بلاغات النساء

أبي الفضل أحمد بن أبي طاهر [ ابن طيفور ]

بلاغات النساء

المؤلف:

أبي الفضل أحمد بن أبي طاهر [ ابن طيفور ]


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: مكتبة بصيرتي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٢٤

لتحمدن عاقبة شأنك وليس من قال فكذب كمن حدث فصدق وأنت بالتجاوز جدير ونحن للعفو منك أهل فاستر على الحرمة تستتم النعمة فوالله ما يرفعك القول ولا يضعك وان قريشا لتعلم انك عابدها وشجاعها ولسانها حاط الله دنياك وعصم اخراك والهمك شكر ما أولاك

حدثني أحمد بن جعفر بن سليمان الهاشمي قال كانت زينب بنت علي تقول من اراد ان يكون الخلق شفعاءه الى الله فليحمده الم تسمع الى قولهم سمع لمن حمده فخف الله لقدرته عليك واستح منه لقربه منك

ذكر الرياشي عن الاصمعي عن ابان بن تغلب قال خرجت في طلب الكلاء فانتهيت الى ماء من مياه كلب وإذا اعرابي على ذلك الماء ومعه كتاب منشور يقرؤه عليهم وجعل يتوعدهم فقالت له امه وهي في خبائها وكانت مقعدة كبرا ويلك دعني من اساطيرك لا تحمل عقوبتك على من لم يحمل عليك ولا تتطاول على من لم يتطاول عليك فانك لا تدري ما تقربك إليه حوادث الدهور ولعل من صيرك الى هذا اليوم ان يصير غيرك الى مثله غدا فينتقم منك اكثر مما انتقمت منه فاكفف عما اسمع منك الم تسمع الى قول الاول

لا تعاد الفقير علك ان

تركع يوما والدهر قدر رفعه

قال ابان فقضيت العجب من كلامها وبلاغتها (وقال الرياشي) عن الاصمعي عن ابان بن تغلب قال جلست الى اعرابية كانت تعرف بالبلاغة فمر بها رجل من قومها يسحب حلة عليه فقالت يا صاحب الحلة ان الكرم واللؤم ليسا في بردتك هذه ولكنهما تحتها فليحسن فعلك يحسن لباسك ولو لبست طمرا ما شانك (حدثني) عبد الله بن أحمد بن حرب

٤١

عن اسعد بن المفضل بن مهزم بن خالد عن مهدي قال قلت لولادة العبدية وكانت من اعقل النساء إني اريد الحج فاوصيني قالت أأوجز فابلغ أم اطيل فاحكم فقلت بما شئت فقال ابن اخ لها الحلة لباس فاخلعي عليه فقالت جد تسد واصبر تفز قلت ايضا قالت يتعد غضبك حلمك ولا هواك علمك وق دينك بدنياك ووفر عرضك بعرضك وتفضل تخدم واحلم تقدم قلت فمن استعين قالت الله قلت من الناس قالت الجلد النشيط والناصح الامين قلت فمن استشير قالت المجرب الكيس أو الاديب ولو الصغير قلت فمن استصحب قالت الصديق الملم أو المداجى المتكرم ثم قالت يا ابناه انك تفد الى ملك الملوك فانظر كيف يكون مقامك بين يديه (عمر بن شبة) قال حدثني أحمد بن معاوية قال حدثني محمد بن داوود بن علي وابوه جعف اليمامي وأحمد بن الحارث عن محمد بن زياد الاعرابي قالا وقفت امراة من الاعراب من هوازن على عبد الرحمن بن أبي بكرة فقالت اصلحك الله اقبلت من ارض شاسعة ترفعني رافعة وتخفضني خافضة بملحات من البلاد وملمات من الدهور برين عظمي واذهبن لحمي وتركنني والها وانزلني الى الحضيض وقد ضاق بى البلد العريض لا عشيرة تحميني ولا حميم يكنفني فسالت في احياء العرب من المرجو سيبه المأمون غيبه المكفي سائله الكريمة شمائله المأمول نائله فارشدت اليك وانا امراة من هوازن مات الوافد وغاب الرافد ومثلك من سد الخلة وفك الغلة فاصنع احدى ثلاث أما ان تقيم من أودي أو تحسن صفدي أو تردني الى بلدي قال بل اجمعهن لك وحبا وقال العباس بن الفرج الرياشي حدثنا محمد بن عباد المهلبي قال وقفت اعرابية فقالت

٤٢

بعدت شقتي وظهرت محارمي وبلغ نسيسي والله سائلكم عن مقامي (وحدثني) هارون بن مسلم عن العتبي قال سألت اعرابية فقالت سائلتكم تسألكم القليل الذي يوجب لكم الكثير ورحم الله واحدا اعان محقا (حماد) بن اسحاق عن أبيه قال حدثني النضر بن حديد عن العتبي قال وقفت علينا اعرابية فقالت يا قوم تغير بنا الدهر إذ قل منا الشكر ولزمنا الفقر فرحم الله من فهم بعقل واعطى من فضل وآثر من كفاف واعان على عفاف

(قصة أم معبد ووصفها النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبلاغتها في صفته)

حدثني عبد الله بن عمرو عن الحسن بن عثمان قال حدثني بشر بن محمد بن ابان بن مسلم قال حدثني عبد الملك بن وهب المذحجي الكوفي عن الحر بن التياح النخعي عن أبيه عن معبد الخزاعي ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج ليلة هاجر من مكة الى المدينة ومعه أبو بكر رحمه الله وعامر بن فهيرة وفي رواية اخرى قال وحدثنا مكرم بن محرز المهدي بن عبد الرحمن بن عمرو بن خويلد الخزاعي قال حدثني أبي محرز بن المهدي عن حزام بن هشام وحبيش عن أبيه هشام عن جده حبيش بن خالد صاحب النبي صلى الله عليه وآله وسلم انه صلى الله عليه وآله وسلم حين اخرج منها مهاجرا الى المدينة هو وأبو بكر ومولى أبي بكر عامر بن فهيرة ودليلهما الليثي عبد الله بن اريقط فمروا على خيمة أم معبد الخزاعية وكانت إمراة برزة جلدة تحتبي بفناء الكعبة ثم تسقى وتطعم فسألوها لحما وثمرا ليشتروه منها فلم يصيبوا عندها شيئا من ذلك وكان القوم مرملين مسنتين فنظر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الى شاة في كسر الخيمة فقال ما هذه يا أم معبد قالت شاة خلفها الجهد

٤٣

عن الغنم قال هل بها من لبن قالت هي اجهد من ذلك قال اتأذنين لي ان أحلبها قالت بأبي وأمي أنت نعم ان رأيت بها من حلب فاحلبها فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالشاة فمسح ضرعها وسمى الله ودعا لها في شاتها فتفاجت عليه ودرت واجترت ودعا بإناء يربص الرهط فحلب فيه ثجا حتى غلبه الثمال ثم سقاها حتى رويت وسقى اصحابه حتى رووا ثم شرب آخرهم وقال ساقي القوم آخرهم فشربوا جميعا عللا بعد نهل ثم اراضوا ثم حلب فيه ثانيا عودا على بدء حتى ملا الاناء ثم غادره عندها وبايعها وارتحلوا عنها فقل ما لبثت حتى جاء زوجها أبو معبد يسوق اعنزا حيلا عجافا هزالا مخهن قليل ولا نقى بهن فلما رأى أبو معبد اللبن عجب وقال من اين هذا يا أم معبد والشاة عازبة حيال ولا حلوبة في البيت فقالت لا والله إلا انه مر بنا رجل مبارك كان من حديثه كيت وكيت قال صفيه لي يا أم معبد فقالت رأيت رجلا ظاهر الوضاءة ابلج الوجه حسن الخلق لم تعبه ثجلة ولم تزر به صقلة وسيما قسيما في عينيه دعج وفي اشفاره وطف وفي صوته صحل وفي عنقه سطع وفي لحيته كثاثة احور اكحل ازج اقرن ان صمت فعليه الوقار وان تكلم سما وعلاه البها فهو اجمل الناس وابهاه من بعيد واحلاه واحسنه من قريب حلو المنطق فصل لا نزر ولا هذر منطقه خرزات نظم يتحدرن ربعة ولا تشنؤه من طول ولا تقتحمه العين من قصر غصن بين غصنين فهو انظر الثلاثة منظرا واحسنهم قدا له رفقاء يحفون به ان قال انصتوا لقوله وان أمر تبادروا الى امره محفود محشود لا عابس ومفند صلى الله عليه وآله وسلم قال أبو معبد هو والله صاحب قريش الذي ذكر لنا من أمره بمكة ما ذكر ولو كنت وافقته

٤٤

لالتمست صحبته ولافعلن ان وجدت الى ذلك سبيلا قال واصبح صوت بمكة عاليا بين السماء والارض يسمعون الصوت ولا يدرون من يقوله وهو يقول

جزى الله رب الناس خير جزائه

رفيقين قالا خيمة أم معبد

هما نزلا بالبر وارتحلا به

ففاز الذي امسى رفيق محمد

فيا لقصي ما زوى الله عنكم

به من فعال لا يجارى وسؤدده

ليهن بني كعب مقام فتاتهم

ومقعدها للمؤمنين بمرصد

سلوا اختكم عن شاتها وانائها

فانكم ان تسألوا الشاة تشهد

دعاها بشاة حائل فتحلبت

له عن صريح ضرة الشاة مزبد

فغادرها رهنا لديها لحالب

يرددها في مصدر ثم مورد

قال فأصبح الناس قد فقدوا نبيهم (ص) واخذوا على خيمة أم معبد حتى لحقوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاجابه حسان بن ثابت

لقد خاب قوم زال عنهم نبيهم

وقدس من يسري إليهم ويغتدي

ترحل عن قوم فضلت عقولهم

وحل على قوم بنور مجدد

هداهم به بعد الضلالة ربهم

وارشدهم من يتبع الحق يرشد

وهل يستوي ضلال قوم تسفهوا

بهاد يقتدي به كل مهتدي

وقال ابن أبو سعد في روايته بكسا عمى وهداه يقتدى كل مقتدى (كذا ورد)

وقد نزلت منه على أهل يثرب

ركاب هدى حلت عليهم بأسعد

نبي يرى ما لا يرى الناس حوله

ويتلو كتاب الله في كل مشهد

فإن قال في يوم مقالة غائب

فتصديقها في اليوم أو في ضحى الغد

٤٥

ليهن أبا بكر سعادة جده

بصحبته من يسعد الله يسعد

ويهن بني سعد مقام فتاتهم

ومقعدها للمؤمنين بمرصد

سمعت محمد بن حبيب مولى بن هاشم يذكر عن أبي عبد الله محمد بن زياد الاعرابي قال قيل لامير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) كيف لم يصف أحد النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما وصفته أم معبد فقال لأن النساء يصفن الرجال بأهوائهن فيجدن في صفاتهن

(قصة رؤيا رقيقة بنت نباتة وبلاغتها في قصصها)

حدثونا عن يعقوب بن محمد الزهري عن عبد العزيز بن ربيع وعن أبي حويصة قال تحدث مخرمة بن نوفل ان امه رقيقة بنت نباتة وكانت لدة عبد المطلب قالت تتابعت على قريش سنون اقحلت الضرع وارقت العظم فبينا انا راقدة مهومة إذا بهاتف صيت بصوت صحل يقول معشر قريش ان هذا النبي المبعوث منكم وهذا ابان نجومه فحي هل بالحيا والخصب ألا فانظروا منكم رجلا طوالا عظاما ابيض بضا أوطف الاهداب سهل الخدين له سنة تدعو إليه وفضل يدل عليه ألا فليدلف إليه من كل بطن رجل ألا ثم ليسنوا من الماء وليلتمسوا الركن وليرتقوا أبا قبيس ألا ليدع الرجل وليؤمن القوم ألا فافعلوا إذا ما شئتم قالت فاصبحت ذلك على ذلك مفراة مذعورة قد قب جلدي ووله عقلي فقصصت رؤياي فنمت في شعاب مكة فو الحرمة والحرم ان بقي بها ابطحي إلا قال هذا شيبة الحمد فتتامت عنده قريش وانقض إليه من كل بطن رجل فتسنوا والتمسوا الركن وارتقى أبا قبيس فطفق القوم يدفون حوله ما ان يستوسقهم مهله حتى قر بذروته واستوكفوا جنابيه ومعه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

٤٦

وهو يومئذ غلام حين ايفع أو هم أو كرب فقام عبد المطلب فقال اللهم ساد الخلة وكاشف الكربة أنت عالم غير معلم ومسؤول غير مبخل وهذه عبداؤك واماؤك بعذرات حرمك يشكون اليك سنتهم التي اكلت الظلف والخف اللهم وأمطرنا غيثا مريعا مغدقا قالت فماراموا والبيت حتى انفجرت السماء بمائها وكظ الوادي فاسمعهم بثجيجه فسمعت شيخان قريش وجلتها وهي تقول هنيئا لك أبا البطحاء هنيئا لك أي عاش بك أهل البطحاء وفي ذلك تقول رقيقة

بشيبة الحمد اسقى الله بلدتنا

وقد فقدنا الحياء واجلوذ المطر

فجاد بالماء جون له سيل

فانتعشت به الانعام والشجر

من من الله بالميمون طائره

وخير من بشرت يوما به مضر

مبارك الامر يستسقى الغمام به

ما في الانام له شبه ولا خطر

(كلام امراة أبي الاسود الدؤلي)

أبو صالح زكريا بن أبي صالح البلدي قال قال أبو محمد القشيري كان أبو الاسود الدؤلي من اكبر الناس عند معاوية بن أبي سفيان واقربهم مجلسا وكان لا ينطق إلا بعقل ولا يتكلم إلا بعد فهم فبينا هو ذات يوم جالسا وعنده وجوه قريش واشراف العرب إذ اقبلت امراة أبي الاسود الدؤلي حتى حاذت معاوية وقالت السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته ان الله جعلك خليفة في البلاد ورقيبا على العباد يستسقى بك المطر ويستثبت بك الشجر وتؤلف بك الاهواء ويأمن بك الخائف ويردع بك الجانف فانت الخليفة المصطفى والامام المرتضى فاسأل الله لك النعمة في غير تغيير والعافية من غير تعذير لقد ألجأني اليك

٤٧

يا أمير المؤمنين أمر ضاق علي فيه المنهج وتفاقم علي فيه المخرج لامر كرهت عاره لما خشيت اظهاره فلينصفني أمير المؤمنين من الخصم فاني اعوذ بعقوته من العار الوبيل والامر الجليل الذي يشتد على الحرائر ذوات البعول الا جائر فقال لها معاوية ومن بعلك هذا الذي تصفين من امره المنكر ومن فعله المشهر قال فقالت هو أبو الاسود الدؤلي قال فالتفت إليه فقال يا أبا الاسود ما تقول هذه المراة قال أبو الاسود هي تقول من الحق بعضا ولن يستطيع أحد عليها نقضا أما ما ذكرت من طلاقها فهو حق وأنا مخبر أمير المؤمنين عنه بالصدق والله يا أمير المؤمنين ما طلقتها عن ريبة ظهرت ولا لاي هفوة حضرت ولكني كرهت شمائلها فقطعت عنى حبائلها فقال معاوية وأي شمائلها يا أبا الاسود كرهت قال يا أمير انك مهيجها علي بجواب عتيد ولسان شديد فقال له معاوية لا بد لك من محاورتها فاردد عليها قولها عند مراجعتها فقال أبو الاسود يا أمير المؤمنين انها كثيرة الصخب دائمة الذرب مهينة للاهل مؤذية للبعل مسيئة الى الجار مظهرة للعار ان رأت خيرا كتمته ورأت شرا اذاعته قال فقالت والله لو لا مكان أمير المؤمنين وحضور من حضره من المسلمين لرددت عليك بوادر كلامك بنوافذ اقرع كل سهامك وان كان لا يجمل بالمراة الحرة ان تشتم بعلا ولا ان تظهر لاحد جهلا فقال معاوية عزمت عليك لما اجبته قال فقالت يا أمير المؤمنين ما علمته إلا سؤلا جهولا ملحا بخيلا ان قال فشر قائل وان سكت فذو دغائل ليث حين يأمن وثعلب حين يخاف شحيح حين يضاف ان ذكر الجود انقمع لما يعرف من قصر رشائه ولؤم ابائه ضيفه جائع وجاره ضائع

٤٨

لا يحفظ جارا ولا يحمي ذمارا ولا يدرك ثارا اكرم الناس عليه من أهانه واهونهم عليه من اكرمه قال فقال معاوية سبحان الله لما تأتي به هذه المراة من السجع قال فقال أبو الاسود اصلح الله أمير المؤمنين انها مطلقة ومن اكثر كلاما من مطلقة فقال لها معاوية إذا كان رواحا فتعالي أفصل بينك وبينه بالقضاء قال فلما كان الرواح جاءت ومعها ابنها قد احتضنته فلما رآها أبو الاسود قام إليها لينتزع ابنه منها فقال له معاوية يا أبا الاسود لا تعجل المراة ان تنطق بحجتها قال يا أمير المؤمنين انا احق بحمل ابني منها فقال له معاوية يا أبا الاسود دعها تقل فقال يا أمير المؤمنين حملته قبل ان تحمله ووضعته قبل ان تضعه قال فقالت صدق والله يا أمير المؤمنين حمله خفا وحملته ثقلا ووضعه بشهوة ووضعته كرها ان بطني لوعاؤه وان ثديي لسقاؤه وان حجري لفناؤه قال فقال معاوية سبحان الله لما تأتين به فقال أبو الاسود انها تقول الابيات من الشعر فتجيدها قال فقال معاوية انها قد غلبتك في الكلام فتكلف لها ابياتا لعلك تغلبها قال فأنشأ أبو الاسود يقول

مرحبا بالتي تجور علينا

ثم سهلا بالحامل المحمول

اغلقت بابها علي وقالت

ان خير النساء ذات البعول

شغلت نفسها علي فراغا

هل سمعتم بالفارغ المشغول

قال فأجابته وهي تقول

ليس من قال بالصواب وبالحم

ق كمن جار عن منار السبيل

كان ثديي سقاءه حين يضحى

ثم حجري فناؤه بالاصيل

لست ابغي بواحدي يا بن حرب

بدلا ما علمته والخليل

٤٩

قال فأجابها معاوية ليس

من غذاه حينا صغيرا

وسقاه من ثديه بخذول

هي اولى به واقرب رحما

من أبيه بالوحي والتنزيل

ام ما حنت عليه وقامت

هي اولى بحمل هذا الضئيل

قال فقضى لها معاوية عليه واحتملت ابنها وانصرفت

(كلام صفية بنت هشام المنقرية)

حدثني أبو الحسن بن الاعرابي الكوفي قال حدثني أبو خالد يزيد بن يحيى الخزاعي عن محمد بن مسلمة عن أبيه قال توفي الاحنف في دار عبد الله بن ابي العصيفير بالكوفة وكان مصعب بن الزبير إذ ذاك اميرا على الكوفة من قبل اخيه عبد الله بن الزبير قال فشيع مصعب بن الزبير جنازة الاحنف فخرج متسلبا في قميص بغير رداء وكانت الامراء تفعل ذلك بالسيد إذا مات قال فلما دفن الاحنف اقبلت صفية بنت هشام المنقرية على نجيب لها متخصرة وكانت بنت عم الاحنف حتى وقفت على قبره فقالت لله درك من مجن في جنن ومدرج في كفن انا لله وانا إليه راجعون جعل الله سبيل الخير سبيلك ودليل الرشد دليلك أما والذي اسأله ان يفسح لك في مدخلك وان يبارك لك في محشرك ووالذي كنت من أجله في عدة ومن الكآبة في مدة ومن الاثرة الى نهاية ومن الضمار الى غاية لقد كنت صحيح الاديم منيع الحريم عظيم السلم فاضل الحلم واري الزناد رفيع العماد وان كنت لمسودا والى الملوك لموفدا وفي المحافل شريفا وعلى الارامل عطوفا وكانت الملوك لقولك مستمعين ولرأيك متبعين ولقد عشت حميدا ودودا ومت شهيدا فقيدا اقبلت على الناس

٥٠

بوجهها فقالت عباد الله ان اولياء الله في بلاده شهود على عباده وانا لقائلون حقا ومثنون صدقا وهو أهل لطيب الثناء فعليه رحمة الله وبركاته وما مثله في الناس إلا كما قال الشاعر في قيس بن عاصم

عليك سلام الله يا قيس بن عاصم

ورحمته ما شاء ان يترحما

فما كان قيس هلكه هلك واحد

ولكنه بنيان قوم تهدما

سلام امرئ أودعته منك نعمة

إذا زار عن شحط بلادك سالما

قال فتعجب الناس من كلامها وقال فصحاؤهم تالله ما رأينا كاليوم قط ولا سمعنا أفصح ولا أبلغ من هذه قال فبعث إليها مصعب بن الزبير فخطبها الى نفسه فأبت عليه فما زال يتعاهدها ببره حتى قتل (السجستاني) عن الاصمعي عن أبان بن تغلب قال أتيت المقابر فإذا انا بصبية قد كادت تخفى بين قبرين لطافة وإذا هي تنظر بعين جؤذر فبينا هي كذلك إذ بدت لها كفان كأنهما لسان طائر باطراف كأنها المدارى وخضاب كأنه عنم ثم هبت الريح فرفعت عن برقعها فإذا بيضة نعام تحت أم رئال ثم قالت اللهم انك لم تزل قبل كل شئ وأنت بعد كل شئ وقد خلقت والدي قبلي وخلقتني بعدهما فآنستني بقربهما ما شئت ثم أوحشتني منهما إذ شئت اللهم فكن لي منهما مؤنسا وكن لي بعدهما حافظا قال فقلت يا صبية أعيدي لفظك فلم تسمع ومرت في كلامها ثم اعدت عليها فنظرت ثم قالت يا شيخ والله ما انا لك بمحرم فتحادثني محادثة اهلك اهلك اولى بك قال فاستخفيت بين القبور مستحييا مما قالت لي ثم سألت عنها فإذا هي ايم فاتيت صديقا لي فقلت له هل لك في ان يلم الله شعثك ويقر عينك قال وما ذاك قال فوصفت له الجارية وما

٥١

رأيت من عقلها وسمعت من كلامها فقلت له ابغض من مالك عشرة آلاف درهم فاني ارجو ان تكون أحمد مالك عاقبة قال فقال قد فعلت فخرجنا جميعا انا وهو حتى اتينا الخباء فإذا نحن بعمها فعرضنا عليه ذلك فقال يا هؤلاء والله ما لنا في أمورنا ولا انفسنا شئ معها فكيف فيها ولكن اعرضوا عليها ما وصفتم ثم دخل الخباء فقال ها هي ذه قد خرجت تسمع ما تقولون قال فجلست خلف سجف لها ثم قالت اللهم حي العصابة بالسلام واجزل لهم الثواب في دار المقام قل يا عم فاقبل عليها عمها فقال أي مفداة هذا عمك ونظير ابيك وقد خطبك علي ابن عمك نظيرك وقد بذل لك من الصداق عشرة آلاف درهم قال فاقبلت عليه فقالت يا عم اضرت بك الحاجة حتى طمعت طمعا اخل بمروءتك اتزوجني غلاما حضريا يغلبني بفطنته ويصول علي بمقدرته ويمنن علي بتفضله ويقول يا هنة بنت الهنة كلا ان الله واسع كريم قال فرجعنا والله مدحوضي الحجة مردودين الحاجة (وقال الاصمعي) عن ابان بن تغلب قال سمعت امراة توصي ابنا لها واراد سفرا فقالت أي بني اوصيك بتقوى الله فإن قليله اجدى عليك من كثير عقلك وإياك والنمائم فانها تورث الضغائن وتفرق بين المحبين ومثل لنفسك مثال ما تستحسن لغيرك ثم اتخذه اماما وما تستقبح من غيرك فاجتنبه واياك التعرض للعيوب فتصير نفسك غرضا وخليق ان لا يلبث الغرض على كثرة السهام واياك والبخل بمالك والجود بدينك فقالت اعرابية معها اسألك إلا زدته يا فلانة في وصيتك قالت أي والله والعذر اقبح ما يعامل به الاخوان وكفى بالوفاء جامعا لما تشتت من الاخاء ومن جمع الحلم والسخاء فقد استجاد الحلة والفجور اقبح حلة وابقى عارا

٥٢

(وقال) الاصمعي عن ابان بن تغلب قال اضللت ابلا لي فخرجت في بغائها فإذا انا بجارية اعشي اشراق وجهها بصري فقالت ما لك يا عبد الله وما بغيتك قلت ضللت ابلا لي فانا في طلبها فقالت ادلك على من علمها عنده قلت إذا تستوجبي الاجر وتكتسبي الحمد والشكر فقالت سل الذي اعطاكهن فهو الذي اخذهن منك من طريق اليقين لا من طريق الاختبار فانه ان شاء فعل قال فاعجبني ما رأيت من عقلها وسمعت من فصاحتها فقلت لها الك بعل فقالت كان ونعم البعل كان فدعى الى ماله خلق فأجاب فقلت لها فهل لك في بعل لا تذم خلائقه ولا تخاف بوائقه قال فاطرقت طويلا ثم قالت

كنا كغصنين في ساق غذاؤهما

ماء الجداول في روضات جنات

فاجتث خيرهما من اصل صاحبه

دهر يكر بفرحات وترحات

وكان عاهدني ان خانني زمن

ان لا يضاجع انثى بعد مثواتي

وكنت عاهدته ايضا فعاجله

ريب المنون قريبا مذ سنيات

فاصرف عتابك عمن ليس يردعها

عن الوفاء خلاب بالتحيات

(كلام جمعة وهند بنتا الخس)

قال محمد بن زياد الاعرابي أبو عبد الله وافت جمعه وهند بنتا الخس عكاظ في الجاهلية فاجتمعا عند القلمس الكناني فقال لهما اني سائلكما لاعلم ايكما ابسط لسانا واظهر بيانا واحسن للصفة إتقانا قالتا سلنا عما بدا لك فستجد عندنا عقولا ذكية والسنة قوية وصفة جلية قال القلمس أي الابل احب اليك يا جمعة قالت احب كل قراسية دوسر ملاحك الخلق عشنزر ململم مثل ملمومة المرمر ذي شقشقة مفرفر مصعب الون مدلى

٥٣

المشفر قال القلمس كيف تسمعين يا هند قالت نعم الجمل هذا في الشقة البعيدة والمسافة الشديدة وفي السباسب الجديبة وغيره احب الي قال فقولي فقالت احب كل ذي كاهل رفيع ملزز الخلق جميع محتمل ضليع يقل الرغاء ويعتسف البيداء وينهض بالاعباء قال القلمس كلتاكما محسنة فأي ذكور الابل ابغض اليك يا جمعة قالت ابغض القصير القامة الصغير الهامة السريع السآمة الاجب الظهر كالنعامة قال القلمس كيف تسمعين يا هند قالت وصفت جملا غير فحل ولا نجيب ولا شهم ولا صليب ولا رايع ولا عجيب وغيره ابغض الي منه قال فقولي قالت ابغض الضعيف المضطرب الذي كل حمل عليه تعب قال القلمس كلتاكما محسنة فأي النوق احب اليك يا جمعة قالت احب كل ناقة علكوم علنداة كتوم مثل الجمل الحجوم العظيم العيهوم يخلط بين الشد والرسيم في تيه المهامه والديموم قال القلمس كيف تسمعين يا هند قالت هذه صفه ناقة صاحبها خليق ان لا يهمه سفر ولا يسبقه خبر ولا يهوله خطر ولا يفوته ظفر وغيرها احب الي منها قال فقولي قالت احبها ضخمة مثل الجوسق شدقها مثل شدق النقنق مدمج خلقها موثق كثيرة الهباب ناجية الذهاب وشيكة الاياب قال القلمس كلتاكما محسنة فأي ذكور الخيل احب اليك يا جمعة قالت احب المنسوب جده الاسيل خده السريع شده الطويل مده الشديد هده الجميل قده قال القلمس كيف تسمعين يا هند قالت هذا فرس خليق ان طلب لم يلحق وان جورى لم يسبق وان بوهى لم يفق وغيره احب الي منه قال فقولي قالت احب الوثيق الخلق الكريم العرق الكثير السبق الشديد الذلق يمر من البرق قال كلتاكما محسنة فأي اناث الخيل احب اليك يا جمعة

٥٤

قالت احب كل حيية الفؤاد سبوح جواد سلسة القياد شديدة الاعتماد في الدفع والاشتداد ذات هباب وثماد قال القلمس كيف تسمعين يا هند قالت هذه فرس صاحبها خليق ان لا يفوته أمر ويهوله ذعر إذا شاء كر وإذا هاب فر وغيرها احب الي منها قال فقولي قالت احب الشديد اسرها البعيد صبرها القليل فترها الجميل قدرها السريع مرها المخوف كرها قال القلمس كلتاكما محسنة فأي ذكور الخيل ابغض اليك يا جمعة قالت ابغض كل بليد وارم الوريد ذا وكال شديد لا ينجيك هاربا ولا تظفر به طالبا ولا يسرك شاهدا ولا غائبا قال القلمس كيف تسمعين يا هند قالت هذا فرس امساكه بلاء وعلاجه عناء وركوبه شقاء وغيره ابغض الي منه قال فقولي قالت ابغض السريع البهر البطئ الحصر السكيت الطفر قال القلمس كلتاكما محسنة فأي المعزى احب اليك يا جمعة قالت احب ذات الزنمتين المنفوخة الجنبين المذكرة القرنين الدقيقة الطبيين تروى الولدين وتشبع أهل البيتين قال القلمس كيف تسمعين يا هند قالت هذه عنز رجل خليق ان تمتلئ اوطابه ويدوم شرابه ويخصب اصحابه وغيرها احب الي منها قال فقولي قالت احب ذات الضرع العريض ثقيل في الربيض مترع يفيض ليس بمنزوف ولا مغيض قال كلتاكما محسنة فأي السحاب احسن في عينك يا جمعة قالت احب كل ركام ملتف أسحم رجاف مسف يكاد يمسه من قام بالكف قال كيف تسمعين يا هند قالت وصفت سحابا مسترخى العزالى كثير التهاطل غزير السجال وغيره احب الي منه قال فقولي قالت احب كل صبير دلاح مثعنجر نضاح متجاوب النواحي كأن برقه ضوء مصباح قال القلمس كلتاكما محسنة فأي النساء

٥٥

احب اليك يا جمعة قالت احب الغريرة العذراء الرعبوبة العيطاء الممكورة اللفاء ذات الجمال والبهاء والستر والحياء البضة الرخصة كأنها فضة بيضاء قال كيف تسمعين يا هند قالت وصفت جارية هي حاجة الفتى ونهية الرضاء وغيرها احب الي منها قال فقولي قالت احب كل مشبعة الخلخال ذات شكل ودلال وظرف وبهاء وجمال قال القلمس كلتاكما محسنة فأي النساء ابغض اليك جمعة قالت ابغض كل سلفع بذية جاهلة غبية حريصة دنية غير كريمة ولا سرية ولا ستيرة ولا حيية قال كيف تسمعين يا هند قالت وصفت امراة صاحبها خليق ان لا تصلح له حال ولا ينعم له بال ولا يثمر له مال وغيرها ابغض الي منها قال فقولي قالت ابغض المتجرفة الشوهاء المنفوحة الكبداء العنفص الوقصاء الحمشة الزلاء التي ان ولدت لم تنجب وان زجرت لم تعتتب وان تركت طفقت تصخب القلمس كلتاكما محسنة فأي الرجال احب اليك جمعة قالت احب الحر النجيب السهل القريب السمح الحسيب الفطن الاريب المصقع الخطيب الشجاع المهيب قال القلمس كيف تسمعين يا هند قالت وصفت رجلا سيدا جوادا ينهض الى الخير صاعدا ويسرك غائبا وشاهدا وغيره احب الي منه قال فقولي قالت احب الرحب الزراع الطويل الباع السخي النفاع المنيع الدفاع والدهمثي المطاع البطل الشجاع الذي يحل باليفاع ويهين في الحمد المتاع قال كلتاكما محسنة فأي الرجال ابغض اليك يا جمعة قالت ابغض السأالة اللئيم البغيض الزنيم الاشوه الدميم الظاهر العصوم الضعيف الحيزوم قال كيف تسمعين يا هند قالت ذكرت رجلا خطره صغير وخطبه يسير وعيبه كثير وأنت ببغضه جدير وغيره ابغض الي منه قال فقولي قالت

٥٦

ابغض الضعيف النخاع القصير الباع الاحمق المضياع الذي لا يكرم ولا يطاع قال القلمس كلتاكما محسنة فهل تقولان من الشعر شيئا قالتا نعم قال فقولي يا جمعة فقالت

اشد وجوه القول عند ذوي الحجى

مقالة ذي لب يقول فيوجز

وافضل غنم يستفاد ويبتغى

ذخيرة عقل يحتويها ويحرز

وخير خلال المرء صدق لسانه

وللصدق فضل يستبين ويبرز

وانجازك الموعود من سبب الغنى

فكن موفيا بالوعد تعطى وتنجز

ولا خير في حريريك بشاشة

ويطعن من خلف عليك ويلمز

إذا المرء لم يسطع سياسة نفسه

فان به عن غيرها هو اعجز

وكم من وقور يقمع الجهل حلمه

وآخر من طيش الى الجهل يجمز

وكم من اصيل الرأي طلق لسانه

بصير بحسن القول حين يميز

وآخر مأفون يلوك لسانه

ويعجن بالكوعين نوكا ويخبز

وكم من اخى شر قد أوثق نفسه

وآخر ذخر الخير يحوي ويكنز

يفر الفتى والموت يطلب نفسه

سيدركه لا شك يوما فيجهز

قال القلمس قد احسنت يا جمعة فقولي أنت يا هند فقالت

وجدت وخير القول في الحكم نافع

ذوي الطول مما قد يعم ويلبس

وليس الفتى عندي بشئ أعده

إذا كان ذا مال من العقل مفلس

وذو الجبن مما يسعر الحرب نفخه

يهيج منها نارها ثم يخنس

وكم من كثير المال يقبض كفه

وكم من قليل المال يعطي ويسلس

وكم من صغير تزدريه لعله

يهيج كبيرا شره متبجس

وكم من مراء ذي صلاح وعفة

يخاتل بالتقوى هوى الذئب الاملس

٥٧

وآخر ذي طمرين صاحب نية

يجود باعمال التقى ثم ينفس

وكم من سفيه للجماعة مفسد

يدب لشر بينهم ويوسوس

وذو الظلم مذموم النثا ظاهر الخنا

غنى عن الحسنى وبالشر يعرس

قال القلمس قد احسنتما فزيديني يا جمعة قالت

رأيت بني الدنيا كاحلام نائم

وكالفئ يدنو ظله ثم يقلص

وكل مقيم في الحياة وعيشها

بلا شك يوما انه سوف يشخص

يفر الفتى من خشية الموت والردى

وللموت حتف كل حي سيغفض

اتاه حمام الموت يسعى بحتفه

وقد كان مغرورا بدنيا تربص

كأنك في دار الحياة مخلد

وقد بان منها من مضى وتقنصوا

لقد افسد الدنيا وعيش نعيمها

فجائع تترى تعترى وتنغص

ألا رب مرزوق بغير تكلف

وآخر محروم يجد ويحرص

فقالت هند

لقد ايقنت نفس غير باطل

وان عاش حينا انه سوف يهلك

ويشرب بالكأس الذعاف شرابها

ويركب حد الموت كرها ويسلك

وكم من اخى دنيا يثمر ماله

سيورث ذاك المال رغما ويترك

عليك بافعال الكرام ولينهم

ولا تك مشكاسا تلج وتمحك

ولا تك مزاحا لدى القوم لعبة

تظل اخا هزء بنفسك يضحك

تخوض بجهل سادرا في فكاهة

وتدخل في غي الغواة وتشرك

ألا رب ذي حظ يبصر فعله

وآخر مصروف في الحظ يؤفك

فقال احسنتما واجملتما فبارك الله فيكما ووصلهما وحباهما

٥٨

(كلام آمنة بنت الشريد)

قال حدثنا العباس بن بكار قال حدثنا أبو بكر الهذلي عن الزهري وسهل بن أبي سهل التميمي عن أبيه قالا لما قتل علي بن أبي طالب (عليه السلام) بعث معاوية في طلب شيعته فكان في من طلب عمر بن الحمق الخزاعي فراغ منه فارسل الى امرأته آمنة بنت الشريد فحبسها في سجن دمشق سنتين ثم أن عبد الرحمن بن الحكم ظفر بعمر بن الحمق في بعض الجزيرة فقتله وبعث برأسه الى معاوية وهو أول رأس حمل في الاسلام فلما اتى معاوية الرسول بالرأس بعث به الى آمنة في السجن وقال للحرسي احفظ ما تكلم به حتى تؤديه الي واطرح الرأس في حجرها ففعل هذا فارتاعت له ساعة ثم وضعت يدها رأسها وقالت وا حزنا لصغره في دار هوان وضيق من ضيمه سلطان نفيتموه عني طويلا واهديتموه الي قتيلا فاهلا وسهلا بمن كنت له غير قالية وأنا له اليوم غير ناسية ارجع به ايها الرسول الى معاوية فقل له ولا تطوه دونه أيتم الله ولدك وأوحش منك اهلك ولا غفر لك ذنبك فرجع الرسول الى معاوية فاخبره بما قالت فارسل إليها فأتته وعنده نفر فيهم اياس حسل اخو مالك بن حسل وكان في شدقيه نتوء عن فيه لعظم كان في لسانه وثقل إذا تكلم فقال لها معاوية أأنت يا عدوة الله صاحبة الكلام الذي بلغني قالت نعم غير نازعة ولا معتذرة منه ولا منكرة له فلعمري لقد اجتهدت في الدعاء ان نفع الاجتهاد وان الحق لمن وراء العباد وما بلغت شيئا من جزائك وان الله بالنقمة من ورائك فاعرض عنها معاوية فقال اياس اقتل هذه يا أمير المؤمنين فو الله ما كان زوجها احق بالقتل منها فالتفتت إليه فلما

٥٩

رأته ناتئ الشدقين ثقيل اللسان قالت تبا لك ويلك بين لحيتيك كجثمان الضفدع ثم أنت تدعوه الى قتلي كما قتل زوجي بالامس ان تريد إلا ان تكون جبارا في الأرض وما تريد ان تكون من المصلحين فضحك معاوية ثم قال لله درك اخرجي ثم لا اسمع بك شئ من الشام قالت وأبي لاخرجن ثم لا تسمع لي في شئ من الشام فما الشام لي بحبيب ولا اعرج فيها على حميم وما هي لي بوطن ولا أحن فيها الى سكن ولقد عظم فيها ديتي وما قرت فيها عيني وما أنا فيها اليك بعائدة ولا حيث كنت بحامدة فاشار إليها ببنانه اخرجي فخرجت وهي تقول واعجبي لمعاوية يكف عني لسانه ويشير الى الخروج ببنانه أما والله ليعارضنه عمرو بكلام مؤيد سديد أوجع من نوافذ الحديد أو ما أنا بابنة الشريد فخرجت وتلقاها الاسود الهلالي وكان رجلا اسود اصلع اسلع اصعل فسمعها وهي تقول ما تقول فقال لمن تعني هذه الأمير المؤمنين تعني عليها لعنة الله فالتفتت إليه فلما راته قالت خزيا لك وجدعا أتلعنني واللعنة بين جنبيك وما بين قرنيك الى قدميك اخسأ يا هامة الصعل ووجه الجعل فأذلل بك نصيرا واقلل بك ظهيرا فبهت الاسلع ينظر إليها ثم سأل عنها فاخبر فاقبل إليها معتذرا خوفا من لسانها فقالت قد قبلت عذرك وان تعد اعد ثم لا استقيل ولا أراقب فيك فبلغ ذلك معاوية فقال زعمت يا اسلع انك لا تواقف من يغلبك أما علمت ان حرارة المتبول ليست بمخالسة نوافذ الكلام عند مواقف الخصام أفلا تركت كلامها قبل البصبصة منها والاعتذار إليها قال أي والله يا أمير المؤمنين لم اكن ارى شيئا من النساء يبلغ من معاضيل الكلام ما بلغت هذه المرأة حالستها فإذا هي تحمل قلبا شديدا ولسانا

٦٠