أخبار الزّمان

أبو الحسن علي بن الحسين بن علي الهذلي المسعودي

أخبار الزّمان

المؤلف:

أبو الحسن علي بن الحسين بن علي الهذلي المسعودي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدريّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٢٧٩

فإذا أخبرك فارجع مسرعا ولا تتخلف ، قال أفعل ايها الملك ، فأمر له بمال وجائزة ، وحمله جائزة إلى سطيح.

فركب عبدالمسيح راحلته ، ومضى مبادرا يقطع المفاوز والفيافي ، حتى لحق مكان سطيح بعد ايام ، فلما بلغ بيته وجده عليلا لما به فوقف عليه وسلم [وجعل يرتجز ويقول ليسمعه :

اصم ام يسمع غطريف اليمن

يا فاصل الخطة اعيت من ومن

من ابيات] (١) قال سطيح [مجيبا له] عبدالمسيح ، على جمل فسيح ، أوفى على سطيح ، وقد أشفى على الضريح ، يسأل عن ارتجاج الايوان ، ورؤيا الموبذان ، وخمود النيران.

قال : فالتأويل يا سطيح؟ قال : تنقضي أيامهم ، وتنقطع آثارهم ، وتملك العرب ديارهم ، عند ظهور صاحب التلاوة ، والقضيب والهراوة.

قال : ومتى ذلك يا سطيح؟ قال : إلى أن يملك منهم ملوك وملكات ، على عدد الشرفات ، وقبل ذلك ينقضي امر سطيح ويواريه الضريح ، ولا يصلح [له] فيها قرار.

وقد روي [هنا] الكلام على غير هذا النوع واكثر منه كلاما (٢) فرجع عبدالمسيح إلى كسرى ، وقد دعى كلامه ، فعجب كسرى وسره وقال : إلى أن يلي منا ستة عشر ملكا يكون سعة لدفع الهم ، ولعل ذلك لا

__________________

(١) زيادة عن ت.

(٢) عبارة ت : عبدالمسيح ، على حمل مسيح ، يسأل عن خمود النيران ، رؤيا الموبذان وسقوط الايوان ، لاخبر بالبرهان ، أما عدد الشرفات فيلي مثلها ملوك وملكات وخمود النيران ينقضي ملكهم على الزمان ، وذلك عند ظهور صاحب التلاوة أمر والقضيب والهراوة ، فتنقضي آثارهم ، وتملك العرب ديارهم ، وهناك ينقضي سطيح ، ويواريه الضريح ، ولا تكون الدنيا له بدار ولا يقر به فيها قرار ، وقد يروون هذا الكلام على غير هذا السجع.

١٢١

يكون ، فرأى الملك منهم تلك العدة في سنين قليلة حتى انقضى ملكهم في خلافة عثمان رضي الله عنه (١).

وقيل إن الرؤيا كانت ليلة مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويقال إن سطيحا عاش أربعمائة سنة.

وأما شق الاول ، وهو شق بن حويل بن إرم بن سام بن نوح عليه السلام ، فهو اول كاهن في العرب العاربة ، وارم ابو الجبابرة من عاد وثمود وطسم وجديس وغيرهم ، ويقال إنه كانت له عين واحدة في جبهته ، ويقال إنه [كان] يشق وجهه نار.

ويقال ان الدجال من ولده ، ويقال إنه هو الدجال بعينه ، أنظره الله إلى وقته ، وهو محبوس في بعض جزائر البحر.

وفي حديث تميم الداري انه خرج في بعض الاسفار فوقع إلى جزيرة ، فرآه وخاطبه ، وسأله عن ظهوره ، وانه وجده مغلولا ، مشدودا إلى صخرة ، وأن الشياطين تأتيه بما يأكله ، على ما يقول.

وفي خبر آخر أنه لا يحتاج إلى الغذاء ، ورآه تميم الداري ، وله عين واحدة ، وحدث بذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان يرويه عنه فيقول : حدثني تميم الداري ، ويذكر طرفا من خبر الدجال.

ويقال إن أمه امرأة من الجن عشقت أباه حويلا ، فتزوجته فأولدها الدجال وهو خوص بن حويل ، وكان مشوها مبدلا ، وكان إبليس يعمل له العجائب ، فلما كان وقت سليمان عليه السلام دعاه فلم يجبه ، فحبسه في جزيرة في البحر.

وقيل إن أباه استهوته الشياطين لما كانت أمه منهم ، وانه من مدينة ماريول التي غلبت عليها الجن ، وهي من مدائن المغرب ، وأن الجن في طاعته.

__________________

(١) ت : عمر رضي الله عنه.

١٢٢

ويقال إن خوصا هذا كان يحضر السارق فيأمره برد ما سرق ، فان فعل وإلا صار حية فيلتوي في عنقه فيقتله ، وقيل أنه ربما خاطبهم ولا يرونه ، وكان إذا حكم على أحد فلم يرض حكمه بصبص (١) أحذقته في احدى عينيه فرده أعور.

وقيل إن مجلسه كان في قبة بوادي برهوت في اليمن ، وكانوا يحجون إليه ، وقيل انه لم ينم قط ، وانهم كانوا يرون فوق عينيه نارا بيضاء ، وكذلك عن الموضع الذي هو فيه مسجون انه يعلوه بالليل نار مضيئة ، وبالنهار دخان.

وأما شق اليشكري وكان حكيم العرب في الجاهلية ، وقد كان ربيعة بن نصر لما رأى رؤياه وجه إلى شق وسطيح ، فأتاه سطيح قبل شق ، وكان من جوابه ما قدمنا ذكره في أخبار سطيح ، فلما قدم عليه شق قال له : يا شق اني رأيت رؤيا هالتني فما هي؟ وكتمه قول سطيح ، فقال له شق رأيت حممة ، خرجت من ظلمة ، فوقعت بين روض وأكمة فأكلت كل ذات نسمة ، قال : صدقت فما تأويلها؟ قال : أحلف بما بين الحرتين من انسان ، ليطأن (٢) أرضكم السودان ، وليغلبن على كل طفلة البنان ، وليملكن ما بين أبين إلى نجران.

قال : أيكون في زماننا هذا؟ قال : بل بعده بزمان ، ثم يستنقذكم عظيم ذو شان ، قال : وممن هو هذا العظيم؟ قال : غلام من بيت ذي يزن ، فلا يترك احدا منهم باليمن ، قال : فهل يدوم ذلك؟ قال : بل ينقطع برسول يرسل ، يأتي بالعدل بين اهل الدين والفضل ، يكون الملك فيهم إلى يوم الفصل ، قال : وما يوم الفصل؟ قال : يوم يدعى من السماء بدعوات ، يسمع

__________________

(١) في ب : فضض.

(٢) في ت : ليهبطن.

١٢٣

بها الاحياء والاموات ، ويجمع الخلق فيه للميقات ، يكون فيه لمن آمن الخير والخيرات ، ولمن كفر الويل والترحات ، قال : أحق ما تقول يا شق؟ قال : اي ورب السماء والارض ، وما بينهما من رفع وخفض ، أن ما أنبأتك به لحق محض ، ما فيه كذب ولا نقض ، فأجازه ربيعة بجائزة سنية ، ووصله وصرفه.

خبر اليمامة الزرقاء

وهي صاحبة جو واليمامة ، سميت بها ، وصاحبة البحرين ، وقيل ان امها كانت كاهنة ، وكان لها رئي (١) من الجن وهي من جديس ، وكانت جديس وطسم بمكان فغلبت طسم على جديس ، وملك الجميع عملوق بن الطسم ، وكان يفترع النساء قبل زواجهن ، فاحتالت جديس عليه فقتلوه وقتلوا كثيرا من طسم فاستنصرت بقايا طسم بحسان بن تبع الحميري ، فغزا جديسا طالبا بثار طسم.

وكانت اليمامة الزرقاء وعينها الواحدة اكبر من الاخرى ، فإذا اغلقت الكبرى ابصرت بالصغرى على الفراسخ الكثيرة والامد البعيد ، وقيل انها كانت [ترى] (٢) فلك القمر ، فتخبر عنه بأشياء عجيبة.

وقد كان اتصل بجديس استنصار طسم بحسان بن تبع الحميري ، فقطنوا وقالوا لليمامة : انظري فنظرت ، وقالت : اقسم بمهب الرياح ، والآكام والبطاح ، والمساء والصباح ، ليأتين من حمير [الجيش] الرداح ، والخيل والسلاح ، فلا ترون من بعدها فلاح.

فلما اصبحوا في اليوم الثاني قالوا لها : انظري فنظرت ، وكان حسان

__________________

(١) وفي ت : رئيس والصواب رئي.

٢) عن ت.

١٢٤

لما قرب من جو بأربعة ايام قال لاصحابه ان اليمامة ستراكم على البعد الكثير فتنذر بكم ، فليحمل كل واحد منكم غصنا من شجرة اعظم ما يقدر عليه ليسدل اغصانه عليه وجوانبه ، ففعلوا ذلك.

فقالت اليمامة لما رأت ذلك : يا جديس قد اتتكم الشجر ، تخبط المدر ، فاستعملوا منها الحذر فكذبوها ، وقالوا لها : اتسير الشجر؟

فلما كان في اليوم الثالث قالوا لها : انظري ، فنظرت فقالت : ارى رجلا في كتفه كتف ، أو نعل يخصفه فكذبوها ، وقالوا قد تغير نظرها ، وكيف ترى على هذا البعد ما لم يتصل بنا خبره ، فكان حسان يسير بالليل ويكمن بالنهار ، إلى أن صبحهم فقتلهم أبرح قتل ، وهدم منازلهم واستباح نساءهم.

وأخذ اليمامة ، وقال لها ألا عرفتيهم بمسيري؟ قالت : قد فعلت لو قبلوا ، ونظر فرأى في عينها عروقا سوداء ، فقال لها : بم كنت تكتحلين؟ فقالت له : بحجر الاثمد ، مربى بماء المطر. فقيل انه قطع يدها ورجلها ، وقلع عينها وصلبها ، فيقال : إن رئيها من الجن لطمه فأعوره ، ومنعه النوم فلم يكن ينام.

وقد ذكرت الشعراء اليمامة فأكثروا ، قال الاعشى يذكرها في القصيدة التي أولها :

بانت سعاد فأمسى حبلها انقطعا

فقال يذكرها ونظرها :

ما نظرت (١) ذات أشفار كنظرتها

حقا كما نظر الربى إذا شجعا

فكذبوها بما قالت فصحبهم

جيوش حسان تزجي الموت والسلعا

وإياها عنى :

__________________

(١) من هنا إلى ذكر عجائب مصر لا يوجد.

١٢٥

واحكم كحكم فتاة الحي إذ نظرت

إلى حمام شراع وارد الثمد

تحفه جانبا بير ويتبعه

مثل الزجاجة لم تكحل من الرمد

قالت الا ليتما هذا الحمام [لنا]

إلى حمامتنا أو نصفه فقد

فحسبوه فألفوه كما حسبت

تسعا وتسعين لم تنقص ولم تزد

فكملت مائة منها حمامتها

واسرعت حسبة في ذلك العدد

وقصتها في حديث الحمام مشهورة ، وهذا هو القول الذي سجعت هي به :

ليت الحمام ليه إلى حمامتيه

أو نصفه قديه [تم الحمام ميه]

ذكر عجائب مصر وأخبار ملوكها وكهانها

لما ذكرنا الكهان وجب علينا أن نذكر كهنة مصر ، لانهم كانوا أعظم الكهان قدرا ، وأجلهم بالكهانة علما (١) وكان حكماء اليونانيين يصفونهم بذلك ، ويقولون أخبرنا حكماء مصر بكذا ، واستفدنا منهم كذا وكذا.

وكان هؤلاء ينحون في كهانتهم نحو الكواكب ، ويزعمون أنها هي التي تفيض عليهم العلوم وتخبر بالغيوب ، وهي التي علمتهم أسرار الطبائع ، ودلتهم على العلوم المكتومة فعملوا الطلسمات المشهورة ، والنواميس الجليلة وولدوا الاشكال (٢) الناطقة ، وصوروا الصور المتحركة ، وبنوا العالي من البنيان ، وزبروا علومهم من الطب في الحجارة ، وانفردوا بعمل البرابي ، وعملوا من الطلاسم ما نفوا به (٣) الاعداء عن بلادهم وعجائبهم ظاهرة ، وحكمتهم واضحة.

__________________

(١) في ت : حذقا.

(٢) في ت : وأولدوا الدلالات.

(٣) في ت : ومنعوا بها الاعداء.

١٢٦

وكانت مصر خمسا وثمانون كورة منها بأسفل الارض خمس وأربعون ، ومنها بالصعيد أربعون وكان في كل كورة رئيس من الكهنة ، وهم الذين ذكرهم الله تعالى في قصة فرعون لما أشار عليه أصحابه ، وقالوا (ابعث في المدائن حاشرين يأتوك بكل سحار عليم) يريد هؤلاء الرؤساء.

وكان الذي يتعبد منهم لكوكب من الكواكب السبعة المدبرة سبع سنين يسمونه ماهرا ، والذي يتعبد منهم للكواكب السبعة لكل واحد منهم سبع سنين ، فمن بلغ هذه المرتبة منهم سمي قاطرا (١) وصار يجلس مع الملك ويصدر الملك عن رأيه ، وإذا رآه قام إجلالا له ، وكان زيهم أن يدخل كل يوم إلى الملك فيجلس إلى جانبه فتدخل الكهنة ، ومعهم أصحاب الصناعات فيقفون حذاء القاطر ، وكل واحد من الكهنة منفرد بكوكب يخدمه لا يتعداه إلى سواه ، ويسمى بعبد كوكب كذا ، كما كانت العرب تسمي عبد الشمس ، فيقول القاطر لاحد الماهرين أين صاحبك؟ فيقول في البرج الفلاني في الدرجة الفلانية في دقيقة كذا ، ويسأل الآخر في حذائه ، حتى إذا عرف مستقر الكواكب ، قال للملك ينبغي أن يعمل الملك اليوم كذا وكذا ، ويأكل كذا وكذا ، ويجامع في وقت كذا ، ويقول له جميع ما يراه صلاحا ، والكاتب قائم بين يديه يكتب جميع ما يقول.

ثم يلتفت إلى أهل الصناعات [فيقول أنقش أنت صورة كذا على حجر كذا فمتى رسم على أهل الصناعات] (٢) فيخرجون إلى دار الحكمة ، فيضعون أيديهم في الاعمال التي يصلح عملها في ذلك اليوم :

ويستعمل الملك جميع ما قاله القاطر ، ويؤرخ جميع ما جرى من هذا

__________________

(١) في ب : ناظر ، وقد رسم هكذا في كل موضع جاء فيه ، والصواب ما ذكرناه.

(٢) الزيادة عن ت.

١٢٧

وشبهه في ذلك اليوم في صحيفة ، وتطوى وتودع في خزائن الملك فعلى ذلك جرت أمورهم.

وكان الملك إذا حزبه (١) أمر بجمعهم بخارج مصر ، ويصطف لهم الناس بخارج المدينة ثم يقدمون ركبانا ، يتقدم بعضهم بعضا ، ويضرب بين أيديهم بطبل الاجتماع ، فيدخل كل واحد منهم بأعجوبة ، فمنهم من يعلو وجهه نور مثل نور الشمس فلا يقدر أحدهم النظر إليه ، ومنهم من يكون على يديه جوهر أخضر وأحمر على ثوب من ذهب منسوج ، ومنهم من يكون راكبا على أسد متوشحا بحيات عظام ومنهم من تكون عليه قبة من نور أو جوهر في صنوف من العجائب الكثيرة ، إلا أن كل واحد إنما يصنع ما يدل عليه كوكبه الذي يعبده ، فإذا دخلوا على الملك قالوا أرادنا الملك الامر كذا ، وأضمر الملك كذا ، والصواب فيه كذا.

* * *

وكان بمصر القديمة واسمها أمسوس ملك كاهن يقال له عيقام من ولد عرباق (٢) ابن آدم فتحكي أهل مصر عنه حكايات كثيرة تخرج عن العقل.

وكان قبل الطوفان وقد رأي في علمه كون الطوفان ، فأمر الشياطين الذين تطيعه أن يبنوا له مكانا خلف خط الاستواء ، بحيث لا يلحقه شئ من الآفات ، فبنوا له القصر الذي [على] سفح جبل القمر ، وهو قصر النحاس الذي فيه التماثيل من النحاس ، وهي خمسة وثمانون تمثالا ، يخرج ماء النيل من حلوقها ، وينصب إلى بطحاء مصر.

فلما عمل له ذلك القصر أحب أن يراه قبل أن يسكنه ، فجلس في قبة ،

__________________

(١) في ب : إذا أحزبه ، وفي ت : إذا جربه ، والصواب ما ذكرناه.

(٢) في ب : عراب.

١٢٨

وحملته الشياطين على أعناقها إليه ، فلما رآه ورأى حكمة بنائه ، وزخرفة حيطانه ، وما فيها من النقوش وصور الافلاك ، وغير ذلك من العجائب ، وكانت المصابيح تسرج فيه ، وتنصب فيه موائد يوجد عليها من كل الاطعمة ، ولا يرون من يعملها ، وكذلك لا إنس به.

وفي وسط القصر بركة من ماء جامد الظاهر ترى حركته من وراء ما جمد منه ، وأشياء كثيرة من هذا المعنى ، وإن كانت تنبو عنها العقول.

فأعجبه ما رأى ورجع إلى مصر فاستخلف ابنه عرباق (١) وأوصاه بما يوجب له الملك وولده على مكانه ، ورجع هو إلى ذلك القصر ، وأقام به حتى هلك هناك.

واليه تعزى مصاحف القبط ، التي فيها تواريخهم.

قونية الكاهنة

وفي مصاحف القبط أنها كانت تجلس على عرش من نار ، فإذا ما احتكم إليها الرجل ، وكان صادقا شق (٢) على النار حتى وصل إليها ولم تضره.

وكانت تتصور عليهم في أشكال كثيرة من الصور ، إذا شاءت (٣) ثم بنت لنفسها قصرا واحتجبت فيه عن الناس ، وجعلت حيطانه من نحاس مجوفة ، وكتبت على كل أنبوب فيها من الفنون التي يتحاكم إليها فيه فكان الذي يتحاكم إليها يأتي إلى الانبوب الذي كتب عليه ذلك الفن ، فيتكلم بما يريده ، ويسأل ذلك ما قصد له بصوت خافض غير عال ، فإذا فرغ من

__________________

(١) في ت : عريان.

(٢) في ت : خاض النار.

(٣) ت : كيف شاءت.

أخبار الزمان م (٩)

١٢٩

كلامه جعل هو أذنه على نذلك الانبوب ، فيأتيه الجواب منه بكل ما يريده ، فلم يزالوا مستعملين ذلك ، إلى أن خرب بخت نصر البلد.

وكان عرباق بن عيقام الملك قد تكهن بعد ابيه وعمل عجائب كثيرة ، منها شجرة من صفر لها اغصان حديد بخطاطيف حادة ، إذا تقرب الظالم إلى الملك تقدمت إليه تلك الخطاطيف ، وتعلقت به وشبكت يديه ، ولم تفارقه حتى يحدث عن نفسه بالصدق ، ويعترف بظلمه ، ويخرج من ظلامة خصمه.

ومنها صنم من صوان أسود سماه عبد أفرويس (١) أي عبد زحل ، كانوا يختصمون إليه ، فمن زاغ عن الحق ثبت مكانه ، ولم يقدر على القيام حتى ينصف من نفسه ، ولو أقام سنة أو أكثر.

ومن كانت له حاجة منهم أو طلب شيئا عند ذلك الصنم ، قام ليلا ونظر إلى الكوكب ، فذكر اسم عرباق وتضرع ، فيصبح وقد وجد حاجته على باب منزله.

وكان ربما حملته أطيار عظام ، وهو في مرتبته فيمر بهم وهم يرونه في الهواء فيزدادون له عبادة وهيبة ، وربما علا على ناس منهم فملا ماءهم من الاقذار ، وسلط عليهم وحوش الارض وسباعها وهوامها.

وكان من كهانهم فيلمون ، وقد ذكرنا خبره مع نوح عليه السلام ، وكان منهم شيمون (٢) وهو الذي كان يوقد النار ، ويتكلم عليها ، فتطلع منها صورة نارية ، وكانت الكهانة عندهم عمل المعجزات ، ولم يزل هذا كاهنا إلى وقت فرعون ملك مصر الذي كان الطوفان في أيامه ، وكان يسكن الهرم المجوسي (٣) وكان هيكل الكواكب ، وكانت فيه صورتا الشمس والقمر (٤)

__________________

(١) في ت : قرويش.

(٢) ت : سيبون.

(٣) في ت : البحري.

(٤) ب : وكانت في صورة الشمس والقمر.

١٣٠

تنطقان ، [وكان الهرم الثاني ناووسا لاجساد الملوك التي نقلها إليه سورند ، وفيه العجائب والتماثيل والمصاحف] (١) وكان فيه التمثال الذي يضحك وكان من جوهر اخضر ، وخزنوا ذلك فيه خوفا من [تلفه في] الغرق.

(خبر الكهان بعد الطوفان)

وأما الكهان بعد الطوفان (٢) إلى خراب مصر فكثير ، وأول من تكهن بمصر بعد الطوفان ابن فليمون كان قد ركب السفينة مع أبيه وأخيه وأخته وهي التي زوجها من ينصو بن حام ، وهم الذين خرجوا إلى مصر وكانوا موحدين على دين نوح عليه السلام ، ولم يكن اسم الكهانة عندهم عيبا ، بل كان الكاهن كالحاكم الذي لا يعصى له أمر.

وأول من تحقق بالكهانة ، وغير الدين وتعبد الكواكب البودشير بن قفطويم بن ينصو بن حام ، وكان ملكا بعد أبيه ، وذكره جميع الكهنة في مصاحفهم.

فانه كان من أجل كهانهم ، وممن عمل النواميس العظام ، وأقام أصنام الكواكب وبنى هياكلها.

وتزعم القبط أن الكواكب خاطبته وأنه عمل عجائب كثيرة ، منها أنه استتر عن الناس بعد سنين من ملكه ، وكان يظهر لهم وقتا بعد وقت مرة في كل سنة وهو وقت نزول الشمس في برج الحمل ، ويدخل الناس إليه فيخاطبهم ويرونه ، ويأمرهم بما يعملونه وينهاهم ويحذرهم مخالفة أمره ، وكان

__________________

(١) جميع الزيادات عن ت.

(٢) خبر الكهان بعد الطوفان.

١٣١

يجلس لهم في بعض أوقات السنة فيخاطبهم عند دخولهم عليه ، وينهاهم وهم لا يرونه.

والمكان الذي يكلمهم منه غير خفي عنهم ، ولا يعد منهم ، ثم بنيت له قبة من فضة مموهة بالذهب وزخرف ما حولها ، وكان يجلس لهم في أعلى القبة في صورة الوجه العظيم ، فيخاطبهم ، بمثل ما كان يخاطبهم ، وكان يجلس لهم في أعلى السحاب بوجه في صورة إنسان عظيم ، فأقام كذلك مدة ثم غاب عنهم فلم يروه.

وأقاموا برهة ليس لهم ملك ، إلى أن رأوا صورته في هيكل الشمس عند دخول الشمس الحمل ، وأمرهم أن يقلدوا الملك لعديم بن قفطويم وأعلمهم أنه لا يعود إليهم ، ففعلوا ذلك.

وأما بديرة (١) الكاهنة فانها امرأة من أهل بيت الملك ، يقال إنها أخت البودشير ، وأنه ألقى إليها الكهانة فهي [التي] عملت اكثر الطلسمات والبرابي ، وهي التي عملت القبطية (٢) الناطقة بمنف.

وكانت الكهانة في أهلها وولدها يأخذونها كابرا عن كابر ، وهي التي حكى المصريون عنها أنها عملت طلسمات منعت الوحوش والطيور أن تشرب من النيل فمات اكثرها عطشا.

وأن الله تعالى أرسل إليها ملكا فصاح بها صيحة ارتجت لها الارض [وتشققت جبالها] (٣) فماتت من تلك الصيحة [ويقال انها كانت تطير في الهواء والملائكة تضربها بأجنحتها إلى أن سقطت في البحر] (٣).

وأما شؤون الاشموني فيقال انه هرمس الاول ، الذي بنى بيت التماثيل الذي

__________________

(١) في ت ندورة ، وفي بعض كتب التواريخ تدورة.

(٢) في ت : الاصنام ، وهي الصواب.

(٣) زيادة عن ت.

١٣٢

يعرف بها مقدار النيل الذي عند جبل القمر وعمل للشمس [هناك] (١) هيكلين (٢).

وتحكي القبط عنه حكايات كثيرة ، تخرج عن العادة ، وتنكرها العقول ، فكان يخفى عن الانسان فلا يرونه وهو معهم ، وهو الذي بنى الاشمون.

ويقال إنها مدينة في شرقي مصر كان طولها اثني عشر مبلا وجعل عليها حصنا بنى فيه قصرا عظيما [يقال إنه بنى أنصنا واتخذ فيها] الاعلام والملاعب.

واتخذ في سفح الجبل مدينة يقال لها طهراطيس (٣) وجعل فيها من العجائب شيئا كثيرا ، وجعل لها أربعة ابواب من كل جهة باب واحد ، وجعل على الباب الشرقي صورة عقاب وعلى الباب الغربي صورة نسر (٤) وعلى الباب الجنوبي صورة اسد وعلى الباب الشمالي صورة كلب وملك (٥) فيها الروحانيات وكانت تنطق إذا قصد إليها القاصد ولا يصل احد إلى الدخول فيها دون استئذان الموكلين بها وغرس فيها شجرة تحمل كل صنف من الفواكه.

وبنى منارا طوله ثمانون ذراعا وعلى رأسه قبة تتلون في كل يوم لونا حتى تنقضي سبعة أيام بسبعة الوان ثم تعود إلى اللون الاول وتكسي المدينة ذلك اللون وجعل حول ذلك موضع ماء فيه سمك كثير ، وجعل حول المدينة طلسمات من كل صنف تدفع عن اهلها المضار.

وكانت ايضا تسمى مدينة البوسق (٦) باسم الشجرة المنصوبة فيها.

__________________

(١) زيادة عن ت.

(٢) في ب : هيكلين. وفي ت : هيكلا.

(٣) في ت : وعمل في الجبل الشرقي مدينة ، ويقال لها أو طبراطليش.

(٤) في ت : صورة ثور.

(٥) في ت : واسكن.

(٦) في ت : اليوس.

١٣٣

أول من بنى الاهرام

كان سوريد بن فيلمون (١) ، وكان ملكا على مصر قبل الطوفان بثلاثمائة (٢) سنة فرأي في منامه كأن الارض قد انقلبت بأهلها ، وكأن الناس يهربون على وجوههم وكأن الكواكب تتساقط ، ويصدم بعضها بعضا بأصوات هائلة مفزعة فرجف قلبه وأزعجه ذلك وأرعبه ولم يذكره لاحد ، وعلم أنه سيحدث في العالم أمر عظيم.

ثم رأى بعد ذلك ، كأن الكواكب الثابتة نزلت إلى الارض في صورة طيور بيض كأنها تخطف الناس ، وتلقيهم بين جبلين عظيمين ، وكأن الجبلين قد انطبقا عليهم ، وكأن الكواكب النيرة مظلمة كاسفة ، فانتبه أيضا مذعورا فزعا.

فدخل إلى هيكل الشمس ، وجعل يتضرع فيه ويمرغ خديه في التراب ، ويبكي ، فلما أصبح أمر رؤساء الكهنة من جميع أعمال مصر ، وكانوا مائة وثلاثين ، فخلا بهم وحكى لهم جميع ما رآه فأعظموه وأكبروه وتأولوه على أمر عظيم يحدث في العالم.

فقال فيلمون عظيم الكهان ، وكان فيلمون إذ ذاك كبيرهم ، وكان لا يبرح من حضرة الملك لانه رأس الكهنة كهنة أشمون ، وهي مدينة مصر الاولى ، قال إن في رؤيا الملك عجبا ، وأمرا كبيرا ، وأحلام أهل الملك لا تجري على محال ولا كذب لعظم أقدارهم ، وكبير أخطارهم ، وأنا اخبر الملك برؤيا رأيتها منذ سنة لم أذكرها لاحد من الناس.

__________________

(١) في ت : سورند بن شهلوق.

(٢) في ت : بألف وثلاثمائة.

١٣٤

فقال له الملك : قصها علي يا فيلمون ، قال : رأيت كأني قاعد (١) مع الملك على رأس المغار الذي في أشمون ، وكأن الفلك قد انحط من موضعه ، حتى قارب رؤسنا وكأن علينا كالقبة المحيطة بنا ، وكأن الملك رافع (٢) يديه إلى السماء ، وكواكبا قد خالطتنا في صور شتى مختلفة ، وكأن الناس يستغيثون بالملك وقد انجفلوا إلى قصره ، وكأن الملك رافع (٣) يديه إلى أن يبلغ رأسه ، وأمرني أن أفعل مثل فعله ، ونحن على وجل شديد إذ رأينا منه موضعا قد انفتح وخرج منه ضياء يضئ ، ثم طلعت علينا منه الشمس فكأنا استغثنا بها فخاطبتنا بأن الفلك سيعود إلى موضعه إذا مضت له ثلاث وستون دورة. وهبط الفلك حتى كاد أن يلصق بالارض ثم عاد إلى موضعه ، فانتبهت فزعا.

فقال لهم الملك : خذوا ارتفاع الكواكب وانظروا هل من حادث ، فبلغوا غايتهم في استقصاء ذلك ، فأخبروه بأمر الطوفان ، وبعده بالنار التي تحرق العالم.

فأمر الملك ببناء الاهرام ، فلما تمت على ما دبروا حكمه ، نقل إليها ما أحب من عجائبهم واموالهم واجساد ملوكهم ، وأمر الكهان فزبروا (٤) فيها علومهم ، وحكمهم وأشرف ولد حام القبط والهند هم الحكماء.

ذكر ملوك مصر قبل الطوفان

وكان أول من ملك مصر قبل الطوفان بقراويس (٥) وذلك أن بني آدم

__________________

(١) في الاصلين : قاعدا.

(٢ ، ٣) فيهما رافع في الموضعين.

(٤) في ب : فدبروا ، والزبر والكتابة.

(٥) في تاريخ القرماني : نقراوش الجبار بن مصرايم بن مركاييل بن رواييل بن عرياب بن آدم عليه السلام.

١٣٥

لما بغى بعضهم على بعض وتحاسدوا ، وتغلب عليهم بنو قابيل ابن آدم تحول (١) بقراويس الجبار بن مصرايم بن مواكيل بن داويل بن عرباق بن آدم عليه السلام في نيف وسبعين راكبا من بني عرباق جبابرة ، كلهم يطلبون موضعا ينقطعون فيه عن بني آدم ، فلم يزالوا يمشون حتى وصلوا إلى النيل فأطالوا المشي عليه ، فما رأوا سعة البلد وحسنه أعجبهم ، وقالوا : هذا بلد زرع وعمارة ، فأقاموا فيه استوطنوه ، وبنوا الابنية والمصانع المحكمة.

وبنى بقراويس مصر ، وسماها باسم أبيه مصرايم (٢) تبركا به وكان بقراويس جبارا له قوة زائدة وبطش وكان مع ذلك عالما له رئي من الجن ، فملك بني أبيه ، ولم يزل مطاعا في أمره ، وقد كان وقع إليه من العلوم التي علمها درابيل لآدم عليه السلام ، فقهر بها الجبابرة الذين كانوا معه.

وهم الملوك الذين بنوا الاعلام ، واقاموا الاساطين العظام ، وبنو المصانع الغريبة ، ووضعوا الطلسمات العجيبة ، واستخرجوا المعادن ، وقهروا من ناوأهم من ملوك الارض ، ولم يطمع فيهم طامع ، وكل علم جليل هو في أيدي المصريين ، إنما كان من علوم أولئك ، كانت مزبورة على الحجارة.

فيقال إن فيلمون الكاهن الذي ركب مع نوح عليه السلام في السفينة هو الذي فسرها لهم ، وعلمهم كتبها ، وسنذكر خبرها في موضعه إن شاء الله عزوجل.

ثم أمرهم بقراويس حين ملك ببناء سموها أمسوسا (٣) وأقاموا لها أعلاما طوالا طول كل علم منها مائة ذراع ، وزرعوا وعمروا الارض ، وأمرهم ببناء المدائن ، والقرى ، وأسكن أهل كل بيت ناحية من أرض مصر.

__________________

(١) في ب : تحمل ، والتصحيح عن القرماني.

(٢) في ب : مصريم.

(٣) في القرماني : أسوس.

١٣٦

وهم الذين حفروا النيل حتى أجروا ماءه إليهم ، ولم يكن قبل ذلك معتدل الجري ، وإنما كان ينبطح ويتفرق في الارض ، فوجه إلى النوبة جماعة حتى هندسوه ، وشقوا منه أنهارا إلى مواضع كثيرة من مدنهم التي بنوها.

وشقوا منها نهرا إلى مدينة أمسوس يجري في وسطها وغرسوا فيها عليه الغروس وكثر خيرهم وعمرت أرضهم ، وتجبر بقراويس لما ملك قومه ، وكان عظيمهم.

وبعد عشرين ومائة سنة خلت من ملكه أمر باقامة الاساطين ، وزبروا عليها علومهم.

ذكر دخولهم البلدة ، وكيف خرجوا إليها ونزلوا بها وحروبهم لمن حاربهم من الملوك

ثم أمر ببناء قبة على أساطين مثبتة بالرصاص ، طولها مائة ذراع ، وجعل عليها مرآة زبرجد أخضر ، قدرها سبعة أشبار ترى خضرتها على أمد بعيد.

وفي مصاحف المصريين أنه سأل الربئ الذي كان معه أن يعرفه فخرج [إلى شاطئ] النيل ، فحمله حتى أجلسه على خلف خط الاستواء على البحر الاسود الزفتي [والنيل يخرج] مثل الخيوط حتى يدخل تحت جبل القمر ، ثم يخرج إلى بطائح هناك.

ويقال إنه بنى بيت التماثيل هناك ، وعمل هيكل الشمس ، ورجع إلى أمسوس وقسم البلد بين بنيه ، فجعل لبقراوس الجانب الغربي ، ولسوريد الجانب الشرقي ، ولابنه الاصغر وهو مصرام مدينة سماها ير بيان ، وأسكنه فيها ، وأقام أساطين كثيرة ، وشق إليها نهرا وغرس فيها غروسا.

١٣٧

وعمل بأمسوس عجائب كثيرة ، منها طائر يصفر كل يوم عند طلوع الشمس مرتين وعند غروبها مرتين ، تصفيرا مختلفا ، يستدلون به على ما يكون من الحوادث ، فيتأهبون لذلك ، وأجرى لهم الماء على مجرى ينقسم منه على ثمانية وعشرين قسما.

وعمل في وسط المدينة صنمين حجرا أسود ، إذا قدم المدينة سارق لم يمكنه أن يزول عنها حتى يهلك بينهما (١) فإذا دخل بينهما انطبقا عليه ، ولهذين الصنمين أعمال عجيبة غير هذا.

وعمل بربيا صورة من نحاس مذهب على منار عال ، لا يزال عليها السحاب يطلع ، فمن استمطرها أمطرت عليه ما يشاء ، فهلكت هذه الصورة في الطوفان.

وعمل على حدود بلدهم أصناما من نحاس مجوفة ، وملاها كبريتا ، ووكل بها روحانية النار ، إذا قصدهم قاصد بسوء أرسلت تلك الاصنام من أفواهها نارا فأحرقته.

وكان حد بلدهم إلى ناحية الغرب مسافة أيام كثيرة عامرة بالقصور والبساتين ، وكذلك في البحر ، ومن الصعيد إلى بلاد علوة.

وعمل فوق جبل بطرس منارا يفور بالماء ويسقي ما حوله وما تحته من المزارع وملكهم مائة وثمانين سنة.

فلما مات لطخوا جسده بالادوية الممسكة ، وجعلوه في تابوت من ذهب وعملوا له ناووسا مصفحا بالذهب ، وجعلوه فيه وجعلوا معه كنوزا لا تحصى كثرة ولا تحصر قيمة.

__________________

(١) في القرماني ان يزول عنهما.

١٣٨

ومن الانواع النفيسة [من] الجوهر وتماثيل الزبرجد ، وكثيرا من أكسير الصنعة المعمول المفروغ منه ، ومن الذهب والاواني المعمولة من الذهب ما لا يحصى كثرة ، ولا تعلم قيمته.

وزبروا على البيوت تاريخ الوقت الذي مات فيه ملكهم ، ثم جعلوا على ذلك كله طلسمات تدفع عنه الهوام والحشرات المفسدة ، وصور كل طالب من الانس والجن.

ثم ملك بعده ابنه براوس (١) الملك فتجبر وعتا وعلا أمره وبنى مدينة يقال لها جلجلة وجعل فيها جنة ، وصفح حيطانها بصفائح الذهب والحجارة الملونة ، وغرس فيها أصناف الفواكه والغروس تحفها الانهار.

وأمر باقامة أساطين جعلها معالم ، وكتب عليها جميع العلوم. وصور أصناف العقاقير بها ، وزبروا عليها أسماءها ومنافعها.

وكان له شيطان يعمل له التماثيل العجيبة فهو أول من عمل بمصر هيكلا ، وصور فيه صور الكواكب السبعة ، وكتب على رأسه تجاربها. وما عملت من المنافع والمضار ، وألبسها الثياب ، وأقام للهيكل كاهنا وسدنة.

وخرج مغربا حتى بلغ البحر المحيط ، وعمل عليه أعمالا ، وبنى أساطين جعل على رؤوسها أصناما تسرج عيونها كالمصابيح في الليل ، ورجع على بلاد السودان إلى النيل. وأمر ببناء حائط على جانب النيل. وجعل على شرفها حجارة ملونة شفافة.

وجعل في مدينة منها خزائن للحكمة ، وهي أول عجائب الارض وأغربها ، ففي إحدى هذه المدن صنم للشمس ، الذي هو أعظم أصنامهم.

__________________

(١) تقدم اسمه بقراوس ، وفي كتاب القرماني : نقاوش.

١٣٩

وهي معلقة عليه في بيت شرفها وهو صورة إنسان جسده جسد طائر من ذهب أزرق مدبر وعيناه جوهرتان صفراوان ، وهو جالس على سرير مغنطيس. وفي يده مصحف من العلوم.

وفيها صنم آخر رأسه رأس إنسان وجسده جسد طائر ، ومعه صورة امرأة جالسة من زئبق معقود لها ذؤابتان ، وفي يدها مرآة ، وعلى رأسها صورة كوكب. وهي رافعة يدها بالمرآة إلى وجهها ومظهرة فيها سبعة ألوان من الماء السائل. لا تختلط ولا يؤذي بعضها لون بعض ولا يغيره ، وفيها شيخ جالس من الفيروزج بين يديه صبية جلوس كلهم من أصناف العقيق والجوهر.

وفي الخزانة الثانية صورة هرمس وهو مكب ينظر إلى مائدة به يديه من نشادر على قوائم كبريت أحمر ، وفي وسطها مثل الصحفة من جوهر أحمر فيها شئ من الصنعة.

وفيها صورة عقاب من زمرد أخضر ، عيناه من ياقوت أحمر ، وبين يدية حية زرقاء من فضة قد لوت ذنبها على رجليه ، ورفعت رأسها كأنها تريد أن تنفخ عليه ، وفي ناحية منها صفة المريخ راكب على فرس بيده سيف مسلول من حديد أخضر ، وفيها عمود من جوهر أخضر عليه قبة من ذهب فيها صورة المشتري وفيها قبة من اللازورد على أربعة أعمدة من جذع أزرق ، وفي سقفها صورة الشمس والقمر يتحدثان في صورتي رجل وامرأة ، وقبة من كبريت احمر فيها صورة الزهرة على صورة امرأة ممسكه بضفيرتها وتحتها رجل من زبرجد أخضر في يده كتاب فيه علم من علومهم ، كأنه يقرؤه عليها.

وجعل في كل خزانة من بقية الخزائن من الاموال والجواهر والكنوز والحلى ما لا يعد ولا يقدر قدره.

١٤٠