التنبيه بالمعلوم

محمد بن الحسن الحرّ العاملي [ العلامة الشيخ حرّ العاملي ]

التنبيه بالمعلوم

المؤلف:

محمد بن الحسن الحرّ العاملي [ العلامة الشيخ حرّ العاملي ]


المحقق: محمود البدري
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مكتب الإعلام الإسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-252-1
الصفحات: ٢١٥
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

الرابع والثلاثون :

انّ حديث جنود العقل والجهل ، وهو حديث الثاني المذكور سابقاً (١) يدلّ على انّه يمكن أن يترقّى غير المعصوم بسبب متابعة العقل ، والعمل بمقتضاة ، وكثرة العبادات ، واستعمال جنود العقل واكتسابها إلى حدّ ينتفي عنه السهو والنسيان ، وقد ذكروا في حقّ كثير من الفصحاء والفضلاء والعلماء نحو ذلك ، كما يظهر من كتب التواريخ والرجال فمنهم عبد الكريم بن أحمد بن طاوس (٢) المذكور في الرجال أنّه ما دخل سمعه قط شيء ، فكاد ينساه ، وغير ذلك ، فيلزم على قول من جوّز السهو على المعصوم أن يكون هذا القسم كلّهم أفضل منه وأحسن حالا ، فيستحيل تقدّمه عليهم لما مرّ.

الخامس والثلاثون :

انّ كلّ فعل أو قول للنبيّ صلّى الله عليه وآله والإمام عليه السلام حجّة ودليل على حكم من أحكام الشرع قطعاً ، وكلّ دليل يمتنع معه نقيض المدلول ، وإلاّ لم يكن دليلاً فقولهما وفعلهما يمتنع نقيضه ويستحيل كونه خطأ غير صواب ، وذلك يستلزم العصمة ونفي السهو مطلقاً.

__________________

(١) تقدّمت تخريجاته في ص : ٨٣.

(٢) هو الشريف النقيب غياث الدين عبد الكريم بن جلال الدين أحمد بن سعد الدين إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمد بن أحمد بن محمد بن أبي عبد الله المعروف « الطاووس » ، ولد في الحائر الحسيني في شعبان سنة ٦٤٨ ه‍ ، ونشأ في مدينة الحلة المزيدية حيث كانت موطن آبائه ، وتوفّي بمشهد الإمام الكاظم عليه السلام سنة ٦٩٣ ه‍ ، وحمل نعشه إلى النجف الأشرف حيث مرقد أمير المؤمنين عليه السلام ودفن هناك.

قال عنه معاصروه : كان عالماً ، فقيهاً ، ذكياً ، امتاز بقوة حافظته ، فما دخل ذهنه شيء قط فنساه ، وحفظ القرآن وعمره إحدى عشرة سنة. « راجع في ترجمته : مجمع الرجال ٤ : ١٠٠ ، الحوادث الجامعة لابن الفوطي : ٤٨٠ ».

١٢١

السادس والثلاثون :

كلّ دليل عقلي أو نقلي دلّ على العصمة وهو أكثر من أن يحصى ، وناهيك بكتاب الألفين (١) وأمثاله ، ومعلوم أنّ العصمة تستلزم نفي المعصية عمداً وسهواً ، وتستلزم نفي السهو والنسيان مطلقاً ، كما يتبادر إلى الفهم من معناها لغة وعرفاً ، والتفصيل لا يمكن فهمه منها قطعاً ، ودليله غير تام كما ستعرفه ان شاء الله.

__________________

(١) كتاب الألفين في إمامة أمير المؤمنين عليه السلام للعلاّمة الحلّي ، والذي ذكر فيه ما يقارب ألف وثمانية وثلاثون دليلاً في إمامة أمير المؤمنين عليه السلام.

١٢٢

الفصل السادس

في بيان بعض المفاسد المترتّبة على تجويز السهو على المعصوم عليه السلام

وقد عرفت كثيراً من ذلك سابقاً ، ونذكرها هنا على وجه الاختصار إشارة إلى شيء من ذلك ، ونقتصر على اثني عشر.

الأول : حطّ منزلته من القلوب ، وسقوط محلّه من النفوس ، ألا ترى أنّه منزّه عن الأمراض التي توجب ذلك من الجذام والبرص وغير ذلك ، وعن دناءة النسب ، وكفر الآباء والاُمّهات ، وعن رؤية بوله وغائطه ونحو ذلك ممّا هو دون السهو في العبادة الموجب لنقصانها أو بطلانها وعدم قبولها.

الثاني : احتياج المعصوم إلى رعيّته كما تقدّم.

الثالث : عدم امكان الفرق بين السهو والنسخ.

الرابع : عدم كون فعله وقوله حجّة مطلقاً واشتباه التبليغ بغيره غالباً.

الخامس : امكان وقوع المعصية ، وفعل المحرّم ، وترك الواجب سهواً ، وهو باطل إجماعاً من الإمامية.

١٢٣

السادس : اختصاص العصمة بوقت التبليغ ، وجواز المعصية قبله عمداً وسهواً ، وهو أوضح بطلاناً.

السابع : وجوب أمر الرعيّة له بالمعروف ، ونهيهم إيّاه عن المنكر كما مرّ.

الثامن : جواز كونه غير مقبول الشهادة في بعض الصور.

التاسع : جواز قتله للمؤمنين ، بل المعصومين سهواً ، وترك جهاد الكفّار نسياناً.

العاشر : جواز تعدي الحدود سهواً.

الحادي عشر : جواز الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف في الصور الجزئيّة سهواً.

الثاني عشر : جواز كون بعض رعيّته أفضل منه في بعض الصور ، فيلزم تقديم المفضول على الفاضل ، وهو باطل والله تعالى أعلم.

١٢٤

الفصل السابع

في ذكر شبهة من جوّز السهو على المعصوم في العبادة دون التبليغ

وهي أخبار يسيرة معارضة بما هو أكثر منها وأقوى مع أنّها مضطربة محتملة للتأويل والوجوه الكثيرة.

روى الشيخ في التهذيب بسنده عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد ، [ عن الحسين ] (١) عن فضالة ، عن سيف بن عميرة ، عن أبي بكر الحضرمي ، عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث يقول في آخره : إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله سها فسلّم في ركعتين ، ثم ذكر حديث ذي الشمالين ، فقال : ثمّ قام فأضاف إليها ركعتين (٢).

__________________

(١) من المصدر.

(٢) التهذيب ٢ : ١٨٠ ح ٧٢٤ مفصلاً ، الاستبصار ١ : ٣٦٦ ، بحار الأنوار ١٧ : ١٠١ ح ٤.

وللحديث صدر هو هكذا : قال : صلّيت بأصحابي المغرب ، فلمّا أن صلّيت ركعتين سلّمت ، فقال بعضهم : انّما صلّيت ركعتين فأعدت ، فأخبرت أبا عبد الله عليه السلام فقال : لعلك أعدت ؟ فقلت : نعم ، فضحك ثم قال : انّما كان يجزيك أن تقوم وتركع ركعة ، ان رسول الله صلّى الله عليه وآله ...

١٢٥

وعن سعد ، عن محمد بن الحسين ، عن جعفر بن بشير ، عن الحارث بن المغيرة النصري. عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال : أليس قد انصرف رسول الله صلّى الله عليه وآله في ركعتين فأتمّ بركعتين (١).

وبإسناده عن أحمد بن محمد ، عن البرقي ، عن منصور بن العبّاس ، عن عمرو بن سعيد ، عن الحسن بن صدقة ، قال : قلت لأبي الحسن الأوّل عليه السلام : أسلّم رسول الله صلّى الله عليه وآله في الركعتين الأوّلتين ؟

فقال : نعم.

قلت : وحاله حال ؟

قال : إنّما أراد الله عزّ وجلّ ان يفقّههم (٢).

وعنه : عن علي بن النعمان ، عن سعيد الأعرج قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : صلّى رسول الله صلّى الله عليه وآله ثمّ سلّم في ركعتين ، فسأله من خلفه : يا رسول الله ، أحدث في الصلاة شيء ؟

قال : وما ذاك ؟

قالوا : انّما صلّيت ركعتين.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٨٠ ح ٧٢٥ ، عنه بحار الأنوار ١٧ : ١٠١ ح ٣.

وقد علّق الشيخ الطوسي على هذا الحديث والحديث السابق قائلاً : مع انّ في الحديثين ما يمنع من التعلّق بهما وهو حديث ذي الشمالين وسهو النبي صلّى الله عليه وآله وهذا ممّا تمنع العقول منه.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٤٥ ح ١٤٣٢.

وأورده في الكافي ١ : ٩٩.

١٢٦

فقال : أكذلك (١) يا ذا اليدين ؟ وكان يدعى ذا الشمالين.

فقال : نعم ، فبنى على صلاته ، فأتمّ الصلاة أربعاً ، وقال : إنّ الله عزّ وجلّ هو الّذي أنساه رحمة للاُمّة ، ألا ترى لو إنّ رجلاً صنع هذا لعيّر وقيل ما تقبل صلاتك ، فمن دخل عليه اليوم ذلك.

قال : قد سنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وصارت اُسوة ، وسجد سجدتين لمكان الكلام (٢).

وبإسناده عن الحسين بن سعيد ، عن ابن عمير ، عن جميل قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام : رجل صلّى ركعتين ثمّ قام (٣) قال : يستقبل (٤) ، قلت : فما يروي الناس فيه ؟ فذكر [ له ] (٥) حديث ذي الشمالين فقال : إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله لم يبرح من مكانه ، ولو برح لاستقبل (٦).

وعنه : عن فضالة ، عن حسين بن عثمان ، عن سماعة ، عن أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل صلّى ركعتين ثمّ قام فذهب في حاجته ، قال : يستقبل الصلاة. فقلت : ما بال رسول الله صلّى الله عليه وآله لم يستقبل حين صلّى ركعتين ؟

__________________

(١) كذا في النسخ ، وفي المصدر : أكذاك.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٤٥ ح ١٤٣٣.

وأورده في الكافي ١ : ٩٩ ، عنه بحار الأنوار ٨٨ : ٢١٨ ، وج ١٧ : ١٠٥ ح ١٣.

(٣) كذا في النسخ والمصدر ، وفي البحار : قام فذهب في حاجته.

(٤) في هامش ج : أي يستأنف. « منه رحمه الله ».

(٥) من المصدر.

(٦) التهذيب ٢ : ٣٤٥ ، عنه بحار الأنوار ١٧ : ١٠٠ ح ١.

١٢٧

فقال : إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله لم ينتقل (١) من موضعه (٢).

وعنه : عن الحسن ، عن زرعة ، عن سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام قال : من حفظ سهوه فأتمّه (٣) فليس عليه سجدتا السهو ، فإنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله صلّى بالناس ركعتين ، ثمّ سها ، فقال له ذو الشمالين : أنزل في الصلاة شيء ؟

فقال : وما ذاك ؟

قال : انّما صلّيت ركعتين.

فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : أتقولون مثل قوله ؟

قالوا : نعم ، فقام وأتمّ بهم الصلاة ، وسجد سجدتي السهو. (٤) الحديث.

وبإسناده عن سعد ، عن أبي الجوزاء ، عن الحسين بن علوان ، عن عمرو بن خالد ، عن زيد بن علي ، عن أبيه ، عن آبائه عن علي عليه السلام قال : صلّى بنا رسول الله صلّى الله عليه وآله الظهر خمس ركعات ثمّ انفتل ، فقال له بعض القوم : يا رسول الله ، هل زيد في الصلاة شيء ؟

قال : وما ذاك (٥) ؟

قال : صلّيت بنا خمس ركعات.

__________________

(١) كذا في « ب ، ج » ، وفي « د » والمصدر : ينفتل.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٤٦ ، عنه بحار الأنوار ١٧ : ١٠٠ ح ٢.

(٣) في هامش ج : أي بعد تذكّره.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٤٦ ، عنه بحار الأنوار ١٧ : ١٠٥ ذ ح ١١ ، وج ٨٨ : ١٤٨.

(٥) في ب : وما زاد.

١٢٨

قال : فاستقبل القبلة وكبّر وهو جالس ، ثمّ سجد سجدتين ليس فيهما قراءة ولا ركوع ، ثمّ سلّم ، وكان هما المرغمتان (١).

قال : الشيخ هذا الخبر شاذ لا يعمل عليه ؛ لأنّا قد بينّا انّ من زاد في الصلاة وعلم ذلك يجب عليه استئناف الصلاة ، وإذا شكّ في الزيادة فأنّه يسجد السجدتين المرغمتين ، ويجوز أن يكون عليه السلام انّما فعل ذلك لأنّ قول واحد له لم يكن ممّا يقطع به ، ويجوز أن يكون غلطاً منه ، وإنّما سجد السجدتين احتياطاً.

ثمّ أورد الحديث السابق في أوّل الرسالة الدالّة على نفي السهو ، وأورد ذلك الكلام وغيره مما تقدّم.

وبإسناده عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن علي بن فضال ، عن أبي جميلة ، عن زيد الشحّام قال : سألته عن رجل وذكر الحديث ـ إلى أن قال ـ : فإنّ نبي الله صلّى بالناس ركعتين ثمّ نسي حتى انصرف فقال له ذو الشمالين : يا رسول الله ، أحدث في الصلاة شيء ؟

فقال : أيّها الناس ، أصدق ذو الشمالين ؟

فقالوا : نعم ، لم تصلّ إلاّ ركعتين ، فقام فأتم ما بقي من صلاته (٢).

وبإسناده عن علي بن الحكم ، عن عبد الرحمن العزرمي ، [ عن أبيه ، ] (٣) عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : صلّى عليّ بالناس على غير طهر ، وكانت

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٤٩ ، عنه بحار الأنوار ١٧ : ١٠١ ح ٥.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٥٢ ، عنه بحار الأنوار ١٧ : ١٠١ ح ٦.

(٣) ليس في ب.

١٢٩

الظهر ، ثمّ دخل فخرج مناديه أنّ أمير المؤمنين عليه السلام صلّى على غير طهر ، فأعيدوا ، وليبلغ الشاهد الغائب (١).

أقول : قد تقدّمت عبارة الشيخ الّتي أوردها هنا في أوّل الرسالة (٢).

وبإسناده عن محمد بن علي بن محجوب ، عن أحمد ، عن الحسين ، عن فضالة ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : اغتسل أبي من الجنابة فقيل له : قد بقيت لمعة من ظهرك لم يصبها الماء فقال له : ما كان عليك لو سكت ثمّ مسح تلك اللمعة بيده (٣).

وروى الكليني ، عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن عثمان ابن عيسى ، عن سماعة بن مهران قال : سألته ، عن رجل نسى أن يصلّي الصبح حتّى طلعت الشمس ، قال : يصلّيها حين يذكرها ، فإنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله رقد عن صلاة الفجر حتى طلعت الشمس ، ثمّ صلاّها حين استيقظ ، ولكنّه تنحّى عن مكانه ذلك ، ثمّ صلّى (٤).

وعن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن النعمان ، عن سعيد الأعرج قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : نام رسول الله صلّى الله عليه وآله عن الصبح والله عزّ وجلّ أنامه حتّى طلعت الشمس عليه وكان ذلك رحمة من ربّك للناس ، ألا ترى لو أنّ رجلاً نام حتّى تطلع الشمس لعيّره الناس وقالوا : لا تتورّع لصلاتك ، فصارت اُسوة حسنة وسنّة فإن قال رجل لرجل :

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٤٣٣ ح ٥٢.

(٢) في ص : ٥٠.

(٣) التهذيب ١ : ٣٦٥ ح ١.

(٤) الكافي ٣ : ١٩٤ ، عنه بحار الأنوار ١٧ : ١٠٣ ح ٩.

١٣٠

نمت عن الصلاة ، قال : قد نام رسول الله صلّى الله عليه وآله ، فصارت اُسوة ورحمة ، رحم الله بها هذه الاُمّة (١).

وروي الكليني أيضاً حديثي سماعة السابقين وجعلها حديثاً واحداً (٢).

وروى ايضاً حديث الحسن بن صدقة السابق (٣).

وروى ابن بابويه في عيون الأخبار في باب ما جاء عن الرضا عليه السلام في وجه دلائل الأئمّة ، وفي ردّ الغلاة والمفوّضة :

عن تميم بن عبد الله بن تميم القرشي ، عن أبيه ، عن أحمد بن علي الأنصاري ، عن عبد السلام بن صالح الهروي قال : قلت للرضا عليه السلام : انّ في سواد الكوفة قوماً يزعمون أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله لم يقع عليه السهو في صلاته. فقال : كذبوا لعنهم الله ، إنّ الّذي لا يسهو هو الله لا إله إلاّ هو. (٤) الحديث.

وروى ابن إدريس في آخر السرائر نقلاً من كتاب محمد بن علي بن محبوب ، عن العبّاس ، عن حمّاد ، عن ربعي ، عن الفضيل (٥) قال : ذكرت لأبي عبد الله عليه السلام السهو فقال : ويفلت من ذلك أحد ، ربّما أقعدت الخادم خلفي لحفظ صلاتي (٦).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٩٤ ح ٩ ، الفقيه ١ : ٢٣٣ ح ١٠٣١ بطريق آخر والفاظ قريبة منه.

(٢) الكافي ٣ : ٢٩٤ ح ٩.

(٣) الكافي ٣ : ٣٥٦ ح ٣.

(٤) عيون أخبار الرضا عليه السلام ٢ : ٢٠٣ ، عنه بحار الأنوار ١٧ : ١٠٥ ح ١٤.

(٥) في ب : الفضل.

(٦) السرائر : ٤٨٦ ، عنه الوسائل ٣ : ٢٤٧.

١٣١

وروى الكليني في حديث أوّل كتاب كتب في الأرض إنّ الله عرض على آدم ذرّيته ، فلمّا نظر إلى داود ، وعرف قصر عمره قال : قد وهبت له من عمري أربعين سنة. فقال الله لجبرئيل وميكائيل : اُكتبوا عليه كتاباً فانّه سينسى (١).

أقول : هذا غاية ما يمكن أن يستدلّ به من جوّز السهو ، ويأتي وجهه إن شاء الله.

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣٨٧.

١٣٢

الفصل الثامن

في بيان ضعف هذه الأخبار ، وعدم جواز العمل بها ، وحلمها على ظاهرها

وذلك ظاهر بعد ما تقدّم ، ونزيده توضيحاً فنقول :

هذه الأخبار ضعيفة لوجوه اثني عشر :

الأول : كونها معارضة لظاهر القرآن في الآيات السابقة وغيرها ، وقد أمر الأئمّة عليهم السلام بعرض الحديثين المتعارضين على القرآن والعمل بما وافقه ، وترك ما خالفه في أحاديث كثيرة.

فإن قلت : هذه أيضاً موافقة لبعض الآيات.

قلت : قد عرفت إنّ تلك الآيات قليلة جداً ، مأوّلة في الأحاديث ، وإذا كان الأئمّة عليهم السلام قد فسّروها بما يوافق هذه الآيات ، علم أنّها ليست من المحكمات ، بل هي من المتشابهات ، والحديث الموافق للمحكمات يتعيّن العمل به لنصّ القرآن والحديث.

الثاني : كونها معارضة لأحاديث كثيرة أقوى منها ، فيتعيّن العمل بمعارضاتها لكثرتها بالنسبة إليها ، وقد عرفت جملة منها ، وأشرنا إلى أقسام

١٣٣

اُخر لو جمعت لبلغت أضعاف ما ذكرنا.

الثالث : كونها معارضة لإجماع الشيعة الإمامية ، وقد علم دخول المعصوم في هذا الإجماع بالنصوص عنهم عليهم السلام ، كما عرفت [ على ان ] (١) هذا (٢) المخالف يحتمل حمل كلامه على محمل صحيح يخرج عن المخالفة كما يأتي إن شاء الله.

ورواية الكليني لبعض تلك الأحاديث المتضمّنة للسهو لا يدلّ على اعتقاده بظاهرها (٣) ، لأنّه كما عرفت قد روى كثيراً من معارضاتها ، ولعلّه فهم منها ما فهمناه ممّا يأتي.

الرابع : كونها معارضة للمشهور بين الإمامية عى تقدير عدم ثبوت الاجماع ، وقد أمر الأئمّة عليهم السلام بترجيح الحديث الموافق للاجماع من الإمامية ، بل وللشهرة بينهم كما في حديث عمر بن حنظلة وغيره.

الخامس : كون أسانيد أكثرها ضعيفة ، فإنّ في سند الأوّل سيف بن عميرة ، وقد اختلف في توثيقه وتضعيفه ، وقد نقل الشهيد في شرح الإرشاد (٤) تضعيفه عن جماعة من الأصحاب ، وقد نقلوا أيضاً (٥) انّه فاسد المذهب واقفي ، ومن هذا شأنه كيف يعمل بحديثه فيما يخالف المذهب ؟

وأبو بكر الحضرمي غير معلوم الحال ، لم يتحقّّق له توثيق ولا مدح يعتدّ به ، ولا ثبت صحّة مذهبه.

__________________

(١) ليس في د.

(٢) في د : وهذا.

(٣) في د : لظاهرها.

(٤) روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان : ٣٤٠ ، ط الحجرية.

(٥) معجم رجال الحديث ٨ : ٥٤١.

١٣٤

والثالث في سنده البرقي ، وهو محمد بن خالد ، وقد ذكروا انّه ضعيف في الحديث يعتمد المراسيل ، ويروي عن الضعفاء ، ومنصور بن العّباس ضعيف جداً غال ، وعمرو بن سعيد فاسد المذهب فطحي ، والحسن ابن صدقة غير معلوم الحال ، وحديث أبي بصير فيه ضعف لفساد مذهبه ومذهب سماعة.

وكذا حديث سماعة الذي يرويه عنه زرعة ، وحديث زيد أضعف لوجود من هو فاسد المذهب ضعيف زيدي في سنده.

وحديث زيد الشحّام أضعف لأنّ أبا جميلة المفضّل بن صالح ضعيف جداً ، وابن فضال فاسد المذهب ، وحديث العزرمي أيضاً فيه ضعف وجهالة ، وحديث أبي بصير فيه اشتراك ، [ وتصريح ابن مسكان أحياناً بالرواية عن ليث المرادي لا يوجب تعينه دائماً ، ولا يدفع الإشتراك بين الثقة والضعيف ] (١) ومع ذلك لا اشعار فيه بالسهو أصلاً ، وحديث سماعة فيه مع فساد مذهب رواية انّه لا يدلّ على سهو ، ولا تقصير بوجه ، وكذا حديث سعيد الأعرج ، وحديث عبد السلام بن صالح ضعيف جداً [ ليس من رواية أحد يوجد له توثيق ولا مدح غير رواية عبد السلام ، بل هم من المجاهيل والضعفاء ، ] (٢) وعبد السلام من رجال العامّة المنكرين للعصمة بالكلّيّة ، فهذه قرينة دالّة على التقيّة إن صحّـت الرواية.

وحديث قصّة داود فيه مع قطع النظر عن سنده ، انّ النسيان هنا مثل النسيان في قوله تعالى : ( وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَىٰ آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ ) (٣).

__________________

(١و ٢) من ج فقط.

(٣) سورة طه : ١١٥.

١٣٥

وقد فسّره الأئمّة عليهم السلام بالترك (١) ، فالمعنى إنّه سينسى (٢) ؛ أي سيترك (٣) هذه الهيئة ويريد الرجوع فيها.

وأمّا إقعاد الخادم خلفه ، فلا يدلّ على جواز السهو عليه فضلا عن وقوعه ، بل الحكمة ؛ أمّا حصول الثواب للخادم ، أو ليتعلّم منه الصلاة ، أو لتحفظ عنه القراءة والأذكار ، أو ليتعلّم الناس الاعتناء بالصلاة ، أو للإشارة إلى جواز الاعتماد على قول الغير في عدد الركعات ، أو لئلاّ يخلو في بيت وحده كما وقع التصريح به في الحديث ، أو لئلاّ يعيّر أحد أحداً بالسهو ، كما صرّح به أيضاً ، أو لتعليم الناس التحفّظ من السهو أو غير ذلك من الحكم والمصالح ونظيره أمر الله الحفظة بكتابة أعمال بني آدم وحفظهما ( وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ) (٤) ( لاَّ يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى ) (٥) فما أجبتم : فهو جوابنا.

فقد ظهر إنّ الأحاديث الّتي يمكن الحكم بصحّتها في الجملة ثلاثة ، فكيف تقاوم جميع ما مرّ وما أشرنا إليه ممّا نذكره ؟

السادس : كونها معارضة للأدلّة العقليّة الكثيرة الّتي أوردنا بعضها وأشرنا إلى الباقي ، وموافقة معارضها للأدلّة المذكورة.

السابع : كونها مستلزمة للمفاسد السابقة وغيرها على تقدير ابقائها على ظاهرها.

__________________

(١) روي هذا المعنى عن ابن عبّاس ، عن اُبي بن كعب ، عن رسول الله صلّى الله عليه وآله قال : قال موسى عليه السلام : ( لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ ) يقول : بما تركت من عهدك. «انظر : بحار الأنوار ١٧ : ١١٩».

(٢) في ج : إنّك ستنسى.

(٣) في ج : ستترك.

(٤) سورة مريم : ٦٤.

(٥) سورة طه : ٥٢.

١٣٦

الثامن : كونها موافقة للتقيّة ، فإنّ جميع العامّة يخالفون الإمامية في مسألة العصمة ، الأحاديث المعارضة لها لا تحتمل التقيّة ، وقد أمر الأئمّة عليهم السلام في أحاديث كثيرة بعرض الحديث على مذهب العامّة ، والأخذ بما خالفهم ، وترك ما وافقهم.

ومعلوم إنّ أكثر أسباب الاختلاف في أحاديث أهل العصمة عليهم السلام هو ملاحضة التقيّة ، ومعلوم أيضاً انّ التقيّة كما تدعوا إلى الفتوى بما وافق العامّة ، كذلك تدعوا إلى الرواية بما يوافقهم ، ويأتي له نظائر إن شاء الله.

التاسع : كونها محتملة للتأويل ، بل للتأويلات المتعدّدة ، وعدم احتمال معارضاتها لذلك لكثرتها وتعاضدها ، ووجود الأدلّة العقليّة والإجماع وغير ذلك ، فتعيّن تأويل ما يحتمله ليوافق ما لا يحتمله.

العاشر : كونها لا تخلومن اجمال واشكال في مواضع متعدّدة ، وذلك من إمارات التقيّة.

الحادي عشر : وجود الاضطراب والتناقض فيها كما يأتي بيان بعضه إن شاء الله.

الثاني عشر : كون كثير من رواتها فاسدي المذهب ، وذلك أيضاً من إمارات التقيّة ؛ إذ نفهم من التتبّع انّ أكثر أحاديثها رواه من هو فاسد المذهب أو ضعيف.

إذا عرفت ذلك ظهر لك أنّ أكثر المرجّحات المأمور بها في الأحاديث موجودة هنا في أحاديث نفي السهو إن لم يكن كلها ، وأنّها موافقة لجميع أدلّة الشرع المعتبرة عند الاُصوليين والاخباريين ، وأنّ معارضاتها ضعيفة عند الفريقين على تقدير حملها على ظاهرها ، والله أعلم.

١٣٧

تذنيب

قال بعض المحقّقين من المتأخّرين : قد روي ما يدلّ على وقوع السهو من الرسول صلّى الله عليه وآله من طريق العامّة مع اضطراب في المتن واختلاف فيه ، ففي رواية إنّ ذا اليدين قال له : أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله ؟ فقال : كل ذلك لم يكن. فقال له : بعض ذلك قد كان (١).

وفي صحيح البخاري (٢) انّه قال في الجواب : لم تقصر ولم أنس.

وفي الصحيحين (٣) انّه لما قال له الخرباق وشهد له (٤) بعض الصحابة ، قام صلّى الله عليه وآله يجرّ ردائه فدخل الحجرة ، ثمّ خرج عليهم ، ثمّ صلّى ركعتين ، فسلّم ، ثمّ سجد للسهو سجدتين.

وقد وقع منهم في نقل القصّة اضطراب ، فتارة نقلوا انّه كان في صلاة الظهر ، وتارة في صلاة العصر ، وهذه الأحاديث الّتي من طرق العامّة بافترائهم عليه من وجوه :

الأوّل : الاضطراب المذكور في القصّة والمتن.

__________________

(١) صحيح البخاري ١ : ١٢٣، صحيح مسلم ١ : ٤٠٣ ح ٥٧٣، سنن النسائي ٣ : ٢٠ ـ ٢٥، سنن أبو داود ١ : ١١٨ ـ ١٢٢ ح ٤٣٥ ـ ٤٤٧.

(٢) صحيح البخاري ١ : ١٧٥.

(٣) صحيح البخاري ١ : ١٢٤ ، صحيح مسلم ١ : ٤٠٣.

(٤) في ب : عليه ، وفي د : له عليه.

١٣٨

الثاني : إنّ قوله عليه السلام « كلّ ذلك لم يكن » ، إن كان مع تجويزه السهو على نفسه مع وقوعه ، فكيف يجزم بأنّ كلّ ذلك لم يكن ، أو بأنّها لم تقصر ولم ينس ، وأقلّه أن يقول : ظنّي إنّ ذلك لم يكن ، أو بأنّها لم تقصر ولم أنس ، وهل يليق بمرتبته عليه السلام إنكار ذلك مع احتماله في حقّه حتّى أنّه يتجاوز الحدّ في إخراجه عن مرتبته من تأوّل قوله ؟ كلّ ذلك لم يكن انّ المراد به رفع الايجاب الكلّي ليكون الواقع السهو ، وهذا يليق بمن يحتال في الجواب لئلاّ يعترف بما نسب إليه ولا يفتضح بظهور خطأه ، فهل يليق به مثل ذلك ؟ مع انّ قوله : لم تقصر ولم أنس ، وقول ذي اليدين : بعض ذلك قد كان ، يدلاّن على انّه أراد السلب الكلّي ويرفعان هذه الحيلة في الجواب ، وربّما ترقوا إلى انّ هذا سهو آخر.

فيالله العجب من تجويز سهوين عليه ، وعدم تجويز سهو واحد على ذي اليدين ! ومن تكذيبه ، وتصديق ذي اليدين ! فعلى هذا كان ذو اليدين أحقّ منه بالنبوّة ، حيث لا يجوز عليه ولا على من شهد له السهو الواحد ، وجاز على رسول الله صلّى الله عليه وآله سهوان في وقت واحد !!

الثالث : كونه قام غضباناً يجرّ رداءه ، فهذا الغضب إن كان في قولهم الحقّ ، فهل يليق لمن قال تعالى في شأنه : ( وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ ) (١) ، وكان رسولاً لاظهار الحقّ ، وإرشاد الخلق ، أن يغضب من ذلك ، والذي يليق بحاله عليه السلام إن كان غضب من ذلك ، أن يكون من افترائهم عليه ، وشهادة بعضهم لبعض ، وهذا هو المناسب لغضبه ، واللائق به ، مع انّ الغضب الذي ذكروه لا يخلو من أن يكون لافترائهم عليه ، أو من خجله بإنكار ذلك ، أو من

__________________

(١) سورة القلم : ٤.

١٣٩

ردّهم عليه والاخيران لا ينسبهما إليه من يقول بنبوّته ، وأقبح منه خروجه وإتمام الصلاة ، فإنّه إذا اجترء على الإنكار ، جاز عليه الإصرار ، وهو أخفّ قبحاً من الاعتراف بعد الإنكار.

هذا ما تضمّنته أحاديثهم.

وأما أحاديثنا : فإنّها وإن لم يكن فيها ذلك ، لكن لكونها موافقة لما عليه العامّة مع شهرته بينهم ، وعدم عمل الإماميّة به إلاّ من شذّ ، ومخالفتها لأدلّة العقل تركوا العمل بها. « انتهى ».

وقد تقدّم كلام العلاّمة في التذكرة (١) وما ذكره في تضعيف حديث ذي الشمالين في أول الرسالة.

__________________

(١) في ص : ٥٣.

١٤٠