الاستغاثة - ج ٢

أبو القاسم علي بن أحمد الكوفي

الاستغاثة - ج ٢

المؤلف:

أبو القاسم علي بن أحمد الكوفي


الموضوع : العقائد والكلام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٩٢
الجزء ١ الجزء ٢

لدنياهم كما زعموا فليس على جميع الناس واجبا ان يقبلوا ذلك فمن شاء ان يقيمه اقامة ومن شاء ان يمتنع امتنع من ذلك ، فان امتنعوا من ذلك تركوا علتهم التي اصالوها بزعمهم انهم رضوا الدنياهم من رضيه رسول الله لدينهم ومن ترك علته وخرج عن اصله الذي عليه معوله ومذهبه فقد لزمه عند جميع اهل النظر مفارقة مذهبه والدحوض لحجته وكفى بذلك خزيا لمن اقام عليه ، وان هم اجازوا الاختيار من الناس لاقامته فمن شاء اقامه لدنياه ومن شاء لم يقمه لزمهم في حكم النظر ان يكون القوم الذين اقاموه لدنياهم آمرين ناهين له له في كل احواله ولا أمر له عليهم ولا طاعة إذ كل دين وشريعة وملة ومعقول يوجب ان كل من كان له وكيل في دنياه فطاعته وامره ونهيه لازم لموكله ولا طاعة للوكيل ولا امر له معه ولا نهي ، وإذا كان ذلك كذلك فقد اخرجوا ابا بكر من حدود الامامة وهم لا يعلمون ومع ذلك فقد الزموا أبا بكر الظلم والتعدي بل الكفر في قتله الذين منعوه زكاتهم وسبي ذراريهم (١) وابا فروج حريمهم فبأمر من فعل ذلك ومن الذي اوجب له ذلك منهم وانما هو بزعمهم وكيل لمن رضيه لدنياه فان القوم لم يرضوه لدنياهم وكيلا وليس ذلك عليهم بواجب في الدين ولا في احكام العقول لان كل انسان مخير ان شاء اقام وكيلا وان شاء قام هو بنفسه دون غيره ، هذا مع ما يلزمهم في حق النظر على اصل علتهم هذه ان يكون كل من قدمه رسول الله صلى الله عليه واله وسلم للصلاة بقوم في مصر من الامصار وقبيلة من القبائل فقد رضيه لدينهم ، ويجب على كل قوم ان يرضوا لدنياهم من رضيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لدينهم فيرضى اهل مكة من اقامه رسول الله صلى الله عليه واله وسلم للصلاة بهم لدنياهم وكذلك اهل الطائف واهل

__________________

(١) هو مالك بن نويرة فقد قتله خالد بن الوليد بأمر ابي بكر وقتل اصحابه وسبي ذراريهم واباح فروج نسائهم فنكح خالد زوجة مالك من ليلته انظر ص ٩ من الكتاب

٢١

اليمن وكل بلد فتحه رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يرضون لدنياهم من قدمه صلى عليه واله وسلم للصلاة بهم ، وكذلك جيمع البوادي والقبائل والقرى والسرايا وذلك ان رسول الله (ص) انما اقام ابا بكر على دعواهم للصلاة باهل المدينة دون غيرهم من سائر النواحي فكان لاهل المدينة خاصة وارتضاه رسول (ص) لهم بزعمهم كما ارتضى لاهل مكة صاحبهم المصلي بهم كن قبله وكما يرتضي لاهل كل مصر وكل قبيلة وليس لاهل المدينة ان يتحكموا على غيرهم برأيهم فكل قوم فلهم ان يختاروا لانفسهم صاحبهم كما لاهل المدينة ذلك. فان طالب اهل المدينة اهل مكة الدخول معهم والرضا بصاحبهم قال اهل مكة لاهل المدينة ان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بزعمكم اختار صاحبكم للصلاة بكم دون غيركم ولم يختره لنا فرضيه لكم وكذلك اختار لنا رجلا غيره فرضيه لنا كما رضى صاحبكم لكم فنحن نختار صاحبنا كما اخترتم انتم صاحبكم إذ كنا نحن وانتم مختارين في هذا الامر من غير امر من الرسول (ص) معكم ولا معنا في ذلك فقد تساوينا في الاختيار فان منعوا ذلك بان ظلمهم وظهرت فضيحتهم وانكسرت حجتهم وخرجوا عن اصلهم وتركوا علتهم وان اختاروه كثرت الحلفا؟ والائمة في جميع الامصار وكفى بهذا المذهب خزيا لمن اقام عليه وناضل عنه بعد هذا البيان عند من فهم واما ما احتجوا به من قول الله تعالى (ثاني اثنين إذ هما في الغار) وان ذلك أبو بكر الذي كان مع رسول الله (ص) في الغار ومن قال انهم كانوا خمسة ليس كما قال الله تعالى (ثاني اثنين إذ هما في الغار) وما نجد لابي بكر في هذا الحال فضيله على غيره لانه صحب الرسول (ص) في تلك الحال فلم يدفع بصحبته للرسول (ص) ضيما ولا حارب عنه عدوا ولا وجدنا في الاية مديحا بفضل اكثر من خروجه معه وذكر حجته له وقد اخبرنا الله جل اسمه في كتابه ان الصحبة قد تكون للكافر مع المؤمن حيث يقول (قال له صاحبه وهو يحاوره اكفرت بالذي خلقك من تراب ثم

٢٢

من نطفة ثم سواك رجلا) الاية فما في الاية فما في الصحبة منقبة تعد فضيلة (١) وليس لمن نظر لنفسه فاتبع سبيل ربه طالبا لخلاصه في الهرب ببدنه منه على غيره فاي حال اوجب المنة لابي بكر على غيره في صحبة الرسول

__________________

(١) قال السيد الشريف المرتضى علم الهدى رحمه الله في الشافي (ص ٢٢١) في رده لقاضي القضاة حيث جعل قصة الغار فضيلة لابي بكر (ما نصه) اما قوله انه كان صاحبه في الغار فانا متى اعتبرنا قصة الغار لم نجد فيها لابي بكر فضلا بل وجدناه منهيا والنهي من الرسول (ص) لا يتوجه الا الى قبيح ، ونحن نبين ما يقتضيه سيقراء الاية ، اما قوله تعالى (ثاني اثنين) فليس فيه اكثر من اخبار عن عدد وقد يكون ثانيا لغيره من لا يشركه في ايمان ولا فضل ، ثم قال (إذ يقول لصاحبه) وليس في التسمية بالصحبة فضل لانها قد تحصل من الولي والعدو والمؤمن والكافر قال الله تعالى مخبرا عن مؤمن وكافر اصطحبا (قال له صاحبه وهو يحاوره اكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا) ثم قال (لا تحزن) فنهاه عن الاستمرار على حزن وقع منه بلا خلاف لان الرواية وردت بانه جزع ونشج بالبكاء ، وانما ذكرنا ذلك لئلا يقولوا انما نهاه عما لا يقع منه ، وظاهر نهيه صلى الله عليه واله وسلم يدل على قبح الفعل وانما يحمل النهي في بعض المواضع على التشجيع والتسكين؟ بدلالة توجب العدل وعن الظاهر ، وهذا يدل على وقوع المعصية من الرجل في الحال ، واما قوله تعالى (ان الله معنا) فمعناه انه عالم بحالنا كما قال تعالى (ما يكون من نجوى ثلاثة الا هو رابعهم ولا خمسة الا هو سادسهم ولا ادنى من ذلك ولا اكثر الا هو معهم انما كانوا) فليس في ذلك ايضا فضل ، وقد قيل ان لفظة معنا تختص النبي (ص) وحده دون من كان معه وقد يستعمل الواحد العظيم هذه اللفظة في العبارة عن نفسه كما قال تعالى (انا ارسلنا نوحا ، وانا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون) ثم قال (فانزل الله سكينته عليه وايده بجنود لم تروها)

٢٣

لى الغار وانما كان هاربا ببدنه طالبا بذلك النجاة لنفسه دون ان يكون ذلك منفعة لغيره ، فان كان مؤنسا للرسول (ص) جهلوا في هذا لان رسول الله (ص) لم يكن مستوحشا والله مؤنسه أفضل أنسا من ابي بكر وغيره ، وملائكة ربه نازلة من اناء الليل واطراف النهار كما قال الله عز وجل (فانزل الله سكينته عليه وايده بروح القدس وايده بجنود لم تروها) يعني الملائكة ، وكما قال جل اسمه مخبرا عن الرسول (ص) ايقول لصحاحبه لا تحزن ان الله معنا) فمن يأنس بالله وملائكته كان محالا ان يأنس بغيرهم ولو كان ايضا ذلك كذلك لكان ثوبه له دون غيره ولم تكن فيه منفعة لسواء فتكون له فضيلة على غيره ، ولقد كانت المنة لله ولرسوله عليه ذلك إذ قبله صاحبا وهداه بزعمهم ثم نقول في ذلك بعد هذا كله ان الله قد اخبرنا في قصته وقصة الرسول (ص) بما دلك على تهمته في ايمانه لانه قال جل من قائل ، ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن ان الله معنا. ثم قال فأنزل الله سكينته عليه وايده بجنود لم تروها ، فاخبر انه انزل السكينة عليه دون ابي بكر ولم يذكر ابا بكر في السكينة كما اخبرنا في موطن آخر انه انزل السكينة على الرسول وعلى المؤمنين حيث يقول في سورة التوبة ، لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ اعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الارض بما رحبت ثم وليتم مدبرين

__________________

ـ وانزال السكينة انما كان على النبي (ص) بدلالة قوله (وايده بجنود لم تروها) وهم الملائكة وبدلالة ان الهاء من أول الاية الى آخرها كناية عن النبي (ص) ولم تنزل السكينة على النبي في غير هذا المقام الا عمت من كان معه من المؤمنين قال الله تعالى في يوم حنين (فانزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين) وقال تعالى «إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية فانزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين ، وفي اختاص الرسول (ص) في الغار بالسكينة دون من كان معه ما فيه.

الكاتب

٢٤

ثم انزل الله سكينه على رسوله وعلى المؤمنين ، ألا ترى انه ذكر السكينة للمؤمنين في هذا الموضع إذ كانوا حضورا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يذكر ابا بكر في حال كونه مع الرسول (ص) في الغار فأنزل السكينة على الرسول ولم يذكره كما ذكر المؤمنين في هذا الموضع من حنين فكان ذلك موجبا للتهمة في ايمانه وانتقاما للذي وجد للطعن عليه بذلك سبيلا لانه يقول لو كان مؤمنا لكان قد ذكره في انزال السكينة على الرسول معه في الغار كما ذكر غيره من المؤمنين يوم حنين وهم الذين ثبتوا مع علي عليه السلام تحت الراية وكانوا يومئذ ثمانية لم ينهزموا مع المنهزمين ، وباجماع ان ابا بكر وعمر لم يكونا في الثابتين وكانا من المنهزمين ، وقال ايضا قوم من اهل النظر أن أبا بكر بصحبته لرسول الله (ص) في الغار لم تصح له هجرة ، قالوا وذلك لان الله يقول (ومن يخرج من بيته مهاجرا الى الله ورسوله) قالوا وهجرة رسول الله (ص) الى الله وهجرة المؤمنين الى رسول الله (ص) فمن هاجر الى رسول الله (ص) وجب ان تكون هجرته إليه بعد هجرة رسول الله (ص) الى هجرته ولما كان أبو بكر خرج لخروج رسول الله (ص) لم يجز ان يكون شريكا للرسول (ص) في هجرته الى الله تعالى لان ابا بكر كان مستعيذا برسول الله ص والرسول واسطة بينه وبين الله فيكون الرسول (ص) مستعيذا به كما ان ابا بكر مستعيذا بالرسول (ص) فلما كان أبو بكر مستعيذا بالرسول (ص) لم يجز ان يكون شريك الرسول (ص) في هجرته والهجرة الى الرسول لا تكون الا من بعد هجرة الرسول فلا يجوز ان يكون فيه معه فيكون شريكه والشركة له في ذلك غير جائزة باجماع ولا يجوز ان يكون قبله فيكون ذلك غير مهاجر الى الله والى الرسول فلما كان ابي بكر على ما وصفناه من كينونته مع الرسول (ص) في حال هجرة الرسول (ص) بطل ان يكون مهاجرا الى الرسول وثبتت له الصحبة فقط وقد ذكرنا في حال

٢٥

الصحبة انها تكون لمؤمن مع كافر ما فيه كفاية لمن فهم وفي هذا اخراجه من كل خبر ذكر الله به المهاجرين في كتابه إذ لم يكن منهم فانظروا يا اهل النظر الى ما عليهم وعلى صاحبهم في هذه المواطن التي هي اجل مناقب صاحبهم وأعظم فضائله عندهم وبها يصولون وعليها يعولون ، وهكذا لعمري سيل اهل الباطل ينقض عمري باطلهم والله عليهم من كل جهة راموا اثبات حجة منها لباطلهم ولله المنة على اوليائه بما بصرهم من نور هدايته.

وأما ما زعموا من قولهم أن ابا بكر وعمر وزراه رسول الله (ص) فلسنا نعرف الوزارة في اللغة الا المعونة لا غير فمعونة رسول الله (ص) لا تكون الا من جهتين لا ثالث لهما ، في المعونة في التأدية والابلاغ الى الناس من دين الله الذي جاء به من عنده كما قال عز وجل (ولقد آتينا موسى الكتاب وجعلنا اخاه هارون وزيرا) وكان هارون عليه السلام مؤديا معه رسالات الله ومعينا له على دين الله ، والوجه الثاني هو المعونة بمجاهدة الكفار ومحاربتهم ولا نعرف في معونة الرسول وجها ثالثا وذلك أن في الوزارة لسائر الناس غير الرسل ما يكون معه الرأي والمشورة والتدبير وهذا حال لا يضن لاحد مع الرسل لان الرسل لا يستعملون آرائهم وتدبيرهم دون تدبير الله تعالى وأمرهم وانما هم يصدرون عن أمر الله ونهيه وتدبيره في وجوه تصرفاتهم من حرب الى سلم الى تقدم الى تأخر الى غير ذلك (١) ومن كان الله مدبره ومختارا له في تصرفاته كان مستغنيا عن مشاورة رعيته

__________________

(١) قال السيد الشريف المرتضى رحمه الله في الشافي ص ٢٢٢ في رده على قاضي القضاة (ما نصه ان النبي ص) لا يستشير أحدا لحاحة منه الى رأيه وفقر الى تعليمه وتوقيفه لانه (ص) الكامل الراجح المعصوم المؤيد بالملائكة وانما كانت مشاورته اصحابه ليعلمهم كيف يعملون في امورهم ، وقد قيل فعل ذلك ليستخرج دخائلهم وضمائرهم فلا تضل في المشاورة

(الكاتب)

٢٦

وتدبيرهم معه وهذا مما لا يجوز أن يظنه ذو فهم في رسول ولا نبي ولا حجة لله على عباده ، وقد جهل قوم من اهل الغفلة في تأويل قول الله عز وجل (وشاورهم في الامر) فظنوا ان ذلك لحاجة بالرسول الى مشاورتهم ، كلا ما يظن هذا الا جاهل عند اهل المعرفة والبصيرة بل لعله نقصان كان فيهم امر رسول الله ص ان يشاورهم ليتألقهم بذلك كما جعل للمؤلفة قلوبهم نصيبا من الصدقات لعلم الله سبحانه بما في ذلك من اصلاح التدبير الذي يجهله المخلوقون ، وفي ابتداء الاية ما يدل ذا فهم على ان ذلك كذلك من التأليف ، ألا تسمع قول الله تعالى حيث يقول فما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فطا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الامر فإذا عزمت فتوكل على الله ان الله يحب المتوكلين. وقوله انهم كانوا ينفضون من حوله لو كان فظا عليهم دليل على نفضانهم وقوله (فاعف عنهم واستغفر لهم) دليل على انهم فعلوا مالا يرضى الله ولا رسوله منهم فأمره بذلك عند تألفهم ، ومن كان بهذه الصفة بطل ان يكون مدبرا للرسول ص ومشيرا عليه بما يعمل به ، فكيف يكون ذلك منهم والله مخبر عن اهل بدر وهم اجل الصحابة وأرفعهم درجة وهي اجل موطن غزاها المسلمون (كما اخرجك ربك من بيتك بالحق وان فريقا من المؤمنين لكارهون يجادلونك بالحق بعد ما تبين كأنما يساقون الى الموت وهم ينظرون إذ يعدكم الله احدى الطائفتين انها لكم وتودون ان غير ذات الشوكة تكون لكم ويريد الله ان يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين ، ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون) افترقوا الى هذه الاحوال التي وصفها الله من أهل بدر كيف كانت كلها مضادة لمراد الله جل ذكره في تدبيره فمحال عند ذوي الفهم ان يكون الرسول يستشير مثل هؤلاء ومن هو دونهم من الصحابة في العلم والمعرفة في تدبير يعمل عليه ، فلما بطل ذلك ثبت أن أمره بمشاورتهم ليتألفهم بها لتطيب بها أنفسهم وليسكنوا إليه ويثبتوا معه

٢٧

وعنده ويستبصروا في الدين على الامام في وقت بعد وقت ، وثبت عند ذلك ان معونة الرسول (ص) ووزارته لا تكون الا من هذين الوجهين التأدية والمجاهدة وما منهما من كان له في هذين الوجهين أثر محمود معروف مشهور مذكور كمقام غيرهما فيهما (اما وجه التأدية) ففي خبر سورة براءة وما قد أجمع عليه أهل الاثر من العامة والخاصة ما فيه كفاية لاولي الالباب وذوي الافهام حين بعثه الرسول (ص) بسورة براءة الى مكة ليقرأها عليهم فلما فصل من حضرته بعث خلفه بعلي عليه السلام فاسترجعها منه وتقدم بها الى مكة اورده الرسول (ص) فقال هل نزل في شئ اتسوجب ردي من الوجه الي انقذتني فيه فقال ان الله اوحى الي انه لا يبلغ عني الا انا ورجل مني وان عليا مني وانا منه ، فهذه المنزلة من الوزارة في التأدية ليس لاحد من الصحابة الا لعلي عليه السلام دون غيره فكان علي عليه السلام هو احق بوزارة رسول الله (ص) ومعونته في التأدية دون جميع الناس وشاهد ذلك قول رسول الله (ص) منزلة علي مني كمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبي بعدي ، وقد اخبر الله سبحانه وتعالى انه جعل هارون وزيرا لموسى بقوله تعالى (وجعلنا معه اخاه هارون وزيرا) فبطل ان يكون أبو بكر وعمر وزيريه في وجه التأدية (وأما وجه المجاهدة) في حروب المشركين فليس يختلف اهل الاثر في ان ابا بكر وعمر قد انهزما في مواطن كثيرة من مواطن الحروب والجهاد مثل هزيمتهما يوم احد ، ومثل هزيمتهما يوم خيبر حين دفع رسول الله (ص) الراية الى ابي بكر وأمره بالمسير الى حصن خيبر فرجع منها منهزما ثم دفعها الى عمر فرجع بها منهزما كذلك فغضب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فقال ما بال اقوام ادفع إليهم رايتي فيرجعون بها منهزمين يجبنون اصحابهم واصحابهم يجبنونهم أما والله لاعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كرارا غير فرار لا يرجع حتى يفتح الله على يديه ، فقال اهل النظر في ذلك

٢٨

قول الرسول (ص) هذا يدل على انهما لم يكونا يحبان الله ورسوله ولا يحبهما الله ورسوله إذ كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حكيما لا يقول قولا الا لفائدة فيه ودلالة على مواقع الحق وطرق الصدق ، ومثل هزيمتهما حيث بعثهما الى بلاد طي التي تسمى غزات ذات السلاسل ، ومثل هزيمتهما يوم حنين وهذا كله باحماع اهل الاثر وليس نعرف خبرا واحدا عنهما انهما برزا لفرن؟ ولا بارزا شجاعا ولا قارعا باطلا من مبارزي المشركين ، وقد كان غيرهما من جماعة المسلمين احسن حالا منهما في مواطن الحروب ومعارك المقارعة ، فبطل عليهما ايضا هذا الوجه الاخر من ان يكون لهما منه وزارة وكان غيرهما من مجاهدي المهاجرين والانصار أحق بهذا الاسم منهما عند ذوي الفهم.

وأما ما رووا ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بزعمهم قال ما نفعني مال كمال أبي بكر لقد زوجني ابنته وأنفق علي أربعين الفا ففي هذه الرواية ما هو صحيح وما هو باطل وذلك ان تزويج الرسول (ص) من ابنة أبي بكر صحيح لا خلاف فيه ، واما انفاق لمال (١) فما يكون عند ذوي الفهم من الكذب شئ اوضح ولا اظهر منه لان من انفق هذا المال

__________________

(١) اورد رواية انفاق المال على النبي (ص) قبل الهجرة المحب الطبري في الرياض النضرة في فضائل أبي بكر واسندها تارة على عائشة وأخرى الى اختها اسماء بنت ابي بكر ، ولعمري انهما ان لم ينتجا فضيلة الى ابيهما المشفق عليهما فمن احرى بذلك فاقرأ واعجب ، وقال السيد الشريف المرتضى علم الهدى رحمه الله في الشافي ص ٢٢١ ما هذا نصه : وقد بين اصحابنا في الكلام على نفقة أبي بكر وادعاء يساره تارة انه كان مملقا غير موسر ، ودلوا على ذلك من حاله باشياء ، منها انه كان يعلم الناس ويأخذ الاجرة على تعليمه وليس هذا صنع الموسرين ، ومنه انه كان يخيط الثياب ويبيعها ، ومنها ان اباه كان معروفا بالمسكنة والفقر وانه كان ـ

٢٩

العظيم على رجل محال ان لا يعرف موطنه وموضعه وحيث انفقه ولسنا نعرف ان لرسول الله (ص) موطنا غير مكة والمدينة ، فان زعموا ان ابا بكر انفق هذا المال بمكة قبل الهجرة قيل لهم على ما انفق هذا المال وقيم صرفه أكان لرسول الله (ص) من الحشم بمكة والعيال ما انفق عليهم هذا المال كله من مدة ما اسلم أبو بكر الى وقت هجرته فهذا بين المحال ، ام يقولون ان الرسول (ص) جهز الجيوش بمكة بهذا المال فتظهر فضائحهم إذ كان الرسول (ص) باجماع لم يشهر سيفا بمكة ولم يؤمر به ولا يأمر به ولا أطلق لاصحابه محاربة احد من المشركين بها وانما كان أسلم معه إذ ذاك أربعون رجلا فلما اشتد عليهم الاذى من قريش وشكوا ذلك الى رسول الله (ص) ولى عليهم جعفر بن أبي طالب وأخرجهم معه الى ارض النجاشي ملك الحبشة وكانوا هناك الى ان هاجر رسول الله (ص) وفتح كثيرا من فتوحه فقدموا عليه بعد سنتين من الهجرة ، ولقد كان رسول الله (ص) يشاهده الخاص والعام اعني قريش بعد تزويجه بخديجة وكانت خديجة باقية عنده الى سنة الهجرة لا يحتاج مع مالها الى مال غيرها حتى لقد كان من استظهاره بذلك ان ضم علي بن ابي طالب عليه السلام الى نفسه تخفيفا بذلك في المؤنة على ابي طالب رضي الله عنه وذلك انه اصاب قريشا جدب وكبش؟ عيال ابي طالب فقال رسول الله (ص) لاعمامه هلموا نخفف على ابي طالب من عياله فاخذ رسول الله (ص) عليا واخذ حمزة جعفر واخذ العباس عقيلا ، وما وجدنا في شئ من الاخبار ان رسول (ص) بعد تزويجه

__________________

ـ ينادي في كل يوم على مائدة عبد الله بن جدعان يأجر طفيف فلو كان أبو بكر غنيا لكفى اباه ، وبعد فلو سلمنا لهم يساره وانفاقه على ما يدعون لكان غير دال على الغرض الذي يجرون إليه لان المعتبر في الانفاق بالمقاصد؟ والنيات فمن اين لهم ان عرض ابي بكر فيه كان محمودا ، وهذا مما لا يد فيه من الرجوع الى غير ظاهر الانفاق

(الكاتب)

٣٠

بخديجة احتاج الى احد من الناس فان اهل الاثر مجمعون على ان خديجة أيسر قريش واكثرهم مالا وتجارة ، وقد اجمعوا في الرواية ان علي بن أبي طالب عليه السلام قال في غير موضع والله لقد صليت قبل كل احد مع رسول الله (ص) سبع سنين ، وقد اجبر على ان ابا بكر اسلم بعد سبع سنين من اظهار رسول الله (ص) الدعوة وبقى رسول الله (ص) بمكة ثلاث عشرة سنة بعد اظهار نبوته الى ان هاجر الى المدينة. فجميع ما بقي رسول الله (ص) بمكة بعد اسلام أبي بكر ست سنين ، فيا معشر من فهم هل تجزون ان رسول الله (ص) لو كان له خمسون نفسا من العيال مع كثرة مال خديجة ينفق في ست سنين اربعين الف دينار أو اربعين الف درهم ، الا تنظرون بيان هذا المحال وفساد هذا المقال ، فان قالوا انه انفقه عليه بالمدينة بعد الهجرة فقد علم أهل الاثار ان ابا بكر ورد المدينة وهو محتاج الى مواساة الانصار في الدور والمال وفتح الله بعد الهجرة على رسوله ص من غنائم الكفار وبلدانهم ما كان بذلك اغنى العب لو اقتنى منه عقدة ومع هذا فانما أقام رسول الله (ص) في المدينة عشر سنين الى ان قبض ، وقد رووا ان رسول الله ص كان في ضيافة الانصار يتداولون ضيافته وانه كان في أوقات كثيرة يشد الحجر من المجاعة على بطنه ويطوي الايام الثلاثة والسبعة والاكثر لم تطعم فيهن طعاما الى ان فتح الله عليه البلدان ، فمن يدفع إليه رجل واحد أربعين الف دينار يكون بالحال الذي وصفناه في مدة عشر سنين ، فيا سبحان الله ما أعظم تخرصهم على الله ورسوله (ص) ولقد رووا جميعا ان الله عز وجل لما قال (يا ايها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة) فقد قعد المهاجرون والانصار عن مناجاته غير علي عليه السلام فانه قال كان معي دينار واحد فبعته بعشرة دراهم فجعلت اتصدق منها بدرهم بعد درهم ثم اناجي رسول الله (ص) مرة بعد اخرى حتى تصدقت بالدراهم كلها في عشر مرات وما

٣١

فعل ذلك باجماع غيره ثم نسخ الله تعالى تلك الاية بقوله (أأشفقتم ان تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فإذا لم تفعلوا وتاب الله عليكم فاقيموا الصلوة وآتوا الزكاة وأطيعوا الله) الاية ، والاجماع واقع على ان ابا بكر كان فيمن تخلف عن المناجاة بسبب الصدقة ، فمن لم تسمح نفسه بصدقة درهم لمناجاة الرسول ص واختار التخلف عن مناجاته بسبب درهم واحد يخل به فكيف ينفق اربعين الف دينار أو اربعين الف درهم ، فقد جاؤا بالافك ظلما وقالوا زورا ، ومع ذلك فالاجماع واقع من الخاص والعام ان عليا عليه السلام اطعم مسكينا ويتيما وأسيرا اقراصا من شعير يبلغ ثمنها في أيام القحط والجدب والغلاء ربع درهم فانزل الله تعالى في ذلك سورة ـ هل أتى ـ الى آخرها (١) ومن أنفق أربعين الف درهم أو دينار لم يكن

__________________

(١) قال الشريف المرتضى علم الهدى رحمه الله في الشافي ص ٢٢٠ ما نصه : ولو كان انفاق ابي بكر صحيحا لوجب ان يكون وجوهه معروفة كما كانت نفقة عثمان في تجهيز جيش العسرة وغيره معروفة لا يقدر على انكارها منكر ولا يرتاب في جهاتها؟ مرتاب ، وكما كانت جهات نفقات أمير المؤمنين عليه السلام معروفة ينفلها الموافق والمخالف ، فمن ذلك انه عليه السلام كان يقوم بما يحتاج النبي ص مدة اقامته بالشعب إليه ويتمحله وقد روى أنه احر نفسه من يهودي وصرف أجره الى بعض ما كان يحتاج إليه النبي وانفاق أمير المؤمنين عليه السلام مع الاقتار والاقلال أفضل وارفع من انفاق ابي بكر لو ثبت مع الغنى والسمعة ومن ذلك تقديمه الصدقة بين يدي النوى ونزول القرآن بذلك بلا خلاف بين اهل العلم. وانه عليه السلام كان يطعم المسكين واليتيم والاسير حتى نزلت في ذلك سورة هل أتى على الانسان ، وفيه نزل وفي معنى نفقته ورد قوله ـ الذين ينفقون اموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولاهم يحزنون ـ ولما تصدق بخاتمه وهو راكع نزل فيه قوله تعالى (انما وليكم ـ

٣٢

الله عز وجل ذكره ينزل فيه آية من كتابه يشكر على ذلك كما انزل الله تعالى في اصحاب الاقراص من الشعير الا ان يكون سبيله في ذلك كما قال في (الذين ينفقون اموالهم رئاء الناس ولا يؤمنون بالله واليوم الاخر) الاية ، وفيما شرحنا مما يدعونه من هذا الباب كفاية لاولي الالباب. واما ما رووا ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بزعمهم (اقتدوا باللذين من بعدي ابي بكر وعمر) فهو ظاهر المحال عند ذوي النظر وذلك انا وجدنا روايتهم في مخاصمة ابي بكر وعمر الانصار في وقت البيعة حين أرادت الانصار البيعة لسعد بن عبادة فما وجدناهما قالا شيئا من ذلك ولا ادعياه على الانصار (١) ولو كان هذا صحيحا كما زعم المتخرصون

__________________

ـ الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلوة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) وهذه جهات لا تدفع ولا تجهل فأين نفقات أبي بكر والشاهد عليها ان كانت صحيحة

(الكاتب)

(١) قال الشيخ الجليل شيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي الغروي المتوفى سنة ٤٦٠ في تلخيص الشافي للسيد المرتضى رحمه الله ص ٣٨٩ طبع ايران ما نصه : قوله اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر ، لا يصح الاحتجاج به لانه خبر واحد لا يوجب العلم ومسألة الامامة مسألة علمية لا يجوز الرجوع الى مثله فيها وأيضا فانه مطعون على رواية مذكور ذلك في الكتب لانه رواه عبد الملك بن عمير اللخمي وكان فاسقا جريا على الله وهو الذي قتل عبد الله بن يقطر رسول الحسين بن علي عليه السلام الى مسلم ابن عقيل حين رمى به ابن زياد من فوق القصر وبه رمق فأجهز عليه فلما عوتب على ذلك قال انما اردت ان اريحه استهزاء بالقتل وقلة مبالاة وكان يتولى القضاء لبني أمية وكان مروانيا شديد النصب والانحراف عن أهل البيت عليهم السلام ومن هذه صورته لا تقبل روايته ، ولو تجاوزنا ـ

٣٣

لكان لهما فيه أعظم الحجة على الانصار فلم يكونا يحتاجان الى الاحتجاج عليهم بعترة رسول الله (ص) وقومه وما شاكل ذلك وكانا يقولان يا معشر الانصار قد أمركم رسول الله وخبركم بالاقتداء بنا فليس لكم مخالفة رسول الله فلما لم يذكرا ذلك بشئ من احتجاجهما دل على بطلان ما تخرصوه من هذا الخبر ، ثم نقول بعد هذا كله ليس يخلو قول الرسول (ص) اقتدوا بالذين من بعدي ، من أن يكون اراد به الامامة والخلافة أو ان يكون اراد به ما رويا منه عن رسول الله (ص) فان قالوا اراد

__________________

ـ عن ذلك وسلمنا لم تكن روايته فيها حجة ودلالة من وجوه ذكرها اصحابنا (احدها) ان الاقتداء بالرجلين مستحيل لانهما يختلفان في كثير من احكامهما وافعالهما واتباع المخلتفين متعذر غير ممكن ، ولانه يقتضى عصمتهما والمنع من جواز الخطأ عليهما وليس هذا بقول أحد فيهما لان ايجاب الاقتداء بمن ليس بمعصوم ايجاب لما لا يؤمن كونه قبيحا ومتى قالوا نقتدي بما نعلم حسنه بطل اختصاصهما بذلك (ومنها) انه لو كان قبيحا لاحتج به أبو بكر لنفسه في السقيفة ولما جاز ان يعدل عنه الى روايته ان الائمة من قريش ولا خفاه على احد في ان الاحتجاج بخبر الاقتداء أقطع؟ للشغب وأحض للحجة وأشبه بالحال سيما والتقية عنه زائلة ووجوه الاحتجاج له معرضة ، ولوجب ايضا ان يحتج به أبو بكر على طلحة لما نازعه فيما رواه من النص على عمر وأظهر الانكار لفعله فكان احتجاجه في تلك الحال بالخبر المقتضي لنص الرسول (ص) على عمر ودعائه الناس الى الاقتداء به والاتباع له أولى واليق من قوله (أقول يا رب وليت عليهم خير اهللك) وأيضا لو كان هذا صحيحا لكان حاجزا لمخالفة الرجلين وموجا لموافقتهما في جميع أقوالهما وأفعالهما وقد رأينا كثيرا من الصحابة قد خالفهما في كثير من احكامها وذهبوا الى غيرها ما يذهبان إليه واظهروا ذلك فيجب أن يكونوا بذلك عصاة مخالفين لنص الرسول (ص) وقد كان يجب أيضا ان ينبه الرجلان ـ

٣٤

ما رويا عن لرسول (ص) فيقال لهم أو ليس قد روى غيرهما من ذلك اكثر مما رويا منه عن الرسول (ص) فلا يجدون الى دفع ذلك سبيلا فيقال لهم قد لزمكم ان تقتدوا برواية غيرهما كما تقتدون بروايتهما أو تطرحوا رواية غيرهما ، فان قالوا نطرج رواية غيرهما وجب عليهم تكذيب جميع من رووا عنه معالم دينهم من رجالهم ومشايخهم الذين على نقلهم يعولون في أصولهم فأول ما يلزمهم في ذلك اطراح هذا الخبر وابطاله من روايتهم (اقتدوا بالذين من بعدي) لان هذا الخبر نقل عن غيرهما وكفى بهذا لمن يضطر مذهبه الى مثله خزيا ، وان قالوا لا يجوز الاقتداء برواية غيرهما في ذلك كسبيل الاقتداء بروايتهما قيل لهم فأي فضل لهما في هذه المنزلة إذ كان غيرهما قد ساواهما فيها ، وهذا ما لا فائدة فيه ورسول الله (ص) احكم من ان يقول قولا أو يأمر امرا لا فائدة فيه ، فان قالوا ان الرسول (ص) أراد بذلك ما يحدثانه في الدين من بعده كذبهم ما اجمعوا عليه من قول الرسول (ص) كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ، ولم يقل الا محدثة فلان وفلان دون غيرهما ، ولزم ان يكون جميع من أحدث في الدين بعد الرسول (ص) شيئا لم يأت به كتاب ولا سنة رسول الله (ص) فهو مبتدع ضال مضل. وهذا ما لا محيص لهم منه مع ما يكذبهم في ذلك ايضا كتاب الله حيث يقول (اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا) ومحال عند ذوي الفهم ان يكون بعد هذا

__________________

ـ من خالفهما وأظهر خلافهما ما مقتضى هذا الخبر ويذكراهم بأن خلافهم محظور ممنوع ، على ان ذلك لو اقتضى النص بالامامة على ما ظنوا لوجب ان يكون ما رووه عنه صلى الله عليه وآله وسلم من قوله اصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم موجبا لامامة الكل وإذا لم يكن هذا الخبر موجبا للامامة فكذلك الاخر.

(الكاتب)

٣٥

الكمال والتمام من الله نفصان. إذ لو كان ذلك كذلك لزم تكذيب هذا من الله سبحانه وعظم شأنه إذ قال (اليوم اكملت لكم دينكم) ولم يكمل وقائل هذا ومعتقده كافر راد على الله. وان قالوا اراد به الامامة من بعده ، قيل لهم افتقولون ان ابا بكر وعمر كانا امامين في عصر واحد معا ، فان قالوا ذلك كذبهم الخبر في استخلاف أبي بكر لعمر وقت وفاته ولن يقوله من يعقل وان قالوا صار احدهما اماما بعد الاخر وهو قولهم قيل لهم فقد بطل الان عليكم هذا الخبر إذ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان افصح العرب ولا يجوز ان يقول قولا محكم ولا غير مستقيم وذلك ان ابا بكر ان كان اماما بعد الرسول (ص) ثم كان عمر بعد أبي بكر بطل ان يقال كان عمر اماما بعد الرسول (ص) فان قالوا ان امامته كانت من بعد وفاة الرسول (ص) وان كانت قد تقدمته امامة غيره قيل لهم اوليس كانت امامة عثمان بعد عمر وهذا كله من بعد وفاة الرسول (ص) أفتوجبون الاقداء بامامة عثمان وعلي عليه السلام كما توجبون الاقتداء بامامة أبي بكر وعمر أو تدفعون ذلك فان دفعون وجبت عليهم البراءة من امامة عثمان وعلي عليه السلام وفي ذلك الدخول في كلمة الخوارج والالتحاق بالبراءة والخروج من جملة ما عليه فقهاء اصحاب الحديث والاثر وكفى بذلك خزيا لصاحبه وفضيحة وان قالوا بل نقتدي بعثمان وعلي كسبيل؟ الاقتداء بأبي بكر وعمر قيل لهم قد اطلتم الان حديثكم وافسدتم خبركم ونقضتم قولكم وتركتم اصلكم وما فائدتكم في هذا الخبر وقد اوجبتم الاقتداء بغيرهما كالاقتداء بهما ممن لم يأمر الرسول (ص) بالاقتداء بهم بعده كأمره بالاقتداء بهما فكيفما قصدوا ليصلحوا باطلهم ففيه فضيحتهم وان احتجوا في الاقداء بعثمان وعلي بالخبر المتخرص (اصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم) قيل لهم فالان حين ساويتم بين أبي بكر وعمر وبين الصحابة في الاقتداء فلا فضيلة لهما على غيرهما في هذه المنزلة وفائدة

٣٦

ـ اقتدوا بالذين من بعدي ـ مع ذلك ساقطة إذ كان قد امرنا بالاقتداء بغيرهما ايضا كذلك ، ونحن نذكر فساد خبر ـ اصحابي كالنجوم ـ في موضعه ان شاء الله وبالله التوفيق.

وأما ما رووا من أنهما سيدا كهول اهل الجنة فقد رووا حديثا آخر ابطلوا به هذه الرواية عند من فهم (١) وذلك انهم رووا باجماع منهم

__________________

(١) قال شيخ الطائفة الشيخ الجليل الفقيه محمد بن الحسن الطوسي الغروي رحمه الله في تلخيص الشافي ص ٤٢٩ ما نصه : اما الخبر الذي يتضمن أنهما سيدا كهول أهل الجنة ، فمن تأمل أصل هذا الخبر بعين انصاف علم انه موضوع في ايام بني أمية معارضة لما روى من قوله ـ ص ـ في الحسن والحسين عليهما السلام أنهما سيدا شباب اهل الجنة وابوهما خير منهما ، وهذا الخبر الذي ادعوه يروونه عن عبيد الله بن عمر وحال عبيد الله في الانحراف عن اهل البيت عليهم السلام معروف وهو ايضا كالجار الى نفسه ، على انه لا يخلوا من أن يريد بقوله سيدا كهول أهل الجنة انهما سيدا كهول من هو في الجنة أو يراد أنهما سيدا من يدخل الجنة من كهول الدنيا ، فان كان الاول فذلك باطل لان رسول الله ص قد وقفنا واجمعت الامة على ان جميع اهل الجنة جرد مرد وانه لا يدخلها كهل وان كان الثاني فذلك دافع ومناقض للحديث المجمع على روايته من قوله ـ ص ـ في الحسن والحسين عليهما السلام انهما سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما خير منهما لان هذا الخبر يقتضي أنهما سيدا كل من يدخل الجنة إذ كان لا يدخلها الا شباب فأبو بكر وعمر وكل كهل في الدنيا داخلون في جملة من يكونان عليهما السلام سيديه والخبر الذي رووه يقتضي ان ابا بكر وعمر سيداهما من حيث كانا سيدي الكهول في الدنيا وهما عليهما السلام من جملة من كان كهلا في الدنيا (فان قيل) لم يرد بقوله (ص) سيدا شباب أهل الجنة ما ظننتم وانما اراد انهما سيدا من يدخل ـ

٣٧

ومن غيرهم ان الرسول ـ ص ـ قال ـ اهل الجنة يدخلون الجنة جردا مردا مكحلين ـ فإذا كانوا كذلك فلا كهول هناك ليكونا سيدهم ، ولو كان هناك ايضا كهول كما زعموا في تخرصهم هل كانت امامة أبي بكر وعمر ورياستهما على الكهول دون الشبان والمشايخ أو كانت على الجميع ، فان قالوا انها كانت على الكهول دون غيرهم بانت فضيحتهم ، وان قالوا على الجميع ، قيل لهم فالسيد في كلام العرب هو الرئيس وليس رياسة أجل وهما سيدا الجميع فلا فائدة في قول الرسول (ص) هما سيدا كهول أهل الجنة ، ولعمري لو كان ذلك منه صحيحا بخستهما حقهما إذ قال هما سيدا الكهول ، فالمشايخ والشبان بزعمهم خارجون ، فهذا ما لا يشتغل به ذو فهم.

واما ما احتجوا به في فضل أبي بكر وعلمه من روايتهم عن الرسول

__________________

ـ الجنة من شباب الدنيا كما قلنا في قوله سيدا كهول اهل الجنة (قلنا) المناقضة بن الخبرين بعد ثابتة لانه إذا اراد انهما سيدا كل شباب في الدنيا من أهل الجنة فقد عم بذلك جميع من كان في الدنيا من اهل الجنة من الشباب والكهول والشيوخ لان الكل كانوا شبابا فقد تناولهم القول في غيرهما أنهما سيدا كهول اهل الجنة فقد جعلهما بهذا القول سيدين لمن جعلهما بالقول الاول سيديهما لان ابا بكر وعمر إذا كانا شابين فقد دخلا فيمن يسودهما الحسن والحسين عليهما السلام بالخبر المروي والحسن والحسين (ع) إذا بلغا سن التكهل فقد دخلا فيم يسودهما أبو بكر وعمر بالخبر وإذا كانت هذه صورة الخبرين وجب العمل على الظاهر وفي الرواية المتفق عليها واطراح الاخر وذلك موجب لفضل الحسن والحسين عليهما السلام وأبيهما صلوات الله عليه على جميع الخلق.

الكاتب

٣٨

صلى الله عليه وآله وسلم انه قال بزعمهم (لؤمكم أفضلكم وليؤمكم اعلمكم) وانهم قد اجمعوا على تقديم ابي بكر وامامته بزعمهم لما أجمع عليه الصحابة انه أعلمهم وأفضلهم إذ كان اجماعهم لا يجوز أن يكون باطلا (فأقول) وبالله أستعين أن الذي تخرصوا فيه على الرسول (ص) من قوله بزعمهم ليؤمكم أعلمهم وأفضلكم لا يخلوا ان يكون اراد بذلك الامامة في جميع الدين أو اراد به الصلوة دون غيرها وقد علمنا ان كل اهل بلد يحتاجون الى من يصلي بهم ولا يجوز ان يصلي جميع اهل البلاد بامام واحد بل لا يمكن ذلك لاهل بلد واحد حتى يكون لاهل كل محلة من يصلي بهم ، وإذا كان ذلك كذلك فقد لزم الامة ان يختاروا في كل بلد أعلمهم وأفضلهم للصلاة بهم وإذا لزمهم ذلك فقد يجوز ان يكون في بلد رجل واحد هو اعلمهم وأفضلهم فيمتنع عليهم ان يصلي بهم وإذا امتنع عليهم ذلك الفاضل فما يصنعون يقدمون غيره ام يهملون الصلوة جماعة ولا يجمعون صلاتهم ، فان قالوا يهملون الصلوة جماعة فقد قصدوا تعطيل سنة رسول الله (ص) في جميع الصلوات ونسبوا الرسول (ص) الى انه استن سنة فضل ثم بعثهم بهذا القول على تعطيلها ، وقائل هذا جاهل ، وان قالوا انهم يقدمون غير الفاضل إذا امتنع عليهم الفاضل ، قيل لهم فقد الزمتم الامة جميعا خلاف الرسول (ص) فإذا جاز عندكم خلاف الرسول (ص) في هذا الحد فما في قوله من الفائدة إذا اجز ثم تقديم غير الفاضل ، وهل يخلو قول الرسول (ص) من أن يكون لاهل المدينة دون غيرهم أو هو لازم لجميع الناس في سائر البلدان ، فان قالوا لاهل المدينة خاصة كان على مدعي ذلك اقامة البينة والدليل عليه بخبر مجمع عليه عن الرسول (ص) ولن يجدوا الى ذلك سبيلا ، وان قالوا بل هو لجميع الناس ، فقيل لهم نجد جميع فقهائهم وعلمائهم في جميع الامصار يقدمون للصلاة من هو دونهم في العلم والفضل عندهم ، فاما ان تشهدوا على فقهائكم وعلمائكم بمخالفة الرسول

٣٩

(ص) عامدين متعمدين ومن كان في هذه الصفة كان كل من أتبعه واقتدى به في مذهبه سبيله في الخلاف على الرسول (ص) كسبيله ، وفي الخلاف على الرسول (ص) تعمد الكفر بالله والخروج من الدين ، وكفى بهذا المذهب لصاحبه خزيا وفضيحة ومقتا. واما ان ترجعوا الى قولنا في تكذيب هذا الخبر وانه ليس من قول الرسول (ص) إذ كان فيه تكلف مالا يطاق والله لا يكلف العباد ولا رسوله مالا يطيقون ، وذلك انه لو كان في بلد واحد عشرة من العلماء لكان على أهل ذلك البلد ان يميزوا بين العشرة حتى يختاروا للصلاة بهم أعلمهم وأفضلهم وهذا مالا تهتدي العامة إليه ابدا لان العامة لا تبلغ منازل العلم فتعلم إذا اختلف العلماء منهم من أعلمهم وأفضلهم لان الفاضل منهم عند اختلافهم من كان معه الحق في الاختلاف فلو بلغت العامة معرفة الحق مع من هو منهم إذا اختلفوا لكان العامة عند ذلك اعلم منهم وأفضل ، وهذا قول جاهل غير عليم سفيه غير حكيم وان قالوا ان قول الرسول (ص) ليؤمكم أعلمكم وأفضلكم معناه الامامة في جميع الدين فقد علمنا ان الامامة في الدين لا تكون الا لرجل واحد على جميع أهل الامصار من بلدان المسلمين وهذا مما لا خلاف فيه ، وإذا كان ذلك كذلك لزم حق النظر أن يجتمع جميع أهل البلدان في كل عصر وزمان حتى يمتحنوا جميعهم فيعلموا أعلمهم وافضلهم فيختاروه للصلاة وهذا مما لا تطيقه الخلق وهو تكليف ما لا يطاق تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ، ومع ذلك فلو اطاقه الخلف لزمهم تجهيل المهاجرين والانصار جميعا عند ايجاب هذا الخبر وكذلك ان الاجماع واقع على المهاجرين والانصار لم يجتمعوا لامتحان جميعهم حين ولوا ابا بكر أمرهم حتى علموا ان ليس فيهم اعلم من أبي بكر وانما وقعت البيعة عقيب اختلاف وضجة وتنازع بين المهاجرين والانصار كل منهم يذكر انه أحق بالامر من غيره ومه هذا كله وجدنا ابا بكر قد أقر على نفسه بغير خلاف بجهل كثير من العلم وانه ضل عنه احكام

٤٠