أخبار الزّمان

أبو الحسن علي بن الحسين بن علي الهذلي المسعودي

أخبار الزّمان

المؤلف:

أبو الحسن علي بن الحسين بن علي الهذلي المسعودي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدريّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٢٧٩

الموضع الذي تريده من بلاد الصين.

وأول مرسا تنزله خانقوا وماؤها عذب من أنهار عذبة وفي كلها أمن ومصالح وشجر وعمارة وزرع ، وفي تلك الميناء (١) أودية كلها تدور [بين] جزيرتين في اليوم والليلة ، وفي هذا المرسا اسواق وتجار وخروج ودخول ، وتجارات تحط ، ومراكب تذهب وتجئ.

وجزيرة خلنجان فيما بين سرنديب وفلنتن ببلاد الهند فيها قوم سود عراة إذا وقع إليهم إنسان عربي (٢) من غير بلادهم ، علقوه من كسائه وقطعوه قطعا ، وليس لهم ملك.

وغذاؤهم السمك والموز والنار جيل وقصب السكر ، وبها آجام تنبت الخيزران ، وهم عراة لا يستترون بشئ ، وبقرب الصين موضع من البحر يقال له منجي وهو أخبث البحار وأكثرها رياحا وموجا ومضايقا وجبالا ، تتطاير منه إلى المراكب صبيان مثل صبيان الزنج ، طول أحدهم نحو خمسة أشبار يخرجون من الماء ويتواثبون إلى المراكب ويدورون فيها ، ولا يؤذون أحدا ثم يعودون إلى البحر ، فإذا كان ذلك منهم وظهروا كان ذلك علامة لاخبث الرياح عندهم ، فيستعدون ويأخذون أهبتهم ، ويخففون المراكب ، ويلقون بعض ما فيها ويقطعون من الذقل ذراعا أو ذراعين إن خافوا كسرها.

ويقولون أيضا إنهم إذا رأوا على دور المكان سمكة يقال لها البليقة يكون منها ما طوله مائة ذراع في عرض عشرين ذراعا وينبت على ظهرها الحجارة ، وربما تعرضت للمراكب فكسرتها.

وزعموا أنها ربما قربت من الساحل وهي لا تعلم ، فتندفع بقوتها تتبع لبعض

__________________

(١) في ب : الماء ودية ولعل الصواب ما ذكرناه.

(٢) كذا في ب ، ت ولعل الصواب غريب والرسم لا يأباه.

٦١

السمك هارب منها فلا تشعر الا وقد حصلت في البر بجملتها فلا يمكنها الرجوع فتهلك.

فإذا كان كذلك قطع لحمها وذوب في القدور فيذوب لحمها كله ، ويصير دهنا ينتفع به في المراكب وغيرها.

وجزيرة بقرب الزنج فيها جبل يقال لها جبل النار يظهر منه بالنهار دخان وبالليل لهب نار ، فلا يقدر أحد على الدنو منه.

وجزيرة المدر وهم سودان ولهم مدينة لها بارند ، وأهل هذا البلد يقطعون الطريق ويسبون ويقتلون.

فالمراكب الصينية يعد فيها التجار السلاح والنفط ، وربما كان في المراكب أربعمائة نفس من التجار وخمسمائة مقاتل ، فلا يطمع فيهم ، ويطمع في سواهم ، وتغتال سفينتهم.

وجزيرة الرانج وهي جزيرة عظيمة كثيرة الاهل والزرع والتجارات ويقال إنها لما فسد من بالصين بالخوارج والهرج صارت المراكب الصينية تقصد جزيرة الرانج هذه ويقاتلون أهلها وكذلك جزائرها كلها ومدائنها.

وأصبح أبواب الصين في التجارات الباب الذي يدخل منه إلى خانقوا وهو أقرب ، ومن دخل من غيره بعد الطريق عليه.

وجزائر الرانج كثيرة منها جزيرة تعرف بسديدة ، تكسيرها أربعمائة فرسخ وبها متاجر وطيب.

وجزيرة الرامي أيضا عامرة يقال إن تكسيرها ثمانية فراسخ فيها منابت البقم وفيها الكافور والاوفاوية وتكسيرها ثمانون فرسخا.

وجزيرة كله ، يقال إنها النصف بين أرض الصين وأرض العرب وتكسيرها ثمانون فرسخا.

٦٢

وبكله مجتمع الامتعة من العود والكافور والصندل والعاج والرصاص القلعي والآبنوس والبقم ، والجهاز إليها في هذا الوقت من عمان.

وجزيرة المهراج الذي هو ملك هذه الجزيرة ، وهي جزيرة كبيرة في غاية العمارة والخصب.

حكي عن بعض التجار الذين يوثق بقولهم أن الديكة إذا غردت بها في الاسحار تجاوبت من نحو مائة فرسخ لاتصال عمارتها ، وانتظام قراها لا مفاوز فيها ولا خراب ، وأن المسافر يسافر فيها بلا زاد ، وينزل حيث أراد.

وفي جزيرة سرنديب موضع يجتمع إليه أهليها يتدارسون فيه سريانياتهم ، وقصص ملوكهم في الزمن السالف وبها صنم عظيم من ذهب مبلغ وزنه وقدر الجوهر الذي عليه مائة رطل وهو في هيكل لهم وفيها مواضع أخرى يجتمع فيها اليهود وأهل الملك يتدارسون فيها علومهم ويتكلمون في أديانهم ، والملك يبيح لهم ذلك وفي هذه الجزيرة أعناب يقال لها أعناب سرنديب ، والعنب واد عظيم يجوز المجتاز في هذا العنب شهرين وأكثر في رياض وغياض وهواء معتدل ، والشاة عندهم بنصف درهم ، وأكثر عملهم القمار بالنرد والشطرنج ، ويستزير (١) الرجل المرأة بعلم أهلها وجزيرة الرانج جزيرة كبيرة واسعة ، وكلما يزرع فيها من ذرة وقصب وسائر النبات فهو أسود ، ولهم في جزائرهم قوم يعرفون بالمخرمين قد خرمت أنوفهم ، وقد أتموا أسلحتهم ويأخذ بطرف كل سلسلة يجره ويمنعه من التقدم حتى يسفر السفراء (٢) بينهم فان وقع الصلح وإلا شدت تلك السلاسل في أعناقهم

__________________

(١) في ب ويستريد.

(٢) في ب : يصفر الصفراء والصواب ما ذكرناه.

٦٣

وتركوا للحرب ، فلم تقم لهم قائمة ، ويأكلون من وقعت عليه نهشا ، ولا يزول أحدهم من مركزه دون أن يقتل.

وللعرب في قلوب الزنج هيبة عظيمة ، فإذا عاينوا رجلا منهم سجدوا له وقالوا هذا إبن مملكة تنبت في بلادهم شجر التمر ، لجلالة التمر في صدورهم ولان العرب إنما يصرفون صبيانهم بالتمر.

وفيهم خطباء بلغاء بألسنتهم ، ومن يتعبد منهم يستتر بجلد نمر ، ويأخذ بيده عصا ، ويجتمع إليه الناس ويقف على رجله من أول النهار إلى الليل يخطب ويذكرهم الله تعالى ، ويذكر لهم أمور من ملك منهم ، ومن مضى من الملوك.

وجزيرة سقطرى وبها منابت الصبر السقطري ، وموضعها بين بلاد الزنج وبين بلاد العرب ، وأكثر أهلها نصارى.

والسبب في ذلك ان الاسكندر لما غلب على ملوك فارس وقتل فور (١) الهندي ، وكان يكاتب ارسطاطاليس بما يجري من امره ، ويعرفه بما وقف عليه وغلبه عليه من الممالك ، وكان ارسطاطاليس يكتب إليه ويؤكد عليه في طلب جزيرة في البحر تعرف بسقطرى لان بها منابت الصبر السقطري ، وبها الدواء العظيم الذي لا تتم الايارجات إلا به ، وأن الجزيرة إن وجدها لا ينتقل عنها حتى يصلح عمارتها ويسكنها قوما من اليونانيين ويطوف (٢) لهم بملكها والحفظ لها (٣) ففعل الاسكندر ذلك ، وتقدم إلى ملوك الطوائف بالاحتفاظ بها ، وكان ذلك حتى بعث السيد عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم وتنصرف الروم ودخل هؤلاء في الجملة وتنصروا مع الناس فبقاياهم بها إلى هذا الوقت مع سائر من يسكنها من عندهم ، وفي البحر الكبير الذي عن يمين الخارج من عمان جزائر

__________________

(١) في ب : قوز. والصواب ما ذكرناه كما هو معروف في كتب التاريخ.

(٢) لعل الصواب ويصدق.

(٣) في ب : بها.

٦٤

كثيرة ، وهي تحاذي بلاد الشجر فيها منابت اللبان ، وما يتصل بذلك من ارض عاد وجرهم والتبابعة.

وفيها قوم من العرب وهم في هذه الجزيرة في قشعمة وضيق عيش إلى أن تتصل بعمان وسواحل اليمن فيتسع امرهم قليلا ، وعيش هؤلاء من السمك ومن نبات عندهم ، وربما وقع إليهم العنبر فباعوه من أصحاب المراكب.

وبحر اليمن متصل ببحر البحار والقلزم ، وينقطع هناك ، ومن عجائب الجزائر التي في هذا البحر جزيرة يقال لها سلطا منها قوم يسمع كلامهم وضجيجهم وتصرفهم في معاشهم ، ومن وصل إليهم يخاطبهم ويخاطبونه ولا يراهم ، وسئلوا عن أمرهم فذكروا أنهم من الانس ، وأنهم كانوا بعث إليهم نبي يقال له سافر بن جردول (١) فآمنوا به وهم على دينه.

وإذا نزل الغريب إليهم جعلوا له من الزاد في ليلة ما يكفيه ثلاث ليال تمرا في نهاية الحلاوة والطيب ونارجيلا وطيورا مشوية على قدر اليمام ، أطيب مضغة من اليمام ، وإذا أراد من وقع عندهم الرجوع إلى أهله سيق له مركب واكثرهم لا يتجه له المسير عنهم حتى يحمل وإن لم يحملوه أقام على حاله ولم يسر إلى بلاد غيرها لطيب الموضع وكثرة الخير ، وقد عرف ذلك البحريون.

وجزيرة فرش ، وهو شجر عرفت به الجزيرة يحمل ثمرا في خلق اللوز إلا أنه اكبر منه ، يؤكل بقشره فيقوم مقام كل دواء ، ومن أكل منه لم يمرض إلى موته ولم يهرم ، وإن كان شعره أبيض عاد أسود ، ولهذه الجزيرة ملك يمنع منها ، وذكر أن بعض ملوك أهل الهند جلبه وزرعه فأورق ولم يثمر وجزيرة الدهان وهو شيطان في صورة الانسان راكب على ظهر طائر يشبه النعامة وعلى قدرها ، يأكل لحوم الناس وإذا طرحهم البحر رفعهم إلى

__________________

(١) الرسم يحتمل أن يقرأ : ساور بن جردول.

أخبار الزمان ـ م (٥)

٦٥

موضع لا خلاص لهم منه وأكلهم واحدا بعد واحد عند إرادته ، ويأكلهم أحياء.

وحكي أن البحر حمل مركبا إلى تلك الجزيرة وقد كانوا سمعوا به ، فلما أتاهم وقفوا على مركبهم ورموه وحاربوه وصبروا على قتاله ، فصاح بهم صيحة سقطوا منها مغشيين على وجوههم ، وجعل عبرهم إلى موضع عادته.

وكان فيهم رجل صالح فدعا الله عليه فهلك من حينه ، وصار موضعه ذلك مطلبا لما معه من أموال الناس وأمتعتهم.

وجزيرة الضريف ، وهي جزيرة تلوح لاصحاب المراكب فيطلبونها حتى إذا ظنوا أنهم قد قربوا منها تباعدت عنهم ، وربما أقاموا كذلك أياما لا يقدرون على الوصول إليها ولا يقول أحد من أهل البحر إنه وصل إليها ولا دخلها ، وهم يرون فيها شخوصا ودوابا وعمارة وشجرا.

وجزيرة البيدج فيها صنم من زجاج أخضر يجري من عينيه دمع على ممر الايام يقول البحريون إنه يبكي على قومه لانهم كانوا يعبدونه فغزاهم بعض الملوك فاستباهم وقتلهم وأراد كسر الصنم ، فكانوا إذا ضربوه بشئ لم يعمل فيه وعاد الضرب إلى وجوههم فتركوه ، وإذا دخلت الريح إلى أذنيه صفر تصفيرا عجيبا.

وجزيرة سرهانة ، بها عمارة وشجر وأكثر أهلها أوانيهم ذهب ، وثيابهم منسوجة بالذهب ، وسلاحهم أعمدة ذهب ، ولهم ملك متى وقع لهم من يريد الخروج بشئ منه دفعه عنه.

ومن الجزائر ببلاد الغرب صقلية وهى جزيرة كبيرة دورها أكثر من خمسة عشر يوما ، ومملكتها واسعة ولها جبال وأشجار وأنهار ومزارع ، وهي بازاء افريقية ، وبها جبل البركان لا يزال يظهر دخانه بالنهار وناره

٦٦

بالليل ويطير منه في البحر شرارات ، وهي حجارة سود مثقبة مثل الاسفنج (١) تطفو على الماء فتحملها الناس إلى البلاد يحكون بها في الحمامات أقدامهم.

وربما خرج من هذا البركان فيدخل في البحر فيحرق كلما صادف من دوابه وحيتانه ، فتلقيه الامواج إلى الساحل ، فلا يقدر أحد على الدنو من هذا الموضع وجزيرة سردانية ، وهي جزيرة كبيرة مسيرة عشرين يوما وفيها شجر وعيون وزروع وجبال وتجارات.

وجزيرة أقريطش ، وهي في بحر الروم ، وبها جبال ومعدن ذهب وأنهار وثمار ، وهي اثنا عشر يوما في ستة أيام ، وفي البحر الكبير جزيرة ترى على بعد في البحر فإذا قرب منها القاصد بعدت عنه وغابت ، فإذ رجع إلى الموضع الذى كان فيه رآها كما كان يراها قبل.

وقيل إن بها شجرا يطلع بطلوع الشمس ولا يزال طالعا إلى نصف النهار ثم يعود إلى الانحطاط حتى تغيب الشمس ، ويقول البحريون إن في ذلك البحر سمكة صغيرة يقال لها السائل إذا حملها الانسان مع نفسه أبصر الجزيرة ولم تغب عنه ودخلها ، وهذا شئ عجيب ظريف.

وجزيرة طاوراق ، وهو ملك له أربعة آلاف امرأة ، ومن لم يكن له ذلك فليس بملك ويتفاخرون بكثرة الاولاد ، وعندهم اشجار إذا أكلوا منها قووا على الباه قوة عجيبة.

وجزيرة السيارة ، والبحريون مجمعون (٢) عليها ، منهم من يذكر أنه رآها مرارا كثيرة وليس بمسكون فيها. وهي جزيرة فيها جبال وعمارة ، فإذا هبت الريح من الغرب صارت إلى الشرق ، وإذا ذهبت من الشرق صارت إلى الغرب ، هذا دأبها.

__________________

(١) في ب : الاسفنجة.

(٢) في ب : مجموعون.

٦٧

ويقال إن حجارتها خفيفة يكون الحجر العظيم الذي وزنه عندنا قناطير يزن عدة أرطال واقل من ذلك ويحمل الانسان القطعة العظيمة من الجبل.

وذكر بعض اليهود لعنهم الله من أصحاب التجارات أن مركبهم انكسر بهم في بعض السنين ، وان البحر طرحهم إلى جزيرة ترابها وحجارتها وكل ما فيها ذهب ، فأقاموا فيها أياما لا يجدون غذاء غير السمك وهو مع كل ذلك قليل ، فلما خافوا على أنفسهم التلف وكانوا مع ذلك سلم لهم زورق للمركب فجروه عندهم فأسقوه من ذلك الذهب وثقلوه بالطمع فوق ما يحمل ، ثم دخلوا به البحر واجتهدوا في طلب النجاة فلم يسيروا به إلا يسيرا حتى عطب بهم الزورق وتلف الذهب ولم ينج منهم إلا بعضهم من أهل السباحة نحو مهب الريح من إلى الساحل.

وذكروا أن في جزائر الكافور قوما يأكلون الناس ، ويأخذون رؤسهم فيجعلون فيها الكافور والطيب ويعلقونها في بيوتهم ويعبدونها ، فإذا عزموا على أمر من الامور أخذوا رأسا من تلك الرؤس ، فكبروا له وسجدوا بين يديه ، وسألوه عما يريدونه ، فيخبرهم بكل ما سألوه عنه من خير وشر. وجزيرة النساء ، وهذه الجزيرة في تخوم من الصين ، وحكوا عنها أنه لم يسكنها إلا النساء ، وأنهن يلقحن الريح ويلدون نساء ، وقيل إنهن يلقحن من الريح (١).

وزعموا ان الذهب عروق عندهم مثل الخزران ، وتربتها ذهب ، وأنه وقع إليهن مرة رجل فهممن بقتله ، فرحمته امرأة منهن وحملته على خشبة وسلمته (٢) في البحر فحملته الامواج والرياح ، حتى أتت به بلاد الصين فدخل إلى ملك الصين وعرفه حال الجزيرة ، فوجه المراكب في طلبها ، فطافت تطلبها ثلاثة أشهر فما وقعوا لها على خبر ولا أثر.

__________________

(١) هكذا وقع التكرار في الاصول.

(٢) لعل الصواب سيبة.

٦٨

وجزيرة ابن أسعلاق ، فيها شخص مشوه لا يدري ما هو ، ذكر قوم أنه شيطان تجسد بين الجن والانس ، وزعم قوم أنه خلق بحري مشوه مقارب لصورة الانسان ، وانه يأكل من وقع إليه من الناس.

وفي خبر ذي القرنين : ان مراكبه وقعت إلى جزيرة بيضاء نقية ذات أنهار واشجار واثمار ، وفيهم خلق على خلق الانسان في الا نتصاب ، رؤوسهم مثل رءوس السباع والكلاب ، فلما دنوا منهم غابوا عن ابصارهم ، وبوسط الجزيرة نهر شديد البياض بشاطئه شجرة عظيمة فيها من كل ثمرة طيبة لذيذة الطعم مشرقة بأنواع الالوان ورقها كالخلال (١) كبرا ولينا وحسنا ، والشجرة تسير بسير الشمس من الغد والى الزوال ، فإذا زالت الشمس تقلصت وانحطت ، بانحطاط الشمس ، وغابت بعد نبتها ، وثمرها احلى من العسل والين من الزبد ، وورقها اطيب رائحة من المسك ، فجمعوا من ورقها كثيرا ليحملوه إلى الاسكندر ، فضربوا وظهرت عليهم اثار الضرب ولم يروا من يضربهم وصيح بهم «ردوا ما قد اخذتم من هذه الشجرة ولا تتعرضوا لها فتهلكوا» فردوا ما كان اخذوه من ذلك وركبوا مركبهم وساروا.

ودخل الاسكندر جزيرة العباد فوجدها قفارا (٢) غير حشيش فيها وغدران ووجد فيها قوما قد نهكتهم العبادة وصاروا كالحمم من سواد الالوان ، فوقف بهم وسلم عليهم فردوا عليه ، فقال لهم ما عيشكم في بلادكم هذه؟ فقالوا ما يأتينا من رزق من اسماك البحر وضروب الحشيش ، وما نشربه من ماء هذه الغدران ، قال أفلا انقلكم إلى موضع اخصب لكم من هذا المكان ، فقالوا وما نصنع به إن عندنا في جزيرتنا هذه ما نغني به عن جميع العالم ، ويكفيهم لو انهم وصلوا إليه ، قال : وما هو؟ قال : فانطلقوا به إلى واد لهم يسرج من الوان الدر والياقوت فوق ما تتوهم

__________________

(١) كالحلك.

(٢) في ب : غفارا.

٦٩

النفس ، وأخرجوه من هناك إلى أرض واسعة كثيرة الفواكه فيها من أصناف الثمرات مالا يوجد مثله ببلد من البلدان ، فقالوا له أتصل بنا إلى اكثر من هذا؟ قال والله ولا إلى بعضه ، فقالوا فهذا بين أيدينا فما نلتفت إلى شئ منه ، وإنا لنؤثر الحشيش عن هذه الفواكه ، فذهب أصحابه ليأخذوا من ذلك الجوهر شيئا فمنعهم ، وودع القوم وانصرف إلى مركبه متعجبا منهم.

وحكي أنه ذكرت له جزيرة في البحر الاخضر فيها قوم حكماء فصار إليهم فرأى قوما سرابيلهم ورق الشجر وبيوتهم الكهوف ، وعليهم السكينة فسألهم عن مسائل من الحكمة فأجابوه فقال لهم سلوني ما أحببتم ، فقالوا له إنا نسألك الخلد فقال أني لي به ، ولا أقدر على زيادة نفس واحد في أنفاسي! فقالوا فعرفنا بقية آجالنا ، فقال أنا لا أعرف بقية أجلي ، فكيف لي بمعرفة أجل غيري! قالوا فامنحنا منحة تبقي لنا ما بقينا ، فقال وهذا ما لا أبلغه لنفسي فكيف لغيري! قالوا فدعنا نطلب ذلك ممن يقدر عليه!

وجعل الناس منهم يتطاولون بالنظر إلى عساكر الاسكندر ، وكان على شاطئ البحر رجل حداد لا يرفع بصره إليه ، ولا إلى شئ من عساكره فعجب الاسكندر من ذلك فأقبل عليه وقال له ما منعك من النهوض الي والنظر إلى عسكري؟ فقال له لا يعجبني ملكك فأنظر إليه! قال ولم؟ قال اني عاينت قبلك ملكا لا يبلغ ملكك ملكه ، وكان في جواري رجل مسكين لا يملك شيئا ، فمات الملك والمسكين في يوم واحد ، ودفنا في ناحية واحدة فكنت أتعاهدهما حتى بليت أكفانهما وبقيت رممهما ، ثم اختلطا فجهدت أن اعرف الملك والمسكين فلم أقدر على ذلك ، فهان علي كل ملك بعد ذلك.

قال فصناعتك تكفيك؟ قال انا اكسب بها ثلاثة دراهم كل يوم أنفق درهما واقضي درهما وأسلف درهما ، فالدرهم الذي انفق هو مؤنتي ومؤنة عيالي

٧٠

والدرهم الذي أقضيه عما يلزمني في كراء بيتي وموضع عملي ، والدرهم الذي اسلفه هو الذي انفقه على ولدي لينفقه علي إذا كبرت.

قال أفلا تنفق ذلك على اصحابك؟ قال هم لا يحتاجون إلى ذلك ، وأنا لا أحتاج إليه ، وانما يحتاج إلى ذلك من لا ينصف عن نفسه ، فأما من انصف منها فلا يحتاج إلى شئ!

فعجب ذو القرنين من حكمهم وانصرف عنهم.

ذكر آدم عليه السلام وولده

أجمع أهل الاثر أن آدم عليه السلام خلق يوم الجمعة ، لست خلون من نسيان وكساه الله لباسا من ظفره ، وأسجد له ملائكته فسجدو إلا إبليس وكان ملكا على الارض يصعد إلى السماء متى شاء فأبى من السجود لآدم ، وقال أنا كنت خليفتك على الارض وهو من تراب كنت أطؤه ، وأنا من نار وهو من طين ، فلي عليه الفضل من كل جانب ، وأفضله بالاجنجة التي أغشى بها اقطار الارض في اقل من لمح البصر ، فلما امتنع من السجود أبلسه الله ولعنه.

وخلق حواء وألبسها لباسه واسكنها الجنة لثلاث ساعات مضت من ذلك اليوم واباحهما جميع ما في الجنة الا الشجرة التي نهاهما عنها ، وهي على قول اكثر اهل العلم البر ، وكانت الحبة بقدر الاترجة فألقتهما الحية ، وكانت من أحسن دواب الجنة ، وكانت ذات قوائم.

ولما رأى آدم ما أعطيه من الكرامة اشتاق إلى الخلود فطمع فيه إبليس ، فاحتال حتى ادخله الجنة.

فخاطب حواء فيها وقال (مانها كما ربكما عن هذه الشجرة الا ان تكونا

٧١

[ملكين أو تكونا] من الخالدين ، وقاسمهما اني لكما لمن الناصحين) ولم يزل بحواء حتى اكلت من الشجرة واطعمت منها لآدم فأكل ، فلما اكلا منها انكشف لباسهما عنهما إلى اطراف اصابعهما وبدت لهما سوآتهما ، وهرب آدم في الجنة يمينا وشمالا لا يدري ما يصنع ، فتعلقت به شجرة الا ترج وحبسته بناصيته ومعه حواء ، فطفقا يأخذان من ورق الجنة ويستتران بها فقال الله عزوجل قد جعلت هذه الشجرة غذاء لكما ولذريتكما ، يعني الشجرة التي اكلا منها عاصيين فاهبطوا جميعا انتما وابليس والحية فان بعضكم لبعض عدو.

ونزع الله من الحية قوائمها فهبطوا ، فكان مقام آدم في الجنة مع حواء ثلاث ساعات ، مقدار مائتين وخمسين سنة من ايام الدنيا ، وهو ربع يوم من أيام الآخرة الذي هو ألف سنة.

فأهبط آدم على جبل سرنديب وعليه الورق المخصوف من الجنة ، فلما جف الورق وذهبت رطوبته تقطع وسقط فنسفته الريح وطرحته إلى كل جهة فنبت منه بأرض الهند أنواع الطيب والافاويه ، والتمر الذي لا يوجد إلا هناك ، وفيه العود ودواب المسك ، وحوله أصناف اليواقيت والماس ، وفي بحره مغايص اللؤلؤ.

وسمى الله آدم عبد الله وكناه أبا محمد وكان طويلا جعد الشعر أحسن من خلق الله تعالى ، فلما نزل إلى الارض نقص من لونه وحسنه وطوله.

وكان يتكلم بالعربية فحول الله عزوجل لسانه إلى السريانية ، وانتزع منه ما علمه ثم رده الله سبحانه وتعالى بعد توبته إليه.

وأهبط حواء على جدة وبيدها قبضة من جوهر الجنة فتناثر منه من يدها شئ فكانت الجواهر منه ، ونقص أيضا من حسنها وبهائها.

وأهبط إبليس ومعه قبضة من النار وعصا من بعض شجر الجنة يقال إنه

٧٢

العوسج ويقال إنها كانت من آس الجنة ، وهي التي صارت إلى موسى عليه السلام.

وأنزل معه ثلاثين قضيبا من ثمار الجنة وجعلها إكليلا على رأسه ، منها عشرة ظاهرة القشور وهي : الجوز واللوز والبندق والفستق والخشخاش والبلوط والقسطل وجوز الهند والرمان والموز.

وعشرة لها نوي وهي الخوخ والمشمش والاجاص والتمر والزعور والغبيرا والقراصيا والشاه بلوط والنبق والمقل.

وعشرة لا قشور لها نوى وهي ، التفاح والسفرجال والكمثري والعنب والتوت والاترج والخرنوب والخيار والبطيخ والبر (١) وكان أول ما خلق الله تعالى في الارض الكمثرى.

وتاب الله سبحانه وتعالى على آدم عليه السلام بعد مائة سنة : أتاه جبريل عليه السلام وعلمه الكلمات ، وهي لا إله إلا أنت عملت سوءا فاغفر لي وأنت خير الغافرين.

وقيل في طوله إنه كان يبلغ السماء فلما أهبط إلى الارض. جعل طوله مائتين وسبعين ذراعا ، وعلم استخراج الحديد وسبكه وعمل الزبدة والمطرفة والكلاليب والمدية وآلات الارض وما يحتاج إليه من جميع الآلات.

وعلم ما يأكله من دواب الارض ، وما يجتنبه وأمر بالمسير إلى مكة ، وكان موضع قدمه عمرا وما بينهما مفاوز ، وأتى جدة فوجد بها حواء تبكي فقال لها هذا عملك (٢).

وقيل له إيت الكعبة فطفت بها ، فمشى إليها فتلقته الملائكة بالابطح فقالوا له حياك الله يا آدم ، لقد طفنا قبلك هذا البيت بألفي عام ولسنا بأول من حجه وعلمه جبريل عليه السلام المناسك ، وأنزلت عليه إحدى عشرون

__________________

(١) في الاصول : والتبر.

(٢) في الاصول : عملكي.

٧٣

صحيفة ، وفرض عليه الصلاة والزكاة والاغتسال من الجنابة والوضوء ، وزرع ، وحصد ، وطحن ، وخبز ، ثم قيل هذا دأبك أنت وذريتك ، فقال يا رب ما بلغت هذا إلا بشق النفس فقيل له هذا بخطيئتك.

وعوقبت حواء بعشر خصال ، وجع العذرة ، ووجع الولاة ، وطول الحمل والحيض ، وحزن الموت ، وقناع الرأس ، وملكة الرجال للنساء ، وأن تكن تحت الرجل عند الجماع ، والولولة عند المصيبة ، ورقة القلب عند الحزن ـ جمع بين آدم وحواء بجمع وتعارفا.

وعوقب آدم بنقصان طوله ، وتغير حسنه ، وخوفه من السباع ، وكانت تخافة ، وحتم عليه وعلى ذريته بالموت ، وحفظت عليه أعماله ، وكلف النظر في رزقه والتعب فيه.

وعوقبت الحية بقص جناحيها وعدم يديها ورجليها ومشيها على بطنها وشق لسانها ، وخوفها من الناس وعدواتهم لها ، وجعل من التراب غذاؤها ، وإن طلبت أن تقتل أخرجت للناس لسانها.

وإن آدم غشي حواء فولدت له قابيل وتوأمته قليما ، وكان كذلك يولد له توأمين في كل بطن.

ثم ولدت له هابيل وتوأمته لبوذا فشغل قابيل بالحرث ، وشغل هابيل برعي الغنم ، ثم أمره أن يزوج هابيل من أخت قابيل فضربها وقال أنا أحق بأختي منه ، فأمرهما أبوهما أن يقربا قربانا فأيهما تقبل قربانه كان أحق بأخت قابيل ، فرضيا بذلك. وقرب هابيل أسمن كبش كان عنده ، وقرب قابيل من أرذل ما كان عنده من الغنم وكان ذلك بينهما يوم الجمعة ، وجاءت النار إلى القربان ، وأخذت الكبش الذي كان لهابيل ، وحملته ولم تقبل قربان قابيل ، فأغضبه ذلك وعزم على قتل أخيه بعد منصرفهما من منى ، فلم يدر

٧٤

كيف يقتله فتصور له إبليس لعنه الله في صوره إنسان ، وأخذ طائرا ففشخ رأسه بحجر فقتله ، وحمله معه حتى غاب عن عينه فاغتفل قابيل هابيل حتى نام عند غنمه ، وهي ترعى فحمل حجرا فطرحه على رأسه فقتله فأصبح من النادمين ، وطال تحسر آدم عليه السلام على ابنه هابيل وعلى الجنة فأنزل الله تعالى له خيمة من خيام الجنة من ياقوتة حمراء وضعت مكان الكعبة.

ولمائتين وثلاثين سنة من مهبط آدم ولد له شيث وهو هبة الله وتوأمته ، فتقول أصحاب التواريخ : إنه ولد له مائة وعشرون بطنا ، وأمر آدم عليه السلام بكتب الصحف ، وعلم اللغات كلها ، وعلم الاسماء التي قهر بها الجان والشياطين وعلم حساب الازمنة وسير الكواكب.

وسأل ربه أن يريه الدنيا وما يكون فيها من خير وشر ، فمثلت له برا وبحرا فنظر إليها والى ملوكها وسكانها من ولده ، وصور الانبياء وما يكون في العالم ويدور فيه من خير وشر إلى انقضائه.

ولما كثر ولده وولد ولده بعثه الله إليهم وأمره أن يأمرهم بما أمره الله به وينهاهم عما نهاه عنه ، ويقال إنه أرسل وهو ابن تسعمائة سنة وسبعين سنة.

ولما أراد الله سبحانه وتعالى أن يتوفاه أمره ان يسند وصيته إلى ابنه شيث ويعلمه جميع العلوم التي علم بها ففعل ، وكان سبب وفاته عليه السلام أنه انصرف من الفلاحة موعوكا (١) فحم ومرض إحدى وعشرين يوما والملائكة تختلف إليه.

ويقال إنه اشتهى قطفا من عنب الجنة فوجه بعض ولده يسأل له ذلك ممن لقيه من الملائكة ، فلقيه جبريل عليه السلام فعزاه في ابيه وقال ارجع فان اباك قد مات. وكان سنه يومئذ تسعمائة وثلاثين سنة ، وقالوا تسعمائة

__________________

(١) في ب : مدعوكا وهو خطأ.

٧٥

وخمسين سنة بعد ما وهب لداود منها خمسين سنة وأتاه جبريل عليه السلام بكفن وحنوط من الجنة.

وعلم شيث كيف يغسله ويكفنه ، وقيل هذه سنة لكم في موتاكم بعده ، وحمل إلى غار الكنز في جبل أبي قبيس فدفن فيه ، وكانت وفاته عليه السلام يوم الجمعة ، ومات وولده وولد ولده أربعون ألف بيت ورفعت مع موته الخيمة الياقوت التي كانت بموضع الكعبة.

وحزنت عليه حواء حزنا شديدا وبقيت بعده سنة ثم ماتت ، عليه السلام والرحمة ، وصلى عليها شيث ودفنها إلى جانب آدم صلى الله عليه وسلم وعلى جميع النبيين والمرسلين.

ذكر شئ من أخبار ولده

كان قابيل ولد آدم عليه السلام ، وأول من عصا وقتل وكفر ولما قتل أخاه هرب عن ذلك الجبل بأخته وبنى قرية يقال لها خلوا وسكنها ، وقابيل أول من عبد النار ، وقيل إنه أشقى البرية وإن عليه نصف عذاب الخلق ، وقيل إنه متى سفك دم بغير وجه حق كان شريكا لصاحبه فيه.

شيث بن آدم بعثه الله إلى ولد أبيه وأنزل عليه سبعا وعشرين صحيفة عليه وعلى أبيه ، وأمره ببناء البيت هو وولده بالحجاز ، وأمره بالحج والعمرة ، وكان أول من اعتمر ، وأمر بجهاد ولد قابيل إلا أنه لا يبرح بين تهامة ومكة.

وولد الانوش بن شيث عليها السلام وهو بكره ووصيه ، ومن ولد أتركين (١) ابن شيث يغوث ويعوق ونسر وسواع وود ، فكان هؤلاء النفر

__________________

(١) لعل الصواب انوش.

٧٦

قوما صالحين ، فلما ماتوا حزن عليهم أبناؤهم حزنا شديدا فتمثل لهم إبليس وصور لهم صورهم من المرمر ، وجعلها في بيوتهم ليتذكروا (١) بها ويتأنسوا ويخف حزنهم عليهم ، فلما ملكوا ونشأ غيرهم صور عندهم إبليس أنها آلهة وأن آباءهم كان يعبدونها واستهواهم فعبدوها ، وكان عمر شيث سبعمائة سنة وإثنا (٢) عشرة سنة ، وولد له وهو ابن مائة وخمسين سنة.

وأوصى إلى ابنه قينان وقد كان علمه الصحف وبين له قسمة الارض ، وما يكون فيها ، وأمره باقامة الصلاة وأيتاء الزكاة والحج ، وبجهاد ولد قابيل ففعل ما أمره به أبوه ، ومات قينان وله سبعمائة سنة وعشرون سنة.

وأوصى إلى ابنه مهلايل ووصاه بما أوصاه به ، وكان عمر مهلايل ثمانمائة سنة وخمسة وسبعين سنة.

وأوصى إلى ابنه بوارد وعلمه الصحف وعلمه قسمة الارض ، وما يحدث في العالم ودفع إليه كتاب سر الملكوت الذي علمه مهلاييل (٣) الملك لآدم عليهما السلام وكانوا يتوارثونه مختوما لا ينظرون فيه.

وولد لبوادر وهو ابن مائة سنة ابنه خنوخ ، ويقول بعض اهل التاريخ إنه تم للعالم في وقته ألفان وستمائة سنة واربع سنين.

وخنوخ هو ادريس النبي عليه السلام ونبأه الله تعالى وسمي إدريس لكثرة درسه لكتاب الله عزوجل ، وسنن الدين وأنزل الله سبحانه وتعالى عليه ثلاثين صحيفة فكملت الصحف المنزلة يومئذ ثلاثين صحيفة ، وعهد بوارد إلى خنوخ ورفع إليه وصية أبيه وعلمه العلوم التي كانت عنده ودفع إليه مصحف السر فلم يدفعه بعد شيث غير ادريس عليهما السلام.

وفي بعض الاخبار انه أول من كتب [من ولد] آدم عليه السلام.

وقال آخرون إنه لم يخل قط جيل ولا امة من الكتابة لان ادريس بدت

__________________

(١) ليتذكرون.

(٢) ب : واثني.

(٣) في ب : وابيل.

٧٧

فيه النبوة وعلم عدة خطوط وامر بجمع المصاحف وتركها في الهيكل وامر بني آدم وغيرهم بدرسها ، وفي بعض الاخبار انهم كانوا يلبسون القمص من فاخر الحرير والخز وغيرهما من الملونات والمنسوجات بالذهب والمنظومات بالجوهر ويلبسون التيجان.

وقد كانت حواء أمرت بالنسج والمغزل ، فغزلت القطن والكتان والوبر ونسجت وكست أولادها ، وقد لبس آدم عليه السلام من غزل حواء.

ويقال إنه لما ولد إدريس عليه السلام ضعف أمر عبادة الاصنام من أولاد قابيل ، وسقط عظيم من أصنامهم الذين كانوا يعبدونه ويعتكفون عليه ويذبحون ، وكان ملكهم يومئذ يمحويل ، فاجتمعوا إليه ليتداولوا فيما ظهر لهم ، فجاءهم إبليس في صورة شيخ قد كثر شيبه ، وكان الشيب عندهم عجيبا لانهم لم يكونوا رأوه ، إذ لم يكن قبل ذلك شيب ولا ظهر لهم إلا بعد نوح عليه السلام بعد الطوفان.

وقيل أول من شاب إبراهيم عليه السلام ، فقال يا رب ماهذا؟ قال وقار ، قال اللهم زدني وقارا.

ويقال إنه أتاهم ابليس في صورة روحاني له جناحان ، فقال لملكهم يمحويل إنه قد ولد الآن لمهلاييل ولد يكون عدوا للالهة وعدوا للملك ، وسبب فسادها ولذلك أصابكم ما أنتم به مشغولون ، فقال يمحويل فهل تقدر على هلاكه؟ قال سأحرص على ذلك. فوكل الله بادريس ملائكة يحفظونه ، فإذا أتاهم ابليس ومن معه من جنوده منعوهم منه.

وظهر في وقته كوكب من كواكب الذوائب أقام ظاهرا نيفا وثلاثين يوما ، فجعله أبوه سالما الهيكل ، وعلمه الصحف ، وكان حريصا على دراستها وعلى الصوم والصلاة حتى شب فنبأه الله عزوجل على رأس أربعين سنة ، فأتاه وراييل الملك يعلمه علم الفلك والكواكب وسعودها ونحوسها وصور الدرج والبروج.

٧٨

وقيل انه أول من نظر في النجوم بعد آدم عليه السلام.

وفي التوارة ان أدريس عليه السلام احسن خدمة الله فرفعه الله تعالى إليه.

ولما رأى ادريس بني قابيل في المعاصي وعبادة الاصنام سأل الله ان يرفعه إليه ، وان يطهره من خطاياه فأجابه إلى ذلك ، وأوحى الله إليه ان يلازم الهيكل هو وشيعته اربعين يوما وأوصى ادريس إلى ابنه متوشلخ لان الله أوحى إليه ان اجعل الوصية في ابنك متوشلخ فاني سأخرج من ظهره نبيا يرتضي فعله.

فقيل انه رفع إلى السماء السابعة ، وقيل إنه كانت له قصة مع ملك الموت ، وقد سأل الله ان يذيقه طعم الموت ، ثم سأل الله ان يريه رضوانا ويدخله الجنة ، ففعل.

ولم يخرج من الجنة ، ورفعه الله وهو ابن مائة وخمسين سنة.

وأما متوشلخ فأقام مع أخوته وبني أخيه ، أمام الهيكل يعبدون الله تعالى والنقباء السبعون معهم ولما رفع الله تعالى ادريس عليه السلام كثر الاختلاف بعده والتنازع وأشاع عليه ابليس أنه هلك ، وأنه كان كاهنا أراد الصعود إلى الفلك فأحرق ، وحزن عليه ولد آدم المتمسكون بدينه حزنا شديدا ، وأظهر ان صنمهم الاكبر أهلكه فزاد في عبادة الاصنام وتحليتها والذبائح لها ، وعملوا عيدا لم يبق احد إلا حضره وكانت لهم يومئذ سبعة أصنام يغوث ويعوق ونسر (١) وود وسواع ومزية وضمر ، وسنذكرها عند ذكر المتعبدات.

وانقطع الوحي بعد إدريس عليه السلام ، ومات اولئك النقباء ، فكلما مات واحد منهم صور بنوه وأهله صورته في بيت لهم ليذكروه ويستغفروا

__________________

(١) في ب : ونسرا وودا وسواعا.

٧٩

له ، وكان متوشلخ أراد فساد تلك الصور فامتنعوا عليه ، فلما حضرته الوفاة أوصى إلى ابنه لمك ومعنى لمك الجامع ، وعهد إليه أبوه ودفع إليه الصحف والكتب المختومة التي كانت لادريس عليه السلام ، وكان عمر متوشلخ تسعمائة سنة.

وانتقلت الوصية إلى لمك وهو ابو نوح عليهما السلام ، وقد كان رأى أن نارا أخرجت من فيه ، فأحرقت العالم ورأى وقتا آخر كأنه على شجرة في وسط بحر لا غير.

ولما ولد له نوح عليه السلام ذكر العلماء والكهان ذلك ليمحويل الملك وعرفوه أن العالم يهلك في زمانه وأنه يكون طويل العمر.

وقد كانوا رأوا أنه طوفان يغرق الارض ، فأمر يمحويل أن يبنيا له المعاقل على رءوس الجبال ، بنيانا عاليا ليتحصنوا بها ، فعملوا منها سبعة معاقل بعدة الاصنام التي كانت لهم وعلى أسمائها ، وزبروا عليها شيئا من علومهم ويقال إن الملك عملها لنفسه خاصة.

وكبر نوح عليه السلام فنبأه الله عزوجل وهو ابن خمسين سنة وارسله إلى قومه ، وكان من نعته أنه آدم رقيق البشرة ، في رأسه طول ، عظيم العينين رقيق الساعدين والساقين ، كثير لحم الفخذين طويل اللحية عريضها ، طويل ، جسيم وكان حيا بعد ادريس عليهما السلام ، وهو من أهل العزم من الرسل.

وفي بعض الاخبار أن عمره ألف ومائتين وخمسين سنة ، وأنه لبث في قومه يدعوهم إلى الايمان ألف سنة إلا خمسين عاما كما قال الله تعالى ، وقال من ينكر طول الاعمار على مذهب الفلاسفة ان حياته لبنيه ، وكانت شريعته التوحيد والصلاة والصيام والحج ومجاهدة اعداء الله من ولد قابيل ، وأمر بالحلال ونهى عن الحرام ، ولم يكن فرضت عليه احكام ولا مواريث ولا حدود ، وأمر أن يدعو الناس إلى الله تعالى ، ويحذرهم عذابه ، ويذكرهم آلاءه.

٨٠