موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد سرور الواعظ الحسيني البهسودي

موسوعة الإمام الخوئي

المؤلف:

السيّد محمّد سرور الواعظ الحسيني البهسودي


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة إحياء آثار الإمام الخوئي قدّس سرّه
الطبعة: ٠
ISBN: 964-7339-16-0
الصفحات: ٦٨١

فإن وجد عموم يدل على قابلية كل حيوان للتذكية إلاّما خرج فيرجع إليه بلا حاجة إلى استصحاب العدم الأزلي. وإنّما احتجنا إلى هذا الاستصحاب في الفرض المتقدِّم ، لأنّ الشبهة فيه كانت موضوعية ، ولا يمكن الرجوع فيها إلى العموم إلاّبعد إحراز الموضوع بالاستصحاب ونحوه.

وإن لم يوجد عموم يدل على ذلك ، فإن قلنا بأنّ التذكية أمر بسيط ، فالأصل عدم تحققها ، وإلاّ فيرجع إلى أصالة الحل. هذا كلّه فيما إذا لم يكن الشك في القابلية ناشئاً من احتمال طروء المانع. وأمّا إن كان مستنداً إلى ذلك ، كما لو شككنا في انّ الجلل الحاصل مانع عن التذكية أم لا ، فيرجع إلى أصالة عدم تحقق المانع.

الصورة الثالثة : أن يكون الشك في الحلية ناشئاً من الشك في اعتبار شيء في التذكية وعدمه ، كما إذا شككنا في اعتبار كون الذبح بالحديد مثلاً وعدمه ، والمرجع فيها أصالة عدم تحقق التذكية ، للشك في تحققها. ودعوى الرجوع إلى إطلاق دليل التذكية لنفي اعتبار الأمر المشكوك فيه غير مسموعة ، إذ ليست التذكية أمراً عرفياً كي ينزّل الدليل عليه ويدفع احتمال التقييد بالاطلاق ، كما كان الأمر كذلك في مثل قوله تعالى : «وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ» (١) ولعل هذا واضح.

إنّما الكلام في أنّ المترتب على أصالة عدم التذكية خصوص حرمة الأكل وعدم جواز الصلاة فيه أو النجاسة أيضاً.

والتحقيق : هو الأوّل ، لأنّ حرمة أكل اللحم مترتب على عدم التذكية بمقتضى قوله تعالى : «إِلاَّ ما ذَكَّيْتُمْ» (٢) وهكذا عدم جواز الصلاة ، بخلاف النجاسة

__________________

(١) البقرة ٢ : ٢٧٥

(٢) المائدة ٥ : ٣

٣٦١

فانّها مترتبة على عنوان الميتة ، والموت في عرف المتشرعة ـ على ما صرّح به مجمع البحرين (١) ـ زهاق النفس المستند إلى سبب غير شرعي ، كخروج الروح حتف الأنف أو بالضرب أو الشق ونحوها ، فيكون أمراً وجودياً لا يمكن إثباته بأصالة عدم التذكية ، وعليه فيتمّ ما ذكره الفاضل النراقي قدس‌سره من معارضة اصالة عدم التذكية بأصالة عدم الموت ، فيتساقطان ويرجع إلى قاعدة الطهارة (٢) ، وإن كان التحقيق جريانهما معاً ، إذ لا يلزم منه مخالفة عملية ، ومجرّد كون عدم التذكية ملازماً للموت ـ لأنّ التذكية والموت ضدّان لا ثالث لهما ـ غير مانع عن جريانهما ، فانّ التفكيك بين اللوازم في الاصول العملية غير عزيز ، كما في المتوضئ بمائع مردد بين الماء والبول مثلاً ، فانّه محكوم بالطهارة الخبثية دون الحدثية للاستصحاب ، مع وضوح الملازمة بينهما بحسب الواقع ، ففي المقام يحكم بعدم جواز الأكل بمقتضى أصالة عدم التذكية ، وبالطهارة لأصالة عدم الموت.

ثمّ إنّ المحقق الهمداني قدس‌سره (٣) ذهب إلى أنّ النجاسة مترتبة على عدم التذكية ، واستدلّ على ذلك بما في ذيل مكاتبة الصيقل من قوله عليه‌السلام : «فإن كان ما تعمل وحشياً ذكياً فلا بأس» (٤) باعتبار أنّ مفهومه أنّه لو لم يكن ذكياً ففيه بأس. والمراد بالبأس النجاسة ، لأنّها هي المسؤل عنها في المكاتبة. والظاهر عدم دلالة المكاتبة على ذلك ، وإنّما تدل على نفي البأس عمّا

__________________

(١) مجمع البحرين ٢ : ٢٢٣ وفيه : الموت ضدّ الحياة. وفي المصباح المنير : ٥٨٤ الميتة في عرف الشرع ما مات حتف أنفه أو قتل على هيئة غير مشروعة

(٢) عوائد الأيّام : ٦٠١ ، ولاحظ أيضاً ص ٦٠٦

(٣) مصباح الفقيه (الطهارة) : ٦٥٣ السطر ٢

(٤) الوسائل ٣ : ٤٦٢ و ٤٦٣ / أبواب النجاسات ب ٣٤ ح ٤

٣٦٢

كان يستعمله في عمله من جلود الحمر الوحشية الذكية في قبال الميتة المذكورة في صدرها ، فلا مفهوم لها ، ويدل على ما ذكرناه ذكر الوحشية في الكلام ، لأنّ كون الحمار وحشياً لا دخل له في طهارة جلده يقيناً.

فتحصّل ممّا ذكرناه : أنّ مقتضى أصالة عدم التذكية إذا جرت في مورد إنّما هي حرمة أكل اللحم وعدم جواز الصلاة في جلده ، وأمّا النجاسة فهي غير مترتبة على هذا الأصل ، فلا مانع من الرجوع إلى أصالة الطهارة. وعلى هذا يحمل ما أفاده الشهيد قدس‌سره من أنّ الأصل في اللحوم هي الحرمة والطهارة (١).

ثمّ إنّ صاحب الحدائق قدس‌سره (٢) أورد على الاصوليين وتعجّب منهم ، حيث حكموا بحرمة اللحم المشكوك فيه تمسكاً بأصالة عدم التذكية ، مع أنّهم يقولون بعدم جريان الأصل مع وجود الدليل ، والدليل على الحل موجود في المقام ، وهو قوله عليه‌السلام : «كل شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتّى تعرف الحرام منه بعينه» (٣).

وفساد ما ذكره واضح ، لأنّ الدليل الذي لا يجري الأصل مع وجوده هو الدليل على الحكم الواقعي ، والدليل المذكور في كلامه هو الدليل على البراءة التي هي من الاصول العملية ، لا الدليل على الحكم الواقعي ليتقدّم على الاستصحاب ، بل دليل الاستصحاب يخرج مورد جريانه عمّا لا يعلم حرمته ، ويدرجه في معلوم الحرمة ، ومعه كيف يمكن التمسك بدليل البراءة.

__________________

(١) الروضة البهيّة ١ : ٤٩

(٢) الحدائق الناضرة ٥ : ٥٢٦

(٣) الوسائل ١٧ : ٨٧ / أبواب ما يكتسب به ب ٤ ح ١ (باختلاف يسير)

٣٦٣

التنبيه الثاني

لا إشكال في حسن الاحتياط في الواجبات التوصلية ، فانّ المقصود فيها تحقق ذات العمل ، فالاحتياط فيها نوع من الانقياد للمولى. وكذا الحال في العبادات فيما إذا احرز أصل الرجحان وتردد الفعل بين الواجب والمندوب ، فانّ الاحتياط ممكن باتيان العمل بداعي أمره الواقعي.

والاشكال فيه من ناحية قصد الوجه مندفع أوّلاً : بأ نّه غير معتبر كما حقق في محلّه (١). وثانياً : بأ نّه على تقدير التسليم مختص بصورة الامكان ، وأمّا إذا لم يحرز الرجحان ودار الأمر بين الوجوب والاباحة ، فلا يمكن إحراز محبوبية العمل ، فانّه إن أتى به بداعي الأمر كان تشريعاً ، وإن أتى به بغير ذاك الداعي فلم يأت بالعبادة المقيّدة بقصد الأمر ، ومن هنا ربّما يستشكل في جريان الاحتياط في هذا النوع من العبادات.

وتوهم أنّه يستكشف ثبوت الأمر من حكم العقل بحسن الاحتياط بقاعدة الملازمة أو بنحو الإنّ ، مدفوع بأنّ حكم العقل بحسن الاحتياط لا يثبت موضوعه وإمكان الاحتياط ، فانّ حكم العقل والشرع جاريان على نحو القضايا الحقيقية وبيان للكبرى فقط ، ولا تعرّض لهما لبيان الصغرى وتحقق الموضوع خارجاً.

والتحقيق أن يقال : إنّ الاشكال المذكور مبني على أنّ عبادية الواجب متوقفة على الاتيان به بقصد الأمر الجزمي ، وليس الأمر كذلك إذ يكفي في عبادية الشيء مجرّد إضافته إلى المولى ، ومن الواضح أنّ الاتيان بالعمل برجاء

__________________

(١) في ص ٨٧ ـ ٨٨ ، راجع أيضاً شرح العروة ٥ : ٤٢١ ـ ٤٢٣

٣٦٤

المحبوبية واحتمال أمر المولى من أحسن أنحاء الاضافة ، والحاكم بذلك هو العقل والعرف ، بل هو أعلى وأرقى من امتثال الأمر الجزمي ، إذ ربّما يكون الانبعاث إليه لأجل الخوف من العقاب ، وهو غير محتمل في فرض عدم وصول الأمر والاتيان بالعمل برجاء المطلوبية. هذا مضافاً إلى أنّ اعتبار الجزم على تقدير التسليم مختص بصورة التمكّن كما ذكر في محلّه.

بقي في المقام أمران :

الأوّل : أنّ أوامر الاحتياط هل هي كالأمر بالاطاعة إرشادية إلى ما استقلّ به العقل ، فلا يترتب عليها سوى ما كان العقل مستقلاًّ به من حسن الانقياد واستيفاء الواقع ، أو أنّها مولوية ، فيكون الاحتياط مستحباً كبقية المستحبات ، فتكون إعادة الصلاة التي شكّ في صحّتها مستحباً شرعياً وإن كانت محكومة بالصحّة لقاعدة الفراغ ونحوها.

الثاني : أنّه بناءً على كونها مولوية فهل هي في طول الأوامر الواقعية ، فيلزم قصد الأمر الواقعي في مقام الاحتياط ، أو أنّها في عرضها ، فيجوز قصد امتثال نفس تلك الأوامر ، كما هو الحال فيما إذا نذر الاتيان بواجب أو مستحب ، فانّه يجزي قصد الأمر النذري ، ولو كان الناذر حين الاتيان بالعمل غافلاً عن الأمر الوجوبي أو الندبي. وبعبارة اخرى : أوامر الاحتياط هل هي متعلقة بذات العمل حتّى يصحّ الاتيان به بداعي الأمر الاحتياطي ، أو أنّها متعلقة بالعمل المأتي به بداعي الأمر الواقعي رجاءً.

أمّا الأمر الأوّل : فذكر المحقق النائيني قدس‌سره (١) أنّ سياق الأخبار الواردة في الاحتياط يقتضي كونها مؤكّدةً لحكم العقل في مرحلة امتثال الأحكام

__________________

(١) أجود التقريرات ٣ : ٣٥٤ ـ ٣٥٥ ، فوائد الاصول ٣ : ٣٩٨ ـ ٣٩٩

٣٦٥

الواقعية وسلسلة معلولاتها ، فتكون تلك الأوامر إرشادية ، توضيحه : أنّ الحكم العقلي إن كان في مرتبة علل الأحكام وملاكاتها ، فيستتبع الحكم المولوي ، وإن كان في مرحلة الامتثال المترتب على ثبوت الحكم الشرعي كحكمه بلزوم الاطاعة فلا يستتبع الحكم المولوي ، بل يكون الأمر في هذا المقام إرشادياً ، والأمر بالاحتياط من هذا القبيل.

ثمّ ذكر قدس‌سره أنّه يمكن أن لا يكون الأمر بالاحتياط ناشئاً عن مصلحة إدراك الواقع ، بل يكون ناشئاً عن مصلحة في نفس الاحتياط ، كحصول قوّة للنفس باعثة على الطاعات وترك المعاصي ، وحصول التقوى للانسان ، وإلى هذا المعنى أشار عليه‌السلام بقوله : «من ترك ما اشتبه عليه من الإثم فهو لما استبان له أترك» (١) والوجه فيه ظاهر ، فانّ حصول الملكات الحميدة أو المذمومة تدريجي ولترك الشبهات في ذلك أثر بيّن ، وعليه فيمكن أن يكون الأمر بالاحتياط بهذا الملاك ، وهو ملاك واقع في سلسلة علل الأحكام ، فيكون الأمر الناشئ عنه مولوياً.

أقول : أمّا ما ذكره ثانياً من إمكان أن يكون الأمر بالاحتياط مولوياً بملاك حصول التقوى وحصول القوّة النفسانية فمتين جداً.

وأمّا ما أفاده أوّلاً من كون الأمر بالاحتياط إرشادياً لكونه واقعاً في سلسلة معلول الحكم ، ففيه : أنّ مجرد ورود الأمر في مرحلة معلولات الأحكام لايستلزم الارشادية ، فلا يجوز رفع اليد عن ظهور اللفظ في المولوية ، ولايقاس المقام بالأمر بالطاعة ، لأنّ الأمر بالطاعة يستحيل فيه المولوية ولو لم نقل باستحالة التسلسل ، لأنّ مجرد الأمر المولوي ولو لم يكن متناهياً لايكون محرّكاً

__________________

(١) الوسائل ٢٧ : ١٦١ / أبواب صفات القاضي ب ١٢ ح ٢٧ (في الطبعة القديمة ح ٢٢)

٣٦٦

للعبد ما لم يكن له إلزام من ناحية العقل ، فلا بدّ من أن ينتهي الأمر المولوي في مقام المحركية نحو العمل إلى الالزام العقلي ، فلا مناص من أن يكون الأمر الوارد في مورده إرشاداً إلى ذلك ، وهذا بخلاف الأمر بالاحتياط ، فانّ حسن الاحتياط وإن كان من المستقلات العقلية الواقعة في سلسلة معلولات الأحكام الشرعية الواقعية ، إلاّأنّ العقل بما أنّه لا يستقل بلزوم الاحتياط في كل مورد فلا مانع من أن يأمر به المولى مولوياً ، حرصاً على إدراك الواقع لزوماً ـ كما يراه الاخباري ـ أو استحباباً كما نراه.

وبالجملة : المناط في الحكم الارشادي كونه من المستقلات العقلية التي لا يعقل فيها ثبوت الحكم المولوي لكونه لغواً أو لغير ذلك. وأمّا مجرد وقوع الأمر في سلسلة معلولات الأحكام ومقام امتثالها فهو غير مانع من كونه مولوياً.

وعليه فالأمر بالاحتياط مولوي غاية الأمر أنّه يحمل على الاستحباب بقرينة الترخيص في الترك المستفاد من أخبار البراءة.

وأمّا الأمر الثاني : فملخّص القول فيه : أنّ الأوامر مطلقاً توصلية تسقط باتيان متعلقاتها ، غاية الأمر أنّ متعلق الأمر في التوصليات هو ذات العمل ، وفي التعبديات مقيّد بالاتيان به مضافاً إلى المولى ، سواء كان هذا القيد مأخوذاً في متعلق الأمر الأوّل شرعاً كما هو المختار ، أو الأمر الثاني كما اختاره المحقق النائيني قدس‌سره (١) أو بحكم العقل كما اختاره صاحب الكفاية قدس‌سره (٢) فلم يعتبر في العبادة خصوص قصد الأمر ، بل عنوان جامع ومطلق إضافة العمل إلى المولى (سبحانه وتعالى) بأيّ نحو كان ، وهو كما يحصل بقصد الأمر الواقعي كذلك يحصل بقصد الأمر الاحتياطي أيضاً. نعم ، لو كان المعتبر في

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ١٧٣ ، فوائد الاصول ١ : ١٦١ و ١٦٢

(٢) كفاية الاصول : ٧٢

٣٦٧

العبادة قصد خصوص أمرها الواقعي ، أو كانت أوامر الاحتياط متعلقة بالعمل المأتي به بداعي احتمال الأمر الواقعي لكان اللازم فيما نحن فيه إتيان العمل بقصد الأمر الواقعي رجاءً ، لكنّك قد عرفت خلافه.

التنبيه الثالث

[أخبار مَن بلغ]

] ورد في عدّة من الروايات (١) أنّه من بلغه ثواب من الله سبحانه على عمل فعمل التماس ذلك الثواب اوتيه وإن لم يكن الحديث كما بلغه ، والتكلم في سند هذه الروايات غير لازم إذ منها ما هو صحيح من حيث السند فراجع ، إنّما المهم هو البحث عمّا يستفاد منها فيقع الكلام في جهات :

الجهة الاولى : في مفادها ، والمحتمل فيه وجوه ثلاثة :

الوجه الأوّل : أن يكون مفادها الارشاد إلى حكم العقل بحسن الانقياد ، وترتب الثواب على الاتيان بالعمل الذي بلغ عليه الثواب وإن لم يكن الأمر كما بلغه.

الوجه الثاني : أن يكون مفادها إسقاط شرائط حجّية الخبر في باب المستحبات ، وأ نّه لايعتبر فيها ما اعتبر في الخبر القائم على وجوب شيء من العدالة والوثاقة.

الوجه الثالث : أن يكون مفادها استحباب العمل بالعنوان الثانوي الطارئ ، أعني به عنوان بلوغ الثواب عليه ، فيكون عنوان البلوغ من قبيل سائر العناوين الطارئة على الأفعال الموجبة لحسنها وقبحها ولتغير أحكامها ، كعنوان الضرر

__________________

(١) الوسائل ١ : ٨٠ / أبواب مقدّمة العبادات ب ١٨

٣٦٨

والعسر والنذر وأمر الوالد ونحوها.

هذه هي الوجوه المحتملة بدواً في تلك الأخبار ، والمناسب لما اشتهر بين الفقهاء من قاعدة التسامح في أدلة السنن هو الاحتمال الثاني كما ترى ، ولكنّه بعيد عن ظاهر الروايات غاية البعد ، لأنّ لسان الحجّية إنّما هو إلغاء احتمال الخلاف والبناء على أنّ مؤدى الطريق هو الواقع كما في أدلة الطرق والأمارات ، لا فرض عدم ثبوت المؤدى في الواقع ، كما هو لسان هذه الأخبار ، فهو غير مناسب لبيان حجّية الخبر الضعيف في باب المستحبات ، ولا أقل من عدم دلالتها عليها ، وكذا الاحتمال الثالث ، إذ لا دلالة بل لا إشعار للأخبار المذكورة على أنّ عنوان البلوغ ممّا يوجب حدوث مصلحة في العمل بها يصير مستحباً.

فالمتعيّن هو الاحتمال الأوّل ، فانّ مفادها مجرد الاخبار عن فضل الله تعالى وأ نّه سبحانه بفضله ورحمته يعطي الثواب الذي بلغ العامل ، وإن كان غير مطابق للواقع ، فهي كما ترى غير ناظرة إلى العمل وأ نّه يصير مستحباً لأجل طروء عنوان البلوغ ، ولا إلى إسقاط شرائط حجّية الخبر في باب المستحبات.

فتحصّل : أنّ قاعدة التسامح في أدلة السنن ممّا لا أساس لها ، وبما ذكرناه من عدم دلالة هذه الأخبار على الاستحباب الشرعي سقط كثير من المباحث التي تعرّضوا لها في المقام :

منها : أنّ المستفاد منها هل هو استحباب ذات العمل ، أو استحبابه فيما إذا اتي به بعنوان الرجاء والاحتياط؟ فنقول لا دلالة لها على استحباب العمل بأحد من الوجهين ، نعم الثواب مترتب على ما إذا كان الاتيان بالعمل بعنوان الرجاء واحتمال المطلوبية على ما يستفاد من قوله عليه‌السلام : «فعمله التماس ذلك الثواب» (١) أو «طلب قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله» (٢) ، فلا يترتب

__________________

(١) ، (٢) الوسائل ١ : ٨١ و ٨٢ / أبواب مقدّمة العبادات ب ١٨ ح ٧ و ٤

٣٦٩

الثواب على ما إذا أتى بالعمل لغرض آخر.

ومنها : البحث عن ظهور الثمرة بين الاحتمال الثاني والثالث فيما إذا دلّ خبر ضعيف على استحباب ما ثبتت حرمته بعموم أو إطلاق ، باعتبار أنّه على تقدير كون الخبر المذكور حجّة ـ كما هو الاحتمال الثاني ـ كان مخصصاً للعام أو مقيداً للمطلق. وأمّا على الاحتمال الثالث من كون العمل مستحباً شرعياً بعنوان البلوغ ، فيقع التزاحم بين الحكم الاستحبابي الثابت بالعنوان العرضي ، والحكم التحريمي الثابت بالعنوان الأوّلي ، فيقدّم الحكم الالزامي لا محالة.

فانّا نقول : لا دلالة لهذه الأخبار على حجّية الخبر الضعيف ، ولا على استحباب العمل ، فالبحث المذكور ساقط من أساسه ، وفي مفروض المثال لا مجال لكون الخبر الضعيف مخصصاً أو مقيداً ، ولا الاستحباب المستفاد منه مزاحماً للحرمة ، فيحكم بتحريم ما ثبتت حرمته بالعموم أو الاطلاق ، ولا يعتنى بالخبر الضعيف الدال على الاستحباب أصلاً.

ومنها : البحث عن معارضة هذه الأخبار لما دلّ على اعتبار العدالة أو الوثاقة في حجّية الخبر ، وبيان الوجه في تقدّمها عليه من كونها أخص مطلقاً منه أو أشهر منه على ما ذكروه في المقام ، فانّ هذا البحث مبني على تمامية دلالة هذه الأخبار على حجّية الخبر الضعيف في باب المستحبات وتمامية قاعدة التسامح في أدلة السنن ، وقد عرفت عدمها ، فلا معارضة بينها وبين ما دلّ على اعتبار العدالة أو الوثاقة في حجّية الخبر.

ومنها : البحث عن ثبوت الاستحباب بفتوى الفقيه باعتبار صدق عنوان البلوغ عليها وعدمه ، فانّ هذا البحث متفرع على دلالة هذه الأخبار على استحباب عمل بلغ فيه الثواب وقد عرفت عدمها ، نعم لا نضايق عن ترتب

٣٧٠

الثواب في كل موردٍ صدق فيه بلوغ الثواب ، سواء كان البلوغ بفتوى الفقيه أو بنقل الرواية ، وسواء كان البلوغ بالدلالة المطابقية أو بالالتزام. إلى غير ذلك من الأبحاث المبتنية على دلالة هذه الأخبار على حجّية الخبر الضعيف في باب السنن ، أو على دلالتها على استحباب العمل الذي بلغ فيه الثواب.

الجهة الثانية : أنّ هذه الروايات لا تشمل عملاً قامت الحجّة على حرمته من عموم أو إطلاق ، فإذا دلّ خبر ضعيف على ترتب الثواب على عمل قامت حجّة معتبرة على حرمته ، لا يمكن رفع اليد به عنها ، والسر فيه واضح ، فانّ أخبار المقام مختصة بما بلغ فيه الثواب فقط ، فلا تشمل ما ثبت العقاب عليه بدليل معتبر. وبعبارة اخرى : أخبار المقام لا تشمل عملاً مقطوع الحرمة ولو بالقطع التعبدي ، فانّ القطع بالحرمة يستلزم القطع باستحقاق العقاب فكيف يمكن الالتزام بترتب الثواب.

الجهة الثالثة : في ثمرة البحث عن دلالة هذه الأخبار على الاستحباب مع أنّ الثواب مترتب على العمل المأتي به برجاء المطلوبية لا محالة ، سواء قلنا باستحبابه شرعاً أم لم نقل به. وبعبارة اخرى : لا فرق بين القول بدلالتها على الحكم المولوي والقول بكون مفادها الارشاد إلى حكم العقل بحسن الانقياد في ترتب الثواب على العمل الذي بلغ الثواب عليه ، فأيّ فائدة في البحث عن ثبوت الحكم المولوي وعدمه ، وذكر الشيخ قدس‌سره (١) في بيان الثمرة موردين.

المورد الأوّل : جواز المسح ببلة المسترسل من اللحية لو دلّ على استحباب غسله في الوضوء خبر ضعيف ، بناءً على ثبوت الاستحباب الشرعي بالخبر الضعيف ، وعدم جواز المسح بها بناءً على عدم ثبوته ، لعدم إحراز كونه من أجزاء الوضوء حينئذ.

__________________

(١) فرائد الاصول ١ : ٤٢٣

٣٧١

واورد على ذلك بوجهين : الأوّل : ما ذكره صاحب الكفاية قدس‌سره في تعليقته على الرسائل (١) من عدم جواز المسح بالبلّة المذكورة حتّى على القول باستحباب الغسل شرعاً ، لأنّه مستحب مستقل في واجب أو في مستحب وليس من أجزاء الوضوء.

وفيه : أنّ ذلك خروج عن الفرض ، إذ المفروض دلالة الخبر الضعيف على كونه جزءاً من الوضوء.

الثاني : ما ذكره الشيخ نفسه من أنّه لا دليل على جواز الأخذ من بلة الوضوء مطلقاً ، حتّى من الأجزاء المستحبة ، وإنّما ثبت جواز الأخذ من الأجزاء الأصلية ، فالقول باستحباب غسل المسترسل من اللحية لا يستلزم جواز المسح ببلته.

المورد الثاني : الوضوء الذي دلّ خبر ضعيف على استحبابه لغاية خاصّة ، كقراءة القرآن أو النوم مثلاً ، فانّه على القول باستحبابه يرتفع به الحدث ، وعلى القول بعدمه لا يرتفع به الحدث.

وأورد عليه : بأنّ كل وضوء مستحب لم يثبت كونه رافعاً للحدث ، فانّه يستحب الوضوء للجنب والحائض في بعض الأحوال ، مع أنّه لايرتفع به الحدث ، وكذا الوضوء التجديدي مستحب ولا يرفع الحدث.

وفيه : أنّ الوضوء إنّما يرفع الحدث الأصغر ، والجنب والحائض محدثان بالحدث الأكبر ، فعدم ارتفاع الحدث فيهما إنّما هو من جهة عدم قابلية المورد ، فلا ينتقض بذلك على الارتفاع في مورد قابل كما هو محل الكلام. ومن ذلك ظهر الجواب عن النقض بالوضوء التجديدي ، فهذه الثمرة تامّة ، ولكنّها مبنية

__________________

(١) دُرر الفوائد في الحاشية على الفرائد : ٢٢٧

٣٧٢

على القول بعدم استحباب الوضوء نفسياً ، من دون أن يقصد به غاية من الغايات. وأمّا لو قلنا باستحبابه كذلك كما هو الظاهر من الروايات ، فلا تتمّ الثمرة المذكورة ، إذ عليه يكون نفس الوضوء مستحباً رافعاً للحدث ، ثبت استحبابه لغاية خاصّة أم لم يثبت.

التنبيه الرابع

قد يتوهّم عدم جريان البراءة في الشبهة التحريمية الموضوعية ، بدعوى أنّ الشك فيها ليس شكاً في التكليف ليرجع إلى قاعدة قبح العقاب بلا بيان أو إلى حديث الرفع ، فانّ جعل الحكم بنحو الكلّي الذي هو وظيفة الشارع معلوم ، ووصل إلى المكلف أيضاً ، وإنّما الشك في مقام الامتثال والتطبيق ، فالمتعيّن هو الرجوع إلى قاعدة الاشتغال ، لأنّ شغل الذمّة اليقيني يستدعي البراءة اليقينية.

وأورد عليه الشيخ قدس‌سره (١) بما ملخّصه : أنّ الأحكام الشرعية مجعولة بنحو القضايا الحقيقية التي يحكم فيها على الأفراد المقدّر وجودها ، فهي تنحل إلى أحكام متعددة بتعدد أفراد الموضوع ، فلكل فرد من أفراد الموضوع حكم مستقل ، وعليه فلو شكّ في كون شيء مصداقاً للموضوع كان الشك في ثبوت الحكم له ، فيكون شكاً في التكليف ، والمرجع فيه البراءة لا الاشتغال.

وذكر صاحب الكفاية قدس‌سره (٢) أنّ النهي قد يكون انحلالياً ، بأن يكون كل فرد من أفراد الموضوع محكوماً بحكم مستقل ، وقد يكون حكماً واحداً متعلقاً بترك الطبيعة رأساً ، بحيث لو وجد فرد منها لما حصل الامتثال

__________________

(١) فرائد الاصول ١ : ٤٠٦

(٢) كفاية الاصول : ٣٥٣

٣٧٣

أصلاً. فعلى الأوّل يكون الشك في انطباق الموضوع على شيء شكاً في ثبوت التكليف فالمرجع هي البراءة ، وعلى الثاني كان مورداً لقاعدة الاشتغال ، لأنّ تعلّق التكليف بترك الطبيعة رأساً معلوم ، ولا يحرز امتثاله إلاّبترك كل ما يحتمل انطباق الطبيعة عليه ، إلاّإذا كانت له حالة سابقة فيستصحب ، فيكون الامتثال محرزاً بالتعبد.

وتحقيق المقام يقتضي بسطاً في الكلام ، فانّ تعلّق التكليف التحريمي بالطبيعة ليس منحصراً بما ذكره الشيخ قدس‌سره من الانحلال إلى تكاليف متعددة بتعدد أفراد الموضوع ، ولا بما ذكره صاحب الكفاية قدس‌سره من القسمين ، فنقول : إنّ النهي المتعلق بالطبيعة يتصوّر على أقسام :

الأوّل : أن يكون متعلقاً بها على نحو الطبيعة السارية ، بأن يكون التكليف متعدداً بتعدد أفرادها ، وعليه فلو شكّ في كون شيء مصداقاً للموضوع كان الشك في ثبوت التكليف ، فيرجع إلى البراءة كما ذكره الشيخ وصاحب الكفاية قدس‌سرهما.

الثاني : أن يكون متعلقاً بها على نحو صرف الوجود ، بأن يكون التكليف واحداً متعلقاً بترك الطبيعة رأساً ، بحيث لو وجد فرد منها لما حصل الامتثال أصلاً ، وإن كان المتصف بالحرمة هو أوّل وجود الطبيعة دون غيره. وفي هذا الفرض لو شكّ في كون شيء مصداقاً للموضوع فذكر صاحب الكفاية قدس‌سره أنّ المرجع فيه قاعدة الاشتغال ، باعتبار أنّ تعلّق التكليف بترك الطبيعة معلوم ، ولا يحرز امتثاله إلاّبترك كل ما يحتمل انطباق الطبيعة عليه. ولكنّ التحقيق أنّ المرجع فيه أيضاً هي البراءة ، لأنّ الشك في المصداق في هذا الفرض شكّ في تعلّق التكليف الضمني به ، فيرجع إلى البراءة ، إذ لا اختصاص لها

٣٧٤

بالتكاليف الاستقلالية ، بناءً على ما ذكرناه في محلّه (١) من جريان البراءة عند الشك في الأقل والأكثر الارتباطيين.

الثالث : أن يكون النهي زجراً عن المجموع ، بحيث لو ترك فرداً واحداً من الطبيعة فقد أطاع ، ولو ارتكب بقية الأفراد بأجمعها في مقابل القسم الثاني ، إذ فيه لو ارتكب فرداً واحداً فقد عصى ، ولو ترك البقية بأجمعها كما تقدّم ، ومن الواضح أنّه في هذا الفرض الثالث يجوز للمكلف ارتكاب بعض الأفراد المتيقنة مع ترك غيره ، فضلاً عن الفرد المشكوك فيه.

وهل يجوز ارتكاب جميع الأفراد المتيقنة وترك خصوص الفرد المشكوك فيه أم لا؟ الظاهر هو الجواز ، لأنّه يرجع إلى الشك في الأقل والأكثر الارتباطيين في المحرّمات ، وهو على عكس الشك في الأقل والأكثر في الواجبات ، فانّ تعلّق التكليف بالأقل عند دوران الواجب بين الأقل والأكثر هو المتيقن ، إنّما الشك في تعلّقه بالزائد ، فيرجع في نفيه إلى البراءة. وأمّا في باب المحرّمات فتعلّق التكليف بالأكثر هو المتيقن ، إنّما الشك في حرمة الأقل ، لأنّ الاتيان بالأكثر ـ أعني الأفراد المتيقنة والفرد المشكوك فيه ـ محرّم قطعاً ، وأمّا ارتكاب ما عدا الفرد المشكوك فيه فحرمته غير معلومة والمرجع هو البراءة.

الرابع : أن يكون النهي متعلقاً بجميع الأفراد الخارجية ، باعتبار أنّ المطلوب أمر بسيط متحصّل من مجموع التروك ، كما لو فرضنا أنّ المطلوب بالنهي عن الصلاة فيما لا يؤكل لحمه هو وقوع الصلاة في غير ما لا يؤكل. وفي هذا الفرض لو شكّ في كون شيء مصداقاً للموضوع كان المرجع قاعدة الاشتغال ، وعدم

__________________

(١) في ص ٤٩٤ وما بعدها

٣٧٥

جواز ارتكاب المشكوك في كونه فرداً له ، لرجوع الشك حينئذ إلى الشك في المحصّل بعد العلم بثبوت التكليف ، فلا مناص من القول بالاشتغال. نعم [لو] كان الأمر البسيط حاصلاً سابقاً ، فمع ارتكاب الفرد المشكوك فيه يجري استصحاب بقاء هذا الأمر ، فيكون الامتثال حاصلاً بالتعبد الشرعي.

فتحصّل من جميع ما ذكرناه في المقام : أنّ ما ذكره بعضهم ـ من الرجوع إلى قاعدة الاشتغال في الشبهة التحريمية الموضوعية ـ إنّما يصح في خصوص قسم واحد من الأقسام المذكورة ، وهو القسم الأخير.

التنبيه الخامس

قد عرفت حسن الاحتياط عقلاً وشرعاً حتّى فيما إذا قامت الأمارة على عدم التكليف في الواقع ، فانّ احتمال ثبوت التكليف في الواقع كافٍ في حسن الاحتياط ، لتدارك المصلحة الواقعية على تقدير وجودها ، إلاّأنّ حسنه مقيّد بعدم استلزامه اختلال النظام ، وذلك يختلف باختلاف الأشخاص واختلاف الحالات الطارئة لهم ، وكل ذلك واضح.

إنّما المقصود هو الاشارة إلى أنّ كل فرد من أفراد الشبهة لا يكون الاحتياط فيه مستلزماً لاختلال النظام ، وإنّما المستلزم لذلك هو الجمع بين المحتملات والأخذ بالاحتياط في جميع الشبهات ، وعليه فالاحتياط في كل شبهة في نفسها مع قطع النظر عن الاخرى باقٍ على حسنه ، ويترتب على ذلك أنّه على تقدير كون الاحتياط في جميع الشبهات مستلزماً لاختلال النظام لا بأس بالتبعيض في الاحتياط.

وبعبارة اخرى : كون الاحتياط الكلّي قبيحاً لاستلزامه اختلال النظام لا ينافي حسن التبعيض فيه ، وللتبعيض طريقان :

٣٧٦

الأوّل : أن يختار الاحتياط في جميع الشبهات العرضية إلى أن ينتهي الأمر إلى اختلال النظام ، فيترك الاحتياط رأساً وفي جميع الشبهات.

الثاني : أن يختار الاحتياط في بعض الأفراد العرضية دون بعض حتّى لا ينتهي الأمر إلى اختلال النظام أبداً. ولعل هذا الطريق الثاني أولى ، لما ورد عنهم عليهم‌السلام من أنّ القليل الذي تدوم عليه خير من كثير لا تدوم عليه (١).

ثمّ إنّ لهذا الطريق أيضاً صورتين :

الاولى : أن يحتاط في الموارد التي كان التكليف المحتمل فيها أهم في نظر الشارع من التكليف المحتمل في غيرها.

الثانية : أن يحتاط في الموارد التي كان ثبوت التكليف فيها مظنوناً أو مشكوكاً ، ويترك الاحتياط فيما كان احتمال التكليف فيه موهوماً ، فان كان ذلك أيضاً مخلاًّ بالنظام يكتفي بالاحتياط في المظنونات فقط. وهذا هو المراد ممّا ذكره صاحب الكفاية قدس‌سره بقوله : كان الراجح لمن التفت إلى ذلك من أوّل الأمر ترجيح بعض الاحتياطات احتمالاً أو محتملاً (٢).

__________________

(١) الوسائل ١ : ١١٨ / أبواب مقدّمة العبادات ب ٢٨ ح ١٠ (باختلاف يسير)

(٢) كفاية الاصول : ٣٥٤

٣٧٧
٣٧٨

مباحث الشك

الأُصول العمليّة

أصالة التخيير

٣٧٩
٣٨٠