؤمنا فقد خالف عبد الرحمن قول رسول الله (ص) في مهاجرته لعثمان سنين حتى مات على ذلك من غير توبة منه ومن قصد مخالفة الرسول (ص) عامدا متعمدا فقد تهاون بقول الرسول (ص) واستخف بحقه ومن جرى على ذلك كانت النار مأواه ، مع ما يلزمهم من قول عثمان لعبد الرحمن يا منافق لانه

__________________

(١) ومن الغريب ما ذكره المحب الطبري في الرياض النضرة في ترجمة عبد الرحمن انه مات وصلى عليه عثمان وكان اوصى بذلك ، ليت شعري كيف يوصى ان يصلي عليه عثمان وهو عدوه الالد ، وابن حجر في الاصابة يروي صلاة الزبير بن العوام عليه

الكاتب

٦٥

لا يخلو الحال في ذلك من أن يكون عثمان صادقا فيما قاله لعبد الرحمن أو يكون كاذبا فان قالوا كاذبا فقد قال الله في كتابه (انما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بايات الله) وكفى بهذا خزيا ومقتا ، وان قالوا كان صادقا فعبد الرحمن كان منافقا بشهادة عثمان عليه وتصديقهم لعثمان بشهادته بذلك والله يقول (ان المنافقين في الدرك الاسفل من النار) وكفى بهذا خزيا.

وأما أبو عبيدة الجراح فالرواية عن أهل البيت عليهم السلام انه كان أمين القوم الذين تحالفوا في الكعبة الشريفة انه ان مات محمد أو قتل لا يصيروا هذا الامر الى اهل بيته من بعده وكتبوا بينهم صحيفة بذلك ثم جعلوا ابا عبيدة بينهم أمينا على تلك الصحيفة ، وهي الصحيفة التي روت العامة ان أمير المؤمنين عليه السلام دخل على عمر وهو مسجى فقال ما ابالي ان القى بصحيفة هذا المسجى (١) وكان عمر كاتب الصحيفة ، فلما أودعوه الصحيفة خرجوا من الكعبة الشريفة ودخلوا المسجد ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيه جالسا فنظر الى أبي عبيدة فقال هذا أمين هذه الامة على باطلها يعني امين النفر الذين كتبوا الصحيفة فروت العامة ما يدل على هذا المعنى ان رسول الله (ص) قال أبو عبيدة أمين هذه الامة فقيل لهم ان الامين لا يخلو من أحد الوجهين اما أن يكون أمينا لقوم على وديعة أو معاملة أو توسط أو مشاكل ذلك ، وما أن يكون أمينا عليهم وليس في القوم ثقة وأمين غيره أو يكون فيهم أمين غيره ، فان قلتم ان الصحابة ليس فيهم

__________________

(١) الذي رواه المحب الطبري في الرياض النضرة ج ٢ ص ٧٧ مرسلا عن جعفر بن محمد عن ابيه عليه السلام بلفظ ، قال لما غسل عمر وكفن وحمل على سريره وقف عليه علي عليه السلام فقال والله ما على الارض رجل أحب الي ان القى الله بصحيفة هذا المسجى بالثوب (ثم قال) خرجه في الصفوة وابن السمان في الموافقة وعد صاحب الرياض النضرة وغيره من اوليائه.

(الكاتب)

٦٦

أمين غير ابي عبيدة فكفى بهذا القول خزيا لقائله ، ان قالوا كان أمينهم على كل شئ كان لهم عنده قلنا لهم عرفونا ذلك أي شئ فكانوا في ذلك صما بكما عميا فقيل لهم قلة معرفتكم بذلك ووجود جهلكم به دليل على صحة خبر أهل البيت عليهم السلام ، وهذا الحال من جهلكم يوجب التهمة لابي عبيدة ومن كان بهذه الصفة كان بعيدا من الشهادة له بالجنة فهل ترون فيما شرحناه من أحوال هذه للتسعة حالا يوجب لهم ما ادعاه أهل الغفلة وما تخرصوا فيهم أهل الضلالة كلا ان الله لا يصلح عمل المفسدين.

وأما ما رووا من تخرصهم ان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال بزعمهم ان الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم من اعمال الشر أو قال اعملوا ما شئتم من اعمال الخير والبر فان قالوا اراد اعمال الخير والبر قيل لهم هذا غير مستنكر ان يكون الله قد غفر لهم ما كان منهم من كراهية الجهاد في هذه المواطن كما اخبر عنهم في قوله (كما اخرجك ربك من بيتك بالحق وان فريقا من المؤمنين لكارهون) الى آخر القصة فهذه أحوال كلها مذمومة من أهل بدر فجائز ان يكون الله قد غفر لهم من بعد بأفعال جميلة ظهرت منهم ثم قال له رسول الله (ص) استأنفوا عمل الخير بالطاعة وحسن العمل والتسليم ، وان كان هذا فيهم كذلك فليس هذا حالا يوجب لاهل بدر كلهم النجاة بل يوجب لمن استأنف منهم اعمال الخير بالسارعة الى الطاعة والانقياد بالرضا والتسليم الى ما قد وعدهم الله من المغفرة والعفو عن الدين وصفهم فيه بالاعمال المذمومة ومن قصر في ذلك وجرى الى خلاف ما يرتضيه اله منه حمله من بعد معانيه مما يلزم غيره من المسلمين وان قالوا انه اراد بقوله اعملوا ما شئتم من الاعمال السيئة كان قائل هذا جاهلا متخرصا لان هذا يوجب اباحة المحارم لاهل بدر والتحليل لهم ما حرمه الله على غيرهم في الشريعة من الزنى والربا وشرب الخمر وقتل النفس التي

٦٧

حرم الله قتلها وما شانه ذلك من المحرمات من أكل الميتة والدم ولحم الخنزير الى غير ذلك من المحرمات في الدين لان في خبرهم انه قال لهم اعملوا ما شئتم من الاعمال السيئة دليلا على انه قد جعل الاختيار إليهم في ذلك ان شاؤا قللوا وان شاؤا كثروا ، وكفى بهذا المذهب لمن اعتقده وجادل عليه خزيا وفضيحة ومقتا ، وان قالوا ان الله قد علم انهم لا يأتون بشئ من ذلك ، قيل لهم ان كان هذا كما وصفتم فقوله اعملوا ما شئتم وهم لا يعملون لا معنى له ولا فائدة فيه ، وليس هذا من قول الحكيم ولا فهم عليم ، وان قالوا انما اراد بذلك اظهار جلالة منزلتهم للناس وتبيين فضيلتهم بتحليل المحارم والاباحة للمحظورات فيجعل للجاهل سبيلا الى الدخول في ذلك أو في شئ منه ، قيل لهم هذا مالا يستقيم عند ذوي عقل ولا فهم ، مع ما يقال لهما كيف يصح ما يقولون ان الرسول (ص) قد علم انهم لا يأتون بما يذم منهم وقد رووا ان الرسول (ص) قال للزبير انك تقاتل عليا وانت ظالم له ، فلو كان قد اباح لهم ما زعمتم لكان قوله (ص) للزبير تقاتل عليا وانت ظالم له ظلما من الرسول (ص) واعتداء على الزبير إذ كان الله بزعمهم علم انهم لا يأتون بما يذم منهم ، وقد رووا ان الرسول (ص) قد أباح لهم ما شاؤا من الخير والشر ومن اباح الله له ذلك فليس هو بظالم في كل ما فعل ومن قال انه ظالم فهو الظالم على ايجابكم هذا الفظيع من المقال الظاهر من هذا المحال ، ومن زعم ان الرسول (ص) ظالم في باب من الابواب كفر بغير خلاف وقد وجدنا الزبير قد أقر من كتاب الله على نفسه وعلى من كان معه بروايتكم ذلك عنه بما يضاهي قول الرسول (ص) له ستقاتل عليا وأنت ظالم له فقد رويتم عنه باجمعكم انه قال يوم الجمل بالبصرة ما زلنا نقرأ هذه الاية وما ندري ما اراد بها حتى علمنا الان انا المقصود بها وهي قول الله عز وجل (واتقوا فتنة لا تصبين الذين ظلموا منكم خاصة) وقد كان طلحة والزبير من البدريين عظيمي

٦٨

المنزلة عندكم وقد تقلدا من سفك الدماء بينهما وبين أمير المؤمنين صلوات الله عليه وآله في يوم حرب الجمل مع عائشة ما لا تقوم به الجبال ولا تنهض به السموات والارضون إذ كانا السبب في سفك تلك الدماء بينها. وبين أمير المؤمنين عليه السلام مع شهادة الرسول (ص) عليهم بالظلم في تلك الحالة ومن شهد عليه الرسول (ص) بالظلم كان محالا ان يكون ممن اباح الله له ما وصفه اهل الغفلة لاهل بدر ، وفي هذا كفاية لمن فهم من الدلالة على تخرصهم وافترائهم على الله وعلى رسوله غير الحق.

واما ما زعموا من تأويل قول الله تعالى (والسابقون الاولون من المهاجرين والانصار) وزعموا ان ابا بكر وعمر كانا من المهاجرين فقد قالوا هذا زورا وتخرصوا أفكا فان المهاجرين الاولين هم الذين هاجروا الهجرة الاولى وهي الهجرة الى الرسول (ص) في حصاره بمكة حين حاصر قريش بني هاشم مع رسول الله (ص) في شعب عبد المطلب أربع سنين والامة مجمعة ان أبا بكر وعمر لم يكونا معهم في المواطن فكيف يدعون لهما انهما من المهاجرين الاولين ، وأما الاولون فهم السبعون الذين جاؤا الى مكة فبايعوا رسول الله (ص) في منزل عبد المطلب ليلا في عقبة مكة وهم العقبيون المعروفون باجماع أهل الاثر ، واما شهادة الله لهم بالرضا ولمن اتبعهم باحسان وما وعدهم الله من الخلود في الجنة فقد يمكن ان يكون ذلك منه خصوصا من قول عز وجل وان كان مخرج الكلام العموم فهذا في كتاب الله موجود من خطاب الخصوص وهو عموم ومن خطاب العموم وهو خصوص لمن استقام منهم دون من لم يستقم والنظر به يدلنا على ان الله عز وجل انما رضى عمن استقام في طاعته وان الجنة اعدها لمن سارع الى مرضاته وتجنب معاصيه ومن خرج من هذا الحال كان محالا ان يستحق الرضا من الله فما لهم في هذا الحال حجة والحمد لله.

ومثل هذا قوله (لقد رضى الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة)

٦٩

وذلك ان هذا الرضا ايضا ان كان عن شئ تقدم منهم فرضى عنهم في ذلك حين تابوا منه ورجعوا عنه فهذا باجماع قول الناس نزل في عام الحديبية حين وقعت الهدنة بين رسول الله (ص) وبين قريش فأنكر ذلك جماعة من الصحابة وكان يومئذ معه الف وسبعمائة رجل فخالفوا رسول الله (ص) في أمره حين أعطى قريش ما التمسوه من الهدنة فقالوا لرسول (ص) لا نرضى بهذا الصلح ولا نعطي الدية في ديننا ونحن على الحق وهم على الباطل فأخذ رسول الله (ص) عند ذلك بيد علي عليه السلام فجلسا تحت الشجرة ونزل القوم الذين خالفوه فاخذ المسلمون السلاح فحملوا على قريش حملة رجل واحد فحملت عليهم قريش فانهزموا من بين ايديهم يقع بعضهم على بعض في الهزيمة وتبعتهم قريش فأمر رسول الله (ص) عند ذلك عليا عليه السلام ان يلقي قريش فيردها فقام علي عليه السلام في وجوه قريش فصاح بهم فارتعدوا وقالوا جاء علي بأمر ، ثم قالوا يا علي هل بدا لابن عمك فيما اعطانا من الهدنة فقال لا فهل بدا لكم انتم قالوا لا قال فانصرفوا فرجعت قريش وسار وفد منهم الى رسول الله (ص) فكتبوا كتاب الهدنة والصلح بشرطها وندم اصحاب الرسول (ص) على ما كان منهم من الخلاف على رسول الله (ص) فاعتذروا إليه فأقبل الرسول (ص) يوبخهم بذكر المواطن التي هربوا فيها واسلموا الرسول (ص) في معارك الحرب فقال الستم الذين انزل الله فيكم يوم بدر كذا ثم الذين كان منكم كذا وكذا حتى عدد عليهم المواطن التي كان منهم فيها الفشل والفضيحة والهزيمة فاعتذروا عند ذلك واظهروا التوبة والاعتراف بالذنب فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الا تعودوا الا البيعة فقد نقضتم ما كان لي في أعناقكم بخلافكم علي فبايعوه عند ذلك تحت الشجرة وبايعهم بيعة الرضوان عنهم من ذلك الخلاف وتلك الخطيئة في ذلك الموطن من الحدبية وكان هذا رضوانا من شئ معلوم بعد سخط وقع عليهم فيه فأنزل الله عند ذلك يعرفهم انه قد

٧٠

رضي عنهم من ذلك الخلاف فقال تعالى (لقد رضى الله من المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة) ثم قال ما دلنا به على ان فيهم من ثبت وفيهم من نكث فقال (ان الذين يبايعونك انما يبايعون الله يد الله فوق ايديهم فمن نكث فانما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما) فدلنا هذا القول من الله على ما وصفناه من نكث بعضهم ووفاء آخرين منهم وذلك أن الله لو علم أنهم لم ينكثوا جميعا ولا واحد منهم لما كان يقول سبحانه وتعالى (فمن نكث فانما ينكث على نفسه) إذ كان لا فائدة فيه والله احكم من ان يقول قولا لا فائدة فيه فلما قال ذلك علم ان منهم من نكث في وقته ومنهم من وفى به ، ولعمري ان من وفى منهم بشروط تلك البيعة فان الرضا له واقع ومن نكث منهم فعليه السخط وقد وجدنا من أبي بكر وعمر خاصة النكث ومن جماعة كثيرة من الرؤساء الذين بايعوا تحت الشجرة على ان لا يفروا ولا ينهزموا بل يثبتوا للموت في الحرب حتى يقتلوا أو يغلبوا كما رووا جميعا عن جابر بن عبد الله الانصاري انه قال بايعنا رسول الله (ص) على الموت ثم وجدناهم بعد ذلك وفي عقب تلك السنة قصدوا بلاد خيبر فدفع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الراية الى أبي بكر فانصرف بها منهزما فدفعها الى عمر فانصرف بها منهزما وكان أول النكث منهما من بعد بيعة الرضوان ثم تكامل النكث من اكثرهم يوم خيبر بعد فتح مكة فانصرفوا كلهم وكانوا تحت الراية يومئذ اثنى عشر الفا فلم يثبت منهم الا ثمانون رجلا مع رسول الله (ص) تحت الراية ، وإذا كانت بيعتهم تحت الشجرة المسماة ببيعة الرضوان ان لا يفروا ولا ينهزموا ثم فروا وانهزموا أفليس قد نكثوا بيعة الرضوان وخرجوا من الرضوان فدل أمرهم في ذلك على انهم بخلاف ما يدعيه أهل الغفلة فيهم.

وأما تأويلهم في قول الله تعالى (والذي جاء بالصدق وصدق به) وأنهم يزعمون انه أبو بكر فهذا من تخرصهم وزورهم وبهتانهم لان ابا بكر أسلم

٧١

من بعد قوم اسلموا منهم أمير المؤمنين علي عليه السلام وجعفر أخوه وخديجة بنت خويلد وزيد بن حارثة فلو كان هذا نزل في أول من صدق برسول الله (ص) لكان اول مصدق به قبل أبي بكر أحق بهذا الاسم ولكنا نقول ان هذا مقصود به كل مصدق به تقدم أو تأخل وليس لاحد في هذا خاصة فضيلة دون غيره من المصدقين برسول الله (ص) فيما جاء به من عند الله جل اسمه وانما اخبر الله سبحانه ان الرسول (ص) قد جاءهم بالصدق ثم قال فمن صدق به فهم المتقون ، ألا تسمع قوله الموافق قولنا حيث يقول (والذي جاء بالصدق وصدق به اولئك هم المتقون) وهذا حال يوجبه النظر لمن تقدم وتأخر من جميع المصدقين فان كان أبو بكر ممن صدق فهو واحد من الصديقين.

وأما دعواهم ان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم سماه صديقا فما وجدنا في شئ من الاخبار ان ابا بكر ادعاه لنفسه وانما هو شئ تخرصه اولياؤه ممن اراد تزيين امره من بعده وتعظيمه في قلوب العامة (١) فلو كان هذا كما وصفوا لكان أبو بكر ادعاه لنفسه وقاله في المواطن التي كان يؤدى فيها

__________________

(١) قال شيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي رحمه الله في تلخيص الشافي ص ٤٣٤ أما ادعاؤهم انه عليه السلام كان يسميه صديقا فدون صحته خرط الفتاد وليس يقدر أحد على ان يروي عنه عليه السلام في ذلك خبرا معروفا وانما معولهم على الشهرة والظهور وليس في ذلك دلالة على الصحة لانه قد يتقرب الى ولاة الامر وملاك الحل والعقد في الالقاب والسمات والصفات وغير ذلك ما يبلغ من الشهرة أقصاها وينتهي الى ان يغلب على الاسماء والكنى ولا يقع التعريف الا به ومع ذلك فلا يكون صادرا عن حجة ولا منبئا عن صحة ولو قيل لمدعي ذلك أشر الى الحال التي لقبه فيها النبي عليه السلام بالصديق والمقام الذي قام بذلك لعجز عن ايراد شئ مقنع

(الكاتب)

٧٢

كما رووا جميعا ان رووا جميعا أن أمير المؤمنين عليه السلام قال في مواطن على المنبر وغيره انا الصديق الاكبر فلم ينكر ذلك منه احد بل أذعن له كل من سمعه وصدقه في ذلك ، ولسنا نعرف في هذا الاسم لاحد ادعاه لنفسه غير أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.

وأما ما أدعوه تخرصا وافتراء من قول الله عز وجل (فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى) الى قوله (وسيجنبها الاتقى الذي يؤتى ماله يتزكى) فزعموا ان هذا نزل في أبي بكر ، فسبحان الله ما أجهلهم وأقل تخوفهم (١) اليس قد روى علماؤهم وأصحاب حديثهم مع موافقه أهل البيت عليهم السلام على ذلك أن هذا نزل في رجل من الانصار كان له نخلة في حائط دار رجل آخر من الانصار فكان صاحب الحائط يتأذى بتلك النخلة وصبيانه يترددون الى النخلة فتأذى صاحب الدار وشكا ذلك الى رسول الله (ص) فدعا رسول الله (ص) صاحب النخلة فقال له تجعل هذه النخلة لاخيك هذا يعني صاحب الدار واضمن لك نخلة في الجنة فقال يا رسول الله انا محتاج الى نخلتي في العاجل فلم يفعل فسمع ذلك رجل آخر من الانصار فأقبل الى رسول الله (ص) فقال يا رسول الله أتضمن لي هذه النخلة في الجنة حتى اشتري هذه النخلة وأجعلها لصاحب الدار قال نعم فقال لصاحب النخلة انها لرجل نعرف حائط نخلي في موضع كذا في المدينة قال نعم ـ يعني بستانا

__________________

(١) قال شيخ الطائفة الشيخ الطوسي رحمه الله في تلخيص الشافي ص ٤٢٨ أما قوله (فأما من أعطى واتقى) فأنها عامه في كل من أعطى وصدق فحملها على التخصص بلا دليل اقتراح لان قائله لا يجد فرقا بينه وبين من خصها بغير من ذكروه ، على انهم رووا عن عبد الله بن عباس وأنس ابن مالك وغيرهما انها نزلت في أبي الدحداح الانصاري هو الذي صدق بالحسنى وسمرة بن جندب هو الذي بخل واستغنى ، وإذا تكافأت الروايتان سقطتا وبقيت الاية على عمومها.

٧٣

كان له قال ـ فكيف هو قال لم اجد في المدينة مثله قال هو لك بهذه النخلة واجعلها لي قال قد فعلت فدفع إليه البستان وأخذ منه تلك النخلة فجعلها لصاحب الدار فقطعها من حائطه وضمن له رسول الله (ص) نخلة في الجنة فأنزل الله تعالى فيهما فقال في صاحب البستان (فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى) يعني بالحسنى الجنة حين ضمن له رسول الله (ص) النخلة فيها ، وشاهد ذلك ان الحسنى هي الجنة ما رووه جميعا عن أمير المؤمنين عليه السلام انه قال في تفسير قوله عز وجل (للذين احسنوا الحسنى وزيادة) قال الحسنى الجنة والزيادة النظر الى الله سبحانه قال الله (فسنيسره لليسرى) ثم قال في صاحب النخلة التي بخل بها ولم يصدق بضمان رسول الله (ص) النخلة في الجنة (وأما من بخل واستغنى) يعني بخل بالنخلة واستغنى عند نفسه بالبستان الذي أخذه عوض نخلته (وكذب بالحسنى) يعني كذب بالجنة حتى لم يثق بكلام رسول الله (ص) (فسنيسره للعسرى وما يغنى عنه ماله إذا تردى ان علينا للهدى وان لنا للاخرة والاولى) ثم قصد جماعة المسلمين بذلك فأنذرهم فقال (فأنذركم نارا تلظى لا يصلاها الا الاشقى الذي كذب وتولى وسيجنبها الاتقى الذي يؤتى ماله يتزكى) ترغيبا في فعل الخير ، أفلا ترى ان التفسير في هذا كله بخلاف ما يدعيه ويتخرصه أهل الجهل (١)

وأما ما رووا عن عمر من قوله حين أسلم ، لا يعبد الله سرا بعد هذا اليوم ، لعمري لقد كان ذلك منه غير مدفوع ، ولكن لو علموا ما عليهم وعلى صاحبهم فيه ما أقروا به ولجحدوه ولكن الله قد أعمى قلوبهم وختم على سمعهم وعلى ابصارهم فهم كما قال الله عز وجل (أم تحسب ان اكثرهم

__________________

(١) أورد هذا التفسير للاية الواحدي في اسباب النزول ص ٣٣٤ بسنده الى الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس ، ومثله السيوطي في أسباب النزول وقال اخرجه الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس.

٧٤

يسمعون أو يعقلون ان هم الا كالانعام بل هم اضل سبيلا) وذلك ان أهل الفهم والمعرفة قد علموا ان عمر لم يكن اشجع قلبا من رسول الله ـ ص ـ ولا اعز عشيرة فبأي حال يعهد في عمر انه منع من عبادة الله سرا حين أسلم لشجاعته أم لعظمة قدره وعز عشيرته ولم يكن في قريش أخل من عشيرته ولا أقل عزا من أهل بيته ولا في نفسه من الرؤساء المطاعين في قريش والعرب ، فلما بطل الوجهان اللذان فيهما يقدر ذلك ثبت الرواية في ذلك عن أهل البيت عليهم السلام ، فنقول ان سل عمر سيفه يوم أسلخ وقوله لا يعبد الله سرا بعد اليوم كان ذلك خطأ منه في قول العلماء من اوليائه وكان ذلك كفرا منه في قول آخرين ، أما بيان خطأه فان الامة مجمعة على ان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان ينهى اصحابه عن قتال قريش ويأمرهم بالصبر على الاذى طول مقامه بمكة فلما أشتد الاذى بأصحابه الذين اسملوا معه شكوا ذلك إليه مرة بعد أخرى وسألوه ان يطلق لهم دفع الاذى عن أنفسهم والا فلا صبر لهم على ذلك فلم يطلق لهم ذلك وولى عليهم جعفر بن أبي طالب ـ ع ـ وأمرهم بالخروج معه الى بلاد الحبشة الى النجاشي ليقيموا بها فلما أسلم عمر وسل سيفه على تلك الحالة منعه رسول الله صلى الله وآله وسلم واعلمه انه لم يؤمر بحرب وأمره بغمد سيفه والرضا بما هو عليه من الصبر على الاذى وهذا باجماع اهل الرواية من نهيه لعمر من ذلك ، فدل هذا على انه كان منه خطأ في قول اوليائه ولم يكن حقا ولا لله فيه رضا إذ كان الرسول ـ ص ـ لا ينهى عن حق ولا يكره ما لله فيه رضا وكلما ينهى عنه الرسول ـ ص ـ ففعله خطأ وجهل وهو لله ولرسوله غير رضا بل كان ذلك دليلا على جهله وقلة فهمه ، وأما قول اهل البيت عليهم السلام في ذلك فانهم قالوا ان عمر كان معاضدا لابي جهل في قصد رسول الله ـ ص ـ بالاذى الشديد وكان عمر يحرض على قتل رسول الله ـ ص ـ فلم تكن قريش تجد الى ذلك سبيلا لاستعمال رسول الله ـ ص ـ الصبر الى الاذى وكفه لاصحابه عن منابذتهم

٧٥

(قالوا) فلما رأى عمر ذلك واطأ ابا جهل على ان يظهر الاسلام والدخول في دين رسول الله ـ ص ـ ثم يحملهم على المنابذة ولتجد قريش الى قتله سبيلا عند وقوع المنابذة فصار عمر الى رسول الله ـ ص ـ فأعلمه انه قد رغب في دينه والدخول في الاسلام وأظهر ذلك ثم قال رسول الله ـ ص ـ ما بالنا نعبد الله سرا وقال للذين قد كانوا قد اسلموا مع رسول الله ـ ص ـ اخرجوا حتى نقاتل المشركين وسل سيفه وقال من تعرض لنا ضربناه بسيوفنا وقدر ان رسول الله ـ ص ـ يتبعه على ذلك فإذا رأت قريشا سيفا مسلولا وجدوا السبيل الى سل السيوف فيكون ذلك سببا لقتل الرسل ـ ص ـ إذ كان على من سل سيفه فقد وجد عدوه الى سل سيفه ايضا بحذائه سبيلا فلما فعل عمر ذلك قال له رسول الله ـ ص ـ ان كنت يا عمر جئت راغبا في الاسلام فارض بما رضي به اخوانك من المسلمين من الصبر على الاذى والكف عن المنابذة فانى لم أومر بشي من هذا حتى يقدر الله سبحانه ما يشاء وان كنت جئت طالبا غير الدين فلسنا من اصحابك ، فلما لم يجد عمر الفرصة فيما قصد له صار متحيرا مداهنا يخاف ان لا يكون للرسول ـ ص ـ دولة فيهلك معه ان اظهر لقريش الرغبة في الدين ويخاف ايضا ان يكون للرسول دولة من بعد فلا يكون له من دولته نصيب فيبقى عند ذلك مداهنا للجميع (قال) ومن الدليل على ذلك ان الرسول ـ ص ـ لما حوصر في شعب عبد المطلب مع بني هاشم لم يحاصر معه عمر ولا أبو بكر واصطلحا جميعا على المداهنة والانتظار ، فسل سيفه في تلك الحالة من أعظم الكفر لانه كان حيلة منه اراد ان ينقض بها على رسول الله ـ ص ـ تدبيره ويجعل ذلك سببا لقتل الرسول ـ ص ـ فانظروا الى قوم يدعون ذلك فضيلة لصاحبهم وهو في قولهم خطأ وجهل وفي قول آخرين كفر والحاد وعتو وعناد فهل يكون في الجهل أبين من جهل هؤلاء القوم وأقل نظرا وتميزا يتخبطون في الظلمات ويتيهون في الضلالات لا يعرفون حقا ولا يقلعون عن باطل.

٧٦

واما روايتهم المنخرصة ان الله واحى الى الرسول (ص) ان قل لابي بكر انى عنك راض فهل أنت عني راض ، فهل يستجيز رواية مثل هذا الا جاهل غبي غافل عمي ، هل يجوز ان يسأل الله عبدا من عبيده نبيا كان أو غير نبي هل أنت عني راض ألا يعلم ذو الفهم ان هذا خارج عن الحكمة داخل في الجهالة ، مع ما يقال لهم في أي حال راضى عنه أفي يوم أحد حين هرب عن رسول الله (ص) أو في يوم خيبر حين انهزم براية رسول الله (ص) أو في غزوات ذات السلاسل حين رجع عن الطريق خوفا من المشركين بعد ما ولاه رسول الله (ص) وأمره بالمسير برايته إليهم ثم ولى عليه وعلى من معه عمر ثم أنفذه بالراية فرجع عن الطريق كرجوع ابي بكر ثم ولى عليهما وعلى من كان معهما عمرو بن العاص فسار بهما فصلى بهما وبالجماعة التي كانت معهما حينا ، وقد رووا ان عمرا كان يوليهما الحرس بالليل ثم رجع عمرو ايضا كرجوعهما من الطريق ، امر رضي عنه يوم حنين حين هرب مع الهاربين ، أم في حال الرجل الذى بعث به الرسول (ص) ليقتله فوجده بزعمه يصلي فرجع ولم يقتله فزعم ان رأى للصلاة حرمة فكره قتله كذله فظن انه قد عرف من الحق في ذلك مالا يعرفه الرسول (ص) ومن ظن ذلك فقد كفر بالله ورسوله أو في ولاية الرسول (ص) لاسامة ابن زيد عليه حين أمره الرسول (ص) وعمر بالمسير معه وتحت رايته الى الشام فتخلفا جميعا عنه بعد وفاة الرسول (ص) ولم ينفذ لامر الله ولا لامر الرسول (ص) وخالفاه عامدين متعمدين ثم طلبا البيعة لهما والولاية على المسلمين من غير عهد عهده الله ولا رسول الله صلى الله عليه وآله في ذلك أم في كبسه لبيت فاطمة عليها السلام بنت رسول الله (ص) وهتك الستر عنها بخروجها خلف بعلها وقد جروه الى مسجد رسول الله يطالبونه بالبيعة لهما وهو يمتنع عليهما مع تسليطه لقنفذ ابن عمه على ضربها وضغط عمر لها بين الباب والحائط حتى اسقطت ابنها محسنا ام في منعها ميراث ابيها وتركاته

٧٧

ام في قتله القوم الذين منعوه الزكاة وسماهم أهل الردة وسبى ذراريهم واستباح اموالهم واباح فروج نسائهم أو في جميع بدعه التي قدمنا ذكرها ، ام في أمره لخالد بن الوليد بقتل أمير المؤمنين عليه السلام ثم ندم حتى قال في الصلاة من قبل ان يسلم لا يفعلن خالد ما أمرته به ، فسبحان الله ما اضل هؤلاء واجهلهم وأعظم افترائهم على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم واما روايتهم المنكرة الشنيعة عند ذوي الفهم ان الرسول ص بزعمهم قال اصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم فما في المحال اظهر من المحال ولا اشهر منه ولا ابين تخرصا عند اهل النظر والتحصيل ، وذلك ان هذا القول لا يخلو من ان يكون الرسول (ص) قاله لاصحابه دون غيرهم أو قاله لغير اصحابه ، فان قالوا انه قاله لاصحابه وغيرهم أو قاله لاصحابه دون غيرهم قيل لهم فهل يستقيم في الكلام الفصيح المحكم ان قاله لاصحابه (اصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم) اما يرون محال هذا الكلام ما ابينه ، وان قالوا انه قال لغير اصحابه. قيل لهم هله معكم خبر بهذا معروف مجمع عليه فأوردوه ام هو شئ تتخرصونه بقولكم واستدلالكم فغير معقول ذلك منكم ولا مقبول لان اصحابه هم الذين رأوه فلو كان قاله لغيرهم لكانوا قد ذكروا ذلك الخبر وكانوا يقولون قال لجميع من اسلم غير اصحابه (اصحابي كالنجوم) ولما لم يكن في نقلكم شئ من هذا التخصيص بطل ادعاؤكم مع ما يقال لهم أرأيتم لو سلمنا لكم ان الرسول ـ ص ـ اراد بهذا غير الصحابة كزعمكم اليس قد وجدنا الصحابة قد تنازعوا بينهم حتى قتل بعضهم بعضا من ذلك وحارب بعضهم بعضا محاصرتهم لعثمان جميعا فما كان من الصحابة حتى قتل بعضهم بعضا فمن ذلك محاصرتهم لعثمان حتى قتل ولم يحاصروه الا بنو المهاجرون والانصار الذين هم اصحابه جميعا فما كان من الصحابة إذ ذاك الا محاصر أو قاتل أو خاذل ، افيقولون ان من كان محاصرا أو مقاتلا أو كان متبعا للذين قتلوه من الصحابة أو كان متبعا للذين خذلوه من الصحابة

٧٨

كلهم كانوا في ذلك مهتدين ومن اتبع عثمان في امتناعه عليهم مما التمسوه من خلع نفسه أو دفع مروان إليهم وغير ذلك كان ايضا مهتديا فان منعوا احدى الفرق من الاهتداء بأن ظلمهم وبطل خبرهم وظهرت فضيحتهم. وان اجازوا اهداء الفرق كلها في ذلك كله شهد والقاتل عثمان بالهداية في قتله ولمحاصريه وخاذليه وناصريه كذلك ، وكفى بذلك خزيا ، وكذلك يقال لهم في محاربة طلحة والزبير مع عائشة ومن تابعهم واقتدى بهم في محاربة علي عليه السلام كانوا مهتدين وكذلك علي عليه السلام ومن تابعه واقتدى به في محاربتها مهتدين ، ولو ان رجلا حارب مع طلحة والزبير الى نصف النهار ثم عاد الى الصف الاخر فحارب مع علي عليه السلام الى آخر النهار كان بزعمهم في الحالين جميعا مهتديا فان منعوا ذلك بان ظلمهم وانكسرت حجتهم وبطل خبرهم وان اجازوه ظهرت فضيحتهم بتكذيب رسول الله (ص) فيما رووه عنه باجماع انه قال للزبير ستقاتل عليا وأنت ظالم له وقال لعائشة كذلك فلو كان مهتديا في افعاله كلها كان محالا في جميع تصرفه فقد كذبوا رسول الله (ص) ومن كذب رسول الله (ص) في شئ من اقاويله كان خارجا من دين الله ، مع ما قد روي ان الرسول (ص) قال ليردن على الحوض يوم القيامة أقوام من اصحابي ثم ليختلجن (١) دوني

__________________

(١) ذكر هذا الحديث السيوطي في الجامع الصغير وشرحه المناوي في فيض الغدير ج ٥ ص ٣٥٣ بلفظ : ليردن علي ناس من اصحابي الحوض حتى إذا رأيتهم وعرفتهم اختلجوا دوني فأقول يا رب اصحابي اصحابي فيقال لي انك لا تدري ما احدثوا بعدك (ثم قال) أخرجه أحمد في مسنده والبخاري ومسلم في صحيحيهما عن أنس وعن حذيفة ثم صححه السيوطي ، قال المناوي في الشرح (أختلجوا) بالنباء للمفعول اي نزعوا أو جذبوا قهرا عليهم (دوني) أي بالقرب مني فيقال لي اي من قبل الله تعالى (ما احدثوا بعدك) أي بعد وفاته.

المكاتب

٧٩

فأقول أصحابي أصحابي فيقال انهم لم يزالوا بعدك يرجعون القهقري فأقول بعدا وسحقا فليختاروا الان ما شاؤوا من هذا الذي شرحناه وبيناه بتوفيق الله سبحانه اما تكذيب اسلافهم في نقلهم الخبر (اصحابي كالنجوم) وأما تكذيب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والكفر بالله في الحالين جميعا وايجاب مفارقة مذهبهم.

وكذلك روايتهم (كفروا عن مساوي اصحابي) هل يجوز عندهم أن تكون لاصحابه مساو فان قالوا لا بطل خبرهم ولا فائدة فيه وكان قوله عبثا إذ قال كفوا عن مساويهم ولا مساوي لهم ومن نسب الى رسول الله (ص) العبث كان كافرا بالله ورسوله ، وان قالوا بال كانت لهم مساو قيل لهم فقد بطل عليكم خبركم الاول فيما رويتم انهم كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم وكيف يجوز ان تكون بالمساوي هداية أم كيف يجوز ان تكون الهداية مساوي الا ترون الى هذه المحالات التي توردها الحشوية ما اشنعها واقبحها عند أهل النظر والفهم والاجماع منهم واقع على ان سعد بن عبادة كان سيد الانصار ومن جملة اصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يبلغ لابي بكر ولا لعمر ولا قال بامامتهما بل اظهر الخلاف عليهما والانحراف عنهما فلو اقتدى به مقتد في ترك القول بأمامتهما كان مهتديا فان منعوا ذلك بانت فضيحتهم في خبرهم ، وان اجازوه اباحوا الجحود لامامة أئمتهم وكفى بذلك خزيا.

وأما ما رووا (ان خير أمتي الفرن الذي في عصري ثم الذين يلونهم الى آخره ثم الذين يلونهم الاعصار) (١) فنقول وبالله التوفيق هذا مخالف

__________________

(١) هذا الحديث رواه السيوطي في الجامع الصغير في باب الخاء بوجوه مختلفة تارة بلفظ خير الناس قرني ثم الثاني ثم الثالث ثم يجئ قوم لا خير فيهم ، وقال رواه الطبري في الكبير عن ابن مسعود. وأخرى بلفظ خير الناس قرني الذي انا فيه ثم الذين يلونهم والاخرون اراذل وقال رواه ـ

٨٠