التنبيه بالمعلوم

محمد بن الحسن الحرّ العاملي [ العلامة الشيخ حرّ العاملي ]

التنبيه بالمعلوم

المؤلف:

محمد بن الحسن الحرّ العاملي [ العلامة الشيخ حرّ العاملي ]


المحقق: محمود البدري
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مكتب الإعلام الإسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-252-1
الصفحات: ٢١٥
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

مع انّهم عليهم السلام قد بيّنوا ذلك في أحاديث كثيرة عامّة وخاصّة صريحة في المعارضة ، وقد تقدّم بعضها.

التاسع : أن يكون صلّى الله عليه وآله صلّى في الواقع ركعتين نافلة ، فظنّوها فريضة ، فاقتدوا به ، فلمّا فرغ قالوا ما قالوا ، وظنّوا ما ظنّوا ، فلم يرخص له في إظهار الحال.

ثمّ قام فصلّى ركعتين اُخرى نافلة ، وكان ذلك من نافلة الظهر أو غيرها ، فلم يكلّمهم بكنه عقله ، لأنّه مأمور بأن يكلّم الناس على قدر عقولهم كما مضى ، ولدفع المفسدة فعل ما فعل ، وسجد سجدتين شكراً فظنّوا انّه سها ، وأتمّ صلاته وسجد للسهو.

ونقلها العامّة بناء على اعتقاد أهل النفاق ، ورواها الأئمّة عليهم السلام لملاحظة التقيّة ، ولا ينكر من المنافقين مثل هذا الجهل ، بل العمد فيها يقتضي سوء الظن بالنبيّ صلّى الله عليه وآله ووجوب بيان الحقّ عليه صلّى الله عليه وآله لا ينافي ما قلناه ، لأنّه قد يستلزم مفسدة ، وقد يعلم عدم قبوله ، وليس ذلك من باب التقيّة ، بل يكون مأموراً بما قال وما فعل في أقواله وأفعاله عليه السلام من هذا القبيل ما لا يعدّ ولا يحصى.

وقد روى الكليني في باب الروضة بسنده عن رسول الله صلّى الله عليه وآله انّه قال : والله لولا أن يقول الناس إنّ محمداً استعان بقوم فلمّا ظفر بعدوّه قتلهم ، لقدّمت كثيراً من أصحابي فضربت أعناقهم (١).

وقد روى العامّة والخاصّة عنه صلّى الله عليه وآله انّه قال لعلي عليه

__________________

(١) الكافي ٨ : ٣٤٥ ح ٥٤٢ ، عنه بحار الأنوار ٢٢ : ١٤١ ح ١٢٣.

١٦١

السلام : يا علي ، والله لولا انّي أخاف أن تقول فيك طوائف من اُمّتي ما قالت النصارى في المسيح ، لقلت فيك اليوم قولاً لا تمرّ بملأ إلاّ أخذوا التراب من تحت قدميك يتبرّكون به (١) ومثل ذلك كثير جداً.

العاشر : أن تكون الركعتان الأخيرتان لم تكن واجبة على النبيّ صلّى الله عليه وآله أصلاً ، فإنّه هو الّذي زادها وأوجبها على الاُمّة ، فأجاز الله له ذلك كما مرّ ، ويحتمل كونها غير واجبة عليه ، ويكون ذلك من خواصّه ، وإن لم ينقل إلينا تصريح بذلك ، فليس كلّ خواصّه قد نقلت.

وإذا لم تكن الأخيرتان واجبة عليه ، فلا يبعد في تركهما عمداً ، ثمّ الإتيان بهما لأجل الحكمة والمصلحة السابقة وغيرها.

الحادي عشر : أن يكون حديث ذي الشمالين لا أصل له ، ويكون من مخترعات العامّة وممّا نسبوه إلى الرسول صلّى الله عليه وآله بغير أصل ، وتكون رواية الأئمّة عليهم السلام له ، ونقلهم ايّاه لأجل تعليم الشيعة الاحتجاج به على العامّة فيما تضمّنه من الأحكام الشريعة الّتي خالف فيها كثير منهم ، والاحتجاج على العامّة بما يعتقدونه حجّة من أحاديثهم الموضوعة ، وأكاذيبهم المخترعة ، قد وقع من الأئمة عليهم السلام ومن خواصّ أصحابهم على وجه الإلتزام (٢) والمعارضة في أحاديث كثيرة جداً ، ولا يأبي هذا الوجه من أحاديث السهو شيء ، فقد أشاروا عليهم السلام لأصحابهم إشارات بمثل ذلك ، بل صرّحوا في بعض الروايات ،

__________________

(١) الكافي ٨ : ٥٧ ح ١٨ ، تفسير البرهان للبحراني ٤ : ١٥٠ ـ ١٥١ ، نور الثقلين ٤ : ٦٠٩.

(٢) في ج : الإلزام.

١٦٢

فإن كان ذلك بعيداً في بعض أحاديث السهو فلعلّه من باب الرواية بالمعنى.

واعلم انّي كنت أنكر على بعض علمائنا في كتب الاستدلال أنّهم يستدلّون على ما يختارونه أوّلاً ببعض الاستنباطات الظنّيّة حتى بالقياس ، ثمّ يقولون ويؤيّده صحيحة زرارة مثلاً ، وربّما يستدلّون أوّلاً بما رواه العامّة عن عائشة وعمر وأبي هريرة وأمثالهم ، ثمّ بأحاديث الخاصّة ويوردونها على وجه التأييد ، ومعلوم انّه ينبغي أن يكون الأمر بالعكس ، ثمّ تفطّنت انّ فعلهم هذا لأجل الاحتجاج على العامّة لأنّهم يقولون أقوالهم وأقوال الشيعة ، ثمّ يختارون قولاً ويحتجّون عليه.

ثمّ وجدت للسيّد المرتضى رضي‌الله‌عنه تصريحاً بمثل ذلك في بعض رسائله ، فقال ما ملخّصه : إنّا نستدلّ في الظاهر بطريقة العامّة ، وربّما نستدلّ بأحاديثهم ، وإنّما دليلنا في الواقع ، ونفس الأمر هو إجماع الطائفة المحقّة.

أقول : ومراده كما يفهم من مواضع من كلامه بالإجماع هنا أعمّ من الاجماع على الفتوى بحيث لا يخالف أحد منهم ، والإجماع على النقل بأن يرووا الحديث في بعض الاُصول الأربعة الّتي أجمعوا على صحّتها وثبوتها عنهم عليهم السلام ، وقد سرى الوهم من هنا إلى بعض المتأخّرين فظنّوا إنّ استدلالهم بتلك الاستنباطات الظنّيّة واقعي تحقيقي ، مع أنّ الشيخ في كتاب العدّة (١) والسيّد المرتضى في مواضع من كلامه وغيرهما من المحقّقين

__________________

(١) عدّة الاُصول ١ : ٢٧٦.

١٦٣

يصرّحون بخلافه.

الثاني عشر : أن يكون حديث ذي الشمالين وأحاديث السهو من المتشابهات التي تعارضها المحكمات ، ويكون لها معنى آخر لم نطّلع عليه ولم يخطر لنا ببال ، فإنّ كثيراً من المتشابهات بهذه الصورة ، ويجب علينا التوقّف فيها وردّ أمرها إلى الله وإليهم عليهم السلام ، وإنّما نذكر ما نذكر على وجه الاحتمال وبذل الجهد في ردّ المتشابه إلى المحكم بحسب الإمكان كما أمرنا به الأئمّة عليهم السلام.

ومن المعلوم أنّه مع وجود المعارضات الكثيرة الّتي تقدّم بعضها ، وأشرنا إلى باقيها ، وترتّب المفاسد الكثيرة كما مرّ لا سبيل إلى حمل أحاديث السهو على ظاهرها ، والجزم بإمكان السهو من المعصوم ووقوعه منه ، والتطرّق إلى سوء الظنّ بأقواله وأفعاله ، معاذ الله من أن نشكّ في ذلك.

١٦٤

الفصل الحادي عشر

في الجواب عن استدلال ابن بابويه في الكلام السابق ، وعن أحاديث السهو بالتفصيل

وقد صار ذلك واضحاً ، لكنّا نزيده توضيحاً فنقول :

أمّا الخبر الّذي أورده عن سعيد الأعرج فلا يفهم وقوع سهو حقيقي واقعي من الرسول صلّى الله عليه وآله ، بل يظهر منه إنّ تلك الواقعة لم تكن من قسم السهو الواقع منه ، بل هي من الله ، وحينئذٍ فهو دالّ على مطلبنا ، لا على مطلبكم ، لأن فيه تنزيهاً للرسول عن السهو ، ونسبته إلى الله ، ومعلوم انّ وقوع هذا الفعل من الله ؛ أمّا أن يكون بطريق الأمر به ، أو الجبر عليه ( وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ) (١).

وعلى كلّ حال لا سهو ، وكذلك النوم ، بل ذكر لفظ أنام رسوله أوّلاً ، ثمّ لفظ أسهاه ثانياً يدلّ على إنّ الحكم في المقامين واحد ، وانّه لا اختيار له في

__________________

(١) سورة مريم : ٦٤.

١٦٥

شيء منهما ، ولا فعل فعلاً حقيقيّاً ، وهذه قرينة قويّة جداً.

وأمّا نسبة إنكار السهو المذكور إلى الغلاة والمفوّضة ، فلا يدلّ على بطلانه ، فقد عرفت أنّه لا يختصّ بهم لذهاب عظماء علماء الإماميّة إليه ، ولعلّ الغلاة والمفوّضة يذكرون وقوع هذه الصورة بالكلّيّة.

أمّا الغلاة فلاعتقادهم أنّه لا يقدر أحد على منع الرسول صلّى الله عليه وآله والأئمّة عليهم السلام من شيء ، ولا يأمرهم أحد بشيء.

وأمّا المفوّضة فبعضهم يقولون : إنّ الله فوض أمر الخلق والرزق إلى النبيّ والأئمّة عليهم السلام ، وبعضهم يقولون : إنّ للعبد قدرة لا يقدر الله أن يسلبه إيّاها ، ولا يمنعه من شيء من أفعاله وحينئذٍ يستقيم الردّ عليهم بهذه الواقعة ، لأنّها على تقدير تسليمها ، أمّا أمر من الله ، أو جبر منه ، وهو ينافي اعتقاد الفريقين ، وإذا حمل على السهو المجازي الظاهري استقام كلام ابن بابويه أيضاً ، وصار النزاع لفظياً في مجرّد التسمية بالسهو ، فإنّه لا يظهر من كلامه تجويز سهو حقيقي أصلاً ، وهذا توجيه غير بعيد.

وأمّا الفرق بين العبادة المشتركة والتبليغ الّذي هو عبادة مختصّة ، فممّا لا يوافقه عليه أحد ، وأكثر الناس لا يفهمون الفرق ، بل كلّ من ثبت عنده سهوه عليه السلام يتطرّق إلى تجويزه في التبليغ.

وأمّا على التفسير الّذي فسّرنا به كلامه ، فيستقيم في ذلك ، لأنّ (١) فرض الجبر على تبليغ الباطل ، والأمر به محال قطعاً ظاهر البطلان ، مناف للكحمة ، ناقض الغرض.

__________________

(١) في ب : إلى أنّ.

١٦٦

وأمّا قوله : إنّ سهوه من الله ، وسهو غيره من الشيطان ، فهو يقرّب ما قلناه ، لأن نسبة السهو هنا إلى الله والى الرسول لابدّ فيها من ارتكاب تجويز ، بأن يكون أحدهما فاعلاً حقيقياً ، والآخر مجازياً ، فإن كان الفاعل الحقيقي هو الرسول صلّى الله عليه وآله من غير أمر من الله ، فلا فرق بين سهونا وسهوه ، إلاّ بأنّ سهوه من نفسه من غير مدخلية الشيطان ، وتبطل النسبة إلى الله حينئذٍ لأنّ معناها على هذا التقدير التخلية والتمكين وعدم المنع ، وذلك حاصل في سهونا أيضاً ، فانتفت المزيّة بالكليّة ، وبطل الفرق كما لا يخفى ، لأنّ ما ذكر غير صالح للفرق ، ولا موجب لنسبة الفعل إلى الله حقيقة ، بل يوجب أن يكون النبيّ أسوء حالاً منّا في السهو ، لأنّ لنا عذرين ، وله عذر واحد.

وإن كان الفاعل الحقيقي هو الله ؛ أمّا بالخبر الخاص على تقدير تسليمه ، أو بالأمر له بما فعله ، ففيه تصريح بنفي السهو عن المعصوم ، وهو عين المدّعي ، وإنّما نفينا عنه السهو الحقيقي ، ولا حرج في إطلاق المجازي ، مع انّ الأولى ترك إطلاقه أيضاً في غير الضرورة ، كرواية هذه الأخبار وتأويلها.

هذا ولا يخفى إنّ الحمل على وقوع الأمر يستلزم الإسناد المجازي أيضاً ، ولا تصوّر فيه ، وقرينة قول ابن بابويه : إنّ سهوه من الله وسهونا من الشيطان.

ومعلوم إنّ الشيطان لا يجبر الإنسان على السهو ولا على غيره ، بل يأمره بما يريد ويوسوس إليه به ، لكن النسبة إلى الله مع أمره به أقرب من النسبة إليه مع التخلية بمراتب ، وإلاّ جاز إسناد جميع أفعال المعصوم وغيره إلى الله تعالى.

وأمّا ما نقله عن محمد بن الحسن بن الوليد ، فقبوله للتوجيه الّذي قلناه ،

١٦٧

والمحمل الصحيح الّذي ذكرناه أوضح ، وكذلك دليلهما ، فتزول المخافة.

وأمّا الكتاب الّذي وعد بتأليفه فلم يصل إلينا ، فإن كان صرّح فيه بتجويز السهو الحقيقي أو وقوعه ، بطل حمل كلامه على المحمل الصحيح ، ولم يبطل حمل الأخبار عليه لوجود معارضاتها ، وكثرة اجمالاتها (١).

وأمّا حديث (٢) أبي بكر الحضرمي ففيه مع الإغماض عن سنده أنّه نسب السهو إلى الرسول صلّى الله عليه وآله ، فينافي إجماع الفريقين ، لأنّ من جوّز السهو عليه قال : انّه من الله ، فلابد له من تأويله بالحمل على المجاز ، أو الاعتراف ببطلان الفرق الّذي ذكره ، والقول بالمساواة بين سهونا وسهوه.

وأمّا حديث الحارث فليس فيه تصريح بالسهو أصلاً ، بل ظاهره العمد لإطلاق اسناد الفعل ، وهو يتمّ على جملة من الوجوه السابقة.

وأمّا حديث الحسن بن صدقة ففيه مع ضعف سنده جداً أنّه تضمّن منه الفعل إلى الرسول صلّى الله عليه وآله من غير تصريح [ بالسهو ، ثمّ نسب الفعل الى إرادة الله من غير تصريح به أيضاً ] (٣) ، وظاهر الحال كون الإسنادين على وجه الحقيقة ، وهو لا يتمّ كما مرّ فالأقرب أن يكون الفعل من الرسول صلّى الله عليه وآله عمداً ، والأمر بذلك من الله كما تقدّم.

وحديث سعيد الأعرج قد عرفت حاله ، وهذه الرواية أخفّ إشكالاً من السابقة ، ولفظ أسهاه يمكن حمله على الترك من غير بعد بأن يكون أمره به.

__________________

(١) في ب : اجمالاتنا.

(٢) في د : وأحاديث.

(٣) ليس في ب.

١٦٨

وأما حديث جميل فلا تصريح فيه بشيء ، وانّما قال : فذكر حديث ذي الشمالين ، ووجهه ما تقدّم في مثله ، بل أقرب الوجوه ممّا مضى ، ويأتي ممكن فيه.

وأمّا حديث أبي بصير ففيه مع (١) الاغماض عن سنده ، وفساد مذهب راويه ، ومذهب غيره من الرواة انّه لم يصرّح بالسهو ولا فيه إشعار به.

وأمّا حديث سماعة فسنده كذلك ، ويستقيم في متنه أكثر ما مرّ من الوجوه إن لم يكن كلّها ، مع أنّ قوله : من حفظ سهوه فأتمّه ، ثمّ إيراده حديث ذي الشمالين يدلّ على انّ رسول الله صلّى الله عليه وآله كان حافظاً لعدد صلاته وأتمّها ، فليس عليه سجدتا السهو وحينئذٍ لم يكن منه سهو حقيقي ، بل هو مجازي بقرينة قوله : حفظ ، وقرينة ما تقدّم من المعارضات العقليّة والنقليّة على انّه ينافي كثيراً من أحاديث السهو الّتي تضمّنت انّه صلّى الله عليه وآله سجد للسهو ، وهذا التناقض يضعف الاحتجاج بها ، بل أوّله يناقض آخره.

والتعليل الّذي تضمّنه قوله : فإنّ ... الخ ، لا يخفى ما فيه من المنافرة لأوّله ، والإجمال والاشكال من امارات التقيّة ، وقد تقدّم حديث عبد الله بن بكير المتضمّن لنفي سجود السهو عنه عليه السلام ، وانّه ما سجدهما قط ، ولا يسجدهما فقيه ، أي حافظ لعدد صلاته ، متيقّظ من الفقه ـ أي الفهم ـ أو فقيه كامل الفقه والعلم ـ أعني المعصوم كما حمله عليه بعض المحقّقين ـ.

وأمّا حديث زيد بن علي فهو أضعف سنداً ودلالة لمخالفته للإجماع

__________________

(١) في ب : من.

١٦٩

وشذوذه ، وعدم عمل أحد بمضمونه ، وعدم موافقته لاعتقاد علي عليه السلام وأكثر شيعته بل كلّهم ، ولاختصاص رواة (١) الزيدية بنقله ، ولاشتماله على لفظ المرغمتين ، وانّما سمّيت سجدتا السهو بهما لأنّهما ترغمان أنف الشيطان.

وإذا كان سهوه عليه السلام على تقدير تسليمه من الله لا من الشيطان ، لا يجوز إطلاق هذا اللفظ سلّمنا ، لكن ؛ من أين ثبت إنّ بعض القوم أصاب ، وإنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله أخطأ ؟ بل يجب الجزم بالعكس ، وإلاّ لكان أمير المؤمنين عليه السلام أحقّ باستدراك ذلك من كلّ أحد ، فتكون صلاتهم في الواقع تامّة ، والسجود المذكور محمولاً على بعض الوجوه السابقة ، والمرغمتان إرغاماً للمنافقين الّذين أرادوا إبطال صلاته وإعادتها.

وأمّا حديث زيد الشحّام فوجهه ما تقدّم مع ضعف سنده جداً.

وأمّا حديث العزرمي فقد عرفت عبارة الشيخ فيه ، وفيها كفاية.

ويزيده وضوحاً : الأوجه السابقة من التقيّة وغيرها ، وأقوى من جميع ذلك ، الحمل على كذب المنادي وغلطه ، فهو أحقّ بالسهو والغلط ، بل الافتراء وتعمّد الكذب ، فلعلّه كان من بعض الأعداء والمنافقين الّذين يريدون تغطية قبائح المتقدّمين (٢) ، فقد نقلوا ذلك عن الثاني.

وأمّا حديث أبي بصير فليس فيه تصريح بوقوع سهو أصلاً ، بل نقله لذلك بلفظ قيل ، يدلّ على عدم صحّته ، وإلاّ لحكم به أوّلاً.

وأوضح من ذلك قوله : ما كان عليك لو سكت ولو كان صادقاً لما قال له

__________________

(١) في ب : برواية.

(٢) في هامش ب : الخلفاء الثلاثة الغاصبة للخلافة لعنهم الله. « منه رحمه الله ».

١٧٠

ذلك ، لأنّه كان عليه استحقاق العقاب لو كان القول واجباً ، وفوت الثواب إن كان راجحاً ، ولا يكاد يتصوّر المساواة والمرجوحية ، لأنّه من المعاونة على البرّ والتقوى ، ونصيحة المؤمن للمؤمن.

وأمّا حديث سماعة ، فلا إشكال فيه ، فليس ذلك بفعل اختياري ، ولو لم يرد (١) التصريح بذلك لمنعناه ، أو حملناه على ما قلناه لما تقدّم من انّه تنام عينيه ولا ينام قلبه ، ولكن النادر لا ينافي ذلك النص لما يأتي.

وأمّا حديث سعيد الأعرج فلا اشكال فيه أيضاً ، لأنّه صريح في انّ الله جبره على ذلك ، والزمه به ، وجعل نومه غالباً ، ولم يقع منه صلّى الله عليه وآله تقصير ولا شيء ، ولا ينافي العصمة ، وفيه ردّ على الغلاة والمفوّضة معاً كما مرّ ، وفيه أيضاً اشارة إلى أنّ السهو على تقدير وقوعه كان كذلك ، لكن الأقرب هناك الحمل على الأمر دون الجبر.

وأمّا حديث عبد السلام بن صالح ففيه مع ضعف سنده جداً أنّه لا ينافي ما قلنا ، بل يؤيّده لانّه لم يقل يقع منه سهو ، بل قال يقع عليه السهو ، فدلّ على أنّه مجبور أو مأمور.

والظاهر أنّهم كانوا ينكرون وقوع هذه القضيّة بالكلّيّة ، ويعدونها محالاً لاعتقادهم الغلو والتفويض ، فلا يجوّزون ذلك على وجه الحقيقة ولا المجاز ولا الأمر والمنع والإكراه ، فورد الردّ عليهم وتكذيبهم ، ولا أقل من الاحتمال المانع من الاستدلال.

__________________

(١) في ج : يروي.

١٧١

وقد ورد في الخصال عن أبي جعفر عليه السلام إنّ أمير المؤمنين عليه السلام علّم أصحابه في مجلس واحد أربعمائة كلمة ممّا يصلح للمسلم في دينه ودنياه.

فمن ذلك أنّه قال : إيّاكم والغلو فينا ، قولوا إنّا عبيد مربوبون ، [ وكذا قوله : ] (١) وقولوا (٢) في فضلنا ما شئتم (٣).

ويفهم من هذا الحديث : إنّ نفي السهو عن المعصوم ليس من الغلو ، وإنّما الغلو نفي الحقيقي والمجازي معاً لمنافاته للعبودية.

وروى الطبرسي في الاحتجاج في احتجاج الرضا عليه السلام على الغلاة والمفوّضة قال : لا تتجاوزوا بنا العبودية ، ثمّ قولوا فينا ما شئتم ، ولن تبلغوا (٤).

وأمّا الحديثان الأخيران فقد عرفت الوجه فيهما ، والله تعالى أعلم.

__________________

(١) ليس في ج.

(٢) في د : وقوله.

(٣) الخصال : ٦١١ ح١٠، عنه بحار الأنوار ١٠ : ٨٩ ـ ١١٦ ح١، وج٢٥ : ٢٧٠ ح١٥، وج٧٠ : ٣٦ ح ٣٠ ، وج ٧٥ : ٣٩٥ ح ١١.

(٤) الاحتجاج ٢ : ٤٣٨ ، عنه بحار الأنوار ٢٥ : ٢٧٣ ح ٢٠.

وقال العلاّمة المجلسي في البحار ما نصّه : اعلم أن أصل هذا الخبر في غاية الوثاقة والاعتبار على طريقة القدماء ، وإن لم يكن صحيحاً بزعم المتأخّرين ، واعتمد عليه الكليني وذكر أكثر أجزائه متفرقة في أبواب الكافي ، وكذا في غيره من أكابر المحدّثين.

١٧٢

الفصل الثاني عشر

في ذكر بعض النظائر والأشباه لأحاديث السهو الّتي يجب تأويلها ، ولا يجوز إبقائها على ظاهرها

وذلك كثير جداً ، ولنقتصر من هذا القسم على اثني عشر :

الأوّل : ما رواه الشيخ أبو جعفر ابن بابويه في كتاب من لا يحضره الفقيه في باب ما يصلّى فيه قال :

قال الصادق عليه السلام في قول الله عزّ وجلّ لموسى عليه السلام ( فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ المُقَدَّسِ طُوًى ) (١) قال : كانتا من جلد حمار ميّت (٢).

وقد روى ابن بابويه في كتاب كمال الدين (٣) والشيخ الطبرسي في كتاب الاحتجاج (٤) وغيرهما (٥) عن سعد بن عبد الله ، عن صاحب الزمان عليه السلام

__________________

(١) سورة طه : ١٢.

(٢) من لا يحضره الفقيه ١ : ٢٤٨.

(٣) كمال الدين ٢ : ٤٦٠.

(٤) الاحتجاج ٢ : ٤٦٣.

(٥) بحار الأنوار ١٣ : ٦٥ ح ٤.

١٧٣

ما هو صريح في إنكار هذه الرواية ، وإنّ موسى عليه السلام أجلّ قدراً من أن يجهل ذلك ، أو يخفى عليه مثله ، وبالغ عليه السلام في ردّها وإبطالها وقال : من قال ذلك ، فقد افترى على موسى واستجهله في نبوّته ، ثمّ ذكر انّ معنى : ( فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ ) ؛ أي اخلع من قلبك حبّ أهلك. الحديث.

فانظر إلى أنّهم عليهم السلام تارة كانوا يروون ما يوافق التقيّة ، وينقلون عن الأنبياء خلاف الواقع ، لأجل موافقة العامّة ، ورعاية المصلحة ، ودفع المفسدة ، ويفسّرون القرآن بذلك ، لأجل ما ذكر فلا ينكر روايتهم لحديث السهو ، وإن لم يكن واقعاً على وجه الحقيقة لما فيه من الحكم والمصالح السابقة.

الثاني : ما رواه الشيخ الجليل الثقة علي بن إبراهيم بن هاشم القمّي في تفسيره من قصة هاروت وماروت نقلاً عن الأئمّة عليهم السلام انّهم رووها كما يرويها العامّة ، والقصّة طويلة موجودة هناك (١).

وقد أنكرها الامام الحسن العسكري عليه السلام كما رواه رئيس المحدّثين أبو جعفر بن بابويه في كتاب عيون الأخبار (٢) في باب ما جاء عن الرضا عليه السلام في هاروت وماروت ، قال : حدّثنا محمد بن القاسم المفسّر ، عن يوسف بن محمد بن زياد ؛ وعلي بن محمد بن سيّار ، عن أبويهما ، عن الحسن بن علي ، عن أبيه ، عن آبائه عليهم السلام في قوله تعالى : ( وَمَا أُنزِلَ عَلَى المَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ ) (٣) ـ إلى ان قال : ـ وكان بعد نوح عليه

__________________

(١) تفسير القمّي ١ : ٥٦ ـ ٥٧.

(٢) عيون أخبار الرضا عليه السلام ١ : ٢٦٩.

(٣) سورة البقرة : ١٠٢.

١٧٤

السلام قد كثر السحرة والمموّهون (١) ، فبعث الله ملكين إلى نبي ذلك الزمان بذكر ما يسحر به السحرة وما يبطل به سحرهم ، ويردّ به كيدهم ، فتلقّاه النبي عن الملكين وأدّاه إلى عباد الله بأمر الله ، وأمرهم أن يقفوا به على السحر ، وأن يبطلوه ، ونهاهم أن يسحروا به الناس ، وهذا كما يدلّ على السمّ ما هو [ وعلى ما يدفع به غائلة السمّ ] (٢) ، ثمّ قال عزّ وجلّ : ( وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ ) (٣).

يعني : إنّ ذلك النبيّ عليه السلام أمر ملكين أن يظهرا للناس بصورة بشرين ، ويعلّماهم ما علّمهم الله من ذلك ، وذكر الحديث ـ إلى أن قال : ـ يوسف ابن محمد بن زياد ؛ وعلي بن محمد بن سيّار ، فقلنا للحسن أبي القاسم (٤) عليه السلام : فإنّ عندنا قوماً يزعمون إنّ هاروت وماروت ملكان اختارتهما (٥) الملائكة لما كثر عصيان بني آدم ، [ وأنزلهما مع ثالث لهما ] (٦) ، وأنّهما افتتنا بالزهرة ، وأراد الزنا بها ، وشربا الخمر ، وقتلا النفس المحرّمة ، وإن الله عزّ وجلّ يعذّبهما ببابل ، وإنّ السحرة منها يتعلّمون السحر ، وإنّ الله مسخ تلك المرأة هذا الكوكب الّذي هو الزهرة.

فقال الإمام عليه السلام : معاذ الله من ذلك ، إن ملائكة الله معصومون محفوظون من الكفر والقبائح بالطاف الله تعالى ، قال الله عزّ وجلّ : ( لاَّ يَعْصُونَ

__________________

(١) في هامش ج : التمويه : التدليس. « منه رحمه الله ».

(٢) من المصدر.

(٣) سورة البقرة : ١٠٢.

(٤) كذا في « ب ، ج » ، وفي « د » والمصدر : القائم.

(٥) كذا في النسخ ، وفي المصدر : اختارهما الله من.

(٦) من المصدر.

١٧٥

اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) (١).

وقال تعالى : ( [ وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ] (٢) وَمَنْ عِندَهُ ـ يعني الملائكة ـ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ ) (٣) وذكر آيات اُخر ، ثمّ قال عليه السلام : لو كان كما يقولون ، كان الله قد جعل هؤلاء الملائكة خلفاء على الأرض ، وكانوا كالأنبياء في الدنيا أو كالأئمّة ، فيكون من الأنبياء والأئمّة قتل النفس والزنا ؟

ثمّ [ قال عليه السلام ] (٤) : أو لست تعلم إنّ الله لم يخل الأرض من نبيّ أو إمام من البشر أوليس الله يقول : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ [ مِن رَّسُولٍ ] (٥) ) (٦) يعني إلى الخلق ( إِلاَّ رِجَالاً ) (٧) ، فأخبر انّه لم يبعث الملائكة إلى الأرض ليكونوا أئمّة وحكّاماً ، وإنّما اُرسلوا إلى أنبياء الله. الحديث.

أقول : فظهر انّ رواية علي بن إبراهيم محمولة على التقيّة ، وموافقة للعامّة لدفع الضرر كما يقتضيه الحال ، وهو نظير وقريب لحديث السهو.

الثالث : ما رواه ابن بابويه في عيون الأخبار (٨) من جملة الأحاديث الدالّة على مدح زيد بن علي وأصحابه في باب مفرد ، قال : حدّثنا علي بن

__________________

(١) سورة التحريم : ٦.

(٢ و ٥) من المصدر.

(٣) سورة الأنبياء : ١٩.

(٤) ليس في ب.

(٦) سورة الأنبياء : ٢٥ ، الحج : ٥٢.

(٧) سورة يوسف : ١٠٩ ، ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِم ... ).

(٨) عيون أخبار الرضا عليه السلام ١ : ٢٥١.

١٧٦

أحمد بن محمد بن عمران (١) الدقّاق ، قال : حدّثنا علي بن الحسين القاضي ، قال : حدّثنا الحسن (٢) بن علي الناصري ، عن أحمد بن رشيد ، عن عمّه أبي معمّر [ سعيد ] (٣) بن خيثم ، عن أخيه معمّر ، عن الصادق عليه السلام ، عن آبائه ، عن علي عليه السلام قال : يخرج من ولدي رجل يقال له زيد يُقتل بالكوفة ، ويصلب بالكناسة (٤) ، يخرج من قبره حين ينشر ، تفتح لروحه أبواب السماء ، ويبتهج به أهل السمارات [ والأرض ] (٥) ، تجعل روحه في حوصلة طير أخضر ، ليسرح في الجنّة حيث يشاء.

أقول : هذا محمول على التقيّة في الرواية ، كما جوّزناه في أحاديث السهو.

لما رواه الكليني في باب أرواح المؤمنين عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه عن ابن محبوب ، عن أبي ولاّد الحنّاط ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قلت له : جعلت فداك يروون أرواح المؤمنين في حواصل طيور خضر حول العرش فقال : لا ، المؤمن أكرم على الله من أن يجعل روحه في حوصلة طير ، ولكن في أبدان كأبدانهم (٦).

وفي الباب المذكور وغيره عدّة أحاديث بهذا المعنى.

الرابع : ما رواه الشيخ في الاستبصار في باب وجوب المسح

__________________

(١) في ج : عمروان. والظاهر انّه تصحيف.

(٢) في ب : الحسين.

(٣) ليس في ب.

(٤) في ج : الكناسية.

(٥) من المصدر.

(٦) الكافي ٣ : ٢٤٤ ح ١ و ٢٤٥ ح ٦ و ٧.

١٧٧

على الرجلين ، بإسناده عن محمد بن الحسن الصفّار ، عن عبد الله بن منبّه ، عن الحسين بن علوان ، عن عمرو بن خالد ، عن زيد بن علي ، عن آبائه ، عن علي عليه السلام ، قال : جلست أتوضّأ فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : تمضمض واستنشق واستن (١) ثمّ غسلت وجهي ثلاثاً ، فقال : يا علي ، قد تجزيك [ من ذلك ] (٢) المرّتان ، قال : فغسلت ذراعي ، ومسحت برأسي مرّتين ، فقال : قد يجزيك من ذلك المرّة ، وغسلت قدمي ، فقال لي : يا علي ، خلّل بين الأصابع لا تخلّل بالنار (٣).

قال الشيخ : هذا خبر موافق للعامّة ، وقد ورد مورد التقيّة ، لانّ المعلوم الذي لا يتخالج فيه الشكّ من مذاهب أئمّتنا عليهم السلام القول بالمسح على الرجلين ، وذلك أشهر من أن يدخل فيه شكّ أو ارتياب. انتهى.

أقول : فانظر إلى انّه حمله على التقيّة مع عدم جوازها على الرسول صلّى الله عليه وآله عند الشيخ ، لا عند غيره من الشيعة إلاّ النادر ، ولا عند أحد من المسلمين ، ولا وجه لها إلاّ أن يكون أمير المؤمنين والحسين وعلي بن الحسين عليهم السلام قد رووا تلك الرواية كما يرويها العامّة للتقيّة ، فكذلك أحاديث السهو من باب التقيّة في الرواية.

الخامس : ما رواه الشيخ أيضاً في الاستبصار في باب أكثر أيّام النفاس بإسناده عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة ، عن العلاء ، عن محمد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن النفساء كم تقعد ؟

__________________

(١) استن : استنان : استعمال السواك.

(٢) من المصدر.

(٣) الاستبصار ١ : ٦٥ ح ٨.

١٧٨

فقال : إنّ أسماء بنت عميس أمرها رسول الله صلّى الله عليه وآله أن تغتسل لثمان عشر ، ولا بأس بان تستظهر ليوم أو يومين (١).

أقول : ذكر الشيخ لهذا الحديث وأمثاله ثلاثة أوجه من وجوه الجمع بينها وبين ما عارضها. أحدها : الحمل على ضرب من التقيّة ، لأنها موافقة لمذاهب العامّة. انتهى.

وإذا جاز حمل الحديث الصحيح المنقول من كتب الحسين بن سعيد ، عن الثقات الأثبات ، عن محمد بن مسلم الّذي أجمعت الطائفة على تصحيح ما يصحّ عنه على التقيّة مع عدم جوازها على الرسول صلّى الله عليه وآله فأحاديث السهو أولى بالحمل على التقيّة لمعارضته الأدلّة العقليّة والنقليّة كما عرفت.

السادس : ما رواه الشيخ في الاستبصار أيضاً في باب حكم من أصبح جنباً في شهر رمضان بعد ذكر أحاديث كثيرة في عدم الجواز بإسناده عن سعد بن عبد الله ، عن محمد بن الحسين ؛ ومحمد بن علي ، عن محمد بن عيسى ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن حمّاد بن عثمان ، عن حبيب الخثعمي ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : كان رسول الله صلّى الله عليه وآله يصلّي صلاة الليل في شهر رمضان ، ثمّ يجنب ، ثمّ يؤخّر الغسل متعمّداً حتى يطلع الفجر (٢).

قال الشيخ بعد ذكر حديث آخر مثله : الوجه في هذين الخبرين أن

__________________

(١) الاستبصار ١ : ١٥٥ ح ٢.

(٢) الاستبصار ٢ : ٩ ح ٣ و ٤ ، وص ٨٨ ح ٦.

١٧٩

نحملهما على ضرب من التقيّة وعلى ما بيّناه ، لانّه (١) رواية العامّة عن النبيّ صلّى الله عليه وآله ، ويحتمل أنّه أخّر الغسل عمداّ لعذر من برد أو غيره. انتهى.

والكلام فيه كالّذي قبله ، بل هذا أوضح في تجويزه وقوع التقيّة في الرواية ولا يخفى انّه يمكن حمل الفجر على الفجر الأوّل وهو قريب جدّاً.

السابع : ما رواه أيضاً في الاستبصار في باب تحليل المتعة بعد ذكر أحاديث كثيرة في الإباحة ، بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى ، عن أبي الجوزاء ، عن الحسين بن علوان ، عن عمرو بن خالد ، عن زيد بن علي ، عن آبائه ، عن على عليه السلام قال : حرّم رسول الله صلّى الله عليه وآله لحوم حمر الأهلية ونكاح المتعة (٢).

قال الشيخ : الوجه في هذه الرواية أن نحملها على التقيّة لأنّها موافقة لمذهب العامّة والأخبار الاُولى موافقة لظاهر الكتاب ، وإجماع الطائفة المحقّة (٣). انتهى.

وجميع ما قاله متّجه في أحاديث السهو لما عرفت.

الثامن : ما رواه أيضاً في الاستبصار في باب حكم لحم الحمار الأهلية

__________________

(١) كذا في النسخ ، وفي المصدر : لأنّ ذلك.

(٢) الاستبصار ٣ : ١٢٤ ح ٥.

(٣) في هامش ج : العجب انّ الشيخ زين الدين في شرح اللمعة ذكر أنّ أخبارنا دالّة على اباحة المتعة ولا معارض لها أصلاً وتعجّب من ذلك. وفيه غفلة عن هذا المعارض وغيره. « منه رحمه الله ».

١٨٠