الجوهرة في نسب الإمام علي وآله

محمّد بن أبي بكر الأنصاري التلمساني [ البرّي ]

الجوهرة في نسب الإمام علي وآله

المؤلف:

محمّد بن أبي بكر الأنصاري التلمساني [ البرّي ]


المحقق: الدكتور محمّد التونجي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مكتبة النوري
الطبعة: ١
الصفحات: ١٢٧

لم أر كالجنة نام طالبها ، ولا كالنار نام هاربها. فتزودوا في الدنيا ما تحوزون به أنفسكم في الاخرة ، واعلموا خيرا تحزوا به خيرا يوم يفوز بالخير من يقدمه).

وكتب رضي الله عنه إلى عثمان بن حنيف الانصاري الأوسي حين استعمله على البصرة :

(أما بعد ، فقد بلغني أن بعض قطان البصرة دعاك إلى مأدبة ، فأسرعت. وكرت عليكم الجفان ، فكرعت ، فأكلت أكل يتيم نهم ، أو ضبع قرم (١). وما خلتك تأكل طعام قوم عائلهم مجفو ، وغنيهم مدعو. واعملوا أن إمامكم قد اكتفى بطمرته (٢) ، يسد فورة جوعه بقرصته ، ولا يطعم الفلدة إلا في سنة أضحيته. ولن تقدروا على ذلك ، فأعتينوني بورع واجتهاد. فمتاع الدنيا صائر إلى نفاد. والله ما أدخرت من دنياكم تبرا ، ولا أخذت من أقطارها شبرا. وإن قوتي فيها لبعض قوت أتان دبرة ، ولهي عندي أهون من عصفة مقرة (٣) (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين ، لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا ، والعاقبة للمتقين) (٤). ولو شئت لا هتديت إلى هذا العسل المصفى ولباب البر المربى حين ينضجه وقوده. هيهات أن يغرني معقوده. ولعل يتيما في المدينة يتضور من سغبة ، أبيت مبطانا ، وحولي بطون غرثى (٥)؟ إذا يخصمني في القيمة دهم (٦) من ذكر وأنثى ، وكان

__________________

(١) ضبغ قرم : مشتاق الى اللحم.

(٢) الطمر : الثوب البالي.

(٣) مقرة : كاسرة. مقر عنقه : ضربها بالعصا حتى تكسر العظم.

(٤) سورة القصص : ٢٨ / الآية : ٨٣

(٥) غرثى : جائعة

(٦) الرهم : العدد الكثير.

٨١

بقائلكم يقول : إذا كان هذا قوت أمير المؤمنين فقد قعد به العجز عن مبارزة الشجعان ومنازعة الاقران ، ألم تسمعوا الله يقول : (فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله ، وما ضعفوا وما استكانوا. والله يحب الصابرين)؟

والله ما اقتلعت باب خيبر بقود جسدانية ولا بحركة غذائية ، لكني أيدت بقوة ملكوتية. وأنا من أحمد كالضوء من الضوء. والله لو تظاهرت العرب على قتالي ما باليت ، ولو أمكنتني من رقابها ما بغيت : (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) (١). إليك عني يا دنيا ، حبلك عل يغار بك (٢) ، بثثت لي الحبالة (٣) فأنسللت من مخالبك ، ورأيت آثار مصائدك ، فاجتبت العبور في مراحضك. أين القرون التي أقنيتها بزخار فك ، وفي حبائلك أوقعتها ومتالفك. والله لو كنت شخصا مرثياه أو طللا حسينا لأقمت عليك حدود الله في عباد أسلمتهم مإلى التلف ، وأوردتهم موارد الهلكة والاسف. قيهات هيهات. من وطئ رحضك (٤) زلق ، ومن شرب من مائك شرق. والاسالم منك قليل ، وعزيزك وإن عظم حقير ذليل.

فاغربي عني ، فو الله لا ألين لك فتخذعيني ، ولا أنقاد لك فتذليني أتغزيني؟ بأن أنام على القباطي (٥) من اليمن ، وأتمرغ

__________________

(١) سورة آل عمران : ٣ / الآية : ١٤٦ (١) سورة الشعراء : ٢٦ / الآية : ٢٢٧.

(٢) مثل يضرب في تخلية الشئ ونقض اليد عنه. الغارب : الكاهل أو بين الظهر والعنق.

(٣) الحيالة : المصيدة.

المستقصى : ٢ / ٥٦

(٤) الرحيض : الثوب المغسول. وثوب رحض : غسل حتى خلق.

(٥) القباطي : ثياب كتان بيض رقاق تعمل بمصر ، وهي منسوبة الى القبط على غير قياس. مفردها قبطية.

٨٢

في مفروش من منقوش الارمن ، وأغذو نفسا حلوها ومرها ، لتسمن ، إذا أكون كابل ترعى وتبعر. والله لاروضن نفسي. رياضة تهش إلى قوتها إذا عنه نفرت ، وتقنع بمحها مأدوما إذا هي أفطرت ، لعلها تنال نعيما ، وملكا كبيرا جسيما والسلام).

وعن أبي حمزة الثمالي ، عن عبد الرحمن بن جندب ، عن كميل بن زياد النخعي قال : أخذ علي بن أبي طالب بيدي ، فأخرجني إلى ناحية الجبان. فلما أصخر تنفس الصعداء ثم قال : (يا كميل ، إن هذه القلوب أو عية فخيرها أوعاها. يا كميل احفظ عني ما أقول : الناس ثلاثة ، عالم رباني ، ومتعلم على سبيل نجاة ، وهمج رعاع. لكل ناعق أتباع يميلون مع كل ريح ، لم يستضيئوا بنور العلم ، ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق. يا كميل ، العلم خير من المال. العلم يحرسك ، وأنت تحرس المال. والمال تنقصه النفقة ، والعلم يزكو على الإنفاق. يا كميل محبة العالم دين يدان به يكسبه الطاعة في حياته وجميل الاحدوثد بعد وفاته ، ومنفعة المال تزول بزواله. والعلم حاكم والمال حاكم والمال محكوم عليه. يا كميل ، مات خزان المال ، والعلماء باقون ما بقي الدهر ، أعيانهم مفقودة ، وأمثالهم في القلوب موجودة. ثم قال : ها إن ها هنا علما ـ و. شار إلى صدره ـ لو أصبت له حملة ، بلى أصبته ، لقنا (١) غير مأمون. يستعمل آلة الدين في طلب الدنيا ، ويستظهر بحجج الله على أوليائه ، وبنعم الله على معاصيه ، أو مناقدا لحملة العلم ، لا بصيرة له أنحائه. يقدح الشك في قلبه بأول ناعق من شبهة ، ألا لا ذا ولا ذاك. فمن هو منهوم

__________________

(١) اللقن : الذكي العاقل أو السريع الفهم.

٨٣

باللذات ، سلس القياد إلى الشهوات ، ومغرم بالجمع والادخار ، وليس من دعاة الدين أقرب شبها به الأنعام ، كذلك يموت العلم بموت حامليه).

ثم قال : (اللهم لا تخلو الأرض من قائم بحجة إما ظاهرا مستورا ، وإما خافيا مغمورا ، لئلا تبطل حجج الله وميثاقه. وكم وأين أولئك الاقلون عددا ، والأعظمون قدرا ، بهم يحفظ الله حججه حتى يودعها في أشباههم ، هجم بهم العلم على حقائق الامور. فباشروا روح اليقين ، واستلانوا ما استوعر المترفون ، وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون ، صحبوا الدنيا بأبدان ، أرواحها معلقة بامحل الأعلى. يا كميل ، أولئك خلفاء الله في أرضه ، والدعاة إلى دينه. هاه هاه شوقا إليهم وإشلى رؤيتهم ، واستغفر الله لنا ولهم.).

وعن شريك بن عبد الله بن أبي نمر ، عن سعيد بن المسيب ، عن علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه ، قال :

(إن من حق العالم أن لا تكثر عليه السؤال ، ولا تعنته في الجواب. ولا تلح عليه إذا كسل ، ولا تأخذ بثبوته إذا نهض ، ولا تشير إليه بيدك ، ولا تفشي له سرا. ولا تغابن عنده أحدا ، ولا تطلبن عثرته ، فإن زل انتظرت أويته ، وقبلت معذرته ، وأن تؤثره ، وتعظمه لله ، ولا تمشي أمامه. وإن كانت له حاجة سبقت القوم إلى خدمته. ولا تتبرمن من طول صحبته ، فإنما هو بمنزلة النخلة ، تنتظر ما سقط عليك منها منفعة. وإذا جئت فسلم على القوم ، وخصة بالتحية ، واحفظه شاهدا وغائبا. وليكن ذلك

٨٤

كله لله ، فإن العالم أعظم أجرا من الصائم القام المجاهد في سبيل الله تعالى. وإذا مات العالم انثلمت في الاسلام ثلمة إلى يوم القيامة ، لا يسدها إلا خلف مثله. وطالب العلم تشيعه الملائكة من السماء).

وقال رضي الله عنه :

(رحم الله عبدا سمع فوعى ، ودعي إلى الرشاد فدنا ، وأخذ بحجزد هدى فنجا ، وراقب ربه وخاف ذنبه ، وقدم خالصا ، وعمل صالحا ، واكتسب مدخورا ، واجتنب محظورا ، وكابر هواه ، وكذب مناه ، وحذر أجلا ، ودأب عملا. وجعل الصبر رغبة حياته ، والتقى جنة وفاته).

وقال لرجال من أصحابه :

(كيف انتم؟ نرجو ونخاف. قال علي : من رجا شيئا طلبه. ومن خاف شيئا هرب منه. وما أدري ما خوف رجل عرضت له شهوة فلم يتركها لما يخاف ، وما أدري ما رجاء رجل نزل به بلاء فلم يصبر عليه لما يرجو).

وقال ، رضي الله عنه :

(يأتي على الناس زمان لا يقرب فيه ، إلا الماحل ، ولا يظرف فيه إلا الفاجر ، ولا يضعف فيه إلا المصنف. يتخذون الفئ مغنما ، والصدقة مغرما ، وصلة الرحم منا والعبادة ، استطالة على الناس. فعند ذلك يكون سلطان النساء ، ومشاورة الإماء ، وإمارة الصبيان).

وقال له رضي الله عنه ، قائل :

٨٥

(أين كان ربك قبل أن يخلق السماء والأرض؟ قال : يا أعرابي ، أين سؤال عن مكان ، وكان الله ولا مكان؟).

وقال : (سيأتي على الناس زمان لا يبقى من الإسلام إلا اسمه ، ولا من القرآن إلا رسمه. مساجدهم يومئذ عامرة ، وهي خراب من الهدى علما ، وهم شر من تحت أديم السماء ، منهم خرجت الفتنة ، وفيهم تعود).

وقال ، رضي الله عنه :

(لا يزال الدين والدنيا قائمان ما دام العلماء يستعملون ما علموا ، والجهال يستكثرون ما لم يعلموا ، والاغنياء لا يبخلون بما خولوا ، والفقراء لا يبيعون آخرتهم بدنياهم).

وقال ، رضي الله عنه :

(قطيعة العاقل تعدل صلة الجاهل). وقال : (من سعادة المرء خمسة أشياء : أن تكون زوجته موافقة ، وأولاده ابرارا ، وإخوانه أتقياء ، وجيرانه صالحين ، وزرقه في بلده).

ويروى أن عليا ، رضي الله عنه ، لما زرجع من صفين ، فدخل أوائل الكوفة ، إذا هو بقبر. قال : (قبر من هذا؟) قالوا : قبر خباب بن الأرث (١). فوقف عليه وقال : (رحم الله)

__________________

(١) خباب بن الأرث ، أبو عبد الله وقيل أبو أحمد وهو ابن جندلة بن خزيمة بن كعب بن سعد بن زيد مناة. عربي لحقه سباء في الجاهلية ، فبيع بمكة. وقيل : هو حليف بني زهرة ، وقيل : هو مولى أم أنمار بنت سباع الخزاعية. وكان من السابقين إلى الاسلام ، وممن تعذب في الله تعالى. وكان سادس ستة في الإسلام. شهد مع النبي بدرا والمشاهد كلها. توفي بالكوفة في خلافة علي سنة ٣٧ ، وكان عمره ثلاثا وسبعين سنة.

تهذيب الأسماء : ١ / ١٧٥

٨٦

خبابا ، أسلم راغبا ، وهاجر طائعا ، وعاش مجاهدا ، وابتلي في جسمه أحوالا. ولن يضيع الله أجر من أحسن عملا).

ثم مضى فإذا أقبر ، فجاء حتى وقف عليها ، فقال : (السلام عليكم أهل الديار الموحشة ، والمحال المقفرة. أنتم لنا سلف ، ونحن لكم تبع ، وبكم عما قليل لا حقون. اللهم اغفر لنا ولهم ، وتجاوز عنا وعنهم. طوبي لمن ذكر المعاد ، وعمل للحساب ، وقنع بالكفاف ، ورضي عن الله تعالى).

ثم قال : (يا أهل القبور ، أما الأزواج فقد نكحت ، وأما الدار فقد سكنت ، وأما الأموال فقد قسمت. فهذا خبر ما عندنا ، فما خبر ما عندكم؟)

ثم التفت إلى أصحابه فقال : (أما إنهم ، لو تكلموا لقالوا : وجدنا خير الزاد التقوى).

وقال الزبير بن بكار : أوصى علي ، رضي الله عنه ، ابنه الحسن فقال : يا بني ، أوصيك بتقوى الله تعالى في الغيب والشهادة وكلمة الحق في الرضى والغضب ، والقصد ، في الغنى والفقر والعدل على الصديق والعدو ، والعمل في النشاط والكسل ، والرضى عن الله عز وجل في الشدة والرخاء. يا بني ، ما شر بعده الجنة بشر ، ولا خير بعده النار بخير. وكل نعيم دون الجنة حقير. وكل بلاء دون النار عافية. إعلم يا بني ، إن من أبصر عيب نفسه شغل عنعيب غيره. من رضي بقسم الله تعالى لم يحزن على ما فاته. ومن سال سيف بغي قتل به. ومن حفر لأخيه بيرا وقع فيها. ومن هتك حجاب أخيه انكشفت

٨٧

عورات بيته. ومن نسي خطيئته استعظم خطيئة غيره. ومن أعجب برأيه ضل. ومن استغنى بعقله زل. ومت تكبر على النسا ذل. ومن خالط الأنذال أحتقر. ومن دخل مداخل السوء اتهم. ومن جالس العلماء وقر. ومن مزح استخف به. ومن أكثر من شئ عرف به. ومن كثر كلامه كثر خطؤه ، وقل حياؤه ، ومن قل حياؤه قل ورعه. ومن قل ورعه مات قلبه. ومن مات قلبه دخل النار. يا بني ، الأدب خير ميراث. وحسن الخلق خير قرين. يا بني العافية عشرة اجزاء ، تسعة منها في الصمت ، إلا عن ذكر الله عز وجل ، وواحدة في ترك مجالسة السفهاء. يا بني زينة الفقر الصبر ، وزينة الغنى الشكر. يا بني لا شرف أعلى من الإسلام ، ولا كرم أعز من التقوى ، ولا شفيع أنجح من التوبة. ولا لباس أجمل من العافية. والحرص مفتاح المقت ، ومطية للنصب. التدبر قبل العمل يؤمنك الندم. بئس الزاد للمعاد العدوان على العباد. طوبى لمن أخلص لله عز وجل علمه وعمله وحبه ويغضه وأخذه وتركه وكلامه وصمته وقوله وفعله.

وعن عبد الملك بن هارون بن غعنترة ، عن أبيه ، عن جده قال : أتى رجل علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، فقال : أخبرني عن القدر. قال : (طريق مظلم فلا تسلكه. قال : أخبرني عن القدر. قال : (بحر عميق فلا تلجه). قال : أخبرني عن القدر. قال : (سر الله ، فلا تكلفه). قال : ثم ولى الرجل غير بعيد ثم رجع ، فقال لعلي : في المشئية الأولى أقوم وأقعد وأقبض وأبسط. فقال له علي رضي الله عنه : (إني سائلك عن ثلاث خصال ، ولن يجعل الله عز وجل لك ولا لمن ذكر المشيئة مخرجا. أخبرني : أخلفك الله لما شاء ، أو لما شئت؟).

٨٨

قال : بل لما شاء. قال : (أخبرني أفتجئ يوم القيامة كما شاء أو كما شئت؟). قال : بل كما شاء. قال : (فليس لك من المشيئة شئ).

وكان علي ، رضي الله عنه ، يسير في الفئ بسيرة أبي بكر الصديق في القسم. وإذا ورد عليه مال لم يبق من شيئا إلا قسمه ، ولا يترك في بيت المال منه إلا ما يعجز عن قسمه في يومه ذلك. ويقول :

(يا دنيا غري غيري). ولم يكن يستأثر بشئ من الفئ ، ولا يخص به حميما ولا قريبا. ولا يخص بالولايات إلا أهل الديانات والأمانات. وإذا بلغه عن أحدهم جناية كتب إليه : (قد جاءتكم موعظة من ربكم ، فأوفوا الكيل والميزان بالقسط ، ولا تبخسوا الناس أشياءهم ، ولا تعثوا في الأرض مفسدين. بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين. وما أنا عليكم بحفيظ. إذا أتاك كتابي هذا فاحتفظ بما في يديك من عملنا حتى نبعث إلبيك من يتسلمه منك).

ثم يرفع طرفه إلى السماء فيقول : (اللهم إنك تعلم إني لم آمرهم بظلم خلقك ولا بترك حقك).

وعن الأجلح بن عبد الله الكندي ، عن أبي المغيرة عبد الله ابن أبي الهذيل قال : رأيت عليا خرج وعليه قميص غليظ رازي. إذا مد كم قميصه بلغ إلى الظفر ، وإذا أرسله صار لى نصف الساعد.

وحدث الحر بن جرموز عن أبيه قال : رأيت علي بن أبي

٨٩

طالب يخرج من مسجد الكوفة وعليه قطريتان (١) ، متزر بالواحدة ، مرتد بالأخرى ، وإزاره إلى نصف الساق ، وهو يطوف في الاسواق ، ومعه درة ، يأمرهم بتقوى الله ، وصدق الحديث ، وحسن البيع ، والوفاء بالكيل والميزان.

وعن مجمع التيمي أبي حمزة أن عليا قسم ما في بيت المال بين المسلمين ، ثم أمر به فكنس ، ثم صلى فيه رجاء أن يشهد له يوم القيامة.

وحدث سفيان بن عيينة قال : نا عاصم بن كليب عن أبيه قال : قدم على علي مال من اصبهان ، فقسمه سبعة أسباع ، ووجد فيه رغيفا فقسمه سبع كسر ، وجعل على كل جزء كسرة. ثم أقرع بينهم أيهم يعطى أولا.

وذكر عبد الرزاق عن الثوري عن أبي حيان التيمي قال : رأيت علي بن أبي طالب على المنبر يقول : (من يشتري مني سيفي هذا؟ فلو كان عندي ثمن إزار ما بعته). فقام إليه رجل فقال : أنا أسلفك ثم إزار.

وروى وكيع عن علي بن صالح ، عن عطاء قال : رأيت على علي قميص كرابيس (٢) غير غسيل.

وقال أبو نيزر : جاءني علي بن أبي طالب ، وأنا أقوم بضيعة

__________________

(١) القطرية : ضرب من البرود. وفي الحديث أنه عليه‌السلام كان متوشحا بثوت قطري. والبرود القطرية حمر لها أعلام ، فيها بعض الخشونة. منسوبة إلى (قطر) فخففوا وكسروا القاف للنسبة ، فقالوا : قطري والأصل : قطري.

(٢) كرابيس : مفردها كرباس وهو الثوب الخشن (فارسية).

٩٠

عين نيزر والبغيبغة (١) ، فقال لي : (هل عندك من طعام؟). فقلت : طعام لا أرضاه لأمير المأمنين ، قرع من قرع الضيعة بإهالة سنخة (٢). فقال : (علي به). فقام إلى الربيع ، وهو جدول ، فغسل يده ، ثم أصاب من ذلك شيئا ، ثم رجع إلى الربيع فغسل يديه بالرمل حتى أنقاهما ، ثم ضم (يديه) (٣) كل واحدة منهما إلى أختها ، وشرب بهما حسا (٤) من الربيع ثم قال : (يا أبا نيزر ، إن الأكف أنظف الآنية). ثم مسح ندى ذلك الماء على بطنه ، وقال : (من أدخله بطنه النار فأبعده الله). ثم أخذ المعمول وانحدر في العين فجعل يضرب ، وأبطأ عليه الماء ، فخرج وقد تفضج (٥) جبينه عرقا. فانتكف العرق عن جبينه ، ثم أخذ المعول وعاد إلى العين ، فأقبل يضرب فيها ، وجعل يهمهم ، فأنثالث كأنها عنق جزور ، فخرج مسرعا. فقال : (أشهد (الله) أنها صدقه. علي بدواة وصحيفة). قال : فعجلت بهما ، فكتب : (بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا ما تصدق به عبد الله علي أمير المؤمنين. تصدق بالضيعتين

__________________

(١) ضيعتان لعلي بن أبي طالب. روى يونس أن أبا نيزر الذي تنسب إليه العين هو مولى علي (رضي) ، وكان ابنا النجاشي ، اشتراه علي من تاجر في مكة وأعتقه مكافأة بما صنع أبوه مع المسلمين المهاجرين. رووا أن عليا أوصى بهما لمواليه وذا غلط لأنه وقف الضيعتين لسنتين من خلافته كما جاء في المتن.

(٢) الإهالة : ما أذيب من الشحم والألية أو هي كل دهن يؤتدم به. سنخة : متغيرة الريح.

(٣) الاضافة من معجم البلدان في (عين أبي نيزر) ، وانظر تفصيل الحكاية فيه.

(٤) حسا : مفردها حسوة وهي الشربة مل ء الفم.

(٥) في معجم البلدان : تنضخ. وربما جازت : تفضخ.

٩١

المعروفتين بعين أبي نيزر والبغيبغة على فقراء أهل المدينة وابن السبيل ، ليقي الله بهما وجهه حر النار يوم القيامة ، لا تباعا ولا توهبا حتى يرثهما الله ، وهو خير الوارثين ، إلا أن يحتاج إليهما الحسن والحسين ، فهما طلق (١) لهما ، وليس لأحد غيرهما).

قال : فركب الحسين دين ، فحمل إليه معاوية بعين أبي نيزر مئتي ألف دينار ، فأبى أن يبيع. وقال : إنما تصدق بها أبي ليقي الله بهما وجهه حر النار. ولست بائعهما بشئ.

كان أبو نيزر من أبناء ملوك الأعاجم. وقيل إنه من ولد النجاشي ، وهو الصحيح. فرغب في الإسلام صغيرا. فأتى رسو الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكان معه في بيوته. فلما توفي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم صار مع فاطمة وولدها عليهم‌السلام.

__________________

(١) طلق : حلال.

٩٢

وأخباره

رضي الله عنه في تقشفه في لباسه ، وفي طعمه ، أشهر من هذا

كله ، ولا يحيط بسيره وفضائله كتاب

وحدث حفص بن غياث : نا الثوري ، عن أبي قيس الأودي قال : أدركت الناس وهم ثلاث طبقات : أهل دين يحبون عليها ، وأهل دنيا يحبون معاوية ، وخوراج.

وقال أحمد بن حنبل وأسماعيل بن اسحاق القاضي : لم يرو في فضائل أحد من الصحابة بالأسانيد ما روي في فضائل علي بن أبي طالب. وكذلك قال أحمد بن شعيب بن علي أبو عبد الرحمن النسائي رحمه الله.

وقال هارون بن اسحاق : سمعت يحيى بن معين يقول : من قال : أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ، وعرف لعلي سابقته وفضله ، فهو صاحب سنة. ومن قال : أبو بكر وعمر وعلي وعثمان ، وعرف لعثمان سابقته وفضله فهو صاحب سنة. وكان يحيى بن معين يقول : أبو بكر وعمر وعلي وعثمان.

ووقف جماعة من أئمة أهل السنة في علي وعثمان ، فلم يفضلوا واحدا منهما على صاحبه ، منهم : مالك بن أنس ، ويحيى بن سعيد القطان. وأكثر أهل اسنة على تقديم أبي بكر

٩٣

في الفضل على عمر ، وتقديم عمر على عثمان ، وتقديم عثمان على علي.

وقد كان بنو أمية ينالون منه وينتقصونه ، فما زاده الله بذلك إلا سموا وعلوا ومحبة عند العلماء. وذكر الطبري قال : نا محمد ابن عبيد المحاربي قال : نا عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه قال : قيل لسهل بن سعد (١) إن أمير المدينة يريد أن يبعث إليك تسب عليا عند المنبر. قال : أقول ماذا؟ قال : تقول : أبا تراب. فقال : والله ما سماه ذلك. إلا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. قال : قلت : وكيف ذلك يا أبا العباس؟ قال : دخل علي على فاطمة ، ثم خرج من عندها ، فأضطجع في صحن المسجد ، فدخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على فاطمة ، فقال : أين أبن عمك؟ قالت : هو ذلك مضطجعا في المسجد. قال : فجاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فوجده قد سقط رداؤه عن ظهره ، وخلص التراب إلى ظهره. فجعل يمسح التراب عن ظهره ، ويقول : (اجلس أبا تراب ، فوالله ما سماه به إلا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم). ما كان اسم أحب إليه منه.

وروى ابن وهب عن حفص بن ميسرة عن عامر بن عبد الله بن الزبير أنه سمع ابنا له يتنقص عليا ، فقال : يا بني إياك والعودة

__________________

(١) سهل بن سعد الساعدي أبو العباس وقيل أبو يحي. صحابي. كان اسمه حزنا فسماه النبي سهلا. شهد قضاء رسو الله في المتلاعنين. كان له يوم وفاة النبي (ص) خمس عشرة سنة ، وتوفي بالمدينة سنة ثمان وثمانين ، وقيل إحدى وتسعين. قال ابن سعد : هو آخر من مات من أصحاب النبي ، ليس فيه خلاف. روى ١٨٨ حديثا.

تهذيب الأسماء ١ / ٢٣٨

٩٤

الى ذلك ، فإن بني مروان شتموه ستين سنة ، فلم يزده الله بذلك إلا رفعة ، وإن الدين لم يبن شيئا ، فهدمته الدنيا. وإن الدنيا لم تبن شيئا إلا عادت على ما بنت فهدمته.

وحدث محمد بن اسحاق السراج : نا محمد بن أحمد بن أبي خلف قال : حدثني حصين بن عمر عن مخارق وعن طارق قال : جاء ناس إلى ابن عباس فقالوا : جئناك نسألك. فقال : سلوا جاء ناس إلى ابن عباس فقالوا : أي رجل كان أبو بكر؟ قال : كان خيرا كله ، أو قال : كالخير كله على حدة كانت فيه. قالوا : فأي رجل كان عمر؟ قال : كان كالطير الحذر الذي يظن أن له في كل طريق شركا. قالوا : فأي رجل كان عثمان؟ قال : رجل ألهته نومته عن يقظته. قالوا : فأي رجل كان علي؟ قال : كان قد ملئ جوفه حكما وعلما وبأسا ونجدة مع قرابته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم

وكان يظن أن لا يمد يده إلى شئ إلا ناله ، فما مد يده إلى شئ فناله.

قال ابن السارج : وأخبرنا محمد بن الصباح قال : نا عبد العزيز الدراوردي عن عمر مولى غفرة عن محمد بن كعب عن عبد الله بن عمر قال : قال عمر لأهل الشورى : لله درهم إن ولوها الأصيلع ، يعني علينا. كيف يحملهم على الحق ، ولو كان السيف على عنقه. فقلت : أيعلم ذلك ولا يوليه؟ قال : إنه قال : إن لم أستخلف وأتركهم ، فقد تركهم من هو خير مني.

وقال الشعبي : قال لي علقمة : تدري ما مثل علي في هذه الأمة؟ قلت : وما مثله؟ قال : مثل عيسى بن مريم ، أحبه قوم حتى هلكوا في بغضه.

٩٥

وحدث شبابة بن سوار : نا أبو بكر الهذلي عن الحسن قال : لما قدم علي رضي الله عنه البصرة قام إليه ابن الكواء وقيس بن عباد فقالا له : ألا تخبرنا عن مسيرك هذا الذي سرت فيه تتولى على هذه الأمة ، تضرب بعضهم ببعض ، أعهد من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عهده إليك؟ فحدثنا فأنت الموثوق المأمون على ما سمعت. فقا : أما أن يكون عندي عهد من النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في ذلك فلا والله. وإن كنت من أول من صدقه ، فلا أكون أول من كذب عليه. ولو كان عندي من النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في ذلك عهد ما تركت أخا بني تيم بن مرة وعمر بن الخطاب يقومان على منبره ، ولقاتلتهما بيدي ولو لم أجد إلا بردي هذا ، ولكن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يقتل قتلا ، ولم يمت فجاءة. مكث في مرضه أياما وليالي ، يأتيه المؤذن فيؤذنه بالصلاة ، فيأمر أبا بكر فيصلي بالناس ، وهو يرى مكاني ، ثم يأتيه المؤذن فيؤذنه بالصلاة ، فيأمر أبا بكر فيصلي بالناس وهو يرى مكاني. ولقد أرادت امرأة من نسائه أن تصرفه عن أبي بكر فأبي عليها وغضب ، وقال : أنتن صواحب يوسف ، مروا أبا بكر فيصلي بالناس.

فلما قبض الله عز وجل نبيه نظرنا في أمورنا ، فاخترنا لدنيانا من رضيه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لديننا. وكانت الصلاة أصل الإسلام ، وقوام الدين. فبايعنا أبا بكر ، وكان ذلك أهلا ، لم يختلف عليه منا اثنان. ولم يشهد بعضنا على بعض ، ولم نقطع منه البراءة ، فأديت إلى أبي بكر حقه ، وعرفت له طاعته ، وغزوت معه في جنوده. وكنت آخذ إذا أعطاني ، وأغزو إذا

٩٦

أغزاني ، وأضرب بين يديه الحدود بسوطي.

فلما قبض ، رضي الله عنه ، ولاها عمر ، فأخذها بسنة صاحبه ، وما يعرف من أمره. فبايعنا عمر ، لم يختلف عليه منا اثنان ، ولم يشهد بعضنا على بعض ، ولم نقطع منه البراءة. فأديت إلى عمر حقه ، وعرفت له طاعته ، وغزوت معه في جيوشه. فكنت أخذ إذا أعطاني ، وأغزو إذا أغزاني ، وأضرب بين يديه الحدود بسوطي.

فلما قبض ذكرت في نفسي قرابتي وسابقتي وفضلي ، وأنا أظن أن لا يعدل بي ، ولكن خشي أن لا يعمل الخليفة بعده ذنبا إلا لحقه في قبره ، فأخرج نفسه وولده. ولو كانت محاباة منه لآثر بها ولده ، فبرئ منها إلى رهط من قريش ، أنا أحدهم. فلما اجتمع الرهط تذكرت في نفسي قرابتي وسالفتي وفضلي ، وأنا أظن أن لا يعدلوا بي. فأخذ عبد الرحمن مواثيقنا على أن نسمع ونطيع لمن ولاه الله أمرنا. ثم أخذ بيد عثمان ، فضرب بيده على يده.

فنظرت في أمري فإذا طاعتي قد سبقت بيعتي ، وإذا ميثاقي قد أخذ لغيري. فبايعنا عثمان ، فأديت إليه حقه ، وعرفت له طاعته ، وغزوت معه في جيوشه. فكنت آخذ إذا أعطاني ، وأغزوا إذا أغزاني ، وأضرب بين يديه الحدود بسوطي. فلما أصيب نظرت في أموري ، فإذا الخليفتان اللذان أخذاها بعهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إليهما بالصلاة قد مضيا ، وهذا الذي أخذله ميثاقي قد أصيب فبايعني أهل الحرمين وأهل هذين المصرين.

٩٧

وبويع لعلي ، رضي الله عنه ، بالخلافة يوم قتل عثمان ، رحمه الله ، واجتمع على بيعته المهاجرون والأنصار ، وتخلف عن بيعته منهم نفر ، فلم يهجهم ، ولم يكرههم. وسئل عنهم ، فقال : (أولئك قوم قعدوا عن الحق ولم يقوموا مع الباطل). وفي رواية اخرى : (أولئك قوم خذلوا الحق ، ولم يبصروا الباطل).

وتخلف عن بيعته أيضا معاوية ومن معه في جماعة أهل الشام. فكان منهم في صفين بعد الجمل ما قد كان تغمد الله جميعهم بالغفران.

وقتل مع علي في صفين أبو اليقظان عمار بن ياسر بن عامر بن مالك ابن كنانة بن قيس بن الحصين بن لوذين. ويقال : لوذيم : بن ثعلبة بن عوف بن حارثة بن عامر بن يام بن عنس العنسي المذحجي. وعنس بالنون أخو مراد ، وأبوهما مالك بن أدد ، وهو جماع مذحج. وكان ياسر أبو عمار قدم مكة من اليمن. فخالف أبا حذيفة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم. فزوجه أبو حذيفة أمة له يقال لها سمية بنت خياط ، فولدت له عمارا ، فأعتقه أبو حذيفة. فمن ها هنا هو عمار مولى لبني مخزوم ، وأبوه عربي كما ذكر.

وكان عمار وأمه سمية وأبوه ياسر ممن عذب في الله. ثم أعطاهم عمار ما أرادوا بلسانه. واطمأن بالإيمان قلبه ، فنزلت فيه : (إلا من أكره ، وقلبه مطمئن بالإيمان) (١). وهذا مما اجتمع عليه أهل التفسير. وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يمر بهم ، وهم يعذبون ، فيقول لهم : (صبرا يا آل ياسر ، صبرا

__________________

(١) سورة الأنعام : / ٦ الآية : ١٢٢.

٩٨

يا آل ياسر ، فإن موعدكم الجنة. اللهم اغفر لآل ياسر ، وقد فعلت).

وأمه سمية فيما روى سفيان وشعبة وجرير عن منصور ، عن مجاهد بن جبر ، أول شهيد استشهد في الإسلام. وروى أبو رزين عن عبد الله بن مسعود قال : إن أبا جهل طعن بحربة في فخذ سمية ، أم عمار حتى بلغت فرجها ، فماتت. فقال عمار : يا رسول الله ، بلغ منا العذاب كل مبلغ. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (صبرا أبا اليقظان ، اللهم لا تعذب من آل ياسر أحدا بالنار).

وقال مجاهد : أول من أظهر الإسلام رسول الله وأبو بكر وبلال وصهيب وخباب وعمار وسمية أم عمار.

وهاجر عمار إلى أرض الحبشة ، وصلى القبلتين ، وهو من المهاجرين الأولين. ثم شهد بدرا والمشاهد كلها ، وأبلى ببدر بلاء حسنا. ثم شهد اليمامة فأبلى فيها. يضا ، ويومئذ قطعت أذنه.

ذكر الواقدي : حدثنا عبد الله بن نافع عن أبيه ، عن عبد الله بن عمر قال : رأيت عمار بن ياسر يوم اليمامة على صخرة ، وقد اشرف يصيح : (يا معشر المسلمين أمن الجنة تفرون؟ أنا عمار بن ياسر ، هلموا إلي). وأنا أنظر إلى أذنه ، قد قطعت ، فهي تذبذب ، وهو يقاتل أشد القتال. وكان ، فيما ذكر الواقدي : طويلا ، أشهل ، بعيدا ما بين المنكبين. وقال ابراهيم بن سعيد ، بلغنا أن عمار بن ياسر قال : كنت تربا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في سنة ، ولم يكن أحد أقرب به سنا مني.

وروي عن ابن عباس في قول الله عز وجل : (أو من كان

٩٩

ميتا فأحييناه ، وجعلنا له نورا يمشي به في الناس) (١) ، قال : هو عمار بن ياسر (كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها) (٢) ، قال : أبو جهل بن هشام.

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (إن عمارا ملئ إيمانا إلى مشاشته) (٣). وروى مسروق عن عائشة قالت : ما من أحد من أصحاب محمد أشاء أن أقول فيه إلا قلت ، إلا عمار بن ياسر فإني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : (إن عمار ياسر حشي ما بين أخمص قدميه إلى شحمة أذنه إيمانا).

وعن خالد بن الوليد أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : (من أبغض عمارا أغضه الله). قال خالد : فما زلت أحبه من يومئذ : (تقتل عمارا الفئة الباغية). وعن أبي عبد الرحمن السلمي قال : شهدت مع علي ، رحمه الله ، صفين ، فرأيت عمار بن ياسر لا يأخذ في جهة ، ولا واد من أودية صفين إلا رأيت أصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم يتبعونه ، كأنه علم لهم. وسمعت عمارا يقول يومئذ لهاشم بن عتبة : يا هاشم ، تقدم الجنة تحت الأبارقة (٤) : اليوم ألقى الأحبة محمدا وحزبه.

والله لو هزمونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر لعلمنا أنا على الحق ، وأنهم على الباطل.

__________________

(١) تتمة الآية السابقة.

(٢) الاضافة من معجم البلدان.

(٣) المشاشة (هنا) : ما أشرف من عظم المنكب.

(٤) روى الطبري في : ٥ / ٤١ أنه قال : الجنة تحت ظلال السيوف.

١٠٠