أخبار الزّمان

أبو الحسن علي بن الحسين بن علي الهذلي المسعودي

أخبار الزّمان

المؤلف:

أبو الحسن علي بن الحسين بن علي الهذلي المسعودي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدريّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٢٧٩

وعلى رأس مائتي (١) سنة من عمره هلك يمحويل ملك الكفرة وملك بعده ابنه الدرمشيل ، فشدد في عبادة الاصنام ، وأعلى أمرها ، وجمع الناس إليها ، وأخذهم بالتعبد لها ، فأظهر نوح عليه السلام دين الله عزوجل ، وكان يدور [في] محالهم وأسواقهم وهيا كلهم يدعوهم إلى الله تعالى وكانوا (٢) يطوون ذلك عن مليكهم ، ويزجرون مع ذلك نوحا ويهددونه ، ويهولون عليه ، إلى أن جلت قصته ، وعظم أمره ، وتحاماه الناس ، وتخاطبوا في أمره ، إلى ان اتصل ذلك بمليكهم (٣) فأحضره وانتهره ، وتقدم إليه أن لا يعاود.

ويقال إن الذي فعل هذا يمحويل ، وإنه حبسه ، وبعد ثلاث سنين من حبسه هلك يمحويل.

وولي الدرمشيل ، فأخرجه من الحبس ، وتقدم إليه أن ينتهى عن إفساد الدين وسب الآلهة ، فكان لكل صنم من أصنامهم الكبار عيد في وقت من أوقات السنة يحضرون وينحرون له ويطوفون به ، فحضر عيد يغوث ، فاجتمع الناس إليه من كل مكان ، فأتاهم نوح عليه السلام ، فقام في وسطهم وناداهم أن قولوا لا إله إلا الله ، فوضعوا أصابعهم في آذانهم ، وأدخلوا رؤوسهم تحت ثيابهم وسقطت الاصنام عند ندائه عن كراسيها ، فوثبوا عليه فضربوه وشجوه ، حتى سقط على وجهه وسحبوه إلى قصر الملك حتى ادخلوه عليه ، وكان في مجلس مزخرف بأنواع الالوان ، وبدائع التصاوير والاصباغ ، مفروش برفيع الحرير ، على سرير مصفح بالذهب ، منظوم بالجوهر.

فلما مثل بين يديه قال له : الم اعهد اليك وانهك عن التعرض لشئ من امور الآلهة ، و[ان] تدعوهم إلى ما لا يعروفونه ، وزاد امرك حتى سجدت

__________________

(١) في ب : مائتين.

(٢) في ب : وكان.

(٣) في ب : لميلكهم.

أخبار الزمان م (٦)

٨١

الآلهة ، والقيتها عن كراسيها ، ومواضع شرفها وعزها؟ من علمك ذلك؟ ومن اين وصل اليك؟

فقال له نوح عليه السلام وهو مخضوب بدمائه : لو كانت آلهة لما سقطت ، فاتق الله يا درمشيل ، ولا تشرك بالله فانه يراك! فقال له الملك ، فكيف قدرت أن تخاطبني بهذا الخطاب! فأمر بحبسه إلى أن يحضر عيد الصنم الآخر ، فيذبحه له تقربا به إليه ، وأمر برد الاصنام على كراسيها.

وأن الدرمشيل رأى رؤيا هالته في أمر نوح عليه السلام ، فأمر باخراجه وتخلية سبيله ، وأخبرهم أنه مجنون لا حرج عليه.

وكان في زمانه سويدين الكاهن فعرفهم بأمر الطوفان ، وقرب زمانه ، وكان يأمر بقتل نوح عليه السلام والله يعصمه منهم.

فولد لنوح بعد خمسمائة سنة من عمره سام وبعده حام وبعده يام وبعده يافث ، وطال أمر نوح معهم فلم يؤمن به إلا نفر يسير من العالم ، وقيل له أنؤمن بك ، واتبعك الارذلون (١).

وقيل كانوا من أهل صنعته ، وكان صلى الله عليه وسلم نجارا ، ومضت لهم ثلاثة قرون ، قرن بعد قرن ، ونوح عليه السلام يذكرهم ويدعوهم إلى الله تعالى فلا يزدادون إلا طغيانا وعتوا وتجبرا واستكبارا ، وقتل من كان اتبعه فكان يدعوهم إلى الله سبحانه فأوحى الله إليه (إنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن) فحينئذ يئس منهم ودعا عليهم ، فقال (رب لا تذر على الارض من الكافرين ديارا).

وأمر نوح عليه السلام بعمل السفينة وقد قطع الله عن قومه النسل ، وكثر عليهم القحط ، وقلت عمارتهم وكانوا يستعينون على عبادتهم بأصنامهم ولا تنفعهم.

__________________

(١) في الاصل : الازلون ، وقد رسمناها كما وردت في القرآن الكريم.

٨٢

وابتدأ نوح بعمل السفينة ، أقام في قطع خشبها من الساج وفي عملها ثلاث سنين ، ثم صنع المسامير وأعد كل ما يحتاج إليه ونصبها في رجب ، وأمر أن يجعل طولها ثلاثمائة ذراع ، وعرضها خمسين ذراعا ، وعمقها سبعين ذراعا.

ويقال إنه لم يدر كيف يعملها فأتاه جبريل عليه السلام ، وأمره أن يعملها على صورة الدجاجة وكانوا يهزؤن منه وهو يصنعها فيضحكون منه ، ويرمونه بالحجارة وجعل بابها في جنبها ، فأقامت بعد أن فرغ منها في البر سبعة أشهر إلى أن أخذ من أصحاب نوح الذين كانوا معه ثلاثة رجال فذبحوا الاصنام تقربا ليندفع عنهم القحط فيما زعموا ، فحق عليهم العذاب.

وأمر نوح عليه السلام أن يحمل فيها من كل زوجين اثنين من جميع الحيوان ، وكانت الطبقة السفلى للدواب والانعام والوحوش ، والثانية للطعام والشراب ، والثالثة لهم وكانوا ثمانين نفسا نوح وبنوه عليه السلام سام وحام ويافث ، وأهله وناسه ، وحملت الملائكة تابوت آدم عليه السلام من خشب فيه جسده ، وكان معهم في السفينة ، وكان التابوت بتهامة ، وكان معه في السفينة (١).

وركب معه المؤمنون من ولد أبيه وجده إدريس عليه السلام ، فلما نزلوا من السفينة بنوا قرية وسموها سوق ثمانين ، فهي اليوم تعرف بذلك هناك.

ويقال أنه لما اتصل الخبر بدرمشيل ، أن نوحا قد ركب السفينة وحمل زاده قال وأين الماء الذي يحملهم؟ فركب في عدة من أصحابه وسار إلى السفينة ، وقد أجمع (٢) على إحراقها ، فنادى نوحا عليه السلام فاستجاب له ، فقال وأين الماء الذي يحمل سفينتك؟ قال هو يأتيك في مقامك هذا ، فقال وهذا أعجب ، إنك تقول إنه يكون في أرض يبس ماء غمر يحمل مثل هذه السفينة ، انزل منها أنت ومن معك وإلا أحرقتكم أجمعين ، فقال له نوح عليه

__________________

(١) هكذا وقع التكرار بالمعني في الاصول.

(٢) في ب : جمع ، والاصح ما ذكرناه.

٨٣

السلام ما أكثر اغترارك بالله عزوجل ، فعجل الايمان ، واخلع أنداد الله تعالى تسلم وترشد ، وإلا فالعذاب بين يديك.

فهو في محاورته إذ أتاه من أخبره أن امرأة كانت تخبز في تنور لها ، فنبع الماء منه ، فقال وما عسى أن يكون من ماء نبع من تنور.

فقال له نوح عليه السلام ويحك إنه علامة السخط ، وكذلك أوحى إلي ربي وآية ذلك ان الارض تتخلخل من جميعها فأزل فرسك من موضعه ، فان الماء ينبع من تحت قوائمه ، فأزال الملك فرسه من موضعه ، فإذا الماء ينبع من تحت قوائمه ، فسار إلى موضع آخر فكان كذلك ، وعادت رسله تخبره أن الماء كثر وفار ، فرجع إلى داره ليأخذ أهله وولده ويمضي إلى المعاقل التي كان عملها لنفسه.

وقيل إن علم الطوفان كان عندهم إلا أنه لم يأت وقته. لما أراد الله تعالى وكان قد جعل في تلك المعاقل طعاما ، فاراد الصعود إلى الجبال ، فإذا الصخور تنحط على رؤسهم من أعلى الجبل ، وانفتحت أبواب السماء بما لا يعلم قدره إلا الله تعالى من الماء ، فساروا لا يدرون أين يتوجهون ويقال انه كان الماء حارا منتنا.

ويقال إن يام بن نوح ممن سار إلى السفينة مع الدرمشيل ، فناداه أبوه (يا بني اركب معنا ، ولا تكن مع الكافرين ، قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء) مع الملك وأصحابه (قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم) وقد كان رأى التنور يفور.

وقيل إن السفينة أقامت في الماء خمسين ومائة يوم ، وقال قوم من أهل الاثر إنها أقامت أحد عشر شهرا ، وقال آخرون كان الطوفان في رجب ووقفت على الجودي في المحرم.

وفي التوارة أن الله تعالى آلى على نفسه أن لا يعذب أمة بعدها بالغرق

٨٤

وكان بين مهبط آدم عليه السلام وبين الطوفان وفور الماء أربعون يوما ، فأمر نوح أن تفتح أبواب السفينة ، ثم أرسل الغراب لينظر له فمضى ولم يعد إليه ، فدعا عليه أن يكون مباعدا ، وأن يكون رزقه في الخوف. ثم ارسل الحمامة فرجعت وقد انصبغت رجلاها بالطين ، فدعا لها أن تكون إلفا لبني آدم ومنقارها ورجلاها مصبوغة من يومئذ ، ولم تكن كذلك قبل ثم أرسلها بعد أيام فرجعت وفي مناقرها ورقة خضراء من الزيتون ، وقيل كانت من عشب الارض.

وفي التوراة أن الارض جفت في سبعة وعشرين من الشهر الحادي عشر ، ولما تغيب الماء ووقفت السفينة على الجودي أوحى الله تعالى إلى نوح عليه السلام أن يخرج من السفينة هو ومن معه ، فأخرج البهائم والهوام.

وقالوا هم الاسد أن يعبث في السفينة فصاح به نوح عليه السلام ، فألقى الله الحمى في جسده ، وأن النجو آذاهم فلطم الفيل فعطس خنزيرا ، فالتقط ذلك النجو [فهو] يعيش منه ، وأن الفأر آذاهم فلطم الاسد فعطس هرا.

ونزل نوح عليه السلام من السفينة وبنوه سام وحام ويافث ويحطون ، وهو الذي ولد له في السفينة ، ولما خرجوا ليستقروا على الارض بنوا قربة سموها سوق ثمانين فسكنوها ، فقال لهم الله اكثروا واملاوا الارض واعمروها فقد باركت فيكم ، ورفعت اللعنة عن الارض ، وآذنت بركاتها وأخرج ثمرها وكلوا مما رزقناكم حلالا طيبا ، واجتنبوا الاوثان والميتة والدم ولحم الخنزير وما ذبح لغير الله ، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق.

ووجه نوح التابوت الذي فيه جسد آدم عليهما السلام إلى غار الكنز بمكة فدفن فيه.

ولما كثر ولد نوح عليه السلام قسم الارض بينهم ، فدب إبليس إليهم ليرمي بينهم العداوة والبغضاء فقال لبني حام ويافث إن اباكم أعطى ساما وولده خير

٨٥

الارض ومنعكم منها وأعلاهم عليكم ، ولم يزل بذلك فيهم حتى قتل بعضهم بعضا.

فالآن نبدأ بذكر بني نوح عليه السلام وأنسابهم وتفرقهم في البلدان ، وما ولد كل واحد منهم من الامم ، فنبدأ بذكر حام ، وبعده بذكر يافث ، وبعده بذكر يحطون ، وبعده بذكر سام ، متصلا بالعرب والانبياء صلوات الله عليهم اجمعين.

حام بن نوح عليه السلام

يقول أهل الاثر إن نوحا عليه السلام دعا عليه بتشويه الوجه وسواده ، وأن يكون ولده عبيدا لولد سام.

فولد له بعد كنعان كوش ، فكان أسود ، فهم أن يقتل امرأته فمنعه سام ، وذكره دعاء أبيه عليه فغضب ، ونزع الشيطان بين الاخوة وحمل بعضهم على بعض ، وكان آخر أمر حام أن هرب إلى مصر ، وتفرق بنوه ، ومضى على وجهه يؤم المغرب حتى انتهى إلى السوس الاقصى ، إلى موضع يعرف اليوم بأصيلا ، وهو آخر مرسى تبلغه مراكب البحر من نحو الاندلس إلى ناحية القبلة ، وليس بعده للمراكب مذهب.

فيقال ان بنيه اغتموا لمكانه ، وندموا على تركه ، فخرجوا على أثره يطلبونه في النواحي التي قصدها ، فيقال ان منهم طوائف وقعت عليه ، فكانوا معه إلى ان مات وقطنوا ذلك البلد وسكنوا به وهم أصناف السودان ، فكل طائفة من ولده بلغت موضعا في طلبه فانقطع خبره عنهم أقاموا بذلك الموضع وتناسلوا فيه ، ولم يصل إليه إلا بنوه فقط.

ولما مات حام خرج بعضهم من ذلك الموضع فأقاموا بمكان البربر ، وكان عمر حام أربعمائة سنة واحدى واربعين سنة.

٨٦

ولما مات دفنه (١) بنوه في صخرة منقوبة في جبل أصيلا.

ذكر كنعان بن حام

هو أكبر ولد حام وهو أول من غير دين نوح عليه السلام ، وألقى العداوة بينه وبين بني جده من الجبابرة والكنعانيين الذين كانوا بالشام ، ويقال فراعنة مصر منهم ، وجالوت منهم الذي قتله داود عليه السلام فهؤلاء العمالقة ، لان العمالقة هم من ولد حام ، ومن هؤلاء الكنعانيون الذين قاتلهم موسى عليه السلام ، ويوشع بن النون (٢) من بعده ، وهم الذين عنى الله عزوجل بقوله (ان فيها قوما جبارين) وكانت خلقهم عظيمة.

وفيما يقال ان كنعان الاصغر رتبهم في ناحية الشام والجزيرة ومن ولده فوسطن وصبرا ونهما وسمساوس ، ومن ولده نبيط ، والنبيط هو السواد وقيل سموا بذلك لانهم استنبطوا الارض وعمروها وكانوا اصحاب عمارة وتدبير.

ومن ولد سودان بن كنعان امم منهم الاشبان والزنج وأجناس كثيرة تناسلت بالمغرب نحو سبعين جنسا ، وهم مختلفون في افعالهم ، ولهم ملوك.

ومنهم أجناس يلبسون الجلود وهم عراة ، ومنهم من يتزر بالحشيش ، ومنهم قوم يعملون لرؤوسهم قرونا من عظام الدواب ، وعندهم فأر ابيض يأكلونه ويسمونه من السماء.

ويتزوج الواحد منهم عشرة نسوة يبيت كل ليلة عند اثنتين منهن ، فان جامعهن على ما تحب وإلا طلقهن الملك بعد ثالثة.

وربما اجدبوا ، فإذا ارادوا ان يستسقوا جمعوا عظاما فكوموها كالتل ،

__________________

(١) في ب : دفنوه ، وفي جائزة عربية على لغة ضعيفة.

(٢) المعروف في كتب التاريخ أنه يوشع بن نون.

٨٧

ثم اضرموها بالنار ، وداروا حولها ورفعوا ايديهم إلى السماء ، وتكلموا بكلام فينزل المطر ويسقوا.

فإذا اعرس احدهم لطخوا وجهه بشئ يشبه الحبر ، ثم اجلسوه على تل ، وجلسوا على تل واجلسوا المرأة بين يديه وجعلوا قصبا مثل القبة ، وستروها بشئ من الحشيش ، واقاموا حولها ثلاثة ايام يشربون نبيذ الذرة ويلعبون ، ثم ينصرفون ويأخذ الزوج امرأته ويسير بها إلى موضع سكناه.

ويلبسون حلق النحاس في ايديهم وآذان نسائهم ، ويحمل إليهم الكرداونية التي تصبغ بالحمرة يلبسونها ولا يلبسها منهم إلا الملك.

ولهم شجرة عظيمة يعملون لها عيدا في كل سنة يجتمعون عندها ، ويلعبون حولها حتى يسقط عليهم ورقها فيتبركون به ويزينون المرأة بحلق النحاس والودع في شعرها.

ومن ولد سودان الكركر وبهم سميت المملكة ، التي هي اعظم ممالك السودان وأجلها قدرا ، وكل ملك لهم يعطي ملك الكركر حق الطاعة ، وتنسب إلى الكركر ممالك كثيرة.

ومملكة عانة وملكها ايضا عظيم الشأن ، ويتصل ببلاد معادن الذهب وبها منهم امم عظيمة ، ولهم خط لا يجاوزه من صدر إليهم فإذا وصلوا إلى ذلك الخط جعلوا الامتعة والاكسية علية وانصرفوا ، فيأتون اولئك السودان ، ومعهم الذهب فيتركونه عند الامتعة وينصرفون ، ويأتي اصحاب الامتعة فإن ارضاهم وإلا عادوا ورجعوا فيعود السودان ، فيزيدونهم حتى تتم المبايعة كما يفعل التجار الذين يبتاعون القرنفل من اهله سواء [بسواء] ، وربما رجع التجار بعد زوالهم (١) مختفين فوضعوا النيران في الارض ، فيسيل الذهب فتسرقه التجار. ثم يهربون لان الارض كلها ذهب عندهم ومعدن ظاهر ، وربما فطنوا

__________________

(١) في هامش ب : رواحهم ، وفوقها اشارة إلى انها نسخة أخرى.

٨٨

لهم فيخرجون في آثارهم ، فإن أدركوهم قتلوهم.

وفي صحاريهم معادن الاشبار سسم ويكبر حتى يظهر مثل الحصى الظاهر في الرمل وكل ما يحصل للتجار من الذهب يضربونه بمدينة سجلماسة ، وهي مدينة كبيرة فيها أربعة (١) جوامع وشارع يسار منه نصف يوم ، وفيها نخيل كثير وفيها يضربون الدنانير.

وتحت يد ملك عانة عدة ملوك وممالك كلها فيها الذهب ظاهر على الارض يستخرجه اهله ، ويعملونه مثل اللبن.

ومن الاجناس المشهورة (٢) منهم ملك الدهدم يسار إليها من كركر على شاطئ البحر مغربا من هؤلاء ويحارب بعضهم بعضا ، ويأكلون الناس ، ولهم ملك كبير تحت يده ملوك ، وفي بلدة قلعة عظيمة في صورة امرأة يتأهبون لها ويحجون إليها.

ومملكة الزغاوة واسعة كبيرة ، منها على النيل مما يحاذي النوبة ، ويحاربون النوبة.

ومملكة توان وهي كبيرة ، ويسار فيها يوما واحدا (٣) فيوجد فيها مومياء (٤) في ابيار غير انها تتحرك مثل الزئبق ، وهذه الآبار (٥) في بقعة واحدة مقدارها نصف ميل بنوا عليها حصنا وهم يستعملون المومياء.

ويقال البقعة بمغرا من الصحراء ، وممالك النوبة وهم من ولد نوبا بن قوط ابن مصر بن حام لانهم لما صار جدهم إلى مصر مع مصر مات مصر وبقي بنوه فتولى امره بعده قبطم وثبت القبط بمصر ، وهو من اولاد قبطم بن مصر.

ووجه قبطم اخوته يسعون في البلاد لطلب ممالك وعيش ، فخرج نوب بن قوط بأهله وولده وسار على عبر النيل فملكوا هنالك.

__________________

(١) في ب : أربع جوامع.

(٢) في ب : المشهور.

(٣) في ب : يوم واحد.

(٤) في ب : موميا.

(٥) ب : البيار.

٨٩

ويقال لمدينتهم العظمى دنقله ، وبلادهم بلاد نخل وزرع ومقدار اتساعها شهران ، وهم نصارى على دين اليعقوبية.

ويكون هؤلاء مملكة النوبة من ناحية الصعيد ، وهم أوسع ملكا وأعظم خطرا وأصفى لونا ، ومسيرة ملكهم ثلاثة أشهر ومدينتهم العظمى يقال لها دخلولة وهم أيضا نصارى وملكهم جليل ، ولهم لباس وأساورة والذهب وأيضا عندهم يظهر على الارض ، ولهم ايضا نخل وكرم وهم أجناس كثيرة ولهم ملوك وبلدهم واسع.

مملكة البجة : وهي تلي النوبة وهي أيضا ممالك عديدة ، وهم بين النيل والبحر وفي كل مملكة ملك ، فأول ممالك البجة من حد السودان وهي آخر عمل المسلمين ، والمسلمون يعملون عندهم في المعادن ، ووراء ذلك ممالك ومدن.

وتتصل بهم الحبشة وهم من ولد حبش بن كوش بن حام ، وأكبر ممالكهم مملكة النجاشي وهو على دين النصراينة ، واسم مدينتهم الكبرى كفر ، ولم تزل العرب على قديم الايام تأتي هذه المملكة للتجارات.

وتتصل بمملكة الحبشة مملكة الزنج ، وهم على البحر المالح ، ولهم ممالك واسعة ، وهم من ولد سودان بن كنعان ، ولهم أيضا ملوك عدة وممالك ، واسم ملكهم الاكبر كوخه يكون بموضع يقال له نكد ، وهو على البحر ، يحدون أسنانهم حتى ترق ، وهم كبار الافواه نظاف الثغور على كثرة أكلهم السمك.

ولهم افيلة يبيعون انيابها من تجار البلدان التي تقرب منهم ، ولهم الجزائر التي يخرج منها الودع ويتحلون به ، ويبيعونه ، وهم أجناس كثيرة ، ولهم ممالك.

٩٠

وأما الكوكة فهم أمة لهم أربعة أملاك ملكوا إلى أيلة الحجاز وبنى كل واحد منهم مدينة سماها باسمه ، وجعلوا سائر الارض خيما ، وقسموها على ثلاثين كورة مقسومة على اربعة أعمال لكل عمل ثمانون كورة ، ولكل عمل ملك يجلس في مدينة على منبر من ذهب ، وفي كل عمل بربا وهو بيت الحكمة ، وهيكل لاحد الكواكب وفيه أصنام ذهب مرتبة له.

وكانت الاسكندرية لهم واسمها راقودة وجعلوا لها خمس عشرة كورة (١) وجعلوا فيها كبار الكهنة ونصبوا في هياكلها من أصناف الذهب أكثر مما في غيرها ، وكان بها مائة صنم من ذهب ، وقسموا الصعيد ثمانين (٢) كورة على أربعة اقسام.

وكان عدد [مدن] مصر الداخلة في كورها ثلاثين مدينة فيها جميع العجائب والكور مثل اخميم وقفط وقوص والفيوم.

ذكر يافث بن نوح

وأما ولد يافث بن نوح فقال اصحاب التاريخ ان جميع اللغات اثنان وسبعون لغة منها سبع وثلاثون في ولد يافث : وثلاث وعشرون في ولد حام ، واثنتا عشرة في ولد سام ، فذكروا ان ولد يافث من ظهره سبعة وثلاثون لكل واحد منهم لغة يتكلم بها هو ونسله.

وكان في قسم ولد يافث أرمينية وما جاوزها إلى الابواء ، فمنهم الاشبان والروس والبرجمان والخرز والترك والصقالبة ويأجوج ومأجوج وفارس ومزنان وأصحاب جزائر البحر والصين والبغار وأمم لا تحصى.

ذكر يأجوج ومأجوج

فأما يأجوج ومأجوج فانه لا يقدر على استقصاء ذكرهم لكثرة عددهم ،

__________________

(١) في ب : خمسة عشر.

(٢) في ب : ثمانون.

٩١

وقد زعم ان مقدار ربع الارض مسيرة مائة وعشرين سنة.

فذكروا أن تسعين منها ليأجوج ومأجوج واثني عشر للسودان ، وثمانية للروم ، وثلاثة للعرب ، وسبعة لبقية الامم.

وسمى أصحاب التاريخ يأجوج ومأجوج أربعين أمة مختلفي الخلق والقدود ، في كل امة منها ملك ولهم زي ولغة ، فمنهم من طوله الشبر والشبران وأطول من ذلك ، ومنهم المشوهون ، ومن يفترش إحدى أذنيه ويتغطى بالاخرى ، ومن له ذنب وقرن وأنياب بارزة ، ومنهم من مشية وثب ويأكلون الحيتان والناس والخشاش والطير كله والرخم والحدأة ، وبعضهم يغير على بعض.

ومنهم من لا يتكلم إلا همهمة وفيهم شدة وبأس ، وأكثر طعامهم الصيد ، وكانوا يغيرون على الامم التي تليهم ويخربون بلدانهم ، حتى عمل ذو القرنين السد وهم يستفتحونه آخر الزمان كما قال الله عزوجل.

وربما أكل بعضهم بعضا ، والزلازل عندهم كثيرة ، وذكر أن عندهم أمم تعرف المناسك.

وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن يأجوج ومأجوج هل بلغتهم دعوتك؟ فقال «جزت ليلة أسري بي عليهم فدعوتهم فلم يستجيبوا».

ذكر الصقالبة

وأما الصقالبة فهم عدة أمم ، فمنهم النصارى ، و[من] يقولون بالمجوسية ويعبدون الشمس ، ولهم بحر حلو يجري من ناحية الشمال إلى الجنوب ، ولهم أيضا بحر يجري من المشرق إلى المغرب حتى يتصل ببحر آخر يجئ من ناحية البلغر ، ولهم أنهار كثيرة ، وهم كلهم في ناحية الشمال ، وليس لهم

٩٢

بحر مالح لان بلدهم بعيد عن الشمس ، فماؤهم حلو ، وما قرب من الشمس مالح ، وما جاوزهم من الشمال لا يسكن لبرده وكثرة زلازلة ، وأكثر قبائلهم مجوس يحرقون أنفسهم بالنار ويتعبدون لها.

ولهم مدن كثيرة وبلاد ، ولهم كنائس فيها أجراس معلقة يضربونها كالنواقيس.

ومنهم أمة بين الصقابة والافرنج على دين الصابئين ، يقولون بعبادة الكواكب ، ولهم عقول وصناعات لطيفة من كل فن ، وهم يحاربون الصقالبة وبرجان والترك.

ولهم سبعة (١) أعياد في السنة بأسماء الكواكب ، وأجلها عندهم عيد الشمس.

ذكر اليونانيين

وأما اليونانيون فهم الروم الاولى من ولد يونان بن يافث بن نوح وهم حكماء الامم ، ولهم النجامة ، والحساب ، والهندسة ، والطب ، وصناعات المنطق ، والصناعات اللطيفة ، وكل حكم مذكور.

وكانت الاندلس والاسكندرية ومن جاورهم من الامم يدينون بطاعتهم إلى أن غلب عليهم رومي بن ديقطون من ولد عيصو بن إسحاق بن ابراهيم عليهما السلام ، لان عيصو لما فارق أخاه يعقوب سار إلى العدوة القريبة ، وهي مساكن الروم اليوم فغلب عليها ، وهم الذين بنوا رومية وإليهم تنسب وهم بنو الاصفر.

وكان آخر ملوك اليونانين ايلاوبطره (٢) بنت بطليموس صاحب كتاب

__________________

(١) في ب : سبع.

(٢) هي كيلو بطره.

٩٣

الحكمة والطلسمات ، ثم رجع الملك إلى الروم ، وقد كان ملك قبلهما منهم كثير.

ومنهم الحكماء الذين تكلموا في علم الفلك والهندسة والطب والحساب والموسيقي والمرائي العجيبة والطلسمات والحيل والروحانية والزيجات (١) وكل حكمة.

وكان أبقراط منهم وأبقراط الثاني وهرمس وسقراط وأفلاطون وأرسطاطاليس واقليدس وجالينوس وجماعة يطول الكتاب بذكرهم.

ذكر الصين

وقطع قوم من بني عامر بن يافث إلى ناحية الصين ، وكان زعيمهم قد عمد إلى مراكب على حكاية سفينة جده نوح عليه السلام فركب هو وأهله وولده فيها ، وقطع البحر إلى الصين ، فعمروه وبنوا المدن وعملوا الحكم ودقاق الصناعات ولطيفها ، وأثاروا معادن الذهب فيها ، وملكوا ثلاثمائة سنة.

وملك بعده ابنه صاني مائتي سنة ، وبه سمي الصين ، فجعل جسد أبيه في تمثال ذهب ، وأقاموا يطوفون به وهو على سرير من ذهب ، فصار ذلك رسم كل ملك يملكهم ، وصوروا صورهم في هياكلهم ، وهم على دين الصابئين ثم عبدوا الذرة ، بعد ذلك اقتداء بالهند ومن ذلك عبدوا ملوكهم ، وكانوا يجعلون أجسادهم في تماثيل ذهب ويسجدون لها.

ومنهم حكماء تكلموا في الفلك والطب والصنعة وكثير من علوم الهند ، وبلد الصين واسع يقال إن فيه ثلثمائة مدينة ونيفا عامرة سوى القرى والرساتيق وبها عجائب كثيرة ، ومن خرج في البحر قطع سبعة (٢) بحار

__________________

(١) في ب : ولجزيات.

(٢) في ب : سبع.

٩٤

لكل بحر منها ريح ولون سمك ليس لما يليه.

أولها بحر فارس وملكهم اليوم اليعقوفز وهو في مدينتهم العظمى التي يقال لها انصوا ، وبينها وبين خانقوا التي تتراءى لها مراكب التجار ثلاثون يوما.

ومن سيرتهم أن عمال الملك وأصحاب خراجه وجيوشه خدم ، وذلك أن المرأة إذا لم تكن محصنة وأرادت الفجور رفعت أمرها إلى الملك تذكر حالها فيدفع إليها خاتم نحاس من خواتم الملك فجعلته في عنقها ولبست المصبغات ، وعملت ما شاءت علانية ، وإذا ولدت الذكور خصوا واستعملهم الملك في داره واعماله وان ولدت أنثى كانت على رسم امها.

وأهل الصين بيض إلى الصفرة فطس ، ومن سنتهم أن احدهم إذا تظلم إلى الملك من بعض عماله كشف عن أمره ، فان كان صادقا أنصفه وعاتب ظالمه ، وإن كان كاذبا ضرب بالخشبة ضربا شديدا لاجترائه على عمال الملك بالكذب.

ومن سنتهم أنه إذا أراد خادم من خدم الملك شيئا ضرب جرس كبير يدخل الناس دورهم ، ويخلون له الطرقات لئلا يرونه.

ومن سنتهم ان تقسم المدينة قسمين ، فيكون الملك واهل بيته وعماله وحشمه في القسم الواحد ، والعامة والرعية واسواقهم في النصف الآخر ، لا يدخل احد منهم إلى ناحية الملك.

ومن سنتهم ان يورثوا الانثى أكثر من الذكر ، ولهم عند حلول الشمس الحمل عيد كبير يأكلون فيه ويشربون سبعة أيام.

واشرف حليهم من قرون الكر كند ، وهو الموشان ، لانها إذا استوت ظهر فيها صور عجيبة مختلفة فيتخذون منها مناطق تبلغ المنطقة اربعة آلاف مثقال من ذهب.

والذهب عندهم كثير حتى يتخذون منه لجم دوابهم وسلاسل كلابهم ، ولهم ثياب الحرير المنسوجة بالذهب.

٩٥

ذكر الاهتردة

وأما الاهتردة فهم من ولد عامر بن يافث نزلوا بين الروم والافرنج ومملكتهم واسعة ، وملكهم جليل القدر ولهم مدن كثيرة وأكثرهم اليوم نصارى ، ومنهم من لا دين له وهم يحاربون الافرنج والصقالبة الذين يجاورونهم ويطردونهم ، وزيهم زي الروم ، ومنهم صنف يحرقون أنفسهم.

ذكر الافرنج

وأما الافرنج فهم ايضا من ولد يافث ومملكتهم واسعة كبيرة ، ولهم ممالك يجمعها ملك واحد ومدينتهم الكبرى يقال لها دريوه ، وهم ايضا نصارى وهم اليوم اربع عشرة قبيلة ووراءهم اجناس اخرى وأكثر اعتدائهم إلى الصقالبة ، ولهم اتساع مملكة ، وهم يحاربون الروم والاهتردة ، ومنهم متجر وفيهم نصارى ، ومجوس وزنادقة ، ومنهم من يحرق نفسه.

مملكة الاندلس

الاندلس اربع وعشرون مدينة يملكهم ملك واحد إلا ان دينهم دين الصائبة ، ولهم في هياكلهم أصنام للكواكب ثم انصرفوا عن ذلك وتنصروا وكانت لهم معرفة ، وحكم وكان في دار مملكتهم بيت إذا ولي منهم ملك أقفل على بابه قفلا ، إلى ان ولي ملكهم لذريق ولم يكن من اهل الملك فطلب ان يفتح اقفال ذلك البيت وكانت عدتها اربعة وعشرين قفلا ، فاجتمعوا إليه وسألوه ان لا يفعل وبذلوا له على ذلك جميع ما في أيديهم من الاموال فأبى الا فتحها ، فلما رأوا منه الجد تشاءموا به وتركوه ، ففتح الاقفال ودخل البيت

٩٦

فوجد فيه صور العرب على الخيل والجمال ، وعليهم العمائم الحمر وبأيديهم الرماح الطوال والقس وكتاب فيه «إذا فتح هذا البيت غلب على هذه البلاد قوم على صور هولاء» ففتحت الاندلس في تلك السنة والتي بعدها تولى فتحها طارق بن زياد مولى موسى بن نصير في سنة اثنتين وتسعين ايام الوليد بن عبد الملك ، وقتل ملكهم لذريق وسباهم وغنم ، ووجد في ذلك البيت مائدة سليمان عليه السلام وكانت من ذهب عليها اطواق جوهر مفصلة ، ووجد المرآة العجيبة الغريبة التي ينظر فيها إلى الاقاليم السبعة وهي مدبرة من أخلاط ، ووجد فيها آنية سليمان من الذهب ، والزبور منسوخا بخط يوناني جليل بين ورقات ذهب مفصلا بجوهر ، ووجد فيه اثنين وعشرين مصحفا محلاة كلها بالذهب منها التوراة ومصحفا آخر محلى بفضة فيه منافع الاشجار والاحجار ، وعمل الطلسمات ، وكان مصحف فيه عمل الصبغة وأصباغ اليواقيت ، ووجد فيه فقاعة كبيرة من حجر مملوءة اكسيد الكيميا مختومة بالذهب ، فحمل ذلك كله إلى الوليد بن عبد الملك.

لما فتحت الاندلس نزلها المسلمون وتفرقوا في مدنها ، وتملكوا أكثرها إلى ان صار إليها عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك في سنة ثمان وثلاثين ومائة فغلب عليها وتملكها فذريته إلى اليوم فيها.

ذكر مملكة البرجان

وأما البرجان فهم من ولد يونان بن يافث وهي مملكة كبيرة واسعة وهم يحاربون الروم والصقالبة والخزر والترك ، وأشد [الامم] حربا لهم الروم.

وبين القسطنطينية وبلاد برجان خمسة عشر يوما ، ومملكة برجان مسيرة

أخبار الزمان م (٧)

٩٧

عشرين يوما في ثلاثين يوما ، وعلى عمل برجان كله سياج وعليه شبه الشباك من الخشب فهو كالسور على الخندق والقرى دون السياج.

وأهل برجان مجوس ، وليس لهم كتاب ، ودوابهم التي للحرب راتعة أبدا في مرج لا يركبها أحد منهم إلا في وقت الحرب ، وان وجدوا رجلا قد ركب دابة حربية في غير وقت قتلوه ، وإذا خرجوا للحرب اصطفوا صفوفا فجعلوا اصحاب النشاب أمامهم ، وجعلوا خلفهم جميع العيال والذرية.

وليس لبرجان دنانير ولا دراهم وإنما تبايعهم وترويجهم بالبقر والغنم ، وإذا وقع بينهم وبين الروم الصلح أدت برجان إلى الروم جواري وغلمانا من بني الصقالبة ومن شبههم.

وإذا مات لاهل برجان ميت عمدوا إلى ما ترك من خدم وحاشية ، فجمعوهم وأوصوهم بوصايا وأحرقوهم مع الميت ، ويقولون نحرقهم نحن في الدنيا فلا يحرقون في الاخرة.

ولهم ناووس عظيم إذا مات الميت أنزلوه فيه وانزلوا معه امرأته وحشمه فيبقون هناك حتى يموتوا.

ومن سنتهم إذا أذنب عبد أو أخطأ وأراد مولاه أن يضربه انبطح من قبل نفسه ولم يمسكه أحد فيضربه مولاه ما أحب ، فان قام من غير أن يأذن له مولاه وجب عليه القتل ، ومن سنتهم أن يورثوا النساء أكثر من الرجال.

ذكر مملكة الترك

وأما الترك فهم من ولد يافث بن نوح عليه السلام ، وهم أجناس كثيرة ،

٩٨

وهم أصحاب مدن وحصون ، ومنهم قوم في رءوس الجبال والبراري ، في خيم اللبود ، وليس لهم عمل غير الصيد ، ومن لم يصد شيئا ذبح دابته وأخذ دمها وشواه ، وهم يأكلون الرخم والغربان وغيرها. وليس لهم دين ، ومنهم من هو على دين المجوسية ومنهم من يتهود.

وملكهم الاكبر خاقان ، وله سرير من ذهب وتاج ذهب ومنطقة ذهب ولباسهم الحرير ، وقيل ان ملكهم الاعظم لا يكاد يظهر ، وإن ظهر لم يقم بين يديه أحد ، وفيهم مكر (١) وفيهم حقد ، وشدة وبأس.

وللملك عندهم يوم توقد لهم فيه نار عظيمة ويأتي ويقف وهو مطل عليها ، ويتكلم بهمهمة فيرتفع منها وهج عظيم ، فان كان إلى الخضرة كان الغيث والخصب وإن كان إلى البياض كان الجدب ، وإن كان إلى الحمرة كانت هراقة الدماء ، وإن كان إلى الصفرة كانت علل ووباء ، وإن كان إلى السواد دل على موت الملك أو على سفر بعيد ، فان كان ذلك عجل بالسفر والعودة

ذكر مملكة الروم

وأما الروم فهم من بني عيصو والروم لقب لهم ، فلما صار الامر إلى قسطنطين قال بالنصرانية وجمع الاساقفة على المعمودية (٢) ثم تفرقت النصارى بعده على الطبقات : البطريق والاسقف والقسيس والشماس والمطران والدمستق صاحب الفرق ، وهم يفطرون يوم الاحد إذا صاموا ، ويفطرون السبت من الظهر ، ولا يتزوج الرجل عندهم الا واحدة ولا يتسرى عليها ، ولا يشرب من الخمر حتى يسكر ، والسكر عندهم حرام ، وتعظيم الاحد عندهم ، لان

__________________

(١) في ب : وفيهم سحر.

(٢) في ب : المعمورية.

٩٩

المسيح قام من قبره ليلة يوم الاحد ، وارتفع إلى السماء يوم الاحد بعد اجتماعه مع الحواريين.

ولا يرون الاغتسال من الجنابة ولا الوضوء ، وإنما عبادتهم بالنية ولا يأخذون القربان ، ويقولون هذا لحمك ودمك ، يعنون المسيح عيسى عليه السلام ، ويعتقدون أنه ليس بلحم ولا خبز وإذا تفرقوا بعد أخذه قتل بعضهم بعضا ، ولا يتكلم إذا أخذ القربان حتى يغسل فمه ، ويورثون النساء جزئين والرجال جزءا ، وليس لهم طلاق.

ومن سيرتهم أن لا يلبس أحد منهم خفين أحمرين إلا الملك ، فان كان ولي عهد لبس فردا أحمر وفردا أسود ، ولا يأكل ملكهم إلا على الموسيقى والالحان والغناء ، وأكثر طعامهم الكرديانات والمرققات والاستبدناجات والسكباجات.

ولهم الارغن وفيهم الطب والحكمة وعمل الصناعات والحذق بالصور حتى أنهم ليصورون صورا يظهر عليها الحزن ، ويصورون أخرى يظهر عليها الفرح والسرور ، ويسمى ملكهم الملك الرحيم ، ويظهر العدل والانصاف وهو ينوح.

ذكر مملكة الفرس

وأما الفرس فهم من ولد يافث بن نوح ، والفرس تدفع ذلك ويزعمون أنهم لا يعرفون نوحا ولا الطوفان ولا ولد نوح ، ويحسبون ملوكهم من كيومرت الاول وهو آدم.

وزعموا أن الفرس كلها من ولد افريدون الملك ، وزعم قوم أن أول ملك في العالم بعد الطوفان أو سبهبد بن نوح بن عامر (١) بن يافث وأنه ملكهم ألف

__________________

(١) هكذا في الاصل ، والمعروف أنه ابن لمك.

١٠٠