التنبيه بالمعلوم

محمد بن الحسن الحرّ العاملي [ العلامة الشيخ حرّ العاملي ]

التنبيه بالمعلوم

المؤلف:

محمد بن الحسن الحرّ العاملي [ العلامة الشيخ حرّ العاملي ]


المحقق: محمود البدري
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مكتب الإعلام الإسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-252-1
الصفحات: ٢١٥
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

الفصل التاسع

في بيان اضطراب حديث السهو وضعفه وعدم جواز التعويل عليه وحمله على ظاهره ، مضافاً إلى ما تقدّم

وهذا الفصل كلّه من كلام الشيخ المفيد في الرسالة التي نقلنا صدرها سابقاً ، وننقل ما فيها بتمامه هنا ، وهي مشتملة على فصول كما هي عادته في كثير من رسائله.

قال الشيخ الأجل المفيد رحمه الله بعدما نقلناه سابقاً ما هذا لفظه :

فصل (١)

على انّهم [ قد ] (٢) اختلفوا في الصلاة التي زعموا انّه عليه السلام سها فيها ، فقال بعضهم : هي (٣) الظهر. وقال بعضهم : هي العصر. وقال بعضهم :

__________________

(١) سقط هذا الفصل من « ب » ، وأثبتناه من « ج ، د ».

(٢) ليس في ج.

(٣) في د : في ، وكذا في المورد الآتي.

١٤١

هي عشاء الآخرة.

وهذا الاختلاف دليل على وهن الحديث ، وحجّة في سقوطه ، ووجوب ترك العمل به وإطراحه.

فصل

على إنّ في الخبر ما يدّل على اختلافه (١) ، وهو ما رووه من انّ ذا اليدين قال للنبي صلّى الله عليه وآله لما سلّم في الركعتين والأوّليّتين من الصلاة الرباعية : أقصرت للصلاة يا رسول الله ، أم نسيت ؟

فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله ـ كما زعم ـ : كلّ ذلك لم يكن (٢).

فنفى صلّى الله عليه وآله ان تكون الصلاة قد قصرت ، ونفى أن يكون قد سها فيها.

فليس يجوز عليه عندنا وعند الحشوية المجيزين عليه السهو ، أن يكون (٣) النبي صلّى الله عليه وآله متعمّداً (٤) ولا ساهياً ، وإذا كان قد أخبر انّه لم يسه ـ وكان صادقاً في خبره ـ فقد ثبت كذب ذي اليدين ومن أضاف إليه السهو ، وكذا وضح بطلان دعواه في ذلك بلا ارتياب.

__________________

(١) في ج : خلافه.

(٢) راجغ الخلاف للشيخ الطوسي ١ : ٤٠٢ ـ ٤٠٧ ، المسألة ١٥٤ من كتاب الصلاة ، وقد ناقش فيه وطعن على من قال في السهو.

(٣) كذا في النسخ ، وفي المصدر والبحار : يكذب.

(٤) في ج : معتمداً.

١٤٢

فصل

وقد تأوّل بعضهم ما حكوه من قوله : « كلّ ذلك لم يكن » على ما يخرجه عن الكذب مع سهوه في الصلاة ، بأن قالوا : إنّه صلّى الله عليه وآله نفى أن يكون وقع الأمران معاً ، يريد أنّه لم يكن يجتمع قصر الصلاة والسهو ، فكان قد حصل أحدهما ووقع.

وهذا باطل من وجهين :

الأوّل : انّه لو كان أراد ذلك ، لم يكن جواباً عن السؤال ، والجواب عن غير السؤال ، لغوٌ لا يجوز وقوعه من النبي صلّى الله عليه وآله.

والثاني : انّه لو كان كما ادّعوه ، لكان صلّى الله عليه وآله ذاكراً به من غير اشتباه في معناه ، لأنّه قد أحاط علماً بانّ أحد الشيئين كان دون صاحبه ، ولو كان كذلك لارتفع السهو الّذي ادّعوه ، وكانت دعواهم له باطلة بلا ارتياب ، ولم يكن أيضاً لجمع كلية وجود أحد الأمرين (١) معنى لمسألته حين (٢) سأل عن قول ذي اليدين ، هل هو على ما قال ، أو على غير ما قال ؟ لأن هذا السؤال يدلّ على اشتباه الأمر عليه فيما ادّعاه ذو اليدين ، ولا يصحّ وقوع مثله من متيقّن لما كان في الحال.

__________________

(١) كذا في النسخ ، وفي المصدر : مع تحقيقه وجود أحد الأمرين ، وفي البحار : ولم يكن أيضاً معنى لمسألته.

(٢) في « ج ، د » : لمسألة من.

١٤٣

فصل

وممّا يدلّ على بطلان الحديث أيضاً اختلافهم في الخبر أنّ (١) الصلاة الّتي ادّعوا فيها ، والبناء على ما مضى منها ، أو الإعادة لها.

فأهل العراق يقولون : انّه أعاد الصلاة ، لأنّه تكلّم فيها ، والكلام في الصلاة يوجب الإعادة عندهم.

وأهل الحجاز ومن مال إلى قولهم يزعمون : انّه بنى على ما مضى ، ولم يعد شيئاً ، ولم يقض ، سجد لسهوه سجدتين.

ومن تعلّق بهذا الحديث من الشيعة يذهب فيه إلى مذهب أهل العراق ، لانّه تضمّن كلام النبيّ صلّى الله عليه وآله في الصلاة عمداً ، والتفاته عن القبلة إلى من خلفه ، وسؤاله عن حقيقة ما جرى ، ولا يختلف الفقهاء وهم في ذلك يوجبون الإعادة (٢).

والحديث متضمّن (٣) انّ النبي صلّى الله عليه وآله بنى على ما مضى ولم يعد ، وهذا الاختلاف الّذي ذكرناه في هذا الحديث أدلّ دليل على بطلانه ، وأوضح حجّة في وضعه واختلاقه (٤).

__________________

(١) كذا في النسخ ، وفي المصدر والبحار : جبران.

(٢) كذا في النسخ ، وفي المصدر والبحار : فقهاؤهم في أنّ ذلك يوجب الإعادة.

(٣) في د : يتضمّن.

(٤) كذا في النسخ ، وفي المصدر والبحار : واختلافه.

١٤٤

فصل

على إنّ الرواية له من طريق الخاصّة والعامّة كالرواية من الطريقين معاً أنّ النبي صلّى الله عليه وآله سها في صلاة الفجر (١) ، وكان قد قرأ في الاُولى منهما سورة النجم حتى انتهى إلى قوله : ( أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّىٰ * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَىٰ ) (٢) ، فألقى الشيطان على لسانه « تلك الغرانيق العلى ، وان شفاعتهم لترتجى » ثمّ نبّه على سهوه ، فخرّ ساجداً ، فسجد المسلمون ، وكان سجودهم اقتداء به ، وأمّا المشركون فكان سجودهم سروراً بدخوله معهم في دينهم (٣).

قالوا : وفي ذلك أنزل الله تعالى : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ ) (٤) يعنون في قراءته. واستشهدوا على ذلك ببيت من الشعر وهو :

__________________

(١) انظر الكافي ٣ : ٢٩٤ ح٩ و٣٥٧ ح٦، التهذيب ٢ : ٣٤٥ ح ١٤٣٣، من لا يحضره الفقيه ١ : ٢٣٣ ح ١٠٣١.

(٢) سورة النجم : ١٩ و ٢٠.

(٣) ذكر الخبر الجصاص في أحكام القرآن ٣ : ٢٤٦ ـ ٢٤٧ ، وأسقطه من عين الاعتبار ، وذكر ذلك أيضاً القرطبي في تفسيره ١٢ : ٨١ ـ ٨٥.

(٤) سورة الحج : ٥٢.

حكى الشيخ الطبرسي في مجمع البيان ( ٤ : ٩ ) في تفسير الآية الكريمة قول الشريف المرتضى قدّس سرّه حيث قال : لا يخلو التمنّي في الآية من أن يكون معناه التلاوة ، كما قال حسّان بن ثابت :

تمنّى كتاب الله أوّل ليله

وآخره لاقى حمام المقادر

ولم يسنبه ابن منظور في لسان العرب ( ١٥ : ٢٩٤ ـ منى ـ ) إلى حسّان ، بل ذكره باللفظ المتقدّم وباللفظ التالي :

تمنّى كتاب الله آخر ليله

تمني داود الزبور على رسل

١٤٥

تَمَنّى كتاب الله يتلوه قائماً

وأصبح ظمآناً ومسّد (١) قارياً

فصل

وليس حديث سهو النبي صلّى الله عليه وآله في الصلاة أشهر في الفريقين من روايتهم : إنّ يونس عليه السلام ظنّ أنّ الله يعجز على الظفر به ، ولا يقدر على التضييق عليه ، وتأوّلوا قوله تعالى : ( فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ ) (٢) على ما رووه واعتقدوا فيه (٣).

وفي أكثر رواياتهم : انّ داود عشق امرأة اُوريا بن صبنان (٤) فاحتال في قتله ، ثم نقلها إليه (٥).

وروايتهم : انّ يوسف بن يعقوب عليه السلام همّ بالزنا وعزم عليه (٦) ، وغير ذلك من إمثاله.

ومن رواياتهم : التشبيه لله بخلقه ، والتجوير له في حكمه (٧).

فيجب على الشيخ الّذي حكينا ـ أيّها الأخ ـ عنه أن يدين الله بكلّ ما تضمّنته هذه الأخبار (٨) ليخرج بذلك عن الغلو على ما ادّعاه ، فان دان بها ،

__________________

(١) كذا في «ب ، ج» ، وفي «د» والمصدر : وسّد ، وفي بعض نسخ المصدر : «وقد فاز» بدل « وسّد ».

(٢) سورة الأنبياء : ٨٧.

(٣) انظر تفسير القرطبي ١١ : ٣٣١.

(٤) كذا في ب ، وفي ج : صبثان ، وفي د : صبان ، وفي المصدر : حنان.

(٥) تفسير القرطبي ١٥ : ١٨١.

(٦) أحكام القرآن لابن العربي ٤ : ١٦٢٦.

(٧) تفسير القرطبي ٩ : ١٦٦.

(٨) روي الشيخ الصدوق في أماليه : ٩٢ المجلس ٢٢ ضمن الحديث رقم (٣) جملة من هذه الأخبار

١٤٦

خرج عن التوحيد والشرع ، وان ردّها ناقض في اعتلاله (١) ، وإن كان ممّا لا يحسن فالمناقضة لضعف بصيرته ، ونسأل الله التوفيق.

فصل

والخبر المروي (٢) أيضاً في النبي صلّى الله عليه وآله عن صلاة الصبح (٣)

__________________

التي رويت عن رواة جمهور المسلمين ، وما جاء في الردّ على تلك الأخبار من قبل الإمام الصادق عليه السلام.

(١) في هامش ج : اعتداله.

(٢) في ب : وليس سهو النبي والخبر المروي ... والظاهر انّه اشتباه من الناسخ.

(٣) أخرج الكليني في الكافي ( ٣ : ٢٩٤ ح ٩ ) والصدوق في الفقيه ( ١ : ٢٣٣ ح ١٠٣١ ) عن سعيد الأعرج قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : إنّ الله تبارك وتعالى أنام رسول الله صلّى الله عليه وآله عن صلاة الفجر حتى طلعت الشمس ... الحديث.

وأخرج الشيخان بالإسناد إلى أبي هريرة واللفظ لمسلم ( ج ١ : ٢٥٤ باب قضاء الصلاة الفائتة ) قال : عرسنا مع نبي الله فلم نستيقظ حتى طلعت الشمس ، فقال النبي صلّى الله عليه وآله : ليأخذ كل رجل منكم راحلته فإنّ هذا منزل حضره الشيطان ، قال أبو هريرة : ففعلنا ، ثمّ دعا بالماء فتوضأ ثمّ سجد سجدتين ، ثمّ اُقيمت الصلاة فصلّى صلاة الغداة.

وقد ذكر السيد شرف الدين ملاحظات قيّمة حول هذا الحديث ، نورد هنا بعضها إتماماً للفائدة :

أحّدها : أنهم ذكروا في خصائص النبي صلّى الله عليه وآله أنه كان لا ينام قلبه إذا نامت عيناه ، وصحاحهم صريحة بذلك ، وهذا من أعلام النبوّة ، وآيات الاسلام ، فلا يمكن والحال هذه أن تفوته صلاة الصبح بنومه عنها ، إذ لو نامت عيناه فقلبه في مأمن من الغفلة ولا سيّما عن ربّه لا تأخذه عن واجباته سنةٌ ولا نوم ، وقد صلّىٰ مرّة صلاة الليل فنام قبل أن يوتر ، فقالت له إحدىٰ زوجاته : يا رسول الله ، تنام قبل أن توتر ؟ فقال لها : تنام عيني ولا ينام قلبي. أراد صلّى الله عليه وآله أنّه في مأمن من فوات الوتر بسبب ولوعه فيها ، ويقظة قلبه تجاهها فهو هاجع في عينه ، يقظان في قلبه ، منتبه الى وتره ، وإذا كانت هذه حالة في نومه قبل صلاة الوتر فما ظنّك به إذا نام قبل صلاة الصبح. ثانيها : إنّ أبا هريرة صرّح ـ كما في صحيح مسلم ـ بأنّ هذه الواقعة قد اتّفقت لرسول الله صلّى الله عليه وآله وهو قافل من غزوة خيبر ، فكيف يدّعي أبو هريرة حضوره فيها ؟ وأين كان أبو هريرة من غزوة خيبر ؟ وانّما أسلم بعد خروج النبي صلّى الله عليه وآله إليها باتفاق أهل العلم ، وإجماع

١٤٧

من جنس الخبر عن سهوه في الصلاة ، فإنّه من أخبارالآحاد التي لا توجب علماً ولا عملاً ، ومن عمل عليه فعلى الظن يعتمد في ذلك دون اليقين ، وقد سلف قولنا في نظير ذلك بما يغني عن إعادته في هذا الباب ، مع انّه يتضمّن خلاف ما عليه عصابة الحقّ فإنّهم لا يختلفون في أنّ من فاتته صلاة فريضة فعليه أن يقضيها أي (١) وقت ذكرها من ليل أو نهار ، ما لم يكن الوقت مضيّقاً لصلاة فريضة حاضرة.

وإذا حرم [ على الإنسان ] (٢) أن يؤدّي فريضة قد دخل وقتها ليقضي فرضاً قد فاته ، كان حظر النوافل عليه قبل قضاء ما فاته من الفرض أولى.

هذا مع الراوية عن النبي صلّى الله عليه وآله إنّه قال : « لا صلاة لمن عليه صلاة » (٣) ، يريد أنّه لا نافلة لمن عليه فريضة.

__________________

أهل الأخبار.

ثالثها : انّ أبا هريرة يقول في هذا الحديث : ليأخذ كلّ رجل منكم برأس راحلته ، فانّ هذا منزل حضره الشيطان قال : ففعلنا. وقد علمت ممّا أسلفناه انّ الشيطان لا يدنو من النبي أبداً ، وعلم الناس كافة انّ أبا هريرة كان في تلك الأوقات لا يملك شبع بطنه ، فمن أين له الراحلة ليأخذ برأسها كما زعم إذ قال : ففعلنا ؟

رابعها : أنّه قال في هذا الحديث : ثم دعا بالماء فتوضّأ ، ثمّ سجد سجدتين ثم صلّىٰ صلاة الغداة ؛ أمّا صلاة الغداة فانّها قضاء عمّا فات ، لكن السجدتين لم نعرف لهما وجهاً ولا محلاً من الاعراب !

خامسها : إنّ النبي صلّى الله عليه وآله كان يومئذ في جيش مؤلف من ألف وستمائة رجل فيهم مائتا فارس. فالعادة تأبىٰ أن يناموا بأجمعهم فلا ينتبه أحد منهم أصلاً ، وعلىٰ فرض عدم انتباههم من أنفسهم فلابدّ بحكم العادة المألوفة أن ينتبهوا بصهيل مائتي فرس وضربها الأرض بحوافرها في طلب علفها عند حضور وقته من الصبح فما هذا السبات العميق الشامل لجميع من كان ثمة من انسان وحيوان ؟ ولعل هذا من خوارق أبي هريرة !! « انظر : أبو هريرة : ١٠٨ ـ ١١٤ ».

(١) كذا في النسخ ، وفي المصدر : في كلّ.

(٢) من المصدر.

(٣) نصب الراية ٢ : ١٦٦.

١٤٨

فصل

ولسنا ننكر ان يغلب النوم على الأنبياء عليهم السلام في أوقات الصلاة حتّى تخرج ، فيقضوها بعد ذلك ، وليس عليهم في ذلك عيب ولا نقص ، لانّه ليس ينفك بشر من غلبة النوم ، ولأنّ النائم لا عيب عليه.

وليس كذلك السهو ، لأنّه نقص عن الكمال في الانسان ، وهو عيب يختصّ به من اعتراه ، وقد يكون من فعل الساهي تارة ، كما يكون من فعل غيره والنوم لا يكون إلاّ من فعل الله تعالى ، فليس من مقدور العباد على حال ، ولو كان مقدورهم لم يتعلّق به نقص وعيب لصاحبه لعمومه جميع البشر ، وليس كذلك السهو ، لأنّه يمكن التحرز منه.

ولأنّا وجدنا الحكماء يجتنبون أن يودعوا أموالهم وأسرارهم ذوي السهو والنسيان ، ولا يمتنعون من إيداع ذلك من يغلبهم من النوم أحياناً ، كما لا يمتنعون من إيداعه من تعتريه الأمراض والأسقام.

ووجدنا الفقهاء [ يطرحون ] (١) ما يرويه ذوو السهو من الحديث إلاّ أن يشركهم فيه غيرهم من ذوي اليقظة ، والفطنة ، والذكاء ، والحذاقة.

فعلم فرق ما بين السهو والنوم بما ذكرناه.

ولو جاز أن يسهو النبيّ صلّى الله عليه وآله في صلاته وهو قدوة (٢) فيها حتى يسلّم قبل تمامها وينصرف عنها قبل اكمالها ، ويشهد الناس ذلك فيه

__________________

(١) من المصدر.

(٢) في د : قدرة.

١٤٩

ويحيطوا به علماً من جهته ، لجاز أن يسهو في الصيام حتى يأكل ويشرب نهاراً في شهر رمضان بين أصحابه وهم يشاهدونه ويستدركون عليه الغلط ، وينبّهونه عليه ، بالتوقيف على ما بيناه (١).

ولجاز أن يجامع النساء في شهر رمضان نهاراً ولم يؤمن عليه السهو في مثل ذلك حتى يطأ المحرمات عليه من النساء وهو ساه في ذلك ، ظانّ أنّهنّ أزواجه ، ويتعدّى من ذلك إلى وطيء ذوات المحارم ساهياً.

ويسهو في الزكاة فيؤخّرها عن وقتها ، ويؤدّيها إلى غير أهلها ساهياً ، ويخرج منها بعض المستحقين ناسياً.

ويسهو في الحجّ حتى يجامع في الاحرام ، ويسعى قبل الطواف ، ولا يحيط علماً بكيفية رمي الحجار (٢) ، ويتعدّى من ذلك إلى السهو في كلّ أعمال الشريعة حتى ينقلها (٣) عن حدودها ، ويضعها في غير أوقاتها ، ويأتي بها إلى غير حقائقها.

ولم ينكر أن السهو عن تحريم الخمر ، فيشربها ناسياً أو يظنها شراباً حلالاً ، ثمّ يتيقظّ بعد ذلك لما هي عليه من صفتها.

ولم ينكر أن يسهو فيما يخبر به عن نفسه وعن غيره ممّن ليس بربه بعد أن يكون منصوباً في الاداء ، ويكون مخصوصاً بالاداء.

وتكون العلّة في جواز ذلك كلّه أنّها عبادة مشتركة بينه وبين اُمّته كما

__________________

(١) في بعض نسخ المصدر والبحار : على ما جناه.

(٢) كذا في ب ، وفي ج : الحجارة ، وفي « د » والمصدر والبحار : الجمار.

(٣) كذا في النسخ ، وفي المصدر والبحار : يقلبها.

١٥٠

كانت الصلاة عبادة مشتركة بينهم وبينه حسب اعلال (١) الرجل الذي ذكرت عنه ـ أيّها الأخ ـ ما ذكرت من إعتلاله ، ويكون ذلك أيضاً لاعلام الخلق أنّه مخلوق ليس بقديم معبود ، وليكون حجّة على الغلاوة الّذين اتّحذوه ربّاً ، وليكون أيضاً سبباً لتعليم الخلق أحكام السهو في جميع ما ذكرناه من أحكام الشريعة ، كما كان سبباً في تعليم الخلق حكم السهو في الصلاة ، وهذا ما لا يذهب إليه مسلم ولا غال ولا موحّد ، ولا يجزيه على التقرير (٢) في النبوّة ملحد ، وهو لازم لمن حكيت عنه ما حكيت ، فيما أفتى به من سهو النبي صلّى الله عليه وآله ، واعتلّ به ، ودلّ على ضعف عقله ، وسوء اختياره ، وفساد تخيّله.

وينبغي أن يكون كلّ من منع السهو عن النبي صلّى الله عليه وآله غالياً وخارجاً عن حدّ الاقتصاد ، وكفى بمن صار إلى هذا المقام خزياً.

فصل

ثمّ العجب حكمه بأنّ سهو النبي صلّى الله عليه وآله من الله ، وسهو من سواه من الله وسائر البشر من غيرها (٣) من الشيطان (٤) بغير علم فيما ادّعاه ، ولا حجّة ولا شبهة يتعلّق بها أحد من العقلاء ، اللّهمّ إلاّ أن يدّعي الوحي في ذلك ، ويتبيّن به عن ضعف عقله لكافة الألبّاء.

ثمّ العجب من قوله : إنّ سهو النبيّ صلّى الله عليه وآله من الله دون

__________________

(١) كذا في النسخ ، وفي المصدر والبحار : اعتلال.

(٢) في هامش « ج » والبحار : التقدير.

(٣) كذا في النسخ ، وفي المصدر والبحار : غيرهم.

(٤) في ب : من غير الشيطان.

١٥١

الشيطان ، لأنّه ليس للشيطان على النبي صلّى الله عليه وآله سلطان ، و ( إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ ) (١) ، وعلى من اتّبعه من الغاوين.

ثمّ هو يقول : إنّ هذا السهو الّذي من الشيطان [ يعمّ جميع البشر سوى الأنبياء والأئمّة ، فكلّهم من أولياء الشيطان ] (٢) ، وانّهم غاوون مشركون (٣) ؛ إذ كان للشيطان عليهم سبيل وسلطان ، وكان سهوهم منه دون الرحمن ، ومن لم يتيقّظ لجهله في هذا الباب ، كان في عداد الأموات.

فصل

فأمّا قول الرجل المذكور : إنّ ذا اليدين معروف ، وانّه يقال له : أبو محمد ابن عبد عمرو (٤) ، وقد روى الناس عنه.

فليس الأمر كما ذكر ، وقد عرّفه بما مرّ من (٥) معرفته من تكنيته وتسميته بغير معروف بذلك ، ولو انّه يعرفه بذي اليدين لكان أولى من تعريفه وتسميته (٦) بعمرو (٧) ، فإنّ المنكر له يقول : من ذو اليدين ؟ ومن هو عمرو (٨) ؟ ومن هو ابن

__________________

(١) سورة النحل : ١٠٠.

(٢) ليس في ب.

(٣) في ب : مشتركون ، وفي د : ومشركون.

(٤) في ج : أبو عمرو محمد بن عبد عمرو ، وفي المصدر والبحار : أبو محمد عمير بن عبد عمرو.

(٥) كذا في « ب ، ج » ، وفي « د » والمصدر والبحار : يرفع.

(٦) في « ب ، د » والمصدر : بتسميته.

(٧) في المصدر والبحار : بعمير.

(٨) كذا في النسخ ، وفي المصدر : عمير.

١٥٢

عبد عمرو ؟ وهذا كلّه مجهول غير معروف.

ودعواه انّه قد روى الناس عنه ، دعوى لا برهان عليها ، وما وجدناه في اُصول الفقهاء ولا الرواة حديثاً عن هذا الرجل ، ولا ذكراً له.

ولو كان معروفاً كمعاذ بن جبل ، وعبد الله بن مسعود ، وأبي هريرة وأمثالهم ، لكان ما تفرّد به غير معمول عليه ، لما ذكرنا من سقوط العمل بأخبار الآحاد ، فكيف وقد بيّنّا أنّ الرجل مجهول غير معروف ؟ فهو متناقض باطل بما لا شبهة فيه عند العقلاء.

ومن العجب بعد هذا كلّه انّ خبر ذي اليدين يتضمّن أنّ النبي صلّى الله عليه وآله سها فلم يشعر بسهوه أحد من المصلّين معه من بني هاشم والمهاجرين والأنصار ووجوه الصحابة ، وسادات (١) الناس ، ولا نظر إلى ذلك وعرفه إلاّ ذو اليدين المجهول ، الّذي لا يعرفه أحد ، ولعلّه من بعض الأعراب أو شعر (٢) القوم به فلم ينبّهه أحد منهم على غلطه ، ولا أرى صلاح الدين والدنيا بذكر ذلك له صلّى الله عليه وآله إلاّ المجهول من الناس.

ثمّ لم يكن يستشهد على صحّة قول ذي اليدين فيما خبّر به من سهوه إلاّ أبا بكر وعمر ، فإنّه سألهما عمّا ذكره ذو اليدين ليعتمد (٣) قولهما فيه ، ولم يثق بغيرهما في ذلك ، ولا سكن إلى أحد سواهما في معناه.

[ وانّ ] (٤) شيعيّاً يعتمد على هذا الحديث في الحكم على النبي صلّى الله

__________________

(١) كذا في النسخ ، وفي المصدر : وسراة.

(٢) كذا في النسخ ، وفي المصدر : أشعر.

(٣) في ب : ليعقد.

(٤) ليس في ب.

١٥٣

عليه وآله بالغلط والنقص وارتفاع العصمة عنه من العباد لناقص العقل ، ضعيف الرأي ، قريب إلى ذوي الآفات المسقطة عنهم التكليف.

والله المستعان وهو حسبنا ونعم الوكيل.

تمّ جواب أهل الحائر فيما سألوا عنه من سهو النبي صلّى الله عليه وآله.

انتهى كلام الشيخ المفيد في الرسالة المشار إليها سابقاً وربّما نسبت (١) إلى السيد المرتضى (٢).

ولعل ما ذكره من سقوط العمل بأخبار الآحاد قرينة ذلك.

وفيه نظر ، لأنّ الشيخ المفيد لا يعمل في مثل ذلك بأخبار الآحاد أيضاً ، بل قد نسب المحقّقون إلى المفيد وإلى أكثر علمائنا نفي العمل بخبر الواحد الخالي عن القرينة.

__________________

(١) كذا في النسخ ، وفي المصدر والبحار : نسبته.

(٢) أخرجها العلاّمة المجلسي رحمه الله بتمامها في بحار الأنوار ( ١٧ : ١٢٢ ـ ١٢٩ ). وقال في أوّلها : ولنختم هذا الباب بإيراد رسالة وصلت إلينا تنسب إلى الشيخ السديد المفيد ، أو السيّد النقيب والجليل المرتضى قدّس سرّه روحهما ، وإلى المفيد أنسب.

وقال في آخرها : هذا آخر ما وجدنا من تلك الرسالة ، وكان المنتسخ سقيماً ، وفيما أورده رحمه الله مع متانته اعتراضات يظهر بعضها ممّا أسلفنا ، ولا يخفى على من أمعن النظر فيها ، هو الموفّق للصواب.

١٥٤

الفصل العاشر

في بيان تأويل أحاديث السهو

قد عرفت أنّها ضعيفة بالنسبة إلى معارضاتها ، فتعيّن صرفها عن ظاهرها لتوافق الحقّ الصحيح ، والنصّ الصريح ، فإنّ في الأحاديث محكماً ومتشابهاً ، ولا شكّ في وجوب ردّ المتشابه إلى المحكم ، وانّما وقعت الفتن الدينية والاختلافات في المسائل الشرعيّة غالباً بسبب الغفلة عن المعارض ، أو بسبب اشتباه المحكم بالمتشابه.

وقد روى رئيس المحدّثين في عيون الأخبار في باب الأخبار المتفرّقة عقيب باب هاروت وماروت عن أبيه ، عن علي بن إبراهيم ، [ عن أبيه ، ] (١) عن أبي حيون مولى الرضا عليه السلام عن الرضا عليه السلام قال : من ردّ متشابه القرآن إلى محكمه هدي إلى صراط مستقيم.

ثمّ قال : إنّ في أخبارنا متشابهاً كمتشابه القرآن ، ومحكماً كمحكم القرآن ، فردّوا متشابهها إلى محكمها ، ولا تتبعوا متشابهها دون محكمها

__________________

(١) ليس في « ب ، ج ».

١٥٥

فتضلّوا (١).

إذا عرفت هذا فنقول تأويل أحاديث السهو والجمع بينها وبين ما دلّ على نفي السهو من الكتاب والسنّة والاجماع والأدلّة العقليّة ممكن من وجوه اثني عشر :

الأوّل : الحمل على وقوع الرواية على وجه التقيّة ، فانّك قد عرفت إجماع المخالفين للإماميّة على نفي العصمة ، وروايتهم لحديث السهو ، ولعلّه لا أصل له ، ويكون من مخترعاتهم وموضوعاتهم ، وقد كان الأئمّة عليهم السلام يفتون بالتقيّة تارة ، ويوافقون العامّة في الرواية تارة بحسب مقتضى الحال ، لدفع المفسدة ، وإتّقاء الضرر عن الأئمّة والشيعة ، ويأتي له نظائر إن شاء الله تعالى.

وهذا وجه قريب متّجه منصوص عنهم عليهم السلام وجوب الترجيح عند الاختلاف لما هو معلوم من سببه ، وقد تقدّمت اشارة إليه ، ومن القرائن عليه رواية جماعة من العامّة له كما عرفت سابقاً ، وقد اشار الشيخ في التهذيب إلى حمل أحاديث السهو على التقيّة ، كما تقدّم في أول الرسالة (٢).

الثاني : الحمل على انّ النبيّ صلّى الله عليه وآله قد كان صلّى في الواقع أربع ركعات ، فلمّا ادّعوا عليه السهو واتّهموه به ، أو ظنّوا ذلك واتّفقوا عليه ، قام فصلّى ركعتين مع علمه بانّ صلاته كانت تامّة ، لكن

__________________

(١) عيون أخبار الرضا عليه السلام ١ : ٢٩٠.

(٢) في ص : ٨٤.

١٥٦

لعدم اقتضاء المصلحة لم يبيّن حقيقة الحال ، لأنّه كان يترتّب على ذلك مفسدة اُخرى ، وأقلّها أنّهم كانوا منافقين لا يصدقونه في دعوى استحالة السهو عليه ، ومن المعلوم انّ أكثر المظهرين للإسلام في أوّل الأمر كانوا كذلك ، وإنّ الرسول صلّى الله عليه وآله كان مأموراً بمداراتهم كما تضمّنه باب المداراة في اُصول الكليني وغيره ، وكان يقرّر الشريعة في قلوبهم بالتدريج بحسب ما يقبلون ، كما هو موجود أيضاً في أحاديث كثيرة في اُصول الكافي وغيره.

وقد روى الكليني في كتاب العقل عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ما كلّم رسول الله صلّى الله عليه وآله العباد بكنه عقله قط (١).

وقال : إنّا معاشر الأنبياء اُمرنا أن نكلّم الناس على قدر عقولهم (٢).

ولا يخفى انّه لم يقع التصريح بانّه صلّى الله عليه وآله صلّى بهم ركعتين اُخريتين إلاّ في حديث واحد ، والظاهر انّ كلّ واحد منهم أتمّ صلاته وحده وعلى تقدير الجماعة لا يبعد أن يكون مأموراً بذلك ، ويكون مخصوصاً به عليه السلام ؛ وقيل اختصاص مشروعية صلاة الجماعة بالفرائض ، فقد كانوا يصلّون جماعة قبل الصلاة كما هو مروي في أحاديث كثيرة.

الثالث : أن يكون صلّى في الواقع أربع ركعات ، فلمّا ظنّوا سهوه واتّفقوا على ذلك أمره الله بأن لا يظهر لهم الحال ، وأن يتمّ بهم الصلاة ويسجد سجدتين

__________________

(١) الكافي ١ : ٢٣ ح ١.

(٢) الكافي ١ : ٢٣ ح ١٥ وج ٨ : ٢٦٨ ح ٣٩٤.

١٥٧

ليعلموا أحكام السهو ولئلاّ يعيّر أحد أحداً بالسهو ، والفرق بين هذا والأوّل انّ المعروف هنا أمر خاص وهناك عام ، ويكون من فوائد ذلك أنّه لو أظهر حقيقة الحال واستحالة السهو لخرج كثير منهم إلى الغلو لضعف الإيمان جداً في ذلك الوقت.

الرابع : أن يكون صلّى في الواقع ركعتين عمداً قبل أن تفرض الصلاة أربع ركعات ، فقد روى انّ الصلاة كانت قد فرضت ركعتين ركعتين ، فكانت الخمس صلوات عشر ركعات ، ثمّ زاد رسول الله صلّى الله عليه وآله سبع ركعات ، ثمّ أوجبها الله على الناس (١) ، وقد كان الكلام أيضاً غير محرّم في الصلاة ثمّ صار محرّم.

وممّن صرّح بذلك السيّد المرتضى في تنزيه الانبياء (٢) وغيره فلعلّه صلّى ركعتين قبل أن تفرض الأخيرتان ، وكان قد أمر الناس بها على وجه الاستحباب ، فظنّوا الوجوب ، فتعمّد الترك واظهار صورة (٣) السهو لدفع المفسدة السابقة ، وتحصيل المصالح المتقدّمة وغيرها.

الخامس : أن يكون صلّى في الواقع ركعتين بعد فرض الأخيرتين ، وكان مأموراً أمراً خاصّاً به ، بأن يفعل ذلك إظهاراً لصورة سهو ، وهي في الواقع عمد لأجل المصالح السابقة ، والحكم المشار إليها ، فيصدّق انّ ذلك كان من الله كما وقع التصريح به سابقاً ، وكما فهمه ابن بابويه.

__________________

(١) الكافي ٨ : ٣٤٠ ح ٥٣٦ ، عنه الوسائل ٣ : ٣٤ باب عدد الفرائض ح ١٢.

(٢) تنزيه الأنبياء : ١٠٨.

(٣) في ج : سورة.

١٥٨

يعني انّ هذه الصورة (١) سهو كان مأموراً بها من الله ، وهي في الواقع عمد ، فإنّ صدور السهو الحقيقي من الله لا يمكن تصوّره ، وإنّما يمكن فرض أن يكون الله قد أمر بذلك لحكمة ظاهرة أو خفيّة.

السادس : أن يكون مجبوراً على ترك الأخيرتين في ذلك الرقت ، [ أو بسلب قدرته عنهما ، أو بمحوهما من خاطره بالكليّة ، ] (٢) ويصير غير مكلّف بهما ، ويكون ذلك أيضاً خاصّاً به في الواقعة معينة للحكم السابقة ، وللردّ على الغلاة والمفوّضة معاً.

ومعلوم أنّ من جملته الغلو في التفويض ، قول جماعة زعموا إنّ للعبد قدرة تامّة لا يقدر أحد على سلبها حتى لو أراد الله منعه ، من فعله لما قدر على منعه ، وقد ذكرت ذلك في رسالة خلق الكافر.

وظاهر كون سهوه من الله يقتضي أن يكون أمره به أو جبره عليه ، وعلى كلّ حال لا يكون وقع منه سهو حقيقي ، بل هو مجاز ، وباب المجاز واسع ، والمشابهة هنا ظاهرة لكن الجبر باطل ، ويمكن أن يقال : إنّ هذه الصورة نادرة والجبر باطل مع بقاء التكليف ، فلو سلب الله قدرة عبد عن واجب واسقطه عنه ، لم يكن فيه مفسدة.

السابع : أن يكون السهو والنسيان بمعنى الترك ، فإنّه أحد معانيه اللغوية ، وقد استعمل فيه كثيراً كما أشرنا إليه سابقاً.

وقد قال صاحب القاموس وغيره (٣) : سها في الأمر سهواً نسيه.

__________________

(١) في « ج ، د » : صورة.

(٢) من المصدر والبحار.

(٣) القاموس المحيط للفيروزآبادي ٤ : ٣٤٦.

١٥٩

وقال أيضاً النسيان والنسوة : الترك.

وإذا كان هذا من معاينة اللغوية ، وهو المناسب لحال النبيّ صلّى الله عليه وآله وجب حمله عليه ، ويكون ذلك حكماً مختصّاً به عليه السلام للحكم السابقة ، وقد عرفت إنّ الأئمّة عليهم السلام فسّروا النسيان المنسوب الى آدم عليه السلام وغيره من أهل العصمة عليهم السلام في القرآن بالترك ، وهو معنى صحيح ، ويحتاج إلى ضميمته وجه من الوجوه السابقة أو نحوها.

الثامن : أن يكون النبيّ صلّى الله عليه وآله صلّى في الواقع ركعتين عمداً قبل وجوب الصلاة وفرضها ، وكانوا يصلّون في وقت استحباب الصلاة ، وذلك قبل ليلة المعراج مدّة طويلة ، وكانوا يصلّون جماعة ، فلعلّهم كانوا يصلّون تلك الصلاة الخاصّة أربع ركعات دائماً ، ولا يستلزم ذلك الوجوب ، وأن توهّمه ذو الشمالين وبعض المنافقين لجهلهم ، فيكون ترك ركعتين لأجل المصالح السابقة ، لا لوقوع السهو والنسيان ، بل لنفي الغلو وإبطال التفويض ، وتعليم أحكام السهو والنهي على التعبير بالسهو ، أو عن الإفراط في التعبير ، أو المبالغة في إثبات البشرية ، أو نحو ذلك من الحكم الظاهرة أو الخفيّة.

ولم ينقل في أحاديث السهو إنّ أمير المؤمنين والحسن والحسين عليهم السلام أو أحداً من المؤمنين المخلصين أو العلماء المعتبرين كان حاضراً ، وعلى هذا الوجه وبعض الوجوه السابقة ، يكون نقل القصّة على وجه الإجمال ، وعدم بيان حقيقة الحال ، وإطلاق لفظ السهو كلّه لملاحظة التقيّة ، وعدم الخروج عن رعاية تلك الحكم والمصالح للمكلّفين بحسب الإمكان ،

١٦٠