الإمام على عليه السلام في آراء الخلفاء

الشيخ مهدي فقيه إيماني

الإمام على عليه السلام في آراء الخلفاء

المؤلف:

الشيخ مهدي فقيه إيماني


المترجم: يحيى كمالي البحراني
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
المطبعة: پاسدار إسلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-6289-50-9
الصفحات: ٢٢٣

كتابه الغدير (١) والعلامة ابن المغازلي في كتابه المناقب (٢) ان عثمان بن عفان الذي كان حاضرا وشاهدا لتلك الواقعة والمفخرة العلوية في غدير خم هو أحد رواة حديث الغدير «من كنت مولاه فعلي مولاه».

٥ ـ مراجعة عثمان إلى علي عليه السلام في رجم امرأة

أخرج الامام مالك في الموطا وغيره في كتبهم التفسيرية والحديثية باسنادهم عن بعجة بن عبد الله الجهني ، قال : تزوج رجل منا امرأة من جهينة فولدت له تماما لستة أشهر ، فانطلق زوجها إلى عثمان بن عفان ، فاخبره القصة ، فامر برجمها ، فبلغ ذلك عليا عليه السلام ، فاتاه فقال عليه السلام : ما تصنع؟

قال عثمان : ولدت تماما لستة أشهر ، وهل يكون ذلك؟

فقال علي عليه السلام : أما سمعت الله تعالى يقول : (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) (٣) ، وقال : (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين) (٤) فكم تجده بقي إلا ستة أشهر؟

فقال عثمان : والله ما فطنت لهذا ، علي بالمرأة ، فوجدوها قد مرغ منها ـ يعني أنها رجمت ـ.

__________________

(١) الغدير ١ : ٥٣ ، المناقب للسروي ٣ : ٢٥.

(٢) المناقب لابن المغازلي : ٢٧ ح ٣٩.

لو اعتمدنا الاحاديث المروية في العشرة المبشرة ـ وثالثهم عثمان بن عفان ـ وكذا لو اعتمدنا ما رواه ابن المغازلي عن مسند نيسابور لابي القاسم فضل بن محمد الابيوردي ـ المتوفى ٥١٨ ه‍ ـ حول حديث الغدير وقوله : إن هذا الحديث روي عن أكثر من مائة طريق منهم العشرة المبشرة الذين سمعوا النبي صلى الله عليه واله يقول : من كنت مولاه فهذا علي مولاه.

لا يشك أحد أن عثمان يعد أحد رواة هذه المنقبة الجلية لعلي بن أبي طالب عليه السلام.

(٣) الاحقاف : ١٥.

(٤) البقرة : ٢٣٣.

١٤١

وكان من قولها لاختها : يا اخية ، لا تحزني ، فوالله ما كشف فرجي أحد قط غيره ـ أي غير زوجي ـ.

قال الراوي : فشب الغلام بعد ، فاعترف الرجل به وكان أشبه الناس به.

وقال : فرأيت الرجل بعد يتساقط عضوا عضوا على فراشه (١).

٦ ـ مراجعة عثمان إلى علي عليه السلام في مسالة الاب

أخرج الامام أحمد وغيره من الحفاظ باسنادهم ، ان يحنس وصفية كانا من سبي الخمس ـ اي أسيرين ـ فزنت صفية برجل من الخمس ـ أي أسير آخر ـ فولدت غلاما فادعاه الزاني ويحنس فاختصما إلى عثمان ، فرفعهما إلى علي بن أبي طالب عليه السلام.

فقال علي عليه السلام : أقضي فيهما بقضاء رسول الله صلى الله عليه واله ـ الولد للفراش وللعاهر الحجر ـ ، فاعطى يحنس الولد وجلدهما ـ أي صفية والزاني ـ خمسين خمسين لانهما كان عبدين فعليهما نصف ما على الحر من الحد ، وأما صفية لانها كانت أمة فلا رجم عليها.

وتشاهد في هذه القصة : ان عثمان بن عفان الذي تقلد أريكة الخلافة وارتقى عرش الامارة عاجز عن فهم حكم الولد انه للفراش وللعاهر الحجر وجاهل عن أحكام الحر والعبد والفرق بينهما (٢).

__________________

(١) الموطا ٢ : ٨٢٥ كتاب الحدود باب «١» ح ١١ ، تأويل مختلف الحديث : ١٠٧ ، سنن البيهقي ٧ : ٤٤٢ ، جامع بيان العلم وفضله : ١٥٠ ، تفسير ابن كثير ٤ : ١٦٩ ، تيسير الوصول ٢ : ١١ الفصل الثاني ح ٥ ، الدر المنثور ٦ : ٤٠ أخرجه عن ابن المنذر وابن أبي حاتم ، عمدة القارئ ٩ : ٦٤٢.

(٢) مسند أحمد بن حنبل ١ : ١٠٤ و ١ : ١٦٧ ح ٨٢٢ «الحديثة» ، تفسير ابن كثير ١ : ٤٨٩ ، كنز العمال ٦ : ١٩٨ ح ١٥٣٤٠.

١٤٢

٧ ـ مراجعة عثمان إلى علي عليه السلام في حكم المطلقة التي مات زوجها

روى فقهاء العامة ومحدثوهم ان حبان بن منقذ كانت عنده جاريتان هاشمية وأنصارية ، فطلق الانصارية وهي ترضع فمرت بها سنة ثم هلك عنها ولم تحض ، فقالت : أنا أرثه ، لم أحض.

فاختصمتا إلى عثمان بن عفان ، وكعادته أرجعهما إلى علي عليه السلام فقال لها علي عليه السلام : أتحلفين عند قبر النبي صلى الله عليه واله انك لم تحض حتى تحصلين على إرثك؟ فحلفت وأعطاها سهمها من الارث.

أقول : وأخرجه الامامان مالك والشافعي وقالا فيما روياه : ان الهاشمية وجدت على عثمان ولامته حيث أعطى الانصارية سهما من الارث ، فقال عثمان : هذا عمل ابن عمك هو أشار علينا بهذا ـ يعني علي بن أبي طالب عليه السلام ـ (١).

٨ ـ مراجعة عثمان إلى علي عليه السلام في مسالة لحم الصيد للمحرم

أخرج الامام أحمد بن حنبل وغيره باسنادهم : كان أبي الحارث على امر من مكة في زمن عثمان ، فاقبل عثمان رضى الله عنه إلى مكة ، فقال عبد الله بن الحارث : فاستقبلت عثمان بالنزل بقديد ، اصطاد أهل الماء حجلا فطبخناه بماء وملح ، فجعلنا عراقا للثريد فقدمناه إلى عثمان وأصحابه ، فامسكوا.

__________________

(١) الموطا ٢ : ٥٧٢ كتاب الطلاق : باب طلاق المريض ح ٤٣ ، مسند الشافعي : ٢٩٦ كتاب العدد ، السنن الكبرى ٧ : ٤١٩٠. ، الاستيعاب ٢ : ٧٦٤ ، ذخائر العقبى : ٨٠ ، الرياض النضرة ٣ : ١٦٦ ، الاصابة ٨ : ٢٠٤ القسم الاول ، كنز العمال ٥ : ٨٢٩ ح ١٤٥٠٥ و ١٤٥٠٦ ، أرجح المطالب : ١٢٦ ، وسيلة المال : ١٢٦ ، إحقاق الحق ١٧ : ٥١٦.

١٤٣

فقال عثمان : صيد لم نصطده ولم نامر بصيده ، اصطاده قوم حل فاطعمونا فما باس ،

فقال للقوم : كلوا فانما اصيبت لاجلي. فقال اليوم : هذا علي عليه السلام نهانا عن أكله ، فبعث إلى علي عليه السلام فجاءه وانه ليمسح الخبط عن يديه.

فقال عثمان : لم نصطده ولم نامر بصيده ، اصطاده قوم حل فاطعمونا فما باس.

قال الراوي : فغضب علي عليه السلام وقال : انشد الله رجلا شهد رسول الله صلى الله عليه واله أتى ببيض نعامة قال رسول الله صلى الله عليه واله : إنا قوم حرم فاطعموه أهل الحل.

فقال الراوي : فشهد دونهم في العدة من الاثني عشر.

قال الراوي : فثنى عثمان وركه عن الطعام فدخل ، وأكل ذلك الطعام أهل الماء (١).

٩ ـ عثمان يعترف : لو لا علي لهلك عثمان

أخرج الحافظ أحمد بن محمد بن علي بن أحمد العاصمي عن الاستاذ أبا بكر محمد بن إسحاق بن محمشاد يرفعه : ان رجلا أتى عثمان بن عفان وهو أمير المؤمنين وبيده جمجمة إنسان ميت ، فقال : إنكم تزعمون أن النار تعرض على هذا وانه يعذب في القبر ، وأنا قد وضعت عليها يدي فلم أحس منها حرارة

__________________

(١) مسند أحمد ١ : ١٠٠ و ١ : ١٦١ ح ٧٨٥ و ٧٨٦ ، مسند أبي يعلى ١ : ٢٩٤ ح ٣٥٦ مسند علي عليه السلام ، مسند البزارح ١١٠٠ ، مجمع الزوائد ٣ : ٢٢٩ أخرجه عن أبي يعلى وأحمد والبزار ، شرح معاني الاثار ٢ : ١٦٨ ، السنن الكبرى ٥ : ١٩٤ ، سنن أبي داود ٢ : ١٧٠ كتاب المناسك باب لحم الصيد للمحرم ح ١٨٤٩ ، المناقب للسروي ٢ : ٣٧٣ عن مسند أحمد وأبي يعلى.

١٤٤

النار!

فسكت عثمان وأرسل إلى علي بن أبي طالب عليه السلام يستحضره ، فلما أتاه وهو في ملا من أصحابه قال عثمان للرجل : أعد المسالة. فاعادها.

ثم قال عثمان لعلي عليه السلام : أجب الرجل عنها ، يا أبا الحسن.

فقال علي عليه السلام : ائتوني بزند وحجر ـ والرجل السائل والناس ينظرون إليه ـ فاتي بهما فاخذهما وقدح منهما النار ثم قال للرجل : ضع يدك على الحجر ، فوضعها عليه ، ثم قال عليه السلام : ضع يدك على الزند ، فوضعها عليه. فقال عليه السلام : هل أحسست منهما حرارة النار؟

فبهت الرجل ـ لانه رأى النار ولم يحس بالحرارة ـ فقال عثمان : «لو لا علي لهلك عثمان» (١).

__________________

(١) زين الفتى في تفسير سورة هل أتى ١ : ٣١٨ ح ٢٢٥ ، الغدير ٨ : ٢١٤ عن روائح القرآن في فضائل امناء الرحمن حيث يروي فيه ١٣١ آية نزلت في علي ، علي والخلفاء لنجم الدين العسكري : ٣١٥ ـ ٣١٦.

١٤٥
١٤٦

الامام علي عليه السلام

في

رأي معاوية بن أبي سفيان

١٤٧
١٤٨

١ ـ معاوية يعترف : علي حلال المشكلات

قال العلامة الحافظ المناوي الشافعي :

إن معاوية كان يرسل اناسا يسال عليا عليه السلام عن المشكلات ـ سواءا معضلاته أو معضلات غيره ـ ، فكان علي عليه السلام يجيبه ، فقال أحد بنيه : تجيب عدوك!؟

قال عليه السلام : أما يكفينا أن احتاجنا وسالنا؟ (١)

٢ ـ معاوية يعترف : كان النبي صلى الله عليه واله يغر عليا عليه السلام بالعلم غرا أخرج الامام أحمد بن حنبل وآخرون من حفاظ أهل السنة ومفسريهم باسنادهم عن قيس بن أبي حازم ـ وهو من ثقات الرواة عند أهل السنة ـ انه قال : إن رجلا سال معاوية عن مسالة.

فقال : اسال عنها عليا فهو أعلم.

فقال : يا أمير المؤمنين ، جوابك فيها أحب إلي من جواب علي.

قال معاوية : بئس ما قلت ، لقد كرهت رجلا كان رسول الله صلى الله عليه واله يغره بالعلم غرا ، ولقد قال له : أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا انه لا نبي بعدي ، وكان عمر إذا أشكل عليه شئ أخذ منه ـ ويلجا إلى علي في حل مسائله ـ.

ثم قال معاوية للرجل : قم لا أقام الله رجليك ، ومحا اسمه من الديوان (٢).

__________________

(١) فيض القدير ٤ : ٣٥٦ ح ٥٥٩٣ «علي عيبة علمي» عن شرح الحمزية.

(٢) فضائل الصحابة ٢ : ٦٧٥ ح ١١٥٣ ، مناقب أمير المؤمنين لاحمد بن حنبل : ١٩٧ ح ٢٧٥ ، مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي : ٣٤ ح ٥٢ ، ذخائر العقبى : ٧٩ ، الرياض النضرة ٣

١٤٩

وروى عنه ابن حجر : ولقد كان عمر يساله وياخذ عنه ولقد شهدته إذا أشكل عليه شئ قال : هاهنا علي ، قم لا أقام الله رجليك (١).

٣ ـ معاوية يعترف : علي مع الحق ...

أخرج العلامة الحافظ ابن عساكر وآخرون من أعلام الحديث والتاريخ من أهل السنة باسنادهم قالوا : حج معاوية بن أبي سفيان فمر بالمدينة فجلس في مجلس فيه سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس ، فالتفت إلى عبد الله بن عباس فقال : يا ابن عباس ، إنك لم تعرف حقنا من باطل غيرنا ...

وقرعه ابن عباس بجواب فحار منه معاوية ، فتركه وأقبل على سعد فقال : يا أبا إسحاق ، أنت الذي لم تعرف حقنا وجلس فلم يكن معنا ولا علينا.

فقال سعد : فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول لعلي : أنت مع الحق والحق معك حيثما دار.

فقال معاوية : لتاتيني على هذا ببينة.

فقال : سعد : هذه أم سلمة تشهد على رسول الله صلى الله عليه واله ، فقاموا جميعا فدخلوا على ام سلمة فقالوا : يا ام المؤمنين ، إن الاكاذيب قد كثرت على رسول الله صلى الله عليه واله وهذا سعد يذكر عن رسول الله صلى الله عليه واله ما لم نسمعه انه قال ـ لعلي ـ : أنت مع الحق والحق معك حيثما دار.

__________________

١٦٢ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ : ١٧٠ ـ ١٧١ ، فرائد السمطين ١ : ٣٧١ باب «٦٨» ح ٣٠٢ ، جواهر العقدين : القسم الثاني : ٢٠٥ ، الصواعق المحرقة : ١٧٩ واكتفى ابن حجر في كتابه هذا بذكر حديث المنزلة فقط ، نظم درر السمطين : ١٣٤ ، فيض القدير ٣ : ٤٦ ح ٢٧٠٥ «أنا مدينة العلم وعلي بابها».

(١) فتح الباري في شرح صحيح البخاري ٧ : ٧٠.

١٥٠

فقالت ام سلمة : في بيتي هذا ، قال رسول الله صلى الله عليه واله لعلي عليه السلام.

فقال معاوية لسعد : يا أبا إسحاق ، ما كان ألوم الآن ـ أي انك يا سعد ألوم الناس عندي ـ إذ سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه واله وجلست عن علي عليه السلام ، لو سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه واله لكنت خادما لعلي عليه السلام حتى أموت (١).

وروى المسعودي عن محمد بن جرير الطبري ، عن ابن أبي نجيح ، قال : لما حج معاوية وطاف بالبيت ومعه سعد ، فلما فرغ انصرف معاوية إلى دار الندوة ، فاجلسه معه على سريره ، ووقع معاوية في علي عليه السلام وشرع في سبه (٢).

فزحف سعد ، ثم قال : أجلستني معك على سريرك ثم شرعت في سب علي عليه السلام ، والله لان يكون في خصلة واحدة من خصال كانت لعلي عليه السلام أحب إلي من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس ، والله لان أكون صهرا لرسول الله صلى الله عليه واله وان لي من الولد ما لعلي أحب إلي من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس.

والله لان يكون رسول الله صلى الله عليه واله قال لي ما قال له يوم خيبر : لاعطين الراية غدا رجلا يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله ، ليس بفرار ، يفتح الله على يديه ، أحب إلي من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس.

والله لان يكون رسول الله صلى الله عليه واله قال لي ما قال له في غزوة تبوك : ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا انه لا نبي بعدي؟ أحب إلي من أن يكون لي

__________________

(١) تاريخ مدينة دمشق ٢٠ : ٣٦٠ ترجمة سعد بن أبي وقاص ، المناقب للسروي ٣ : ٦٢ أخرجه عن كتاب اعتقاد أهل السنة لعبد العزيز الاشهي الشافعي ، مجمع الزوائد ٧ : ٢٣٥ عن مسند البزار ، أرجح المطالب : ٦٠٠ عن ابن مردويه ، إحقاق الحق ٥ : ٦٣١ أخرجه عن مفتاح النجاة للبدخشي : ٦٦.

(٢) روى ابن حجر في فتح الباري ٧ : ٦٠ لما طلب معاوية من سعد أن يسب عليا قال سعد : لو وضع المنشار على مفرقي على ان اسب عليا ما سببته أبدا ... (المعرب)

١٥١

ما طلعت عليه الشمس.

وأيم الله لا دخلت لك دارا ما بقيت ، ثم نهض.

وزاد المسعودي فقال : وجدت في كتاب علي بن محمد بن سليمان النوفلي في الاخبار : ان سعدا لما قال هذه المقالة لمعاوية ونهض ليقوم ضرط له معاوية وقال له : اقعد حتى تسمع جواب ما قلت ، ما كنت عندي قط ألام منك الان ، فهلا نصرته؟ ولم قعدت عن بيعته؟ فاني لو سمعت من النبي صلى الله عليه واله مثل الذي سمعت فيه لكنت خادما لعلي عليه السلام ما عشت (١).

أقول : وقد استجاب الله دعاء المؤمنين : اللهم اشغل الظالمين بالظالمين ، ليامن الناس من شرهم ، واستنادهم إلى الحكمة القائلة : الفضل ما شهدت به الاعداء ، التي تكشف عن بيان حقيقة علو رتبة صاحبها ، فترى ان معاوية بن أبي سفيان وسعد بن أبي وقاص ـ كلاهما ظلم عليا عليه السلام حقه ـ يتنازعان في علي عليه السلام ، وكل منهما يحتج على الاخر ويخطئه بذكر فضائل الامام علي عليه السلام.

وأما معاوية وإن كان هو الاخر قد سمع هذه المناقب العلوية مثل حديث المنزلة من رسول الله صلى الله عليه واله كما روى في أكثر من عشر مصادر عن معاوية.

إلا انه أنكر في هذه الرواية تقريعا لسعد بن أبي وقاص حيث قال له : فاني لو سمعت من النبي صلى الله عليه واله مثل الذي سمعت فيه لكنت خادما لعلي ما عشت.

ويجدر بنا أن نبارك لمعاوية هذا الاعتراف باهمية حديث المنزلة وحديث أنت مع الحق ، وتحقيره لسعد بن أبي وقاص بانه أحقر وأشام إنسان ذلك بسبب تخلفه عن بيعة علي عليه السلام ونصرته.

__________________

(١) مروج الذهب ٣ : ١٤ في ذكر خلافة معاوية بن أبي سفيان ، تذكرة الخواص ١٨ ـ ١٩ رواه بالاجمال.

١٥٢

ولا يخفى ان معاوية هو أحقر وأشام من سعد لانه لو لم يكن قد سمع بحديث أنت مع الحق وحديث المنزلة قبل سماعه من ام المؤمنين ام سلمة زوج الرسول التي يعتمد على روايتها الشيعة والسند لكانت المسالة هينة ولكنه قد سمع وتغاضى عنه وهو في الحين نفسه سن سنته السيئة «لعن أمير المؤمنين عليه السلام وسبه على المنابر وفي صلاة الجمع» دامت سبعين سنة بحيث لما أمر الخليفة الاموي عمر بن عبد العزيز بالكف عن شتم علي عليه السلام على المنابر فقط صاح به الناس الذين تأسوا بمعاوية وقالوا : تركت السنة وغيرتها (١).

فعلى هذا فلو كان لحديث «أنت مع الحق» و «المنزلة» هذه الدرجة من الاهمية بحيث يتمنى معاوية أنه لو كان قد سمعه من النبي صلى الله عليه واله أن يخدم عليا عليه السلام مدى حياته ، إذن فلا ريب أن مخالفة علي عليه السلام والانحراف عنه تعتبر إنكارا للحق ، فكيف إذا آلت هذه المخالفة إلى محاربته وقتال أصحابه وسبه والامر بلعنه عليه السلام الذي سنة معاوية.

فهل هو شئ غير الكفر ومخالفة الاسلام والنبي صلى الله عليه واله؟

٤ ـ معاوية يعترف بفضائل علي عليه السلام ويعطي جائزة للشاعر

أخرج العلامة الجويني بسنده قال : اجتمع الطرماح الطائي وهشام المرادي ومحمد بن عبد الله الحميري ـ وهم من أشهر شعراء العرب ـ عند معاوية ، فاخرج ـ معاوية ـ بدرة ووضعها بين يديه فقال : يا شعراء العرب ، قولوا قولكم في علي بن أبي طالب عليه السلام ولا تقولوا إلا الحق ، فانا نفي عن صخر بن حرب ـ أي اني لست ابن صخر ـ إن أعطيت هذه البدرة إلا من قال الحق في علي عليه السلام :

فقام الطرماح فتكلم في علي عليه السلام ووقع فيه!!

فقال له معاوية : اجلس فقد علم الله نيتك ورأي مكانك.

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ١٣ : ٢٢٠ ـ ٢٢٢.

١٥٣

ثم قام هشام المرادي فقال ووقع فيه.

فقال له معاوية : اجلس مع صاحبك قد علم الله نيتكما ورأى مكانكما.

ثم قال عمرو بن العاص لمحمد بن عبد الله الحميري ـ وكان خاصا به ، وهذا الحميري هو جد السيد المرتضى لامه ـ : تكلم ولا تقل إلا الحق في علي عليه السلام.

ثم قال : يا معاوية ، قد آليت أن لا تعطي هذه البدرة إلا قائل الحق في علي عليه السلام؟

قال معاوية : نعم ، أنا نفي من صخر بن حرب إن أعطيت هذه البدرة إلا من قال الحق في علي عليه السلام.

فقام محمد بن عبد الله فتكلم فقال :

بحق محمد قولوا بحق

فان الافك من شيم اللئام

أبعد محمد بابي وامي

رسول الله ذي الشرف التهامي

أليس علي أفضل خلق ربي

وأشرف عند تحصيل الانام؟

ولايته هي الايمان حقا

فذرني من أباطيل الكلام

وطاعة ربنا فيها وفيها

شفاء للقلوب من السقام

علي إمامنا بابي وامي

أبو الحسن المطهر من حرام

إمام هدى أتاه الله علما

به عرف الحلال من الحرام

ولو أني قتلت النفس حبا

له ما كان فيها من أثام

يحل النار قوم أبغضوه

وإن صلوا وصاموا ألف عام

ولا والله لا تزكوا صلاة

بغير ولاية العدل الامام

أمير المؤمنين بك اعتمادي

وبالغر الميامين اعتصامي

١٥٤

فهذا القول لي دين وهذا

إلى لقياك يا ربي كلامي

برأت من الذي عادى عليا

وحاربه من أولاد الطغام

تناسوا نصبه في يوم «خم»

من الباري ومن خير الانام

برغم الانف من يشنا كلامي

علي فضله كالبحر طامي

وأبرأ من اناس أخروه

وكان هو المقدم بالمقام

علي هزم الابطال لما

رأوا في كفه برق الحسام

فقال معاوية : أنت أصدقهم قولا فخذ البدرة (١).

أقول : الابيات الخمس الاخيرة قد حذفت من كتاب فرائد السمطين الذي طبع في الاونة الاخيرة وهي موجودة في النسخة الخطية التي اعتمدها العلامة الاميني في غديره والقصيدة بكاملها ١٧ بيتا نقلها الجويني من الخصائص العلوية على سائر البرية للحافظ أبي عبد الله محمد بن أحمد النطنزي.

٥ ـ معاوية يعترف : علي عليه السلام أكرم الناس أبا وأما

أخرج العلامة المحدث البيهقي وقال : قال معاوية ذات يوم وعنده أشراف الناس من قريش وغيرهم : أخبروني بخير الناس أبا واما وعما وعمة وخالا وخالة وجدا وجدة.

فقام مالك بن عجلان فاوما إلى الحسن عليه السلام فقال : ها هوذا ، أبوه علي بن أبي طالب عليه السلام ، وامه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه واله ، وعمه جعفر الطيار في الجنات ، وعمته ام هانئ بنت أبي طالب ، وخاله القاسم بن رسول الله صلى الله عليه واله ، وخالته زينب بنت

__________________

(١) فرائد السمطين ١ : ٣٧٥ باب «٦٨» ح ٣٠٥ ، الغدير ٢ : ١٧٧ ، بحار الانوار ٣٣ : ٢٥٨ ح ٥٣١ ، بشارة المصطفى : ١١ وقد زيد فيه بيتا آخر ، وهو :

على آل الرسول صلاة ربي

صلاة بالكمال وبالتمام

١٥٥

رسول الله صلى الله عليه واله ، وجده رسول الله صلى الله عليه واله ، وجدته خديجة بنت خويلد عليها السلام.

فسكت القوم ونهض الحسن عليه السلام فاقبل عمرو بن العاص على مالك فقال : حب بني هاشم حملك على أن تكلمت بالباطل؟

فقال ابن عجلان : ما قلت إلا حقا ، وما أحد من الناس يطلب مرضاة مخلوق بمعصية الخالق إلا لم يعط امنيته في دنياه وختم له بالشقاء في آخرته ، بنو هاشم أنصرهم عودا ، وأوراهم عودا ، أليس كذلك ، يا معاوية؟

قال ـ معاوية ـ : نعم (١).

وأخرج ابن عساكر الدمشقي في تاريخه حديثا قريبا لهذا الحديث (٢).

وروى العلامة ابن عبد ربه الاندلسي حديثا آخر ولعله غير المذكور آنفا قال فيه :

سال معاوية يوما جلساءه : من أكرم الناس أبا واما وجدا وجدة وعما وعمه وخالا وخالة؟

فقالوا : أنت أعلم.

فاخذ ـ معاوية ـ بيد الحسن بن علي عليه السلام وقال : هذا!! أبوه علي بن أبي طالب عليه السلام ، وامه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه واله ، وجده رسول الله صلى الله عليه واله ، وجدته خديجة زوجة رسول الله صلى الله عليه واله ، وعمه جعفر ، وعمته هالة بنت أبي طالب ، وخاله القاسم بن رسول الله صلى الله عليه واله ، وخالته زينب بنت رسول الله صلى الله عليه واله (٣).

أقول : هذا الحديث وإن كان يتعلق بذكر الامام الحسن عليه السلام ولكن لما كان فيه

__________________

(١) المحاسن والمساوئ : ٨٢ ـ ٨٣.

(٢) تاريخ مدينة دمشق ١٣ : ٢٤٠ ، ترجمة الامام علي عليه السلام لابن عساكر ٣ : ١٢١ في الهامش ، ترجمة الامام الحسن عليه السلام لابن عساكر : ١٣٨ ح ٢٢٩.

(٣) العقد الفريد ٥ : ٨٧.

١٥٦

اعتراف معاوية بان الامام علي عليه السلام أبو الامام الحسن عليه السلام هو أكرم الناس طرا وهو مما يتناسب بموضوع هذا الكتاب أدرجناه هنا.

٦ ـ معاوية يعترف بفضل علي عليه السلام ويترحم عليه

روى السيد الشريف الرضي في نهج البلاغة ، وغيره من أعلام الحديث وأرباب السير والتاريخ في مؤلفاتهم : أن ضرار بن حمزة ـ أو ضمرة وهو من أصحاب الامام علي عليه السلام وشيعته ـ دخل ذات يوم على معاوية بن أبي سفيان وكان ذلك بعد شهادة أمير المؤمنين عليه السلام.

فقال معاوية لضرار بن ضمرة : صف لي عليا؟

فقال ضرار : أو تعفيني؟ قال : بل صفه.

قال : أو تعفيني؟ قال : لا أعفيك.

فبدأ ضرار بذكر فضائل الامام وخلقه وأدبه ثم قال : واشهد بالله لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله وغارت نجومه وهو قائم في محرابه قابض على لحيته يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الحزين وكاني أسمه وهو يقول : يا دنيا يا دنيا ، إليك عني ، أبي تعرضت أم إلي تشوقت؟ لا حان حينك ، هيهات هيهات غري غيري ، لا حاجة لي فيك ، قد طلقتك ثلاثا لا رجعة فيها ، فعيشك قصير وخطرك يسير وأملك حقير ، آه من قلة الزاد ، وطول الطريق ، وبعد السفر ، وعظيم المورد (١).

فذرفت دموع معاوية حتى خرت على لحيته فما يملكها وهو ينشفها بكمه

__________________

(١) نهج البلاغة تحقيق صبحي الصالح : ٤٨٠ قصار الحكم «٧٧».

١٥٧

وقد اختنق القوم بالبكاء ، ثم قال معاوية : رحم الله أبا الحسن كان والله كذلك. فكيف حزنك عليه يا ضرار؟

قال : حزن من ذبح ولدها في حجرها فلا ترقا عبرتها ولا يسكن حزنها (١).

٧ : معاوية يعترف : علي عليه السلام أفصح وأشجع وأسخى الناس طرا

أخرج العلامة الحافظ ابن عساكر باسناده عن أبي إسحاق قال : قدم ابن اجور التميمي إلى معاوية بن أبي سفيان وقال : يا أمير المؤمنين ، جئتك من عند ألام الناس ، وأبخل الناس ، وأعيى الناس ، وأجبن الناس ـ يقصد بذلك علي عليه السلام ـ.

فقال له معاوية : ويلك وأنى أتاه اللؤم؟ ولكنا نتحدث أن لو كان لعلي عليه السلام بيت من تبن وآخر من تبر لانفد التبر قبل بيت التبن.

وأنى له العي وإن كنا نتحدث انه ما جرت المواسي على رأس رجل من قريش أفصح من علي عليه السلام.

ويلك وأنى أتاه الجبن وما برز له رجل قط إلا صرعه؟

والله يابن اجور لو لا الحرب خدعة لضربت عنقك ، اخرج فلا تقيمن في بلدي (٢).

__________________

(١) مروج الذهب ٣ : ١٦ ، الاستيعاب ٣ : ١١٠٧ ترجمة الامام علي بن أبي طالب عليه السلام رقم ١٨٥٥ ، الفتوحات الاسلامية ٢ : ٤٥٣ ـ ٤٥٨ ، ربيع الابرار ١ : ٩٧ ، شرح نهج البلاغة ١٨ : ٢٢٤ ـ ٢٢٦ ، صفة الصفوة ١ : ٣١٥ ، الرياض النضرة ٣ : ١٨٧ ، حلية الاولياء ١ : ٨٤ ـ ٨٥ ، ذخائر العقبى : ١٠٠ ، الصواعق المحرقة : ١٣١ ـ ١٣٢ ، الاتحاف بحب الاشراف : ٢٥ ، المستطرف للابشيهي ١ : ١٣٧ ، نظر درر السمطين : ١٣٤ ـ ١٣٥ ، الامالي للصدوق : ٧٢٤ ح ٩٩٠ ، كنز الفوائد ٢ : ١٦٠.

(٢) تاريخ مدينة دمشق ٤٢ : ٤١٤ ترجمة الامام علي عليه السلام ، شرح نهج البلاغة ١ : ٢٤ ـ ٢٥ و ٦ : ٢٧٩.

١٥٨

٨ ـ معاوية يعترف : علي عليه السلام سن الفصاحة للعرب

أخرج العلامة ابن أبي الحديد : لما قال محفن بن أبي محفن لمعاوية : جئتك من عند أعيى الناس ، والظاهر أن معاوية ساءله : من أين أتيت؟ قال ذلك في جوابه ـ ويقصد بأعيى الناس الامام علي عليه السلام ـ :

قال له معاوية : ويحك!! كيف يكون أعيى الناس؟! يابن اللخناء ، العلي تقول هذا؟! فو الله ما سن الفصاحة لقريش غيره.

وقال لمحفن بن أبي محفن ـ لما قال له : جئتك من عند أبخل الناس ـ : ويحك! كيف تقول إنه أبخل الناس؟! لو ملك بيتا من تبر وبيتا من تبن لانفد تبره قبل تبنه (١).

وقال ابن قتيبة : ذكروا ان عبد الله بن أبي محجن الثقفي قدم على معاوية فقال : يا أمير المؤمنين ، إني أتيتك من عند الغبي الجبان البخيل ابن أبي طالب.

فقال معاوية : لله أنت!! أتدري ما قلت؟.

أما قولك «الغبي» ، فو الله لو أن ألسن الناس جمعت فجعلت لسانا واحدا لكفاها لسان علي عليه السلام.

وأما قولك «إنه جبان» : فيكلتك امك هل رأيت أحدا قط بارزه إلا قتله؟ وأما قولك «إنه بخيل» ، فو الله لو كان له بيتان أحدهما من تبر والاخر من تبن لانفد تبره قبل تبنه.

فقال ابن أبي محجن الثقفي : فعلام تقاتله إذا؟

قال : على دم عثمان ، وعلى هذا الخاتم الذي من جعله في يده جازت طينته

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ١ : ٢٢.

١٥٩

وأطعم عياله ، وادخر لاهله.

فضحك الثقفي ثم لحق بعلي عليه السلام (١).

٩ ـ معاوية يعترف : علي وبنيه خير خلق الله وعترة نبيه

أخرج العلامة الحافظ ابن عساكر بسنده عن جابر قال : كنا عند معاوية فذكر علي عليه السلام فاحسن ذكره وذكر أبيه وامه ثم قال : وكيف لا أقول هذا لهم وهم خيار خلق الله وعترة نبيه أخيار أبنا أخيار (وفي النسخة الخطية) وعنده بنيه أخيار أبناء أخيار (٢).

١٠ ـ معاوية يعترف : علي عليه السلام يجيب مسائل ملك الروم

روى العلامة السروي : كتب ملك الروم الى معاوية يساله عن خصال ، فكان فيما ساله : أخبرني عن لا شئ ، فتحير معاوية وعجز عن الجواب ، وكان آنذاك في صفين.

فقال عمرو بن العاص : وجه فرسا الى معسكر علي عليه السلام ليباع ـ أي يبيع الفرس ـ فإذا قيل للذي هو معه بكم؟ يقول : بلا شئ فعسى أن تخرج المسالة.

فجاء الرجل ـ المرسل بالمسالة ـ الى عسكر علي عليه السلام إذ مر به علي عليه السلام ومعه قنبر فقال : يا قنبر ، ساومه.

فقال قنبر : بكم الفرس؟

قال : بلا شئ.

قال علي عليه السلام : يا قنبر ، خذ منه.

__________________

(١) الامامة والسياسة : ١٠١ ، محاضرات الادباء ٢ : ٣٨٧.

(٢) تاريخ مدينة دمشق ٤٢ : ٤١٥ ترجمة الامام علي عليه السلام.

١٦٠