الاستغاثة - ج ١

أبو القاسم علي بن أحمد الكوفي

الاستغاثة - ج ١

المؤلف:

أبو القاسم علي بن أحمد الكوفي


الموضوع : العقائد والكلام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٨٢
الجزء ١ الجزء ٢

عثمان في عقيب خروجه ال يعامله بمصر يأمره بقتل محمد بن ابي بكر إذا صار إليه ودفع الكتاب الى عبد من عبيده فركب العبد راحلة لعثمان وسار نحو مصر بالكتاب مسرعا ليدخل مصر قبل دخول محمد بن ابي بكر إليها فعبر العبد على منهل بحيث لا ينظر إليه احد من القوم الذين كانوا مع محمد ابن ابي بكر فلما نظروه اخبروا محمدا بذلك فبعث خلفه خيلا فاخذوه واتوا به الى محمد فلما رآه فتشه فوجد الكتاب معه فرآه وانصرف راجعا مع القوم والعبد والراحلة معهم فنادوا في المدينة باجتماع الناس فاجتموا فاوقفهم على الكتاب والعبد والراحلة فساروا الى عثمان في ذلك وناظروه فقال عثمان اما العبد فعبدي والراحلة راحلتي وختم الكتاب ختمي وليس الكتاب كتابي ولا امرت به ، وكان الكتاب بخط مروان فقيل له ان كنت صادقا فادفع الينا مروان فهذا خطه وهو كاتبك فامتنع عليهم فحاصروه وكان في ذلك سبب قتله (١)

فهذه جمل من بدع القوم مما تقر به اولياؤهم وتركنا ذكر مالا يقرون به وهي أضعاف ما شرحناه (٢) وفيما ذكرناه منها كفاية ومقنع ونهاية

__________________

(١) قال السيد المرتضى رحمه الله في الشافي (ص ٢٧٠) عند رده لقاضي القضاة ما لفظه : ان جميع من روى هذه القصة ذكر انه اعترف بالخاتم والغلام والراحلة وانما انكر ان يكون امر بالكتاب لانه روى ان القوم لما ظفروا بالكتاب قدموا المدينة فجمعوا امير المؤمنين عليه السلام وطلحة والزبير وسعدا وجماعة من الاصحاب ثم فتحوا الكتاب بمحضر منهم واخبروهم بقصة الغلام فدخلوا على عثمان والكتاب مع امير المؤمنين عليه السلام فقال له هذا الغلام غلامك قال نعم قال والبعير بعيرك قال نعم قال افانت كتبت ـ

(٢) ومن الاحداث والبدع التي نقموا بها عليه واقر بها اولياؤه انه اولى امور المسلمين من لا يصلح لذلك ولا يؤتمن عليه ومن ظهر منه الفسق والفساد ومن لا علم عنده مراعاة منه لحرمة القرابة وعدولا عن مراعاة حرمة الدين ـ

٦١

ـ هذا الكتاب قال لا وحلف بالله انه ما كتب الكتاب ولا أمر به فقال له فالخاتم خاتمك فقال نعم قال كيف يخرج غلامك ببعيرك بكتاب عليه خاتمك ولا تعلم به (وفي رواية اخرى) انه لما واقفه قال له عثمان اما الخط فخط كاتبي واما الخاتم فعلى خاتمي قال فمن تتهم قال اتهمك واتهم كاتبي فخرج امير المؤمنين عليه السلام مغضبا وهو يقول بل هو امرك ولزم داره وقعد عن توسط امره حتى جرى ما جرى في امره ، واعجب الامور قوله لامير المؤمنين عليه السلام اني اتهمك وتظاهره بذلك وتقلبه اياه في وجهه بهذا القول مع بعد امير المؤمنين (ع) عن التهمة والظنة في كل شئ في امره خاصة فان القوم في الدفعة الاولى ارادوا ان يعجلوا له فما اخروه حتى قام امير المؤمين (ع) بامره وتوسطه واصلحه واشار إليه بان يقاربهم ويعتبهم حتى انصرفوا عنه وهذا فعل النضيح المشفق الحدب المتحنن ، ولو كان (ع) ـ وحوشي من ذلك ـ متهما عليه لما كان للتهمة مجال عليه في امر الكتاب خاصة لان الكتاب بخط عدو الله وعدو رسوله وعدو امير المؤمنين (ع) مروان وفي يد غلام عثمان ومختوم بخاتمه ومحمول على بعيره فاي ظن تعلق بامير المؤمنين (ع) في هذا المكان لولا العداوة وقلة الشكر للنعمة ، انظر شرح النهج (ج ١ ص ٩٢٢).

الكاتب ـ

والنظر للمسلمين حتى ظهر منه وتكرر نحو استعماله الوليد بن عقبة وتقليده اياه حتى ظهر منه شرب الخمر وفيه نزل قوله تعالى (افمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستون) فالمؤمن هاهنا امير المؤمنين (ع) والفاسق الوليد على ما ذكره اهل التأويل ، وفيه نزل قوله تعالى (يا ايها الذين امنوا ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) الخ ولو قصصنا مخازيه المتقدمة ومساويه لطال بها الشرح ، واما شربه الخمر بالكوفة وسكره حتى دخل عليه من دخل واخذ خاتمه من اصبعه وهو لا يعلم فظاهر وقد سارت به الركبان وكذلك كلامه في الصلاة والتفاته الى من يقتدي به فيها وهو سكران وقوله

٦٢

لهم أأزيدكم فقالوا لا قد فضينا صلواتنا

(ومنها) استعماله سعيد بن العاص حتى ظهرت منه الامور التي عندها اخرجه اهل الكوفة منها

(ومنها) توليته عبد الله بن ابي سرح وايواؤه له بعد ان اهدر النبي صلى الله عليه وآله وسلم دمه حتى روى عنه في امر ابن ابي سرح انه لما تظلم منه اهل مصر وصرفه عنهم بمحمد بن ابي بكر كاتبه بان يستمر على ولايته فابطن خلاف ما اظهر فعل من غرضه خلاف الدين

(ومنها) توليته معاوية الشام حتى ظهرت منه الفتن العظيمة مما هو مشهور في التاريخ ، وتوليته عبد الله بن عامر بن كريز البصرة حتى احدث ما احدث

ومنها اعطاؤه من بيت مال الصدقة المقاتلة وغيرها وذلك مما لا يحل في الدين ولا يجوز ذلك بالاجتهاد كما اعتذر عنه اولياؤه

ومنها انه كان إذا خرج من مكة الى عرفات يتم فيها وفي منى صلات الظهرين والعشاء مع ان النبي صلى الله عليه واله وسلم وابا بكر وعمر كانوا إذا خرجوا إليها يقصرون صلاتهم فيهما ، بل كان عثمان اول امارته يقصر ايضا كما روى البخاري في باب الصلاة بمنى من كتاب الحج من صحيحة واخرجه مسلم ايضا في باب قصر الصلاة بمنى من كتاب صلاة المسافر من صحيحه باسانيد متعددة ، انظر ما ذكرناه كله في كتاب الملل والنحل للشهرستاني في الخلاف التاسع من الاختلافات التي اوردها في المقدمة الرابعة في المقدمات الخمس التي جعلها في اول كتابه ، وانظرها ايضا في شرح التجريد القوشجي الاشعري ٤٠٨ ، وشرح النهج لابن ابي الحديد المعتزلي «ج ١ ص ٢٣٤» وانظرها ايضا في الفصول المهمة للعلامة الخبير الحجة سيدنا السيد عبد الحسين آل شرف الدين الموسوي العاملي ادام الله وجوده ، في «ص ١١٢»

الكاتب

٦٣

وقد دخلت شبهة من امرهم على من نقصت معرفته وقصرت بصيرته وقل تمييزه وجهل امره ، فقال قائلهم فما العلة في تزويج علي عليه السلام لعمر بن الخطاب ابنته ام كلثوم وهي بنت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ، ومن قبل زوج رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ابنته من عثمان

فقلت في ذلك مستعينا بهداية الله قولا واحدا على مصدر من نظر فيه وميزه وتدبره وفهمه طالبا للهداية والنجاة رجون ان يتضح له صوابه ويستبين له برهانه ان اسعده الله بتوفيقه وهداه بارشاده إذ الرشاد بيده والسعادة بهدايته

اما ما روت العامة من تزويج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عثمان بن عفان رقية وزينب فالتزويج صحيح غير متنازع فيه انما التنازع بيننا وقع في رقية وزينب هل هما ابنتا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ان ليستا ابنته وليس لاحد من اهل النظر إذا وجد تنازعا من خصمين كل منهما يدعي ان الحق معه وفي يده الميل الى احد الخصمين دون الاخر بغير بيان وايضاح ، ويجب البحث عن صحة كل واحد منهما بالنظر والاختبار والتفحص والاعتبار فإذا اتضح له الحق منهما وبان له الصدق من احدهما اعتقد عند ذلك قول المحق من الخصمين واطرح الفاسد من المذهبين ولم يدحضه كثرة مخالفين وقلة عدد مؤالفيه فان الحق لا يتضح عند اهل النظر والفهم والعلم والتمييز والطلب لكثرة متبعيه ولا يبطل لقلة قائليه وانما يتحقق الحق ويتضح الصدق بتصيح النظر والتمييز والطلب للشواهد والاعلام التي تنجاب معها طخياء الكلام ، ونحن نبين ونوضح وبالله التوفيق

ان رقية وزينب زوجتي عثمان لم يكونا ابنتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا ولد خديجة زوجة رسول الله صلى الله عليه واله وانما دخلت الشبهة على العوام فيهما لقلة معرفتهم بالانساب وفهمهم بالاسباب ، وذلك انا

٦٤

ظرنا في الاثار المختلفة فيهما وما يصح به معرفتهما فوجدنا الاجماع من اهل النقل على ان رسول الله (ص) قد كان زوج هاتين المرأتين المنسوبتين عند العوام إليه في الجاهلية من ابي العاص بن الربيع ومن عتبة بن ابي لهب فكانت زينب عند ابي العاص ودخل بها وهي في منزله وكانت رقية متزوجة بعتبة بن ابي لهب ولم يكن دخل بها وهي في منزله فلما اظهر رسول الله ص دعوته ودعا الى نبوته وظهرت عداوة قريش له على ذلك قالت قريش لعتبة ابن ابي لهب طلق رقية بنت محمد حتى نزوجك بمن شئت من نساء قريش ففعل ذلك ، وقالوا لابي العاص مثل ذلك فلم يفعل وقال ما اريد باهلي بدلا فبقيت زينب عنده على حالها ودعا رسول الله (ص) على عتبة بن ابي لهب بان يسلط الله عليه كلبا من كلابه فاستجيب دعوته فيه فاكله الاسد في طريق الشام وهو مع السفر في العير فان قريشا كانت تخرج العير في كل سفرة لهم مع رئيس من رؤسائهم فوقعت النوبة على عتبة فامتنع أبو لهب من اخراجه في العير وقال ان محمدا دعا عليه وانه لم يدع في شئ الا كان كذلك وانا خائف من دعوته عليه من جهة ا. سد فقال اهل العير الذين خرجوا معه نحن نحفظه حفظا لا يصل إليه الاسد ابدا فاطلق له الخروج ، قال وكيف تصنعون قالوا نجعل الابل مثل الحلقة ثم نجعل من داخلها الجواليق كذلك مثل الحلقة ثم يبت؟ نحن حوله من داخل الجواليق ونجعله في وسطنا فمحال ان يصل إليه الاسد عند ذلك ، واطلق له الخروج معهم فكانوا يفعلون كذلك في طريقهم فاقبل إليهم الاسد ليلة من الليالي فتخطى الابل والجواليق والقوم جميعا حتى صار إليه فاخذه من وسطهم فاكله فاشتدت عند ذلك عداوة أبي لهب لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

وكانت زينب عند ابي العاص وهو كافر فلما هاجر رسول الله (ص) الى المدينة وكانت بينه وبين قريش اسر أبو العاص بن الربيع فيمن اسروا من قريش وهي وقعة يوم بدر ، ثم وقع الفداء على الاسرا ، فبعث كل

٦٥

ببيت من قريش فداء صاحبهم المأسور في ايدي اصحاب رسول الله (ص) وبعثت زينب قلادتها في فداء زوجها ابي العاص. فلما نظر رسول الله (ص) الى القلادة استعبر وقال هذه القلادة كانت عند خديجة جهزت بها زينب وكانت زنيب قد اسلمت وهي في بيت ابي العاص فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ان رددت عليك القلادة واطلقتك تبعث الينا زينب فقال أبو العاص نعم ، وكان لابي العاص منها ابن يسمى ربيعا وبنت تسمى امامة فاما الابن فانه مات حين راهق المدينة ، واما البنت فبقيت حتى توفيت فاطمة عليها السلام وتزوجها امير المؤمنين عليه السلام ، فعاهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ان يبعث إليه زينب مع ولدها فاطلق عنه فلما وصل الى مكة حملهم وانقذهم الى رسول الله (ص) ووفى له بذلك ، وقد كان قيل لرسول الله (ص) كيف تثق بضمان كافر فقال انه ليفي فلقد صاهرنا وحمدنا مصاهرته ولقد كنا محاصرين في شعب عبد المطلب فكان أبو العاص يجيئنا بالليل بالعير عليها الطعام حتى ينتهي الى باب الشعب ثم يزجر البعير ويهتف به حتى يدخل الشعب ثم يتركه وينصرف فكنا نأخذ ذلك الحمل الذي على البعير فنفرقه على جماعة من بني هاشم فصارت زينب وولدها عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

ان ابا العاص خرج في عير لقريش فاخذ اصحاب رسول الله صلى الله عليه واله تلك العير واسروا ابا العاص فلما قربوا من المدينة احتال أبو العاص فبعث الى زينب فاخبرها بانه اسر فلما صلى رسول الله (ص) صلاة الفجر باصحابه اخرجت زينب رأسها من الحجرة وقالت يا معاشر المسلمين انى قد اجرت ابي العاص فلا يعرض له ولا لما معه ، فقال رسول الله (ص) سمعتم ما سمعنا ، قالوا نعم وما امرت به ولا شورت وقد اجرنا من اجارت ولا تجيروا بعده امرأة ، فلما قدم أبو العاص على رسول الله (ص) خلى سبيله ولم يعرض لما كان معه من عير قريش ، ثم قال رسول الله (ص)

٦٦

أما تستحي قد اسرت مرتين وانت مقيم على الكفر ، فقال أبو العاص انا اشهد ان لا اله الا الله وانك محمد رسول الله ثم قال يا محمد ان قريشا إذا علمت باسلامي قالت انما اسلمت طمعا في مالهم عندي افتأذن لي بالرجوع الى مكة فارد عليهم ودائعهم وبضائعهم التي معي وانصرف اليك فاذن له في ذلك فمضى أبو العاص الى مكة فرد عليهم ما كان معه ثم قال هل بقى لاحد منكم عندي شئ قالوا لا ، قال اني اشهد ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله ولحق برسول الله (ص) فرد عليه زوجته زينب بالنكاح الاول ، وكان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قد زوج اختها رقية من عثمان فبقيت زينب عند ابي العاص بعد ذلك مدة يسيرة ومات عنها أبو العاص ثم ماتت رقية عند عثمان فخطب بعد موتها زينب فزوجها رسول الله (ص) منه وماتت عنده (١) لما كان الاثر موجودا من غير خلاف في تزويجها في الجاهلية من رجلين كافرين لم يخل الحال في ذلك من ان يكون الرسول (ص) في زمن الجاهلية على دين الجاهلية أو كان مخالفا لهم بالايمان بالله ، فان قال قائل ان رسول الله (ص) كان على دين الجاهلية كفر بالله ورسوله لان الله تعالى يقول في الامامة حين قال في قصة ابراهيم عليه السلام (اني جاعلك للناس اماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين) ومن كان كافرا كان اكبر الظالمين لقوله تعالى «ان الشرك لظلم عظيم» ومن كان كذلك كان عابدا للاصنام ومن كان عابدا للاصنام كان محالا ان يتخذه الله عز ذكره نبيا أو اماما بحكم هذا الوجه ، ولو جاز ان يكون الله يجعل كافرا أو مشركا نبيا أو اماما لجاز في حكم النظر ان يكون نبي أو امام يرجعان عن

__________________

(١) ولذلك يلقب عثمان عند اوليائه بذي النورين لزعمهم انه تزوج بنتي رسول الله (ص) رقية وزينب ، وفي تلقيبه بهذا اللقب اقوال خمسة ذكرها المحب الطبري في الرياض النظرة في ترجمة عثمان فراجعها.

الكاتب

٦٧

النبوة والامامة مشركين كافرين. وكما انه جاز ان ينقل كافرا مشركا الى الايمان فيصير مؤمنا بعد ان كان كافرا جاز بعد ذلك ان ينقل رجلا مؤمنا من بعد ايمانه الى الكفر فيصير بعد ان كان مؤمنا كافرا. وكذلك يجب في النظر ان يكون حال الانبياء والائمة عليهم السلام لو كان يجوز ان ينقل الله من كان كافرا مشركا فيصير نبيا أو اماما لجاز ذلك فلما فسد ذلك في حكمة الله جل اسمه أو جبنا على من يقول ان الرسول كان في الجاهلية كافرا يعبد الاصنام الكفر والالحاد. ولما وجب ذلك كذلك ثبت ان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان في زمن الجاهلية على دين يرتضيه الله منه غير دين الجاهلية. وقد شرحنا من هذا الحال في كتاب الانبياء ما فيه كفاية لاولى الالباب. ولما وجب ما وصفناه وثبتت حجته كان محالا ان يزوج رسول الله (ص) ابنتيه من كافرين من غير ضرورة دعت الى ذلك وهو مخالف لهم في دينهم عارف بكفرهم والحادهم. ولما فسد هذا بطل ان تكونا ابنتيه وصح لنا فيهما ما رواه مشايخنا من اهل العلم عن الائمة من اهل البيت عليهم السلام وذلك ان الرواية صحت عندنا عنهم انه كانت لخديجة بنت خويلد من امها اخت يقال لها هالة قد تزوجها رجل من بني مخزوم فولدت بنتا اسمها هالة ثم خلف عليها بعد ابي هالة رجل من تميم يقال له أبو هند فأولدها ابنا كان يسمى هندا بن ابي هند وابنتين فكانتا هاتان الابنتان منسوبتين الى رسول الله (ص) زينب ورقية من امرأة اخرى قد ماتت. ومات أبو هند وقد بلغ ابنه مبالغ الرجال والابنتان طفلتان وكان في حدثان تزويج رسول الله (ص) بخديجة بنت خويلد ، وكانت هالة اخت خديجة فقيرة وكانت خديجة من الاغنياء الموصوفين بكثرة المال ، فاما هند ابن ابي هند فانه لحق بقومه وعشيرته بالبادية ، وبقيت الطفلتين عند امهما هالة اخت خديجة فضمت خديجة اختها هالة مع الطفلتين وكفلت جميعهم ، وكانت هالة اخت خديجة هي الرسول بين خديجة وبين رسول الله (ص) في حال التزويج

٦٨

فلما تزوج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بخديجة ماتت هالة بعد ذلك بمدة يسيرة وخلفت الطفلتين زينب ورقية في حجر رسول الله صلى عليه واله وحجر خديجة فربياهما ، وكان من سنة العرب في الجاهلية من يربي يتيما ينسب ذلك اليتيم إليه ، وإذا كانت كذلك فلم يستحل لمن يربيها تزويجها لانها كانت عندهم بزعمهم بنت المربي لها فلما ربى رسول الله (ص) وخديجة هاتين الطفلتين الابنتين ابنتي أبي هند زوج اخت خديجة نسبتا الى رسول الله (ص) وخديجة ولم تزل العرب على هذه الحال الى ان ربى بعض الصحابة يتيمة بعد هجرة الرسول (ص) فقالوا لو سألت رسول الله (ص) هل يجوز في الاسلام تزويج اليتيمة ممن رباها ففعل ذلك فانزل الله جل ذكره «ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتوهن ما كتب لهن وترغبون ان تنكحوهن والمستضعفين من الولدان وان تقوموا لليتامى بالقسط» وقوله (فان خفتم ان لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فان خفتم ان لا تعدلوا فواحدة) فهذا الخطاب كان كله متصلا بعضه ببعض في حال التنزيل ففرق وقت التأليف لهذا المصحف الذي في ايدي الناس جهلا كان من المؤلفين بالتنزيل فاطلق الله سبحانه في الاسلام تزويج اليتيمة ممن يربيها فسقط عن المربي للايتام انتسابهم إليه ، فكان رسول الله صلى الله عليه واله في نسب ابنتي ابي هند على ما وصفناه من سنة العرب في الجاهلية فدرج نسبهما عند العامة كذلك ، ثم نسب اخوهما ايضا هند الى خديجة إذ كان اسم خديجة ثابتا معروفا وكان اسم اختها هالة خاملا مجهولا فظنوا لما غلب اسم خديجة على اسم هالة اختها في نسب ابنها ان ابا هند كان متزوجا بخديجة قبل رسول الله (ص) فاتصبوا؟ إليها لذلك وتحقق في ظنهم بجهلهم بأمهم اخت خديجة ان هندا كان قد عمر حتى لحق ايام الحسين عليه السلام فقتل بين يديه وهو شيخ فقال الناس قتل خال الحسين عليه السلام هند ابن

٦٩

ابي هند التميمي وانه كان هند ابن خالة فاطمة ام الحسين عليهما السلام على ما شرحناه فلم يميز العوام هذا القول وقدر السامع له انهندا كان ابن خديجة ولم يجعلوا ابا هند التميمي انه والد هند لبلوغ هند قبل موت ابي هند وجهلوا اسم هالة اختها ام هند بن ابي هند التميمي

ولما وقع بيني وبين من نسب الى هند من ولده مجادلات ومناظرات فيما ينتسبون إليه من خديجة وما يجهلون من جدتهم هالة اخت خديجة ولما عرفتهم الصحيح من ذلك اشتد عليهم وجادلوني اشد مجادلة في انهم من ولد خديجة فاعلمتهم ان ذلك جهل منهم بنسبهم وان خديجة لم تتزوج بغير رسول الله (ص) وذلك ان الاجماع من الخاص والعام من اهل الانال ونقلة الاخبار على انه لم يبق من اشراف قريش ومن ساداتهم وذوي النجدة منهم الا من خطب خديجة ورام تزويجها فامتنعت على جميعهم من ذلك فلما تزوجها رسول الله صلى الله عليه واله وسلم غضب عليها نساء قريش وهجرنها وقلن لها خطبك اشراف قريش وامراؤهم فلم تتزوجي احدا منهم وتزوجت محمدا يتيم ابي طالب فقيرا لا مال له ، فكيف يجوز في نظر اهل الفهم ان تكون خديجة يتزوجها اعرابي من تميم وتمتنع من سادات قريش واشرافها على ما وصفناه ، الا يعلم ذو التميز والنظر انه من ابين المحال وافظع المفال؟ ، ولما وجب هذا عند ذوي التحصيل ثبت ان خديجة لم تتزوج غير رسول الله (ص) ثم قلت لمن يجادلني منهم على هذه الحالة وليس ما ذهب عنكم وجهلتموه من معرفة جدتكم أهي خديجة ام اختها هالة يا عجب مما قد لحق ولد الحسين عليه السلام من الاختلاف في نسبهم الذي هو اشرف الانساب واجل الاحساب في الدنيا وارجاها سعادة في الاخرة فلم يمنعهم شرفه وجلالته وعظيم قدره من اختلافهم فيه على فرقتين وذلك ان عقب الحسين (ع) من ابنه علي بن الحسين (ع) وكان للحسين (ع) ابنان

٧٠

يسمى كل واحد منهما بعلي احدهما اكير من الاخر فقتل احدهما معه بكربلا وبقى الاخر والعقب كله من الباقي منهما من غير خلاف في ذلك ، ثم اختلف ولده فيه ما بين الاصغر والاكبر فمن كان من ولد الحسين (ع) قائلا في الامامة بالنصوص يقول انه من ولد علي بن الحسين الاكبر وانه هو الباقي بعد ابيه وان المقتول هو الأصغر منهما ، وهو قولنا وبه نأخذ وعليه نعول وان علي بن الحسين الباقي كان في اليوم الذي قتل فيه الحسين عليه السلام من ابناء ثلاثين سنة وان ابنه محمدا الباقر كان يومئذ من ابناء خمس عشرة سنة وكان المقتول هو علي بن الحسين الاصغر من ابناء اثنتي عشرة سنة جاهد بين يدي ابيه حتى قتل

والفرقة الاخرى وهم الذين يقولون بمذهب الزيدية منهم من يقول ان العقب من الاصغر وانه كان في اليوم الذي قتل فيه الحسين (ع) من ابناء سبع سنين ومنهم من يقول اربع سنين وعلى هذا النسابون من العوام وهو عندنا قول فاسد ومشايخنا كلهم من اهل العلم من الامامية من العلوية وغيرهم من الشيعة على خلاف هذا القول الاول فلينظر ذو الفهم الى هذا الاختلاف الذي وصفناه من ولد الحسين (ع) مع جلالة نسبهم وعظيم قدرهم في جميع ولد ادم وقربه من عدد الادباء ، فلم يكن فيهم من الحفظ لهذا النسب العالي العظيم الشريف الذى يتمنى جميع الناس ان يكونوا منه ولا يتمنى اهل ان يكونوا من احد من اهل البريات ما يحيطون بمعرفته على حقيقته حتى لا يجهلوا جدهم الذي ينتسبون إليه أي الاخوين الاكبر والاصغر وانما اكثر ما بينهم وبينه (ع) من الاباء الى عصرنا هذا ما بين ستة الى سبعة فذهب عنهم أو عن اكثرهم معرفة من هم من ولده من الاخوين مع ما وصفناه من قرب النسب وشرفه وعلوه اتعجب ان يذهب على ولد هند ابن ابي هند معرفة جدتهم حين جهلوها من الاختين فلا يعرفونها اهي خديجة ام اختها هالة ، هذا مع ما كان من سلفهم فيه من الرغبة في الافتخار والشرف على قومهم

٧١

وغيرهم بمناسبة رسول الله (ص) والقرابة من ذوي ارحام الرسول (ص) فانتسب منتسبهم الى خديجة ليثبت له خؤلة ولد رسول الله (ص) اما جهلا من المنتسب الاول منهم بنسبه على ما وصفناه من جهل اكثر ولد الحسين (ع) معرفة نسبهم في علي بن الحسين (ع) وذلك احسن احوال المنتسبين من ولد هند الى خديجة واما قصدا منه وتعمدا على معرفته بذلك طلبا للافتخار لما وصفناه من الخؤلة لولد رسول الله (ص) وذلك انكر لدين الفاعل منهم وادعى الى كشف باطلهم عند ذوي المعرفة فاتبعه على ذلك الخلف منهم فدرجوا على هذه الغاية فهم على جهلهم وضلالهم عن معرفة جدتهم من الاختين خديجة أو هالة ، وهذا غير مستنكر عند ذوي الفهم من جهلهم وذلك لغلبة الجهل على عوام الناس وقلة معرفة كثير منهم بالانساب وذوي الاحساب حتى ان اليمن كلها مجمعة في نسبهم الى قحطان ثم يزعمون ان قحطان ابن عابر فلا؟ يدرون من ولد (١) عابر حتى قالوا ان عابر هو هود النبي عليه السلام وزعمت اليمن والنسابون من العوام ان اسماعيل بن ابراهيم تعلم العربية من جرهم. وهم قبيلة من العرب من اليمن كانت نازلة بمكة وحولها ، وقد الف ذلك من العامة في كتاب المبتدأ وغيره من كتب ايام الناس وذكر الانساب فاخرجوا بهذا القول الفاسد نبيهم اسماعيل بن ابراهيم وولده من العرب وهم لا يعلمون بذلك انه إذا جاز ان يكون اسماعيل بن ابراهيم تعلم العربية من قوم قد سبقوه بالكلام منها ودرست على ذلك منهم قرون فصارت لهم في العربية قبائل من قبل اولاد اسماعيل وغير اسماعيل فلم يكن ابوه ابراهيم من العرب ، وكان ابراهيم (ع) باجماع الفرق على غير لسان العرب ثم تعلم اسماعيل بزعمهم في ذلك العربية من العرب الذين سبقوه بلسان العربية من اولاد الاعاجم فهو عربي على هذا القياس وهذه العلة ، أو ان اسماعيل لم يكن

__________________

(١) من ولد عابر (من) هنا موصولة و «ولد» بصيغة الفعل الماضي و «عابر» فاعل الفعل

الكاتب

٧٢

عربيا إذ كان سبق الى لسان العربية بزعمهم وانما تكلم بلسان العربية تعليما ممن سبقه إليه فيكون قائل هذا موجبا لاخراج رسول الله (ص) من العرب ومبطلا لنسبه في العربية وكذلك جميع ولد اسماعيل وفي هذا الكفر بالله وبرسوله ، فلما وجدنا العرب في الجاهلية والاسلام لا يجعلون من تعلم اللسان من ولد الاعاجم عربيا بطل قول من زعم ان اسماعيل تعلم العربية من اليمن إذ لو كان ذلك كذلك اوجب ان لا يكون اسماعيل ولا احد من ولده عربيا فقد بطل قول القائل بذلك وثبت قول علماء اهل البيت عليهم السلام ان اول من تكلم بلسان العربية اسماعيل بن ابراهيم عليهما السلام (١) وان

__________________

(١) قال العلامة الشيخ علاء الدين في محاضرة الاوائل ومسامرة الاواخر (ص ٢٣ طبع بولاق سنة ١٣٠٠ نقلا عن اصول التواريخ ما نصه) اول من تكلم بالعربية من ولد ابراهيم عليه السلام اسماعيل عليه السلام لان اسحاق بقى لسانه سريانيا وان اسماعيل الهم من يوم ولد لسان العرب وهو ابن ثلاث عشرة سنة واولاد ابراهيم جميعهم ما عدا اسماعيل لسانهم لسان ابراهيم وكان عبرانيا ، وتزوج ابراهيم بعد وفاة سارية بجارية من الترك يقال لها قطورا فولد له منها سبعة اولاد (ثم قال) نقلا عن اوائل السيوطي ان اول من تكلم بالعربية بلسان فصيح يعرب بن قحطان وبه سميت العرب عربا وقد وقد كانت عاد تكلمت بالعربية ولم تفصح فاعرب ـ اي اظهر وبين ـ يعرب (ثم قال) ايضا نقلا عن اوائل السيوطي ، ان اول من فتق لسانه بالعربية المبينة على ما هي عليه من النظام والفصاحة اسماعيل عليه السلام تكلم بالعربية المحصنة التي نزل القرآن بها ، رواه ابن عباس وقال لما انزله ابوه مع امه هاجر بمكة مرت بهم رفقة من جرهم فنالوا ناديهم ـ اي نزلوا منزلهم ـ حتى إذا شب اسماعيل وتعلم العربية منهم وفتق الله لسانه بالفصاحة ففاق العرب العاربة فكان لسانه بين اظهرهم معجزة بديعة

الكاتب

٧٣

قحطان بن عابر من ولد اسماعيل. وعابر تفسيره بلسان قوم هود في زمن عاد هو هود ، فقدر من وقف على ذلك ان هذا عابر والد قحطان وهو هود عليه السلام فأخطأ ، وليس احد من اهل اليمن اليوم ينتسب الى اسميل بن ابراهيم عليهما السلام ولد قبل لهم ذلك انكروه اشد نكرا ولعادوه اشد عداوة ، وهذا شهرته من منكرات العامة والجهل بالانساب وغيرها إذ كانت علومهم مأخوذه من غير اولياء الله جل سلطانه والائمة من الانبياء والاوصياء الحافظين لعلم ما تقدم وتأخر وان العامة لتروي جميعا ان الرسول (ص) انتسب الى سعد؟ ، ثم قال عند ذلك (وكذب النسابون) فلم يمنع ذلك العامة ان تنسب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الى آدم عليه السلام لانها إذا جاوزت نسب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مما انتسب إليه الرسول صلى الله عليه واله لم يخل حالهم في ذلك من ان يكون ماقاله الرسول (ص) من تكذيب النسابين عندهم حقا أو يكون عندهم باطلا ، فان يزعم ان الذي قاله الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حق فقد شهد على نفسه وعلى جميع من تجاوز في النسب جد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم باستعمال الكذب واتباعه اياه استحسانا بينهم وكفى بذلك خزيا وفضيحة ، وان زعم زاعم منهم ان ما قاله الرسول (ص) من ذلك غير حق كان قد كذب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ولزمه الكفر بغير خلاف ، ولا محيص لهم من احد الوجهين ، ولقد رويناه من طريق علماء اهل البيت عليهم السلام في اسرار علومهم التي خرجت عنهم الى علماء شيعتهم ان قوما ينتسبون الى قريش وليسوا هم من قريش في حقيقة النسب ، وهذا مما لا يجوز ان يعرفه الا في معرفة معدن النبوة وورثة علم الرسالة ، وذلك مثل بني أمية ذكروا انهم من قريش وليسوا من قريش وان اصلهم من الروم ، وفيهم تأويل هذه الاية (بسم الله الرحمن الرحيم الم غلبت الروم في ادنى الارض وهم من بعد غلبهم سيغلبون) معناه انهم غلبوا على الملك وسيغلبهم على ذلك بنو العباس ، وذلك

٧٤

ان العرب في الجاهلية إذا كان لاحد عبد فاراد ان ينسبه ويلحقه بنسبه فعل ذلك وجاز عندهم وقد وجدنا ذلك من وجوه كريمة من العرب فيلحق بنسب مولاه ، فكان هذا من سيرة العرب وقد فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بزيد بن حارثة اشتراه من سوق عكاظ بمال خديجة عليها السلام وكان زيد قد سرق (١) من ابيه حارثة الكلبي فبيع في سوق عكاظ فاشتراه رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فلما اظهر رسول الله (ص) الدعوة سارعت خديجة للاسلام فسارع زيد ايضا ليه فاستوهبوه الرسول (ص) من خديجة ليعتقه ففعلت خديجة ذلك فبلغ اباه خبره انه مع رسول الله (ص) بمكة فاقبل الى مكة في طلبه وكان ابوه حارثة من وجوه بني كلب فصار الى ابي طالب في جماعة من العرب فاستشفع بهم الى رسول الله صلى الله عليه واله في ان يرد عليه ابنه زيدا بعتق أو بيع فقال رسول الله (ص) زيد حر فليذهب اين شاء فقال له ابوه الحق يا بني بقومك ونسبك وحسبك فقال زيد ما كنت لا فارق رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فجهد به ابوه وتلطف له فقال ما افارق رسول الله صلى الله عليه واله فقال له ابوه اني اتبرأ منك فقال له زيد فذاك اليك فقال حارثة يا معشر قريش والعرب اني قد بترات من زيد فليس هو ابني ولا انا ابوه فقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يا معاشر قريش زيد ابني وانا ابوه فدعى زيد محمد على رسمهم الذي كانوا عليه في الجاهلية في ادعيائهم وكان زيد كذلك حتى هاجر رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ثم تزوج بامرأة زيد فانكر ذلك جماعة من جهال الصحابة فخاضوا فيه خوضا فانزل جل ذكره في ذلك يعلمهم العلة في تزويج رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بامرأة زيد فقال تعالى (ما كان محمد ابا احد من رجالكم ولكن رسول وخاتم النبيين) ثم قال (وما جعل ادعياءكم ابناءكم ذلك قولكم بافواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل ادعوهم

__________________

(١) سرق بالبناء للمفعول فلا تغفل

الكاتب

٧٥

لابائهم هو اقسط عند الله فان لم تعلموا آباءهم فاخوانكم في الدين ومواليكم وليس عليكم جناح فيما اخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما) ثم ذكر العلة وقال (فلما قضى زيدا منها وطرا زوجناكها لكيلا يكون على المؤمنين حرج في ازواج ادعيائهم إذا قضوا منهن وطرا وكان امر الله مفعولا) فاخبر الله عز وجل ان الرسول صلوات الله عليه وآله فعل ذلك ليعلم المسلمين ان الزواج ادعيائهم عليهم حلال تزويجهن بعد مفارقتهن وانهن لسن كازواج الانبياء اللاتي حرمهن الله على الاباء وكان عبد شمس بن عبد مناف اخا هاشم بن عبد مناف قد تبنى عبدا له روميا يقال له امية فنسبه عبد شمس الى نفسه فنسب امية بن عبد شمس فدرج نسبه كذلك الى هذه الغاية. فاصل بني امية من الروم ونسبهم في قريش وكذلك اصل الزبير بن العوام بن اسيد بن خويلد كان العوام عبدالا سيد بن خويلد فتبناه ولحق بنسبه ، ولم يكن غرضنا ذكر مثل هذا ولكن عرض ذكره في هذا الموضع فذكرنا هذا المقدار منه استشهادا به على غفلة كثير من الناس عن معرفة الحقيقة في الانساب وغيرها وكان السبب في ذكرها هذا كله ما اردناه من بيان البنتين المنسوبتين عند العامة الى رسول الله (ص) فقد شرحنا خبرهما ووصفنا حالهما بما فيه كفاية ومقنع ونهاية (١)

__________________

(١) قد عرفت رأي صاحب الكتاب في زينب ورقية وانهما ليستا ابنتي رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ولا خديجة وان تزويج النيي (ص) اياهما عثمان بن عفان بعد عتبة بن ابي لهب وابي العاص بن الربيع صحيح غير متنازع فيه ، ولكن قد خالف صاحب الكتاب في هذا الراي جماعة من اساطين العلماء من الفقهاء والنسابين ممن لا يستهان بهم. منهم العلامة الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي المتوفى سنة ٤١٣ فانه في (اجوبة المسائل الحاجبية) في جواب المسألة المتممة للخمسين لما سئل عن ذلك قال رحمه الله (ما نصه) ان زينب ورقية كانتا ابنتي رسول الله (ص) ـ

٧٦

واما تزويج عمر من ام كلثوم بنت امير المؤمنين عليه السلام فانه حدثنا جماعة من مشايخنا الثقاة منهم جعفر بن محمد بن مالك الكوفي عن احمد بن الفضل عن محمد ابن ابي عمير عن عبد الله بن سنان قال سألت جعفر بن محمد

__________________

والمخالف لذلك شاذ بخلافه ، ما تزويجه (ص) بكافرين فان ذلك كان قبل تحريم مناكحة الكفار وكان له (ص) ان يزوجهما ممن يراه وقد كان لابي العاص وعتبة نسب برسول الله (ص) وكان لهما محل عظيم إذ ذاك ولم يمنع شرع من العقد لهما فيمتنع رسول الله (ص) من اجله ، وقال رحمه الله في (اجوبة المسائل السروية) ما نصه : قد زوج رسول الله (ص) ابنتيه قبل البعثة كافرين كانا يعبدان الاصنام احدهما عتبة بن ابي لهب والاخر أبو العاص ابن الربيع فلما بعث (ص) فرق بينهما وبين ابنتيه فمات عتبة على الكفر واسلم أبو العاص بعد ابائه الاسلام فردها عليه بالنكاح الاول. ولم يكن صلى الله عليه واله وسلم في حال من الاحوال كافرا ولا مواليا لاهل الكفر وقد زوج من تبرأ من دينه وهو معادله في الله عز وجل وهاتان البنتان هما للتان تزوجهما عثمان بن عفان بعد هلاك عتبة وموت ابي العاص وانما زوجه النبي (ص) على ظاهر الاسلام ثم انه تغير بعد ذلك ولم يكن على النبي (ص) تبعة فيما يحدث في العاقبة ، هذا على قول اصحبانا وعلى قول قول فريق آخر انه زوجه الى الظاهر وكان باطنه مستورا عنه ويمكن ان يستر الله عن بيه عليه السلام نفاق كثير من المنافقين وقد قال اله سبحانه (ومن اهل المدينة مردوا على النفاق فلا نعلمهم نحن نعلمهم فليكن في اهل مكة كذلك ، والنكاح على الظاهر دون الباطن على ما بيناه (ثم قال) ويمكن ان يكون الله تعالى قد اباحه مناكحة من تظاهر بالاسلام وان علم من باطنه النفاق وخصه بذلك ورخص له فيه كما خصه في ان يجمع بين اكثر من اربع حرائر في النكاح ، واباحه ان ينكبي بغير مهر ولم يخطر عليه المواصلة في الصيام ولا الصلاة بعد قيامه من النوم بغير وضوء واشباه

٧٧

الصادق عليه السلام عن تزويج عمر من أم كلثوم فقال عليه السلام ذلك فرج غصبنا عليه ، وهذا الهبر مشاكل لما رواه مشايخنا عامة في تزويجه منها وذلك في الخبر ان عمر بعث العباس بن عبد المطلب الى امير المؤمنين عليه السلام يسأله ان يزوجه ام كلثوم فامتنع عليه السلام فلما رجع العباس الى عمر يخبر امتناعه قال يا عباس ايانف من تزويجي والله لئن يزوجني لاقتلنه فرجع العباس الى علي عليه السلام فأعلمه بذلك فاقام علي عليه السلام على الامتناع فاخبر العباس عمر فقال له عمر احضر في يوم الجمعة في المسجد وكن قريبا من المنبر لتسمع ما يجري فتعلم اني قادر على قتله ان اردت فحضر العباس المسجد فلما فرغ عمر من الخطبة قال ايها الناس ان هاهنا رجلا من اصحاب محمد وقد زنى وهو محصن وقد اطلع عليه امير المؤمنين وحده فما انتم قائلون ، فقال الناس من كل جانب إذ كان امير المؤمنين اطلع عليه فما الحاجة الى ان يطلع عليه غيره وليمض في حكم الله ، فلما انصرف عمر قال للعباس امض الى علي فاعلمه بما قد سمعته فوالله لئن لم يفعل لافعلن فصار العباس الى علي عليه السلام فعرفه ذلك فقال علي (ع) انا اعلم ان ذلك مما يهون عليه وما كنت بالذي افعل ما يلتمسه أبدا ، فقال العباس لئن لم تفعله فانا افعل واقسمت عليك ان لا تخالف قولي وفعلي ، فمضى العباس الى عمر فاعلمه ان يفعل ما يريد من ذلك فجمع عمر الناس فقال ان هذا العباس عم علي بن ابي طالب وقد جعل إليه امر ابنته ام كلثوم وقد أمره ان يزوجني

__________________

ذلك مما خص به وحظر على غيره من عامة الناس ، فهذه الاجوبة الثلاثة عن تزويج النبي صلى الله عليه واله وسلم عثمان كل واحد منها كاف بنفسه مستغنى به عما ورد ، هذا رأي الشيخ الجليل المفيد رحمه الله في ذلك ووافقه تلميذه السيد الشريف المرتضى علم الهدى رحمه الله في رسالته التي عملها في هذه المسألة بعد ان سئل عن رأيه فيها ، وبذلك اتضح الحق لذي عينين ولم تبق شبهة والحمد لله

الكاتب

٧٨

منها فزوجه العباس بعد مدة يسيرة فحملوها إليه (١) واصحاب الحديث

__________________

(١) هذا رأي صاحب الكتاب في وجه تزويج علي عليه السلام ابنته ام كلثوم من عمر ، وقال الشيخ الجيل المفيد محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي المتوفي سنة ٤١٣ في جواب المسألة العاشرة من المسائل السروية لما سأله السائل عن حكم ذلك التزويج (ما نصه) ان الخبر الوارد بتزويج امير المؤمنين عليه السلام ابنته من عمر غير ثابت وطريقه من الزبير ابن بكار وطريقه معروف لم يكن موثوقا به في النقل وكان منهما فيما يذكره من بغضه لامير المؤمنين عليه السلام وغير مامون فيما يدعيه عنهم على بني هاشم ، وانما نشر الحديث اثبات ابي محمد الحسن بن يحيى صاحب النسب ذلك في كتابه فظن كثير من الناس انه حق لرواية رجل علوي له وهو انما رواه عن ابن الزبير كما روى الحديث نفسه مختلفا (فتارة) يروى ان امير المؤمنين عليه السلام تولى العقد له على ابنته «وتارة» يروي عن العباس انه تولى ذلك عنه «وتارة» يروي انه لم يقع العقد الا بعد وعبد من عمر وتهديد لبني هاشم «وتارة» يروى انه كان من اختيار وايثار ، ثم بعض الرواة يذكران عمرا ولدها ولدا سماه زيدا (وبعضهم) ان لزيد بن عمر عقبا «ومنهم» من يقول انع قتل ولا عقب له (ومنهم) من يقول انه وامه قتلا (ومنهم) من يقول ان امه بقيت بعده «ومنهم» من يقول ان عمرا مهر ام كلثوم اربعين الف درهم (ومنهم) من يقول امهرها اربعة الاف درهم (ومنهم) من يقول كان مهرها خمسمائة درهم ، وبدء هذا القول وكثرة الاختلاف يبطل الحديث ولا يكون له تأثير على حال ثم ، انه لو صح لكان له وجهان لا ينافيان مذهب الشيعة في ضلال المتقدمين على امير المؤمنين عليه السلام (احدهما) ان النكاح انما هو على ظاهر الاسلام الذي هو الشهادتان والصلاة الى الكعبة والاقرار بجملة الشريعة وان كان الافضل ترك مناكحة من ضم الى ظاهر الاسلام ضلالا لا يخرجه عن الاسلام الا ان

٧٩

ان لم يقبلوا هذه الرواية منا فانه لا خلاف بينهم في ان العباس هو الذي زوجها من عمر ، وقد قيل لمن انكر هذه الحكاية من فعل عمر ما العلة التي اوجبت ان يجعل علي عليه السلام امر ابنته كلثوم الى العباس دون غيرها من بناته وليس هناك امر يضطره الى ذلك وهو صحيح سليم والرجل الذي زوجه العباس بزعمهم عنده مرغوب رضى فيه اتقولون انه انف من تزويج ابنته ام كلثوم وتعاظم وتكبر عن ذلك فقد نجده قد زوج غيرها من بناته

__________________

ـ الضرورة متى قادت الى مناكحة الضال مع اظهاره كلمة الاسلام الت الكراهة من ذلك وساغ ما لم يكن يحتسب مع الاختيار ، وامير المؤمنين عليه السلام كان محتاجا الى تأليف وحقن الدماء ورأى انه ان منع عمر عما رغب فيه من مناكحة بنته اثمر ذلك الفساد في الدين والدنيا وانه ان اجاب إليه اعقب ذلك صلاحا في الامرين؟ فاجابه الى ملتمسه لما ذكرناه (والوجه الاخر) ان مناكحة الضال لجحد الامامة وادعائها لمن لا يستحقها حرام الا ان يخاف الانسان على دينه ودمه فيجوز له ذلك كما يجوز له اظهار كلمة الكفر المضادة لكلمة الايمان وكما يحل له الميتة والدم ولحم الخنزير عند الضرورات وان كان ذلك محرما مع الاختيار ، وامير المؤمنين عليه السلام كان مضطرا الى مناكحة الرجل لانه يهدده ويتواعده؟ فلم يأمنه امير المؤمنين عليه السلام على نفسه وشيعته فاجابه الى ذلك ضرورة كما قلنا ان الضرورة توجب اظهار كلمة الكفر حسب ما قدمناه ، قال الله تعالى (الا من اكره وقلبه مطمئن بالايمان) وليس ذلك باعجب من قوم لوط عليه السلام كما حكى الله تعالى عنه بقوله «هؤلاء بناتي هن اطهر لكم» فدعاهم الى العقد عليهم لبناته وهم كفار ضلال قد اذن الله تعالى في هلاكهم

هذا رأي الشيخ المفيد رحمه الله في المسألة ووافقه على ذلك الرأي جمهور كثير من اساطين العلماء المتفقهين منهم تلميذه السيد الشريف المرتضى علم الهدى رحمه الله في رسالته التي عملها في هذه المسألة

الكاتب

٨٠