الاستغاثة - ج ١

أبو القاسم علي بن أحمد الكوفي

الاستغاثة - ج ١

المؤلف:

أبو القاسم علي بن أحمد الكوفي


الموضوع : العقائد والكلام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٨٢
الجزء ١ الجزء ٢

ذلك ورضوا فيه مع اجماعهم انه بدعة وهم قد سموا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يقول كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ، فدخل الضرر العظيم على جميع الناس بهذه البدعة لان الطلق هذا الطلاق الذي قد اجمعوا انه بدعه فهو غير مطلق فالمرأة تخرج من بيت زوجها وهي غير مطلقة فيتزوجها رجل آخر وهي غير مطلقة الاول وهي حرام عند الثاني وفسد ايضا النكاح لفساد الطلاق وابيحت الفروج حراما وفسد النسل بفساد النكاح وروى مشايخنا عن امير المؤمنين عليه السلام انه قال تجنبوا المطلقات ثلاثا في مجلس واحد فانهن ذوات ازواج فانه عليه السلام قال لا يكون الطلاق طلاقا حتى يجمع الحدود الاربعة فان نقص منها حد واحد لا يقع الطلاق وهي ان تكون طاهرا من غير جماع ويقع بعد خروجها من حيضها والثاني ان يكون الرجل مريدا للطلاق اختيارا والثالث ان يحضره شاهدا عدل والرابع ان ينطق بالطلاق ما اجماعهم ان هذا هو الحق (١)

__________________

ـ هذا الحديث دال على فساد الطلاق الثلاث بالمرة لكونه لعبا وبذلك قال سعيد بن المسيت وجماعة من التابعين ، لكن الحق ان اللعب انما هو في قوله ثلاثا فيلغى واما قوله انت طالق فيؤثر اثره إذ لا لعب فيه كما هو واضح اورد ذلك كله العلامة الحجة شرف الدين في الفصول المهمة ص ٥٢.

الكاتب

(١) ثم زعموا ان عائشة قالت قال رسول الله ص لا نكاح الا بولي مرشد وشاهدي عدل ، فعلموا على هذا الحدث؟ وجعلوه من اصولهم ، ولو ميزوا وفهموا لعلموا ان الرسول (ص) لا يجوز له ان يكتم فريضة مثل هذه عظيمة في الدين من جميع اصحابه حتى يبديها لامرأة من نسائه دون غيرها ، سبحان الله ما أبين هذا الجهل وابعدهم من كل فهم وعقل ، وانما فعل الرجل هذا والزمه الناس ليثبت له ما نهى عن متعة النساء التي اباحها الله تعالى فحرمها عمر على الناس.

هذه الزيادة في بعض نسخ الكتاب.

الكاتب

٤١

ولهذا الحال قال المحبون لامير المؤمنين (ع) إذا كان نكاحهم فاسدا لفساد طلالهم؟ ونسلهم فاسدا لفساد نكاحهم ، وقد حكم الرسول صلى الله عليه واله وسلم انه قال لا يحب امير المؤمنين الا طاهر الولادة دون خبيثها.

(ونظير هذه البدعة) منه ما قد شمل فساده وعم ضرره ودخلت مصيبته على جميع المسلمين والمعاهدين وهو منعه من بيع امهات الاولاد في حياة السيد وبعد وفاته وايجابه حريتهن بعد وفاة مالكهن فكل من كانت له أمة فولدت منه ولدا مات الولد أو بقي فسيدها يمنع من بيعها وإذا مات سيدها منعوا ورثته من ادخالها في الميراث ويزعمون انها صادت حرة بعد موت سيدها عنها فما اعظم بلية هذه البدعة على جميع من هو تحت حكم الاسلام وذلك ان الامة ان كانت إذا ولدت من سيدها تصير حرة فقد حرمت على سيدها في وطيها واستخدامها الا بعقد النكاح تزويجا بعد عقد الملك وان كانت امة حللها بعقد الابتياع فمحال ان يحرم بعض مقتضى العقد ويحل بعضه وقد اجمعوا ان سيدها يطأها بعد ولادتها منه بعقد الابتياع الذي يملك به بيعها أو هبتها ووطيها قبل الولادة منه وغير جائز ان يفسخ من ملكها بذلك العقد حدوا حد الا فسدت حدود ذلك العقد ولا يثبت جميع حدوده حتى يخص ذلك كتاب من الله وسنة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهذا مالا يجد احد إليه سبيلا فإذا مات سيد الامة ولها منه ولد وكان ولدها هو الوارث دون غيره لزمه حرية والدته لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من ملك ذا رحم فهو حر ، وان كان مع ولدها وارث غيره كان لمن معه من الورثة نصيبهم من الامة إذ لم يعتقها سيدها ووجب على الولد ان يستخلص والدته من الورثة بدفع حقهم بحكم ثمنها على والده من نصيبه من الميراث فإذا استخلصها صارت حرة فان كان ولدها قد مات قبل موت السيد وورثها غير ولدها فهي امة للورثة يحل لهم جميعا (١) وطيها وبيعها وهبتها

__________________

(١) اي يحل لكل واحد منهم مع اذن الباقين من الورثة.

الكاتب

٤٢

واستخدامها غير ولد سيدها من غيرها ، فان كان لسيدها ولد من غيرها فلولده من غيرها ملكها وبيعها وهبتها واستخدامها ولا يحل له وطيها ، فهذا حكمها الذي امر الله به ورسوله ، فهم الان يمنعون ورثة الامة من ملكها من كل وجه وهي امة لهم إذ لم يكن سيدها اعتقها فيحولون بين مالكها من الورثة وبيها ويمنعون الوارث من تزويجها ممن يخطبها على سبيل حكم الحرية دون حكم المال ، فان فعلوا اولاد زوجها ففرجها حرام بتزويج مالكها وبتزويجهم اياها دون وارثها على من تزوجها ، والوارث انما تزوجها على انها حرة وليس عنده انها ملك له ولا اولاد من تزوجها منها مماليك للورثة. فان الاجماع من المسلمين ان من تزوج امة لغيره بغير اذن مالكها فنكاحها حرام وفرجها عليه حرام واولادها منه عبيد لسيدها سواء كان المتزوج بها حرا أو عبدا فلينظر الان ذو الفهم في هذه البدعة في حكم الامة ما اعظم مصيبتها واظهر ضررها وخزيها ونكالها في حال الدين والدنيا؟ فانه قد لحق وارث الامة ضرر منعهم اياه من امته ولحق الامة ضرر منعهم اياه من امته ، ولحق الامة ضرر منعهم اياه من امته ، ولحق الامة ضرر امتناعها على وارثها في ملكها. ولحق المتزوج ضرر ما هو مقيم عليه من وطي فرجها حراما ولحقها هي ايضا من ضرر هذا التحريم مثل الذي لحق المتزوج بها. ولحق ولدها في تلك الحالة ضرر ولادتهم من وطي حرام وحكم وجوب رقهم لوارث الامه فكم من وجه قد لحق الخلق من ضرر هذه البدعة وجيمع وزر هذه الوجوه التي لحق ضررها منها لازم لمن ابتدعها الى يوم القيامة من غير ان ينص القوم من وزرهم في ذلك شيئا ، واجمع اهل الاثر ان عليا امير المؤمنين عليه السلام كان يحكم بملك امهات الاولاد وببيعهن على احكام ملكهن للورثة مما قدمنا ذكره وانه عليه السلام (١) أمر في

__________________

(١) واجمعوا أن عليا عليه السلام لما حضرته الوفاة كان له ثماني عشرة سرية فقال في وصيته ان جميع امهات اولاده من الاماء محسوبات على

٤٣

وصيته وقت وفاته ان يجعل امهات اولاده بيعا على اولادهن منه من انصبائهم من لميراث بالاثمان التي اشتراهن بها وجعل كل امة لا ولد لها حرة من ثلث مله ليعلم ذو الفهم ان امهات الاولاد على حال ملكهن ، ولما جعل امير المؤمنين عليه السلام امهات اولاده كذلك على اولادهن صرن عند ذلك احرارا على اولادهن لقول الرسول عليه الصلاة والسلام (من ملك ذا رحم فهو حر) وصرن امهات أو. ده بذلك طاهرات طيبات في تزويجهن لعبده وغير تزويجهن.

(ومن بدعه في النكاح) ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جعل المسلمين اكفاه بعضهم لبعض في النكاح من غير ان يميز في ذلك قرشيا ولا عربيا ولا عجميا ولا مولى ، وقال فيما نقل عنه باجماع (من جاءكم خاطبا ترضون دينه وامانته فزوجوه ان لا تفعلوا تكن فتنة في الارض وفساد كبير (١) وقال في حجة الوداع المؤمنون اخوة تكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم ادناهم وهم يد واحدة على من سواهم ، وقوله هذا عليه السلام موافق لقول الله تعالى (انما المؤمنون اخوة فاصلحوا بين اخويكم) ولم يميز الله ورسوله

__________________

ـ اولادهن بما ابتاعهن من اثمانهن فجعلهن في حال قسمة الميراث من قسط اولادهن من الميراث (قال) ومن كان من امائه غير ذوات اولاد فهن حرائر من ثلثه أو لا نرى ان امير المؤمنين عليه السلام قد باع امهات اولاده من امائه خاصة دون غيرهم من الاماء على اولادهم ليعلم ذو الفهم ان الامة ملك للوارث كان لها ولد أو لم يكن (كذا في النسخ بدل عن العبارة المذكورة).

الكاتب

(١) روى هذا الحديث ابن الديبغ في تيسير الوصول اختصار جامع الاصول لابن الاثير الجزري (ج ٤ ص ٢٦٤) عن ابي هريرة عن النبي (ص) ولكن بلفظ (ترضون دينه وخلفائه) وقال اخرجه الترمذي.

(الكاتب)

٤٤

صلى الله عليه واله وسلم بين المؤمنين في حال من الاحوال بوجه من الوجوه وسبب من الاسباب ، فيمزهم عمر فاطلق تزويج قريش في سائر العرب والعجم وتزويج العرب في سائر العجم ، ومنع العرب من التزويج في قريش ومنع العجم من التزويج في العرب فأنزل العرب في قريش منزلة اليهود والنصارى ، وانزل العجم في سائر العرب كذلك إذ اطلق الله الله تعالى للمسلمين التزويج في اهل الكتاب ولم يطلق تزويج اهل الكتاب في المسليمن وقد زوج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب من المقداد بن الاسود الكندي وكان مولى لبني كندة ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم أتعلمون لم زوجت ضباعة بنت عمي من المقداد قالوا لا قال (ص) ليتضح النكاح فيناله كل مسلم ولتعلموا ان اكرمكم عند الله اتقاكم فمن يرغب بعد هذا عن فعل الرسول فقد رغب عن سنة الرسول (١) وقال صلى الله عليه وآله وسلم من رغب عن سنتي فليس مني ، وقيل لامير المؤمنين عليه السلام ايجوز تزويج الموالي بالعربيات فقال تتكافأ ذماؤكم ولا تتكافأ فروجكم (٢)

(ومنها) منع اليهود والنصارى إذا اسلموا من ميراث ذوي ارحامهم الذين لم يسلموا فحرمهم الميراث باسلامهم وصير الاسلام وبالاعليهم في منعهم به من حقوقهم ، واحتج في ذلك بقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم اهل الملتين لا يتوارثان ، ولم يعلم تأويل هذا القول من الرسول (ص) واجمع

__________________

(١) فمن يرغب بعد هذا عن سنة رسول الله فقد سفهه ومن سفه رسول الله فقد كفر ، وقال (ص) الخ (نسخة بدل).

(٢) في صدر قول النبي (ص) استفهام مقدر ، وهو استفهام انكاري فكأنه (ص) قال اتتكافأ دماؤكم ولا تتكافأ فروجكم ، إذ الدماء اهم مراعاة عند الشارع المقدس من الفروج فإذا جاز ذلك فهذا اولى بالجواز

(الكاتب)

٤٥

اهل الروايات انعثمان بن عفان خالفه في ذلك وورثهم وكذلك امير المؤمنين عليه السلام ، وقال امير المؤمنين عليه السلام ما منعني قول الرسول (ص) أهل الملتين لا يتوارثان لانه يعني ان ترثهم ولا يرثونا وإذا كان ذلك كذلك لم نكن متوارثين كما اننا ننكح فيهم ولا ينكحون فينا ، ثم قال عليه السلام ويمنع المسلم من ميراثه لاجل الاسلام وهل زاده الاسلام الا خيرا وعزا (ومنها) احكام المواريث في الاسلام فان عمر امر الناس ان يتبعوا قول زيد بن ثابت في الفرائض وقال ان زيدا أفرضنا فرادوا؟ بعده في الخبر وعلي أقضانا وأبي اقرأنا. ثم اسندوا الخبر الى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم تخرصا وافتراء لان هذا بعيد من قول الرسول عليه السلام إذ لم يكن في حياة الرسول (ص) لاحد ان يقول في القضاء ولا في الفرائض ولا في غيرها وكان من حكم زيد بن ثابت في ايام عمر في الفرائض ان جعل مال ذوي الارحام وغيرها الذي حكم الله به في كتابه بقوله (واولوا الارحام بعضهم اولى ببعض في كتاب الله) للعصبة. وقال زيد لا يعطي ذو الارحام شيئا من الميراث عنادا لله ولرسوله في ذلك ، ثم تخرصوا للعاميين خبرا انقادت لهم به اسندوه الى ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال ما أبقت الفرائض فلا ولي عصبة ذكر ، وقال رجل هذ الكلام لا يليق بالرسول لو كان للقوم تمييز وفهم إذ كانت العصبة في اللغة هم الذكران دون الاناث من اهل بيت الاب دون الام. والرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال انا انصح العرب ولا فخر وكذلك يجب ان يكون الرسول (ص) افصح الخلق واعلمهم بالحقائق فكبف يجوز ان يقول الرسول (ص) مع فصاحته وعلمه وحكمته (عصبة ذكر) ولو تكلم بهذا جهل الناس بالعربية من الولدان والنسوان لسخر منه ، فصير زيدا كلما كان باقيا بعد القسمة في الكتاب للعصبة بزعمه رجوعا بالناس الى احكام الجاهلية في المواريث فانهم كانوا يورثون الرجال ولا يورثون النساء ويورثون الاعمام ولا يورثون الاخوال فخالف

٤٦

الله احكام الجاهلية باحكام شريعته فقال عز من قائل (للرجال نصيب مما ترك الولدان والاقربون فإمما قل منه اكثر نصيبا مفروضا) ثم قال (واولوا الارحام بعضهم اولى ببعض في كتاب الله) فدخل في ذلك الرجال والنساء واهل بيت الاب واهل بيت الام جميعا على العموم دون الخصوص ثم اضطروا لفساد حكمهم الى القول بالعول على حساب الفرائض فمنعوا بذلك ايضا كثير من اصحاب السهام سهامهم التي سماها الله لهم وكان هذا من حكمهم يوجب الجهل على الله تعالى بالحساب إذ فرض بالسهام مالا يستقيم بزعمهم في الحساب لانهم قالوا انه قد يتفق بالقسمة نصف ونصف وثلث حتى اضطر ابن عباس في انكار ذلك عليهم الى ان قال اترى الذي احصى رمل عالج لم يعلم بانه لا يجوز ان يكون في مال نصف ونصف وثلث (ثم قال) ومن شاء فليباهلني حتى اباهله ان العول غير جائز في دين الله وذلك مثل قولهم في امرأة تركت زوجها وامها واختها لابيها وامها فزعموا ان للزوج النصف وللاخت من الاب والام النصف وللام الثلث وكل ذي فهم ايعلم ان الله تعالى لا يجوز في حكمته وتقسيم تدبيره ان يجعل للاخت من الام والاب اكثر من الام في الميراث مع قوله تعالى (واولوا الارحام بعضهم اولى ببعض) واجماع من المسلمين ان كل من كان رحمة اقرب كان احق بالميراث ولا خلاف ان الام اقرب رحما الى بنتها من رحم اختها ، قال لمخالفون لنا وكيف حكمتهم انتم بهذا الفريضة قلنا للزوج النصف تاما كاملا وللام الثلث بآية التسمية مع الاب ويبقى من المال السدس مستحق آية الرحم وكانت الام اقرب الارحام فاخذته ايضا فصار لها النصف وسقطت الاخت ولا ترث مع الام شيئا وذلك لان الله حكم بهذا ، وانما ورث الاخوة والاخوات في حال الكلالة من قوله تعالى (وان كان رجل يورث كلالة ام امرأة وله اخ أو اخت فلكل واحد منها السدس فان كانوا اكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث) فهولاء الاخوة من الام بغير خلاف ، وقال في الاخوة

٤٧

من الاب والام (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة ان امرؤ هلك ليس له ولد وله اخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها ان لم يكن لها ولد فان كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك وان كانوا اخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الانثيين) فهؤلاء الاخوة من الاب والام ولم يذكر معهم والدا ولا ولدا وكل من خلف والدا أو ولدا فهو غير مورث كلالة وذلك مما لاحظ للاخوة في تركته ، وكل من لا يترك والدا ولا ولدا فهو عند ذلك مورث كلالة والاخوة اول درجات الكلالة لان الكلالة مأخوذة في حقيقة اللغة من الكل ، وكل من تقرب من الميت في اخذ ميراثه بغيره فهو كلالة لانه كل على من تقرب به ، وكل من تقرب بنفسه دون غيره فليس هو بكلالة فقد تحير في معرفة الكلالة المنتسبون الى اللغة ممن تقدم وتأخر حتى قال عمر اخرج من الدنيا ولا اعرف الكلالة ما هي (١) وان ابا بكر قال وددت أني سألت رسول الله عن

__________________

(١) روى العلامة الشيخ علاء الدين الهندي الشهير بالمتقي في كتاب الفرائض من كتابه (كنز العمال) بسنده عن سعيد بن المسيب ان عمر سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كيف يورث الكلالة قال (ص) أو ليس قد بين الله ذلك ثم قرأ (ص) وان كان رجل يورث كلالة (الى آخرها) فكان عمر لم يفهم فانزل الله (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة (الى آخر الاية) فكان عمر لم يفهم فقال لحفصة إذا رأيت من رسول الله طيب نفس فاسأليه عنها فسألته عنها فقال ابوك ذكر لك هذا ما ارى أباك يعلمها ابدا ، فكان يقول ما اراني اعلمها ابدا وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما قال ، ثم قال اخرجه ابن راهويه وابن مردويه وهو صحيح (وروي) ايضا بسنده عن عمر قال لان اكون اعلم الكلالة احب الي من ان يكون لي مثل قصور الشام (ثم قال) اخرجه ابن جرير وروى ايضا عن ابن سيرين ان عمر كان إذا قرأ (يبين الله لكن ان تضلوا) اللهم من بينت له الكلالة فلم تتبين لي (ثم قال) اخرجه عبد الرزاق في الجامع وروى ايضا

٤٨

الكلالة ماهي فاخبروا جميعا يجهلهما بالكلالة ، ومن اقتفى بعدهما آثارهما فهو اكثر جهلا بمعرفة الكلالة.

(فصل فيما ابعدعه الثالث منهم)

(منها) انه استبد بهذه الاقوال التي تؤخذ من الناس ظلما واعتداء على ما تقدم به الشرح في باب الخراج فاستبد بها في اهل بيته من بني امية دون المسلمين (١)

__________________

ـ عن مسروق قال سألت عمر بن الخطاب عن ذي قرابة لي ورث كلالة فقال الكلالة الكلالة واخذ بلحيته ثم قال والله لان اعلمها احب الي من ان يكون لي ما على الارض من شئ سألت عنها رسول الله فقال ألم تسمع الاية التي انزلت في الصيف فاعادها ثلاث مرات ، ثم قال اخرجه ابن جرير (وروي) احمد بن حنبل في مسنده فيما ذكره من مسند عمر بن الخطاب بسنده عن معدان بن ابي طلحة قال قال عمر ما سألت رسول الله عن شئ اكثر مما سألته عن الكلالة حتى طعن باصبعه في صدري وقال يكفيك آية الصيف التي في آخر سورة النساء «وروي» ايضا في مسنده في ضمن حديث طويل الى ان قال عمر وايم الله ما اغلظ الي نبي الله في شئ منه صحبته اشد مما اغلظ لي في شأن الكلالة حتى طعن باصبعه في صدري وقال تكفيك آية الصيف التي نزلت في آخر سورة النساء وانى ان أعش فسأفتي فيها بقضاء يعلمه من يقرأ ومن لا يقرأ (نقلنا ذلك كله من كتاب تشييد المطاعن للعلامة السيد محمد قلي الهندي المتوفى سنة ١٢٦٠ (ج ١ ص ٥٥٣ ـ ٥٥٤) طبع الهند

الكاتب

(١) قال ابن ابي الحديد المعتزلي في شرحه للنهج «ج ١ ص ٦٦» ما لفظه صحت فيه فراسة عمر فانه اوطأ بني امية رقاب الناس وولاهم الولايات واقطعهم القطايع وافتتحت ارمينية في ايامه فاخذ الخسم كله فوهبه لمروان فقال عبد الرحمن بن الحنبل جنيد الجمعي

احلف بالله رب الانام

ما ترك الله شيئا سدى

٤٩

ومنها انه منع المراعي من الجبال والاودية وحماها؟ حتى اخذ عليها مالا وباعها من المسلمين ، فهل يستجيز؟ هذا أو يستحله مسلم يعتقد دين الاسلام فان المال الذي يؤخذ حراما من ابواب الخراج ظاهر الخلاف لشريعة الاسلام ولن يستحله الا من كان غير معتقد الاسلام ، والمراعي التي باعها من المسلمين ليست تخلوا من ان تكون الاودية والجبال له وللمسلمين فان كانت له فعلى مدعى ذلك اقامة الدليل على ملكه أياه وان كانت للمسلمين فهم فيه شرع سواء فما باله استحل منعهم من شئ (١) هو لهم حتى يصانعهم عليه ، هل هذا من فعل المسلمين كلاما يتوهم ذلك الا جاهل.

ومنها ان الرسول صلى الله عليه وآله نفى الحكم بن ابي العاص عم عثمان عن المدينة وطرده عن جواره ولعنة ولم يزل طريدا عن المدينة ومعه ابنه مروان ايام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وايام ابي بكر وايام عمر ، وهو يسمى طريد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى استولى عثمان على الامر فرده الى المدينة وآواه وجعل ابنه مروان كاتبه وصاحب تدبيره في

__________________

ولكن خلقت؟ لنا فتنة

لكي نبتلي بك أو تبتلي

فان الامينين قد بينا

منار الطريق عليه الهدى

فما اخذا درهما غيلة

ولا جعلا درهما في هوى

وأعطيت مروان حبس؟ البلا

د فهيهات سعيك ممن سعى

وقد ذكر ابن ابي الحديد أكثر امما استبد به من اسراقه واقطاعاته التي اقطعها لبني امية انار؟ به فانظرها في (ج ١ ص ٦٦ ـ ص ٦٧) وانظر بقية مطاعنه وما نقموا عليه

الكاتب

(١) قال ابن ابي الحديد المعتزلي في شرح النهج (ج ١ ص ٦٧) جي؟ المراعي حول المدينة كلها من مواشي المسلمين الا عن بني امية) واعترف به القوشجي الاشعري في شرحه للتجريد «ص ٤٠٨»

الكاتب

٥٠

داره (١) فهل هذا منه الا خلاف على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومضاده لفعله فهل يستجيز الخلاف على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والمضادة لافعاله الا خارج عن الدين برئ من الاسلام ، وهل ظن ذو فهم ان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم طرد الحكم ولعنه وهو مؤمن وإذا لم يكن مؤمنا فما الحال الذي دعا عثمان الى رده والاحسان إليه وهو رجل كافر لولا ان يتعصب لرحمه ويكون يكفر في دينه فحقت فيه الاية في وعيد الله عز وجل من سورة المجادلة حيث قال جل من قائل «لاتجد قوما يؤمنون بالله واليوم الاخر يوآدون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو ابناءهم أو اخوانهم أو عشيرتهم» ولعمري لو كان عثمان يؤمن بالله واليوم الاخر ماود من حاد الله ورسوله. فلم يطرد الرسول «ص» الحكم من جواره الا وقد ثبت انه كان من الذين يحادون الله ورسوله (ص)

ومنها أنه جمع ما كان عند الناس من صحف القرآن فلم يترك عند احد صحيفة فيها شئ من القرآن الا اخذها منه غير عبد الله بن مسعود فانه امتنع من دفع صحيفته إليه فطالبه بدفعه فابى فضربه حتى كسرت منه ضلعان

__________________

(١) قال ابن ابي الحديد المعتزلي في شرح النهج ص ٦٦ ـ ٦٧ اعاد الحكم ابن ابي العاص بعد ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد سيره ثم لم يرده أبو بكر ولا عمر واعطاه مائة ألف درهم واقطع مروان فدك وقد كانت فاطمة عليها السلام طلبتها بعد وفاة أبيها صلوات الله عليه تارة بالميراث وتارة بالنحلة فدفعت عنها ، وامر لمروان ايضا بمائة الف من بيت المال (قال) فجاء زيد بن ارقم صاحب بيت المال بالمفاتيح فوضعها بين يدي عثمان وبكى فقال عثمان اتبكي ان وصلت رحمي قال لا ولكن ابكي لاني اظنك انك اخذت هذا المال عوضا عما كنت انفقته في سبيل الله في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والله لو اعطيت مروان مائة درهم لكان كثيرا ، فقال الق بالمفاتيح يابن ارقم فانا سنجد غيرك

الكاتب

٥١

وحمل من موضعه وهو لما به عليل فبقى أياما ومات في تلك الايام التي ضرب فيها (١) ثم عمد الى الصحف فالف منها هذا المصحف الذي في ايدي الناس فامر مروان بن الحكم وزياد من سمية وكانا كاتبيه يومئذ فكتبا هذا المصحف مما الفه من تلك المصاحف ، ودعا زيد بن ثابت فأمره ان يجعل له قراءة يحمل الناس عليها ففعل ذلك (٢) ثم طبخ تلك المصاحف بالماء ورمى

__________________

(١) قال ابن ابي الحديد المعتزلي في شرح النهج (ج ١ ص ٢٣٦) ولما مرض ابن مسعود مرضه الذي مات فيه اتاه عثمان عائدا فقال ما تشتكي فقال ذنوبي ، قال ما تشتهي قال رحمة ربي ، قال الا ادعو لك طبيبا قال الطبيب امرضني قال افلا آمر لك بعطائك قال منعتنيه وانا محتاج إليه وتعطينيه وانا مستغن عنه قال يكون لولدك قال رزقهم على الله تعالى ، قال استغفر لي يا ابا عبد الرحمن قال اسأل الله ان يأخذ لي منك حقي «وقال» انه لما حضره الموت اوصى عمارا ان لا يصلي عليه عثمان ، فجاء عثمان ووقف على قبره واثنى عليه وقال رفعتم والله ايديكم عن خير من بقي الكاتب.

(٢) ويعتذر قاضي القضاة عن فعل عثمان هذا بان الوجه في جمع القرآن على قراءة واحدة تحصين القران وضبطه وقطع المنازعة والاختلاف فيه وقد اعترضه السيد المرتضى رحمه الله في الشافي فقال ان اختلاف الناس في القراءة ليس بموجب لما صنعه عثمان لانهم يرون ان النبي (ص) قال نزل القران على سبعة احرف كلها شاف كاف فهذا الاختلاف عندهم في القرآن مباح مسند عن الرسول (ص) فكيف يخطر عليهم عثمان من التوسع في الحروف ما هو مباح فلو كان في القراءة الواحدة تحصين القرآن كما ادعى لما اباح النبي (ص) في الاصل الا القراءة الواحدة لانه اعلم بوجوه المصالح من جميع امته من حيث كان مؤيدا بالوحي موفقا في كل ما يأتي ويعذر ،؟ وليس له ان يقول حدث من الاختلاف في ايام عثمان ما لم يكن في ايام الرسول (ص) ولا ما اباحه ، وذلك لان الامر لو كان على هذا لوجب ان ينهي عن القراءة الحادثة ـ

٥٢

بها وهي بدعة في الاسلام عظيمة الذكر فظيعة الشر لانه لا يخلو من ان يكون في تلك المصاحف ما هو في هذا المصحف أو كان فيها زيادة عليه فان كان فيها ما هو في ايدي الناس فلا معنى لما فعله بها والطخ؟ لها إذا كان جائزا ان يكون عند قوم بعض القران في بعض الصحف من غير ان يكون عنده القرآن كله ، وان كان فيها زيادة على ما في ايدي الناس فقصده لذهابه منع جميع المسلمين منه ، فقد قصد الى ابطال بعض كتاب الله وتعطيل بعض شريعته ومن قصد الى ذلك فقد حق عليه قول الله تعالى (افتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم الا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة تردون الى اشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون) هذا مع ما يلزم فيه من الحجة انه لم يترك ذلك تعمدا الا وفيه ما يكرهه ومن كره ما انزل الله تعالى في كتابه حبط جميع عمله كما قال الله تعالى «ذلك بانهم كرهوا ما انزل الله فاحبط اعمالهم» وما احد يستحق هذه الاية فيه احق ممن قيد؟ لي صحف القرآن فطبخها بالماء وغسلها معطلا لما كان فيها من القرآن مع اجماع اهل القبلة والاثار من الخاص والعام ان هذا الذي في ايدي الناس من القرآن ليس هو القران كله وانه قد ذهب من القرآن ما ليس هو في ايدي الناس ، وهذا مما الحقه ما قلناه انه كان في تلك الصحف شئ من القرآن كرهه عثمان فازاله من ايدي الناس ، وكفى بذلك شاهدا على عناده لله ولرسوله (ص) ومنها ابن عمار بن ياسر رضي الله عنه قام يوما في مسجد رسول الله ص وعثمان يخطب على المنبر فوبخ عثمان على شئ من افعاله فنزل عثمان من المنبر إليه ووكزه برجله والقاه على ظهره وجعل يدوس بطنه برجله وامر اعوانه بذلك حتى غشى عليه وعثمان نعرى؟ عليه ويشتمه ، هذا مع ما روو

__________________

والامر لمبتدع ولا يحمله ما احدث من القرآن على تحريم المتقدم بلا شبها انظر شرح النهج لابن ابي الحديد المعتزلي ج ١ ص ٢٣٨

٥٣

جميعا ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال عمار مع الحق والحق مع عمار يدور معه حيث دار وإذا افترق الناس يمينا وشمالا فانظروا الفرقة؟ التي هو فيها فاتبعوها فانه يدور مع الحق حيث ما دار (١) فليس يخلوا حال عمار في حال ضربه من ان يكون فعل باطلا وقال باطلا أو ان يكون فعل حقا وقال حقا ، فان ادعى مدع ان عمارا قال باطلا استوجب به من عثمان ما فعل به من ضربه له كان مدعى ذلك مكذبا بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم إذ كان الاجماع واقعا ان رسول الله «ص» قال : عمار مع الحق والحق مع عمار ومن قال فيه رسول الله صلى الله وآله وسلم هذا القول كان محالا ان يظن به ذو فهم ان يقول باطلا. وإذا فسد قول من يدعي ثبت ان عمارا قال حقا وفعل حقا كرهه عثمان فضربه عليه ، وإذا كره عثمان الحق فقد كره كتاب الله لقوله تعالى «وبالحق انزلناه وبالحق نزل» وإذا كره كتاب الله كان ممن قال الله فيه «ذلك بانهم كرهوا ما انزل الله فاحبط اعمالهم» (٢)

__________________

(١) اخرج العلامة المتقي الهندي في كنز العمال «ج ٧ ص ٧٥» طبع حيدر اباد من طريق ابن عساكر عن مسند علي عليه السلام ان عمارا مع الحق والحق معه يدور عمار مع الحق اينما دار وقاتل عمار في النار ، واخرج الحاكم النيسابوري في المستدرك (ج ٣ ص ٣٩١) طبع حيدر اباد بسنده عن حبة العرفي قال دخلنا مع ابي مسعود الانصاري على حذيفة بن اليمان نسأله عن الفتن فقال دوروا مع كتاب الله حيث ما دار وانظروا الفئة التي فيها ابن سمية فاتبعوها فانه يدور مع كتاب الله حيث ما دار ، قال فقلنا له ومن ابن سمية قال عمار سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول له لن تموت حتى تقتلك الفئة الباغية تشرب شربة ضياح تكن آخر رزقك من الدنيا ، ثم قال هذا حديث صحيح عال ولم يخرجاه ، ورواه ايضا الذهبي في تلخيص المستدرك المطبوع في ذيله «ج ٣ ص ٣٩١» وقال انه صحيح.

الكاتب

(٢) قال الشريف السيد المرتضى في كتاب الشافي في الرد على قاضي ـ

٥٤

وهذا يحقق لما وصفناه من امر الصحف انه غسلها لشئ كرهة منها

ومنها ما فعل بابي ذر الغفاري رضوان الله عليه حين نفاه من المدينة الى الربذة (١) مع اجماع الامة في الرواية ان رسول الله صلى الله عليه واله

__________________

ـ القضاة ما لفظه «روى العوام بن حوشب عن سلمة بن كهيل عن علقمة عن خالد بن الوليد ان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال من عادى عمارا عاداه الله ومن ابغض عمارا ابغضه الله» وأي كلام غليظ سمعه عثمان من عمار يستحق به سئ المكروه العظيم الذي يجاوز مقدار ما فرضه الله تعالى في الحدود وانما كان عمار وغيره أثبتوا عليه احداثه ويعاتبه احيانا على ما يظهر من سئ افعاله وقد كان يحب عليه احد امرين اما ان ينزع عما يوافق عليه من تلك الافعال أو يبين من عذره عنها وبراءته منها ما يظهر ويشتهر فان أقام مقيم بعد ذلك على توبيخه وتفسيقه زجره عن ذلك بوعظ أو غيره ولا يقدم على ما يفعله الجبابرة والاكاسرة من شفاء الغيظ بغير ما انزل الله تعالى وحكم به «انظر شرح النهج لابن ابي الحديد المعتزلي ج ١ ص ٢٤٠

الكاتب

(١) قال ابن ابي الحديد المعتزلي في شرح النهج ج ١ ص ٢٤٠ قد روى جميع اهل السير على اختلاف طرقهم واسانيدهم ان عثمان لما اعطى مروان ابن الحكم ما اعطاه واعطى الحرث بن الحكم بن ابي العاص ثلثمائة الف درهم واعطى زيد بن ثابت مائة الف درهم جعل أبو ذر يقول (بشر الكافرين بعذاب اليم) ويتلو قول الله تعالى» والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب اليم «فرفع ذلك مروان الى عثمان فارسل الى ابي ذر قائلا مولاه ان انته عما يبلغني عنك فقال اينهاني عثمان عن قراءة كتاب الله وعيب من ترك امر الله فو الله لان ارضى الله بسخط عثمان احب الي وخير لي من ان اسخط الله برضاه فاغضب عثمان ذلك واحفظه فقال عثمان قد كثر اذاك لي وتولعك باصحابي الحق بالشام فاخرجه ـ

٥٥

قال ما اقلت الغبراء ولا اظلت الخضراء على ذي لهجة اصدق من ابي ذر (وانه قال) ان الله جل اسمه اوحي الي انه يحب اربعة من اصحابي وعلي سيدهم وامرني بحبهم ، فقيل له من هم يا رسول الله قال علي سيدهم وسلمان والمقداد وابو ذر الغفاري (١) رضوان الله عليهم اجمعين ، وإذا كان ذلك كذلك فقد ثبت ان ابا ذر قد احبه الله ورسوله ومحال عند ذوي الفهم ان يكون الله جل جلاله ورسوله صلى الله عليه واله وسلم يحبان رجلا يفعل فعلا يستوجب به النفي من حرم الله وحرم رسوله ، ومحال ايضا ان يشهد رسول الله (ص) لرجل انه ما على الارض ولا تحت السماء اصدق منه ثم يفعل بعد ذلك فعلا ويقول قولا يكون فيه مبطلا ، وذلك ان عثمان حين نفى ابا ذر عن المدينة الى الربذة لم يخل الحال فيه من ان يكون أبو ذر فعل باطلا وقال كذبا فاستوجب بذلك النفي عن حرم الله وحرم رسوله ، أو ان يكون فعل حقا وقال صدقا فاكرهه عثمان فنفاه لذلك فان قال قائل ان ابا ذر قال

__________________

إليها فكان أبو ذر ينكر على معاوية اشياء يفعله فكتب معاوية الى عثمان فيه فكتب عثمان الى معاوية اما بعد فاحمل جندبا الي على اغلظ مركب واوعره فرجه به مع من سار به الليل والنهار وحمله على شارف ليس عليها ، لاقتب حتى قدم به المدينة وقد سقط لحم فخذيه من الجهد فلما قدم أبو ذر المدينة بعث إليه عثمان ان الحق باي ارض شئت فقال بمكة قال لا قال فبيت المقدس قال لا قال فاحد المصريين قال لا ولكني مسيرك الى الربذة فسيره إليها فلم يزل بها حتى مات.

الكاتب

(١) اورد الحديث السيوطي في الجامع الصغير وصححه وتبعه المناوي في شرحه الفيض القدير بلفظ : ان الله امرني بحب اربعة واخبرني انه يحبهم قيل بينهم لنا يارسول الله قال علي منهم وابو ذر والمقداد وسلمان» ممم قال «السيوطي اخرجه الترمذي وابن ماجة والحاكم في المستدرك على شرط مسلم

الكاتب

٥٦

كذبا وفعل باطلا كان قائل هذا مكذبا بالرسول صلى الله عليه واله وسلم فيما شهد به لابي ذر من الصدق ومن كذب الرسول (ص) فقد كفر بلا حلاف فلما فسد هذا الوجه ثب تان ابا ذر قال صدقا وفعل حقا فكرهه عثمان فنفاه عن الحرم ، ومن كره الحق ولم يحب الصدق فقد كره ما انزل الله سبحانه في كتابه وخالف امره لان الله عز وجل امر بالكينونة مع الصادقين فقال جل ذكره (يا ايها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) وقال» هو الذي ارسل رسوله بالهدى ودين الحق «وقال (وبالحق انزلناه وبالحق نزل) فمن كره الحق فارق الصدق ومن فارق الصدق فقد خرج عن حدود الله

(ومن بدعه) انه نقل الخطية من يوم النحر بمكة الى يوم عرفة فجعل عيد الناس في اشرف بلاد الله واشرف ايام الله يوم التاسع من ذي الحجة ورسول الله (ص) جعله العاشر بغير الخلاف وهكذا هو في سائر الامصار فلو جاز ان ينقل من العاشر الى التاسع لوجب ان يكون الناس تبعا في جميع البلدان لمن هو بمكة الا ترى ان النحر بمكة يوم العاشر ومن نحر قبل ذلك لم يجز منه ما نحر وكذلك هو جميع الامصار ومن نحر في قبل العاشر أو ذبح لم يعتد بذلك النحر ، وكذلك يلزم في الخطبة لمن خطب في يوم عرفة وجعل عيده في عرفة لم يكن معتد واعجب من ذلك انه جعل الخطبة ايضا يوم عرفة وقت صلاة الظهر واسقطها من يوم النحر ، واسقط صلاة الاضحى من هذا العيد في يوم عرفة وفي يوم النحر جميعا فعطل سنة سنها رسول الله صلى الله عليه واله وسلم في افضل الايام واشرف البلدان فصار الحاج بعد ذلك على هذه البدعة الى هذه الغاية فافسد حجهم بتعطيل سنة رسول الله (ص) من غير علة ، وقد رووا ان عثمان قال لامير المؤمنين عليه السلام في سنة من سنيه تحج بالناس فقال علي عليه السلام لا يصلح لي ذلك قال ولم قال لاني ان حججت بالناس خطبت كما خطب رسول الله (ص) وفعلت مثل ما فعل ، فبعث عثمان بغيره ولم يبعث به وهذه البدعة داخلة الضرر على جميع من يحج البيت إذ كان

٥٧

فيها ابطال الحج على الراضي بها ، مع ما تقدم من شرحنا لفساد الحج على اوليائهم فيما ابتدعه عمر قبل عثمان

ومنها ان عبيد الله بن عمر بن الخطاب لما ضرب أبو لؤلؤة اباه الضربة التي مات فيها سمع قوما يقولون قتل العلج امير المؤمنين فقدر عبيد الله انهم يعنون الهرمز ان رئيس فارس وكان اسلم على يد امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام ثم اعتقه من قسمة الفئ فبادر إليه عبيد الله بن عمن فقتله من قبل ان يمون عمر فقيل لعمر ان عبيد الله قتل الهرمزان فقال فقال اخطأ فان الذي ضربني أبو لؤلؤة وما كان للهمرمزان في امري اصبع وان عشت احتجت ان اقتله به فان عليا لم يقبل منه الدية وهو مولاه فمات عمر واستولى على الناس عثمان فقال علي عليه السلام لعثمان ان عبيد الله بن عمر قتل مولاي الهرمزان بغير حق وانا وليه والطالب بدمه فسلمه لي لاقتله به فقال عثمان بالامس قتل عمر واقتل اليوم ابنه اورد على آل عمر مالا قوام لهم به فامتنع من تسليمه الى امير المؤمنين شفقة منه بزعمه على ال عمر مالا قوام به (١) فقال علي

__________________

(١) اعترف بذلك قاضي القضاة ولكن اعتذر عن عثمان بانه انما اراد عثمان بالعفر عنه ما يعود الى عز الدين لانه خاف ان يبلغ العدو قتله فيقال قتلوا امامهم وقتلوا ولده ولا يعرفون الحال في ذلك فيكون فيه شماتة واعترضه السيد المرتضى رحمه الله في الشافي ص ٢٨١ من طبع ايران فقال : واي شماتة للعدو في اقامة حد من حدود الله تعالى وانما الشماتة كلها من اعداء الاسلام في تعطيل الحدود واي حرج في الجمع بين قتل الامام وابنه حتى يقال كره ان ينتشر الخبر بان الامام وابنه قتلا وانما قتل احدهما ظلما والاخر عدلا أو احدهما بغير امر الله والاخر بامره سبحانه ، وقد روى زياد بن عبد الله البكائي عن محمد بن اسحاق عن ابان بن صالح ان امير المؤمنين عليه السلام اتى عثمان بعد ما استخلف فكلمه في عبيد الله ولم يكلمه احد غيره فقال اقتل هذا الفاسق الخبيث الذي قتل اميرا مسلما فقال عثمان قتلوا اباه بالامس

٥٨

صلوات الله عليه ما الئن مكنت منه يوما لاقتلنه فلما رجع الامر إليه عليه السلام هرب عبيد الله بن عمر الى الشام فصار مع معاوية وحضر صفين مع معاوية محاربا لعلي عليه السلام فقتله في معركة الحرب فوجدوه يومئذ متقلدا بسيفين فانظروا يا اهل الفهم في امر عثمان كيف عطل حدا من حدود الله جل ذكره لاشبهة فيه شفقة منه بزعمه على آل عمر في قتل من اوجب الله قتله وامر به رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ، هل هذا فعل من يؤمن بالله واليوم الاخر كلا

__________________

ـ واقتله اليوم وانما هو رجل من اهل الارض ، فلما ابى عليه امر عبيد الله على علي عليه السلام فقال له ايه يا فاسق اما والله لئن ظفرت بك يوما من الدهر لاضربن عنقك ، فلذلك خرج مع معاوية عليه ، وروي القتاد عن الحسن بن عيسى بن زيد عن ابيه ان المسلمين لما قال عثمان انى قد عفوت عن عبيد الله بن عمر قالوا ليس لك ان تعفو عنه قال بلى انه ليس لجفينة؟ والهرمزان قرابة من اهل الاسلام وانا ولي امر المسلمين وانا اولى بهما وقد عفوت فقال علي عليه السلام انه ليس كما تقول انما انت في امرهما بمنزلة اقصى المسلمين انه قتلهما في امره غيرك وقد حكم الوالي الذي قتلا في امارته بقتله ، ولو كان قتلهما في امارتك لم يكن لك العفو عنه فاتق الله فان الله سائلك عن هذا فلما رأى عثمان ان المسلمين قد أبو الا قتل عبيد الله امره فارتحل الى الكوفة واقطعه بها دارا وارضا وهي التي يقال لها كويفة ابن عمر ، فعظم ذلك عند المسلمين واكبروه وكثر كلامهم فيه ، انظر تفصيل القصة في شرح النهج لابن ابي الحديد المعتزلي (ج ١ ص ٢٤٢ ـ ٢٤٣) وقد اعتذر عن عثمان ايضا القوشجي الاشعري في شرح التجريد ص ٤٠٩ وقال انه اجتهد ورأى انه لا يلزمه حكم هذا القتل لانه وقع قبل عقد الامامة له) فاقرأ واعجب

الكاتب

٥٩

«ومنها» انه عمر الى صلاة الفجر فجعلها بعد الاسفار والتنوير وظهور ضياء النهار فاتبع اكثر الناس بدعته هذه منذ ذلك الى يومنا هذا ، وزعم انه فعل ذلك اشفاقا منه على نفسه في خروجه الى المسجد في ذلك خوفا ان يقتل في غلس الفجر كما قتل عمر ، وذلك ان جعل سربا تحت الارض من داره الى المسجد فقعد له أبو لؤلؤة في السرب فضربه بخنجر من صدره الى بطنه ، فلما ولى الامر عثمان اخر صلاة الفجر الى الاسفار فعطل وقت فريضة الله تعالى وحمل الناس على صلاتها في غير وقتها ، وذلك ان الله تعالى يقول (اقم الصلاة لدلوك الشمس الى غسق الليل وقرآن الفجر ان قرآن الفجر كان مشهودا) والفجر هو اول ما يبدو في المشرق من الضوء وعنده تجب صلاة الفجر فإذا علا الافق وانبسط الضياء وزالت الظلمة صار صبحا وزال عن ان يكون فجرا وعند ذلك ينقضى اخر صلاة الفجر وتبدو الحمرة المشرقية فيصير عند ذلك نهارا ، فقال عثمان فريضة الفجر من وقت الفجر الى وقت النهار ودرج على هذه البدعة اولياؤهم الى هذه الغاية ، ثم تخرصت بنو أمية من بعده احاديث ان الرسول صلى الله عليه واله وسلم غلس بصلاة الفجر واسفر بها وقال للناس اسفروا بها فانه اعظم لاجركم ، فصار المصلي صلاة الفجر في وقتها من طلوع الفجر عند كثير من اوليائهم مبتدعا ومن ابتدع بدعة عثمان فهو على السنة. فما اعجب امرهم في كل احوالهم ، سبحان الله كيف طبع الله على قلوبهم فهم لا يفقهون (ثم ختم عثمان بدعة) بان اهل مصر شكوا عامله الذي كان عليهم وسالوه ان يصرفه عنهم أو يبعث رجلا ناظرا بينه وبينهم فوقع الاختيار على محمد بن ابي بكر رضوان الله عليه ناظرا وذلك انه كان احد من ينصر الحق ويأمر به ويقوم فيه وينهى عن مخالفته في ايام عثمان وايام امير المؤمنين عليه السلام ، وكان امره يثقل على عثمان ويؤذيه وكان عثمان يحب ان لو كفى امر محمد بن ابي بكر بحيلة لفعلها فلما وقع الاختيار في نفوذه ناظرا بين اهل مصر وعامله اعجبه ذلك واخرجه معهم ، وكتب

٦٠