الإمام على عليه السلام في آراء الخلفاء

الشيخ مهدي فقيه إيماني

الإمام على عليه السلام في آراء الخلفاء

المؤلف:

الشيخ مهدي فقيه إيماني


المترجم: يحيى كمالي البحراني
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
المطبعة: پاسدار إسلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-6289-50-9
الصفحات: ٢٢٣

وأخرج العلامة الخطيب البغدادي بسنده عن أنس بن مالك قال : قال أبو بكر عند موته : سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول :

إن على الصراط لعقبة لا يجوزها أحد إلا بجواز من علي بن أبي طالب (١).

وهنا يتبادر إلى الذهن السؤال التالي :

هل ترى أن من تقلد الخلافة زورا وظلما وغصبا ، وأخذ البيعة من علي عليه السلام قهرا وكرها ، ويعترف قائلا : ليتني لم أكشف بيت فاطمة ولو أعلن علي الحرب (٢) ،

__________________

المرتضوية للكشفي الترمذي : ٩١ ، إسعاف الراغبين : ١٧٦ ، الروض الازهر للسيد شاه تقي : ٩٧ ، وسيلة النجاة : ١٣٥ ، وسيلة المال : ١٢٢ مخطوط ، فتح المبين في فضائل الخلفاء الراشدين ٢ : ١٦١ ، أرجح المطالب : ٥٥٠ ، المناقب لابن المغازلي : ١١٩ ، مناقب سيدنا علي : ٤٥.

(١) تاريخ بغداد ١٠ : ٣٥٧.

أقول : أخرجه الخطيب وفيه من الزوائد والاضافات ما يدل على كون هذه الزوائد من المدسوسات والتحريفات ، ثم يعقب الخطيب على الرواية وزوائدها ويقول : هذا من حكاية القصاصين ، ولكن لما تنظر وتتمعن في النص الذي أخرجه الحفاظ والمحدثون وكما جاء في المصادر المتكثرة والتي هي خالية من الزوائد البغدادية وتحريفاته للحديث لعرفت أن الخطيب زور الحديث وزيفه حسب ما تهواه نفسه.

(٢) فلو أردت أيها القارئ أن تطلع على اعتراف أبي بكر بانه هو الذي أمر باحراق باب بيت الزهراء عليها السلام فراجع مضانه في المصادر التالية :

الاموال لابي عبيد : ١٩٤ ، الامامة والسياسة : ١٨ ، الكامل للمبرد : روى عنه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ٢ : ٤٦ ، وج ٦ : ٥١ و ٢٠ : ٢٤ ، السقيفة وفدك للجوهري : ٤٠ ، تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٣٧ ، تاريخ الطبري ٣ : ٤٣ حوادث سنة ١٣ ه‍ ، العقد الفريد ٤ : ٢٦٨ ، مروج الذهب ٢ : ٣٠١ ، المعجم الكبير ١ : ١٩ ح ٤٣ ، تاريخ مدينة دمشق ٣٠ : ٤٢٢ ، كنز العمال ٥ : ٦٣١ ح ١٤١٣٣ ، أخرجه عن الاموال والضعفاء للعقيلي ، وفضائل الصحابة للطرابلسي والطبراني وابن عساكر ومسند سعيد بن منصور ، ميزان الاعتدال ٣ : ١٠٩ ترجمة علوان بن داود رقم ٥٧٦٣ ، تاريخ الاسلام للذهبي ٣ : ١١٧ ـ ١٨٨ ، لسان الميزان ٤ : ١٨٩ ترجمة علوان بن داود رقم ٥٠٢ ، منتخب منز العمال ٢ : ١٧١ ، الضعفاء للعقيلي ٣ : ٤٢٠ ترجمة علوان بن داود البجلي رقم ١٤٦١.

٤١

حتى آل الامر به وباصحابه أن يحرقوا باب دار علي وفاطمة بالنار ويضربوا بنت المصطفى وزوجة المرتضى فاطمة الزهراء عليها السلام حتى أسقطت ما في بطنها ، ويامر أتباعه وملازميه بملاحقة علي عليه السلام وأباح لهم التعدي عليه حتى أن وصل الامر بهم أن قام الامام علي عليه السلام يشكو ويئن من قسوتهم وظلمهم وتعديهم ...

فهل ترى مثل هذا يجوز الصراط ، في حين أن جواز العبور بيد علي عليه السلام كما اعترف هو بنفسه؟

٨ ـ أبو بكر يعترف : النظر إلى وجه علي عليه السلام عبادة

أخرج العلامة الحافظ ابن المغازلي الشافعي وغيره من الحفاظ باسنادهم عن عائشة قالت : رأيت أبا بكر يكثر النظر إلى وجه علي عليه السلام. فقلت : يا أبه أراك تكثر النظر إلى وجه علي عليه السلام؟

فقال : يا بنية ، سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول : النظر إلى وجه علي عبادة (١).

__________________

(١) المناقب لابن المغازلي : ٢١٠ ح ٢٥٢ أخرجه بسندين ، المجالسة وجواهر العلم لابي بكر الدينوري : ٥١٤ ، المناقب للخوارزمي : ٣٦٢ فصل «٢٣» ح ٣٧٥ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ : ٣٥٠ ، الرياض النضرة ٣ : ١٢٠ ، مسلسلات ابن الجوزي : ١٧ ح ١٣ مخطوط ، نهاية العقول للرازي : ١٧ ، إحقاق الحق ٧ : ١١٠ ، ذخائر العقبى : ٩٥ عن تاريخ مدينة دمشق ، كفاية الطالب : ١٦١ باب «٣٤» ، سير أعلام النبلاء ١٥ : ٥٤٢ ، البداية والنهاية ٧ : ٣٥٧ ، تاريخ الخلفاء : ١٧٢ ، الصواعق المحرقة : ١٧٧ ، اللئالئ المصنوعة ١ : ٣٤٥ أخرجه عن تاريخ ابن النجار وصححه ، التعقبات للسيوطي : ٥٧ ، المناقب المرتضوية : ٨٣ ، مناقب العشرة : ٣٤ و ٣٦ ، أخرج عنهم إحقاق الحق ٧ : ١٠٩ وج ١٧ : ١٥٢ ، مناقب سيدنا علي : ١٩ ح ٥٦ أخرجه عن الحاكم وابن عساكر ، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ٥ : ٣١ ، وسيلة المال : ١٣٤ ، الروض الازهر : ٩٧.

٤٢

٩ ـ أبو بكر يعترف : عدل علي عليه السلام مساو لعدل النبي صلى الله عليه واله

أخرج العلامة الحافظ ابن عساكر الدمشقي وغيره من الحفاظ عن الحبشي بن جنادة قال : كنت جالسا عند أبي بكر الصديق ، فقال : من كانت له عند رسول الله عدة ، فليقم.

فقام رجل فقال : إنه قد وعدني ثلاث حثيات من تمر.

فقال أبو بكر : أرسلوا إلى علي عليه السلام ، فجاء فقال أبو بكر : يا أبا الحسن ، إن هذا يزعم أن رسول الله صلى الله عليه واله وعده أن يحثي له ثلاث حثيات من تمر ، فاحثها له ، فحثاها.

فقال أبو بكر : عدوها ، فوجدوا في كل حثية ستين تمرة لا تزيد واحدة على الاخرى.

فقال أبو بكر : صدق الله ورسوله صلى الله عليه واله ، قال لي رسول الله صلى الله عليه واله ليلة الهجرة ـ ونحن خارجون من الغار نريد المدينة ـ : يا أبا بكر ، كفي وكف علي في العدل سواء.

وورد أيضا «في العدد» بدلا عن «في العدل» (١).

سواسية النبي صلى الله عليه واله وعلي في العدل

وروى العلامة الخطيب البغدادي بسنده عن أنس بن مالك ، عن عمر بن الخطاب ، قال : حدثني أبو بكر ، قال : سمعت أبا هريرة يقول : جئت إلى النبي صلى الله عليه واله

__________________

(١) تاريخ بغداد ٥ : ٣٧ و ٨ : ٧٦ ، المناقب للخوارزمي : ٢٩٦ فصل «١٩» ح ٢٩٠ ، المناقب لابن المغازلي : ١٢٩ ح ١٧٠ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ : ٣٦٩ ، تاريخ الخلفاء : ٩٣ ح ٩٨ ، الرياض النضرة ٣ : ١٢٠ ، منتخب كنز العمال ٥ : ٣١ ، ينابيع المودة : ٢٣٣ و ٢٥٢ ، سعد الشموس والاقمار : ٢١١ ، أرجح المطالب ، ٢٥٦ ، الكواكب الدري لمحمد صالح الحنفي : ١٢٢ ، فرائد السمطين ١ : ٥٠ ح ١٥.

٤٣

وبين يديه تمر ، فسلمت عليه ، فرد علي وناولني من التمر مل ء كفه ، فعددته ثلاثا وسبعين تمرة. ثم مضيت من عنده إلى عند علي بن أبي طالب عليه السلام وبين يديه تمر ، فسلمت عليه ، فرد علي وضحك إلى وناولني من التمر مل ء كفه ، فعددته فإذا هو ثلاث وسبعون تمرة ، فكثر تعجبي من ذلك.

فرجعت إلى النبي فقلت : يا رسول الله ، جئتك وبين يديك تمر ، فناولتني مل ء كفك ، فعددته ثلاثا وسبعين تمرة ، ثم مضيت إلى عند علي بن أبى طالب وبين يديه تمر ، فناولني مل ء كفه ، فعددته ثلاثا وسبعين ، فتعجبت من ذلك.

فتبسم النبي صلى الله عليه واله وقال : يا أبا هريرة ، أما علمت أن يدي ويد علي في العدل سواء (١).

١٠ ـ أبو بكر يعترف : علي عليه السلام أسبق الناس بيعة للنبي صلى الله عليه واله

أخرج العلامة الحافظ ابن عساكر عن الدار قطني بسنده عن أبي رافع ، قال : كنت قاعدا بعد ما بايع الناس أبا بكر ، فسمعت أبا بكر يقول للعباس : انشدك الله هل ان رسول الله صلى الله عليه واله جمع بني عبد المطلب وأولادهم وأنت فيهم وجمعكم دون قريش ، فقال صلى الله عليه واله : يا بني عبد المطلب ، إنه لم يبعث الله نبيا إلا جعل له من أهله أخا ووزيرا ووصيا وخليفة في أهله ، فمن منكم ـ يقوم و ـ يبايعني على أن يكون أخي ووزيري ووصيي وخليفتي في أهلي؟ فلم يقم منكم أحد.

فقال صلى الله عليه واله : يا بني عبد المطلب ، كونوا في الاسلام رؤساء ولا تكونوا أذنابا ، والله ليقومن قائمكم أو لتكونن في غيركم ثم لتندمن.

فقام علي من بينكم ، فبايعه على ما شرط له ودعا إليه ، أتعلم هذا له من

__________________

(١) تاريخ بغداد ٨ : ٧٦ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ : ٣٦٨ ، كفاية الطالب : ٢٥٦ فصل «٦٢» ، فرائد السمطين ١ : ٥٠ ح ١٥.

٤٤

رسول الله صلى الله عليه واله؟

قال العباس : نعم (١).

وأخرج العلامة الحافظ محمد بن جرير الطبري باسناده عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه واله انه كان عند أبي بكر إذ جاء علي والعباس ، فقال العباس : أنا عم رسول الله ووارثه وقد حال علي بيني وبين تركته.

فقال أبو بكر : فاين كنت يا عباس حين جمع النبي صلى الله عليه واله بني عبد المطلب وأنت أحدهم فقال : أيكم يؤازرني ويكون وصيي ، وخليفتي في أهلي ، وينجز عدتي ، ويقضي ديني؟

فقال له العباس : بمجلسك تقدمته وتأمرت عليه؟ ـ أي إن كان هكذا كما تقول : لماذا تقدمت عليه وغصبت أمره؟.

فقال أبو بكر : أغدرا يا بني عبد المطلب (٢)؟ أي انكما ـ يا علي ويا عباس ـ أردتما بدعواكما هذه المصطنعة على إرث النبي صلى الله عليه واله وتركته ، أن تأخذوا مني الاقرار والاعتراف بحق علي عليه السلام وأولويته للخلافة ، وتحكموا علي بما أتفوه به وأقوله بنفسي ولساني ، يعني : تديناني وتلزماني من فمي.

وأما ابن عساكر الدمشقي فعند ما نقل الحديث أسقط منه صدره ـ أي مجئ العباس وعلي إلى أبي بكر وهما يتحاكمان إليه مسالة إرث رسول الله صلى الله عليه واله ـ وهكذا أسقط ذيله ـ اي كلمة العباس لابي بكر حيث يدينه على تقدمه وتامره على

__________________

(١) تاريخ مدينة دمشق ٤٢ : ٥٠ ، تأويل مختلف الحديث : ٣٥.

(٢) المسترشد : ٥٧٧ ح ٢٤٩ ، تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٥٨ ذكره ضمن الحوار الذي دار بين عمر بن الخطاب وبين ابن عباس. وأشار إلى هذا الحديث ابن عبد ربه في العقد الفريد ٢ : ٤١٢ ولكنه حرف وشوه المتن منه.

٤٥

الامام علي عليه السلام مما يدل على مخالفة أبي بكر لامر رسول الله صلى الله عليه واله.

وعلى الرغم من ان الحديث الذي رواه ابن عساكر مبتور الصدر والذيل لكنه يكشف عن حقيقة في غاية الاهمية وهي : إثبات الخلافة لعلي عليه السلام بعد النبي صلى الله عليه واله وانه متقدم في إيمانه وإسلامه على غيره.

وملخص القول : إن أبا بكر حين يروي هذا الحديث يعترف ويقر بافضلية الامام علي عليه السلام ، وهذا الاعتراف خير دليل وأفضل شاهد على أن عليا عليه السلام أقدم الناس إسلاما ، وانه أول من آمن وأعلن حمايته للنبي ومناصرته إياه في بدء الدعوة وان النبي صلى الله عليه واله قلده في مقابل هذه الامور وسام الاخوة والوزارة والوصاية والخلافة من بعده. فتأمل.

١١ ـ أبو بكر يعترف : حرب علي وسلمه هو حرب النبي صلى الله عليه واله وسلمه

أخرج العلامة الحافظ المحب الطبري وآخرون من حفاظ أهل السنة ومحدثيهم باسنادهم عن أبي بكر قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه واله خيم خيمة وهو متكئ عل قوس عربية وفي الخيمة علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ، فقال : يا معشر المسلمين ، أنا سلم لمن سالم أهل الخيمة ، وحرب لمن حاربهم ، لا يحبهم إلا سعيد الجد ، طيب الولادة ، ولا يبغضهم إلا شقي الجد ، ردئ الولادة.

وزاد العلامة الخطيب الخوارزمي فيما أخرجه : فقال رجل لزيد ـ راوي الحديث ـ : يا زيد ، أأنت سمعت هذا منه ـ أي من أبي بكر ـ؟

قال زيد : أي ورب الكعبة (١).

__________________

(١) الرياض النضرة ٣ : ١٥٤ ، المناقب للخوارزمي : ٢٩٦ فصل «١٩» ح ٢٩١ ، أهل البيت

٤٦

١٢ ـ أبو بكر يامر بمداراة أهل البيت عليهم السلام

أخرج العلامة جلال الدين السيوطي عن البخاري باسناده عن أبي بكر في تفسير قوله تعالى : (قل لا أسالكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) (١). انه قال : ارقبوا محمدا صلى الله عليه واله في أهل بيته (٢).

أقول : لا يخفى على الخبير أن عليا عليه السلام هو أول الناس وأقربهم مصداقية لاهل البيت والعترة عليهم السلام بعد فاطمة سيدة النساء عليها السلام. وكان النبي صلى الله عليه واله يوصي الناس دائما بعلي عليه السلام ، ولكن لو راجعت التاريخ لرأيت ان أبا بكر هو أول من رعى حقه ومداراته وأثبت رعايته ومراقبته للعترة الطاهرة كما قال : ليتني لم أكشف ... (٣).

١٣ ـ أبو بكر يستقيل الناس ويعترف باولوية علي عليه السلام بالخلافة

أخرج حجة الاسلام أبو حامد الغزالي وابن روزبهان الشيرازي ـ وهو من متكلمي أهل السنة ـ عن أبي بكر أنه قال وهو على المنبر : «أقيلوني ولست بخيركم وعلي فيكم».

ولا ريب أن هذه الاقالة هي الاقالة من الخلافة ، وبعبارة اخرى : إن الخليفة ـ أبا بكر ـ نوه بقوله هذا للمسلمين : فان كنتم قد بايعتموني على أني أفضلكم وخيركم فاقيلوا البيعة ، وذلك لاني لست كذلك ، ولست بخيركم وأفضلكم وهذا

__________________

لتوفيق أبو علم : ٨ و ٢٢٧ ، الامام علي عليه السلام لتوفيق أبو علم : ٦٦. مرآة المؤمنين لولي الله اللكهنوي : ٨٤ ، أرجح المطالب : ٣٠٩.

(١) الشورى : ٢٣.

(٢) الدر المنثور ٦ : ٧ ، تاريخ الخلفاء : ٩٨ ، الصواعق المحرقة : ١٧٦.

(٣) راجع ص ٤١ عند البحث عن قول أبي بكر ليتني لم أكشف بيت فاطمة لتزداد خبرا إلى خبر على حقيقة قول أبي بكر بالمراقبة والمداراة باهل البيت عليهم السلام.

٤٧

علي عليه السلام فيكم (١).

وأخرج السبط ابن الجوزي (٢) هذا الحديث عن أبي حامد الغزالي في كتابه سر العالمين بزيادة في الشرح والبيان فقال : قول أبي بكر على منبر رسول الله صلى الله عليه واله : أقيلوني فلست بخيركم. قال : أفقال ـ أي أبو بكر ـ ذلك هزلا أو جدا أو امتحانا؟ فان كان هزلا فالخلفاء منزهون عن الهزل ، وإن كان جدا فهذا نقض للخلافة ، وإن كان امتحانا فالصحابة لا يليق بهم الامتحان لقوله تعالى : (ونزعنا ما في صدورهم من غل) (٣).

ولتوضيح المراد أنقل للقارئ ما ذكره متكلم أهل السنة العلامة القوشجي في بيان إقرار أبي بكر فانه قال : وليتكم ولست بخيركم وعلي فيكم ، فهذه العبارة صريحة في مسالة الخلافة كما ترى (٤).

وعلى أي حال ، فان كلا العبارتين «أقيلوني» أو «وليتكم» صريحتان في اعتراف أبي بكر بان الامام علي عليه السلام أولى بالخلافة والولاية بعد النبي صلى الله عليه واله ، وان طلبه الاستقالة يمكن أن يحتج به على أبي بكر ويلزمه باعترافه هذا.

وزد على ذلك أيضا ان مقولة أبي بكر حجة قاطعة وبالغة على كل من يريد التخرص بلفه ونشره الفاسد أن يقول باولوية أبى بكر وأفضليته على علي عليه السلام وهو يريد بزعمه هذا الاغماض والتغافل عن كل الشواهد القرآنية والحديثية والتاريخية الدالة على أولوية الامام علي عليه السلام وأحقيته للخلافة.

__________________

(١) سر العالمين لابي حامد الغزالي : إبطال الباطل لابن روزبهان أورده في الجواب على الطعن السابع على ابي بكر في مسالة إحراق بيت الزهراء عليها السلام ، تشييد المطاعن ١ : ١٤٩ ، بحار الانوار ٢٨ : ٢٠١.

(٢) تذكرة الخواص : ٦٢.

(٣) الاعراف : ٤٣.

(٤) شرح تجريد الاعتقاد : ٣٧١ المقصد الخامس من مبحث الامامة.

٤٨

١٤ ـ أبو بكر يعترف : جواز عبور الصراط بيد علي عليه السلام

أخرج العلامة الحافظ ابن حجر العسقلاني بسنده عن أبي بكر قال : إن على الصراط لعقبة لا يجوزها أحد إلا بجواز من علي بن أبي طالب عليه السلام (١).

١٥ ـ أبو بكر يعترف : علي شبيه آدم ونوح وابراهيم عليهم السلام

أخرج الحافظ الخطيب الخوارزمي باسناده عن الحارث الاعور صاحب راية علي بن أبي طالب عليه السلام قال : بلغنا ان النبي صلى الله عليه واله كان في جمع من أصحابه فقال : أيكم آدم في علمه ، ونوح في فهمه ، وإبراهيم في حكمته؟ فلم يكن باسرع من أن طلع علي عليه السلام.

فقال أبو بكر : يا رسول الله أقست رجلا بثلاثة من الرسل ، بخ بخ لهذا الرجل ، من هو ، يا رسول الله؟

قال النبي صلى الله عليه واله : أو لا تعرفه يا أبا بكر؟

قال : الله ورسوله أعلم. قال صلى الله عليه واله : هو أبو الحسن علي بن أبى طالب.

قال أبو بكر : بخ بخ لك يا أبا الحسن ، وأين مثلك يا أبا الحسن (٢)؟

١٦ ـ أبو بكر وعمر يعترفان : علي أمير المؤمنين

أخرج الحافظ الشيخ عبيد الله الامر تسري الحنفي عن طريق الحافظ ابن مردويه الاصفهاني باسناده عن سالم مولى أمير المؤمنين الامام علي عليه السلام قال : كنت مع علي عليه السلام في أرض نعمل ، إذ جاء أبو بكر وعمر إلى علي عليه السلام وقالا : السلام

__________________

(١) لسان الميزان ٤ : ١١١ ترجمة عبيد الله بن لؤلؤ بن جعفر بن حمويه رقم ٢٢٥.

(٢) المناقب : ٨٨ ح ٧٩ ، أرجح المطالب : ٤٥٤ أخرجه عن ابن مردويه.

٤٩

عليك يا أمير المؤمين.

فقيل لهما : أكنتما تسلمان عليه في عهد رسول الله صلى الله عليه واله بامرة المؤمنين؟

قال عمر : هكذا أمرنا النبي صلى الله عليه واله (١).

١٧ ـ أبو بكر يعترف : المنبر حق علي عليه السلام

أخرج العلامة ابن أبي الحديد رواية عن الشعبي قال : قال الحسن بن علي عليه السلام إلى أبي بكر وهو يخطب على المنبر فقال له : انزل عن منبر أبي. فقال أبو بكر : صدقت ، والله إنه لمنبر أبيك لا منبر أبي (٢) ، أخرجه أحمد بن عبد العزيز الجوهري في كتاب السقيفة. (٣)

١٨ ـ أبو بكر يعترف : علي عليه السلام عترة النبي صلى الله عليه واله

أخرج العلامة المناوي في كتابه فيض القدير شرح الجامع الصغير في بيان الحديث النبوي «من كنت وليه فعلي وليه» وقال : ورواه الديلمي بلفظ : «من كنت نبيه فعلي وليه» ، ولهذا قال أبو بكر فيما أخرجه الدار قطني : علي عترة رسول الله صلى الله عليه واله. أي ان عليا هو من الذين حث النبي صلى الله عليه واله على التمسك بهم والاقتداء بهديهم لانهم النجوم التي يهتدي بهم المقتدي والمتمسك (٤).

وقال ابن باكثير : أخرج الدار قطني في كتابه الفضائل بسنده عن معقل بن

__________________

(١) أرجح المطالب : ١٥ ، مناقب سيدنا علي عليه السلام : ٢٠ ح ٦١.

(٢) شرح نهج البلاغة ٦ : ٤٢ ـ ٤٣ ، الرياض النضرة ١ : ١٨٧ ، الصواعق المحرقة : ١٧٧ ، السيرة الحلبية ١ : ٤٤٢ ، تاريخ الخلفاء : ٨٠ ، كنز العمال ٥ : ٦١٦ ح ١٤٠٨٥ أخرجه عن أبي نعيم والجابري ، ينابيع المودة : ٣٠٦ باب «٥٩» فصل في الايات النازلة بشان أهل البيت عليهم السلام رواه عن الدار قطني ، الاتحاف بحب الاشراف : ٢٣.

(٣) السقيفة وفدك : ٦٦ ـ ٦٧.

(٤) فيض القدير ٦ : ٢١٨.

٥٠

يسار قال : سمعت أبا بكر يقول : علي بن أبي طالب عترة رسول الله صلى الله عليه واله (١).

وبناء على هذا فمن تمعن ودقق في مفاد حديث الثقلين الذي تواتر تخريجه عند السنة والشيعة وثبت صدوره وقطعيته عن رسول الله صلى الله عليه واله حيث قال : «إني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي ، ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا أبدا» (٢) عرف وتيقن بان الرسول الله صلى الله عليه واله قرن العترة بالقرآن وجعلها عدلا له ، وانها هي التي تفسر القرآن وتكشف رموزه ، ولهذا كان التمسك بالقرآن والعترة والانقياد إليهما واتباعهما هو السبيل الوحيد في الاهتداء إلى الصواب والنجاة من الضلالة والغواية الذين يتبعهما الخزي والعار في الدار الاخرة.

وبناء على ما اعترف به أبو بكر اعترافا صريحا بان الامام علي بن أبي طالب عليه السلام هو العترة ، فباي مستمسك شرعي ودليل ديني أزاح أبو بكر عليا عليه السلام عن الخلافة التي هي محط إجراء الاحكام القرآنية والمرجع في تبيلغ تعاليم القرآن وبيان حقائقه ، حتى ان أبا بكر لم يكتف بهذا فقط ، بل فرض على علي عليه السلام الاقامة القهرية في داره منذ أن غصب الخلافة حتى نهاية خلافة عثمان والتي دامت مدة ربع قرن ، بل انه لم يرض بذلك حتى أن أمر باحراق دار علي عليه السلام وسحبوا عليا

__________________

(١) وسيلة المال لابن كثير نقل عنه الغدير ١ : ٣٠٣ و ٣٩٨.

(٢) ألف العلامة المحقق آية الله مير حامد حسين النيسابوري اللكهنوي موسوعة كبيرة في إثبات ولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وأولاده الائمة الاطهار عليهم السلام عترة رسول الله صلى الله عليه واله ، والاستدلال على أحقية خلافتهم ، واسماها بعبقات الانوار ، وخص المؤلف المحقق مجلدين من هذه الموسوعة في إثبات صحة طرق حديث الثقلين من كتب أهل السنة وصحاحهم ، ودلالته على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام.

وقد أبدع المؤلف في هذا الكتاب بحثا عميقا وأنيقا وعلميا في إثبات حديث الثقلين سندا ومتنا. وقد قمنا بتحقيق هذين المجلدين تحقيقا علميا ، وخرج بعد ذلك في ستة أجزاء ، وطبع في مدينة اصفهان ، وشرحنا ترجمة المؤلف وخصائص كتابه في مقدمة تحقيقنا فليراجع.

٥١

مقيدا إلى المسجد النبوي لمبايعة الخليفة السقيفي كرها وزورا.

١٩ ـ أبو بكر يعترف : علي أقرب الناس لرسول الله صلى الله عليه واله

أخرج العلامة المحب الطبري بطريقه عن الشعبي قال : إن أبا بكر نظر إلى علي بن أبي طالب عليه السلام فقال : من سره أن ينظر إلى أقرب الناس قرابة من رسول الله ، وأعظمهم عنه غنى ، وأحظهم عنده منزلة فلينظر ـ وأشار ـ إلى علي بن أبي طالب.

خرجه ابن السمان (١).

وأخرج المحدث الدار قطني ـ باسناده عن الشعبي ـ الحديث بلفظ آخر عن أبي بكر :

من سره أن ينظر إلى أعظم الناس منزلة عند رسول الله صلى الله عليه واله فلينظر إلى هذا الطالع (٢) ـ أي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ـ.

٢٠ ـ أبو بكر يعترف : علي عليه السلام كالنبي صلى الله عليه واله في الرتبة أخرج العلامة الشيخ أبو المكارم علاء الدين السمناني ـ ٧٣٦ ه‍ ـ في كتابه «العروة الوثقى» بعد أن روى حديث المنزلة وحديث الغدير ودعاء النبي صلى الله عليه واله لعلي عليه السلام : اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، ثم قال : وهذا حديث متفق على

__________________

(١) الرياض النضرة ٣ : ١١٩ ، المناقب للخوارزمي : ١٦١ فصل «١٤» ح ١٩٣ ، نظم درر السمطين : ١٢٩ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ : ٧٣ ، وفيه : وأفضلهم دالة ـ أي دلالة ـ ، كنز العمال ١٣ : ١١٥ ح ٣٦٣٧٥ خرجه عن الاثرات لابن أبي الدنيا وابن مردويه والحاكم ، الصواعق المحرقة : ١٧٧ ، فتح المبين في فضائل الخلفاء الراشدين بهامش السيرة النبوية ٢ : ١٦٠.

(٢) أرجح المطالب : ٤٦٧ أخرجه عن ابن السمان ، مناقب سيدنا علي عليه السلام : ٤٩ خرجه عن الدار قطني وابن السمان ، مفتاح النجاة : ٢٩ ، الروض الازهر : ٣٦٢.

٥٢

صحته فصار عليه السلام سيد الاولياء وكان قلبه على قلب محمد صلى الله عليه واله.

وأضاف قائلا : وإلى هذا السر أشار سيد الصديقين صاحب غار النبي صلى الله عليه واله أبو بكر حين بعث أبا عبيدة بن الجراح إلى علي عليه السلام لاستحضاره فقال : يا أبا عبيدة ، أنت أمين هذه الامة أبعثك إلى من هو في مرتبة من فقدناه بالامس ـ يعني النبي صلى الله عليه واله ـ ينبغي أن تتكلم عنده بحسن الادب (١).

أقول : ولعلني أمكنني أنه أتفهم معنى هذا الاحضار وأمر أبي بكر أبا عبيدة بمراعاة المرونة والادب وحسن المعاملة مع علي عليه السلام ، وأتفهم وأعقل متى كان هذا الامر من أبي بكر ولم أمر بذلك؟ وليته قد أمر بذلك لما أرسل عمر بن الخطاب لاحضار علي إلى سقيفة بني ساعدة ... وما جرى عليه عليه السلام ـ بعد ذلك ـ.

تأمل أيها القارئ الخبير في هذا المختصر فان الحر تكفيه الاشارة.

٢١ ـ أبو بكر يعترف : انه عاجز عن وصف النبي صلى الله عليه واله

أخرج العلامة محب الدين الطبري بسنده عن ابن عمر قال : إن اليهود جاءوا إلى أبي بكر فقالوا له : صف لنا صاحبك ـ أي النبي صلى الله عليه واله ـ.

فقال : معشر اليهود ، لقد كنت معه في الغار كاصبعي هاتين ، ولقد صعدت معه جبل حراء وإن خنصري لفي خنصره ، ولكن الحديث عنه صلى الله عليه واله شديد ، وهذا علي بن أبي طالب.

فاتوا عليا عليه السلام فقالوا : يا أبا الحسن ، صف لنا ابن عمك.

فقال عليه السلام : لم يكن رسول الله صلى الله عليه واله بالطويل الذاهب طولا ولا بالقصير المتردد ، كان فوق الربعة ، أبيض اللون ، مشربا حمرة ، جعد الشعر ، ليس بالقطط ، يضرب

__________________

(١) الغدير ١ : ٢٩٧.

٥٣

شعره إلى أرنبته ، صلت الجبين ، أدعج العينين ، دقيق المسربة ، براق الثنايا ، أقنى الانف ، كان عنقه إبريق فضة ، له شعرات من لبته إلى سرته ، كانهن قضيب مسك أسود ليس في جسده ولا في صدره شعرات غيرهن ، وكان شئن الكف والقدم ، وإذا مشى كانما يتقلع من صخر ، وإذا التفت التفت بمجامع بدنه ، وإذا قام غمر الناس ، وإذا قعد علا الناس ، وإذا تكلم أنصت الناس ، وإذاخطب أبكى الناس ، وكان أرحم الناس بالناس ، لليتيم كالاب الرحيم ، وللارملة كالكريم الكريم ، أشجع الناس ، وأبذلهم كفا ، وأصبحهم وجها ، لباسه العباء ، وطعامه خبز الشعير ، وإدامه اللبن ، ووساده الادم محشو بليف النخل ، سريره أم غيلان مرمل بالشريف ، كان له عمامتان إحداهما تدعى السحاب ، والاخرى العقاب ، وكان سيفه ذا الفقار ، ورايته الغراء ، وناقته العضباء ، وبغلته دلدل ، وحماره يعفور ، وفرسه مرتجز ، وشاته بركة ، وقضيبه الممشوق ، ولواؤه الحمد ، وكان يعقل البعير ، ويعلف الناضح ، ويرقع الثوب ، ويخصف النعل (١).

هكذا وصف لهم علي عليه السلام رسول الله صلى الله عليه واله باوصاف حميدة ، وخصال تامة من الناحية الجسمية والنفسية والخلقية ، وكيف كان صلى الله عليه واله يتعامل مع الناس حتى ذكر عليه السلام لهم مركب النبي صلى الله عليه واله وعمامته وسيفه وغيره.

وتجدر الاشارة إلى ما يضحك الثكلى ، كيف يعجز من يعتقد أبناء السنة وأتباع الخلافة فيه بانه أول المسلمين إيمانا ، وانه لم يفارق النبي صلى الله عليه واله خلال ثلاث وعشرين سنة من بدء الدعوة حتى وفاة النبي صلى الله عليه واله ولو للحظة قصيرة؟ وكيف يتصور ان من يدعي الخلافة والامامة وانه القائم مقام رسول الله صلى الله عليه واله يعجز عن توصيف مستخلفه النبي صلى الله عليه واله ـ كما يدعي هو ـ ويبين خصاله الخلقية والخلقية وتراه عندما

__________________

(١) الرياض النضرة ٣ : ١٦٢ ـ ١٦٣ ، ذخائر العقبى : ٨٠. أوردنا الحديث بكامله لما فيه بيان شمائل النبي صلى الله عليه واله وخصائصه. (المعرب).

٥٤

يعجز عن ذلك يضطر أن يبعث السائل اليهودي إلى الامام علي عليه السلام لياخذ الجواب؟

فعلى هذا فهل يمكن التوقع من أبي بكر أن يصف لنا النبي صلى الله عليه واله من الناحية العلمية والدينية والاخلاقية بينما هو عاجز عن توصيفه من الناحية الجسمية؟

وهل يعقل أن نلتمس من أبي بكر أن يخطو خطى النبي صلى الله عليه واله ، ويسير على نهجه ، ويواصل سبيله ، لكي يشد عزم المسلمين في دينهم ، ويهدي الكافرين إلى الصراط المستقيم ، ويسوقهم نحو معرفة شخصية الرسول الكريم صلى الله عليه واله وهو يعجز عن توصيف رسول الله صلى الله عليه واله؟

٢٢ ـ أبو بكر يستشير عليا عليه السلام ويمنعه من الجهاد

قال العلامة الشيخ محمد مخلوف المالكي ـ وهو من علماء مصر المعاصرين ـ : كان أبو بكر كثيرا ما يحرص على آراء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ولذلك كان يدأب في إبقاء الامام علي عليه السلام بجواره في المدينة ولم يرض له الخروج من المدينة والحجاز ، أو الاشتراك في الحروب مع المجاهدين (١).

٢٣ ـ أبو بكر يرجع إلى علي عليه السلام في حل مسائل اليهودي

روى العلامة الاديب ابن دريد البصري في كتابه المجتنى بسنده عن أنس بن مالك قال : أقبل يهودي بعد وفاة النبي صلى الله عليه واله حتى دخل المسجد فقال : أين وصي رسول الله صلى الله عليه واله؟ فاشار القوم إلى أبى بكر.

فوقف عليه فقال : اريد أن أسالك عن أشياء لا يعلمها إلا نبي أو وصي نبي.

قال أبو بكر : سل عما بدالك.

قال اليهودي : أخبرني عما ليس لله وعما ليس عند الله وعما لا يعلمه الله؟

__________________

(١) طبقات المالكية ٢ : ٤١.

٥٥

فقال أبو بكر : هذه مسائل الزنادقة ، يا يهودي.

وهم أبو بكر والمسلمون رضي الله عنهم باليهودي. فقال ابن عباس رضي الله عنهما : ما أنصفتم الرجل.

فقال أبو بكر : أما سمعت ما تكلم به؟

فقال ابن عباس : إن كان عندكم جوابه وإلا فاذهبوا به الى علي عليه السلام يجيبه ، فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول لعلي بن أبي طالب عليه السلام : اللهم اهد قلبه ، وثبت لسانه.

قال أنس : فقام أبو بكر ومن حضره حتى أتوا علي بن أبي طالب عليه السلام فاستاذنوا عليه.

فقال أبو بكر : يا أبا الحسن ، إن هذا اليهودي سألني مسائل للزنادقة.

فقال علي عليه السلام : ما تقول ، يا يهودي؟ قال : أسالك عن أشياء لا يعلمها إلا نبي أو وصي نبي.

فقال عليه السلام له : قل. فرد اليهودي المسائل.

فقال علي عليه السلام : أما ما لا يعلمه الله فذلك قولكم يا معشر اليهود : إن عزيزا ابن الله ، والله لا يعلم أن له ولدا.

وأما قولك : أخبرني بما ليس عند الله ، فليس عنده ظلم للعباد.

وأما قولك : أخبرني بما ليس لله ، فليس لله شريك.

فقال اليهودي : أشهد أن لا إله الله ، وأن محمد رسول الله ، وأنك وصي رسول الله صلى الله عليه واله.

فقال أبو بكر والمسلمون لعلي عليه السلام : يا مفرج الكرب.

٥٦

وجاء في رواية العلامة المحدث الشهير بابن حسنويه الحنفي في كتابه «در بحر المناقب» ـ بعد ما شهد اليهودي الشهادتين فضج الناس عند ذلك ـ فقال أبو بكر : يا كاشف الكربات ، أنت يا علي فارج الهم (١).

قال أنس : فعند ذلك خرج أبو بكر ورقى المنبر وقال : أقيلوني فلست بخيركم وعلي فيكم. قال أنس : فخرج عليه عمر وقال : يا أبا بكر ، ما هذا الكلام ، فقد ارتضيناك لانفسنا؟! ثم أنزله عن المنبر (٢).

٢٤ ـ أبو بكر يرجع إلى علي عليه السلام في القضاء

أخرج الحافظ جلال الدين السيوطي وآخرون من أعلام الحديث عند السنة عن ثلاث طرق قالوا : ان خالد بن الوليد كتب إلى أبي بكر ، انه وجد في بعض نواحي العرب رجلا ينكح كما تنكح المرأة. فاستشار أبو بكر أصحاب النبي صلى الله عليه واله وفيهم أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه وكان أشدهم قولا.

فقال عليه السلام : إن هذا الذنب لم تعص به امة من الامم إلا واحدة ، فصنع الله بها ما قد علمتم ، أرى أن تحرقه بالنار.

فاجمع رأي أصحاب رسول الله صلى الله عليه واله على أن يحرقوه بالنار. فكتب أبو بكر الصديق إلى خالد بن الوليد بان يحرقه ، فحرقه ، ثم حرقهم ابن الزبير في أمارته ، ثم حرقهم هشام بن عبد الملك (٣).

__________________

(١) علي بن أبي طالب إمام العارفين لاحمد بن صديق الغماري : ٩٩ ، المجتنى : ٣٥ عنه الغدير ٧ : ١٧٩ وإحقاق الحق ٧ : ٧٣.

(٢) در بحر المناقب : ٧٦ نقل عنه إحقاق الحق ٨ : ٢٤٠.

(٣) راجع : الدر المنثور ٣ : ٣٤٦ قال : وأخرج ابن أبي الدنيا في ذم الملاهي ، وابن المنذر والبيهقي في شعب الايمان ، مسند علي بن أبي طالب للسيوطي : ٢٥٦ ح ٧٩٩ ، أعلام

٥٧

٢٥ ـ أبو بكر يستشير عليا في غزو الروم

أخرج المؤرخ المشهور العلامة ابن واضح اليعقوبي : أراد أبو بكر أن يغزو الروم ، فشاور جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه واله فقدموا وأخروا فاستشار علي بن أبي طالب عليه السلام ، فاشار عليه أن يفعل ، فقال : إن فعلت ظفرت.

فقال أبو بكر : بشرت بخير. فغزا المسلمون الروم وفتحوا بيت المقدس التي كانت تحت وطاة اليهود يوم ذاك ، وانهزم اليهود ووقع ما أخبر به أمير المؤمنين علي عليه السلام ، وكان ذلك في عام ثلاث عشر من الهجرة (١).

وأخرج ابن عساكر هذا الحديث بزيادات وإضافات في ألفاظه ومتنه ، حيث إنه نقل سؤال أبي بكر لعلي بن أبي طالب عليه السلام عن منبع علمه بالظفر والانتصار في غزوة الروم وجواب علي عليه السلام عن ذلك (٢).

__________________

الموقعين ٤ : ٣٧٨ ، كنز العمال ٥ : ٤٦٩ ح ١٣٦٤٣ ، الطرق الحكمية : ١٥ ، إحقاق الحق ٨ : ٢٢٩ أخرجه عن الداء والدواء : ٢٤٨ والجواب الكافي لمن سال الدواء الشافي : ١٤٦ ، الكبائر للذهبي : ٥٨ ، السنن الكبرى ٨ : ٢٣٢ أخرجه باختصار ، المدخل للحاج الفاسي ٣ : ١١٩ نقل عنه إحقاق الحق ١٧ : ٤٤٦. انظر الهامش.

أقول : ولكني لم أجد هذا الحديث في كتاب ذم الملاهي لابن أبي الدنيا طبعة مؤسسة الكتب الثقافية وتحقيق محمد السعيد بن بسيوني زغلول ويسرى عبد الغني عبد الله. ولعل المحققين حذفاه تكريما لخليفتهم وتعتيما على جهله وان الخليفة أخذ برأي الامام علي عليه السلام. (المعرب).

(١) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٣٢.

(٢) تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر ٢ : ٦٤ ، إحقاق الحق ٨ : ٢٣٧ خرجه عن تاريخ دمشق.

٥٨

الامام علي عليه السلام

في

رأي الخليفة عمر بن الخطاب

٥٩
٦٠