أخبار الزّمان

أبو الحسن علي بن الحسين بن علي الهذلي المسعودي

أخبار الزّمان

المؤلف:

أبو الحسن علي بن الحسين بن علي الهذلي المسعودي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدريّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٢٧٩

سنة وطلع إلى الفلك.

وبعده منوشهر وهذه الطبقة الاولى إلى أن غلب الاسكندر دارا بن دارا ورتب ملوك الطوائف ، ثم هلكت الاكاسرة من آل أردشير بن بابك إلى انقضاء ملكهم وقد نسبهم قوم إلى سام ، وبذلك جاءت الاثار.

وكان دينهم دين الصابئة ، ثم تمجسوا وبنوا بيوت النيران ، ويقال إنه كان يكسي ملكهم بيوت النيران ويذر فيها كبريتا وزرنيخا فيستوقد من نفسه لا يستعملون الحطب لتلك النار الا أوقية أوقية بثلاثين فضة.

ويقال إن [من] كان يريد التعبد في تلك البيوت يقعد على كرسي وبين يديه هاون حجر كبير قد جعل فيه ماء وبيده دستج خشب يضرب به الملك أبدا ويحركه بعنف شديد وقوة واجتهاد كأنه يعذبه لعبادته النار.

وجميع أهل الممالك يعترفون للفرس ويقرون لهم بالرئاسة وحسن التملك وتدبير الحروب ودقيق الالوان وتأليف الطعام والطب واللباس وترتيب الاعمال ووضع الاشياء مواضعها والترتيل والخطابة ووفور العقل وتمام النظافة والشكل وهيبة الملوك ، هذا كله لهم فيه السبق.

ومن كتب سيرتهم استعمال من جاء من بعدهم من رسوم الملك وتدابير الرئاسة ، وأمرهم أشهر من أن يستقصى في هذا المكان.

ذكر مملكة خراسان

فأما ملوك خراسان مثل الصغد وغيرهم من قد غلبه والاشر وسنية والبرجان وهو أهل الديلم والجبل واللد والاكراد والشماس ، وما وراء النهر فقد كانت لهم ملوك عدة بطارقة اكثرهم كان يعبد النار ويتمجس.

ويقال ان اردشير رأى شيطانه فقال له علمني علما انتفع به ، فقال له على

١٠١

أن تنكح أمك فهي أقرب اهلك ، ففعل وصار دين المجوسية.

والفرس تزعم أن نكاح الاخوات من وقت آدم ، ثم أطلق لهم بعد ذلك زنادقتهم نكاح الام ، وقالوا لهم هي أحق إليه من الاخت ففعلوا.

وخلف جزيرة الصين أمم عراة ينسق لون شعورهم وأمم لا شعور لهم وأمم حمر الوجوه شقر الشعور ، وأمم إذا طلعت الشمس هربوا إلى مغارات يأوون إليها من حر الشمس ولا يخرجون منها حتى تدور الشمس إلى الوجه الغربي ، وأكثر ما يغتذون نباتا يشبه الكمأة وسمك وخشاش الارض ، وتحاذيهم من ناحية الشمال أمم بيض شقر عراة يتناكحون كما تتناكح البهائم ، ويجتمع على الواحدة الجماعة ، ولا يمنع أحد من أنثى لينالها.

ذكر سام بن نوح

وأما سام بن نوح عليه السلام فان الله تعالى جعل له الرئاسة والكتب المنزلة والانبياء ، ووصية نوح في ولده سام خاصة دون أخوته ، فولد سام ، أرفخشذ.

وكان عمره أربعمائة سنة وخمسا وستين سنة منه ، وولد أرفخشذ شالخ ، وولد شالخ عابر ، وعاش عابر أربعمائة سنة وثلاثين سنة.

وولد عابر قحطان ، وولد قحطان فالغ ، وولد فالغ يعرب ، وقيل إنه أول من تكلم بالعربية ، وكانت لغاتهم السريانية ، وولد يعرب سبأ وولد سبأ حمير ، وسمى بذلك لانه كان له تاج ، وكان له جوهر أحمر فإذا جلس أضاء على بعد منه ، فكان يقال له الملك الاحمر ، ثم غير اللفظ فقيل له حمير.

وكهلان [بعد] حمير بن سبأ ومن كهلان كانت ملوك اليمن من التبايعة والاذوين ، ومنهم كان أبرهة والاحابش ، والمغاربة والانجاد.

١٠٢

والاذواء جماعة غزوا الامم وتجولوا في البلاد ، ومنهم إفريقس الذي بلغ آخر المغرب.

ذكر ابراهيم عليه السلام

وأما ابراهيم عليه السلام فولد له سيدنا اسماعيل عليه السلام ، وأمه [هاجر] القبطية واسحق وأمه سارة بنت هارون ، وهو من بني حران وكانت حياة ابراهيم عليه السلام مائة وخمسا وسبعين سنة ، وكان ملك بابل في وقته النمروذ من ولد كوش بن حام ، فلما ان حاجه ابراهيم عليه السلام وكسر الاصنام أضرم الملك له نارا عظيمة وألقاه فيها فجعلها الله تعالى عليه بردا وسلاما ، وأتت ريح فنسفت النار في وجوه الواقفين مع الملك كذلك.

وخرج إلى حران فآمن به ابن أخته لوط وسارة بنت عمه. وكان خروجه وهو ابن سبع وثلاثين سنة وتزوج سارة بوحي أتاه ، وخرج معه ثلاث صحف بالعبرانية وكانت لغته سريانية ، وكان في الصحف أمثال وتسبيح وتهليل وتحميد ، وأمر بالمسير فعبر الفرات وسار إلى مصر وسنذكر قصته في أخبار مصر.

ذكر اسماعيل عليه السلام

وأما اسماعيل عليه السلام فقطن الحرم ونبع له زمزم بامر الله تعالى ، ونبأه الله وارسله إلى العماليق وجرهم وقبائل اليمن ، فنهاهم عن عبادة الاوثان ، فآمنت به طائفة منهم وكفر اكثرهم ، وغلب على الحرم وتزوج في خيرهم.

١٠٣

وولد له اثنا عشر ولدا ومات وهو ابن مائة سنة وسبع وستين سنة ، وأوصى إلى ابنه عدنان بأمر البيت ، فدبر امر البيت.

فمن عدنان ولد محمد النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ، وجميع العرب العاربة من ولده. وذكر آخرون أنه من ولد قيدار بن اسماعيل ، واختلفوا في ولد اسماعيل اختلافا كبيرا ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بلغ بالنسب إلى معد بن عدنان ، قال عدنان بن اعراق الثري. ومن اسماعيل وعدنان أمم كثيرة.

حدث البلبلة

كان الناس بعد الطوفان مجتمعين بمكان واحد بأرض بابل ولغتهم السريانية ثم تفرقوا فسلك قحطان وعاد وثمود وعملاق ، وطسم وجديس طريقا ، وألهمهم الله تعالى هذا اللسان العربي فساقتهم الاقدار إلى اليمن فسارت عاد إلى الاحقاف ونزل ثمود ناحية الحجر ونزل جديس اليمامة ، ثم شخص طسم فنزل اليمامة مع جديس ، ثم شخص عملاق فنزل أرض الحرم ، وسار ضخم أرم فنزل الطائف ، وسار جرهم فنزل مكة ، فهؤلاء ولدهم ونسلهم يسمون العرب العاربة.

وولد إسماعيل يسمون العرب المستعربة لانهم تعلموا منهم وتكلموا بلغتهم.

ذكر عاد

وأرسل الله هودا إلى عاد وهم بأحقاف الرمل وملكهم الخلجان (١) بن الوهم ، وكاونوا يعبدون ثلاثة أصنام وكذبوه ، فدعا عليهم فأمسك الله عنهم

__________________

(١) في ب : الخلنجان.

١٠٤

المطر ثلاث سنين فأجهدهم ذلك فوجهوا إلى مكة رجالا يستسقون لهم في الحرم.

ولم تزل العرب تعظم موضع البيت ، وكان موضعه بعد الطوفان ربوة حمراء ، وأهله العماليق وسيدهم معاوية بن بكر ، فقدم عليه وفد عاد للاستسقاء وفيهم قيل (١) بن عمرو ويزيد بن ربيعة ، ونعيم بن هذال ، ولقمان بن عاد ، فقدموا ونزلوا على معاوية بن بكر وأقاموا عنده شهرا يأكلون ويشربون وتغنيهم الجرداتان وهما قينتان كانتا لمعاوية بن بكر ، فلما طال أمرهم أشفق عليهم معاوية بن بكر لانهم أخواله وخاف عليهم ، فصنع شعرا ينبههم به ويحثهم على ما قدموا له ، وأمر الجاريتين فغنتاه (٢) :

ألا يا قيل ويحك قم فهينم

لعل الله يمطرنا غماما

فيسقي أرض عاد إن عادا

قد أمسوا لا يبينون الكلاما

وأنتم هاهنا فيما اشتهيتم

نهاركم وليلكم التماما

فقبح وفدكم من وفد قوم

ولا لقوا التحية والسلاما (٣)

فانتبه القوم لما سمعوا الشعر ونهضوا يستسقون ، فلما استسقوا نشأت لهم ثلاث سحائب بيضاء وسوداء وحمراء ، ونودي قيل منها اختر لقومك قال البيضاء جهام قد فرغت ماءها ، والحمراء ريح والسوداء غيث فاختارها فقيل قد اخترت رمادا رمددا لا يبقي من عاد أحدا ، لا والدا ولا ولدا. فدخلت الريح على عاد من واديهم ، فأقامت سبع ليال وثمانية أيام حسوما ، والحسوم الدائمة حتى هلكوا عن آخرهم ، وتهدمت ديارهم ولم يمنعهم جدار ولا جبل حتى هلكوا عن آخرهم ، ولم يبق إلا رسمهم.

__________________

(١) في ب : قنبل.

(٢) في ب : فغنيتاه.

(٣) الابيات في مروج الذهب بأطول من هذا.

١٠٥

و[روي أنه] لما استسقى وفدهم بمكة ، ساروا في طريقهم فنودوا في طريقهم : إن عادا قد هلكوا عن آخرهم ، فاختاروا لانفسكم ، فاختار قيل أن يلحق بقومه ، فسار نحوهم فلقيته الريح فأهلكته ، واختار مزيد برا وصدقا وكان مؤمنا بهود عليه السلام ، فأعطي ما سأل.

واختار نعيم حياة ألف سنة لا يمرض ولا يهرم ، ولا تصيبه حاجة فأعطي ما اختار ، واختار لقمان عمر سبعة أنسر فأعطي ما أختار ، وكان يأخذ النسر فرخا يربيه حتى يهلك ، ثم يأخذ عند هلاك ذلك فرخا آخر ، فيفعل به كذلك ، حتى بلغ سبعة أنسر ، وكان آخرها لبد ، وقد ضربت العرب به الامثال في أشعارهم قال الاعشى :

ألم تر لقمان أهلكه

ما مر من سنة ومن شهر

وبقي نسر كلما انقرضت

أيامه عادت إلى نسر

ما مر من أمد على لبد

وعلى جميع نسوره السمر

قد ابلت الايام نضرته

وأودعت لقمان في القبر

وقال النابغة الذبياني :

أمست خلاء وأمسى أهلها انقرضوا

أخنى عليها الذي أخنى على لبد

ولما قسم نوح عليه السلام الارض بين بنيه جعل لسام وسط الارض ، والحرم وما حوله واليمن إلى حضرموت إلى عمان والبحرين إلى عالج إلى طرف بلاد الهند ، وكان هذا كله مدنا وقرى وحصونا وقصورا ومصانع وبساتين يتصل بعضها ببعض ، إلى ان سخط الله على قوم هود فأفسد كثيرا منها.

وجعل الله في ولد سام النبوة والبركة ، وجعل لحام بعض الشام ومصر إلى أعالي النيل وبلاد النوبة والبجة ، وأصناف السودان مع البحر الاحمر (١) إلى

__________________

(١) في ب : الاخضر ، وهو خطأ.

١٠٦

بلد الحبشة والهند والقوط والسند.

وقسم ليافث بلاد الترك والصين ، ويأجوج ومأجوج ، والصقالبة والروم وإفرنجة والاعبورة والاندلس إلى البحر المظلم ، وسواحله.

وجعل ليحطون صين الصين إلى بلاد الشحر إلى ناحية اليمن ، فكثروا من كل جانب وانبسطوا إلى جهة بابل ، وبورك فيهم فصاروا نيفا من سبعين ألف بيت على خلق عظيم إلى أن ضرب بينهم إبليس ، وكانت البلبلة فافترقوا.

وكان أول ملك منهم النمرود الاول بن كوش بن حام ، وكان أسود أحمر العينين مشوها في جبهته كالقرن ، وكان أول أسود يرى بعد الطوفان ، فكان من ولده لدعاء نوح عليه السلام على ابنه حام ، وذلك أن نوحا عليه السلام نام فانكشفت عورته ، فرآها حام فضحك ولم يغطه ، وسكت يافث ، ولم ينكر عليه فصاح سام عليهما ، وعلم ذلك نوح فدعا على حام أن يكون ولده سودا مشوهين عبيدا لولد سام ، ودعا على يافث أن يكون ولده عبيدا لبني سام ، وأن يكونوا أشرار الناس.

وكان حام من أجمل البرية وأتمهم كمالا وأطيبهم ريحا ، فاجتنب امرأته أن يطأها خوفا من دعوة أبيه ، فلما مات أبوه غلبه ذلك على اعتقاده ، فقرب منها فحملت بكوش بن حام وأخته ، فلما رآهما حام فزع منهما ، وأتى اخوته فأخبرهما وقال لهما قلت لامرأتي هل شيطان أو أحد غيري أتاك؟ فقال اخوته هذه دعوة أبيك فاغتم لذلك وترك امرأته دهرا ، ثم غشيها فولدت قوطا وتوأمته ، فلما رأى ذلك هرب في البلاد وغاب فلم يدر أين يذهب ، ولم يكن أشد تجبرا وتكبرا وعتوا من النمرود الاسود.

وكان له بعض كهان فأتاه ابليس فقال له أنا كاهن من الكهان ، ولم أر أحدا يعادلك في الكهانة وأنا معينك ومتمم أمرك ، وجاعلك ملك الملوك ،

١٠٧

على أن تذبح لي ولدك قربانا ، وتصلي لي ثلاث صلوات فأقلدك وأكون معك ، وأجعلك كاهنا كاملا تاما وأقيمك مقامي ففعل ما أمر به فأمر إبليس الشياطين بطاعته ، وليكون معه ، ثم أتوه بولد سام فحاربهم وعاونه إبليس فقهرهم واستعبدهم ، فانقادوا له وأطاعوه فبنى له إبليس قصرا وصفحه بالذهب (١) المكللة بالجوهر تضئ ما حوله ودفع إليه سيفا يتألق نورا في رأسه ثعبان يمتد إلى من يومئ إليه فيقتله ، فلما رأى (٢) الناس ذلك أذعنوا له بالطاعة ، ثم دعاهم إلى عبادته فأمر أن يبنى له صرح (٣) من الحجارة ومن الكلس فلم يبق احد إلا عمل فيه وقال يكون حصنا لكم.

وعاونته الابالسة فبنى صرحا عظيما فبلغ ارتفاعه في الجو تسعمائة ذراع ، ثم هندم أعلاه بأغرب بنيان وبنى فيه مجالس على أساطين غريبة ، وكان عرض كل حائط من حيطانه الاربع ألف ذراع وما بين ذلك من الطبقات جعلها كلها مخازن وملا جميعها من المال والطعام والشراب وجميع الالات وكل ما يخاف أن يحتاج إليه يوما من الدهر بما يقوم به هو وأهله مدة من الدهر طويلة ، وجعل مجلسه أعلاه وأمر الناس أن يعبدوه.

واتخذ صاحب خبره جنيا (٤) بينه وبين الناس ، فإذا رفع إليه أن أحدا امتنع عن عبادته أمر به فطرح من أعلى الصرح إلى أسفله.

وزعم قوم أنه يكون على السحاب ويصعد إلى الفلك ، وكان يركب عجلة منصوبة على ظهور الشياطين وينحدر منها إلى الارض ففرق الناس منه وافتتنوا به وعبده كثير منهم ، وعظم أمره. واتصل بسام أنه يريد قتله ، وقد عزم عليه فأخرج سام الاسماء التي علمه نوح عليه السلام إياها ، وقال له

__________________

(١) لعل الصواب بالمذاهب.

(٢) ب : رأوا.

(٣) ب : صرحا.

(٤) في ب : حبشيا.

١٠٨

لا تدع بها إلا في مهم عظيم ففيها (١) اسم الله الاعظم ، وقال : اللهم أنت الداعي لعبادك وبعينك ما هم فيه وما خرجوا من الفتنة إليه بغلبة هذا الجبار الذي قد استهوته الشياطين وانقيادهم له ، وإن لم تغثهم ضلوا وهلكوا ، وأنت أعلم بما يصلحهم ، فاحقن دماءهم وامنع هذا الجبار منهم ، وخذه بجريرته واكفنا أمره.

فأمر الله عزوجل الرياح الاربع فأقبلت على ذلك الصرح من جوانبه فجعلته دكا واتبع ذلك ظلمة شديدة ورجفة عظيمة تزعزعت لها الجبال.

فنهض العالم على وجوههم لا يرى بعضهم بعضا ، ولا يدرون أين يتوجهون وضعفت ألسنتهم عن الكلام.

وهلك اللعين عدو الله النمروذ ، وهلك من كان يعبده ، ومشى الناس في الظلمة هاربين ثلاثة أيام ثم لاحت لهم شعوب فيها نور يسير ، فتشعب كل شعب فرقة هربت نحوه طلبا للنجاة ، وتبع كل فرقة قوم يحثونهم ، وهذا بلغة غير لغة الفرقة الاخرى ، حتى خرجت كل فرقة إلى ناحية من الارض وقد تبلبلت ألسنتهم وكثرت لغاتهم ، فإذا وصلت فرقة منهم إلى موضع ناداهم مناد «هذا موضعكم الذي تكونون فيه فاعتمروا فيه وأثمروا».

فخرج بنو سام لناحية اليمن إلى الشحر وحضرموت إلى آخر خط الاستواء ، فمنهم العرب العاربة.

وخرج بنو حام إلى السند والهند وبلاد أسوان (٢). وخرج بنو يافث إلى الشمال ،.

فمنهم الروم والخزر والترك والصقالبة والافرنج ، ويأجوج ومأجوج.

وخرج بنو يحطون إلى الصين الاقصى وأقاصي الشرق ، فنزل (٣) كل قوم في موضعهم وعمروه وتوالدوا فيه إلى اليوم.

__________________

(١) في ب : منها.

(٢) هكذا في الاصول.

(٣) في ب : ترك.

١٠٩

ونذكر من أخبار آدم عليه السلام ما وقع الينا في نقله بعض الخلاف ، وفي ذكره فائدة.

آدم خلقه الله بيده ، ونفخ فيه من روحه ، وأسجد له ملائكته على ما تقدم ذكره ، وأسكنه جنته بفضله ، وأهبطه بذنبه إلى الارض ، وتاب عليه ، وعلمه جميع العلوم ، وملكه على الارض ، وكثر في جميع العالم منه أفاضلهم وأشرارهم وهو أول من صام وصلى وقرأ وكتب.

وكان من أحسن المخلوقين وجها ، وكان أمرد أجرد ، وأنزل الله تعالى عليه إحدى وعشرين صحيفة ، وتوفاه الله وهو ابن سبعمائة سنة وخمسون سنة ، وكان عمره الف سنة ، فوهب لداود منها خمسين سنة لما عرضت عليه أعمارهم وصورهم فرأى عمر داود قصيرا.

وأوصى بعده إلى ابنه شيث ، وكان فيه وفي بنيه النبوة والدين والعبادة والقيام بحقوق الله تعالى وشرائعه.

وأنزل الله تعالى على شيث تسعا وعشرين صحيفة ، وكان مسكنه فوق الجبل وسكن ولد قابيل أسفل الوادي ، وكان عمره تسعمائة سنة واثنتي عشرة سنة واستخلف ابنه أنوشا وكان عمره تسعمائة وخمسين سنة ، واستخلف ابنه قينان وهو الذي كانت الوصية إليه وقسم الارض بين بني أبيه ، فطاف وهو ابن تسعمائة وعشرين سنة ، ودفع الوصية إلى ابنه هطيل (١) وفي وقته بنيت الكعبة ، وكان عمره ثمانمائة سنة وخمسا وتسعين سنة ، وأوصى إلى ابنه يرد وعلمه وضع العلوم ، وأخبره بما يجري في العالم ، ويحدث بنظره في النجوم ، وفي كتاب سر الملوك الذي أنزل على آدم عليه السلام.

وولد ليرد خنوخ وهو إدريس عليه السلام ، وقد تقدم خبره مع يمحويل

__________________

(١) في مروج الذهب : مهلائيل.

١١٠

لمللك ويقال إن يمحويل الملك بعث إلى أبيه أن يبعث إليه إدريس فامتنع ، فوجه إليه جيشا فمنعه منه أعمامه.

وجميع ولد شيث فلم يصل إليه ، ولم يكن بعد شيث وحي ، حتى نبأ الله تعالى إدريس [عليه السلام].

وكان عمر يرد سبعمائة وخمسين سنة ، ويقال إنه أول من استوقد واستعبد وغزا بني قابيل ، ونظر في علم الفلك ، ووضع المكيال والميزان ، وأوتي علم الطب والنجوم ، وعلم الزيجات بحساب غير حساب الهند ، وسأل ربه فأراه الصور الفلكية العالية.

وكانت الارواح تخاطبه ، وعلم أسماء الصعود والهبوط فصعد وهبط ، ودار [حول] الفلك وعرف أشكال النجوم ووقف على مسير الكواكب ، وعرف كل ما يحدث في العالم ، فزبره على الحجارة وعلى الطين.

وزيد مع ذلك كل العلوم والصناعات ، وكانت له قصص تطول مع ملك الموت ومات ثم عاش ونظر إلى النار ودخل إلى الجنة ولم يخرج عنها.

ورفع على رأس ثلاثمائة سنة من عمره ، وكان يقال له هرمس باسم عطارد ، وعلم ابنه صابيا الخط فقيل لكل من كتب الخط بعده صابيا.

وهو الذي أخبر بالطوفان ، وما يحدث في العالم ودفع الوصية ، والصحف إلى ابنه متوشلخ وأمر صابيا بمعونته.

وكان صابيا قد بلغ مبلغا جليلا ، وعاش متوشلخ تسعمائة سنة واثنتين وثلاثين سنة.

وانتقلت الوصية إلى ابنه لمك فأخذ في البحث وجمع العلوم ، وأقبل على بني أبيه فجمعهم وأمرهم ونهاهم وحضهم على الجور لولد قابيل ونهاهم عن قربهم وعن الاختلاط بهم ، وهو الذي رأى نارا خرجت من فيه ، فأحرقت العالم.

١١١

ولما ولد له نوح عليه السلام والملك يومئذ درمشيل به يمحويل بن خنوخ ابن يحمور بن قابيل بن آدم عليه السلام ، وكان قد تجبر وقهر الملوك على ما تقدم ، لكنا نعيد ذكره هنا لما ورد في هذا الخبر من الزيادة والاستقصاء.

وكان إبليس قد استمال الملك ودعاه إلى عبادة الكواكب ودين الصابئة ، وقال له هو دين أجدادك ، فأجابه وعمل له الشيطان هياكل واصناما عبدوها.

ويقال إنه له يستخرج أحد من المعادن والجوهر واللؤلؤ والمرجان أكثر مما كان في وقت الدرمشيل ، وكان شديدا على نوح والله تعالى يحفظه منه وعاش الملك ثلثمائة سنة.

ونبأ الله تعالى نوحا عليه السلام وهو ابن مائة وخمسين سنة وأرسله إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما ، وعاش بعد الطوفان مائة سنة ، وكان أول نبي بعد إدريس عليهما السلام.

وكانت شريعته التوحيد والصلاة والزكاة والصيام والحج وجهاد الاعداء ، فدعا قومه إلى الله تعالى وحذرهم عذابه ، وكلما قام فيهم ودعاهم عنفوه وحذروه وأخفوا أمره عن الملك ، وكان يحضر هياكلهم وبيوت أصنامهم ، فإذا قال لهم قولوا لا إله إلا الله وإني عبد الله ورسوله جعلوا أصابعهم في آذانهم وادخلوا رؤوسهم في ثيابهم تبرءا مما يقول.

ولما قال لهم يوما قولوا لا إله إلا الله وقعت الاصنام على وجوهها فقاموا إليه فضربوه حتى سقط على وجهه ، وعرف الملك خبره فأحضره وقال له ما هذا الذي بلغني عنك من مخالفتك لديني وما عليه بنو أبيك وسبك لالهتنا؟ وما هذا السحر الذي اسقطت به الاصنام عن كراسيها؟ ومن الذي علمك ذلك؟

١١٢

فقال له نوح عليه السلام لو كانت آلهة كما تزعم ما سقطت ، وأنا عبد الله ورسوله فاتق الله تعالى ولا تشرك به شيئا ، فانه يراك فأمر بحبسه. إلى أن يحضر عيد الاصنام فيذبحه تقربا إليه.

وأمر برد الاصنام على كراسيها ، وإصلاح ما تغير منها ، وحان العيد وقرب فنادى في الناس أن يجتمعوا ليروا ما يصنع به ، فدعا عليه نوح عليه السلام فأصابه صداع في دماغ راسه أذهب عقله ، فأقام اسبوعا ثم هلك فحمل على سرير ذهب ، وطيف به في هياكل الاصنام ، وهم يبكون عليه ثم دفنوه ، وشتموا نوحا ونالوا منه بألسنتهم كل قبيح.

وولى الملك ابن الدرمشيل فأخرج نوحا من حبسه ، وزعم أنه مجنون وتقدم إليه ونهاه أن لا يعود إلى ذلك الفعل فأقام إلى أن اجتمعوا في بعض أعيادهم عكوفا على أصنامهم فخرج حتى أتى جمعهم.

فقال : قولوا لا إلا إله الله وإنى عبد الله ورسوله ، فتساقطت الاصنام وقاموا إلى نوح عليه السلام فضربوه وشجوه وسحبوه على وجهه ، ثم أتوا به الملك فقال له الملك ألم أصفح عنك ، وأسرحك من حبس ابي على أن لا تعاود؟ فقال له إني عبد مأمور بما أفعله ، قال ومن أمرك؟ قال إلهي ، قال ومن إلهك قال إله السموات والارض وما فيها وخالق الخلائق اجمعين ، قال وبماذا أمرك؟ قال ادعو الناس إلى عبادته وحده ، واخلع الاصنام ، وأعمل بما فرضه الله تعالى من الصلاة والزكاة والصيام قال فان لم نفعل ما تقول ، قال الامر إليه إن شاء اهلككم وإن شاء امهلكم ، قال فاترك إلهك وما يريده وكف أنت عنا نفسك ، قال ما ينبغي لي أن أكف ولا أقدر لاني عبد مأمور ، فأمر بحبسه إلى ان يتقرب به إلى الاصنام.

اخبار الزمان ـ م (٨)

١١٣

فخرج على الملك سرنديب الكاهن الجبار ، وكانت بينه وبينه حروب شغل بها عن أمر نوح عليه السلام وتشاءم بحبسه فأمر بتسريحه حتى يخلو له وجهه ثم صالح الكاهن على ناحية تركها له من عمله ، وعاد إلى ما كان فيه من ملكه.

وكان إبليس يحرضه على قتل نوح عليه السلام ، ويزينه له فيمنعه الله تعالى منه وزاد أمر نوح عليه السلام ، فوجه الملك إلى جميع ممالك الارض ليوجهوا له كل كاهن ، وكل عراف لمناظرة نوح عليه السلام فشخصوا إليه من الآفاق ، فناظروه فغلبهم نوح عليه السلام بالحجة والبرهان.

فآمن منهم الكاهن فيملون المصري ، واتبعه حتى دخل معه في السفينة ، وأوحى الله تعالى إلى نوح عليه السلام ان اصنع الفلك بأعيننا ، فقال كيف أصنعه؟ فأهبط الله تعالى جبريل عليه السلام حتى أراه إياها ، وأمره ان يبنيها على مثل صدر البطة فأقام في عملها عشر سنين ، وعملها من خشب الساج ، وجعل طولها ثلاثمائة ذراع وقيل دون ذلك ، وجعل ارتفاعها من الارض خمسين ذراعا ، وجعلها ثلاث طبقات كما امر.

وكانوا يهزؤن منه ويضحكون ، وكان الرجل منهم يأتي إليه بأبنه الصغير فيحذره منه ، وربما رماه الصبيان بالحجارة فآذوه ، ولما فرغ من عمل السفينة جعل بابها في جنبها ، وأقامت موضوعة على الارض تسعة أشهر حتى حضر عيد لتلك الاصنام ، فاجتمعوا إليه وقربوا إليه ثلاثمائة رجل ممن آمن بنوح عليه السلام ، ذبحوهم بين أيديهم ، فحق عليهم العذاب.

وأمر الله تعالى نوحا عليه السلام أن يدخل في السفينة من كل زوجين اثنين ، فقال يا رب من أين لي أن اجمع ذلك فأمر الله تعالى الرياح فحشرت إليه كلما أراد ، وأمر به فأدخل فيها من كل زوجين اثنين.

١١٤

وكانت السفينة ثلاث طبقات ، فجعل الطبقة السفلى للبهائم والدواب والطير وجعل الوسطى لطعامهم ، وجعل جسد آدم عليه السلام في تابوت فيها ، وجعل العليا له ولمن دخل معه.

وركب الملك إلى هيكل الاصنام فأقام فيها حينا ، ثم مشى إلى السفينة ، وقد علم بما شحنت فيه وعزم على حرقها ، فلما وقف عليها قال يا نوح واين الماء الذي يحملها؟ قال هو يأتيك في مكانك هذا ، وأمر الملك فرميت السفينة بالنار ، فرجعت عليه وعلى أصحابه فأحرقت بعضهم ، وفار الماء على ما تقدم ذكره ، وفتحت أبواب السماء بالمطر وحيل بينهم وبين صعود الجبال ، ولم يدروا أين يتوجهون ، وكانت المرأة تحمل ولدها على عنقها ، فإذا لججها الغرق طرحته ، فقيل لو رحم الله الكافر لرحم الصبي وأمه.

وقال أصحاب النظر في الكواكب سلمت ثلاثة مواضع ، لم يدخلها الطوفان ونحن لا نقول بذلك ، والفرس لعنهم الله لا يقولون بالطوفان ولا بنبوة نوح عليه السلام ، ونحن لا نقول بقولهم ، والهند يزعمون أنه لم يكن ببلدهم من الطوفان شئ وكذلك أكثر [سكان] الجزائر والبحار (١) يزعمون ذلك.

وقيل إن السفينة أقامت في الماء ستة أشهر ، ويقال إنها سارت شرقا وغربا وأتت موضع الكعبة ، وكانت معهم خرزة يعرفون بها الليل ، ومواقيت الصلوات.

ولما نزلوا من السفينة على ما تقدم ذكره أمرهم نوح عليه السلام بالزراعة وغرس الشجر ، وتفقد الكرامة فلم يجدها ، وسأل عنها فعرفه جبريل عليه السلام أن إبليس سرقها ، لان له فيها شركة فاقتسمها معه ، فقال نوح اعطه

__________________

(١) في ب : وكذلك اكثر جزائر والتجار.

١١٥

منها الربع ، قال لا يكفيه فزده ، قال فاعطه النصف ، قال لا يكفيه ولكن يكون له (١) الثلثان ولك الثلث ، قال فنعم إذن

قال فما طبخ من عصير الكرم بالنار حتى يذهب ثلثاه ، كان حلالا لك ولذريتك ، وما نقص من ذلك كان له ، ولمن كان من اتباعه.

وقال إبليس لنوح عليه السلام إن لك عندي يدا أرعاها لك قال وما مكافأتك؟ قال وصية أوصيك بها ، قال وما هي؟ قال إياك والحسد والحرص والعجلة فان الحسد حملني على إن عصيت ربي ، وغويت آدم حتى خرج من الجنة ، والحرص حمل آدم وحواء حتى أكلا من الشجرة ، فغضب الله عليهما ، والعجلة التي حملتك على أن دعوت على قومك فأهلكتهم جميعا.

ذكر عناق بنت آدم عليه السلام

نرجع الآن إلى ما يجب ذكره من بقية أخبار آدم عليه السلام ، ولدت عناق بنت آدم مفردة بغير أخ (٢) وكانت مشوهة الخلق لها رأسان ، وكان لها في كل يد عشر أصابع ، لكل أصبع ظفران كالمنجلين الحادين.

ذكرها علي بن أبي طالب عليه السلام فقال : هي أول من بغى في الارض ، وعمل الفجور ، وجاهر بالمعاصي واستخدم الشياطين ، وصرفهم في وجوه السحر.

وكان الله عزوجل أنزل على آدم عليه السلام أسماء تطيعها الشياطين ، وأمره أن يدفعها إلى حواء فتعلقها ععلى نفسها فتكون حرزا لها ، ففعل ذلك ، وكانت حواء تصونها وتحتفظ بها ، فاغتفلتها عناق وهي نائمة ، فاخذتها واستجلبت الشياطين بتلك الاسماء ، وعملت السحر ، وتكلمت بشئ من

__________________

(١) في ب : لها.

(٢) ت : ذكر.

١١٦

الكهانة ، وجاهرت بالمعاصي وأضلت خلقا كثيرا من ولد آدم عليه السلام ، فدعا عليها آدم عليه السلام ، وأمنت حواء فأرسل الله إليها في طريقها أسدا أعظم من الفيل فهجم عليها في بعض المغاور فقتلها ، ومزق أعضاءها ، وأراح الله آدم وحواء منها.

ويقول أهل الاثر : إن عوجا الجبار [من] (١) ولدها : وإن الطوفان لم يغرقه ولا بلغ ماؤه إلا بعض جسده ، وأنه طلب السفينة ليغرقها فأعماه الله عنها ، وعمر إلى زمان فرعون ، وقطع صخرة على قدر عسكر موسى عليه السلام وكان في أكثر من ستمائة الف (٢) ، وحملها على رأسه ليطرحها عليهم ، فأرسل الله في طريقه ذلك عليه طيرا نقر ذلك الحجر حتى ثقبه ، ونزل من رأسه إلى كتفيه فصار رأسه مضغوطا في الحجر فمنعه الرؤية ، وتعذر عليه الحركة ، وأمر الله تعالى موسى عليه السلام بقتله ، وكان لموسى ايد قوية ، وكانت وثبته عشرة أذرع ، وطول عصاه مثلها وطوله كثيرا فوثب إليه فلم يضرب بطرف عصاه إلا عرقوبه ، فسقط لثقل الحجر فقتله ووافق سقوطه عرض النيل. فأقام كالجسر يعبر الناس عليه والدواب كالقنطرة مدة طويلة.

وفي حديث آخر أنهم جروه في خمسة أشهر في كل يوم ألف ثور مقرنين بعجلات مع تعاونهم عليه في كل يوم نصف ذراع حتى طرحوه في بحر القلزم.

وقيل بل قطعوه قطعا وجروه إلى البحر ، وقيل إن سقوطه كان في صحراء مصر فترك في موضعه وردم عليه بالصخور والرمل حتى صار كالجبل العظيم.

ذكر أخبار الكهان من العرب

بلغ سطيح من الكهانة ما لم يبلغه أحد ، وكان يسمى كاهن الكهان ،

__________________

(١) في ب : هو.

(٢) ت : مائة الف.

١١٧

وكان يخبر بالغيوب والعجائب (١) فقيل [إن] (٢) ربيعة بن نصر اللخمي رأى رؤيا هالته ، فأمر بجمع الكهان وأصحاب القيافة والزجر ، فلما حضروا عنده قال لهم إني رأيت رؤيا هالتني فأخبروني بها ، فقالوا له قصها علينا نخبرك بتأويلها ، فقال ما أطمئن إلى تأويلها إذا قصصتها عليكم ، ولا أصدق في تأويلها إلا من عرفها قبل أن أقصها عليه.

فقال له رجل منهم : لا يفعل ذلك ويوثق بقوله إلا سطيح الذئبي وشق اليشكري ، فهما أعلم ، فارسل اليهما ليقدما عليك.

فقدم سطيح قبل شق ، وكان اسم سطيح ربيع بن ربيعة من بني ذئب بن عدي ، فأكرمه ربيعة بن نصر ، وقال له إني رأيت رؤيا هالتني ، وأريد أن تخبرني بها وبتأويلها.

فقال سطيح : أقسم بالشفق ، والليل إذا غسق ، والطارق إذا طرق ، لقد رأيت حممة خرجت من ظلمة ، فوقعت في أرض تهمة ، فأكلت كل ذات جممة.

قال صدقت فما تأويلها؟ قال أحلف بما بين الحرتين من حنش ، ليطأن أرضكم الحبش ، وليملكن ما بين أبين إلى جرش.

قال ربيعة إن هذا لغائظ موجع ، فهل في زماننا؟ قال لا بل بعده بحين اكثر من ستين أو سبعين ، يمضين من السنين ، ثم تقتلون بها أجمعين ، وتخرجون منها هاربين.

قال فمن بلي ذلك منهم؟ قال غلام رحب الفطرة من آل ذي يزن ، يخرج عليهم من عدن ، فلا يترك أحدا منهم باليمن.

قال فما تصنع اليمن؟ قال يملكها بعدهم [قوم ذوو] أخطار من رجال

__________________

(١) ت : من الغيوب بالعجائب.

(٢) ت : ورأى ربيعة.

١١٨

أحرار ، قال أفيدوم ذلك أو ينقطع؟ قال بل ينقطع ، قال ومن يقطعه؟ قال نبي ذكي أمين قوي ، يأتيه الوحي من قبل الواحد العلي : قال وممن هذا النبي؟ قال من ولد غالب بن فهر بن مالك بن مضر ، يكون الملك في قومه إلى آخر الدهر.

قال وهل للدهر من آخر؟ قال نعم يوم انفطار السماء ، والوقوف للجزاء ، بالسعادة والشقاء.

قال وأي يوم هو؟ قال يوم يجمع فيه الاولون والآخرون ، ويسعد فيه المحسنون ، ويشقى فيه المسيئون.

قال أحق ما تخبرنا به يا سطيح؟ قال نعم والشفق ، والغسق ، والقمر إذا اتسق ، أن ما أنبأتك به لحق.

ومن أخبار أيضا : أنه كان لعبد المطلب بن هاشم ماء بالطائف ، يقال له ذو الهدم ، فادعته ثقيف فجاؤه فاحتفروه ، فمنعهم عبد المطلب فعظم خصامهم ، فنافرهم عبد المطلب إلى سطيح ، فخرج عبد المطلب ومعه ابنه الحارث ، وخرج معه جماعة من قومه ، وخرج خصمه جندب بن الحارث في جماعة من ثقيف ، فلما كان في بعض الطريق نفد ماؤهم فطلبوا إلى الثقيفيين أن يسقوهم فلم يفعلوا ، فنزل عبد المطلب وأصحابه ، وهم لا يشكون أنه الموت ، ففجر الله عين ماء عذب من تحب جرات بعير (١) عبد المطلب فشربوا واستقوا وحمد الله عزوجل عبد المطلب [وشكره] (٢) وساروا على طريقهم فنفد ماء الثقيفيين فسألوا عبد المطلب أن يسقيهم ففعل فقال له الحارث : لان أدخل سيفي في بطني أخف علي من أن أفعل ذلك! قال له يا بني اسقهم فان الكرم ثقيل الحمل ، فسقاهم فساروا فقطعوا رأس جرادة (٣)

__________________

(١) في ب : من تحت جرار عبد المطلب.

(٢) زيادة عن ت.

(٣) في ب : جران.

١١٩

فجعلوه في خرز (١) مزادة ، وعلقوه في جلد في عنق كلب لهم اسمه سوار ، وكانت في عنقه قلادة لا تفارقه.

فأتوا سطيحا فلما دخلوا عليه قالوا إنا أتيناك سائلين ، قال فماذا تسألون؟ قالوا نسأل عن شئ قد خبأناه ، ونحتكم عندك في شئ وقع التخاصم بيننا فيه ، فقال خبأتم رأس جرادة في خرز مزادة في عنق سوار ذي القلادة ، قالوا صدقت فأخبرنا عما اختصمنا فيه اليك ، قال احلف بالضوء والظلم ، والبيت ذي الحرم ، أن الدفين ذا الهدم ، لهذا العربي ذي الكرم ، فانصرفوا وقد قضى لعبد المطلب.

ومن أخباره أن كسرى ابرويز (٢) لما رأى في نومه كأنه سقط من قصره ست عشرة (٣) شرفة ارتاع لذلك ، فوجه إلى الموبذان فعرفه بذلك ، وقال إن ذلك قد هالني وأفزعني.

قال الموبذان : أيها الملك عسى أن يكون خيرا ، وإني أيها الملك كنت أرى البارحة ان النيران قد خمدت ، وقلعت بيوتها وهلك سدنتها وقد اغمني ذلك ، وكنت عزمت على أن لا أخبر الملك حتى يوجه إلي فأتيته (٤).

قال كسرى فما الداعي؟ قال الموبذان قد بلغني ان بأرض العرب كاهنا يقال له سطيح ، يخبر بما يكون قبل كونه ، فلو أرسل إليه الملك رسولا يسأله عن ذلك ، فلعله أن يخبره بالجواب فيه.

قال كسرى ومن لنا بحصيف ينفذ في ذلك؟ وكان على باب الملك فيمن وفد عليه من العرب رجل ، يقال له عبدالمسيح من رهط سطيح ، فأشار به الموبذان على كسرى ، فأحضره ولم يخبره بما رآه ، وقال انطلق إلى سطيح ، فاسأله عن رؤيا رأيتها ، فإذا اخبرك بها ، فاسأله أن يخبرك بتأويلها ،

__________________

(١) في ت : جلد.

(٢) في ب : اجرويز وهو خطأ.

(٣) في ب : ستة عشر.

(٤) لعل الصواب فأنبئه.

١٢٠