أخبار الزّمان

أبو الحسن علي بن الحسين بن علي الهذلي المسعودي

أخبار الزّمان

المؤلف:

أبو الحسن علي بن الحسين بن علي الهذلي المسعودي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدريّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٢٧٩

وجعل على باب كل مدينة طلسما ، يمنع دخولها في صور مختلفة ، لا يشبه بعضها بعضا.

وملا كل مدينة بالجوهر النفيس والزبرجد الخطير والذهب والفضة ، والكبريت الاحمر ، واكسير الصنعة ، وصنوف الادوية المؤلفة ، والسموم الفاتكة ، وعلم كل باب منها بعلامة تعرف بها.

وانفذ إليها خازنا تحت الارض وجعلها من تحت جلجلة ، وهي مدينته التي عمل فيها الجنة.

وبين كل مدينة من تلك المدن الثلاث عشرون ميلا ، وبين الثلاث سبعة أميال.

وكان له من مدينته إلى هذه المدائن اسراب تحت الارض يصل منها إليها ، وكذلك من بعضها إلى بعض.

وصفات هذه المدائن وعجائبها في كل قرية بمصر على تلك الحجارة ، وفي جميع مصاحفهم القديمة ، وأكثر ذكرها في هياكل الكواكب خاصة ، وقرئ في مصحف لبعض الكهان القدماء ذكر بقراوش الملك بكل ما ذكرناه ، وأنه عمل مع ما ذكرناه عجائب كثيرة أزالتها الطوفان وركب هذه الرمال لزوال طلسماتها ، فأقام بقراوش ملكا مائة سنة وسبع سنين ، ثم مات فعمل له ناووس ، وجعل معه من العجائب ما يطول ذكره.

وولى بعده ابنه مصرام الملك بن بقراوس ، فبنى للشمس هيكلا من المرمر وموهه بالذهب ، وجعل في وسط الهيكل كالفرس من جوهر أزرق عليه صورة الشمس من ذهب أحمر ، وأرخي عليه وعليها حلل الحرير الملون ، وأمر أن يوقد عليها بطيب الريحان ، وجعل في الهيكل قنديلا من الزجاج

١٤١

الصافي ، وجعل فيه حجرا مدبرا يضئ اكثر مما يضئ السراج ، وأقام له سدنة ، وعمل أربعة أعياد في السنة.

وقيل إن مصر سميت به ، وسمى به مصريم بن حام بعد الطوفان ، لانه وجد اسمه مزبورا على الحجارة.

وكان افليمون الكاهن يخبرهم بأخبار هؤلاء الملوك ، وكان مصرام هذا قد ذلل الاسد في وقته ، وكان يركبه ، وصحبه الجني الذي كان مع أبيه ، لما رأى من حرصه على لزوم الهياكل ، والقيام بأمر الكواكب.

وأمره أن يحتجب عن الناس ، وألقى على وجهه [من سحره] (١) نورا شديدا لا يقدر أحد على النظر إليه.

وادعاه إلها ، واحتجب عن الناس ثلاثين سنة ، واستخلف عليهم رجلا من ولد عرباق ، وكان كاهنا.

ويقال إن مصرام لما ركب في عرشه ، وحملته الشياطين حتى انتهى إلى وسط البحر ، فجعل له فيه القلعة البيضاء ، وجعل عليها صنما للشمس ، وزبر عليه اسمه وصفة ملكه.

وعمل (٢) صنما من نحاس وزبر عليه «انا مصرام الجبار ، كاشف الاسرار ، الغالب القهار ، وضعت الطلسمات الصادقة ، وأقمت الصور الناطقة ، ونصبت الاعلام الهائلة ، على البحار السائلة ، ليعلم من بعدي انه لا يملك أحد ملكي».

وكل ذلك في أوقات السعادة ، وقد كان عمل في جنته شجرة مولدة ، تؤكل منها جميع الثمار.

__________________

(١) زيادة عن ق.

(٢) في ب : وجعل ، وهذه رواية القرماني.

١٤٢

وعمل فيها قبة من زجاج احمر على رأسها صنم يدور مع الشمس ، ووكل بها الشياطين إذا اختلط الظلام أن لا يخرج احد من ملكه إلا هلك.

وهو اول من عمل الحمام ، وأحب اهل مصر ان يروه فسألوا خليفته ذلك ، فأمرهم أن يجتمعوا في مجلس عال كان له ، فاجتمعوا وجلسوا عنده ، فظهر لهم في صورة هالتهم ، ملات قلوبهم رعبا ، فخروا له على وجوههم دعوا له فأمر بإحضار الطعام والشراب فأكلوا وشربوا ورجعوا إلى مواضعهم ، ثم لم يروه بعد ذلك وبلغ في كهانته إلى ما لم يبلغه أحد من آبائه وأجداده.

وملك بعده عيقام الكاهن ، فعدل فيهم ، وعمل مدينة عجيبة قرب العريش وجعلها لهم حرما ، وعمل لهم طلاسم عجيبة وعجائب كثيرة ، وقيل ان ادريس عليه السلام رفع في وقته ولم يطل عمره.

وملك بعده ابنه عرباق بن عيقام فتجبر واقبل على صيد السباع والوحش وعمل عجائب.

منها أنه عمل شجرة من حديد ذات أغصان ، ولطخها بدواء مدبر ، فكانت تجلب كل صنف من السباع والوحش إليها ، فيتمكن من صيدها كيف شاء.

وفي كتب المصريين أن هاروت وماروت كانا في وقته بمصر ، فعلما أهل مصر أصنافا من السحر ، فنقلا بعد الطوفان إلى أرض بابل وتعلم عرباق من علمها.

فاحتالت عليه امرأة من المغصوبات فسمته فهلك وبقي مدة لا يعرف خبره ، وكان رسمه إذا خلا بالنساء لا يقربه أحد.

فلما تأخر خبره عن الناس هجم ععليه فتى من بني بقراوس يقال له لوحيم (١)

__________________

(١) في ق : لوجيم بالمعجمة.

١٤٣

ومعه نفر من أهله ، فوجدوه ملقى على فراشه جيفة ، فأمر أن توقد له نار يحرق فيها فأحرقه ، ثم جمع النسوة اللاتي كن في الجنة ، فمن كانت من نسائه أحرقها معه ، ومن كانت من المغصوبات ، سرحها إلى أهلها ، ففرح الناس لما نزل بهم.

وملكهم لوحيم الملك فخرج ولبس تاج أبيه ، وجلس على سرير الملك ، وأمر بجمع الناس.

فلما اجتمعوا قام فيهم خطيبا.

وذكر ما كان عليه عرباق الاثيم من سوء السيرة واغتصاب النساء وسفك الدماء.

ورفض الهياكل والاستخفاف بالكهنة ، وأنه لميراث أبيه وجده وأحق به من غيره وضمن للناس العدل والاحسان والقيام بأمرهم ، ودفع كل أذى عنهم فرضي الناس منه بذلك ، وقالوا له : أنت أحق بالملك ، فلا زلت دائم السعادة ، طويل العمر ، وانصرفوا مسرورين.

فأمر بتجديد الهياكل وتعظيمها ، وقرب كثيرا من الكهان ، وأكرم جميعهم ، وسار في الناس بالعدل.

وكانت الغربان والغرانيق (١) قد كثرت في وقته فأهلكت الزرع ، فعمل اربع منارات من نحاس في جوانب أمسوس ، وجعل في كل منارة صورة غراب فيه حية قد التوت عليه فلم يقربهم شئ من تلك الطيور إلى أن كان الطوفان ، فأزال تلك المنارة.

ومن ملوكهم حصليم ، وكانت له أخت حكيمة ، وكانت في جواريها جارية فائقة العقل والجمال ، فعشقها الملك ، وسأل أخته أن تهبها له ، فأبت فألح عليها في طلبها ، فغضبت واعتزلت ، وبنت هيكلا وتعبدت فيه للزهرة

__________________

(١) في ب : والغرائب. والتصحيح عن ق.

١٤٤

مدة ثم إنها رأت الزهرة تناجيها وتكلمها ، وتأمرها أن تسلم الجارية إلى أخيها ، وتنهاها أن تمنعه من ذلك ، ففعلت ذلك.

ولما صارت الجارية عند الملك حظيت عنده ، وفضلها على سائر نسائه فحسدنها وولدت من الملك ولدا ذكرا لم يكن له ولد غيره ، فزاد حسدهن لها ، وجعلن يطلبن أذاها ، ويطلبن الغوائل لها.

وكان أجل وزراء الملك لما يعلم من محبة الملك لها يأتيها في كل يوم فيقضي ما عرض لها من حوائجها ، إجلالا لها ، فلما قصدن ضراتها (١) [إذايتها] لم يجدن أنجع من أن يرمينها بذلك الوزير ، وكان ذلك حسدا وبغيا ، فحققن الامر عند الملك بما أمكنهن من الحيل ، فلما وقف الملك على ذلك أمر بقتلها وقتل الوزير ، ولم يشاور في ذلك أخته ولا احدا من الحكماء.

فلما نفذ أمره بذلك بادر من وقف على ذلك إلى أخته فأعلمها فأسرعت إلى الذي امر بقتلهما تأمر باستبقائهما ، حتى يرى الملك في امرهما.

ودخلت على الملك فقالت له ما هذا الذي أمرت به في وزيرك وجاريتك؟ فقال اتصل بي عنهما كذا وكذا ، قالت أتحدث حدثا عظيما من القتل على ما لم تتحققه ، وعن غير مشورة لاهل الحكمة والثقات من اهل المملكة؟ قال لم أملك صبري ، قالت إن الملوك ليس لها ان تعجل حتى يتبين لهم الامر! فامر باستبقائهما ، وبحث عن أمرهما ، فوقف على الكذب فيه ، فأمر بكل من سعى فيه من ضراتها فأخرجن من القصر.

وحصليم هذا هو أول من عمل مقياسا لزيادة النيل ، وذلك أنه جمع اصحاب العلوم والهندسة ، فعملوا بيتا من زجاج على حافة النيل وجعل في

__________________

(١) في ب ضراتها : فتاها.

أخبار الزمان م (١٠)

١٤٥

وسطه بركة من نحاس صغيرة فيها ماء موزون ، وعلى حافة البركة عقابان (١) من نحاس ذكر وأنثى.

فإذا كان في أول الشهر الذي يزيد فيه الماء ، وفتح البيت وحضر الكهان بين يدي الملك ، وتكلم امير الكهان بكلام حتى يصفر أحد العقابين ، فان صفر الذكر كان الماء تاما زائدا وإن صفرت الانثى كان الماء ناقصا ، ثم يعبرون الماء ، وكل أصبع تزيد في تلك البركة فهو زيادة ذراع في النيل ، فإذا عملوا ذلك حفروا للزرع وأصلحوا الجسور وعمل على النيل القنطرة التي ببلادد النوبة اليوم ، وكان يسمى ابنه هو صال اي خادم الزهرة للرؤيا التي رأتها اخته ، وكفلت الغلام عمته وادبته احسن التأديب ، وزوجته عشرين امرأة من بنات الملوك العظام. وبنت له مدينة وجعلت فيها عجائب كثيرة احتفلت فيها ، وزينتها بأحسن النقش والزينة والعمارة ، وعملت فيها حماما على أساطين يرتفع الماء فيها إليه حارا من غير وقيد.

وهلك حصليم (٢) فدفن في ناووسه ، وملك بعده ابنه هو صال الملك ، وتحول هو صال إلى السرب فسكنه ، وبنى مدينة هي إحدى المدائن ذوات العجائب ، وعمل في وسطها صنما للشمس يدور معها ، ويبيت مغربا. ويصبح مشرقا.

ويقال إنه أول من اتخذ تحت النيل سربا ، وهو أول من عمل ذلك ، وخرج منه متنكرا يشق الارض والامم إلى أن بلغ بابل ، ورأى ما عمله الملوك من الاعاجيب ، وعلم حال ملكها في الوقت وسيرته ، ومجاري أموره.

ويقال إن نوحا عليه السلام ولد في وقته ، وولد لهوصال عشرون ولدا ، وجعل مع كل واحد منهم قاطرا (٣) وهو رأس الكهنة.

__________________

(١) في ب : عقربان. وقد كتبناها عقابان لما يذكره بعد ثلاثة أسطر.

(٢) في ب : خصليم ، وقد تقدم بالحاء ، وفي ق بالجيم.

(٣) في ب : ناظرا.

١٤٦

وتقول القبط أنه من بعد مائة وسبع وعشرين سنة من ملكهم لزم الهيكل الذي كان أقطعه أبوه لا يشركه فيه غيره ، وأمور الناس جارية على سداد ، فأقاموا كذلك سبع سنين ، ثم وقع بين الاخوة تشاجر واختلاف ، فأجمع رؤس الكهنة على أن يجعلوا أحدهم ملكا ، ويقيم كل واحد منهم في قسمته ، واجتمعوا لذلك في دار المملكة.

وقام رأس الكهان فتكلم ، وذكر هو صال وفضائله وسعادتهم في أيامه وما شملهم معه من الخير ، وأخبر بما رأته الجماعة من تقليد أحدهم ، فان كان هو صال حيا ورجع إليهم لم ينكر ما فعلوه ، لانهم لم يريدوا إلا حفظ ملكه ، ورفع المكاره عنه ، وإن لم يرجع كان الامر على ما سلف ملك بعد ملك فاستحسن الناس ذلك القول ورضوا به رأيا ، وعملوا به.

فعقدوا الملك على أكبر ولده سنا وهو فدرشان (١) الملك فسار سيرة أبيه فحمد الناس أمره فعمل في أيامه قصرا من خشب ونقشه بأحسن النقوش وصور فيه الكواكب ، وبجله بالفروش وحمله على الماء ، وكان يتنزه فيه.

فبينما هو فيه ذات يوم إذ هبت ريح عظيمة ، وزاد النيل زيادة كبيرة فانكسر القصر وغرق الملك ، وهلك وقد كان نفى إخوته إلى المدائن الداخلة.

واقتصر على امرأة واحدة من بنات عمه ، فولدت ولدا ولم يكن له ولد غيره ، وكانت ساحرة فسحرته حتى هام بها وانفرد بحبها واستخلف بعض وزرائه على الملك ، واقبل على لذاته ولهوه معها.

فلما كان من أمره ما كان من هلاكه كتمته امرأته ، وكان أمره ونهيه يخرج إلى الوزير عنه ، فأقام الناس على طاعته تسع سنين لا يعلمون بأمره.

__________________

(١) في ق : تدرسان.

١٤٧

فلما رأى إخوته طول غيبته جمعوا [عليها] جموعا عظيمة وقدموا على أنفسهم أحدهم وهو نمرود الجبار.

وساروا إلى أمسوس وبلغ ذلك الساحرة امرأة قدرشان ، فأمرت الوزير على أمر الملك على عادتها بالخروج إليهم وبمحاربتهم ، ففعل فهزموه وقتلوه وقتلوا كثيرا ممن كان معه.

ودخلوا مدينة أمسوس وأتوا دار الملك فلم يروا له خبرا ، فأيقنوا بموته ، وكانت الحيلة وقعت من امرأته الساحرة.

فجلس على سرير الملك نمرود (١) بن هو صال أخوه وملك الناس ووعدهم بحسن السيرة فيهم وتقييد ما كانوا ينكرونه ، من أفعال أخيه واستولى على أمواله وخزائنه ففرقها على اخوته واقطعهم جميع ما كان أخوه ادخره لنفسه.

وطلب امرأته الساحرة وابنها ليقتلهما فلم يقع لهما على خبر لان أمه ذهبت به إلى مدينة أهلها بالصعيد وكانوا كلهم سحرة وكهانا.

فامتنعت بهم وداخلت الناس واعلمتهم أن ابنها هو الملك بعد أبيه لان أباه قلده الملك وأمرها أن تدبر الناس ، وأعلمتهم فصدقوها وأجابوها وقالوا ان الغلام مغلوب على ملكه وان النمرود متغلب غاصب فاجتمع من حمايتها ونصرتها بشر كثير.

وزحف ابن الساحرة إلى نمرود بجموع كثيرة وقد عمل له السحرة أصنافا من التماثيل المهلكة والنيران المحرقة فخرج إليه نمرود واخوته فيمن معهم من الاجناد والاتباع فانهزم الملك واخوته وتعلقوا ببعض الجبال.

ونزل ابن الساحرة بدار الملك وجلس على سريره ولبس تاج ابيه وطافت به بطارقته وكان اسمه توسدون (٢) ملك وهو حدث وكانت أمه تدبر أمره

__________________

(١) في ق : شمرود.

(٢) في ق : توميدون.

١٤٨

فقتل كل من كان صحب النمرود وجد في طلب ومحاربته حتى ظفر به وسيق إليه أسيرا واجتمع الناس لينظروا إليه فشدت رأسه برأس اسطوانة قائمة وشدت رجله (١) باسطوانة اخرى ، وكان طوله فيما تذكره القبط عشرين ذراعا واودعته بيتا ووكلت به رجالا من حرسها لتقتله يوم عيدها وكان قويا فصاح في الليل صيحة مات منها بعض الحرس وهرب الباقون ، فلما بلغها ذلك أمرت بانزاله واحضرته وامرت بنار توقد فأوقدت وجعلت تأمر فيقطع منه عضو بعد عضو فيلقى في النار حتى فرغ منه.

وكبر ابنها فخرج كاهنا منجما ساحرا ، فعملت له الشياطين قبة من زجاج كرية (٢) مدبرة دائرة على دوران الفلك وصوروا عليها صور الكواكب ، وكانوا يعرفون بها أسرار الطبائع ، وعلوم العالم بطلوعها وأفولها.

وبعد ستين سنة من ملكه ماتت أمه الساحرة ، وأوصت أن يجعل جسدها تحت صنم القمر بعد أن يطلى بما يدفع عنه النتن ، وكانت وهي ميتة تخبرهم بالعجائب وتجاوبهم على كل ما يسألون ، فهاب الناس لابنها وفزعوا له ، وكان يتصور لهم في صور كثيرة وملكهم مائة سنة ، ولما حضرته الوفاة أمر أن يعمل له شكل صنم من زجاج ، يكون شفيفا (٣) ويطلى جسده بالادوية الممسكة له ، ويدخل في تلك الصورة التي من الزجاج ، ويلحد ما بين الشفتين وينام في هيكل الاصنام ويعمل له في كل سنة عيد تقرب فيه القرابين ، وتدفن تحته كنوزه ، ففعل ذلك كما أمر.

وملك بعد ، ابنه سرباق (٤) الملك فعمل بسيرة ابيه وجدته ، واجتمع

__________________

(١) في ق : رجليه.

(٢) في ب : كورية.

(٣) في ق : من زجاج على شقين فلعل الصواب اذن : شقيا.

(٤) في ق : شرياق.

١٤٩

عليه ، وزحف رجل من بني طربيس بن آدم من ناحية العراق فتغلب على الشام.

وأراد أن يزحف إلى مصر فعرف أنه لا يصل إليها لسحر أهلها ، فأراد أن يدخلها متنكرا ليعرف أهلها ، ويقف على سحر بعض أهلها ، فخرج ومعه نفر حتى وصلوا إلى حصن من أول حدود مصر ، فسألهم الموكلون به عن أمورهم فعرفوهم أنهم تجار يقصدون بلدا يسكنونها ، ومعهم اموالهم ليحترفوا كيف ظهر لهم بها ، فحبسوهم وأرسلوا إلى الملك بخبرهم.

وقد كان رأى الملك في منامه كأنه كان قائما على منار لهم عال ، وكأن طائرا عظيما قد انقض عليه ليختطفه فحاد عنه حتى كاد (١) أن يسقط عن المنار ، فجاوزه الطائر ولم يضره فانتبه مذعورا ، وبعث إلى رأس الكهنة ، فقص عليه رؤياه فعرفه أن ملكا يطلب ملكه ، فلا يصل إليه.

فنظر في علمه فرأى ذلك الملك الذي يطلب ملكه قد دخل بلده ووافق ذلك دخول الرسل من ذلك الحصن يذكر القوم ، فعلم الملك أنه فيهم فوجه بجماعة من أصحابه معه ، فاستوثقوا منهم وحملوهم إليه.

وقد كان الملك أمرهم أن يطوفوا بهم على أعمال مصر (٢) كلها ، ليروا ما فيها من الطلسمات والاصنام والعجائب والمعجزات فبلغوا بهم إلى الاسكندرية ، ثم ساروا بهم إلى أمسوس ، فأوقفوهم على عجائبها ثم ساروا بهم إلى الجنة التي عملها مصرام وأمر السحرة باظهار التماثيل فجعلوا يتعجبون مما يرون حتى وصلوا إلى سرباق الملك ، والكهنة حوله قد أظهروا صنوف العجائب ، وجعلوا بين يديه نارا لا يصل إليها إلا من كان من خاصته.

ولا تضر الا من أضمر للملك غائلة وامر فشقوها واحدا بعد واحد فلم تضر منهم أحدا.

__________________

(١) في ب : كان.

(٢) في ب : الجمال بمصر.

١٥٠

وكان ذلك الملك آخر من دخلها منهم. فلما دنا من النار أخذته فولى هاربا فأتى به سرباق فسأله عن أمره وتوعده فأقر فأمر بقتله ، وحمله إلى الحصن الذي أخذ به فصلب هناك من جهة الشأم على اسطوانة عظيمة من حجر وزبر عليها هذا فلان بن فلان المتغلب على الشأم أضمر غائلة للملك وطلب ما لم يصل إليه تعديا منه عليه وظلما له فعوقب بهذا.

وأمر باطلاق الباقين. وقيل لهم قد وجب عليكم القتل ، لصحبتكم لمن أراد الفساد في الارض. ولكن الملك بفضله عفا عنكم وأمر أن تخرجوا من بلاده ، ولا تعدوا إليها ابدا فخرجوا هاربين. مسرورين بالسلامة فكانوا لا يمرون بأحد إلا حدثوه بما رأوا من العجائب. فانقطعت أطماع الملوك في الوصول إلى مصر والتعرض لها. وعملت في وقت سرباق عجائب كثيرة.

منها أنه عمل عرباق في مدينته بطة من نحاس قائمة على اسطوانة ، فإذا دخل الغريب من ناحية من النواحي أو باب من الابواب صفقت بجناحيها ، وصرخت فيؤخذ [الداخل] ويكشف عن أمره ومقصده ، وشق إلى مدائن الغرب نهرا من النيل ، وبنى على عبريه منازل وأعلاما ، وغرس فيها غروسا يتنزه عليها ، وملكهم مائة سنة وثلاثين سنة.

وملكهم بعده ابنه سهلون بن سرياق ، وكان سهلون عالما منجما كاهنا ، فأفاض العدل وقسم ماء النيل قسما موزونا ، صرف إلى كل ناحية قسطا ، ورتب الدولة وجعلها على سبع طبقات.

(الطبقة الاولى) الملك وولده وأهل بيته ومن يلي عدله ، ورأس الكهان ، والوزير الاكبر ، وصاحب خاتم الملك ، وصاحب خزائنه.

(والطبقة الثانية) مراتب العمال والمتولين لجباية الاموال ، والاشراف على النفقات في أمر المملكة ، ومصالح البلاد والعمارات ، وقسمة المياه.

١٥١

(والطبقة الثالثة) الكهان وأصحاب الهياكل وخدمتها ، ومتولي الفراش والمشرف على ما يقرب من بوادر الفاكهة والرياحين وصغار البقر والغنم والفراريج الذكور ، وما يعرف من مثل ذلك في طعام الملك وخوابي الشراب ، وغير ذلك مما يشبهه.

(والطبقة الرابعة) المنجمون ، والاطباء ، والفلاسفة ، ونحوهم.

(والطبقة الخامسة) أصحاب عمارة الارض ، والمتولون أمر الزراعة ، والغرس.

(والطبقة السادسة) أصحاب الصناعات والمؤن ، والمشيدون في كل سنة في كل فن ، والمشرفون على أعمالهم ، ونقل نما يستحسن من أعمالهم إلى خزائن الملك.

(الطبقة السابعة) أصحاب الصيد من السباع والوحش والطير والهوام ، والمشرفون على أخذ دمائها ومرارتها وشحومها ، وحملها إلى الاطباء لاصلاح العقاقير ، وتأليف الادوية.

وتقدم إليهم ألا يدخل أهل صناعة في دلسة ولا مهنة في غير ما هو فيه ، ومن قصر في عمله عوقب ، ومن أحسن في عمله جوزي.

وكانت رتبة أهل الملاهي والالحان في قسمة الملك.

وتقدم في بناء المدائن ونصب الاعلام والمنارات ، وابتدع ما يستغرب من الصناعات ، وإجراء المياه ، وتوليد غرائب الاشجار.

وأقام على أعالي الجبال سحرة يقسمون الريح ، ويمنعون من أراد بلدهم بأذى ، وكذلك يمنعون كل طائر وسبع ووحش وهوام ، وجرى في الناس على السداد والاعتدال.

١٥٢

وجعل لكل صنف من الناس صنفا من الكهنة يعلمونهم الدين ، ودينهم يومئذ الصابئة الاولى ويرفع كل صنف منهم ما يجري من جميع ما يقولونه إلى الملك في كل يوم ، وعمل البيت ذي القباب النورية ، وأوقد فيها النار الدائمة تعظيما للنور.

والقبط تزعم أنه أول من عمل بيتا لتعظيم النار ، وقيل إن حمير (١) الفارسي بنى بيتا للنار ، وهو أول من عمل ذلك للفرس اقتداء بسهلون الملك بمصر.

وكان السبب لعمل سهلون أنه رأى في منامه كأن أباه أتاه ، فقال له انطلق إلى جبل كذا من جبال مصر ، فان فيه كوة من صفتها كذا ، فانك واجد على باب الكوة أفعى لها رأسان ، فانها إذا رأتك كثرت في وجهك ، فليكن معك طائران صغيران ذكر (٢) وأنثى ، فإذا رأيت الافعى فاذبح لها الطائرين وألقهما اليهما فانها تأخذ برأسيهما ، وتنحاش بهما إلى سرب قريب من الكوة فتدخل فإذا غابت عنك فادخل الكوة تنتهي في آخرها امرأة عظيمة من نور حار يابس ، فسوف يسطع لك وجهها وتحمى بحرارتها ، فلا تدنو إليها فتحترق ، وقف حذاءها ، وسلم عليها ، فانها تخاطبك ، واسكن إلى خطابها ، وانظر ما تقوله لك فاعمل به فانك تتشرف به.

وهي حافظة كنوز جدك مصرام التي رفعها تحت مدائن العجائب المعلقة وهي تدلك عليها ، وتنال مع ذلك شرفا وطاعة من قومك ورعيتك ، ثم مضى وتركه.

__________________

(١) لعل الصواب جمشيد.

(٢) في ب : ذكرا.

١٥٣

فانتبه سهلون ، وجعل يتفكر فيما رأى وتعجب منه وعزم أن ينفذ ما أمره به ، فمشى إلى الجبل وحمل الطائرين معه وامتثل ما أمره به أبوه إلى أن وقف حذاء المرأة فسلم عليها ، فقالت له أتعرفني؟ قال لا ، لاني ما رأيتك قبل وقتي هذا ، قالت له : أنا صورة النار المعبودة في الامم الخالية ، وقد أردت أن تحيي ذكري ، وتتخذ لي بيتا وتوقد لي فيه نارا دائمة ، بقدر واحدة ، وتتخذ لي عيدا في كل سنة تحضره أنت وقومك ، فانك تتخذ بذلك عندي أنلك بها شرفا إلى شرفك ، وملكا إلى ملكك ، وامنع عنك وعن قومك من يطلبك ويعمل الحيلة عليك ، وأدلك على كنوز جدك مصرام.

فضمن لها أن يفعل ذلك فدلته على الكنوز التي كنزها جده تحت المدائن المعلقة وكيف يصير إليها ، وكيف يمتنع من الارواح الموكلة بها وما ينجيه منها.

فلما فرغ مما أراده من ذلك ، قال لها فكيف لي بأن أراك في الاوقات التي أريد وأحتاج أن أسألك عما يطرأ من الامور فأسير اليك؟ قالت له اما هذا المكان فلا تقربه بعد وقتك هذا ، ولكن إذا احببت ان تراني فدخن في الوقت الذي علمته لك بكذا وكذا ، اشياء ذكرتها له : منها عظام ما يقربه من القرابين والذبائح ، وصموغ الاشجار. فاني اتخيل لك واخبرك بكل حق وباطل يكون في بلدك.

فلما سمع ذلك منها سر به سرورا عظيما ، وغابت الصور ، وظهرت الافعى ، وخرج هاربا ، فلما نجا جعل على الكوة سدا ولم يؤخر ما فعلته به.

وأخرج كنوز جده وعمل بأمسوس وغيرها من العجائب ما يطول به الذكر ، فمنها القبة المركبة على سبعة أركان ، في بعض مصاحف القبط أن هذه القبة يقال لها قبة القضاء.

١٥٤

وكان السبب في بنيانها أن بعض الكهنة جار في قضية قضاها ، وذلك أن بعض العامة أتاه يشكو امرأته ، ويذكر أنها تأباه وهو يحبها وتبغضه ، وسأل أن يقومها له بالاظهار ، وكانت المرأة من اهل بيت الكاهن ، فأما لها عن زوجها وأمره بتخليتها فلم يفعل ، وحبسه وشدد عليه ، وكان من اهل الصناعات.

فاجتمع من اهل صناعته من كان قد عرف حاله ، وحال المرأة معه ، وأنها ظالمة له وهو لها منصف ، وعلموا ظلم الكاهن له ، فاستعدوا عليه عند خليفة الملك فأحضره وسأله عما ذكروه فذكر أنه لم يحكم إلا بواجب.

فأحضر بعض رؤساء الكهنة ، وأظهر القوم الذين شهدوا للرجل ، فوقف على ظلم الكاهن.

فأخرج الرجل من الحبس وحبس الكاهن مكانه ، وامر بالمرأة أن تعاقب وترد عليه.

ورفع ذلك إلى الملك فأمر أن يخرج ذلك الكاهن من رسم الكهان ، وأن يحبس إلى أن يرى رأيه فيه ، واهتم الملك لذلك وخاف أن يجري من غير ذلك الكاهن مثل ما جرى منه ، وأن يكون ما قد أبرمه من امر المملكة واهلها لا يتحكم له حسبما أحب ، وبات مهموما مفكرا.

فلما أصبح اصطبح وتطيب وتكلم ودخن بالدخنة التي أمر بها فتجلت له تلك الصورة وخاطبته فسألها أن تعمل له عملا يقف به على حقيقة الظلم وخفيه ، ويعرف المظلوم من الظالم.

فأمرته أن يبني بيتا مركبا على سبعة أركان ، ويجعل له سبعة أبواب ، على كل ركن بابا ، ويعمل في وسطه قبة من صفر ، ويصور في أعلاها صور الكواكب السبعة.

ويعمل على الباب الاول من القبة مثال اسد رابض وحذاءه من الجانب

١٥٥

الآخر لبوة رابضة من صفر ويقرب لهما جر وأسد ، ويبخرهما بشعره.

وعلى الباب الثاني ، تمثال ثور وبقرة ، ويذبح لهما عجلا ، ويبخرهما بشعره وعلى الباب الثالث صورة خنزير وأنثاه ، ويذبح لهما خنوصا ، ويبخرهما بشعره.

وعلى الباب الرابع صورة جمل وشاة ، ويذبح لهما سخلة ، ويبخرهما بشعرها.

وعلى الباب الخامس صورة ثعلب وحدأة وانثاه ، ويذبح لهما فرخ عقاب ، ويبخرهما بريشه ، ويلطخ وجوه جميعها بدم القربان ، ثم يحرق بقية القرابين ويجعل رمادها تحت عتبة أبواب القبة ، ويجعل لها سدنة يوقدون فيها المصابيح ليلا ونهارا سبعة ايام.

فإذا فرغت من ذلك كله ، فاجعل لكل مرتبة من تلك المراتب التي قسمتها وجعلتها على سبع طبقات بابا من تلك الابواب ، وليكن باب الاسد لاهل المملكة وسائر الابواب لسائر المراتب ، فانه إذا تقدم إلى شئ من تلك الصور أهل الخصومات التصق الظالم بها ، وشدت الصورة عليه شدا عنيفا وآذته وآلمته حتى يخرج لخصمه من حقه ، الذكر للذكر ، والانثى للانثى ، فتعرف بذلك الظالم من المظلوم.

ومن كان له قبل أحد حق ودعاه إلى بعض الصور فلم يجئ معه ، فأتاها المظلوم فعرفها بذلك أقعد الظالم من رجليه وخرس لسانه ، ولم يتحرك من مكانه حتى ينصف صاحبه.

فلم يؤخر الملك عمل القبة على ما أمرت به وشرع فيها من حينه ، وأتمها على ما أحسن ما يكون هيئة وصلاحا ، واستراح من الاهتمام بأمور الناس ، فلم يتظلم بعضهم من بعض.

١٥٦

وعلم أنه لا يجوز لبعضهم ظلم بعض ، مع تلك الصورة ، فلم تزل تلك الصورة باقية إلى أن أزالها الطوفان مع ما أزال من اعمالهم وعجائبهم.

وعملت في وقت سهلون اعمال كثيرة ، وكتب سيرته وما ابتدعه من العجائب في مصحف ، وعمل ادوية وعقاقير كثيرة وتماثيل متحركات.

وأمر أن يحمل ذلك كله مع المصحف الذي كتب فيه سيرته ومع كنوزه وذخائره إلى ناووسه الذي يجعل فيه إذا مات ، وهو قد عمله في الجانب الغربي ووضع فيه غرائب وحكمة ، فلما مات عمل فيه ذلك.

وملك بعد ابنه سوريد بن سهلون الملك ، وحزن عليه هو واهل مملكته ورعيته ، حزنا عظيما لم يحزن على ملك قبله ، وكان ملكه مائة وتسعا وتسعين سنة.

وأقام دولته ورعيته عند ناووسه شهرا ينوحون ويبكون ، وأقاموا في ناووسه خدمة يخدمون أموره وسدنة يحفظون ما يجب حفظه منه ، وجلس ابنه على سرير الملك ، واقتفى سيرة أبيه في العدل والصلاح وعمارة الارض ، وسياسة الناس والانصاف بينهم ، والاخذ لهم من نفسه وأهل بيته.

وهو أول من جبى الخراج بمصر ، وألزم أهل الصناعات على أقدارهم ، وأول من أمر بالانفاق على المرضى والزمنى من خزائنه وبنى المنارات ، ونصب الاعلام والطلسمات والهياكل ، وحسن عمارتها على أحسن ما تقدم لسواه ، فأحبه الناس وحمدوا أمره ، وعمل مرآة من أخلاط كثيرة ، كان ينظر إليها فيرى الاقاليم ، وما أخصب منها وما أجدب ، وكلما يحدث فيها.

وكانت على منارة من نحاس في وسط مدينة أمسوس.

وتقول القبط إنه عملها لمصر خاصة ، وكان يرى فيها جميع من يقصدها من

١٥٧

كل ناحية ، ويعلم بذلك جميع من يقصدها (١) فكان يأخذ أهبته لذلك ، وهو أول من عمل صحيفة في كل يوم يكتب فيها جميع ما يكون في يومه ، وما يعمل فيه ثم ترفع إليه وتودع في خزائنه يوما فيوما ، فإذا مضى الشهر نقلت صحائف أيامه إلى مصحف الملك وختم بخاتمه ، وخلد في خزائنه وما صلح منه أن يزبره في الحجارة زبره.

وكذلك ما عمل من الصنائع وما أحدث منها ، وكان يعطي الرغائب على الصناعات العجيبة والحكم الغريبة.

وعمل وسط المدينة صورة امرأة جالسة في حجرها صبي كأنها ترضعه ، فكل امرأة أصابتها علة في جسمها مست من جسد تلك الصورة الممثلة ، فيزول عنها ما تجده على ما كان.

وكذلك إن قل لبنها ، مسحت ثديها فكثر ، وكذلك إن أحبت أن تعطف عليها زوجها مسحت وجهها بدهن طيب ، وقالت لها افعلي كذا وكذا.

وإن قلت حيضتها وفرقت منه مسحت تحت ركبها ، وان اصاب ولدها شئ فعلت بالصبي كذلك فيبرأ ، وإن عسرت ولادتها مسحت رأسي الصبي سهل ، وكذلك البكر يسهل عليها افتضاضها ، وإذا وضعت الزانية يدها عليها ارتعدت حتى تكف عن فجورها ، وما كان من أعمال الليل يحدث ليلا ، وما كان من النهار يحدث نهارا ، وكانت تعمل اعمالا كثيرة إلى ان ازالها الطوفان.

وفي بعض كتب القبط انها وجدت بعد الطوفان ، وانهم استعملوها وعبدوها ، وصورتها في جميع برابي مصر مصورة برسمها ملونة ، والذي دلهم عليها كانوا

__________________

(١) هكذا في الاصول مع هذا التكرار.

١٥٨

قرابات فيلمون الكاهن ، ودلوهم على جميع اعمال مصر ، وسنذكر خبرهم في هذا الكتاب ان شاء الله تعالى.

وعمل ايضا سوريد في وقته غرائب كثيرة منها الصنم الذي يقال له بكوس المعمول من الاخلاط الكثيرة في الطب ، وكان يعمل اعمالا كثيرة في دفع الاسقام والعلل عن اهلها ، ويعرفون به من يبرأ منهم فيعالجونه فيعيش ، و[يعرفون من يموت] بعلامات تظهر منه ، فيقصرون عن علاجه ، وكان يزيل الاوصاب بأن يغسل الموضع بأزاء أصحاب العلل منه ، ويسقى ذلك الماء الذي يغسل به لصاحب الداء فيزول عنه ، وكثير من هذه الاعمال.

وهو أول من عمل الابرقات الايرونيات ، وزبر عليها جميع العلوم.

وهو الذي بنى الهرمين العظيمين المنسوبين إلى شداد بن عاد ، والقبط تنكر أن تكون العادية دخلت بلدهم ، والعمالقة تقول سحرهم ومنعهم من ارادتهم بشر ما يريدونه بهم ، وبذلك يقول الحرانيون ، وقد نقل ذلك أبو معشر في كتاب الالوف.

وكان سبب بناء سوريد للهرمين انه رأى رؤيا أثبتها في موضعها ، فأحضر كهنته ومنجميه ، وقص عليهم من نزول المرآة في صورة امرأة وانقلاب الارض بأهلها ، وانكساف الشمس بأسرها ، وهي الرؤيا بعد ، فأخبروه خبر الطوفان أنه يكون على الصورة التي كان ، وذلك مذكور في كتاب تاريخ يرويه المقربون عن آخرين من القبط وجد في بعض ذراريهم على صدر ميت ، وذكر أنها من ولد رجل من اهل مصر الاوائل ممن نجا من الطوفان وركب مع نوح عليه السلام في السفينة ، وكان ممن آمن به وحمل ابنيه وقيل بن مصرام بن حام وكان أبدع الناس فهما في العلوم.

وكان في الكتاب أن الملك سوريد بنى في الصعيد ثلاث مدائن وعمل فيها

١٥٩

عجائب كثيرة ، وسنذكر شيئا من أخبار هذين الاخوين إن شاء الله تعالى.

وكان في الكتاب أن الملك سوريد بن سهلون ملك مصر لما رأى في منامه ما رأى ، أخبر فيلمون رأس الكهنة بما رآه من الامور ، أمرهم ان ينظروا فيما تدل عليه الكواكب من أحداث في العالم ، فتصيب اكثره ، فأقاموا لها في وقت مسألته اياهم مسألة امعنوا فيها النظر ، فدلت على آية تنزل من السماء ، وتخرج من الارض فتعم اكثر الارض ، وهو طوفان عظيم لا يبقى به شئ.

قال فانظروا هل ينجز ذلك ويعود أم يبقى هو معمولا دائما؟ فنظروا فظهر أنه يعود العمران والملك ، وكل شئ كما كان وعرفوه بذلك ، فأمر حينئذ ببناء بربي وأعلام عظام له ولاهل بيته ، تحفظ أجسادهم ، وما أو دعوه بها من أموالهم وزبروا فيها وفي سقوفها وفي حيطانها واسطواناتها ، جميع العلوم الغامضة ، التي يدعيها أهل مصر بين جميع الامم ، وصور فيها صور الكواكب العظام منها وصور الصغار منها ، ورسم ذلك بعلامات تعلم بها.

وزبر فيها أسماء العقاقير ومنافعها ، وعمل الطلسمات وأشكالها ، وعلم الحساب والهندسة ، وغير ذلك مما ينتفع به مزبورا ومفسرا لمن عرف كتابهم ولغتهم.

وقالوا إن هذه نازلة وكائنة إذا كانت تكون من جميع أقطار العالم إلا اليسير منه ، وذلك كائن إذا نزل قلب الاسد بأول دقيقة من رأس السرطان وتكون الكواكب عند ذلك في هذه المواضع من الفلك يكون القمر مع الشمس في أول دقيقة من الحمل ، وراوس وهو المشتري في سبع وعشرين درجة من الحوت والمريخ في ثمان وعشرين درجة وخمس دقائق من الحوت ، وأفردوين وهو الزهرة في سبع وعشرين درجة وثلاث دقائق من الحوت ،

١٦٠