الاستغاثة - ج ١

أبو القاسم علي بن أحمد الكوفي

الاستغاثة - ج ١

المؤلف:

أبو القاسم علي بن أحمد الكوفي


الموضوع : العقائد والكلام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٨٢
الجزء ١ الجزء ٢

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ذي الطول والامتنان ، والعز والسلطان ، والعظمة والبرهان والكبرياء والجبروت والالاء ، الذي ز من على اوليائه بهدايته ، ونجاهم من مضلات الاهواء برأفته ، والهمهم الاقرار بتوحيده ، والاخلاص بتمجيده واجده جد من علم ان ما به من نعمة فمن الله مبدأها ، وما مسه من الاسواء فيسوء جنايتة على نفسه جناها ، واستعينه على حوادث الازمان ولو ازب الاوان واستغفره من الذنوب ، واسأله ستر العيوب ، وارغب إليه في الصلاة على سيد المرسلين ، محمد خاتم النبيين واله الطاهرين

(اما بعد) فاني لما تأملت ما عليه الامة من اهوائها ونظرت في سبب مذاهبها واختلاف ارائها واقاويلها وجدت منها الجم الغفير ، والعدد الكثير واهل الغلبة والسطان والغفلة والنسيان ، قد اصطلحوا على تعطيل احكام كتاب الله تعالى ، ودرس معالم رسول الله صلى الله عليه واله وسلم واضاعة حدود دين الله ، واباحة حرامه وحظر حلاله ، فوجدت المتمسك بذلك عندهم حقه مهتضما مهجورا ، وحبله ولايته بينهم مجذوذا مبتورا ، ومودتهم لديهم متروكة وعصمة حريمه فيهم مهتوكة ، وقد اطفؤا بطغيانهم مصابيح دين الله وانواره ، وهدموا معالمه ومناره. وهم مع ذلك يدعون انهم اولياؤه وانصاره واصفياؤه ، والدالون عليه والداعوان إليه ، تخرصا وافتراءا ، وظلما واعتداءا ، فاصبحت امة محمد صلى الله عليه وآله وسلم الا القليل منها لحدود الله تاركة ، ولغير سبل الله سالكة ، ولحقوقه مضيعة ، ولحرمة دينه هاجرة ، ولغير اولياء الله متبعة كأنهم صم لا يسمعون وبهم لا يعقلون قد شملهم البلاء وغلبت عليهم الاهواء وملكتهم الضلالة واهلكتهم الفتن وعدمت فيهم الاحكام والسنن وأحاطت بهم الغيرة والظلم والحيرة ، واستولت عليهم الجهالة والبهم ، حتى ملئت الارض جورا وظلما واعتداء ومعاصي وطغيانا ، فهم في غمرة الجهل يخوضون وفي كل شك وشبهة يتيهون وقد طالت عن الله غفلتهم وفي مضاجع المبتدعين رقدتهم ، وفي مسالك المفترين ضلالتهم ، فهم على الدنيا متكالبون وعلى تكاثرها ومفاخرها منكبون ومن حلها وحراما طالبون قد استباحوا في ذلك الحرام واعرضوا فيه عن التقوى متشتة آرائهم مختلفة اهواؤهم واصبحت معالم الحق فيهم خاملة مهجورة ومنازله مهدومة مغمورة وآثارهم مطموسة مندرسة وسبل الظلالة عندهم مغمورة مشهورة واعلامه منصورة منشورة واصبح المؤمن بينهم غريبا مستضعفا لصدقه والفاسق لديهم معظما لفسقه يختارون غير الخيرة فيسيرون فيهم اسوء سيرة بأحكام الجبابرة وسيرة الاكاسرة ركنوا الى الدنيا طلبا للملك الذي يفنى وطرقوا الجور والظلم طرقا فسلكتها أمم فعل القرون الماضية وسنة اصحاب الخاطئة فيهدمون في كل عام علما ويبنون فيه ظلما حتى خفيت مناهج الحق ودرست طرق الصدق ووضعوا دون الكتاب العزيز الاراء وشهروا بعد نبذ الكتاب الخطاء يقبع كل فرقة منهم اخبارها مولية للحق ادبارها قد نبذوا احكام القرآن وخالفوا جميعا ما فيه الشفاء والبرهان ساهون لاهون عن الورع متمسكون باثارها اهل البدع واموال المستضعفين بينهم تقسم على التداول والظلم مستخرجة منهم بالقهر والغشم لا مانع منهم يدفع ولا دافع يردع فانظروا يا اخواني المؤمنين واهل خلاصة الله العارفين

١

من اين هذه الاموال مجموعة واين هي بعد ذلك موضوعة قد شيدت منها القصور وشربت منها الخمور وجند بها الجنود وجى بها سواس؟؟ القرود واهل اللعب بالبزاة والفهود ، وكل من شايعهم على تعطيل الحدود وينكحون النساء ويشترون الاماء بأموال الارامل واليتامى والمساكين فيا سبحان الله هل هذا الا تعطيل الدين واحكام الكتاب المبين والكفر بديان يوم الدين فلا كتاب بينهم يتبع ولا سنة بينهم تسمع فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون ويل لكل افاك أثيم يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كان لم يسمعها فبشره بعذاب أليم فلما رأيت هذا الضلال فيهم قد عم والفساد منهم قد شمل نظرت في ابتداء ذلك ممن تشعب والى من ينتسب من المتسولين على احكام الدين إذ كل هذا وشبهه لا يجرى الا من اهل الغلبة والسلطان والعتوا والطغيان فميزت عند ذلك واختيرت؟؟ وتفكرت وتدبرت وبحثت واعتبرت طالبا بذلك سبيل الهداية وهاربا عن سبيل الضلالة والرد ليتولى من يحب ولايته بحقيقة معرفته ويرفض من يحب البراءة منه ببصيرة في عمله إذا كان حق النظر؟؟ والاعتبار يوجب على كل ذي فهم ان لا يتولى الا بمعرفة ولا يرفض الا ببصيرة فلما اعملت الاستقصاء في ذلك بالنظر والاختبار والفحص والاعتبار وجدت فساد ذلك كله يتبع بدع الثلاثة المستولين على احكام دين الله بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقر بذلك منهم الخاص والعام من نقلة الاثار وحملة الاخبار مما نحن ذاكروه في مواضعه منسوبا الى كل واحد منهم ما جرى منه في ذلك على جهته إذ كان كل واحد من الثلاثة قد ابتدع في ايامه وعصره بدعا في شريعة الاسلام على قدر طول عمره وتراخى ايامه وعلى قدر تمكنه في سلطانه مما يوجب على مبتدعه الهلاك والدمار وسوء العاقبة والبوار إذ لا احد مجتمع على خطر ذلك من الله تعالى ورسوله في الدين على جميع المسلمين فمن الثلاثة من كانت بدعه داخلة للضرر والفساد على جميع من دخل تحت احكام الشريعة من مسلم ومعاهد ومنهم

٢

من كانت بدعه داخلة على قوم دون قوم من الامة فاتبعهم على ذلك السواد الاعظم والجمهور الاعم مع اقرارهم بحظره وايجاب الكفر على من قصد مثله بتعمده ومن جميع العباد ثم هم مع ذلك ينقلون عن الثلاثة جميعه فلا يمنعهم ذلك من موالاتهم وموالاة من يواليهم ومعاداة من يعاديهم على ما علموا من يعقبهم مناهج الحق جهلا منهم بما فعل الثلاثة المبتدعون من عظيم ما نقل عنهم اما جهلا بما على المبتدعين من عظيم ما نقل عن الثلاثة وذلك أخس لاحوالهم واظهر لجهلهم واما عصبية منهم لهم ورضى بفعلهم على معرفة منهم بفساده والاحاطة بباطله وذلك اثبت لكفرهم والحادهم وادعى الى كشف ضلالهم وعنادهم ووجدت فرقة فرت منهم قليلة العدد مشردة منهم في كل بلد فامتنعت من موالاتهم وزالت عن الرضا بافعالهم وسعت عند ذلك في طلب الحق من معادنه واثارته عن مكامنه وهم شيعة آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم فاستحلوا عند ذلك سفك دمائهم واباحة اموالهم وهتك محارمهم وصاروا بينهم مقهورين مستضعفين وجلين خائفين وهم مع هذه الحالة مستمسكون بدينهم صابرون على محنهم حامدون لربهم منتظرون الفرج منه في غدوهم ورواحهم ، فلما رأيت الجهل منهم قد شمل والضلال فيهم قد كمل والغفلة في تأمل افعلا الاوائل من المبتدعين قد عمت والشبهة منهم قد جرت استخرت الله تعالى قصدت عند ذلك الى شرح ما تقربه اولياؤه ويذعن له متبعوهم إذا عرفوا من بدعهم في الدين ما قد ظهر به الفساد في المسلمين ليكون ذلك بصيرة للطالب ودليلا للراغب مستجلبا بذلك الثواب من الله تعالى متقربا إليه وكففت عن ذكر مالا يقويه اولياؤهم مما تفرد بنقله مخالفوهم لتكون الحجة على من تولاهم مع ذلك منهم ابلغ والبصيرة بما يخالفهم انفع والمعرفة ببدعهم اجمع واقدم في ذلك كله وغيره التوكل على الله عز وجل والاستعانة بتوفيقه وهدايته وهو حسبنا ونعم الوكيل.

٣

(ذكر بدع الاول منهم)

فاول ما ابتدعه الاول منهم التأمر على الناس من غير ان أباح الله له ذلك ولا رسوله ومطالبته جميع الامة بالبيعة له والانقياد الى طاعته طوعا وكرها فكان ذلك منه اول ظلم ظهر في الاسلام بعد وفاة رسول الله صلى اله عليه وآله وسلم إذا كان هو واولياؤه جميعا مقرين بان الله ورسوله لم يولياء ذلك ولا اوجبا طاعته ولا أمر ببيعته فدخل الناس كلهم تحت امره ونهيه على ثلاث منازل (فرقة) منهم راضية به وبفعله متبعة لرأيه طوعا فحلو محله في الاثم لقبولهم لامره ورضاهم بفعله طائعين غير مكرهين (وفرقة) تحيرت في امره جهلا منهم لا تدري أذلك له أم لغيره فحلت محل المستضعفين المرجين لامر الله الى أن قرع الحق مسامعهم وقطعت الحجة عذرهم (والفرقة الثالثة) كانت مستبصرة بضلاله عارفة بظلمه غير راضية بفعله فقهروا على الدخول تحت امره وسلطانه فدخلوا كارهين غير طائعين فحلوا محل المتقين؟ المكرهين بفعله الخائفين فكل فعل فعلوه مما اتقوا فيه على انفسهم واموالهم من الافعال التي لم يأمر الله بها ولا رسوله فلهم ثوابه إذا كانوا مكرهين عليه وعلى من استكرههم وزره وعقابه ، فلما انقاد له الناس على هذه المنازل الثلاث طوعا وكرها طالبهم بالخروج إليه مما كان يأخذه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الصدقات والاخماس وما يشاكلها ثم تسمي بخلافة رسول الله (ص) ونفذت بذلك كتبه الى الامصار من خليفة رسول الله (ص) فكانت هذه الحالة منه جامعة للظلم والمعصية والكذب على رسول الله (ص) وذلك لما طالبهم بالخروج إليه مما كان يأخذه منهم رسول الله (ص) من الصدقات وغيره كان ذلك منه ظلما ظاهرا إذا كان يعلم ان الله ورسوله لم يجعلا له ولا إليه شيئا منه ولما لم يجعل الله ولا رسوله ولا ولاته إليه شيئا من ذلك كان ظالما في مطالبته لهم به فظهرت منه المعصية لله ولرسوله إذ طالب بما ليس له بحق. ولما قال اني خليفة رسول الله (ص) وقد علم وعلم معه الخاص والعام ان

٤

الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لم يستخلفه كان ظالما كاذبا بذلك على رسول الله (ص) متعمدا بالكذب منه إذ كان لا يجوز لاحد في النظر والتميز ان يدعي خلافة رسول الله (ص) الا لمن استخلفه الرسول (ص) من بعده ومن لم يستخله الرسول (ص) كان محالا ان يكون خليفة له وجاز ذلك لقائل من المسلمين على وجه من وجوه التأويل لجاز هذا لكل مسلم وهذا مما لا يقوله ذو فهم ولما كان الكذب منه بذلك قد وقع على الرسول (ص) متعمدا من غير غفلة ولا جهل به وجب عليه حقيقة قول الرسول (ص) فيما نقله الخاص والعام (من كذب على متعمدا فليتبوا مقعده من النار (١) وكان هو اول من ظهر منه الكذب على رسول الله (ص) بذلك بعد وفاته فان ادعى مدع ان ذلك كان منه في جميع ما وصفناه في اموال الصدقات وغيرها لان قوما من الامة نصبوه لذلك قيل لهم وهل من الذين نصبوه لذلك امر من الله تعالى ورسوله بنصب من شاؤا وكيف شاؤا أم هم جعلوا ذلك برأيهم ، فان قالوا انه كان معهم امر بذلك من الله ورسوله طولبوا بايراد آية من كتاب الله أو خبر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مجمع عليه في النقل والتاويل بصحة ذلك ولن يجدوا إليه برأيهم فقد خصموا انفسهم وكفوا الناس مؤنتهم إذ كان ذلك غير جائز في الشريعة واحكامها حكم واحد فيما لا يملكه ولم يجعله الله إليه ورسوله ولا له شئ منه وقد شرحنا في هذا المعنى في كتاب الاوصياء ما فيه كفاية ومقنع ونهاية ولما انقاد له الناس فيما وصفناه طوعا وكرها امتنعت عليه قبيلة من العرب في دفع الزكاة إليه وقالوا ان الرسول (ص) لم يأمر بالدفع اليك ولا امرك بمطالبتنا به فعلام تطالبا

__________________

(١) إذ لا ريب ان الكذب على رسول الله (ص) كذب على الله سبحانه لانه (ص) لا ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى وقد دل العقل والنقل على ان الكذب على الله سبحانه كفر به وانكار لربوبيته تعالى الله عما يقولون الظالمون علوا كبيرا.

(الكاتب)

٥

بما لا يأمرك الله به ولا رسوله فسماهم أهل الردة وبعث إليهم خالد بن الوليد في جيش فقتل مقاتلهم وسبى ذراريهم واستباح اموالهم وجعل ذلك كله فيئا فسمه بين المسلمين فقبلوا ذلك منه مستحلين له الا نفر كرهوا ذلك منهم عمر بن الخطاب فانه عزل سهمه منهم وكان عنده الى ان ملك الامر ثم رده عليهم فكانت خولة بنت جعفر والدة محمد بن الحنفية منهم فبعث ببها الى امير المؤمنين عليه السلام فتزوجها ولم يتملكها واستحل الباقون فروج نسائهم وقتل خالد ابن الوليد رئيس القوم (١) مالك ابن نويرة واخذ امرأ وطاما من ليلتك من غير استبراء لها ولا وقعت عليها قسمة فانكر عمر ذلك من فعله عليه وقال لابي بكر في أمره فاحتج بان قال؟؟ خالد رجل من المسلمين ليس بأل من اخطأ ولم يظهر منه انكار عليه في ذلك بل نصره ممن رام الانكار عليه فيما فعله مع ما رواه اهل الحديث جميعا بغير خلاف عن القوم الذين كانوا مع خالد انهم قالوا أذن وصلينا وصلوا وشهدنا الشهادتين وشهدوا فأي

__________________

(١) لما قتل خالد بن الوليد مالك بن نويرة ونكح زوجته ام اميم بنت المنهال وكانت من اجمل النساء رجع الى المدينة وقد غرز في عمامته اسهما فقام إليه عمر فنزعها وحطمها وقال له (كما في تاريخ ابن الاثير) قتله امرأ مسلما ثم نزوت على امرأته والله لارجمنك باحجارك ثم قال لابي بكر (كما ذكر ابن خلكان في الوفيات في ترجمة وثيمة بن موسى بن الفرات) ان خالدا قد زنى فارجمه قال ما كنت لارجمه فانه تأول فأخطأ قال انه قتل مسلما فاقتله به قال ما كنت لاقتله به انه تأول فأخطأ فلما اكثر عليه قال ما كنت لاشم سيفا سله الله تعالى وودى مالكا من بيت المال وفك الاسرى والسبايا وآله وهذه الواقعة ذكرها جميع المؤرخين ولا ريب في صدروها من خالد انظر تاريخ ابن جرير الطبري وابن الاثير الجوزي والواقدي وابن حجر العسقلاني في الاصابة وطبقات ابن سعد وتاريخ ابي الفداء وغيرها.

(الكاتب)

٦

ردة لهؤلاء ها هنا مع رواه جميعا ان عمر قال لابي بكر تقاتل قوما يشهدون أن لا اله الا الله وان محمدا رسول الله وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول أمرت ان أقاتل الناس حتى يقولوا لا اله الا الله واني رسول الله فإذا قالوها حقنوا دماءهم واموالهم الا بحقها وحسابهم على الله تعالى فقال أبو بكر لو منعوني عقالا؟ ـ أو قال عتاقا ـ مما كانوا يدفعونه؟ الى رسول الله لقاتلهم ـ أو قال لجاهدتهم ـ فكان هذا الفعل منه فعلا فظيعا وظلما عظيما؟ وتعديا بينا من اين له ان يجاهد قوما على ان منعوه مما كانوا يدفعونه الى رسول الله (ص) أبامر من الله ورسوله أم رآه واستحسنه فان قال اولياؤه بل من الله ورسوله فعليهم اقامة الدليل على صحة ذلك بآية من كتاب الله أو خبر عن رسول الله (ص) خاصة باسمه ونسبه مجمع على نقله وتأويله (وانى لهم التناوش من مكان بعيد) وان قالوا ان ذلك كان منه برأي واستحسان قيل لهم فمن رأى ان يقتل المسلمين ويستبيح اموالهم ويجعلها فيئا هل عندكم ظالم أو محق فان قالوا انه محق اباحوا دماء المسلمين وسبي ذراريهم وانتهاب حريمهم واستباحة اموالهم وقائل هذا خارج عن الله ودين محمد (ص) عند ذي فهم وان قالوا انه ظالم فيكفي خزيا وكفرا وجهلا مع ما رواه جميعا ان عمر لم يزل عاتبا عليه وعلى خالد بن الوليد أيام حياته في ذلك فلما ملك عمر كان خالد يتحاماه وعمر عاتب عليه بسبب قتل مالك بن نويرة لانه كان خليفة في الجاهلية وروى مشايخنا من طريق اهل البيت عليهم السلام ان عمر استقبل خالدا يوما في بعض الطريق وفي بعض حيطان المدينة فقال له عمر يا خالد انت قتلت مالكا فقال يا امير المؤمنين ان كنت قتلت مالكا بن نويرة لهنات كانت بيني وبينه لقد قتلت لكم سعدا بن عبادة لهنات كانت بينكم وبينه فاعجب عمر قوله فضمه الى صدره وقال له انت سيف الله وسيف رسوله فسمت العامة عند ذلك خالدا سيف الله وسيف رسوله وذلك ان سعدا بن عبادة الانصاري كان رئيس الخزرج وسيدها وكان من النقباء وكانت الانصار

٧

قد ارادت البيعة فلما جرى الامر في بيعة ابي بكر على ما جرى امتنع سعد ابن عبادة من البيعة فمات أبو بكر ولم يبايعه سعد بن عبادة ثم لم يبايع عمرا ايضا من بعده ولم يجرؤا على مطالبته بها خوفا من قومه وذلك انهم لما أرادوا مطالبته بالبيعة قال لهم ابنه قيس بن سعد اني ناصح لكم فاقبلوا نصحي قالوا وما ذلك قال ان سعدا قد حلف لا يبايعكم وهو هذا حلف فعل فإذا حلف زل الشك منه ولن يبايعكم حتى يقتل وان يقتل حتى يقتل معه ولده واهل بيته وان يقتل هو واهل بيته حتى تقتل لاوس كلها ولن تقتل الاوس كلها حتى تقتل الخزرج كلها ولن تقتل الخزرج كلها والاوس كلها حتى تقتل بطون اليمن كلها فلا تفسدوا عليكم امرا قد كمل؟ واستتم؟ لكم فقبلوا منه نصحه ولم يتعرضوا لسعد في ذلك ثم ان سعدا خرج من المدينة الى الشام في ايام عمر وكان في قرى غسان من بلاد دمشق فانزل فيهم لان غسان من عشيرته وكان خالد بن الوليد بالشام يومئذ وكان من الموصوفين بجودة الرمي وكان معه رجل من قريش يعد ايضا بجودة الرمي فاتفقا على قتل سعد بن عبادة لامتناعه من البيعة لقريش فجلسا ليلة في مسيره بين شجر كرم فلما مر بها على فرسه رمياه بسهمين فقتلاه وقالا ببيتين من الشعر ونسباهما الى الجن فطرحاهما بين العامة فنسب العامة قتل سعد الى الجن وهما.

قد قتلنا سيد الخز

رج سعد بن عبادة

ورميناه بس‍

مين فلم نخط فؤاده

واستتر على الناس امره في ذلك الى ان جرى من قول عمر لخالد ما جرى في امر مالك بن نويرة فكشف الحال خالد بن الوليد في ذلك وكان قتل مالك ابن نويرة وعشيرته وتسميتهم بأهل الردة من عجائب الظلم والبدع العظيمة المبكرة الفظيعة ، ثم رووا جميعا ان عمر لما ملك الامر جمع من بقى من عشيرة مالك بن نويرة واسترجع ما وجد عند المسلمين من اموالهم واولادهم ونسائهم فرد ذلك عليهم مع نصيبه مما كان منهم ، وزعم اهل الرواية انه استرجع

٨

بعض نسائهم من نواحي كثيرة وبعضهن حوامل فردهن الى ازواجهن فان كان فعل ابي بكر بهم خطأ فقد اطعم المسلمين الحرام من اموالهم وملكهم العبيد الحرام من اولادهم واوطأهم الفروج الحرام من نسائهم وفي هذا الخزي العظيم والنكال الاليم ، وان كان فعله حقا وصوابا فقد اخذ عمر نساء من قوم قد ملكوهن بحق فابتزهن من ايديهم غصبا وظلما وردهن الى قوم لا يستحقونهن يطأونهن حراما من غير مبايعة وقعت ولا اثمان دفعت وفي كلا الحلالين قد اوطئا جميعا واحدهما المسلمين فروجا حراما واطعماهم مالا حراما من اموال المقتولين على منع الزكاة منه ومن نسائهم فليثبت الان اولياؤهم أي الجالين شاؤا ولينفوا منهما ايهما شاؤا فما يجدون عن ذلك في حقيقة النظر محيصا وليس فيهما ولا في احد منهما خظ لمختار وما منهما الا من قد فعل مالا يرضى الله ولا رسوله فيه إذا كان في ذلك هتك حرمة المسلمين وابطال احكام شريعة الدين ، ممن أنه عمد الى الطامة الكبرى والمصيبة العظمى في ظلم فاطمة بنت رسول اله صلى الله عليه وآله وسلم فقبض دونها تركات أبيها مما خلفه عليها من الضياع والبساتين وغيرها وجعل ذلك كله بزعمه صدقة للمسلمين واخرج ارض فدك من يدها فزعم هذه الارض كانت لرسول الله (ص) انما هي في يدك طعمة منه لك ، وزعم ان رسول الله (ص) قال نحن معاشر الانبياء لا نورث وما تركناه فهو صدقة فذكرت؟ فاطمة عليها السلام برواية جميع اوليائه ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد جعل لي ارض فدك هبة وهدية فقال لها هات بينة تشهد لك بذلك فجاءت ام ايمن فشهدت لها فقال امرأة لا تحكم بشهادة امرأة ، وهم رووا جميعا ان النبي (ص) قال ام ايمن من اهل الجنة فجعله امير المؤمنين عليه السلام شهد لها فقال هذا لك؟ وانما يجر الى نفسه ، وهم قد رووا جميعا ان رسول الله (ص) قال علي مع الحق والحق مع علي يدور (١)

__________________

(١) اخرج هذا الحديث عن النبي (ص) جمع من الحفاظ والاعلام ـ

٩

معه حيث دار ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض ، هذا مع ما اخبر الله به من تطهيره لعلي وفاطمة عليهما السلام من الرجس (٢) وجميع الباطل بجميع وجوههه رجس ، فمن توهم ان عليا وفاطمة عليهما السلام يدخلان من بعد هذا الاخبار من الله في شئ من الكذب والباطل على غفلة أو تعمد فقد كذب الله ومن كذب الله فقد كفر بغير خلاف ، فغضبت فاطمة (ع) عند ذلك فانصرفت من عنده وحلفت انها لا تكلمه وصاحبه حتى تلقى أباها فتشكو إليه ما صنعا بها فلما حضرتها الوفاة اوصت عليا عليه السلام ان يدفنها

__________________

ـ منهم الخطيب البغدادي في التاريخ (ج ٤ ص ٣٢١) بطرقه عن ام سلمة والحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد (ج ٧ ص ٢٣٦) وقال رواه البزار والحافظ بن مردويه في المناقب والسمعاني في فضائل الصحابة اخرجاه عن عائشة وابن مردويه ايضا في المناقب والديلمي في الفردوس عن عائشة ايضا بلفظ (الحق لن يزال مع علي وعلي مع الحق لن يختلفا ولن يفترقا) وابن قتيبة في الامامية والسياسة (ج ١ ص ٦٨) عن محمد بن ابي بكر عن عائشة بلفظ (علي مع الحق والحق مع علي) والزمخشري في ربيع الابرار بلفظ (علي مع الحق والقرآن والحق والقران مع علي ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض) وبهذا اللفظ اخرجه اخطب الخطباء الخوارزمي. وفي المناقب من طريق الحافظ بن مردويه وكذا شيخ الاسلام الحموئي في فرائد السمطين من طريق الحافظ بن ابي بكر البيهقي والحاكم ابي عبد الله النيسابوري. ومن الغريب إذا ما ذكره داعية الضلال ابن تيمية في منهاج السنة (ج ١٦٧ ١٦٨) من ان هذا الحديث من اعظم الكلام كذبا وجهلا وانه لم يروه احد عن النبي (ص) لا باسناد صحيح ولا ضعيف وانه كلام بنزه؟ عنه رسول الله.

الكاتب

(٢) وذلك لما اطبق المفسرون على نزول قوله تعالى (انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا) في اهل بيت النبي ـ

١٠

ليلا لئلا يصلي عليها احد منهم ففعل ذلك فجاؤا من الغد يسألون عنها فعرفهم انه قد ذفنها فقالوا له ما حملك على ما صنعت قال وصتني؟ بذلك فكرهت ان اخالف وصيتها ، وهم قد رووا جميعا ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال فاطمة بضعة مني من آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله عز وجل (١) ولم يجز ان اخالف رسول الله (ص) في مخالفة وصيتها فقال عمر اطلبوا قبرها حتى ننبشها ونصلي عليها فطلبوه فلم يجدوه ولم يعرفوا لها قرا الى هذه الغاية ، ورووا كذلك جميعا ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لفاطمة عليها السلام يا فاطمة ان الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك (٢) فإذا كان الرسول (ص) قد اخبر ان الله يغضب لغضبها ويرضى لرضاها وان من آذاها فقد آذى رسول الله ومن آذى رسول الله فقد آذى الله ، وقد دل دفنها بالليل من غير ان يصلي عليها احد منهم أو من اوليائهم ان ذلك كان منها غضبا عليهم بما اجترؤا عليها وظلموها ، وإذا كان ذلك كذلك فقد غضب الله عليهم الامر بعد ان آذوها فإذا قد آذوا رسول الله (ص) باذاهم اياها وقد آذو الله عز وجل باذهم رسول الله (ص)

__________________

ـ عليهم السلام وعلي وفاطمة عليهما السلام لا ريب انهما من اهل البيت.

«الكاتب»

(١) ان حديث فاطمة بضعة مني من آذها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله عز وجل من الاحاديث المتواترة وان اختلف في بعض الفاظ المتن فممن ذكره اصحاب الصواعق والكنجي في كفاية الطالب كلهم في باب مناقب فاطمة عليها السلام.

(٢) رواه بن حجر العسقلاني في ترجمة فاطمة «ع» من الاصابة وقال النبهاني في الشرف المؤيد ص ٥٩ انه رواه الطبراني وغيره باسناد حسن.

«الكاتب»

١١

وان الله عز وجل يقول (ان الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا الاخرة واعد لهم عذابا مهينا) ورووا مشايخنا ان امير المؤمنين (ع) قال لابي بكر حين لم يقبل شهادته يا ابا بكر اصدقني عما اسألك قل قال قال واخبرني لو ان رجلين احتكما اليك اليك في شئ في يد احدهما دون الاخر أكنت تخرجه من يده دون ان يثبت عندك ظلمه قال لا ، فممن كنت تطلب البينة منهما أو على من كنت توجب اليمين منهما ، قال اطلب البينة من المدعي واوجب اليمين على المنكر قال رسول الله (ص) البينة على المدعي واليمين على المنكر قال امير المؤمنين عليه السلام افتحكم فينا بغير ما تحكم به في غيرنا قال فكيف ذلك قال ان الذين يزعمون ان رسول الله (ص) قال ما تركناه فهو صدقة ، وانت ممن له في هذه الصدقة إذا صحت نصيب وانت فلا تجيز شهادة شريك لشريكه فيما يشاركه فيه وتركة الرسول (ص) بحكم الاسلام في ايدينا الى ان تقوم البينة العادلة بانها لغيرنا فعلى من ادعى ذلك علينا اقام البينة ممن لا نصيب له فيما يشهد به علينا وعلينا اليمين فيما ينكره ، فقد خالفت حكم الله تعالى وحكم رسوله (ص) إذ قبلت شهادة الشريك في الصدقة وطالبتنا باقامة البينة على ما ننكره مما ادعوه علينا فهل هذا الا ظلم وتحامل ثم قال يا ابا بكر أرأيت لو شهد عندك شهود من المسلمين المعتدلين عندك على فاطمة بفاحشة ما كنت صانع ، قال كنت والله اقيم عليها حد الله في ذلك ، قال له إذا كنت تخرج من دين الله ودين رسول الله (ص) قال لم قال لانك تكذب الله وتصدق المخلوقين إذ قد شهد الله لفاطمة بالطهارة من الرجس في قوله تعالى (انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا) فقلت انت انك تقبل شهادة من شهد عليها بالرجس إذ لفواحش كلها رجس وتترك شهادة الله لها بنفي الرجس عنها ، فلما لم يجد جوابا قام من مجلسه ذلك وترك عليا عليه السلام.

فانظروا يا اهل الفهم هل جرى في الاسلام بدعة اظلم واظهر وافظع واعظم

١٢

واشنع من طلب ورثة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم باقامة البينة على تركة الرسول انها لهم مع شهادة الله لورثة الرسول بازالة جميع الباطل عنهم وذلك كله بحكم الاسلام في ايديهم وقد رووا ان الرسول (ص) قال نحن اهل بيت لا تحل علينا الصدقة ، فيجوز لمسلم ان يتوهم على اهل بيت الرسول عليهم السلام انهم طلبوا شيئا من الحرام ، هذا مع ما اخبرهم الله بتطهيرهم من الرجس كلا ، وقد دل القوم ان الرسول (ص) قال ما تركناه فهو صدقة على ان المنازعة جرت بينهم وبين اهل البيت في التركة فلا يخلو اهل بيت الرسول (ع) من ان يكونوا طلبوا الحرام بالباطل فيلزم عند ذلك تكذيب الله تعالى فيما اخبر به من تطهيرهم من ذلك واما ان يكونوا طلبوا الحق فقد ثبت ظلم من منعهم من حقهم ولا يبعد الله الا من ظلم وتعدى وغشم هذا مع تكذيب الله لهم فيما ادعوه من صدقة تركة الرسول وان الانبياء لا يورثون إذ يقول الله في كتابه (وورث سليمان داود) وقال فيما اخبر به عن زكريا انه قال (فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا) فاخبر الله بميراث انبيائه وزعم واضع الخبر المتخرص ان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال (نحن معاشر الانبياء لا نورث ما تركناه فهو صدقة) ولعمري لقد كان واضع الخبر ومتخرصه جاهلا كتاب الله إذ لم يعلم ما فيه من تكذيب خبره وذلك من امتنان الله على المؤمنين في كشف باطل المبطل ولو كان واضع الخبر جعل ما تخرصه في تركة الرسول (ص) منسوبا الى رسولنا خاصة دون غيره من الانبياء لدخلت شبهة على كثير من الناس العارفين فضلا عن الاعجام وجمهور الاعوام ولكن الله اعمى قلبه وسمعه حتى قال فيما اخترصه من ذلك كله ما يكذبه كتاب الله وقد اضطر جهال من العوام واهل الجدل في نصرة الظلمة الى ان قالوا ان سليمان انما ورث من داود النبوة وكذلك يحيى من زكريا ، وهذا منهم غاية الجهل والاختباط والغفلة والافراط فان النبوة لو كانت مما يورث لم يكن على

١٣

وجه الارض غير الانبياء إذا الميراث لا يجوز ان يكون لواحد دون الاخر فاول خلف الله كان نبيا فهو آدم عليه السلام فلو ورث ولده نبوته لوجب ان يكون جميع ولد آدم انبياء من بعده وكذلك اولاد اولاده الى يوم القيامة ويلزم ايضا قائل هذا ان يحكم بان ورثة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ورثوا نبوته فهم انبياء من بعده ونسلهم ايضا الى يوم القيامة ، وكفى بهذا لمن بلغ مذهبه إليه خزيا وفضيحة وجهلا ، ولا خلاف ان من الانبياء المتقدمين من كان له اولاد كثير عددهم وكان منهم النبي وغير النبي ، وهذه مقالة واضحة الفساد وخارجه من كل وجه من وجوه السداد ، ولا يعبد الله الا من ظلم وقال بما لا يعلم ، هذا وقد اجمع اهل الاثر ورواة الخبر ان ما تركه رسول الله (ص) البغلة والسيف والعمامة وان درعه كانت مرهونة فافتكها امير المؤمنين (ع) واخذها إليه مع البغلة والسيف والعمامة فكيف جاز لهم ترك ذلك عنده وهو من تركة الرسول (ص) فان كانت التركة كما زعموا صدقة فذلك كله داخل في التركة فلكه صدقة والصدقة على امير المؤمنين عليه السلام حرام باجماع فهل علي عليه السلام قهرهم وغلبهم عليه ومنعهم وعجزوا عن انتزاعه منه فقد كفر علي عليه السلام وخرج عن دين الاسلام ووجب على جميع الصحابة والمسلمين مجاهدته إذ كان قد استحل ما حرم الله عليه تعمدا وخالف الله جهارا وتركهم لمجاهدته وقصده بالمحاربة بعد هذا الحال منه يوجب عليهم الخروج معه من غير دين الله ودين رسوله (ص) وقد رووا جميعا ان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال من دينه فاقتلوه ولا يكون في تغير الدين شئ هو اظهر من استحلال الحرام وتحريم الحلال على معرفة ويقين وقد لزمهم في امساكهم عن محاربته ما لزمه هو ايضا من الذم في ذلك ، فهذا بات يوجب على المسلمين كلهم البرائة من جميع المهاجرين والانصار ومن جاورهم من سائر المسلمين ، وكفى بهذا لمن يبلغ به مذهبه إليه خزيا وفضيحة ومقتا وكفرا والحادا ، فان كانت الصحابة حابوا عليا عليه السلام

١٤

في ذلك فقد اشركونا في الخلاف على الله وعلى رسوله إذ ليس لهم ان يقدموا ولا يؤخروا في الصدقات بعضا على بعض ، ولا محيص لذي نظر وتحصيل من هذا الحال فان زعم جاهل ان رسول الله (ص) جعل ذلك في حياته لعلي عليه السلام في تركاته دون غيره طولب زاعم هذا بخبر معروف مجمع عليه وعلى نقله ومعرفته ولن نجد الى ذلك سبيلا ، هذا ما رووا جميعا ان العباس رافع عليا عليه السلام الى ابي بكر في مطالبة الميراث من رسول الله (ص) في الدرع والبغلة والسيف والعمامة وزعم ان عم رسول الله (ص) اولى بتركة رسول الله من ابن العم فلو كان الرسول (ص) وهب ذلك لعلي عليه السلام لكان قد ظهر القول بذلك ممن يخبره وقد وقف عليه ولكان علي (ع) يدعي الهبة ايضا والهدية ولنقله الاخبار بذلك ، هذا مع ما يلزمهم من الحكم على الرسول (ص) بخيانته لاهل بيته إذ قال ما تركت فهو صدقة ولم يعرف (١) ذلك اهل بيته عليه السلام حتى لا يطالبوا منه شيئا ولا ينازعوا فيه مع تحريمه الصدقة عليه وعليهم ، ومن ظن هذا بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم فقد كفر بما جاء به الرسول (ص) والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله.

(ومما ابتدعه) كلامه بالصلاة بعد التشهد وقبل التسليم حسين قال (لا يفعلن خالد ما امرته به) حتى احتج بذلك قوم من فقهاء العامة يشهرته منه فقالوا لا يجوز الكلام بعد التشهد وقبل التسليم فان ابا بكر فعل ذلك للضرورة وقال آخرون لا يجوز ذلك فان أبا بكر قال ذلك بعد أن سلم في نفسه وتنازعوا في اختلافهم في هذا المعنى. فقلنا لهم أما تجويزكم في الصلاة فانا غير محتاجين الى منازعتكم فيه لانا غير آخذين بفعل أبي بكر ولا متبعين له فيه ولكن عرفونا ما الذي دعا ابا بكر الى ان قال (لا يفعلن خالد ما أمرته به) قبل تسليمه وما هو ولم هو فكانوا في ذلك صما بكما عميا فقالت شيعة آل محمد

__________________

(١) يعرف بتشديد الراء أي لم يعرف النبي ذلك.

(الكاتب)

١٥

عليهم السلام قد علمنا وعلم كل ذي فهم انه نهاء عن امر منكر بعد أن أمره به وجهلكم بذلك منه دليل على صحة ما رواه مشايخنا عن أئمتنا عليهم السلام فانهم قالوا ان أبا بكر كان قد أمر خالدا بقتل امير المؤمنين عليه السلام إذا هو سلم من صلاة الفجر فلما قام الى الصلاة ندم على ذلك وخشى. ان تهيج؟ عليه فتنة لا يقوم بها فقال قبل أن يسلم لا يفعلن خالد ما امرته به فكان الامر منه في ابتدائه لخالد كفرا إذ امره بقتل مؤمن من غير جرم ، وكان كلامه في الصلاة قبل التسليم لنهي خالد عن ذلك مفسدا لصلاته تلك وكان قد لزمه اعادتها ولزم جميع من صلى خلفه كذلك إذ قدروا جميعا ان تحريم الصلاة التكبير وتحليها التسليم وليس معهم توقيف من صاحب الشريعة بجواز ذلك وليس عندهم مع هذا لحال رواية بوجه ولا سبب ولا آية ولا القوم اعادوا تلك الصلاة فتركه لاعادة صلاة قد افسدها يوجب الكفر ايضا (١) وقد رووا جميعا عن الرسول صلوات عليه وآله وسلم انه قال من ترك صلاة واحدة عامدا متعمدا فقد كفر ، وقول من زعم انه سلم في نفسه قبل ان يتكلم فاسد لان صلاته عقدها مصليا بالجماعة ولم يكن مصليا بنفسه فغير جائز له ان يستعمل حدا واحدا مما يخالف صلاة المصلي بالجماعة ومن حدود المصلي بالجماعة اظهار التكبيرة والتسليم لا يسعه غير ذلك ، ومن ادعى جواز خلاف ذلك من غير توقيف من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فهو جاهل ولا حجة في شئ من أقاويل اهل الجهل ، ومن عدل عن هذا الذي ذكرنا من حدود الجماعة فصلاته فاسدة يجب عليه اعادتها ويجب على كل من صلى خلفه اعدة صلاته تلك التي افسدها امامهم ، هذا مع روايتهم جميعا انه قال بعد قوله لا يفعلن خالدما أمرته به (السلام عليكم) فما الذي عنى بذلك التسليم بعد ذلك الكلام المفسد للصلاة ، ثم رووا جميعا بخلاف تلك الرواية انه قال في وقت

__________________

(١) إذ لم ينقل عنه ولا عن اوليائه انهم أعادوة صلاتهم.

(الكاتب)

١٦

وفاته ثلاث فعلتها ووددت أني لم افعلها ، وثلاث لم افعلها وودت اني فعلتها وثلاث اهملت السؤال عنها ووددت ان اسأل رسول الله (ص) عنها ، ثم اختلف اولياؤه في تأويل ما فعل وما لم يفعل ولم يختلفوا في السؤال فاهملنا ذكر ما اختلفوا فيه وقصدنا ذكر ما اجمعوا عليه طلبا للنصفة وتحريا للحق فزعموا انه قال وددت اني سألت رسول الله عن الكلالة ما هي وعن الجد ماله من الميراث وعن هذا الامر لمن هو فكان لا ينازع فيه فيا ويل اهل الجهل والويل حل بهم هل الرسول بلغ الشريعة بالتمام والكمال ام لم يبلغ ذلك فبلغ البعض واهمل البعض والله تعالى يقول (يا ايها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك) والتبليغ لا يكون الا بالتفسير فان كان أبو بكر اهمل السؤال والصحابة جميعا عن ذلك الشئ أليس كان يلزم الرسول ص تعريفهم ذلك فلم يكن في الصحابة كلها احد سمع تفسير ذلك من رسول الله بالتبليغ الى من كان ، أليس هذا القول منه يوجب تعطيل الشريعة وخروج الرسول (ص) من حدود الرسالة إذ لم يبلغ ما أمره الله تعالى بتبليغه اوليس قد دل بقوله انه لم يعرف الامر لمن هو على انه قد دخل فيما لم يكن له فانه لو كان له لكان قد علمه ولما لم يعلم ذل ك كان جهله به دليلا على انه لا حق له فيه ووجب عليه ان لا يدخل في امر هو لغيره وان كان لا يعرف صاحبه.

(ومن بدعه) انه لما استتب الامر له قطع لنفسه اجرة على ذلك من بيت مال الصدقات في كل يوم ثلاثة دراهم وهذا من اظهر الحرام فأكل الحرام تعمدا وخلافا على الله وعلى رسوله ص مصرا عليه غير نادم فيه ولا تائب عنه الى أن مات بغير خلاف فيه وذلك ان ابواب اموال الشريعة معلومة كل باب منها مفروض من الله ومن رسوله لقوم باعيانهم لا يحل لاحد ان يأكل منه حبة واحدة حتى يصير نصيب كل واحد منهم في يده إذ لم يجعل الله ولا الرسول إليهم ولا لاحد منهم الحكم فيه ولا في شي ، منه

١٧

وانما الحاكم فيه عليهم غيرهم وهو كان الرسول (ص) ثم من مقامه من اوصيائه من بعده ، وقد اوضحنا من البيان في المستحقين لمقام الرسول ص في كتاب الاوصياء ما فيه كفاية ومقنع للأديب ، ولسنا نجد من ابواب الاموال في الشريعة بابا يصلح أن يؤخذ فيه اجرة وذلك ان ابواب الاموال في الشريعة من خمسة وجوه لا سادس لها (فمنها) ابواب الصدقات على صنوفها من كيلها ووزنها وعدها وقد جعل الله ذلك فريضة لثمانية اصناف من المسلمين في قوله تعالى (انما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله) فكل صنف من هؤلاء الثمانية فله شئ معلوم منها على قدر الكفاية يدفع الامام إليه ذلك ليس له الحكم في سواء (ومنها) مصالحة اهل الذمة على ما في ايديهم من الاموال والارضين وذلك لاحق بوجوه الصدقات وذلك لان هذا الصلح وضع عليهم عوضا من الصدقات إذ لا يجوز ان يؤخذ الزكاة من اهل الكفر فمن اسلم منهم زال عنه وجه الصلح ووجب عليه فريضة الصدقات التي هي الزكاة ولذلك صار الصلح لاحقا بوجوه الصدقات ولاهلها دون غيرهم فسبيل الحكم فيها سبيل ما شرحناه من حال الحكم في الصدقات (ومنها) الجزية والامة فيها في ذلك على قولين فالعامة تقول انها تجري مجزى؟ الصدقات والشيعة تقول انها لاهل مكة خاصة اغناهم الله به عوضا عن منع المشركين من الدخول إليهم والتجارات معهم قوله تعالى (يا ايها الذين آمنوا انما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وان خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله ان يشاء ان الله عليم حكيم. قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الاخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أتو الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) فاغنى الله اهل مكة بالجزية فجعلها لهم خاصة وكلا الوجهين يحرم على كل واحد أن يأخذ منهما أو من أحدهما اجرة

١٨

ولا غيرها غير من جعل الله ذلك لهم ولم يملك الله تعالى من جعلها لهم ولا رسوله الحكم في شئ منها الى أن يصير في ايديهم نصيبهم منها (ومنها) الغنائم التي يجاهدون عليها المسلمون فيأخذونها من ايدي الكفار وهي في قول العامة (١) لمن يجاهد عليها من جميع المسلمين دون غيرهم ، وفي قول اهل البيت عليهم السلام للمهاجرين والانصار وابناؤهم وابناء ابنائهم الى يوم القيامة دون غيرهم ، وليس لاحد من اهل القولين الحكم في شئ منها الى يصير نصيبه منها في يده (ومنها) المعادن والركازات وهي الكنوز الموجودة المذخورة واستخراج جواهر البحر ونحوها ، والامة في ذلك على قولين فالعامة تقول ان ذلك للعامل عليه وفيه وليس لاحد أن يأخذ منه شيئا الى أن يبلغ ما يلزمه فيه الزكاة فيخرج منه عند ذلك الزكاة المفروضة ، والشيعة يقولون انه للعامل عليه وفيه إذا هو عمل في ذلك كله بأمر الامام وان عمل بغير امره فالامر فيه الى الامام ان شاء أخذه كله وان شاء دفع الى العامل فيه منه ما أحب وإذا عمل فيه باذن الامام كان فيما يرزق فيه من قليل أو كثير الخمس يخرجه الامام فإذا بلغ نصيبه عنده بعد الخمس مبلغ الزكاة اخرج زكاته على نحو ما يجب من حكم ذلك وهذا مالا يجوز لاحد اخذ اجرة منه لانه للعاملين فيه دون غيرهم فجميع ما وصفناه من ابواب الاموال في الشريعة انما هو لقوم من المسلمين دون قوم منهم والامام المنتصب باجرة يجب أن تكون اجرته على جميع المسلمين لو قد كان أخذها جائزا في دين الشريعة فان اخذها مال قوم دون قوم فقد ظلم اولئك واعتدى عليهم فجميع ما أخذه من بعده من الاجرة فذلك حرام من الله ورسوله وعقوبة ذلك كله في عنق

__________________

(١) وهي باجماع من بعد اخراج الخمس منها للمقاتلين عليها دون غيرهم فبطل ان يجوز اخذ الاجرة من الغنائم كما بطل من غيرها (ومنها) المعادن الخ في بعض نسخ الكتاب بدلا عن العبارة المذكورة.

(الكاتب)

١٩

الاول منهم إذا كان هو سنه لمن اقتدى به من بعده فيه وذلك محقق بقول رسول الله صلى عليه وآله وسلم (من استن سنة حسنة فله اجرها واجر من عمل بها الى يوم القيامة من غير أن ينقص العامل بها شيئا من اجره ، ومن استن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها الى يوم القيامة من غير أن ينقص العامل شيئا من وزره)

(ومن بدعه) أنه لما أراد أن يجمع ما نهيأ من القرآن صرخ مناديه في المدينة من كان عنده شئ من القرآن فليأتنا به ثم قال لا تقبل من احد منه شيئا الا بشاهدي عدل ، وانما أراد هذا الحال لئلا يقبلوا ما الفه امير المؤمنين عليه السلام إذ كان الف في ذلك الوقت جميع القرآن بتمامه وكماله من ابتدائه الى خاتمته على نسق تنزيله فلم يقبل ذلك منه خوفا أن يظهر فيه ما يفسد عليهم أمرهم فلذلك قالوا لا نقبل القرآن من أحد الا بشاهدي عدل هذا مع ما يلزم الحكم عليهم أنهم لم يكونوا عالمين بالتنزيل لانهم لو كانوا عالمين به لما احتاجوا في قبوله الى شاهدي عدل ، وإذا لم يعلموا التنزيل كانوا من علم التأويل أبعد به واجهل ، ومن لا يعلم التنزيل ولا التأويل كان جاهلا باحكام الدين)

(ومن بدعه) العظيمة الشنيعة الموجبة للكفر من غير تأويل ان الامة مجمعة في روايتها على ان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان قد ضمه قبل وفاته الى اسامة بن زيد مع صاحبه وجماعة من رؤساء المهاجرين والانصار وأمرهم بالمسير معه الى الشام وخرج اسامة في حياة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فعسكر خارج المدينة واعتل الرسول (ص) علته التي توفي فيها فروي جميع اهل الرواية ان رسول الله (ص) لم يزل يقول في علته خمسة عشر يوما نفذوا ـ أي جهزوا ـ جيس أسامة (١) نفذوا جيش أسامة

__________________

(١) ذكر هذا الكلام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جمع كثير من الاعلام الاثبات وارسلوه ارسال المسلمات ولم يخالف احد من المؤرخين ـ

٢٠