أخبار الزّمان

أبو الحسن علي بن الحسين بن علي الهذلي المسعودي

أخبار الزّمان

المؤلف:

أبو الحسن علي بن الحسين بن علي الهذلي المسعودي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدريّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٢٧٩

وهو يحدثنا انه كان في سنة ٣١٤ في فلسطين وفي انطاكية ، وظل بعد ذلك متنقلا بين العراق وسوريا ومصر على أن جل ما ورد عن إقامته كان في مصر.

فهو يحدثنا بعد انه كان في سنة ٣٣٦ قد أتم تأليف كتابه مروج الذهب في فسطاط مصر ، وكان قد بدأ تأليفه سنة ٣٣٢.

ويذكر كذلك انه في سنة ٣٤٤ كان يشتغل بوضع النسخة الاولى من كتاب التنبيه والاشراف في الفسطاط نفسه ، ثم في سنة ٣٤٥ زاد فيها وأصلحها.

ويظهر مما ذكره من الكتب التاريخية في صدر كتابه ، مروج الذهب ، والتنبيه والاشراف ، ان المكتبة العربية التاريخية في عصره كانت غنية جدا ، عامر بالمؤلفات ، فقد أورد فيهما عددا وفيرا من اسماء الكتب ، وأسماء المؤلفين.

والمؤرخون ، يذكرون انه توفي سنة ٣٤٥ وبعض يقول في ٣٤٦ ، والخطب يسير ، لكنه يجل حين نذكر ان ذلك العالم المؤرخ الكبير الذي عاش معنيا بالعلم وبالعالم ، والعلماء وبالتاريخ والمؤرخين أهمله التاريخ ، ولم يذكر المؤرخون شيئا من نعوته ، ولا من تاريخ طفولته أو حياته.

ولكن يكفينا عزاء بقاء اسمه حيا في بطون ما بقي من كتبه ، تعمر به قلوب العلماء وصدور الاجلاء ، فرحمه الله رحمة واسعة.

وقد اعتمدت في طبع هذا الكتاب على النسخة المأخوذة من الاصل الباريسي بالتصوير الشمسي والمحفوظة بدار الكتب الملكية تحت رقم ٨٧٩ تاريخ وقد رمزت إليها باشارة (ب) اول كلمة باريس ، وهي نسخة معتبرة وخطها يقرأ بعسر ويذهب القارئ فيه مذاهب شتى لتشابه حروفه ، وقد حدث في اثناء التصوير ارتجاج احدث فسادا في طبع بعض الصفحات وقد لقينا مجهودا كبيرا في مراجعتها ، والتهدي إلى صوابها.

٢١

هناك اصل آخر في المكتبة التيمورية كثر فيه الحذف والبتر وكانت الورقة الاولى منه قد ضاعت فأكملها احد الناسخين فدل على سوء علمه ورأيه وعدم امانته وهذه النسخة محفوظة تحت رقم ٦١٤ تاريخ وهي كثيرة الخطأ ولم أعتمد عليها الا قليلا بل لقد تركت الاعتماد عليها عندما قاربت منتصف الكتاب لكثرة ما فيها من الخلل والتحريف والنقص وقد رمزت على ما انتفعت به منها بإشارة (ت) أول كلمة من تيمور.

وقد اعتمدت فيما جاء فيه من اخبار مصر وملوكها على تاريخ القرماني المسمى بأخبار الدول وآثار الاول لابي العباس احمد بن يوسف بن احمد الدمشقي الشهير بالقرماني وقد طبع في مدينة بغداد سنة ١٢٨٢.

وقد لاحظت انه اطلع على نسخة من اخبار الزمان ، لانه يذكر حوادث وأخبارا بنصوصها وعبارتها وألفاظها الا انه مختصر.

وقد أفاد هذا الكتاب كثيرا في تصحيح بعض الاسماء وكشف بعض ما عميت قراءته ولا سيما تلك الصفحات التي حدث بها الارتجاج اثناء التصوير الشمسي في باريس.

وقد رمزت إلى تاريخ القرماني بالاشارة (ق) اول حرف من كلمة قرماني ، هذا وان ألفت نظر حضرات الادباء والعلماء إلى ان الفضل في اختيار هذا الكتاب ، والانفاق على طبعه لحضرة الفاضل السيد عبد الحميد افندي حنفي عامله الله بلطفه الخفي ، وشكر له مسعاه وأبلغه احسن ما يتمناه ، وأنا ارجوا ان اكون قد قمت ببعض ما يجب علي من تصحيح هذا الكتاب ، وأسأل الله ان يتداركني بلطفه ، وان يوفقني إلى ما فيه الخير في الدنيا والاخرى ، وأن يلهمني السداد ، انه على ما يشاء قدير.

عبد الله الصاوي

٢٢

بسم الله الرحمن الرحيم

وهو حسبنا ونعم الوكيل

«قال الشيخ أبو الحسن ، علي بن الحسين بن علي بن عبد الله الهذلي المسعودي رحمه الله ورضي عنه».

نبتدئ بحمد الله وذكره وشكره ، والثناء عليه والشكر له ، والصلاة على أنبيائه ورسله وملائكته ، ونخص سيدنا ونبينا محمدا صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأزواجه وأصحابه ، بأفضل صلواته ، وأكمل تحياته ، وأزكى بركاته.

ثم نذكر ما وقع الينا من أسرار الطبائع ، وأصناف الخلق ، مما يكون ذلك (١) مشاكلا لقصدنا ، ونصل ذلك بذكر ما يجب ذكره من ملوك

__________________

(١) أول الكتاب في ت : مفقود ، وقد انتحل الناسخ ديباجة أولها : الحمد لله الذي اختص نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم بكتاب أخرس الفصحاء ، وأعجز البلغاء عن مثل أقصر سورة من سوره ، بل آية آياته. وبجوامع الكلم ، وبدائع الحكم. وأيد أقواله ، وأشهر أفعاله ، وقصرت الالسن عن مدح نعت كماله ، وقد سطع بدر وجوده ، وفاض على الثقلين سح جوده ، وأشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، صلاة وسلاما دائمين ما دام النيرين (*) وسلم تسليما ، وبعد ، لما رأيت فن التاريخ شريف (**) ، ولهج به كل ظريف ، قصدت تأليف هذا الكتاب جهدي ، ليكون تذكرة من بعدي ، فأقول كان ابتداؤنا به ابتداء الموجودات والمحسوسات مشاكلا الخ ...

__________________

(*) الصواب النيرين.

(**) الصواب شريفا ، وهذا يدل على فرط جهل الناسخ المنتحل.

٢٣

الارض ، وما عملوه من عجائب الاعمال ، وشيدوه من عجائب البلدان (١) ووصفوة من الآلات المستطرفة والطلاسمات (٢) المستعملة ، وما بنوا من هياكلهم ، وأودعوه نواويسهم ، وزبروه على أحجارهم. على حسب ما نقل الينا من ذلك.

ونبدأ بما جاء من الآثار الشرعية ، والملة الحنيفية ، ثم نذكر ما روي عن الحكماء الاول المتقدمين ، وبالله أستعين ، وهو حسبي ونعم الوكيل.

وقد سميت كتابي هذا بكتاب [تاريخ] (أخبار الزمان ومن (٣) أباده الحدثان وعجائب البلدان والغامر (٤) بالماء والعمران) فأنا أقول :

«أما بعد» فان الله جل جلاله ، وتقدست أسماؤه ، خلق خلقه من غير ضرورة كانت منه إلى خلقهم ، وأنشأهم من غير حاجة كانت منه إلى إنشائهم. بل خلقهم ليعبدوه ، فيجود عليهم بنعمه ويحمدوه ، فيزيدهم من فضله فيشكروه ويمجدوه. كما قال عزوجل (وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون ، ما أريد منهم من رزق وما أريد ان يطعمون ، إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين) فلم يزده خلقه إياهم وإيجادهم مثقال ذرة ، ولم ينقصه إفناؤهم وإعدامهم وزن شعرة ، لانه سبحانه لا تغيره الاحوال ، ولا يدخله الملال ، ولا تتقاضي سلطانه الايام والليال. بل خصهم بأسماع وأبصار ، وعقول وافكار. يصلون بها إلى الحق والباطل ، فيعرفون بذلك المنافع والمضار. وجعل لهم الارض بساطا ، ليسلكوا منها سبلا فجاجا ، والسماء سقفا محفوظا. أنزل منها الغيث المدرار ، والارزاق بمقدار ، وأجرى لهم فيها قمر الليل وشمس النهار. يتعاقبان لمصالحهم دائبين. وجعل لهم الليل سكنا ،

__________________

(١) في ت : البنيان.

(٢) ت : الطلسمات.

(٣) في ب : وما أباده وهو خطأ عربية وغير موافق لما ينقله في كتبه ، وفي ت : وما أباد.

(٤) ت : والناس.

٢٤

والنهار معاشا. ومحا آية الليل ، وجعل آية النهار مبصرة. ليصلوا (١) بذلك العلم بأوقات فروضهم التي فرضها عليهم. من الصلاة والزكاة والصيام والحج ، وليعلموا عدد السنين والحساب ، وحين تحل ديونهم ، وتجب حقوقهم. قال الله عزوجل وعلا : (يسألونك عن الاهلة قل هي مواقيت للناس والحج) وقال (هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ، ما خلق الله ذلك إلا بالحق) إنعاما منه وطولا ، وإحسانا منه وفضلا.

روى سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال : «الدنيا جمعة من جمع الآخرة سبعة آلاف سنة فقد مضت ستة آلاف ومئون من السنين ، وليأتين عليها مئون ليس عليها موحد لله تعالى».

وعن نافع عن ابن عمر ، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «إنما أجلكم في آجال من خلا من الامم ، كما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس».

وعن أبي هريرة قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم «بعثت أنا والساعة كهاتين» وأشار بالسبابة والوسطى.

وفي حديث سهل بن سعد الساعدي قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم «ما مثلي ومثل الساعة إلا كفرسي رهان».

وعن ابن عباس قال : قال رسول صلى الله عليه وسلم «أول ما خلق الله القلم خلقه من نور طوله خمسمائة عام ، وخلق اللوح المحفوظ من درة بيضاء ، حافاته من ياقوت أحمر ، عرضه مابين السماء والارض ، خلقهما قبل أن يخلق الخلق والسموات والارض. فقال للقلم اكتب ، قال وما أكتب؟ قال اكتب علمي

__________________

(١) ت وب : ليصلون.

٢٥

في خلقي إلى يوم القيامة ، فجرى القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة ، وما هو في علم الله ، ينظر الله تعالى في ذلك اللوح كل يوم ثلاثمائة نظرة وستين نظرة ، فيخلق ويرزق ويحيي ويميت ، ويفعل ما يشاء ويحكم ما يريد».

وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أين كان ربنا قبل أن يخلق الخلق والسموات والارض؟ قال «كان في عماء ما فوقه هواء وما تحته هواء ، ثم خلق عرشه على الماء».

وسئل ابن عباس «على أي شئ كان الماء؟ قال : على متن الريح فلما أراد الباري جل جلاله أن يخلق الخلق سلط الريح العقيم على الماء فطفت أمواجه وارتفع زبده ، وعلا دخانه ، وصعد فوق الماء وسما عليه ، فسماه الله سماء ، وجمد الزبد فصار أرضا فجعل الارض على حوت ، والحوت هو الذي ذكره الله تعالى في كتابه فقال (ن والقلم وما يسطرون) والحوت في الماء والماء على ظهر صفاة ، والصفاة على متن الريح ، فتزلزلت الارض فأمر الامواج فأرست عليها جبالا جامدة ، فاستقرت وثبتت فذلك قوله عزوجل (وجعل فيها رواسي من فوقها) ، (وجعلنا في الارض رواسي أن تميد بكم).

قال ابن عباس : أتت اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه عن ابتداء الخلق فقال (خلق الله الارض يوم الاحد ويوم الاثنين وخلق الجبال وما فيها من المنافع يوم الثلاثاء وخلق الماء والشجر والمدائن والعمران يوم الاربعاء فذلك قوله جلت قدرته (قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الارض في يومين إلى قوله سواء للسائلين) وخلق يوم الخميس السماء والكواكب والنجوم والملائكة)

وخلق يوم الجمعة الجنة والنار ، وآدم عليه السلام ، قالوا : ثم ماذا يا محمد؟ قال : ثم استوى على العرش ، قالوا : قد أصبت ، لو أتممت وقلت ثم استراح.

٢٦

فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم غضبا شديدا فأنزل الله عليه (ولقد خلقنا السموات والارض وما بينهما في ستة أيام ، وما مسنا من لغوب ، فاصبر على ما يقولون).

وفي رواية أسد بن موسى قال «أمر الله تبارك وتعالى السماء أن ترتفع وتسموا ، وأمر الارض أن تنبسط وتنخفض فانبسطت ، فدحاها من موضع بيت الله الحرام».

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الدنيا موج مكفوف ، ولولا ذلك لاحرقت الشمس والقمر الارض ومن عليها» وبين كل سماء والتي تليها خمسمائة عام ، وبين السماء السابعة والعرش مسيرة ألف عام. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «هو الاول فلا شئ قبله ، والآخر فلا شئ بعده».

وعن زرارة بن أبي أوفى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «قلت لجبريل هل رأيت ربك قط؟ فانتفض ، ثم قال يا محمد إن بيني وبينه سبعين (١) ألف حجاب من نور ، لو دنوت إلى واحد منها لا حترقت» ولما أراد الله عزوجل أن يخلق آدم أمر جبريل أن ينزل إلى الارض ويقبض (٢) القبضة التي خلقه منها ، فقالت له الارض أعوذ بالله منك أن تأخذ مني شيئا ، فرجع إلى ربه ، وقال يا رب تعوذت بك مني.

فأرسل إسرافيل ، فقال مثل ذلك ، فارسل ملك الموت فتعوذت بالله منه ، فقال ملك الموت إن ربي أمرني وأنا أعوذ به أن أرجع إليه بغير ما أمرني به.

وروي بعض أهل الاثر أن أول ما أجرى الله الروح في آدم أجراه في رأسه وعينيه قبل سائر جسده ، فلما رأى ثمار الجنة أراد النهوض إليها قبل أن تبلغ الروح إلى رجليه فلم يستطع ، فذلك قوله عزوجل (وكان الانسان

__________________

(١) في ب وت : سبعون ، والصوا ب ما ذكرناه

(٢) ت : فيقبض.

٢٧

عجولا) فلما خلق الله آدم عجبت الملائكة منه فأمرهم بالسجود له كلهم ، فسجدوا طاعة لله تعالى إلا إبليس فانه تكبر وامتلا حسدا ومعصية ، فغضب الله عليه ولعنه ، وكان ذلك سبب هبوطه إلى الارض

وأما الحكماء المتقدمون (١) فانهم يقولون : إن الله تعالى جمع الدراري في الحمل فجعل الشمس ملكا ، وصير عطارد كالكاتب ، والمشتري كالقاضي ، والمريخ كالشرطي وكمن يحمل السلاح ، والقمر كالخازن ، والزهرة كالصاحبة ، وزحل كالشيخ المشاور ، والجوزهر (٢) كالمقوم لامر الفلك

وذكرت الاوائل أنه كان في الارض ثمان وعشرون أمة مخلوقه روحانية ذوات قوة وبطش ، وصورمختلفات بحذاء الثمان (٣) والعشرين منزلة لكل منزلة ، أمة مفردة

ويزعمون أن الامم الماضية ، تعالى الله عن قولهم ، إنما كان تدبيرها للكواكب الثابتة وهي ألف كوكب وعشرون كواكبا ، يقطع كل كوكب منها البرج في ثلاثة آلاف سنه ، وهي التي تعمل الاعمال كلها ، وبها يكون جميع الامور

وقال بعض أهل الاثر : إن الله خلق الافلاك من بخار وإنه لما صعد انعقد وهي سبعة أفلاك ، وفوقها البيت المعمور ، وله ثلاثمائة وستون بابا ، جعلت درجا للفلك ، وإن كل رحمة وبركة إنما تنزل من تلك الابواب ، مقسومة على البروج والكواكب حتى تصير إلى الارض.

وقالوا إن الله خلق هو ملء (٤) ملكه يسمي الروح ، ومن فوقه الحجب وذلك كله داخل في الكرسي. وهو قوله عزوجل (وسع كرسيه السموات

__________________

(١) في الاصلين : المتقدمين ، والصواب عربية ما ذكرناه.

(٢) كذا في ب ، ت : وهذه التسمية يذكرها المسعودي في كتبه كالتنبيه والا شراف.

(٣) في الاصلين : الثمانية.

(٤) في ب ، ت : مليؤ وهو خطأ املائي.

٢٨

والارض) والكرسي وما حوى داخل في العرش ، والعرش وما حوى داخل في علم الله ، جلت عظمته.

وأعلا الدراري السبعة زحل ثم المشتري ثم المريخ ثم الشمس ثم الزهرة ثم عطارد ثم القمر.

وزعم قوم من الحكماء الاوائل ان الكواكب ملائكة ، وانه جعل لها من تدبير العالم ما لم يجعل لغيرها ، فلذلك عظموها وعبدوها.

وزعم قوم منهم ان الخلق العالية الذين هم الملائكة (١) اثنا عشر صنفا بحذاء البروج الاثني عشر ، وأنهم يتوارثون ، جعل الله فيمن شاء منهم حولا وقوة يقدر أحدهم أن يكون في صورة تملا الارض عظما ، ويقدر احدهم ان يكون في صورة تدخل من خرق الابرة لطفا ، ويغوص في تخوم الارض والبحار والجبال ، لا يمنعه من ذلك مانع ، ومنهم من له من الاجنحة مثنى وثلاث ورباع ، كما قال الله عزوجل ، يلتحقون اقطار الارض كلمحة البصر ومنهم مخلوق من النور ، ومنهم زرق من نور النار ، ومنهم شعاعيون ، ومنهم ملائكة الرحمة ، ومنهم الحفظة والخزنة.

وهؤلاء مخلوقون من رطوبة الماء وهم حسان الوجوه سمر الالوان ، ومنهم مشغولون بعبادة الله لا يعرفون غيرها ، وهم في صور لا تحصى.

وقال اصحاب الطبيعة : ان الافلاك لما تم خلقها كانت كالاجسام (٢) لكواكبها وكانت الكواكب كالارواح لها.

وقال هرمس لما خلق الله عزوجل البروج قسم لها دوامها في سلطانه ، فجعل للحمل اثني عشر ألف سنة ، وللثور أحد عشر ألف سنة ، وللجوزاء عشرة آلاف سنة ، وللاسد ثمانية آلاف سنة ، وللسنبلة سبعة آلاف سنة ، وللميزان ستة آلاف سنة ، وللعقرب خمسة آلاف سنة ، وللقوس اربعة آلاف

__________________

(١) في هامش ، ت : عنوان (ذكر الملائكة)

(٢) في ب : الاجسام والتصحيح عن ت.

٢٩

سنة ، وللجدي ثلاثة آلاف سنة ، وللدلو ألفي سنة ، وللحوت ألف سنة ، فصار للدور ثمانية وسبعون ألف سنة ، والباقي لسائر الكواكب.

ولم يكن في عدد الحمل والثور والجوزاء حيوان ، وذلك ثلاثة وثلاثون ألف سنة ، ولا في الارض عالم روحاني (١).

فلما كان عالم السرطان تكونت دواب الماء وهوام الارض ، ولما استقام الاسد في سلطانه تكونت ذوات الاربع من الدواب والبهائم.

فلما دخل سلطان السنبلة تكون الانسانان أدمانوس وحيوانوس ، وكانت الطيور في سلطان الميزان.

وأما مقادير الكواكب عندهم.

فقالوا ان الشمس اكبر من الارض بمائة مرة وثلاث وستين (٢) مرة ، وزحل اكبر من الارض باحدى وتسعين مرة ونصف مرة ، والمشتري بإحدى وثمانين مرة ، والمريخ بثلاث (٣) وسبعين مرة والزهرة بنيف وستين مرة وعطارد (٣) ثلاثين مرة وثلث مرة ، والقمر بسبع عشرة مرة (٤) وربع مرة وكانت الشمس كالملك والدراري كما ذكرنا

ومن الفلاسفة من يقول ان الكواكب حية ناطقة حساسة. ومنهم من قال ان لها حاسة السمع والبصر واللمس ، وليس لها حاسة الذوق والشم. لانها (٥) مشتغلة عن ذلك. ومنهم من زعم ان الفلك حي مميز لجميع ما فيه ، ذو صورة فكذلك جميع ما فيه بهذه المنزلة.

__________________

١) في ب وت : روحانيا.

٢) فيهما : ثلاثة وستون ، والصحيح ما أثبتناه.

٣) فيهما : بثلاثة. في الموضعين.

٤) فيهما : بسبعة عشر.

٥) ت : كأنها.

٣٠

وقالوا إن ضياء القمر مأخوذ من ضوء الشمس ، لانهما إذا اجتمعا لم يكن للقمر نور.

وقال قوم منهم العالم محدث إلا أنه لا يبيد لانه حكمة وصنعة حكيم ، والحكيم لا يفسد صنعته.

ذكر عمر الدنيا

فأما ما ذكروه من توقيت الزمان ومدته إلى انقضائه ، فانهم قالوا فيه أقوالا لاتسلم لهم ، إنما تسمع وتذكر على ما يتعجب منه لاعلى جهة التصديق به ، نعوذ بالله. ففي كتاب السند هند الذي عمل منه المجسطي وغيره من الزيجات أن دوران الشمس من أول سيرها من الحمل انما سيرها ينقضي على ما حسبوه من الآلاف ألف ألف وأربعمائة ألف ألف وعشرون ألف دورة لكل دورة سنة ، والسنة ثلاثمائة وخمسة وستون يوما وربع يوم.

وقالوا إن أصل الدور أربعة آلاف ألف ألف وثلاثمائة ألف ألف وعشرون ألف ألف عند كل بدء ألف سنة.

وأما أهل الاثر ، فزعم قوم أن عمر الزمان إلى آدم عليه السلام سبعة آلاف منه ، ورواية محمد بن جرير الطبري على ما قدمناه ذكره أن من آدم إلى انقضاء الخلق سبعة آلاف.

وذكر طلوع الشمس من مغربها قبل انقضاء العالم.

وقال قوم : إذا بلغ القلب خمس عشرة درجة (١) من الاسد كان طوفان نار يحرق العالم بأسره فلا يبقى على وجه الارض حيوان ولا في البحار ،

__________________

(١) في ب وت : خمسة عشر.

٣١

وتبقى الارض خرابا من العالم ، ثم يستأنف الله عزوجل ما أراد في الخلق.

وكان أرسطا طاليس يرى أن الزمان لا يبيد ، ولا ينفد. وأن الطبيعة قديمة ، وأنه لا أول لها ولا آخر ، تعالى الله جل جلاله.

ذكر الامم المخلوقات قبل آدم عليه السلام

يقال إنه كانت الجملة ثمانيا وعشرين أمة بأزاء المنازل العالية التي يحلها لقمر ، لانه المستولي عندهم لتدبير العالم الارضي باذن الله تعالى جل ذكره خلقت من أمزجة مختلفة أصلها الماء والهواء والنار والارض ، فهي متباينة الخلق.

ومنها أمة طوال خفاف زرق ذات أجنحة كلامهم فرقعة ، ومنها أمة أبدانهم كأبدان الاسد ورؤسهم رؤس الطير لها شعور وأذناب طوال كلامهم دوي ، ومنها أمة لها وجهان قدامها وخلفها وأرجل كثيرة وكلامهم كلام الطير. ومنها الجن. ومنها صفة الجن ، وهي أمة في صور الكلاب لها أذناب وكلامها همهمة لا يفهم. ومنها أمة تشبه بني آدم أفواههم في صدورهم يصفرون تصفيرا. ومنها أمة في خلق الحيات الطوال لها أجنحة وأرجل وأذناب. ومنها أمة يشبهون نصف شق الانسان لهم عين واحدة ويد واحدة ورجل واحدة يقفزون تقفيزا ، وكلامهم مثل كلام الغرانيق. ومنها أمة لها وجوه كوجوه الناس وأصلاب كأصلاب السلاحف ، وفي ايديهم مخالب وفي رؤسهم قرون طوال ، كلامهم كعوي الذئاب. ومنها أمة لكل واحد منهم رأسان ووجهان كوجوه الاسد طوال لا يفهم كلامهم ، ومنها أمة مدورة الوجوه لها شعور بيض وأذناب كأذناب البقر يزرقون الناس من أفواههم. ومنها أمة في خلق النساء لهم شعور وثدي ليس فيهم ذكر ،

٣٢

تلقح من الريح وتلد أمثالها ، ولها أصوات مطربة يجتمع إليها كثير من هذه الامم لحسن أصواتها. ومنها أمة في خلق الهوام والحشرات إلا أنها عظيمة الاجسام تأكل وتشرب مثل الانعام. ومنها أمة تشبة دواب البحر لها انياب كالخنازير بارزة وآذان طوال.

وبقية الثمان والعشرين (١) امة على خلق لا يشبه بعضها بعضا الا إنها وحشية المنظر ، ويقال ان هذه الامم تناتجت فصارت مائة وعشرين امة.

ذكر الجن وأجناسهم وقبائلهم

وسئل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ، هل كان في الارض خلق من خلق الله تعالى قبل آدم يعبدون الله تعالى؟ فقال : نعم خلق الله تعالى الارض ، وخلق فيها أمما من الجن يسبحونه ويقدسونه لا يفترون ، وكانوا يطيرون إلى السماء ، ويلقون الملائكة ، ويسلمون عليهم ويتعلمون منهم الخير ، ويعلمون منهم بخبر ما يجري في السماء ، ثم إن طائفة من الجن تمردوا وعتوا عن أمر الله عزوجل ، وبغوا في الارض بغير الحق ، وعلا بعضهم على بعض ، حتى سفكوا الدماء ، وأظهروا الفساد ، وجحدوا الربوبية. وأقام الآخرون المطيعون على دينهم وعبادتهم وباينوا الذين عتوا عن أمر الله ، وكان يصعد إلى السموات عنها للطاعة ، وخلق الملائكة كما قدمناه ذكره روحانيين ذوي (٢) أجنحة يطيرون بها حيث صيرهم الله تعالى ، وأسكنهم ما بين أطباق السموات يسبحونه ويقدسونه لا يفترون ، حتى اصطفى الله تعالى منهم الملائكة فكان أقربهم منه اسرافيل ، ثم ميكائيل ثم جبرائيل صلوات الله تعالى وسلامه عليهم أجمعين.

__________________

(١) في ب ، وت : الثمانية وعشرين.

(٢) فيهما ذو.

أخبار الزمان ـ م (٣)

٣٣

فصل

وأما الجن فذكرت الهند والفرس واليونان ولادات الجن وقبائلهم وأسماء ملوكهم ، وزعموا أنهم مفترقون على احدى (١) وعشرين قبيلة ، وبعد خمسة آلاف سنة ملكوا عليهم ملكا منهم ، يقال له الملك شمائيل بن أرس جن ، ثم افترقوا ، فملكوا عليهم خمسة (٢) ملوك فأقاموا بذلك دهرا طويلا ، ثم أغار بعض الجن على بعض ، وكانت بينهم وقائع كثيرة وحروب شديدة ، وكان إبليس منهم ، وله أسماء كثيرة باختلاف اللغات غير أن اسمه بالعربية الحارث. ويكنى أبا مرة. عظيم الخلق مطيقا (٣) وكان يصعد إلى السماء ويقف في صفوف الملائكة ، ويجتهد في العبادة ، فلما بغي بعض على بعض ، وكانت تلك الحروب بينهم اهبط إلى الارض في جند من الملائكة فهزمهم وقتلهم ، وجعل ملكا على الارض فتجبر وطغا ، وكان امتناعة من السجود لآدم عليه السلام. كما أنبأنا الله عزوجل في كتابه ، فاهبط في أقبح صورة وأشدها (٤) تشويها فأنكره جميع قبائل الجن واستوحشوا منه. فلما رأى ذلك سكن البحر ، وجعل له عرشا على الماء. ثم جعل له ولادة كما جعلت لآدم عليه السلام. فألقيت عليه شهوة السفاد (٥) وجعل لقاحة كلقاح الطير وبيضه كبيضه.

وذكر بعض العلماء صنوف الجن فزعم (*) أن الشياطين خمس (٦) وثلاثون قبيلة وأن الذين يطيرون في الجو خمس عشرة قبيلة (٧) وان الذين مع لهب النار عشر

__________________

(١) في الاصلين احد.

(٢) فيهما : خمس ملوك.

(٣) في ت : مطيعا.

(٤) فيهما : وأشرها.

(٥) ت : الفساد.

(*) ما بين هاتين العلامتين في هذه الصفحة والتي تليها

مبتور في ت.

(٦) فيهما : خمسة وثلاثون.

(٧) في ب : خمسة عشر ، وهو خطأ عربية.

٣٤

قبائل وأن مسترقي السمع ثلاثون قبيلة ، ولهذا القبائل كلها ملوك من كل قبيلة لدفع شرهم.

وحكي أن صنفا من السعالي يتصورون (١) في صور النساء الحسان ويتزوجن برجال الانس كما حكي عن رجل يقال سعد بن جبير ، أنه تزوج امرأة منهن وهو لا يعلم ما هي : فأقامت عنده وولدت عنده أولادا وكانت معه ليلة على سطح يشرف على الجبانة ، إذا بصوت في أقصى الجبانة نساء يتألمن فطربت وقالت لبعلها أما ترى نيران السعالي شأنك وببنيك استوص بهم خيرا فطارت فلم تعد إليه

ومنهم من تظفر (٢) بالرجال الخالي في الصحراء أو الخراب ، فتأخذه بيده فترقصه حتى يتحير ويسقط فتمص دمه

ومنهم صنف لا تفارق صور الحياة وربما قتلها الرجل فهلك يحكى ان فتى من الانصار قريب عهد بعرس استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تقدمه يوم الخندق وأن يلم بأهله فأذن له فلما انتهى إلى منزله وجد امرأته قائمة بالباب فأدركته غيرة وأهوى إليها برمحه ، فقالت له لا تعجل وادخل حتى تنظر ما على فراشك فدخل فرأى على فراشه حية عظيمة ، فطعنها برمحه فقتلها ، فمات هو من ساعته.

وتذكر العرب عن عبيد بن (٣) الابرص الاسدي أنه خرج في سفر له يريد الشام مع نفر ، فلما صار ببعض الطريق إذ هو بشجاع يلهث عطشا وخلفه حية سوداء تطرده ، فنزل (٤) فقتل الحية السوداء وحل إدواته ونضح على

__________________

(١) ب : يتصورون

(٢) ب : يظفر.

(٣) ب ، ت : عبيد الابرص.

(٤) ت : ثم نزل.

٣٥

الشجاع من الماء فشرب وانساب حتى دخل جحره ، ومضى عبيد حتى قضى حوائجه بالشام.

فلما انصرف أغفى وهو في مفازة فلما انتبه وجد قلوصه قد ضل ، وهو على غير الطريق فأقام مكانه فلما جنه الليل إذا بهاتف يقول :

يا صاحب البكر البعيد مذهبه

ما عنده من ذي رشاد يصحبه

دونك هذا البكر منا تركبه

حتى إذا الليل تولى غيهبه

واقبل الصبح ولاح كوكبه

فبعد حط رحله تستلبه (١)

فلما سمع عبيد ذلك من الهاتف التفت ، فإذا عنده بكر كأحسن ما يكون فركبه فسار به بقية ليلته فأصبح في منزله ، وكان بينه وبين منزله إحدى وعشرون مرحلة فنزل عنها وأنشأ يقول :

يا صاحب البكر قد أنجيت من عطب

ومن حمام يضل المدلج الهادي

ارجع حميدا فقد اوليتنا مننا

جوزيت من رائح بالخير أو غادي

فأجابه البكر :

أنا الشجاع الذي ألفيتني رمضا (٢)

في مهمه نازح عن أهله صادي (٣)

فجدت بالماء لما ضن حامله (٤)

رويت منه ولم تلمم بأنكاد (٥)

الخير يبقى وإن طال الزمان به

والشر أخبث ما اوعيت من زاد

ثم قال إن الاسود الذي رأيته يطردني عبد من عبيدي أراد قتلي فكفيتني شره ، وأرويتني من ظمئي ولن يضيع الخير واستخلف الله عليك.

وعن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال : أكثر الحيوان الداجن صفة الجن ، وان الكلاب من الجن ، فإذا رأوكم تأكلون فألقوا إليهم من طعامكم ، فان

__________________

(١) ت : فحط عنه رحله وسيبه

(٢) ب : ومضا.

(٣) ب : ماد.

(٤) ب : ظن جاهله.

(٥) ب : أرويت هامي ولم تهمم بانكاد. وفي ب أوتيت منه.

٣٦

لهم أنفسا ـ يعني يأخذون بالعين.

والعرب تذكر راكبا على جمل (١) في قدر الشاة وفد عليهم بسوق عكاظ [نادى] ألا من يهبني ثمانين بكرة هجانا وأدما ، فلم يجبه أحد.

فلما رأى ذلك ضرب جمله (٢) وطار به بين السماء والارض كالبرق ، فعجبوا منه فحدثهم رجل قال : لقيت رجلا في بعض المفاوز راكبا على نعامة وعيناه مشقوقتان بطول وجهه ، فأخذتني منه روعة ثم استوقفته فقلت له : اتروي شيئا من الشعر؟ قال : نعم وأقرضه ، وأنشدني : أتاركة تحيتها (٣) قطام وضنا (٤) بالتحية والسلام حتى أتى على آخرها فقلت له : هيهات سبقك إليها أخو بني ذبيان ، فقال : أنا والله يا أخي ، نطقت بها على لسانه بسوق عكاظ ، وكنت قلتها قبل ذلك بأربعمائة عام.

ويقال إن الله تعالى خلق ألفا وعشرين أمة حذاء الكواكب الثابته (٥) منها في البحر ستمائة أمة ، ومنها في البر أربعمائة أمة وعشرين أمة أحسنها الانسان وأتمها وأحبها إلى الباري سبحانه وتعالى وأفضلها ، فانه خلق على صورة إسرافيل عليه السلام وهو أقرب الملائكة إلى الله تعالى.

وفي التوراة خلق الله تعالى آدم على صورته ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ، وفي الحديث «لا تضربوا الوجوه فإنها على صورة إسرافيل عليه السلام» وفي الحديث «تلجوا بالنظر إلى وجوه المرد فان فيها لمحات من الحور العين».

ويقال أن في الانسان من كل الخلق ، فلذلك سخر له جميع الحيوان وسلط عليها فاقتنصها وذللها وسخر أكثرها ، وجمع له المأكول من النبات

__________________

(١) ب : حمل

(٢) في ب وت : جمله.

(٣) في ت : تدللها.

(٤) ت : وظنا

(٥) ت : اليابانية.

٣٧

والحيوان [البهيمي والوحشي وغيره] (١) ، وله خلقت اللذات جميعا ، وعمل بهذه جميع الاعمال.

وله المنطق والضحك ، والفكر الفطنة ، واختراعات الاشياء ، وله خاطب الباري عزوجل ، وعليه وقع الامر والنهي

والانسان هو الذي استنبط الاشياء وجمع العلوم ، وعمل الآلات ، وأثار المعادن ، وأخرج ما في قعور البحار ، وسخر له كل شئ.

ومن العجائب خلق النسناس وهو كمثل نصف الانسان بيد واحدة ورجل واحدة ، ويثب وثبا ويعدو عدوا شديدا ، وكان ببلاد اليمن ، وربما كان ببلاد العجم ، والعرب تصيده وتأكله. وفي بعض أخبارهم أن سيارة وقعوا في أرض كثيرة النسانس ، فصادوا واحدا وذبحوه وطبخوه وكان سمينا ، فلما جلسوا يأكلونه قال أحدهم : لقد كان هذا النسناس سمينا ، فقال نسناس آخر ، قد اختفى في شجرة بالقرب منهم : إنه كان يأكل السرو فلذلك سمن ، فنبههم على نفسه فأخذوه وذبحوه. فقال آخر من شجرة أخرى ، قد اختفى فيها عنهم : لو كان عاقلا صمت ولم ينطق ، فاخذوه وذبحوه. فناداهم نسناس آخر تخبأ في بعض خروق الارض : اني قد احسنت فلم أتكلم فأخذوه وذبحوه ، وكان لهم فيها قوت. وقيل إنه يغتذي بالثمار والنبات ، ويصبر على العطش.

وقيل إن في شرقي القلزم مما يلي في البحر أمة متولدة من صنف من السباع وبني آدم ، وجوهها عراض كثيرة الشعر مثل وجوه السباع ، وعيونها مدورة بصاصة ، وأنيابها بارزة طوال ، وآذانها طوال ، وأبدانها كأبدان الناس إلا

__________________

(١) عن ت.

٣٨

أن لهم أظفارا كبارا ، معقفة محدودة ، وليس وراءهم غيرهم. وطعامهم دواب البحر.

ومما يشبه خلق الانسان أمة يقال لها الواق واق ، وهي حمل شجر عظام لشعورها ، ولها أيدي وفروج مثل فروج النساء وألوان ، ولا يزلن يصحن واق واق ، فان قطعت إحداهن سقطت ميتة لا تنطق.

وفي كتاب الخزانة انه من جاوز اولئك وقع إلى ما هو اعظم منهن وأحسن أعجازا وفروجا ووجوها ، فإن قطعت أقامت يوما وبعض آخر ، وربما جامعها من يقطعها ، وهي تشبه النساء ، وأطيب رائحة ، وألذ مباضعة ، وهذه الارض أطيب رائحة من الكافور وليس بها إنس.

وإنما يحكي ذلك عنها أهل المراكب إذا سقطوا إليها ، ومنها خلق بحرية على شبه النساء يقال لها بنات الماء ، في صورة النساء الحسان ، ذوات الشعور السبط ، لها فروج عظام وثدي ، كلامهم لا يكاد يفهم ، ولهم قهقهة.

وحكى بعض البحريين ان الريح ألقتهم إلى جزيرة فيها شجر ، وأنهار عذبة ، وانهم كانوا يسمعون ضوضاة وضحكا ، فكمنوا لهن وأخذوا منهن امرأتين فأوثقوهما.

وأقامتا مع اللذين أخذاهما يقعان عليهما في كل وقت ويجدان لهما لذة عجيبة ، وأن احداهما وثق بصاحبته فأرسلها من وثاقها فهربت إلى البحر ولم يرها بعد ذلك ، وبقيت الاخرى ، فلما حصلت في المركب رحمها صاحبها فحل وثاقها فحملت منه وولدت له ولدا ذكرا وانهم ركبوا في البحر فلما حصلت في المركب وقد انها لا تزول عن ابنها فتغفلته ووثبت في البحر ، فلما كان بعد ذلك بيوم ، ظهرت له وألقت إليه صدفا فيها در نفيس.

قال المسعودي رحمة الله : وقد ذكرنا طرفا من أخبار الروحانية ، على ما

٣٩

نقل الينا والله اعلم بخلقه ومن اشياء كثيرة على طريق التعجب لا من طريق التصديق ، فمن قرأ كتابنا هذا فليعلم العذر فيما أوردناه ، وبالله التوفيق والتسديد والمعونة والتأييد.

ذكر

الارض وما فيها

روى ابن عبد الحكم قال : خلقت الارض على صورة الطائر رأسه وصدره وجناحاه رجلاه وذنبه.

فالرأس مكة والمدينة واليمن ، والصدر الشأم ومصر ، والجناح الايمن والعراق إلى الواق والوقواق وأمم السند والهند ، والجناح الايسر ناسك ومنسك ويأجوج ومأجوج ، وأمم كثيرة والذنب من ذات الحمام (١) إلى مغرب الشمس والبحر الاسود.

وفي الحديث «ان الله عزوجل خلق مدينتين واحدة في المشرق واسمها جابلقا ، وأخرى في المغرب واسمها جابرضا ، طول كل مدينة عشرة آلاف فرسخ ، لكل مدينة منها عشرة آلاف باب ، بين كل بابين فرسخ ، للباب كل ليلة عشرة آلاف رجل لا تلحقهم النوبة إلى يوم القيامة ، وانهم يعمرون سبعة آلاف سنة الا ما دونها ويأكلون ويشربون ويتناكحون ، وفيهم حكم كثيرة ، ولهم خلق عظام تامة ، وان هاتين المدينتين خارجتين من هذا العالم لا يرون شمسا ولا قمرا ، ولا يعرفون آدم ولا إبليس ، يعبدون الله تعالى ويوحدونه وان لهم نورا يسعون (٢) فيه من نور العرش من غير شمس ولا قمر».

__________________

(١) هكذا في ب وت ، غير ان الرسم يحتمل في ب ان تكون ذلك الحرام.

(٢) في الاصلين نور.

٤٠