الجوهرة في نسب الإمام علي وآله

محمّد بن أبي بكر الأنصاري التلمساني [ البرّي ]

الجوهرة في نسب الإمام علي وآله

المؤلف:

محمّد بن أبي بكر الأنصاري التلمساني [ البرّي ]


المحقق: الدكتور محمّد التونجي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مكتبة النوري
الطبعة: ١
الصفحات: ١٢٧

وروي أن عليا قال بعد مصاب عمار بصفين : (إن امرأ من المسلمين لم يعظم عليه قتل ابن ياسر ، وتدخل عليه به المصيبة الموجعة لغير رشيد. رحم الله عمارا يوم أسلم ، ورحم الله عمارا يوم قتل ، ورحم الله عمارا يوم يبعث حيا. لقد رأيت عمارا ، وما يذكر من أصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم أربعة إلا كان رابعا ، ولا خمسة إلا كان خامسا. وما كان أحد من قدماء أصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم يشك أن عمارا قد وجبت له الجنة في غير موطن ، ولا اثنين. فهنيئا لعمار الجنة. ولقد قيل إن عمارا مع الحق ، والحق مع عمار. يدور عمار مع الحق أينما دار ، وقاتل عمار في النار.

وعن الصقعب بن زهير عن عبد الله بن جنادة أبي رملة أن سفيان بن عوف حدثه بمكة ، والتقيا في الحج. فقال : إني لعند معاوية إذ أتي برأس عمار بن ياسر (١) ، فقال عبد الله بن عمر وبن العاصي : بشر قاتل عمار بالنار. فقال معاوية ، وضرب على صدره : أبطلت ، ففيم نحن إذا؟ فقال : سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : (تقتل عمارا الفئة الباغية). فقال معاوية : صدقت ، إنك لا تعرف تأويل هذا المنطق ، نحن نبغي قتلة ابن عفان حتى ننقى (٢) بدمه.

وعهد إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن آخر شربة يشربها من الدنيا شربة لبن. فاستسقى يوم صفين. فأتته امرأة طويلة اليدين بإناء فيه ضياح (٣) من لبن. فقال عمار حين شربه : الحمد لله ، الجنة تحت الأسنة. ثم قاتل حتى قتل.

__________________

(١) انظر تفصيل مقتله في الطبري : ٥ / ٣٨

(٢) ننقى : ننظف.

(٣) الضياح : اللبن المزوج بالماء.

١٠١

وكانت سن عمار يوم قتل نيفا على تسعين سنة. قتله أبو الغادية الفزاري ، واحتز رأسه ابن جزء السكسكي. ودفنه علي في ثيابه ، ولم يغسله. وروى أهل الكوفة أنه صلى عليه. وهو مذهبهم في الشهداء أنهم لا يغسلون ، ولكنهم يصلى عليهم.

وكانت صفين في ربيع الآخر سنة سبع وثلاثين. ولما أجهد أهل الشام القتال بصفين ، وسئموا منه ، وخافوا الفناء رفعوا المصاحف على أسنة الرماح ، وقالوا : بيننا وبينكم كتاب الله.

وعن علي بن أبي طالب قال : (جاء عمار يستأذن على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوما ، فعرف صوته ، فقال : مرحبا بالطيب المطيب ، إنذنوا له).

وقال عبد الرحمن بن أبزى (١) : شهدنا مع علي صفين في ثمان مئة ممن بايع بيعة الرضوان ، قتل منا ثلاثة وستون ، منهم عمار بن ياسر.

وتواترت الآثار عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : (تثتل عمارا الفئة الباغية). وهو حديث ثابت صحيح ، أخبر فيه عليه‌السلام بما يكون بعده من مغيبات الأمور ، وهو من بواهر معجزاته صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وروى هذا الحديث جماعة من الصحابة مشهورون ، وهم : عثمان بن عفان ، وأبو هريرة ، وأبي بن كعب ، وأبو سعيد الخدري ، وأنس بن مالك ، وعمر وبن العاصي ، وابنه عبد الله بنعمر ، وخزيمة بن ثابت الأنصاري ذو

__________________

(١) عبد الرحمن بن أبزي صحابي خزاع ٠ ، مولى نافع بن الحارث. سكن الكوفة ، واستعمله علي على خراسان. وأكثر رواياته عن عمر وأبي بن كعب. روى اثني عشر حديثا ، وروى عنه ابناه سعيد وعبد الله وغيرهما.

تهذيب الأسماء ١ / ٢٩٣

١٠٢

الشهادتين. قال محمد بن عمارة بن خزيمة بن ثابت : ما زال جدي خزيمة كافا سلاحه يوم صفين. فلما قتل عمار سل سيفه ، فقاتل حتى قتل. وقال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : (تقتل عمارا الفئة الباغية). وروته أم سلمة رضي الله عنها.

مسلم : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : نا إسماعيل بن ابراهيم ، عن ابن عون ، عن الحسن ، عن أمه ، عن أم سلمة قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمرهم بذلك عمرو ابن العاصي. فقال أهل العراق لعلي : يا أمير المؤمنين ، بيننا وبينهم كتاب الله نحاكمهم إليه. فقال : (إنها مكيدة منهم ، فناجزوهم حتى يرجعوا إلى أمر الله وحكمه). فأبوا عليه.

وحكم أهل العراق أبا موسى الأشعري ، وحكم أهل الشام عمر وبن العاصي. وكان علي قال لأهل العراق : (حكموا عبد الله بن عباس). فقالوا : لا والله ، لا يجتمع في الحكم مضريان. فلما اجتمع أبو موسى وعمرو مكر عمروا بأبي موسى.

ولما كان من أمر الحكمين ما كان خرجت الخوارج على علي ، فكفروه ، وكفروا كل من معه ، إذ رضي بالتحكيم ، وقالوا له : حكمت الرجال في دين الله ، والله يقول : (إن الحكم إلا لله). ثم اجتمعوا ، وشقوا عصا المسلمين ، ونصبوا راية الخلاف ، وسفكوا الدماء ، وقطعوا السبل ، وقتلوا عبد الله بن خباب بن الأرت ذبحا. وقيل إنهم ضربوا عنقه ، وبقروا بطن امرأته ، وهي حبلى ، أبعدهم الله.

وخباب : أبوه من خيار الصحابة ، شهد بدرا ، وكان من المعذبين في الله بمكة في أول الإسلام. وهو من بني سعد بن

١٠٣

مناة بن تميم. وكان أصابه سباء ، فبيع بمكة ، فاشترته أم أنمار الخزاعية ، وهي أم أبي ٠ نيار سباع بن عبد العزى الخزاعي الغبشاني ، حليف بني زهرة ، فأعتقته. وكانت أم سباع ختانة بمكة. ولولدها سباع قال حمزة يوم أحد : هلم إلي يا بن مقطعة البظور. وحين التقيا ضربه حمزة فقتله.

وانضم خباب إلى سباع ، واد عن حلف بني زهرة بهذا السبب. وكان خباب رجلا قينا. وكان بظهره برص. الواقدي قال : كان خباب يكنى أبا عبد الله. ومات بالكوفة سنة سبع وثلاثين ، وهو ابن ثلاث وستين أو ثلاث وسبعين. وهو أول من قبره علي بالكوفة ، وصلى عليه منصرفه من صفين ، وله عقب.

١٠٤

كيفية قتل الخوارج عبد الله بن خباب

قال أبو بكر محمد بن الحسين الآجري (١) في كتاب (الشريعة) له : حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال : نا شيبان بن فزوخ قال : نا سليمان بن المغيرة ، عن شيبان بن هلال ، عن رجل كان مع الخوارج ، ثم فارقهم. وحدثنا جدي وأبو خيثمة زهير بن حرب قالا : نا اسماعيل بن ابراهيم عن أيوب ، عن حميد بن هلال ، عن رجل منعبد القيس كان مع الخوارج ثم فارقهم ، قال : دخلوا قرية ، فخرج عبد الله بن خباب يجر رداءه. فقالوا : لم ترع؟ مرتين. فقال : والله لقد رعتموني. قالوا : أأنت عبد الله بن خباب صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ قال : نعم. قالوا : فهل سمعت من أبيك حديثا حدثه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حدثناه؟ قال : سمعته يقول عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه ذكر فتنة القاعد فيها خير من القائم ، والقائم فيها خير من الماشي ، والماشي فيها خير من الساعي. قال : فإن أدركتها

__________________

(١) هو محمد بن الحسين بن عبد الله الحافظ أبو بكر البغدادي الآجري المحدث الشافعي. توفي بمكة سنة ٣٦٠. وآخر من قرى بغداد. له تصانيف عديدة

١٠٥

فكن عبد الله المقتول. قال أيوب : ولا أعلمه إلا قال : ولا تكن عبد الله القاتل قالوا : أأنت سمعت هذا من أبيك يحدث به عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ قال : نعم. فقدموه على ضفة النهر ، فضربوا عنقه ، فسال دمه كأنه شراك ما أمذ فر ، يعني : ما اختلط بالماء الدم ، وبقروا أم ولده عما في بطنها.

وقال المبرد في الكامل : إن الخوارج قالوا لعبد الله بن خباب : ما تقول في أبي بكر وعمر؟ فأثنى خيرا. فقالوا له : فما تقول في علي قبل التحكيم؟ وفي عثمان ست سنين؟ فأثنى خيرا. فقالوا له : فما تقول في علي قبل التحيكم؟ وفي عثمان ست

وقال المبرد في الكامل : إن الخوارج قالوا لعبد الله بن خباب : ما تقول في أبي بكر وعمر؟ أثنى خيرا. فقالوا له : فما تقول في علي قبل التحكيم؟ وفي عثمان ست سنين؟ فأثنى خيرا. قالوا : فما تقول في الحكومة والتحكيم؟ قال : أقول : إن عليا أعلم بالله منكم وأشد توقيا لدينه ، وأنفذ بصيرة. قالوا : إنك لست تتبع الهدى ، إنما تتبع الرجال على أسمائها. ثم قربوه إلى شاطئ النهر فذبحوه ، فامذفر دمه ، أي جرى مستطيلا على ذقنه.

وساموا رجلا نصرانيا بنخلة ، فقال : هي لكم. فقالوا : ما كنا لنأخذها إلا بثمن. فقال : ما أعجب هذا! تقتلون مث عبد الله بن خباب ، ولا تقبلون منا نخلة إلا بثمن؟ وكان قتل عبد الله

١٠٦

ابن خباب بقرية يقال لها (كسكر) (١). فبهذا السبب استحل علي قتالهم ، واستئضالهم بالقتل.

__________________

(١) كسكر : كروة واسعة ينسب إليها الفراريج الكسكرية قرب البصرة من سقي النهروان.

معجم البلدان (كسكر)

١٠٧

قتل علي الخوارج

وخرج إليهم رضي الله عنه بمن معه ، ورام رجعتهم ، فأبوا الا القتال. وكان علي أرسل إليهم عبد الله بن عباس ، فاجتمع معهم واحتج عليهم بحجج من كتاب الله عز وجل ، ومن فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وفعل أبي بكر وعمر حتى قطعهم. ولم يجدوا جوابا لما قال : فقال بعضهم لبعض : دعوه عنكم ولا تجيبوه ، فلن تطيقوا مخاصمة ابن عباس ، إنه من القوم الذين قال الله تعالى فيهم : (بل هم خصمون) (١). وقال جل ثناؤه : (وتنذر بهقوما لدا) (٢).

وكان فيهم من تبينله الحق. فرجع معه منهم من حروراء ألفان إليالحق. وصدقوا ابن عباس فيما قال ، ولزموا عليها. وأما الباقون فمكثوا على ضلالهم وعنادهم ، وهم أهل النهروان ، وكانوا ستة آلاف. فقتل منهم علي بالنهروان ألفين وثماني مئة في أصح الأقاويل. وقتل معهم رئيسهم عبد الله بن وهب (٣) ذو

__________________

(١) سورة الزخرف : ٤٣ / الآية : ٥٨.

(٢) سورة مريم : ١٩ / ٩٧.

(٣) عبد الله بن وهب الراسبي من الأئمة الاباضية. كان ذا علم ورأي وفصاحة. أدرك النبي (ص) وشهد فتوح العراق مع سعد بن أبي وقاص. ثم كان مع علي في حروبة. ولما وقع التحكيم أنكر جماعة فيهم الراسبي. فاجتمعوان بالنهروان

١٠٨

الثفنات الراسبي من بني راسب بن مالك بن ميدعان بن مالك بن نصر بن الأزد بن الغوث.

ثم جمعوا لعلي ، ولم يقتل من عسكر علي غير تسعة ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أخبر عليا خبرهم ، وأنه يقتلهم. وآية ذلك أن أحدهم إدحدى عضديه مثل ثدي المرأة. فلما قتلهم علي أمر بتفتيش المخدج اليد ، فلم يوجد ، فتغير وجه علي ، وقال : (والله ما كذبت ولا كذبت ، فتشوه). ففتشوه فوجوده في وهذة من الأرض بين القتلى. فلما رآه علي كبر وحمد الله تعالى.

وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن أبي سعيد الخدري قال : بيما نحن عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهو يقسم قسما أتاه ذو الخويصرة ، رجل من بني تميم فقال لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إعدل. قال : (ويلك ، ومن يعدل إذا لم أعدل! قد خبت وخسرت إن لم أعدل). قال : (ويليك ، ومن يعدل إذا لم أعدل! قد خبت وخسرت إن لم أعدل). فقال عمر : يا رسول الله ، إئذن لي فيه أضرب عنقه. فقال له : (دعه ، فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع ضلاتهم ، وصيامه مع صيامهم. يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، ينظر إلى نصله فلا يوجد فيه شئ ، ثم ينظر إلى قذذه (١) فلا يوجد فيه شئ ثم ينظر إلى رصافة (٢) فلا يوجد فيه ،

__________________

(بين بغداد وواسط) ، وأقروه عليهم ، فقاتلوا عليا. وقتل الراسبي في هذه المعركة سنة ٣٨

الكامل : ٢ / ١١٩

(١) القذة : الأذن.

(٢) الرصاف : عظام الجنب.

١٠٩

ثم ينظر إلى نضه ـ وهو قدحه ـ فلا يوجد فيه شئ. قد سظسبق الفرث والدم. آيتهم رجل أسود ، إحدى عضديه مثل ثدي المرأة ، أو مثل البضعة تدردر (١) ، يخروجون على حين فرقة من الناس).

قال أبو سعيد : فأشهد أني سمعت هذا الحديث من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأشهد أن علي بن أبي طالب قاتلهم ، وأنا معه. فأمر بذلك الرجل فالتمس في القتلى ، فأتي به ، حتى نظرت إليه على نعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم الذي نعته.

وعن يزيد بن أبي زياد قال : سألت سعيد بن جبير عن أصحاب النهر فقال : حدثني مسروق قال : سألتني عائشة ، رضي الله عنها [و] عنهم ، فقالت : لم أره. ولكن شهد عندي من قد رآه. قالت : فإذا قدمت الأرض فاكتب إلي بشهادة نفر قد رأوه. قال : فجئت ، والناس أسباع. قال : فكلمت من كل سبع عشرة ممن قد رآه. قال : فقلت : كل هؤلاء عدل رضى. فقالت : قاتل الله فلانا ، فإنه كتب إلي أنه أصابه بمصر.

قال يزيد : وحدثني من سمع عائشة ، ورحمها الله ، تقول : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : (إنهم شرار أمتي يقتلهم خيار أمتى).

وحدث قطن بن عبد الله الحدايني قال : حدثني أبي قال : نا أبو غالب قال : كنت في مسجد دمشق فجاؤوا بسبعين رأسا من

__________________

(١) البضعة : القطعة. تدردر : تمزمز وترجرح أي تجئ وتذهب. والأصل : تتدرد ، فحذفت إحدى التاءين تخفيفا.

١١٠

رؤوس الخوارج ، فنصبت على درج المسجد. فجاء أبو أمامة ، فنظر إليها فقال : كلاب جهنم شر قتلى قتلوا تحت ظلل السماء. ومن قتلوا خير قتلى تحت ظلل السماء ، وبكى ونظر إلي. قال فقال : يا أبا غالب ، إنك ببلد هؤلاء به كثير. قال : قلت : نعم. قال : أعاذك الله منهم. ثم قال : أتقرأ القرآن؟ قلت : نعم. قال : (هو الذي أنزل علكى الكتاب منه آيات محكمات ، هن أم الكتاب ، وأخر متشابهات) إلى قوله : (والراسخون في العلم يقولون : آمنا به) (١). قال : قلت : يا أبا أمامة إني رأيتك تغر غرت لهم عيناك. قال : رحمة لهم إنهم كانوا من أهل الإسلام ، فخرجوا من الإسلام. فقال له رجل : يا أبا أمامة ، أمن رأيك تقوله أو شئ سمعته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ قال : إني إذا لجرئ ، لقد سمعته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم غير مرة وا مرتين ولا ثلاث ولا أربع حتى عد سبع مرات.

أبو غالب راوي هذا الحديث عن أبي أمامة اسمه حزور : روى عنه أزهر بن صالح وابن عيينة ، وحماد بن زيد. ذكره مسلم صاحب الصحيح في كتاب (الكنى). وأبو أمامة : هو حدي بن عجلان الباهلي صاحب النبي عليه‌السلام.

وروى الاعمش عن ابن ابي اوفى عن النبي (ص) قال (الخوارج كلاب النار). وقال عليه‌السلام فيهم (طوبى لمن قتلهم أو قتلوه).

__________________

(١) سورة آل عمران ٣ : ٣ / الآية : ٧.

١١١

خبر مقتل علي رضي الله عنه

ذكر عمر بن شبة عن الضحاك بن مخلد أبي عاصم النبيل وموسى بن اسماعيل أنه سمع أباه يقول : جاء عبد الرحمن ان ملجم يستحمل عليا فحمله. ثم قال : أريد حباءه :

أريد حباءه ويريد قتلي

عذيري من خليلي من مراد (١)

(وافر)

أما إن هذا قاتلي. قيله له : فما يمنعك منه؟ قال : (إنه لم يقتلني بعد). وأتي علي فقيل له : إن ابن ملجم يسم سيفه ويقول : إنه سيفتك فتكة تحدث بها العرب. فبعث فيه وقال له : (لم تسم سيفك؟) فقال : لعدوي وعدوك. فخلى عنه ، وقال : (ما قتلني بعد).

وكان سبب قتل ابن ملجم لعلي أنه خطب امرأة من بني

__________________

(١) يروى أن عليا كان يتمثل ، إذا رأى ابن ملجم ، ببيت عمر وبن معد يكرب في قيس ابن مكشوح المرادي. غير أن المبرد رواه هكذا :

أريد حباءه ويريد قتلي

عزيرك من خليسلك من مراد

رغبة الآمل : ٧ / ١٢٤

١١٢

عجل بن لجيم يقال لها قطام. وقال المبرد : إنها قطام. وقال المبرد : إنها قطام بنت علقمة بن تيم الرباب. وكانت ترى رأي الخوارج. وكان علي قد قتل أباها وإخوتها بالنهروان. فلما تعاقد الخوارج على قتل علي وعمر وبن العاصي ومعاوية بن أبي سفيان خرج منهم ثلاثة نفر لذلك. وكان عبد الرحمن بن ملجم المرادي حليفا لهم من تجوب ، وقيل : (من السكون من كندة. وقيل من حمير هو الذي اشترط قتل علي منهم. والثاني الحجاج بن عبد الله : وهو البرك التميمي الصريمي (١). اشترط قتل معاوية. والثالث زاذويه : مولى بني العنب ربن عمر وبن تميم. اشترط قتل عمر وابن العاصي. وتواعدوا أن يكون ذلك في ليلة واحدة ، وهي ليلة سبع عشرة ، وقيل : ثمان عشرة ، وقيل : ليلة تسع عشرة من رمضان.

فدخل ابن ملجم ، لعنه الله ، الكوفة عازما على ذلك ، واشترى لذلك سيفا بألف ، وسقاه السم فيما زعموا حتى لفظه. وكان في خلال ذلك يأتي عليا ، ويستحمله فيحمله. إلى أن وقعت عينه على قطام. وكانت امرأة رائعة جميلة ، فأعجبته ، وكانت معتكفة في المسجد الأعظم بالكوفة ، ووقعت بنفسه فخطبها ، فقالت : قد آليت أن لا أتزوج إلا على مهر لا أريد سواه. فقال : وما هو؟ قالت : ثلاثة آلاف وعبد وقينة وقتل علي ابن أبي طالب. فقال : والله لقد قصدت لتقل علي بن أبي طالب

__________________

(١) الحجاج بن عبد الله من بني سعد بن زيد مناة ، ثائر من أهل البصرة. كان أول من عارض في التحكيم ، فقال : لا حكم إلا لله. وخرج على الفريقين. ثم كان أحد الذين اتفقوا على قتل علي ومعاوية وعمر و. قتل سنة ٤٠ ه‍ ـ.

الكامل : ٣ / ١٥٧

١١٣

والفتك به ، وما أقدمني إلى هذا المصر غير ذلك. ولكن لما رأيتك آثرت تزويجك. فقالت : ليس إلا الذي قلت. فقال لها : وما يغعنيك أو يغني منك قتل علي ، وأنا أعلم أني إن قتلته لم أفت؟ فقالت ، إن قتلته ونجوت فهو الذي أردت تبلغ شفاء نفسي ، ويهنيك العيش معي. وإن قتلت فما عند الله خير من الدنيا وما فيها. فقال لها : لك ما اشترطت.

وفي تزوج ابن ملجم لقطام ، وما دار بينهما في قتل علي يقول شاعر الخوارج :

ولم أر مهر ساقه ذو سماحة

كمهر قطام من فصيح وأعجم

ثلاثة آلاف وعبد وقينة

وضرب علي بالحسان المصمم

(خفيف)

وقيل : إن عدو الله بن ملجم جلس مع شيب بن بجرة الأشجعي بعد محاورة كانت بينهما في قاتل علي قبالة السدة التي يخرج منها علي إلى المسجد. فخرج علي إلى صلاة الصبح فبدره شبيب (١) فضربه فأخطأه ، وضربه عبد الرحمن بن ملجم على رأسه وقال : الحكم لله يا علي لا لك ولا لأصحابك. فقال علي : (فزت ورب الكعبة. لا يفوتنكم الكلب). فشد عليه الناس من كل ناحية. فلما هم الناس به حمل عليهم سيفه ،

__________________

(١) هو شبيب بن بجرة. قال : لله الحكمُ يا علي لا لك أيِّداً. انتزع رجل من حضرموت سيفه من يده وصرعه ، وقعد علي صدره. وكثر الناس فجعلوا يصيحون : عليكم صاحب السيف. فخاف الحضرمي أن يُكبُّوا عليه ولا يسمعوا عذره ، وانسل شبيب بين الناس.

رغبة الآمل : ٧ / ١٢٦

١١٤

فأفرجوا له ، فتلقاه المغيرة بن نوفل بن الحرث بن عبد المطلب (١) بقطفة ، فرقى بها عليه واحتمله ، وضرب به الأرض ، وقعد على صدره ، وانتزع سيفه ، وكان أيدا. ثم حمل ابن ملجم ، وحبس حتى مات علي ، رحمه الله ، فقتل لا رحمه الله ، ورحم الله عليها والمغيرة.

وقال عبد الله بن حبيب أبو عبد الرحمن السلمي : أتيت الحسن بن علي في قصر أبيه ، وكان يقرأ علي ، وذلك في اليوم الذي قتل فيه علي. فقال لي إنه سمع أباه في ذلك السحر يقول له : (يا بني ، رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الليلة في نومة نمتها. فقلت : يا رسول الله ماذا لقيت من امتك من الأود؟ فقال : أمدع الله عليهم. فقال : اللهم أبدئلني بهم خيرا منهم ، وأبدلهم بن من هو شر مني). ثم انتبه ، وجاء مؤذنه بالصلاة. فخرج فاعتوره الرجلان. فأما أحدهما فوقعت ضرتبه في الطاق. وأما الآخر فضربه في رأسه. وذلك في صبيحة يوم الجمعة لسبع عشرة من رمضان ، صبيحة بدر.

وروى أبو رؤوف عبد الله بن مالك قال : جمع الأطباء إلى علي رضي الله عنه يوم جرح ، وكان أبصرهم بالطب أثير بن عمر والسكوني : وكان يقال له : أثير بن عمريا ، وكان صاحب

__________________

(١) المغيرة ... قرشي هاشمي. ولد على عهد رسول الله بمكة قبل الهجرة ، وقيل : لم يدرك حياة رسول الله إلا ست سنين ، يكنى أبا يحي. أوصى علي أن يتزوج أمامة بعده ، فتزوجها. وهو الذي ألقى القطيفة على ابن ملجم لما ضرب عليا ، وكان شديد القوة شهد مع علي صفين ، وكان قاضيا في خلافة عثمان. روى عن النبي حديثا واحدا.

أسد الغابة : ٤ / ٤٠٨

١١٥

كرسي ، يتطبب. وهو الذي تنسب إليه صحراء أثير (١) فأخذ أثير رثة شاة ، فتتبع عرقا منها ، فاستخرجه وأدخله في جراحة علي ، ثم نفخ العرق فاستخرجه نفإذا عليه بياض ، وإذا الضربة قد وصلت إلى أم رأسه. فقال : يا أمير المؤمنين ، أعهد عهدك ، فإنك ميت. وفي ذلك يقول عمران بن حطان الخارجي (٢) :

يا ضربد من تقي ما أراد بها

إلا لبيلغ من ذي العرش رضوانا

إني لأذكره حينا فأحسبه

أوفى البيرية عند الله (٣) ميزانا

(بسيط)

كذب أبعده الله ، وقال بكر بن حماد التاهرتي مناقضا له :

قل لابن ملجم والأقدار غالبة :

هدمت ويلك للإسلام أركانا

قتلت أفضل من يمشي عدم قدم

وأول الناس إسلاما وإيمانا

وأعلم الناس بالقرآن ثم بما

أسن الرسول لنا شرعا وتبيانا

صهر النبي ومولاه وناصره

أضحت مناقبه نورا وبرهانا

وكان منه على رغم الحسود له

مكان هارون من موسى بن عمرانا

وكان في الحرب سيفا صارما ذكرا

ليثا إذا لقي الأقران أقرانا

__________________

(١) أثير : يقول ياقوت : كأنه تصغير أثر. وصحراء أثير بالكوفة. ينسب إليها أثير بن عمر والسكوني الطبيب الكوفي. ويعرف بابن عمر يا. قال عبد الله بن مالك : جمع الأطباء لعلي لما ضربه ابن ملجم ، وكان أبصرهم بالطب أثير.

معجم البلدان (أثير)

(٢) : عمارن بن حطان بن ظبيان السدوسي الشيباني أبو سماك. رأس القعدة من المصفرية وخطيبهم وشاعرهم. كان قبل ذلك من رجال العلم والحديث من أهل البصرة. طلبه الحجاج فهرب إلى الشام ثم إلى عمان. ومات هناك سنة ٨٤ ه‍ ـ.

الاصابة ، رقم : ٦٨٧٧

(٣) ورد البيتان في رغبة الآمل : ٧ / ٨٤ ، مع اختلاف في الرواية.

١١٦

ذكرت قاتله والدمع منحدر

فقلت : سبحان رب العرش سبحانا

إني لأحسبه ما كان من بشر

يخشى المعاد ولكن كان شيطانا

أشقى مراد إذا عدت قبائلها

وأخسر الناس عند الله ميزانا

كعاقر الناقة الأولى التي جلبت

على ثمود بأرض الحجر خسرانا

قد كان يخرهم أن سوف يخضبها

قبل المنية أزمانا فازمانا

فلا عفا الله عنه ما تحمله

ولا سقى قبر عمران بن حطانا

لقوله في شقي ظل مختبلا

ونال ما ناله ظلما وعدونا

يا ضربة من تقي ما أراد بها

إلا ليبلغ من ذي اتلعرش رضوانا

بل ضربة من شقي أوزدته لظى

مخلدا قد أتى الرحمن غضبانا

(بسيط)

وروى ابن الهادي عن عثمان بن صهيب ، عن أبيه ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لعلي : (من أشقى الأولين؟) قال : الذي عقر الناقة. قال : (صدقت. فمن أشقى الآخرين؟). قال : : لا أدري. قال : (الذي يضربك على هذه). يعني لحيته.

وكان علي ، رضي الله عنه ، كثيرا ما يقول : ما يمنع أشقاها ، أو : ما ينتظر أشقاها أن يخضب هذه من دم هذا ـ ويشير إلى لحيته ورأسه ـ خضاب دم لا خضاب عطر ولا عبير.

وذكر النسائي من حديث عمار بن ياسر عن النبي عليه‌السلام أنه قال لعلي : (أشقى الناس الذي عقر الناقة ، والذي يضربك على هذا ـ ووضع يده على رأسه ـ حتى يخضب هذه ـ يعني لحيته ـ). وذكره الطبري وغيره ، وذكره ابن اسحاق في (السير) عن عمار في غزوة ذي العشيرة.

١١٧

وروى الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن ثعلبة الحماني ، سمع علي بن أبي طالب يقول : (والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لتخضبن هذه من دم هذا) يعني رأسه.

وقال بكر بن حماد التاهرتي (١) ، رحمه الله :

وهز علي بالعقراقين لحية

مصيبتها جلت على كل مسلم

فقال : سيأتيها من الله حادث

ويخضبها أشقى البرية بالدم

فباكره بالسيف شلت يمينه

لشؤم قطام عند ذاك ابن ملجم

فيا ضربة من خاسر ضل سعيه

تبوأ منها مقعدا في جهنم

ففاز أمير المؤمنين بحظه

وإن طرقت فيه الخطوب بمعظم

ألا إنما الدنيا بلاء وفتنة

حلاوتها شيبت بصاب (٢) وعلقم

(طويل)

وقال أبو زبيد الطائي (٣) :

إن الكرام على ما كان من خلق

رهط أمرئ ضاره للدين مختار

__________________

(١) بكر بن حماد بن سمك الزناتي أبو عبد الرحمن التاهرتي. شاعر عالم بالحديث ورجاله. من أفاضل المغرب. ولد بتاهرت بالجزائر ونسب إليها. ورحل إلى البصرة سنة ٢١٧ ثم إلى القيروان ثم عاد إلى تاهرت فتوفي فيها سنة ٢٩٦ ه‍ ـ :

البيان المغرب : ١ / ١٥٣

(٢) الصاب : شجر مر إذا اعتصر خرج كهيئة اللبن.

(٣) أبو زبيد : شاعر جاهلي أدرك الاسلام ، ولكن ظل على نصرانيته. وكان من المعمرين. يقال : بلغ من العمر مئة وخمسين سنة. وكان نديم الوليد بن عقبة ويشربان معا. ولما عين الوليد على الرقة تبعه أبو زبيد. ومات فدفن على البليخ.

الشعر والشعراء : ١ / ٢١٩

١١٨

طب بصير بأضغان (١) الرجال ولم

يعدل بحبر رسول الله أحبار

وقطرة قطرت إذ حان موعدها

وكل شئ له وقت ومقدار

حتى تنصلها في مسجد طهر

على إمام هدي إن معشر جاروا

حمت ليدخل جنات أبو حسن

وأوجبت بعده للقاتل النار

(بسيط)

وقال الكميت :

والوصي الذي أمال التجوب‍

ي به عرش أمه لانهدام

قتلوا يوم ذاك إذ قتلوه

حكما لا كغابر الحكام

الإمام الزكي والفارس المع‍

ـ لم تحت العجاج غير (٢) الكهام

راعيا كان مسجحا ففقدنا

ه ، وفقد المسيم هلك (٣) السوام

(خفيف)

وكان قتادة ، رحمه الله ، يقول : قتل علي رضي الله عنه على غير مال احتجنه (٤) ، ولا دنيا أصابها.

وذكر أن ابن ملجم لما ضرب عليا ، رضي الله عنه ، أدخل منزله فأعتزته غشية ، ثم أفاق. فدعا الحسن والحسين فقال : (أوصيكما بتقوى الله تعالى ، والرغبة في الآخرة ، والزهد في الدنيا. لا تأسفا على شئ فاتكما منها. اعملا الخير ، وكونا للظالم خصما ، وللمظلوم عونا).

ثم دعا محمدا فقال : (أما سمعت بما أوصيت به

__________________

(١) الطب : الحاذق. الضغن : الحقد والعداوة. الخبر : العالم.

(٢) الكهام : الكليل البطئ

(٣) السوام : الماشية والإبل.

(٤) احتجن المال : ضمه إلى نفسه واحتواه.

١١٩

أخويك؟) قال : بلى. قال : (فإني أوصيك به. وعليك ببر أخويك ، وتوقيرهما ، ومعرفة فضلهما. ولا تقطع أمرا دونهما). ثم أقبل عليهما فقال : (أوصيكما به خيرا ، فإنه سيفكما وابن أبيكمما. وأنتما تعلمان أن أباه كان يحبه فأحباه).

ولما أدخل أبن ملجم ، عدو الله ، على علي ، رضي الله عنه ، قال له الذين أدخلوه : يا عدو الله ، لا بأس على أمير المؤمنين. قال : فعلام تبكي إذا ، أم كلثوم؟ والله لقد ضربته ضربة لو كانت بأهل منى لوسعتهم. ولقد سقيت سيفي السم حتى لفظه ، وما كان ليخونني.

ولما مثل بين يدي علي قال : (إحبسوه ، وأحسنوا إساره. فإن أعش فسأرى فيه رأيي في العفو أو القصاص. وإن أمت فقتل نفس بنفس ، ولا تمثلوا به).

ولما دفن علي رضي الله عنه أراد الحسن أن يقتل عدو الله ابن ملجم بضربة واحدة. فقال عبد الله بن جعفر : كلا والله حتى أذيقه العذاب الأليم. فقطعه عضوا عضوا حتى مات ، لعنه الله.

وروي أن البرك الصريمي وزاذويه فارقا ابن ملجم من الكوفة على ما تعاقدوا عليه. فذهب البرك إلى الشام إلى معاوية للفتك به ، فضربه على أليته ، وهو في الصلاة. فأمر به ، فحبس ، وأراد قتله ، فقال له البرك : لا تجعل واحبسني فإن في هذه الليلة قتل علي. فقال : ويلك ، وما يدريك؟ قال : إنا تواعدنا ثلاثة لقتل علي وقتلك وقتل عمر وبن العاصي ، فإن وجدت الأمر على خلاف ما قلت لك فأضرب عنقي. فوصل

١٢٠