موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد سرور الواعظ الحسيني البهسودي

موسوعة الإمام الخوئي

المؤلف:

السيّد محمّد سرور الواعظ الحسيني البهسودي


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة إحياء آثار الإمام الخوئي قدّس سرّه
الطبعة: ٠
ISBN: 964-7339-16-0
الصفحات: ٦٨١

قريباً إن شاء الله تعالى.

والوجه في ذلك : أنّ الغسل مستحب لنفسه وكذا الوضوء ، وقد تقدّم (١) أنّ دليل لا ضرر حاكم على الأدلة الدالة على الأحكام الالزامية دون الأدلة الدالة على الأحكام غير الالزامية كالاستحباب والاباحة ، باعتبار أنّ دليل لا ضرر ناظر إلى نفي الضرر من قبل الشارع. والضرر في موارد الاباحة والاستحباب مستند إلى اختيار المكلف وإرادته لا إلى الشارع ، فالأحكام غير الالزامية باقية بحالها ، وإن كانت متعلقاتها ضررية ، فالوضوء الضرري وإن كان وجوبه مرفوعاً بأدلة نفي الضرر ، إلاّأنّ استحبابه باقٍ بحاله ، فصحّ الاتيان بالوضوء الضرري بداعي استحبابه النفسي أو لغاية مستحبّة ، وتحصل له الطهارة من الحدث ، وبعد حصولها لا مانع من الصلاة معها لحصول شرطها وهي الطهارة.

وكذا الحال في الغسل الضرري فيجري فيه ما ذكرناه في الوضوء بلا حاجة إلى الاعادة.

نعم ، لا نقول بالصحّة في غير الوضوء والغسل ، كما إذا كان القيام حال القراءة ضررياً أو حرجياً ، فانّه تجب الصلاة جالساً ، فلو قام في الصلاة مع العلم بالضرر أو الحرج نحكم ببطلان الصلاة في كلا المقامين ، لعدم الأمر بالقيام حينئذ وإن لم نقل بحرمة الاضرار بالنفس. وعدم الأمر كافٍ في الحكم بالبطلان ، ولذا نحكم بالبطلان مع العلم بالحرج أيضاً كالعلم بالضرر ، لعدم الأمر في كليهما بدليل لا ضرر ولا حرج ، فلا يبقى مقتضٍ للصحّة بعد عدم تعلّق الأمر. ووجود الملاك أيضاً غير محرز ، لما ذكرناه سابقاً (٢) من أنّه لا سبيل لنا إلى إحراز الملاك

__________________

(١) في ص ٦١٨

(٢) في ص ٦٣٥

٦٤١

إلاّ الأمر ، فمع عدمه لا يحرز وجود الملاك أصلاً.

وأمّا ما ذكره المحقق النائيني قدس‌سره من الحكم بالفساد مع العلم بالضرر والعلم بالحرج (١) ، فهو مبني على ما ذكره في بحث الترتب من أنّ المكلف منقسم بحسب الأدلة إلى واجد الماء فيتوضأ وإلى فاقده فيتيمم ، والتقسيم قاطع للشركة ، فلا يمكن الحكم بصحّة الطهارة المائية في ظرف الحكم بصحّة الطهارة الترابية على ما هو المفروض ، فانّ الحكم بصحّة الوضوء عند الحكم بصحّة التيمم يستلزم تخيير المكلف بينهما ، وهو يشبه الجمع بين النقيضين ، لأنّ الأمر بالتيمم مشروط بعدم وجدان الماء على ما في الآية الشريفة ، والأمر بالوضوء ـ بقرينة المقابلة ـ مشروط بالوجدان ، فالحكم بصحّة الوضوء والتيمم يستلزم كون المكلف واجداً للماء وفاقداً له ، وهو محال (٢). وحيث إنّ الحكم بصحّة الطهارة الترابية في محل الكلام مفروغ عنه وليس محلاًّ للاشكال ، فلا مناص من الحكم ببطلان الطهارة المائية ، بلا فرق بين العلم بالضرر والعلم بالحرج.

وفيه : أنّ المعلّق على عدم وجدان الماء في الآية الشريفة (٣) هو وجوب التيمم تعييناً ، وكذلك المعلّق على وجدان الماء هو وجوب الوضوء تعييناً ، وليس فيها دلالة على انحصار مشروعية التيمم بموارد فقدان الماء ، فبعد رفع وجوب الوضوء لأدلة نفي الضرر أو أدلة نفي الحرج يبقى استحبابه بحاله ، لما تقدّم من عدم حكومة أدلة نفي الضرر ونفي الحرج إلاّعلى الأحكام الالزامية.

__________________

(١) منية الطالب ٣ : ٤١٠

(٢) فوائد الاصول ٢ : ٣٦٧ ، راجع أيضاً أجود التقريرات ٢ : ٩٠

(٣) المائدة ٥ : ٦

٦٤٢

والمتحصّل ممّا ذكرناه : أنّ هذا النوع من الواجد أي الذي يكون الوضوء ضرراً أو حرجاً عليه ، يجوز له التيمم إرفاقاً له من قبل الشارع وامتناناً عليه ، ويجوز له الوضوء أيضاً نظراً إلى استحبابه النفسي ، فتكون النتيجة هي التخيير بين الوضوء والتيمم ، ولا نقول إنّ هذا المكلف واجد للماء وفاقد له حتّى يلزم اجتماع النقيضين ، بل نقول هو واجد للماء ولكن أجاز له الشارع أن يتيمم إرفاقاً له من جهة كون الوضوء ضرراً أو حرجاً عليه ، فانّ جواز التيمم مع كون المكلف واجداً للماء قد ثبت في بعض الموارد.

منها : ما إذا آوى إلى فراشه فذكر أنّه غير متوضئ ، فيجوز له التيمم مع كونه واجداً للماء.

ومنها : ما إذا أراد أن يصلّي على الميت فيجوز له التيمم مع وجدان الماء ، وإن وقع الخلاف بينهم من حيث إنّه مختص بما إذا خاف عدم إدراك الصلاة أو يعم غيره أيضاً.

ومنها : صاحب القرح والجرح فيما إذا لم تكن عليهما جبيرة وكانا عاريين ، فانّه إن كانت عليهما جبيرة لا إشكال في وجوب المسح عليها ، وأمّا إن كانا عاريين فقد تعارضت في حكمه الأخبار ، ففي بعضها أنّه يغتسل ويغسل ما حول القرح والجرح ، كما ذكره في الوسائل في باب الجبيرة (١) ، وفي بعضها أنّ عليه التيمم كما ذكره في الوسائل أيضاً في باب التيمم (٢) ومقتضى الجمع بينها هو الحكم بالتخيير بين الغسل والتيمم ، فيجوز له التيمم مع كونه واجداً للماء.

__________________

(١) الوسائل ١ : ٤٦٤ / أبواب الوضوء ب ٣٩ ح ٣

(٢) الوسائل ٣ : ٣٤٧ / أبواب التيمم ب ٥ ح ٥ و ٧ وغيرهما

٦٤٣

وأمّا ما ذكره السيّد قدس‌سره في العروة من التفصيل بين العلم بالضرر والعلم بالحرج ، والحكم بالفساد في الأوّل وبالصحّة في الثاني ، فهو مبني على ما هو المشهور بين المتأخرين من حرمة الاضرار بالنفس ، فيكون المكلف غير قادر على استعمال الماء شرعاً ، والممنوع شرعاً كالممتنع عقلاً ، فتكون الطهارة المائية مبغوضة باطلة ، ويجب عليه التيمم. وهذا هو الوجه في التفكيك بين الضرر والحرج. ولا يمكن تصحيح الطهارة المائية على القول بحرمة الاضرار بالنفس ، سواء قلنا بسراية الحرمة من المسبب ـ وهو الاضرار ـ إلى السبب وهو الطهارة المائية ، أم لم نقل بها.

أمّا على الأوّل فواضح ، لكون الطهارة المائية حينئذ محرّمة لا يمكن التقرّب بها.

وأمّا على الثاني فلأنّ حرمة المعلول وإن لم تكن مسرية إلى العلّة ، إلاّ أنّه لا يمكن كون العلّة واجباً بالفعل مع حرمة المعلول ، للزوم التكليف بما لا يطاق ، لعدم قدرة المكلف على امتثال كليهما ، فيكون من قبيل التزاحم. ومن المعلوم عدم كون كلا التكليفين فعلياً في باب التزاحم ، ومحل الكلام إنّما هو صورة العلم بالضرر لا صورة الجهل به حتّى نحكم بصحّة أحد المتزاحمين مع الجهل بالآخر كما تقدّم ، فلا يمكن القول بوجوب الطهارة المائية فعلاً مع حرمة الاضرار بالنفس ، لما يلزم من التكليف بما لا يطاق ، فلا أمر بالطهارة المائية فتكون باطلة لا محالة. ولا يمكن تصحيحها على القول بالترتب أيضاً لوجهين :

الأوّل : أنّ الترتب إنّما يتصور فيما إذا كان المتزاحمان عرضيين ، بحيث يمكن الالتزام بفعلية أحدهما في ظرف عصيان الآخر كوجوب الازالة والصلاة ، والمقام ليس كذلك فانّه بعد وقوع التزاحم بين وجوب الطهارة المائية وحرمة

٦٤٤

الاضرار بالنفس لا يمكن الالتزام بوجوب الطهارة المائية بعد تحقق عصيان حرمة الاضرار ، لأنّ العصيان والاضرار إنّما يتحققان بنفس الطهارة المائية ، لكونها علّةً للاضرار ، فكيف يمكن الالتزام بوجوب الطهارة المائية بعد عصيان حرمة الاضرار.

الثاني : أنّ الترتب إنّما هو فيما إذا كان الملاك تامّاً في كلا الحكمين ، والمانع عن فعلية كليهما إنّما هو عجز المكلف عن امتثالهما معاً ، وعليه لا يصحّ الترتب في باب الطهارات لكونها مشروطةً بالقدرة الشرعية ، فمع حرمة الاضرار بالنفس لا يمكن القول بصحّة الطهارة المائية لفقدان الشرط وهو عدم المنع الشرعي ، وقد تقدّم تفصيل ذلك في بحث الترتب (١).

فتحصّل : أنّه على القول بحرمة الاضرار بالنفس لا مناص من الالتزام ببطلان الطهارة المائية مع العلم بالضرر. ولكن التحقيق عدم حرمة الاضرار بالنفس ، وقد تقدّم الكلام فيه (٢) بما لا مزيد عليه.

فالصحيح ما ذكرناه من عدم الفرق بين الضرر والحرج والحكم بصحّة الطهارة المائية مع العلم بالضرر كما في صورة العلم بالحرج.

فرع

إذا اعتقد المكلف فقدان الماء أو كون استعماله ضرراً عليه فتيمم وصلّى ثمّ انكشف الخلاف ، فهل يحكم بصحّة ما أتى به ، وعدم وجوب الاعادة إذا كان

__________________

(١) محاضرات في اصول الفقه ٢ : ٣٨٩ [ولكن يظهر منه خلاف ما ذكر هنا فلاحظ]

(٢) في ص ٦٣٦ وما بعدها

٦٤٥

الانكشاف في أثناء الوقت ، وعدم وجوب القضاء فيما إذا كان الانكشاف بعد الوقت؟ وجوه.

نسب المحقق النائيني قدس‌سره الحكم بالصحّة وعدم وجوب الاعادة إلى المشهور ، وذكر في تقريبه أنّ موضوع التيمم من لم يتمكن من استعمال الماء ، ومن اعتقد فقدان الماء فهو غير متمكن من استعماله ، فالموضوع محرز بالوجدان فصحّ تيممه. وكذا الحال في معتقد الضرر ، فانّه من يعتقد عدم وجوب الوضوء غير متمكن من امتثاله ولو كان اعتقاده مخالفاً للواقع (١).

أقول : أمّا ما ذكره في من اعتقد عدم وجود الماء فمتين جداً ، فانّ التمكن لا يدور مدار الواقع ، بل يدور مدار الاعتقاد ، فانّ الانسان ربّما يموت عطشاً والماء في رحله ، بل نقول إنّ الماء موجود دائماً لعدم كون الأرض خاليةً من الماء ، غاية الأمر أنّه لا يتمكن من استعماله.

وأمّا من اعتقد الضرر مع عدم الضرر في الواقع فالحكم بعدم تمكّنه من استعمال الماء مبني على القول بحرمة الاضرار بالنفس ، فانّ المعتقد بالمنع الشرعي عاجز عن الامتثال ، إذ الممنوع الشرعي كالممتنع العقلي. وأمّا بناءً على ما ذكرناه من عدم حرمة الاضرار بالنفس ، فالمكلف متمكن من استعمال الماء مع العلم بالضرر غاية الأمر أنّه يعتقد ترخيص الشارع له بترك الوضوء والاكتفاء بالتيمم إرفاقاً وامتناناً ، فإذا انكشف عدم الضرر ينكشف بطلان التيمم وعدم ترخيص الشارع فيه من أوّل الأمر. هذا هو مقتضى القاعدة مع قطع النظر عن الأخبار.

ولكن وردت في المقام روايات تدل على جواز التيمم بمجرد خوف

__________________

(١) منية الطالب ٣ : ٤١١

٦٤٦

الضرر (١) ، فإذا ثبت جواز التيمم مع الخوف المنطبق على مجرد الاحتمال العقلائي بمقتضى هذه الروايات ثبت جوازه مع اعتقاد الضرر قطعاً ، فيحكم بصحّة التيمم من جهة كون الخوف تمام الموضوع بمقتضى الروايات ، ولا يضره انكشاف عدم الضرر في الواقع. نعم ، بعد الانكشاف ينقلب موضوع الخوف أمناً. هذا كلّه فيما إذا انكشف الخلاف بعد خروج الوقت.

وأمّا إذا انكشف الخلاف في أثناء الوقت فالحكم بالصحّة وعدم وجوب الاعادة مبني على أنّ جواز التيمم منوط بعدم وجدان الماء وعدم التمكن من استعماله في جميع الوقت ، أو بعدم التمكن منه حال الاتيان بالعمل ولا يعتبر عدم التمكن منه في جميع الوقت. وهذا هو منشأ الاختلاف في جواز البدار إلى العمل مع التيمم وعدمه.

فإن قلنا بالثاني وأنّ عدم وجدان الماء حال الاتيان بالعمل كافٍ في جواز التيمم ، وكذا كون الاستعمال ضرراً عليه حال الاتيان بالعمل كافٍ في جواز التيمم وإن وجد الماء في آخر الوقت ولم يكن استعماله ضرراً عليه ، فلا إشكال في صحّة التيمم المذكور وعدم وجوب الاعادة ، ولازمه جواز البدار إلى الاتيان بالعمل مع التيمم ، كما أنّ الحكم في جواز التقيّة كذلك ، ولا تتوقف صحّة العمل المطابق للتقيّة على عدم المندوحة إلى آخر الوقت.

وإن قلنا بالأوّل فلا يجوز البدار إلى العمل مع التيمم في صورة العلم بزوال العذر إلى آخر الوقت ، وهو واضح. نعم ، لا مانع من التيمم في صورة العلم بعدم زوال العذر إلى آخر الوقت ، وكذا لا مانع من التيمم في صورة الشك في زوال العذر من وجدان الماء أو عدم كون الاستعمال ضرراً عليه ، لاستصحاب

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٣٨٨ / أبواب التيمم ب ٢٥

٦٤٧

بقاء العذر ، فإذا انكشف وجود الماء أو انكشف عدم كون الاستعمال ضرراً عليه في أثناء الوقت كان الحكم بصحّة التيمم الواقع بمقتضى الاستصحاب عند الشك مبنياً على القول بالاجزاء في الأمر الظاهري ، وحيث إنّا ذكرنا في مسألة الاجزاء (١) أنّ الأمر الظاهري ـ كما في الاستصحاب الجاري عند الشك ـ والأمر التخيلي كما في صورة العلم بعدم وجود الماء وكان الماء في الواقع موجوداً ، وكما في صورة العلم بالضرر مع عدم الضرر في الواقع ، لا يقتضي الإجزاء ، فبعد انكشاف الخلاف ينكشف بطلان التيمم وتجب عليه الاعادة.

التنبيه السادس

ذكر بعضهم أنّ قاعدة لا ضرر كما أنّها حاكمة على الأحكام الوجودية كذلك حاكمة على الأحكام العدمية ، فكما أنّ الحكم الوجودي الضرري يرتفع بحديث لا ضرر ، كذلك نفي الحكم إن كان ضررياً يرتفع به ونفي النفي يستلزم ثبوت الحكم ، فيثبت الحكم بدليل لا ضرر في مورد كان نفيه ضررياً. ومثّل لذلك بأمثلة ، منها : ما تقدّم ذكره (٢) عند نقل كلام الفاضل التوني قدس‌سره وهو أنّه لو حبس أحد غيره عدواناً فشرد حيوانه أو أبق عبده ، فانّ عدم حكم الشارع فيه بالضمان ضرر على المحبوس ، فينفى بحديث لا ضرر ويحكم بالضمان. ومنها : ما ذكره السيّد قدس‌سره في ملحقات العروة (٣) واستدلّ له بقاعدة لا ضرر تارةً ، وبالروايات الخاصّة اخرى ، وهو أنّه لو امتنع الزوج عن

__________________

(١) محاضرات في اصول الفقه ٢ : ٦٦

(٢) في ص ٥٩٣

(٣) ملحقات العروة الوثقى ١ : ٧٥ / المسألة ٣٣

٦٤٨

نفقة زوجته ، فعدم الحكم بجواز طلاقها للحاكم ضرر عليها ، فينفى بحديث لا ضرر ويحكم بجواز طلاقها للحاكم.

وقد أورد المحقق النائيني (١) قدس‌سره على ذلك بوجهين : الأوّل راجع إلى منع الكبرى ، أي إلى أصل القاعدة المذكورة ، وهي أنّ دليل لا ضرر حاكم على الأحكام العدمية. والثاني راجع إلى منع الصغرى ، أي إلى تطبيق القاعدة المذكورة على المثالين. أمّا الأوّل : فهو أنّ حديث لا ضرر ناظر إلى الأحكام المجعولة في الشريعة المقدّسة ، ويقيّدها بصورة عدم الضرر ، وعدم الحكم ليس حكماً مجعولاً فلا يشمله حديث لا ضرر. وأمّا الثاني : فهو أنّ حديث لا ضرر ناظر إلى نفي الضرر في عالم التشريع كما مرّ مراراً (٢) ، ولا دلالة فيه على وجوب تدارك الضرر الخارجي المتحقق من غير جهة الحكم الشرعي ، والضرر في المثالين ليس ناشئاً من قبل الشارع في عالم التشريع حتّى ينفى بحديث لا ضرر.

وعليه فلا يمكن التمسك بحديث لا ضرر لاثبات الضمان في المسألة الاولى ، ولا لاثبات جواز الطلاق في المسألة الثانية.

أقول : أمّا إيراده الأوّل فغير وارد ، لأنّ عدم جعل الحكم في موضع قابل للجعل جعل لعدم ذلك الحكم ، فيكون العدم مجعولاً ، ولا سيّما بملاحظة ما ورد من أنّ الله سبحانه لم يترك شيئاً بلا حكم (٣) ، فقد جعل الحكم من قبل الشارع لجميع الأشياء ، غاية الأمر أنّ بعضها وجودي وبعضها عدمي ، كما أنّ بعضها

__________________

(١) منية الطالب ٣ : ٤١٨

(٢) راجع ص ٦١٦

(٣) راجع الوسائل ٢٧ : ٣٨ و ٥٢ / أبواب صفات القاضي ب ٦ ح ٣ و ٣٨ ، والمستدرك ١٧ : ٢٥٨ و ٢٦٥ / أبواب صفات القاضي ب ٦ ح ١٥ و ٣٤ ، والكافي ١ : ٥٩ / باب الرد إلى الكتاب والسنّة

٦٤٩

تكليفي وبعضها وضعي. وعليه فلا مانع من شمول دليل لا ضرر للأحكام العدمية أيضاً إن كانت ضررية ، هذا من حيث الكبرى ، إلاّأنّ الصغرى لهذه الكُبرى غير متحققة ، فانّا لم نجد مورداً كان فيه عدم الحكم ضررياً حتّى نحكم برفعه وبثبوت الحكم بقاعدة لا ضرر.

وأمّا إيراده الثاني فوارد ، وتوضيحه : أنّ الحكم بالضمان في المسألة الاولى إنّما هو لتدارك الضرر الواقع على المحبوس من ناحية الحابس ، وقد عرفت (١) أنّ حديث لا ضرر لا يشمل مثل ذلك ولا يدل على وجوب تدارك الضرر الواقع في الخارج بأيّ سبب ، بل يدل على نفي الضرر من قبل الشارع في عالم التشريع. وكذا الحال في المسألة الثانية ، فانّ فيها اموراً ثلاثة : امتناع الزوج عن النفقة ، ونفس الزوجية ، وكون الطلاق بيد الزوج. أمّا الأوّل فهو الموجب لوقوع الضرر على الزوجة ولم يرخص فيه الشارع. وأمّا الثاني فليس ضررياً وقد أقدمت الزوجة بنفسها عليه في مقابل المهر وكذا الثالث ، فليس من قبل الشارع ضرر في عالم التشريع حتّى يرفع بحديث لا ضرر ، غاية الأمر أنّ الحكم بجواز الطلاق يوجب تدارك الضرر الناشئ من عدم الانفاق ، وقد عرفت أنّ مثل ذلك لا يكون مشمولاً لحديث لا ضرر. هذا مضافاً إلى أنّ التمسك بحديث لا ضرر ـ لاثبات الضمان في المسألة الاولى ، ولاثبات جواز الطلاق للحاكم في المسألة الثانية ـ معارض بالضرر المترتب على الحكم بالضمان على الحابس ، والضرر المترتب على جواز الطلاق على الزوج من زوال سلطنته على الطلاق ، ولا ترجيح لأحد الضررين على الآخر.

إن قلت : إنّ الحابس بحبسه والزوج بامتناعه عن النفقة قد أقدما على الضرر ، فلا يعارض به الضرر الواقع على المحبوس والزوجة.

__________________

(١) في ص ٦١٥

٦٥٠

قلت : إنّ الحابس لم يقدم على الضرر على نفسه ، بل أقدم على الضرر على المحبوس ، وكذا الزوج بامتناعه عن النفقة لم يقدم على الضرر على نفسه ، بل أقدم على الضرر على الزوجة ، وصدق الاقدام على الضرر على نفسيهما متوقف على ثبوت الحكم بضمان الحابس وبزوال سلطنة الزوج ، فلا يمكن إثباتهما بالاقدام على الضرر ، فانّه دور واضح.

هذا ما تقتضيه القاعدة ، ولكنّه وردت روايات خاصّة في المسألة الثانية تدل على زوال سلطنة الزوج عند امتناعه عن النفقة على الزوجة ، وأ نّه للحاكم أن يفرّق بينهما (١). ولا مانع من العمل بها في موردها. وأمّا ما ذكره المحقق النائيني قدس‌سره (٢) من معارضتها للروايات الدالة على أنّها «ابتليت فلتصبر» (٣) ففيه : أنّ هذه الروايات الآمرة بالصبر واردة فيما إذا امتنع الزوج عن المواقعة ، فلا معارضة بينها ، فيعمل بكل منها في موردها. نعم ، الروايات الدالة على أنّ الطلاق بيد من أخذ بالساق (٤) معارضة لها ، لكنّها أخص منها ، فتقدّم عليها ، ونتيجة التقديم أن يجبر الزوج على الانفاق ، وإن امتنع فيجبر على الطلاق ، وإن امتنع عنه أيضاً يفرّق الحاكم بينهما.

__________________

(١) الوسائل ٢١ : ٥٠٩ / أبواب النفقات ب ١ ح ١ و ٢

(٢) منية الطالب ٣ : ٤٢٠

(٣) المستدرك ١٥ : ٣٣٧ / أبواب أقسام الطلاق ب ١٨ ح ٧ ، وراجع الوسائل ٢٠ : ٥٠٦ / أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٤٤ ح ١ و ٢ ، وراجع أيضاً روايات الباب ٢٣ من أقسام الطلاق

(٤) عوالي اللآلي ١ : ٢٣٤ / ح ١٣٧ ، راجع الوسائل ٢٢ : ٩٨ / أبواب مقدّمات الطلاق ب ٤٢ ح ١

٦٥١

والظاهر أنّ الروايات الدالة على جواز الطلاق للحاكم مختصّة بما إذا امتنع الزوج عن الانفاق بلا عذر ، فلا تنافي بينها وبين الروايات الدالة على أنّها إن غاب زوجها فليس للحاكم طلاقها إلاّبعد التفحص عنه أربع سنوات (١) ، فلعل عدم الانفاق من الزوج الغائب يكون لعذر.

التنبيه السابع

في تعارض الضررين ومسائله ثلاث :

المسألة الاولى : ما لو دار أمر شخص واحد بين ضررين بحيث لا بدّ له من الوقوع في أحدهما ، وفروعه ثلاثة :

الأوّل : ما إذا دار أمره بين ضررين مباحين ، بناءً على ما ذكرناه (٢) من عدم حرمة الاضرار بالنفس بجميع مراتبه. وفي مثله يجوز له اختيار أيّهما شاء بلا محذور.

الثاني : ما إذا دار الأمر بين ضرر يحرم ارتكابه كتلف النفس ، وما لا يحرم ارتكابه كتلف المال. وفي مثله لا ينبغي الشك في لزوم اختيار المباح تحرزاً عن الوقوع في الحرام.

الثالث : ما إذا دار الأمر بين ضررين محرمين. ويكون المقام حينئذ من باب التزاحم ، فلا بدّ له من اختيار ما هو أقل ضرراً والاجتناب عمّا ضرره أكثر وحرمته أشد وأقوى ، بل الاجتناب عمّا كان محتمل الأهمّية. نعم ، مع العلم

__________________

(١) الوسائل ٢٢ : ١٥٦ ـ ١٥٨ / أبواب أقسام الطلاق ب ٢٣ ح ١ وغيره

(٢) في ص ٦٣٦ وما بعدها

٦٥٢

بالتساوي أو احتمال الأهمّية في كل من الطرفين يكون مخيّراً في الاجتناب عن أيّهما يشاء. والوجه في ذلك كلّه ظاهر. وممّا ذكرناه ظهر الحكم فيما لو دار الأمر بين الاضرار بأحد الشخصين ، إذ بعد حرمة الاضرار بالغير يكون المقام من باب التزاحم ، فيجري فيه ما تقدّم في الفرع الثالث ولا حاجة إلى الاعادة.

المسألة الثانية : ما لو دار أمر الضرر بين شخصين عكس المسألة الاولى ومثاله المعروف ما إذا دخل رأس دابة شخص في قدر شخص آخر ، ولم يمكن التخليص إلاّبكسر القدر أو ذبح الدابة ، وفروع هذه المسألة أيضاً ثلاثة :

الأوّل : أن يكون ذلك بفعل أحد المالكين ، والحكم فيه وجوب إتلاف ماله وتخليص مال الآخر مقدمةً لردّه إلى مالكه ، لقاعدة اليد ، ولا يجوز إتلاف مال الغير ودفع مثله أو قيمته إلى مالكه ، لأنّه متى أمكن ردّ العين وجب ردّها ، ولا تصل النوبة إلى المثل أو القيمة ، والانتقال إلى المثل والقيمة إنّما هو بعد تعذّر ردّ العين.

الثاني : أن يكون ذلك بفعل شخص ثالث غير المالكين ، وفي مثله يتخيّر في إتلاف أيّهما يشاء ويضمن مثله أو قيمته لمالكه ، إذ بعد تعذّر إيصال كلا المالين إلى مالكيهما ، عليه إيصال أحدهما بخصوصيته والآخر بماليته من المثل أو القيمة ، لعدم إمكان التحفظ على كلتا الخصوصيتين.

الثالث : أن يكون ذلك غير مستند إلى فعل شخص ، بأن يكون بآفة سماوية ، وقد نسب إلى المشهور في مثله لزوم اختيار أقل الضررين ، وأنّ ضمانه على مالك الآخر ، ولا نعرف له وجهاً غير ما ذكره بعضهم من أنّ نسبة جميع الناس إلى الله تعالى نسبة واحدة ، والكل بمنزلة عبد واحد ، فالضرر المتوجه إلى أحد شخصين كأحد الضررين المتوجه إلى شخص واحد فلا بدّ من اختيار أقل الضررين (١)

__________________

(١) رسائل فقهية للشيخ الأنصاري قدس‌سره : ١٢٥ / التنبيه السادس

٦٥٣

وهذا لا يرجع إلى محصل. ولا يثبت به ما هو المنسوب إلى المشهور من كون تمام الضرر على أحد المالكين ، وهو من كانت قيمة ماله أكثر من قيمة مال الآخر. ولا وجه لالزامه بتحمل تمام الضرر من جهة كون ماله أكثر من مال الآخر ، مع كون الضرر مشتركاً بينهما بآفة سماوية.

والصحيح أن يقال : إنّه إذا تراضى المالكان باتلاف أحد المالين بخصوصه ولو بتحملهما الضرر على نحو الشركة ، فلا إشكال حينئذ ، لأنّ الناس مسلّطون على أموالهم (١) ، وإلاّ فلا بدّ من رفع ذلك إلى الحاكم ، وله إتلاف أيّهما شاء ويقسّم الضرر بينهما بقاعدة العدل والانصاف الثابتة عند العقلاء.

ويؤيّدها : ما ورد في تلف درهم عند الودعي ، من الحكم باعطاء درهم ونصف لصاحب الدرهمين ونصف درهم لصاحب الدرهم الواحد ، فانّه لايستقيم إلاّ على ما ذكرناه من قاعدة العدل والانصاف ، وقد تقدّم في بحث القطع (٢). هذا فيما إذا تساوى المالان من حيث القيمة ، وأمّا إن كان أحدهما أقل قيمةً من الآخر ، فليس للحاكم إلاّإتلاف ما هو أقل قيمةً ، لأنّ إتلاف ما هو أكثر قيمةً سبب لزيادة الضرر على المالكين بلا موجب.

ثمّ إنّ ما ذكرناه من الفروع وأحكامها إنّما هو فيما إذا لم تثبت أهمّية أحد الضررين في نظر الشارع ، وأمّا إذا ثبت ذلك فلا بدّ من اختيار الضرر الآخر في جميع الفروع السابقة ، كما إذا دخل رأس عبد محقون الدم في قدر شخص آخر ، فانّه لا ينبغي الشك في عدم جواز قتل العبد ، ولو كان ذلك بفعل مالك العبد ، بل يتعيّن كسر القدر وتخليص العبد ، غاية الأمر كون ضمان القدر عليه ، كما أنّه

__________________

(١) بحار الأنوار ٢ : ٢٧٢ / كتاب العلم ب ٣٣ ح ٧

(٢) في ص ٦٧

٦٥٤

إن كان بفعل الغير كان الضمان عليه ، وإن كان بآفة سماوية كان الضرر مشتركاً بينهما.

المسألة الثالثة : وهي لا تخلو من الأهمّية من حيث كثرة الابتلاء بها ، ما إذا دار الأمر بين تضرر شخص والاضرار بالغير من جهة التصرف في ملكه ، كمن حفر في داره بالوعة أو بئراً يكون موجباً للضرر على الجار مثلاً ، وتوضيح المقام يقتضي ذكر أقسام تصرّف المالك في ملكه الموجب للاضرار بالجار ، فنقول : إنّ تصرّفه يتصوّر على وجوه :

الأوّل : أن يكون المالك بتصرّفه قاصداً لإضرار الجار ، من دون أن يكون فيه نفع له أو في تركه ضرر عليه.

الثاني : الصورة مع كون الداعي إلى التصرف مجرد العبث والميل النفساني ، لا الاضرار بالجار.

الثالث : أن يكون التصرف بداعي المنفعة ، بأن يكون في تركه فوات منفعة.

الرابع : أن يكون الداعي التحرز عن الضرر بأن يكون في تركه ضرر عليه.

والمنسوب إلى المشهور جواز التصرّف وعدم الضمان في الصورتين الأخيرتين ، بعد التسالم على الحرمة والضمان في الصورتين الاوليين (١) أمّا وجه الحرمة والضمان في الصورتين الاوليين فظاهر ، فانّه لا إشكال في حرمة الاضرار بالغير ولا سيّما الجار ، والمفروض أنّه لا يكون فيهما شيء ترتفع به حرمة الاضرار بالغير.

وأمّا الوجه لجواز التصرّف وعدم الضمان في الصورتين الأخيرتين ، فقد استدلّ له بوجهين :

__________________

(١) راجع فرائد الاصول ٢ : ٥٣٨ و ٥٣٩ ، ورسائل فقهية للشيخ الأنصاري قدس‌سره : ١٢٦ / التنبيه السابع

٦٥٥

الوجه الأوّل : أنّ منع المالك عن التصرف في ملكه حرج عليه ، ودليل نفي الحرج حاكم على أدلة نفي الضرر ، كما أنّه حاكم على الأدلة المثبتة للأحكام.

وهذا الدليل ممنوع صغرىً وكبرى : أمّا الصغرى : فلعدم كون منع المالك عن التصرف في ملكه حرجاً عليه مطلقاً ، فانّ الحرج المنفي في الشريعة المقدّسة إنّما هو بمعنى المشقّة التي لا تتحمل عادة ، ومن الظاهر أنّ منع المالك عن التصرف في ملكه لا يكون موجباً للمشقة التي لا تتحمل عادة مطلقاً ، بل قد يكون وقد لا يكون. وليس الحرج المنفي في الشريعة المقدّسة بمعنى مطلق الكلفة ، وإلاّ كان جميع التكاليف حرجية ، فانّها كلفة ومنافية لحرّية الانسان وللعمل بما تشتهي الأنفس. وأمّا الكبرى : فلأ نّه لا وجه لحكومة أدلة نفي الحرج على أدلة نفي الضرر ، فانّ كل واحد منهما ناظر إلى الأدلة الدالة على الأحكام الأوّلية ، ويقيّدها بغير موارد الحرج والضرر في مرتبة واحدة ، فلا وجه لحكومة أحدهما على الآخر.

الوجه الثاني : أنّ تصرف المالك في ملكه في المقام لا بدّ من أن يكون له حكم مجعول من قبل الشارع : إمّا الجواز أو الحرمة ، فلا محالة يكون أحدهما خارجاً عن دليل لا ضرر ، ولا ترجيح لأحدهما على الآخر ، فيكون دليل لا ضرر مجملاً بالنسبة إليهما ، فلا يمكن التمسك بحديث لا ضرر لشيء منهما ، فيرجع إلى أصالة البراءة عن الحرمة ويحكم بجواز التصرف.

وفيه : ما تقدّم (١) من أنّ دليل لا ضرر لا يشمل إلاّالأحكام الالزامية ، لأ نّه ناظر إلى نفي الضرر من قبل الشارع في عالم التشريع. والضرر في الأحكام الترخيصية لا يستند إلى الشارع حتّى يكون مرتفعاً بحديث لا ضرر ، فحرمة الاضرار بالغير تكون مشمولةً لحديث لا ضرر ومرتفعةً به دون الترخيص.

__________________

(١) في ص ٦١٨ / التنبيه الأوّل

٦٥٦

هذا ، ولكن التحقيق عدم شمول حديث لا ضرر للمقام ، لأنّ مقتضى الفقرة الاولى عدم حرمة التصرف لكونها ضرراً على المالك ، ومقتضى الفقرة الثانية ـ وهي لا ضرار ـ حرمة الاضرار بالغير على ما تقدّم بيانه (١) ، فيقع التعارض بين الصدر والذيل ، فلا يمكن العمل بإحدى الفقرتين. وإن شئت قلت : إنّ حديث لا ضرر لا يشمل المقام أصلاً لا صدراً ولا ذيلاً ، لما ذكرناه (٢) من كونه وارداً مورد الامتنان على الامّة الاسلامية ، فلا يشمل مورداً كان شموله له منافياً للامتنان ، ومن المعلوم أنّ حرمة التصرف والمنع عنه مخالف للامتنان على المالك ، والترخيص فيه خلاف الامتنان على الجار ، فلايكون شيء منهما مشمولاً لحديث لا ضرر.

وبما ذكرناه ظهر أنّه لا يمكن التمسك بحديث لا ضرر فيما كان ترك التصرف موجباً لفوات المنفعة وإن لم يكن ضرراً عليه ، لأنّ منع المالك عن الانتفاع بملكه أيضاً مخالف للامتنان ، فلا يكون مشمولاً لحديث لا ضرر ، فلا يمكن التمسك بحديث لا ضرر في المقام أصلاً ، بل لا بدّ من الرجوع إلى غيره ، فإن كان هناك عموم أو إطلاق دلّ على جواز تصرف المالك في ملكه حتّى في مثل المقام يؤخذ به ويحكم بجواز التصرف ، وإلاّ فيرجع إلى الأصل العملي وهو في المقام أصالة البراءة عن الحرمة ، فيحكم بجواز التصرف. وبما ذكرناه ظهر الحكم فيما إذا كان التصرف في مال الغير موجباً للضرر على الغير ، وتركه موجباً للضرر على المتصرف ، فيجري فيه الكلام السابق من عدم جواز الرجوع إلى حديث لا ضرر ، لكونه وارداً مورد الامتنان ، فيرجع إلى عموم أدلة حرمة التصرف في مال الغير ، كقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «لا يحل مال

__________________

(١) في ص ٦١٨ / التنبيه الأوّل

(٢) في ص ٦٣٢

٦٥٧

امرئ إلاّبطيب نفسه» (١) ، وغيره من أدلة حرمة التصرف في مال الغير ، ويحكم بحرمة التصرف.

هذا كلّه من حيث الحكم التكليفي. وأمّا الحكم الوضعي وهو الضمان فالظاهر ثبوته حتّى فيما كان التصرف جائزاً ، لعدم الملازمة بين الجواز وعدم الضمان ، فيحكم بالضمان لعموم قاعدة الاتلاف. ودعوى كون الحكم بالضمان ضررياً فيرتفع بحديث لا ضرر ، مدفوعة بأنّ الحكم بالضمان ضرري في جميع موارده ، فلا يمكن رفعه بحديث لا ضرر ، لما تقدّم (٢) من أنّ حديث لا ضرر لا يشمل الأحكام المجعولة ضرريةً من أوّل الأمر ، وحديث لا ضرر ناظر إلى الأحكام التي قد تكون ضررية وقد لا تكون ضررية ، ويقيّدها بصورة عدم الضرر.

هذا مُضافاً إلى ما تقدّم أيضاً من أنّه حديث امتناني لا يشمل باب الضمان أصلاً (٣).

هذا تمام كلامنا في قاعدة لا ضرر في هذه الدورة ، والحمد لله أوّلاً وآخراً على ما وفّقني لكتابة هذا السِّفر القيِّم ، وصلّى الله على رسوله الكريم وآله الأبرار الأطهار وأصحابه الأخيار الكبار.

__________________

(١) الوسائل ٥. ١٢٠ / ابواب مكان المصلى ب ٣ ح (باختلاف يسير)

(٢) فى ص ٦٢٦ / التنبيه الثالث

(٣) تقدم فى ص ٦٢٥ / التنبيه الثالث

٦٥٨

كتبتهُ وأنا مُعْتَكِف بجوار العتبة المقدّسة العلويّة في النجف الأشرف ، على مشرّفها آلاف التحيّة والإكرام والصلاة والسلام ، وأنا مستجير بذمّته حيّاً وميِّتاً ، وكان ذلك في ٨ / ٨ / ١٣٧٦ اللّيلة الثامنة من شهر شعبان المُعظّم من شهور سنة ست وسبعين وثلاثمائة بعد الألف من الهجرة على هاجرها الصلاة والسلام.

٦٥٩
٦٦٠