أخبار الزّمان

أبو الحسن علي بن الحسين بن علي الهذلي المسعودي

أخبار الزّمان

المؤلف:

أبو الحسن علي بن الحسين بن علي الهذلي المسعودي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدريّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٢٧٩

وروي ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «مر بي جبريل عليه السلام ليلة أسري بي عليهم فدعوتهم إلى الله تعالى فأجابوني فمحسنهم مع محسنكم ومسيئهم مع مسيئكم».

روي وهب بن منبه باسناد له عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «إن لله تعالى ثمانية عشر الف عالم الدنيا منها عالم واحد ، وما العمران في الدنيا إلا كخردلة في كف أحدكم».

وقال بعض أهل الاثمر فيما رواه : إن الله عزوجل دابة في مرج من مروجه ، والمرج في غامض علمه رزقها في كل يوم ، مثل رزق العالم بأسره. سبحان القادر على كل شئ.

ذكر

البحر الميحط

وما فيه من العجائب

ويقال ان فيه عرش إبليس لعنه الله فوق البحر المظلم يتشبه بالباري عز وجل (١) ، ويحمله نفر من الابالسة والعفاريت العظام لحمله ، ويحيط به عفاريت من الجن الذين هم في طاعته فمنهم من في لججه لا يفارقه ، ومنهم من يتصرف عن أمره ، وإنه لا يزول مرتبته إلا إلى من يطمع في فتنته أو عبد صالح يريد كيده ، والباقون من أعوانه الذين يسعون إلى الناس ويضلونهم ، وسجنه في جزيرة منه يحبس فيه من خالفة من الجن والشياطين.

وفيه هيكل سليمان النبي عليه السلام ، وفيه جسده وهو قصر عجيب في

__________________

(١) العبارة : يتشبه بالباري عزوجل محيت من ب ، وقد أثبتناها كما في ت.

٤١

جزيرة ، وفيه مواضع لا تزال على مر الزمان ترمي نارا ترتفع على مائة ذراع وفيه أسماك طول الحوت مدة أيام ، وكل صورة عجيبة مختلفات الاشكال والصفات الملونة في كل لون من الالوان.

وفيه مدائن تطفو على الماء وتغيب عنهم.

وفيه الثلاثة أصنام (١) التي عملها أبرهة أحدها أصفر يومئ بيده كأنه يخاطب من جاوزه ، ويأمره بالرجوع. والصنم الثاني أخضر رافع يديه باسط لهما كأنه يريد إلى أين تذهب ، والصنم الثالث اسود مفلفل الشعر يومئ بأصبعه إلى البحر : من جاز هذا المكان غرق ، مكتوب على صدره «هذا ما صنع أبرهة ذو المنار الحميري لسيده الشمس تقربا إليه».

وحكي أن فيه كالحصون ترتفع على الماء ، ويظهر منها الصور الكثيرة وتغيب في الماء.

ويقال إن عمق هذا البحر يختلف ، فمنه مالا يلحق قعره ولا يدري ، ومنه ما يكون سبعة آلاف باع وأكثر وأقل ، ومنه ما يكون فيه شجر كالمرجان

وأما البحر الاسود الزفتي وهو متصل به وهو شديد النتن ، وليس فيه غير القلعة الفضية ، قيل إنها معمولة ، وقيل إنها خلقه.

ويخرج من هذا البحر بحر الصين أوله من بلاد الغرب ، بحر فارس إلى بلاد الصين ، وهو بحر ضيق فيه مغايص اللؤلؤ.

وقيل إن فيه إثني عشرة (٢) الف جزيرة ، وثمانمائة جزيرة.

وفيه الدردور موضوع يدور فيه الماء فإذا سقط فيه مركب لم يزل يدور

__________________

(١) في ب : الثلاثة أصنام.

(٢) في ب : اثني عشر ، وفي ت : اثنا عشر.

٤٢

فيه حتى يتلف ، وفيه كسير وعوير وهما جبلان.

وفي هذا البحر عجائب كثيرة وصور شتى وحيتان ملونة ، منها ما يكون طوله مائة ذراع ومائتي باع وأقل وأكثر يأكل بعضها بعضا.

وفيه جزائر تنبت الذهب وبها معادن الجوهر ، وفيه ثلاثمائة جزيرة عامرة مسكونة فيها ملوك عدة.

ويقال ان في هذا البحر قصرا (١) من البلور ، على قلعة تضئ طول الدهر بقناديل فيه لا تنطفئ.

وبعد هذا بحر لا يدرك عمقه ، ولا يضبط عرضه ، تقطعه المراكب بالريح الطيبة في شهرين وأكثر ، وليس في البحر المحيط أكبر منه ولا أشد هولا ، وفيه من جميع المعادن من الزمرد ومنابت القنا والخيزران ، وفيه أيضا كل سمكة يكون طولها أربعمائة ذراع وأقل وأكثر ، وسمكة صغيرة بقدر الذراع فإذا طغت هذه السمكة وبغت وآذت سمك البحر ومراكبه سلطت عليها هذه السمكة الصغيرة فصارت في أذن هذه الكبيرة فلا تفارقها حتى تقتلها ، وربما لم تقرب الكبيرة ذلك الموضع (٢) خوفا من الصغيرة.

وفيه سمكة يحكي وجهها وجه الانسان تظهر في الماء ، وفيه أسماك طيارة تطير ليلا وترعى الندا ، فإذا كان قبل طلوع الشمس رجعت إلى البحر.

وفيه سمكة تكتب مرارتها الكتابة فتقرأ بالليل.

وفيه سمكة خضراء دسمة من أكل منها اعتصم عن الطعام أياما (٣) كثيرة لا يريد ذوقه.

وفيه سمكة لها قرنان كأنهما قرنا السرطان ، يرميان بالليل نارا.

__________________

(١) في ب : قصر.

(٢) في ت : المراكب.

(٣) في ب وت : ايام.

٤٣

وفيه سمكة مدورة يقال لها المصح فوق ظهرها كالعمود ، مستحد الرأس لا تقوم لها سمكة في البحر ، لانها تلقاهن بهذا القرن فتقتلهن ، وربما نقبت به المراكب ، وقرنها أصفر كالذهب مجزع ، يقال إنه ضرب من الحوت (١) وفيه سمكة يقال لها هفس من صدرها إلى رأسها مثل الترس يطيف به عيون تنظر بها ورأسها طويل مثل الحية في طول عشرين ذراعا (٢) بأرجل كثيرة مثل أسنان المنشار من صدرها إلى آخر الذنب ، فليس تتصل بشئ إلا أتلفته ولا ينطوي ذنبها على أحد إلا أهلكته ، يقال إن لحمها يشفي من كل الاوصاب ، وقليل ما يوجد وفيه عنبر.

وبحر آخر يقال هركند فيه جزائر كثيرة وفيه سمك ربما ينبت على ظهره الحشيش والصدف ، وربما أرسا عليها أصحاب المراكب فيعتقدون أنه جزيرة فإذا فطنوا به أقلعوا عنها وربما نشر هذا السمك أحد جناحيه الذي في صلبه ، فيكون كالجبل العظيم ، وإذا رفع رأسه من الماء فيكون كالجبل عظما ، وربما إذا رفع أذنيه فيكون مثل المنارة العظيمة ، فإذا سكن البحر جر السمك بذنبه ثم فتح فمه فينزل السمك إلى حلقه كأنه ينزل إلى بئر ، ويقال له العنبر طوله ثلاثمائة ذراع.

واهل المراكب يخافون منه ، فهم يضربون بالليل بالنواقيس (٣) مخافة ان يتكئ على المركب فيغرقه.

وفيه حيات عظام تخرج إلى البر فتبتلع الفيلة ، وتلتف على صخور في البر فتتكسر في أجوافها ويسمع لها صوت هائل ، وفيه حية يقال لها الملكة لا تظهر إلا مرة واحدة ، وربما احتال فيها ملوك الزنج فأخذوها وتطبخ حتى

__________________

(١) العبارة عن ت.

(٢) في باء وتاء : عشرون ذراع.

(٣) في باء : نواقيس.

٤٤

يخرج ودكها ويدهن به الملك فتزيد في قوته ونشاطه ويستعمل من جلود هذه الحية ـ وهي منمرة ـ فرش إذا جلس عليها صاحب السل ذهب عنه السل ومن جلس عليه أمن السل أن يصيبه أبدا.

وريح هذا البحر من قعره ، ربما ألقى عند اضطرابه نارا لها ضوء شديد والبحر الرابع يقال له دوانحد (١) وبينه وبين بحر هر كند (٢) جزائر كثيرة ، يقال (إنها) ألف وتسعمائة جزيرة ، ويقع بين هذه الجزائر عنبر كثير وهذا العنبر (٣) ينبت في قعر البحر نباتا ، فإذا اشتد هيجان البحر قذفه من قعره فيرتفع مثل الرمل والحمأة ، وهو عنبر دسم وقرأت في كتاب الطيب الذي ألفه ابراهيم بن المهدي ، أن أحمد بن حفص العطار قال كنت في مجلس أبي اسحق وهو يصفي (٤) عنبرا قد أذابه ، وقد أخرج ماكان فيه من الحشيش الذي على خلقة مناقير الطير ، فسألني فقلت هذه مناقير الطير الذي يأكل العنبر إذا راثته دوابه ، فضحك أبو إسحق وقال هذا قول تقوله العامة.

ما خلق الله دابة تروث العنبر ، وما العنبر إلا شئ يكون في قعر البحر ولقد عني الرشيد بالمسألة عن العنبر ، فأمر حمادا البدوي (٥) في البحث بالمسألة ، فكتب إليه أن جماعة من أهل عدن أعلموه أنه شئ يخرج من عيون في قعر البحر تقذفه الريح بالامواج ، كما تخرج أرض هتبة القار وهي أرض الروم الزفت الرومي.

وآخر جزائر هذا البحر بسرنديب في بحر هر كند وهي رأس هذه الجزائر كلها ، وفي سرنديب أكثر مغايص اللؤلؤ ونبات الجوهر ، وببحر

__________________

(١) في ت : دوامخد.

(٢) في ت : كركند.

(٣) ب : عنبر.

(٤) ب : يصلي.

(٥) ت : جماد ، ونقطة الجيم في ب كالممحوة.

٤٥

سرنديب طرق بين جبال ، وهي مسالك لمن أراد بلاد الصين ، وفي جبال هذا البحر معادن ذهب فيه أيضا مغايض اللؤلؤ ، وفيها بقر وحشية وخلق مختلفة الصور ، ويسلك من هذا البحر إلى بلاد المهراج وربما أظلت السحاب هذا البحر يوما وليلة ، ولا ينقطع عنه المطر ولا تظهر حيتانه ودوابه وتخرج منه إلى بحر الصنف ، وفيه يكون شجر العود وليس فيه أحدا يعرفه ورأسه تخرج من قرب الظلمة الشمالية وتمر أيضا على بلاد الواق.

وفيه ملك الجزائر الذي يدعي المهراج ، وله من الجزائر والاعمال ما لا يحصى كثرة ، ولو أراد مركب من مراكب البحران أن يطوف بجزائره في سنين كثيرة لم يقدر أن يطوفها ، ولملكه جميع أفاويه الطيب والكافور والقرنفل والصندل والجوزة والبسباسة والقاقلة والعود ، وليس لملك من الملوك ما لملك هذا البحر من أصناف الطيب ، ويقال إن فيه قصرا أبيض يسير على الماء ويتراءى لاصحاب المراكب في السحر فيتباشرون به إذا هم أبصروه ويكون لهم دليل السلامة والربح والفائدة.

وفيه جزيرة برطايل ، فيها جبال مسكونة يسمع فيها باليل والنهار والعزف والطبول والاصوات المنكرة ووجوه أهلها مثل المجان المطرقة ، وهم مخرقو الآذان وأكثر البحريين مجمعون على ان الدجال فيها ، ومنها يخرج إذا بلغ منتهاه.

وفيها يباع القرنفل ، ويشترونه التجار من قوم لا يبصرونهم وفيه البراقية (١) وهي مدينة لطيفة من حجر أبيض براق يسمع فيها ضوضاء وأصوات ، ولا يرى بها ساكن وربما نزل إليها البحريون وأخذوا من مائها فوجدوه أبيض (٢) زلالا حلو الطعم فيه روائح الكافور.

__________________

(١) في ب : البرابة.

(٢) ب : أبيضا. وت : بيضا.

٤٦

ومنه جزيرة بها مساكن وقباب بيض تلوح وتتزايا (١) للناس فيطمعون (٢) فيها وكلما قربوا منها تباعدت منهم فلا يزالون كذلك حتى ييأسوا منها فينصرفوا عنها.

ويتصل هذا البحر بالواق ، ويقول البحريون انهم لا يعرفون منتهاه غير أن اقصاه جبال تتوقد نارا ليلا ونهارا يسمع لها قواصف مثل قواصف الرعود من شدة التهابة ، وربما سمعوا من تلك النار صوتا عرفوه يدل على موت ملك من ملوكهم أو كبير من كبرائهم ، وهذا الموضع لا يدرك قعره.

وبعد بحر الصنف الذي ذكرناه بحر الصين ، وهو بحر خبيث بارد ليس في غيره من البحار مثل برده ، ويقال : إن ريحه من قعره ، ويقال إنه بحر مسكون له أهل في بطن الماء.

واخبر الثقة من أصحاب البحر انهم يرونهم إذا هاج البحر في جوف الليل كهيئة الريح ، ويطلعون إلى المراكب : وليس يكون ذلك الا عند هيجان البحر.

وذكر البحريون أنهم لا يعرفون بعد بحر الصين بحرا يسلك ، وهو بحر يغلي كما تغلي القماقم ، وليس صفة ما به كسائر البحار.

وفي بحر الصين سمكة مثل الحراقة (٣) يرمي بها الماء إلى الساحل ، فإذا انجذر (٤) الماء بقيت على الطين فلا تزال تضطرب مقدار نصف نهار ، ثم تنسلخ في اضطرابها ذلك ، فيخرج لها جناح فتستقل به فتطير.

وزعموا أن عرض بلاد الصين الذي تمر عليه المراكب ألف وخمسمائة فرسخ وفي هذا البحر يرى وجه عظيم على صور الناس إلا أنه أعظم منه ، مستدير

__________________

(١) لعل الصواب وتترايا.

(٢) في ب : فيطعمون.

(٣) في ت : الجزافة.

(٤) جذر.

٤٧

يشبه لون القمر ، يغطي ما بين جبلين وأبواب الصين البحر بين كل جبلين فرجة.

وقيل إن بمدينة بقمولية (١) وهي القسطنطينية الاولى كنيسة في جوف البحر وربما تنكشف يوما في السنة فيحج أهل النواحي إليها ويستعدون لها قبل ذلك فيقيمون فيها يومهم ويتفرقون ويهدون إليها بدنهم (٢) فإذا كان العصر بدا الماء في الزيادة فينصرفون ويبادرون الخروج عنها ولا يزال الماء يغطيها فتغيب إلى رأس السنة أيضا.

ويقال إن في بحر الهند حيوانا (٣) يشبه السرطان ، فإذا خرج من الماء صار حجرا يتخذ منه كحل لبعض علل العين.

وأما بحر المرجان فهو في بحر الاندلس خاصة ، ينبت في قعره مثل الشجر فما بعد منه عن درك الغواصين يحتال في قلعه ، بأن يربط بالشرايط في كتان القنب ، ويثقل بالرصاص ويدلى حتى يصل إلى الشجر ، ثم يحرك المركب بالجذب ، وتلك منوطة بهايمنة ويسرة حتى يعلم تشبكها في اغصان المرجان ، ثم تقلع الشرايط ، فيوجد المرجان قد اتخذ ، وله نفاق كثير بالحجاز والهند والصين ، وفيه عنبر كثير ، وفيه سمك من أكل منه رأى كأنه ينكح ، وفيه سمك في صور الناس.

خبر تنيس

أما خبر تنيس فكانت جنات وكرومات ومتنزهات وكانت مقسومة بين ملكين من ولد ابريت بن مصر ، وكان احدهما مؤمنا ، والآخر كافرا

__________________

(١) ت : نقمولية.

(٢) في ب ، ت : بدونهم ، والصواب بدنهم جمع بدنة.

(٣) ب ، ت : حيوان.

٤٨

فأنفق المؤمن ماله في وجوه البر حتى باع حصته منامن أخيه ، وفرق الذي أخذ بها في وجوه البر فأفلحها ، وزاد فيها عروشا كثيرة ، وأجرى فيها أنهارا ، وبني فيها بنيانا ، واحتاج أخوه إلى ما في يده فكان يمنعه ويفتخر عليه بما له ، من المال والجنة فخاطبه أخوه في بعض الايام مبسطا عليه فقال له : أنا أكثر منك مالا وأعزا نفرا ، فقال له أخوه : فما أراك شاكرا لله تعالى عى ما أعطاك ، ويوشك أن ينزع ذلك منك ، ويقال إنه دعى عليه فغرق ماء البحر جميع ما كان له في ليلة واحدة حتى كأن لم يكن قبل ذلك. وقيل إن هذين الرجلين اللذين ذكرهما الله تعالى في كتابه فقال (واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لاحدهما جنتين إلى قوله أحدا) وكانت تنيس عظيمة ، لها مائة باب وباقي ذكرها عند ذكر مدائن مصر إن شاء الله تعالى.

وقيل إن بحيرة تنيس تعذب وقت مجئ النيل وتقيم ستة أشهر حلوة ثم تملح وبالقرب (منها) عين لا يخرج ماؤها إلا عند أوقات الصلوات فيتوضأ منها ثم تفيض لذلك عند وقت كل صلاة ، وهي معروفة تسمى عين الاوقات.

ولاهل الهند نهر عظيم معهم (١) عليه شجرة باسقة من حديد أو نحاس وتحتها وعمود من نحاس أو حديد مثبت في الارض مائل إلى الماء طوله على اللارض عشرة أذرع وعرضه نحو الذراع ، ويزيد قليلا ، في رأسه ثلاث شعب غلاظ مستوية محدودة كالمنار ، وعنده رجل يقرأ كتابا ويقول للنهر : يا عظيم البركة ، وسيل الجنة ، أنت الذي خرجت من عين الجنة ، ودللت الناس عليها فطوبى لمن صعد هذه الشجرة وألقى نفسه على هذا العمود ، فينتدب الواحد لذلك والعدة ممن حوله ويصعدون على تلك الشجرة ، ويلقون أنفسهم

__________________

(١) لعل الصواب مهم.

أخبار الزمان م (٤)

٤٩

على العمود فيقطعون * قطعا ويقعون على الماء فيدعون لهم أصحابهم بالطوبى والمصير إلى الجنة واللذة.

ولهم نهر مكران الذي مد النيل (١) فيما ذكروا منه ، وقالوا إنه يخرج من الجنة ، وإنه لو لم ينجس بالذنوب لما كان (يموت) (٢) من شرب منه ولهم نهر آخر من سنتهم أن يحضره رجال بأيديهم سيوف قاطعة ، فإذا أراد الرجل من عبادهم أن يتطهر ويتقرب إلى الباري سبحانه ، أتى في جماعة يأخذون ما عليه من الحلى واللباس وأطواق الذهب والاسورة والقراطق لان أبناء الملوك كثيرا (٣) ما يخرجون إلى هذا النهر ثم يطرحونه على لوح عظيم ويأخذون بأطواقه ويضربونه بسيوفهم ويقطونه نصفين فيلقون أحد النصفين في هذا النهر والنصف الآخر في بحر كند (٤) ويزعمون أن هذين النهرين يخرجان من الجنة.

وفي جبال سرنديب وادي الماس وهو بعيد القعر وبه حيات عظام مؤذية فإذا أرادوا إخراج الماس طرحوا فيه ما أمكنهم لحما حارا طري السلخ ، فترى نسود تلك الجهة وهي به كثيرة ، ذلك اللحم فنتقض عليه وتأخذه وترفعه إلى حيث تأكله خوفا من حيات الوادي ، فيقصد طالب ذلك إلى موضع المأكول فيجدون بها ما تعلق باللحم من الماس على قدر العدسة والفولة والحمصة ، وأكبر ما يجدونه قدر الباقلا ، ويتخذ منه الملوك فصوصا لخواتم يلبسونها.

وذكر صاحب المنطق أن من الماس حجارة كبار إلا أنه يوصل إليها لاجل الحيات التي في ذلك الوادي.

__________________

(١) ب : مكرم ان الذي يمد من فيما ذكروا.

(٢) لمن ت ما بينها سقط في ت.

(٣) في ب : كثير.

(٤) في ت : الكند.

٥٠

وبالهند وادى القرنفل ولم يدخل إليه من التجار ولا ممن سلك البحار ولا ذكروا أنهم رأوا شجرة ، وإنما تبيعه الجن فيما يقولون الناس يرسون بالمراكب في جزيرتهم ، ويجعلون بضاعتهم على الساحل ويعودون إلى مراكبهم فيكونون بها ، فإذا أصبحوا جاؤا فوجدوا إلى جانب كل بضاعة جزأ من القرنقل وربما ترك البضاعة والقرنفل أذا طلب الزيادة فربما يزاد فيه.

وذكر عن بعض الناس أنه طلع إلى الجزيرة وأمعن فيها فرأى قوما صفرا بغير لحى ، في زي النساء ، ولهم الشعور فغابوا عنه ، وأن التجار أقاموا بعد ذلك مدة يترددون إلى ساحل تلك الجزيرة ، فلا يخرج إليهم بشئ من القرنفل ، فعلموا أن ذلك من اجل من كان نظر إليهم ، ثم عادوا بعد سنين إلى ما كانوا عليه.

ويقال إنه رطبا كان حلو المطعم يأكلون منه فلا يمرضون ولا يهربون ، وذكر أن لباسهم من ورق شجر عندهم فهم يلحفونها ولا يعرفها الناس.

وأما الجزائر فذكر بطليموس أن في البحر الاخضر سبعا وعشرين الف جزيرة عامرة وغير عامرة ، منها جزيرة فيها أمة من بقايا النسناس ، ولهم شجر يقال له اللوب يأكلون ثمره ويلتحفون بورقة ويأكلون لحوم الدواب البحرية وجزيرة المرجان فيها شجر المرجان في ضحضاح بين الملوحة والعذوبة وقد اطلعت رؤوسا مشعبة ، فإذا سقطت إليها مراكب أخذوا من ذلك المرجان ما قدروا عليه.

وجزيرة في وسطها كالضم العظيم من حجر أسود براق لا يدري ما داخله وحوله أموات وعظام كثيرة.

٥١

وقد كان بعض الملوك سار إليها فلما نزل عليها وقع إلى أصحابه النعاس وخدر الاجسام ، وضعفت أنفسهم ، ولم يقدروا على الحركة ، فبادر من حضر منهم إلى المراكب ، وهلك من أخلد منهم إلى المقام والتخلف.

ويقال ان ذا (١) القرنين لما صار إلى الظلمة مر بجزيرة فيها أمم رؤوسهم رؤس الكلاب العظام ، بادية أنيابهم يخرج من أفواههم لهب النار ، يخرجون إلى المراكب فحاربوه وحاربهم وتخلص منهم ، وسار فرأى نورا ساطعا فقصده فإذا هو (قد) بلغ جزيرة القصر وهذه الجزيرة في وسطها قصر مبني من البللور الصافي على شاطئ البحر ، فأراد النزول بها فمنعه من ذلك بهرام فيلسوف (٢) الهند ، وعرفه ان من نزل إليها وقع عليه النوم وغرب (٣) عنه عقله ، ولم يستطع الخروج عنها حتى يهلك.

ويقال انه ظهر بها قوم قد صار لباسهم ورق الشجر ، فسأل بهراما عن مقامهم فيها كيف امكنهم على ما ذكره ، فأخبره بهرام ان بها ثمرا إذا أكلوه زال ذلك عنهم.

وذكروا أنه إذا كان الليل ظهر بشرافات ذلك القصر مثل المصابيح تسرج إلى الصبح ثم تخمد نهارها إلى الليل ثم تسرج ايضا.

وفي هذا البحر جزيرة بيضاء واسعة وبها ماء وشجر (٤) وفيها قوم شقر وجوههم فيما وراءهم (٥) وهم عراة ، وللواحد منهم ذكر وفرج (٦) امرأة

__________________

(١) ب : ذي ، ت : ذو.

(٢) في ب : بهرام فيلفوس‍.

(٣) ب : أخذه وعزم عنه عقله.

(٤) ب : ماءا وشجرا.

(٥) ت : وجوههم في صدورهم.

(٦) ت : فرجان فرج ، وفرج امرأة.

٥٢

يتكلمون بمثل كلام الطير وطعامهم من نبات يشبه القطور (١) والكمأة ويشربون من غدران هناك.

وجزيرة التنين فيها جبال وأنهار وزروع وهي عامرة وعلى مدينتهم حصن عالي ، وكان تنين عظيم قد سام (٢) أهلها (أقبح) سوم فيقال إن الاسكندر وصلها ، وإن اهلها استغاثوا به ، وذكروا عنه أنه أتلف مواشيهم حتى جعلوا له ضريبة في كل يوم ثورين ينصبوهما قرسا من موضعه ، فيخرج فيبتلع الثورين ويعود إلى موضعه ، ثم يعود من غد ، فقال لهم أروني مكانه ، فلما أصبح أقفوا الاسكندر في موضع يشرف عليه ونصبوا له الثورين فأقبل كأنه سحابة سوداء وعيناه كالبرق ، والنار تخرج من جوفه فابتلع الثورين ، وعاد إلى موضعه ، فأمر الاسكندر بثورين عظيمين فسلخهما ، ثم أمر فملئت جلودهما زفتا وكبريتا وجبسا وزرنيخا ، ومزج تلك الاخلاط كلاليب حديد واجسادا ، ثم نصبها في ذلك الموضع ، فأقبل التنين على عادته فابتلعها ومضى لوجهه ، فلم يلبث الا قليلا فاضطربت تلك الاخلاط في حلقه فخر مستلقيا لا يملك من نفسه ، وفتح فاه ليستروح ، فأمر الاسكندر بقطع الحديد فأحميت وجعلت على ألواح من حديد فقذفت في حلقة فمات في الوقت واستراح اهل ذلك البلد منه فرحوا لموته وانكفأوا (٣) للاسكندر وحملوا إليه من طريف (٤) ما عندهم.

وكان فيما حلوه إليه دابة في خلق الارنب وبرها (٥) اصفر يبرق كما يبرق الذهب يسمونه بتراح (٦) (*) وفي رأسها قرن واحد أسود ، فإذا الاسود والسباع

__________________

(١) ت : القطن.

(٢) ب : سام : اهلها سوم ، ت : شام : أهلها اقبح شوم.

(٣) ت : وأظافوا ـ لعلها : وأضافوا.

(٤) ت : ظرائف.

(٥) في ب : شعرها.

(٦) في ت : نفواخ.

(*) ما بينها وبين ** سقط في ت.

٥٣

والطيور والوحش هربوا منها ، وكذلك كل دابة تراها تهرب منها ، وتفر بين يديها.

وفي هذا البحر جزيرة تظهر سته اشهر وتغيب شته أشهر بكل من فيها تعود إلى هيئتها ، وقيل إنها جزيرة مدبرة.

وجزيرة ملكان ، وملكان دابه عظيمة بحرية ، قد استوطنت تلك الجزيرة ، ولهذه الدابة رؤوس كثيرة ، ووجوه مختلفة ، وأنياب معقفة ، وليس لها طعام إلا ما تصيده من دواب البحر.

وقيل انها مركب لبعض ملوك الجن من اهل البحر ، لان لها جناحين إذا إقامتهما ، وجمعت بين رأسيهما صارا كأنهما رف يلتبس بظل من الشمس ** وذكرتها الاوائل ، وزعموا أنها بقدر الجبل ، وجزيرة ملكان فيها أمة مثل خلق الانسان إلا أن رؤوسهم مثل رءوس الدواب يغوصون في البحر ويخرجون (١) بما قدروا على إخراجه من دواب البحر فيأكلونه.

وجزيرة صيدون ، وصيدون هذا ملك وهذه الجزيرة مسيرة شهر في مثله ، وكان بها عجائب كثيرة وأشجار وأنهار ، وكان في وسطها مجلس على عمد مرمر ملون ، وكان المجلس من ذهب مفصل بانواع الجوهر يشرف على هذه الجزيرة وقيل إن هذا الملك كان ساحرا ، وكانت الجن تطوف به تعمل له العجائب فدل بعض الجن سليمان عليه السلام علية فغزاه سليمان وخرب الجزيرة وقتل اكثر اهلها ، لانهم كانوا يعبدونه ، وأسر منهم خلقا كثيرا وآمن به اكثرهم ، واسر ابنة لصيدون لم يكن على وجه الارض في زمانها اجمل منها ولا اكمل كمالا وظرفا وحلاوة ، فاصطفاها سليمان عليه السلام لنفسه وتزوجها وكانت تديم البكاء والحزن لمفارقتها لملك أبيها وغضارة نعيمها وأنس حشمها وخدمها وأهلها ، فقال لها سليمان عليه السلام : ما لي اراك

__________________

(١) ب : ويخرجوا.

٥٤

بهذه المنزلة من الحزن وانا خير لك من أبيك ملكي اجل من ملكه. قالت : اجل ، ولكني إذا ذكرت كوني مع أبي وأنسي به هاج لي ذلك وجدا فلو أمرت الشياطين ان يصوروا لي صورته ، فلعلي إذا رأيتها سلوت فأمر سليمان فصوروا لها صورة ابيها في مجلس يشبه ، لمجلس الذي كان فيه ، ويقال ان الذي صوره شيطان كان يصحب أباها ، وقيل انه هو كان أشار عليها بذلك حتى سألت سليمان عليه السلام ذلك ، فأمر الشياطين بعملها فكان في مقاصرها التي اسكنها سليمان عليه السلام في قصربناه لها ، وقد غرس فيه بدائع الشجر وفجر الانهار في قنوات ذهب وفضة مطوقة بأصناف الجواهر على النعت الذي كان رآه لابيها في مساكنه ، فعمدت إلى تلك (الصورة) فألبستها أصناف الثياب الفاخرة المنسوجة بالذهب المزينة بانواع الجواهر ، وجعلت على رأسه اكليلا من الجوهر النفيس ، وتوجته بتاج من ذهب منظوم بالجوهر الملون وأجلسته في صدر المجلس وجعلت حوله مخاد الديباج واوقدت بين يديه مجامرا من العود والعنبر ، ونثرت عليه سحيق المسك ، وفرشت بالبعد منه بحيث تحاذيه اصناف الافاويه والريحان والزعفران ، وكانت تدخل عليه بكرة وعشية ، فتسجد له مع جميع وصائفها وخدمها ، لما كانت تصنع لابيها ، وخرج الخبر واتصل بآصف بن برخيا ، وكان من قراء سليمان عليه السلام وكاتبه وهو الذي كان عنده علم من الكتاب ، وهو الذي احضر عرش بلقيس وكان عنده علم موضع المرأة من قلب سليمان وحبه لها فلم يدر كيف يدخل إلى تعريفه بذلك إلى أن اتجه له الامر (في ذلك) (١) فقال لسليمان يا نبي الله : اني سائلك شيئا. قال : سل. قال اني قد كبرت ولست آمن ان يفجأني الموت ، وقد أردت ان اقوم مقاما اذكر فيه الانبياء واثني عليهم واصف فضائلهم ، فلتأمر باحضار الناس وتجمع وجوه بني

__________________

(١) عن ت.

٥٥

اسرائيل ، فيجلسون في مراتبهم ، وتنصب لي منبرا أرقي عليه واتكلم بما يمكن ان يحضرني من الكلام في النحو الذي اريد الكلام فيه ففعل سليمان عليه السلام ذلك.

فقام على المنبر خطيبا فحمد الله وأثنى عليه وأقبل يذكر الانبياء واحدا بعد واحد ، فيثني على من ذكره منهم في صغره وكبره ومدة أيامه إلى أن ذكر داود ، فأثنى عليه واستغفرله حتى مات ، ثم ذكر سليمان فأثنى عليه في صغره خاصة ولم يذكر بشئ في كبره ، ولا ذكر شيئا من أيامه بخير ولا بشر. فأحفظ ذلك سليمان ودعاه (١) لما فرغ فقال له سليمان أخبرني عنك يا آصف سمعتك ذكرت جميع الانبياء فأثنيت عليهم في ايامهم وفي جميع احوالهم ، فلما بلغت ذكري أثنيت علي صغيرا وتركتني كبيرا فلم فعلت هذا؟ فقال له ذكرت ما علمت ، فلما ألح عليه قال وبما استحققت (٢) أني أثني عليك في أيامك هذه؟ فقال له وما الذي صنعت فيها؟ قال لان غير الله يعبد في دارك منذ اربعين يوما ، وما هذا جزاء نعمته عليك ولا شكر تمليكه لك ما ملكك وأباك من قبلك ، فاستغفر سليمان وقال صدقت ودخل فعاقب المرأة وكسر الصنم وهرب شيطانه فظفر به بعد ذلك وحبسه.

ويقال إن ذلك الصنم كان يخاطب المرأة بلسان ابيها ، ويقول لها قد أحسنت فيما فعلت ، وكان يغويها ذلك بالسجود فعنف الله سليمان لذلك ، وأخذت الجن خاتمه وخرج من ملكه ، وكان يطوف في بني إسرائيل فيذكرونه ، ثم سأل الله فرد ملكه وخاتمه بعد اربعين يوما ، وهي عدد الايام التي سجدت المرأة فيها للصنم وقيل إن المرأة ماتت وكان ولد سليمان عليه السلام منها.

ومنها جزيرة الرود وهم خلق له أجنحة وشعور وخراطيم ضيقه ، يمشون

__________________

(١) في ب ، وت : ودعا.

(٢) في ب استحقيت ، وت : استحققت.

٥٦

على رجلين وعلى اربعه ويطيرون ويعدون إلى الجزيرة ، وقيل إنهم من الشياطين الاول.

ومنها جزيرة القاس وهو (١) دابه مامامة كالكرة تصيح صياحا شديدا ولا يدرى من أين يخرج صياحه ، ويقال أنها تقيم ستة أشهر في البحر وستة أشهر يكون ظاهرا في تلك الجزيرة ، ولا يعرف ما هو ولا يعرف ما هو ولا أي شئ يأكل ، ولا من أي موضع يأكل.

ومنها جزيرة مر بها قوم ، وقد هاج عليهم البحر وعظم ، فنظروا فإذا شيخ ابيض الرأس واللحية ، وعليه ثياب خضر مستلق على وجه الماء ، وهو يقول سبحان مدبر الامور ، وعالم ما في الصدور ، وألجم البحر بقدرته على أن لا يفور ، سيروا بين الشمال والشرق حتى تنتهوا إلى جبال الطوق فاسلكوا وسطها تسلموا من الغرق.

ففعلوا ذلك فاذاهم إلى مدينة بها أمة طوال الوجوه ، معهم قضبان الذهب يعتمدون عليها ، ويحاربون بها وطعامهم الموز والقسط ، فأقاموا عندهم شهرا وأخذوا القضبان الذهب التي (٢) عندهم ، فلم يمنعوهم ، ثم ساروا على ذلك السمت فخلصوا ويقال إن الرجل الذي أرشدهم الخضر عليه السلام وإن هذه الجزيرة مكانه وهي وسط البحر الاعظم وذكر بطليموس أن في بحر الشرق والصين ثلاث عشرة الف وسبعمائة جزيرة ، وذكر بعضها منها جزيرة سرنديب ، يقال إنها ثمانون فرسخا في مثلها ، ونقول اهل الهند إن بها الجبل الذي اهبط الله تعالى عليه آدم عليه السلام تراه اهل المراكب على ايام.

__________________

(١) في ب ، ت : وهي

(٢) في ب : الذي.

٥٧

وتذكر البراهة (١) أن عليه قدم آدم عليه السلام مغموسة وهي سبعون (٢) ذراعا وأن على هذا الجبل مثل البرق ليلا ونهارا فلا يمكن احد من النظر إليه ، وأن آدم عليه السلام خطا فيه إلى البحر خطوة واحدة ، وهي على مسيرة يومين ، وحوله ألوان الياقوت والاشياء (٣) كلها وعليه اصناف العطر والافاوية ، ودواب المسك. وارضه السنبادج ، وفي أوديته الماس ، وفي أنهاره البلور ، وحوله في البحر غوص اللؤلؤ.

ويتصل بها جزيرة الرامي ، والرامي مدينة بالهند ، وبها الكركند ، وفيها البقم ، وعروقه دواء من السم لساعته ، وقد جربه البحريون من سم الافاعي والحيات.

وبها جواميس لا أذناب لها ، وناس عراة في غياض لا يفهم كلامهم ، وهم متوحشون من الناس ، وطول الواحد منهم اربعة اشبار ، وللرجل منهم فرج صغير ، وكذلك المرأة. وشعورهم زغب احمر ، ويتسلقون على الشجر من غير أن يستعينوا بأيديهم ، وهم يلحقون المراكب سباحة وهم في سرعة الريح يبيعون العنبر بالحديد ، ويحملونه في أفواههم ، وبقرب من هؤلاء قوم سود ، وشعورهم مفلفلة ، يأكلون الناس أحياء إذا ظفروا بهم يشرحوهم تشريحا ، ولهم فيها جبل طينه فضة ، إذا أصابته النار ذاب.

ويتصل بها ارض الكافور ، وهو شجر نبت بها ظل الشجرة منها مائة إنسان واكثر ، تثقب الشجرة فيسيل منها ماء يملا عدة جرار ، ثم يكون ذلك ماء الكافور ، والكافور صمغ يخرج على اغصانها قطعا ، ثم وخشبها ابيض خفيف.

وفي هذه الجزيرة عجائب كثيرة بحريات ، وأطيار عجيبة ، وغير ذلك من العجائب وجزيرة كله وهي جزيرة كبيرة يسكنها الهند ، وفيها معدن الرصاص

__________________

(١) ب : في البراهنة.

(٢) في ب : سبعين.

(٣) الذي في ب : وللاشباه.

٥٨

القلعي ومنابت الخيزران وهو عن يمينها على يومين منها.

وجزيرة مالو عن ، وأهلها يأكلون الناس ، وبها موز كثير وكافور ونار جيل وقصب سكر وأرز.

وجزيرة خاقه وبها مدينة سلاهيط وبها ملك يسير أحسن سيرة ، لباسه والثياب المذهبة ، وعلى رأسه قلنسوة من ذهب ، مكللة بغرائب الجواهر وبها نارجيل وموز وسكر وصندل وسنبل وقرنفل.

وبحذائها جبل في ذروته نار تتقد مقدار سمكها علو مائة ذراع في مثلها فهي بالليل نار ، وبالنهار دخان.

وجزيرة الطيب من هذه خمسة عشر يوما ، من البحر ، فيها من كل الاوفاويه وفي مملكة المهراج جزيرة ، يقال لها فرطائيل يسمع منها الطبول والعزف والزمر وأصناف الغناء ، والبحريون يقولون إن الدجال فيها ، وبالقرب منها موضع في البحر يخرج منه خيل لها أعراف تجرها في الارض وجزيرة ميمونة في طريق الصين ، فيها العود والكافور ، ومنها إلى قماري إلى الساحل ايام يسيرة وبقماري العود القماري والصندل.

وجزيرة الصندل على الساحل ، وبها العود والصنفي ، وهو عندهم أفضل من العود القماري ، لانه يغرق في الماء لجودته وثقله ، وبها بقر وجواميس وبلاد الواق وجزائها في مشارق الصين وهي كثيرة الذهب ، حتى إن مقاود دوابهم وسلاحهم وسلاسل كلابهم ذهب ، ويعملون القصب المنسوجة بالذهب ذات التماثيل العجيبة ومن هذه النواحي يجنى العود والمسك والآبنوس والدراصيني ، وأصناف التجارات والعجائب وجزيرة الزنج وفيها أمم مختلفو (١) الاشكال والا خلاط ، وملوك مختلفه

__________________

(١) في ب : مختلفي.

٥٩

المعاني والمذاهب ، وفيها أصناف من الدواب.

وفي بحر الزنج جزائر كثيرة يستخرجون منها الودع والحلزونات الملونة وهم يلبسونها مثل الحلى. ويدفنون انياب الفيلة ، فإذا عفنت أتى تجارها من الهند السند فاشتروها منهم.

وفي بحر هر كند على ما ذكره بطليموس وجماعة من البحرين ألف وسبعمائة جزيرة عامرة سوى الخراب ، ويملك هذه الجزائر كلها امرأة ، ويقع إليها عنبر كثير ، وربما وقع إليها القطعة بقدر البيت أو نحوه ، وإنما يخرج هذا العنبر إذا هاجت الريح من قعر البحر رمت من تحته فقذفت به إلى السواحل. وهذه عامرة بالناس وتجارتهم الودع يأتيهم على وجه الماء وفيه روح ، فيأخذون شقف النار جيل فيطرحونها على وجه البحر ، فيتعلق هذا الودع بها فيأخذونه منه ويجمعونه.

وملك المهراج عظيم مملكته ليس في البحر بالشرق أكثر من جزائره ، ولو شاء إنسان أن يركب مركبا ، ويطوف بها لم يدرها في سنين كثيرة.

وهو بحر لا تحصى عجائبه ، وعند ملوكه جميع الافاويه من الكافور والقرنفل والجوزة والبسباسة والقاقلة والكبابة والعود ، وليس لغيره من الملوك ما له من العطاء ولا يشاركه في ذلك احد تتمنهم ببلاد الصين يقال إن بلاد الصين ثلاثمائة مدينة ونيف ، عامرة كلها سوى القرى والاطراف والجزائر ، وأبواب الصين اثنا عشر (١) بابا ، وهو جبل في البحر بين كل جبلين منها فرجة وبحر يصار منه إلى موضع مدينة من مدائن الصين المعروفة الكبار وهذه الجبال التي تمر بينها المراكب مسيرة سبعة أيام فإذا جاوزت السفينة هذه الابواب صارت في بحر فسيح وماء عذب ، وصارت كذلك حتى تسير إلى

__________________

(١) في ب : اثنى عشر.

٦٠