التنبيه بالمعلوم

محمد بن الحسن الحرّ العاملي [ العلامة الشيخ حرّ العاملي ]

التنبيه بالمعلوم

المؤلف:

محمد بن الحسن الحرّ العاملي [ العلامة الشيخ حرّ العاملي ]


المحقق: محمود البدري
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مكتب الإعلام الإسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-252-1
الصفحات: ٢١٥
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

صورة الصفحة الاُولى من النسخة الخطّيّة « د »

٤١

صورة الصفحة الأخيرة من النسخة الخطّيّة « د »

٤٢

مقدّمة المؤلّف

الحمد لله الّذي اختار الأنبياء والأوصياء حفظة للإيمان ، وجعلهم حجّة على الإنس والجان ، واصطفاهم على العالمين في كلّ وقت وآن ، وأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً بنصّ القرآن ، ونزّههم عن السهو والشكّ والنسيان ، صلّى الله وسلّم عليهم [ جميعاً ] (١) في جميع الأزمان.

أما بعد ؛

فيقول [ العبد ] (٢) الفقير إلى الله الغني ، محمّد بن الحسن الحرّ العاملي عامله الله بلطفه الخفي : هذه رسالة في نفي السهو عن أهل العصمة عليهم السلام ، وذكر نبذة ممّا يدلّ على ذلك من الأدلّة العقليّة ، والنصوص النقليّة ، وكلام جماعة من الأصحاب في هذا الباب ، وردّ شبهة من جوّز السهو عليهم في العبادة ، وتأويل الأحاديث الّتي تدلّ على ذلك بظاهرها ، وذكر بعض نظائرها وما يناسب هذا المطلب.

والّذي دعاني إلى تأليف هذه الرسالة ، التماس بعض الأفاضل واشتباه الأمر على بعض آخر ، وكون هذه المسألة من المهمّات ، ولم أجد

__________________

(١) ليس في ج.

(٢) من ج فقط.

٤٣

من تعرّض لها بكلام شاف ، واستدلالٍ واف ، إلاّ من قلّ مع قصور ما وجدته عن البيان كما ينبغي ، وأرجو إن تزول الشبهة بهذه الرسالة بالكلّيّة ، ويتّضح الحقّ عند كلّ من له بصيرة وروية ، وهي مرتّبة على اثني عشر فصلاً ، تبرّكاً بالعدد الشريف.

الأول : في ذكر جملة من عبارات علمائنا المصرّحين بنفي السهو عن النبيّ صلّى الله عليه وآله والأئمّة عليهم السلام في العبادات وغيرها.

الثاني : في ذكر عبارة من جوّز السهو على النبيّ صلّى الله عليه وآله والإمام عليه السلام في العبـادة دون التبليغ ، وهو ابن بابويه رحمه الله.

الثالث : فيما يدلّ على نفي السهو عن النبيّ صلّى الله عليه وآله والأئمّة عليهم السلام مطلقاً من الآيات القرآنيّة (١).

الرابع : فيما يدلّ على ذلك من الأحاديث المعتمدة.

الخامس : فيما يدلّ على ذلك من الوجوه العقليّة.

السادس : في بيان بعض المفاسد المترتّبة (٢) على تجويز السهو على المعصوم.

السابع : في ذكر شبهة من جوّز السهو عليه.

الثامن : في ذكر ضعفها.

التاسع : في بيان اضطرابها وبطلانها.

__________________

(١) في ب : العرابية.

(٢) في ب : المرتّبة.

٤٤

العاشر : في بيان تأويل أحاديث السهو.

الحادي عشر : في الجواب عن استدلال ابن بابويه بالتفصيل.

الثاني عشر : في ذكر بعض النظائر [ والأشباه ] (١) لأحاديث السهو التي لا يجوز حملها على ظاهرها.

__________________

(١) من د فقط.

٤٥
٤٦

الفصل الأول

في ذكر جملة من عبارات علمائنا وفقهائنا المصرّحين بنفي السهو عن النبيّ والأئمّة عليهم السلام في العبادات وغيرها (١)

أقول : قد صرّحوا بذلك في أكثر كتبهم في الفروع ، وصرّحوا في جميع كتب الاُصول ، بنفي السهو عنهم عليهم السلام على وجه العموم والإطلاق

__________________

(١) إنّ الكلام في مسألة سهو النبي صلّى الله عليه وآله مبسوط في أغلب كتب المقالات والكلام ؛ ومذهب الشيعة الإماميّة في هذه المسألة هو : نفي السهو والنسيان عن الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله والأئمّة عليهم السلام ، وقد أجمعوا على ذلك ، إلاّ من شذّ كالصدوق وشيخه اللذان نسبا السهو إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وذلك من خلال خبر ذي اليدين الذي رووه ؛ وقد كتب في ردّهما وتفنيد ما استندا عليه كثير من العلماء والفقهاء ، وفي مقدّمة هؤلاء الشيخ المفيد محمد بن النعمان قدّس سرّه ، والسيد المرتضى ؛ وقد كتب أحدهما رسالة مفردة في الردّ على الصدوق في هذه المسألة : وقد أدرجها بتمامها العلاّمة المجلسي قدّس سرّه في بحار الأنوار « ١٧ / ١٠٤ » ؛ كما انّه فصّل الكلام في المسألة ، وأطنب في بيان شذوذ تلك الأخبار التي استند إليها القائلون بالسهو.

ولذلك ردّ هذه المسألة السيد عبد الله شبّر قدّس سرّه في كتابه حقّ اليقين « ١ / ٩٣ » ومصابيح الأنوار : « ٢ / ١٣٣ ».

ولم يقتصر ردّ الصدوق في هذه المسألة على الكتب الكلامية فحسب ؛ بل ، تجد ردّه في كثير من الكتب الفقهية أيضاً كالتذكرة والمنتهى للعلاّمة وغيرها.

٤٧

الشامل للعبادة وغيرها ، وأوردوا أدلّة كثيرة شاملة للعبادة ، ولا يحضرني جميع تلك الكتب ، فأنا أذكر ما أمكن إيراده الآن من ذلك.

قال الشيخ الأجل رئيس الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي قدّس الله سرّه في التهذيب بعد ما روى حديثاً : ان رسول الله صلّى الله عليه وآله ما سجد سجدتي السهو قطّ ولا يسجدهما فقيه (١).

قال محمد بن الحسن : الّذي أفتي به ما تضمّنه هذا الخبر ، وأمّا الأخبار التي قدّمناها من انّ النبي سها فسجد ، فانها موافقة للعامّة ، وانّما ذكرناها لأن ما تضمّنته من الأحكام معمول به على ما بيّناه (٢). انتهى.

وقال في موضع آخر بعدما أورد حديثين بعنوان المنافاة ، يتضمّنان قصة ذي الشمالين ما هذا لفظه : على انّ في الحديثين الأوّلين ما يمنع من التعلّق بهما ، وهو حديث ذي الشمالين وسهو النبي صلّى الله عليه وآله وهذا ممّا تمتنع (٣) العقول منه. (٤) انتهى.

وقال في كتاب الاستبصار في باب السهو في صلاة المغرب ، بعدما أورد حديثين بعنوان المنافاة ، وجمع بينهما وبين الأحاديث السابقة ، ثمّ قال : مع انّ الحديثين ما يمنع من التعلّق بهما ، وهوحديث ذي الشمالين وسهو النبي صلّى

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٨٠ ح ٧٢٦ ، عنه بحار الأنوار ١٧ : ١٠٢ ح ٨.

(٢) والخبر أقوى ممّا تقدّم سنداً ، وفيما تقدّم دليل على أن هذا المضمون كان مشهوراً بين العامّة ، فالأخبار واردة في شرح ما يقولونه.

(٣) في ب : تمنع.

(٤) التهذيب ٢ : ١٨٠ ح ٧٢٤ و ٧٢٥.

٤٨

الله عليه وآله ، وذلك ممّا تمنع منه الأدلّة القاطعة في انّه لا يجوز عليه السهو والغلط (١).

وقال في الاستبصار أيضاً بعد ذكر حديث في باب من صلّى بقوم على (٢) غير وضوء مضمونه : إنّ عليّاً عليه السلام صلّى بقوم على غير طهر ثم نادى مناديه : انّ أمير المؤمنين عليه السلام صلّى بكم على غير طهر ، فاعيدوا ... (٣).

قال : هذا خبر شاذ مخالف للأحاديث ، وما هذا حكمه لا يعمل عليه ، وقد تضمّن أيضاً من الفساد ما يقدح في صحّته ، وهو انّ أمير المؤمنين عليه السلام صلّى بالناس على غير وضوء ، وقد آمننا من ذلك دلالة عصمته عليه السلام. انتهي.

وقال في التهذيب (٤) أيضاً مثل ذلك عند ذكر هذا الحديث.

وقال الشيخ المفيد قدّس سرّه في رسالة منسوبة إليه (٥) في الردّ على من ذهب إلى تجويز السهو على النبي صلّى الله عليه وآله والأئمّة عليهم السلام في العبادة. ـ وربّما نسبت الرسالة إلى السيّد المرتضى (٦) ـ ، والأول أرجح ، قال

__________________

(١) الاستبصار ١ : ٣٧١.

(٢) كذا في « ب ، د » والمصدر ، وفي ج : من.

(٣) الاستبصار ١ : ٤٣٣ ح ٥.

(٤) التهذيب ٣ : ٤٠ ح ٦.

(٥) وهي رسالة في عدم سهو النبي صلّى الله عليه وآله ، حيث ردّ فيها على الرواية التي تزعم انّ النبي صلّى الله عليه وآله صلّى صلاة رباعيّة وسلّم فيها على ركعتين ـ سهواً ـ.

(٦) الرسالة المنسوبة للسيّد المرتضى قدّس سرّه هي غير هذه الرسالة ، وهي رسالة في تنزيه الأنبياء والأئمّة عليهم السلام.

٤٩

فيها ما هذا لفظه :

وقد وقفت بها أيّها الأخ على ما كتبت به في معنى ما وجدته (١) لبعض مشايخك (٢) ، فيما يضاف إلى النبي صلّى الله عليه وآله من السهو في الصلاة ، والنوم عنها حتى خرج وقتها.

ثم نقل مضمون عبارة الصدوق الآتية ـ إلى أن قال ـ : وسألت ـ أعزّك الله [ بطاعته ] (٣) ـ أن اُثبت لك ما عندي فيما حكيته [ عن هذا الرجل ] (٤) ، واُبيّن عن الحقّ في معناه ، وأنا مجيبك إلى ذلك ، والله الموفّق للصواب.

اعلم ، انّ الّذي حكيت عنه [ ما حكيت ، ممّا قد أثبتناه ] (٥) قد تكلّف ما ليس من شأنه ، فأبدى [ بذلك ] (٦) عن نقصه في العلم وعجزه ، ولو كان ممّن وفّق لرشده لما تعرّض له ، لما لا يحسنه ، ولا هو من صناعته ، ولا يهتدي إلى معرفته ، لكن الهوى مُردٍ لصاحبه (٧) ، نعوذ بالله من سلب التوفيق ، ونسأله العصمة من الضلال ، ونستهديه في سلوك نهج الحق ، [ وواضح الطريق

__________________

(١) في د : رجوته.

(٢) ويقصد به الشيخ الصدوق قدّس سرّه ، والذي روى حديثاً مسنداً إلى الحسن بن محبوب ، عن الرباطي ، عن سعيد الأعرج ، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام : إن الغلاة من المفوّضة لعنهم الله ينكرون سهو النبي صلّى الله عليه وآله ، ويقولون : لو جاز أن يسهو عليه السلام في الصلاة جاز أن يسهو في التبليغ ، لأنّ الصلاة عليه فريضة كما أن التبليغ عليه فريضة...» إلى آخر كلامه.

ثمّ قال : وكان شيخنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ; يقول : أول درجة في الغلو نفي السهو عن النبي صلّى الله عليه وآله ... ». انظر : من لا يحضره الفقيه ١ : ٢٣٣ / ١٠٣١.

(٣) ليس في ج.

(٦ ، ٥ ، ٤) ليس في النسخ / وما أثبتناه من الرسالة المنسوبة للشيخ المفيد في عدم سهو النبي صلّى الله عليه وآله.

(٧) مُرد لصاحبه : أي مُهلك.

٥٠

بمنّه ] (١).

الحديث الذي روته الناصبة والمقلّدة من الشيعة : « أنّ النبي صلّى الله عليه وآله سها في صلاته ، فسلّم في ركعتين ناسياً ، فلمّا نُبّه على غلطه فيما صنع ، أضاف إليهما ركعتين ، ثمّ سجد سجدتي السهو » (٢) ، من الأخبار الآحاد التي لا تثمر علماً ، ولا توجب عملاً ، ومن عمل على شيء منها فعلى الظن يعتمد في عمله بها دون اليقين ، وقد نهى الله تعالى عن العمل بالظنّ في الدين ، وحذّر من القول فيه بغير علم ويقين.

فقال : ( وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لا تَعْلَمُونَ ) (٣).

وقال : ( إِلاَّ مَن شَهِدَ بِالحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) (٤).

وقال : ( وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) (٥).

__________________

(١) من المصدر.

(٢) ورد الحديث بالفاظ مختلفة ، وفي أوقات متعددة في الكثير من كتب الحديث وعند الفريقين. فقد روى الشيخ الكليني في الكافي « ٣ : ٣٥٥ » بسنده يرفعه إلى أبي عبد الله عليه السلام قال في حديث طويل : فإنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله صلّى بالناس الظهر ركعتين ، ثمّ سها فسلّم ، فقال له ذو الشمالين : يا رسول الله ، أنزل في الصلاة شيء ؟

فقال : وما ذاك ؟!

قال : إنّما صلّيت ركعتين.

فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : أتقولون مثل قوله ؟

قالوا : نعم ، فقام صلّى الله عليه وآله فأتمّ بهم الصلاة وسجد بهم سجدتي السهو ... الخ.

ورواه مسلم في صحيحه ١ : ٤٠٣ ح ٥٧٣ ، والنسائي في سننه ٣ : ٢٠ ـ ٢٥ ، وأبو داود في سننه ١ : ١١٨ ـ ١٢٢ ح ٤٣٥ ـ ٤٣٧.

(٣) سورة البقرة : ١٦٩.

(٤) سورة الزخرف : ٨٦.

(٥) سورة الإسراء : ٣٦.

٥١

وقال : ( وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الحَقِّ شَيْئًا ) (١).

وقال : ( إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ ) (٢).

وأمثال ذلك في القرآن [ ممّا يتضمّن الوعيد على القول في دين الله بغير علم ، والذم والتهديد لمن عمل فيها بالظنّ واللوم له على ذلك ، والخبر عنه بأنّه مخالف الحقّ فيما استعمله في الشرع والدين ] (٣) كثيرة.

وإذا كان خبر سهوه صلّى الله عليه وآله من أخبار الآحاد (٤) الّتي من عمل عليها كان عاملاً بالظنّ ، حرم الاعتقاد بصحّته ، ولم يجز القطع به ، ووجب العدول عنه إلى ما يقتضيه اليقين من كماله صلّى الله عليه وآله وعصمته ، وحراسة الله تعالى له من الخطأ (٥) في عمله ، والتوفيق له فيما قال وعمل من شريعته ، وفي هذا القدر كفاية في ابطال حكم من حَكَم على النبي صلّى الله عليه وآله بالسهو في صلاته. (٦) « انتهى ».

ويأتي باقي الرسالة المذكورة إن شاء الله تعالى.

وقال المحقّق في المختصر النافع :

وفي رواية الحلبي : عن أبي عبد الله عليه السلام انّه سمعه يقول فيهما ـ يعني سجدتي السهو ـ : بسم الله وبالله وصلّى الله على محمد

__________________

(١) سورة يونس : ٣٦.

(٢) سورة يونس : ٦٦.

(٣) من المصدر.

(٤) لقد اصطلح العلماء الحديث على تقسيم الخبر من حيث رواته إلى متواتر وآحاد ، وعدّوا كل حديث لا تتوفر فيه شروط التواتر من نوع الآحاد ، سواء كان الراوي له واحداً أو أكثر.

(٥) في « ب ، د » : وحراسته من الخطأ.

(٦) من رسالة عدم سهو النبيّ صلّى الله عليه وآله للشيخ المفيد.

٥٢

وآل محمد.

وسمعته مرّة اُخرى يقول : بسم الله وبالله ، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته.

والحقّ رفع منصب الإمامة عن السهو في العبادة (١).

ورفع منصب النبوّة يلزمه بطريق الأولويّة ، ولا ريب انّه مراده كما لا يخفى ، إذ النبي صلّى الله عليه وآله إمام كما وقع التصريح به في القرآن والحديث.

ويمكن أن يكون مراده إنّ معنى قول الحلبي : سمعته يقول في سجدة السهو كذا : انّه سمعه يقول ذلك فيهما على وجه الفتوى والتعليم لا انّه سها وسجد.

فقوله عليه السلام في سجدة السهو كذا ؛ أي هذا دعاؤها وذكرها من غير أن يكون سجد ، كما قالوا عليهم السلام : في القتل مائة من الابل.

وقال العلاّمة قدّس سرّه في التذكرة ما هذا لفظه :

وخبر ذي اليدين عندنا باطل ؛ لأنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله معصوم لا يجوز عليه السهو ، مع أن جماعة من أصحاب الحديث طعنوا فيه (٢) ، لأنّ راويه أبو هريرة وكان اسلامه بعد موت ذي اليدين بسنتين ، فإن ذا اليدين قتل يوم

__________________

(١) المختصر النافع : ٤٥ ، ط دار الكتاب العربي بمصر.

(٢) انظر : ارشاد الساري ٢ : ٣٦٥ ، عمدة القارىء ٤ : ٢٦٤.

٥٣

بدر وذلك بعد الهجرة بسنتين ، وأسلم أبو هريرة بعد الهجرة بسبع سنين (١).

قال المحتجّون به : إنّ المقتول يوم بدر هو ذو الشمالين واسمه عبد الله ابن عمرو بن نضلة الخزاعي (٢) ، وذو اليدين عاش بعد النبيّ صلّى الله عليه وآله ، ومات في أيّام معاوية وقبره بذي خُشب (٣) ، واسمه الخرباق (٤) ، لأنّ عمران بن الحصين روى هذا الحديث ، فقال فيه : فقام الخرباق فقال : أقصرت الصلاة (٥) ؟

واُجيب بأنّ الأوزاعي قال : فقام ذو الشمالين ، فقال : أقصرت الصلاة ، [ أم نسيت يا رسول الله ] (٦) ؟ (٧)

وذو الشمالين قتل يوم بدر لا محالة (٨).

__________________

(١) الطبقات الكبرى ٤ : ٣٢٧ ، تهذيب التهذيب ١٢ : ٢٩٠ ، تهذيب الأسماء واللغات ١ : ١٨٦ ، شرح صحيح مسلم للنووي ٣ : ٢٤٥ ، الإصابة ١ : ٤٢٢.

(٢) في التذكرة : فضلة ، وفي أسد الغابة ( ٣ : ٣٣٠ ) : عبد عمرو بن نضلة الخزاعي ، وقال في مكان آخر ( ٢ : ١٤١ ) عمير بن عبد عمرو بن نضلة بن عمرو بن غبشان بن سلم بن مالك بن أقصى بن حارثة بن عمرو بن عامر.

(٣) ذو خُشبْ : محرّكة ، موضع باليمن. وخُشُبْ ، كجُنُبْ : واد باليمامة وواد بالمدينة. « القاموس المحيط ١ : ٦٢ ، معجم البلدان ٢ : ٣٧٢ ».

(٤) قيل : إنّ ذا اليدين اسمه الخرباق بن عمرو من بني سليم ، وإن ذا الشمالين اسمه عمير بن عبد عمرو ابن نضلة الخزاعي ؛ وقيل : إنّ ذا اليدين وذا الشمالين واحد ؛ وقيل غير ذلك ، وسمّي بذي اليدين لأنّه كان يعمل بيديه جميعاً ؛ وقيل : لأنّه كان في يديه طول.

راجع : تهذيب الأسماء واللغات١ : ١٨٥ ، الإصابة ١ : ٤٢٢ و ٣ : ٣٣ ، الطبقات الكبرى ٣ : ١٦٧ ، شرح صحيح مسلم للنووي ٣ : ٢٤١.

(٥) سنن ابن ماجة ١ : ٣٨٤ ح ١٢١٥ ، سنن النسائي ٣ : ٢٦ ، سنن أبي داود ١ : ٢٦٧ ح ١٠١٨.

(٦) ليس في ب.

(٧) صحيح مسلم ١ : ٤٠٤ ح ٩٩، سنن النسائي٣ : ٢٢، الموطأ ١ : ٩٤ ح ٥٩، سنن البيهقي٢ : ٣٣٥.

(٨) حكاه الشيخ في الخلاف ١٠ : ٤٠٥ ، المسألة ١٥٤.

٥٤

وروي من طريق الخاصّة أنّ ذا اليدين كان يقال له ذو الشمالين ، عن الصادق عليه السلام (١). « انتهى كلام العلاّمة » (٢). (٣)

__________________

(١) انظر : الكافي ٣ : ٣٥٧ ح ٦ ، التهذيب ٢ : ٢٤٥ ح ١٤٣٣.

(٢) تذكرة الفقهاء ١ : ١٣٠ ، مسألة : « يجب ترك الكلام بحرفين فصاعداً مما ليس بقرآن ولا دعاء ». الطبعة الحجرية.

(٣) قال السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي في كتابه أبو هريرة وخلال حديثه عن الوجوه الحاكمة بامتناع هذا الحديث ما نصّه :

أحدها : انّ مثل هذا السهو الفاحش لا يكون ممّن فرّغ للصلاة شيئاً من قلبه ، أو أقبل عليها بشيء من لبّه ، وإنّما يكون من الساهين عن صلاتهم ، اللاهين عن مناجاتهم ، وحاشا أنبياء الله من أحوال الغافلين ، وتقدّسوا عن أقوال الجاهلين ، فإنّ أنبياء الله عزّ وجلّ ولا سيّما سيّدهم وخاتمهم أفضل ممّا يظنون على انّه لم يبلغنا مثل هذا السهو عن أحد ولا أظن وقوعه إلاّ ممّن يمثل حال القائل :

اُصلّي فما أدري إذا ما ذكرتها

أثنتين صلّيت الضحى أم ثمانيا ؟

وأمّا وسيّد النبيّين ، وتقلّبه في الساجدين ، انّ مثل هذا السهو لو صدر مني لاستولى عليَّ الحياء ، وأخذني الخجل ، واستخفَّ المؤتمّون بي وبعبادتي ، ومثل هذا لا يجوز على أنبياء الله أبداً.

الثاني : انّ الحديث قد اشتمل على إنّ النبي صلّى الله عليه وآله قال : لم أنس ولم تقصر ، فكيف يمكن أن يكون قد نسي بعد هذا ؟ ولو فرضنا عدم وجوب عصمته عن مثل هذا السهو ، فإنّ عصمته عن المكابرة والتسرّع بالأقوال المخالفة للواقع ممّا لابدّ منه عند جميع المسلمين.

الثالث : انّ أبا هريرة قد اضطرب في هذا الحديث وتعارضت أقواله فتارة يقول : صلّى بنا احدى صلاتي العشي أمّا الظهر وأمّا العصر ـ على سبيل الشك ـ واُخرى يقول : صلّى بنا صلاة العصر ـ على سبيل القطع بانّها العصر ـ وثالثة يقول : بينا أنا اُصلّي مع رسول الله صلاة الظهر ـ على سبيل القطع بأنّها الظهر ـ وهذه الروايات كلّها ثابتة في صحيحي البخاري ومسلم كليهما ، وقد ارتبك فيها شارحوا الصحيحين ارتباكاً دعاهم الى التعسّف والتكلّف كما تكلّفوا وتعسّفوا في الردّ على الزهري إذ جزم بانّ ذا اليدين وذا الشمالين واحد لا اثنان ، وقد أوضحنا ذلك في كتابنا ( تحفة المحدّثين ).

الرابع : ان ما اشتمل هذا الحديث عليه من قيام النبي صلّى الله عليه وآله عن مصلاّه ووضع يده على الخشبة ، وخروج سرعان من المسجد وقولهم أقصرت الصلاة ؟ وقول ذي اليدين أنسيت أم قصرت ؟ وقوله النبي صلّى الله عليه وآله لم أنس ولم تقصر. فقاله : قد نسيت.

وقوله النبي لأصحابه : أحقٌّ ما يقول. قالوا : بلى ، نعم. وغير ذلك ممّا نقله أبو هريرة لما يمحو صورة الصلاة بتاتاً.

والمعلوم من الشريعة المقدّسة يقيناً بطلان الصلاة بكل ماح لصورتها فلا يمكن بعد هذا بناؤه

٥٥

وقال في الرسالة السعدية :

اختلف المسلمون هنا.

فذهبت طائفةٌ : إلى أنّ النبي صلّى الله عليه وآله لا يجوز عليه الخطأ

__________________

صلّى الله عليه وآله على الركعتين الأوّليّتين لانّه يناقض الحكم المقطوع بثبوته عنه صلّى الله عليه وآله فتأمّل.

إنّ ذا اليدين المذكور في الحديث إنّما هو ذو الشمالين ابن عبد عمرو حليف بني زهرة ، وقد استشهد في بدر ، نصّ على ذلك إمام بني زهرة وأعرف الناس بحلفائهم محمد بن مسلم الزهري كما في الاستيعاب والاصابة وشروح الصحيحين كافة وهذا هو الذي صرح به الثوري في أصحّ الروايتين عنه وأبو حنيفة حين تركوا العمل بهذا الحديث ، وأفتوا بخلاف مفاده ـ كما في أواخر باب السهو والسجود له من شرح النووي لصحيح مسلم ـ وحسبك حديث النسائي مما يدل على ان ذا اليدين وذا الشمالين واحد ـ واليك لفظه : قال فقال له ذو الشمالين ابن عبد عمرو : أنقصت الصلاة أم نسيت ؟ فقال النبي : ما يقول ذو اليدين فصرّح بان ذا الشمالين هو ذو اليدين.

ومثله بل أصرح منه ما أخرجه أحمد من حديث أبي هريرة عن أبي سلمة عن عبد الرحمن وأبي بكر بن سليمان بن أبي خيثمة كليهما عن أبي هريرة ، قال : صلّى رسول الله صلّى الله عليه وآله الظهر أو العصر فسلّم في ركعتين ، فقال له ذو الشمالين ابن عبد عمرو ( قال ) : وكان حليفاً لنبي زهرة أخففت الصلاة أم نسيت ؟. فقال النبي صلّى الله عليه وآله ما يقول ذو اليدين ؟ قالوا صدق ، الحديث.

وأخرج أبو موسى من طريق جعفر المستغفري كما في ترجمة عبد عمرو بن يضلة من الاصابة بالاسناد الى محمد بن كثير عن الاوزاعي عن الزهري عن كل من سعيد بن المسيب وأبي سلمة وعبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة قال : سلم رسول الله صلّى الله عليه وآله في الركعتين فقام عبد عمرو بن نضلة رجل من خزاعة حليف لبني زهرة فقال : أقصرت الصلاة أم نسيت ؟. الحديث ، وفيه قول النبي صلّى الله عليه وآله : صدق ذو الشمالين ؟

فهذه الأحاديث كلها صريحة في أن ذا اليدين المذكور في حديث أبي هريرة انّما هو ذو الشمالين ابن عبد عمرو حليف بني زهرة ، ولا ريب في ان ذا الشمالين المذكور قتل يوم بدر قبل أن يسلم أبو هريرة بأكثر من خمس سنين ، وان قاتله اسامة الجشمي ، نصّ على ذلك ابن عبد البر وسائر أهل الاخبار فكيف يمكن ان يجتمع مع أبي هريرة في الصلاة خلف رسول الله صلّى الله عليه وآله يا اولي الالباب ؟؟. ( انظر : أبو هريرة لشرف الدين : ٨٦ ـ ٩٠ ).

٥٦

والسهو.

وذهبت طائفة اُخرى : إلى جواز ذلك ؛ حتى قالوا : إنّ النبي صلّى الله عليه وآله كان يصلّي الصبح يوماً ، فقرأ مع «الحمد» ، « والنجم إذا هوى » ، إلى أن وصل إلى قوله تعالى : ( أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّىٰ * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَىٰ ) (١). ؛ قرأ : « تلك الغرانيق العلى (٢) ، منها الشفاعة ترتجى » ثم استدرك ذلك (٣).

وهذا في الحقيقة كفر.

وانّه صلّى الله عليه وآله صلّى يوماً العصر ركعتين وسلّم ـ ثمّ ذكر حديث ذي الشمالين ـ.

ثم قال العلاّمة : وهذا المذهب في غاية الرداءة.

والحقّ : الأول ، فانّه لو جاز عليه السهو والخطأ ، لجاز ذلك في جميع أقواله وأفعاله ، فلم يبق وثوق باخباراته عن الله تعالى ، ولا بالشرائع والأديان ، لجواز أن يزيد فيها وينقص سهواً ، فتنتفي فائدة البعثة.

ومن المعلوم بالضرورة : إنّ وصف النبيّ بالعصمة ، أكمل وأحسن من

__________________

(١) سورة النجم : ١٩ و ٢٠.

(٢) هكذا في اسطورة الغرانيق. وفي الرسالة السعدية : « الاُولى » بدل « العلى ».

(٣) لقد فنّد اسطورة الغرانيق هذه الكثير من العلماء ، منهم : العلاّمة السيّد مرتضى العسكري الّذي وفّق إلى بيان بطلانها واختلاقها : متناً ، وسنداً. وراجع كذلك ما كتبه العلاّمة عبد الحسين شرف الدين في كتابه القيّم « أبو هريرة ».

ومن القدماء الّذين تناولوا هذه المسألة : محمد بن إسحاق بن خُزيمة « ت ٣١١ ه‍ » حيث قال عن روايات الغرانيق : إنّها من وضع الزنادقة ، وقد صنّف فيها كتاباً.

وكذلك الشيخ أحمد بن عبد الفتّاح بن يوسف المجيري في كتابه « منهل التحقيق في مسألة الغرانيق ـ مخطوط ». انظر : الاعلام ١ : ١٥٢.

٥٧

وصفه بضدّها ، فيجب المصير إليه ، لما (١) فيه من دفع الضرر المظنون ، بل المعلوم. (٢) « انتهى كلام العلامة ».

وهو صريح في منافاة السهو في العبادة للعصمة.

ونقل المقداد في شرح نهج المسترشدين عن أصحابنا وجوب عصمة النبي والإمام عليهما السلام عن السهو في كل من الأقسام الأربعة بتبليغ الشرع والاعتقاد الديني والدنيوي (٣) ، واستدلَّ على ذلك بأدلّة ذكرها (٤).

__________________

(١) في د : إليها فيه.

(٢) الرسالة السعدية : ٧٦ ، ط النجف الأشرف.

(٣) في د : والاعتقاد الديني والدنيوي ، والفعل الديني والدنيوي.

(٤) ارشاد الطالبين إلى نهج المسترشدين : ٣٠٣.

قال العلاّمة في نهج المسترشدين : ومن هذا علم أنّه لا يجوز أن يقع منه الصغائر والكبائر ، لا عمداً ولا سهواً ولا غلطاً في التأويل.

ويجب أن يكون منزّها عن ذلك كلّه من أوّل عمره إلى آخره.

وقال الفاضل المقداد في ارشاد الطالبين في شرحه لهذه العبارة :

أقول : اعلم انّه لمّا استدل على مطلوبه أشار إلى خلاف الناس هنا ، ومحصّل الأقوال هنا أن نقول : أفعال الأنبياء لا تخلو من أقسام أربعة :

الأول : الاعتقاد الديني.

الثاني : الفعل الصادر عنهم من الأفعال الدينية.

الثالث : تبليغ الأحكام ونقل الشريعة.

الرابع : الأفعال المتعلّقة بأحوال معاشهم في الدنيا ممّا ليس بديني.

فالقسم الأول : اتّفق أكثر الناس على عصمتهم فيه خلافاً للخوارج فانّهم جوّزوا عليهم الكفر ، لاعتقادهم أنّ كلّ ذنب صدر عنهم فهو كفر ، وجوّزوا صدور الذنب عنهم ، فقد جوّزوا عليهم الكفر ، خلافاً لابن فورك حيث جوّز بعثه من كان كافراً ، لكن قال : هذا الجائز لا يقع.

وبعض الحشويّة قال بوقعه ، وبعضهم جوّز عليهم الكفر للتقيّة وهذا باطل ، لأنّه يفضي إلى اخفاء الدين بالكليّة ، لأن أولى الزمان بالتقيّة حين اظهار الدعوة ، لأن الأكثر من الناس يكون منكراً.

وأمّا القسم الثاني : فقال ما عدا الإمامية : انّه يجوز عليهم قبل البعثة فعل جميع المعاصي ، كبائر كانت أو صغائر ، واختلفوا في زمان البعثة ؛ فقالت الأشاعرة : لا يجوز عليهم الكبائر مطلقاً ، وأمّا الصغائر

٥٨

وقال شيخنا الشيخ بهاء الدين في جواب المسائل المدنيات (١) : عصمة الأنبياء والأئمّة عليهم السلام من السهو والنسيان ، ممّا انعقد عليه اجماعنا ، وخروج الشخص المعلوم النسب غير قادح في الاجماع ، وأيضاً نسبة السهو إليه في هذه المسألة أولى من نسبته إلى الأنبياء.

قال : ومراد الصدوق رحمه الله بكون سهوه من الله ، انّ سبب سهوه كتسليط النوم عليه واقع منه تعالى لمصلحة دينية أو دنيوية ، فإنّ أفعاله تعالى معلّلة بالاغراض وليس من الشيطان ، إذ لا قدرة له على تسلط النوم عليه ومراده بكون سهونا من الشيطان انّ سببه الوساوس الشيطانية ، والخواطر الملهية واقعة بفعله.

قال : والرواية المتضمّنة لنومه صلّى الله عليه وآله عن الصلاة صحيحة السند ، قد تلقّاها الأصحاب بالقبول ، حتى قال الشهيد في الذكرى : انّه لم

__________________

فتجوز سهواً.

وقالت المعتزلة : بامتناع الكبائر مطلقاً ، وأمّا الصغائر فاختلفوا فيها ، فقال بعضهم : أنّه تجوز على سبيل التأويل ، كما يقال : بانّ آدم أوّل النهي عن الشجرة بالنهي عن الشخص وكان المراد النوع ، فإنّ الاشارة قد تكون إلى النوع كقوله صلّى الله عليه وآله : « هذا وضوء لا يقبل الله تعالى الصلاة إلاّ به » ( الرسالة السعدية : ٩٥ ).

وقال بعضهم : على سبيل القصد ، لكنّها تقع محيطة لكثرة ثوابهم. والحشوية جوّزوا الإقدام على الكبائر ، ومنهم من منع تعمّدها وجوّز تعمّد الصغائر.

وأمّا القسم الثالث : فأجمع الكلّ على عدم جواز الخطأ فيه.

وأمّا القسم الرابع : فجوّز أكثر الناس السهو.

وأصحابنا حكموا بعصمتهم مطلقاً ، قبل النبوّة وبعدها عن الصغائر والكبائر عمداً وسهواً ، بل وعن السهو مطلقاً ولو في القسم الرابع ، ويدلّ عليه ما تقدّم.

(١) لم نعثر على هذه الرسالة.

٥٩

نجد (١) لها ردّاً (٢) ، فقبول من عدا الصدوق من الأصحاب لها شاهد صدق بانّهم لا يعدون (٣) ذلك سهواً والعرف يدلّ عليه (٤). « انتهى ».

وقال الشهيد في الذكرى بعد ذكر خبر ذي اليدين : وهو متروك بين الإماميّة لقيام الدليل العقلي على عصمة النبيّ صلّى الله عليه وآله عن السهو ، ولم يصر إلى ذلك غير ابن بابوية ، ونقل عن شيخه محمد بن الحسن بن الوليد انّه قال : أوّل درجة الغلو نفي السهو عن النبيّ صلّى الله عليه وآله.

وهذا حقيق بالإعراض عنه ، لأنّ الأخبار معارضة بمثلها فيرجع إلى قضية العقل ، ولو صحّ النقل لوجب تأويله على انّ اجماع الإماميّة في الأعصار السابقة على هذين الشيخين واللاّحقة لهما على نفي السهو عن النبيّ صلّى الله عليه وآله والأئمّة عليهم السلام (٥). « انتهى ».

وقال المحقّق الطوسي في التجريد : ويجب في النبي العصمة ـ إلى أن قال : ـ والذكاء والفطنة وقوة الرأي وعدم السهو وكل ما ينفر عنه. انتهى.

وقال العلاّمة الحلّي في شرحه نحو هذه العبارة ، بل أبلغ منها (٦).

وقال المفيد في شرح اعتقادات ابن بابوية كلاماً طويلاً بليغاً في أن القول بنفي السهو عن النبي صلّى الله عليه وآله والأئمّة عليهم السلام ليس في

__________________

(١) في ج : يجد.

(٢) في د : رادّاً.

(٣) في ب : يودون.

(٤) راجع الذكرى : ١٣٤ ط الحجرية.

(٥) الذكرى : ٢١٥ ط الحجرية.

(٦) كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد : ٣٤٩.

وأخرجه في البحار ١٧ : ١٠٩ عن التجريد.

٦٠