المنطق

الشيخ محمّد رضا المظفّر

المنطق

المؤلف:

الشيخ محمّد رضا المظفّر


المحقق: الشيخ رحمة الله رحمتي الأراكي
الموضوع : الفلسفة والمنطق
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٤

فالمجموع مركب ، و (شر الإخوان) مركب أيضاً ، و (من تكلف له) مركب أيضاً ...

أقسام المركب

المركب : تام وناقص. التام : خبر وإنشاء.

أ ـ التام والناقص : (١)

١ ـ بعض المركبات للمتكلم أن يكتفي في إفادة السامع ، والسامع لا ينتظر منه إضافة لفظ آخر لإتمام فائدته. مثل الصبر شجاعة. قيمة كل امرئ ما يحسنه. إذا علمت فاعمل ـ فهذا هو (المركب التام). ويعرَّف بأنه : «ما يصح للمتكلم السكوت عليه».

٢ ـ أما إذا قال : (قيمة كل امرئ ...) وسكت ، أو قال : (إذا علمت ...) بغير جواب للشرط ، فإن السامع يبقى منتظراً ويجده ناقصاً ، حتى يتم كلامه. فمثل هذا يسمى (المركب الناقص). ويعرف بأنه : (ما لا يصح السكوت عليه).

ب ـ الخبر والإنشاء

كل مركب تام له نسبة قائمة بين أجزائه تسمى النسبة التامة أيضاً ، وهذه النسبة :

١ ـ قد تكون لها حقيقة ثابتة في ذاتها ، مع غض النظر عن اللفظ وإنما يكون لفظ المركب حاكياً وكاشفاً عنها. مثلما إذا وقع حادث أو يقع فيما يأتي ، فأخبرت عنه ، كمطر السماء ، فقلت : مطرت السماء ، أو تمطر

__________________

(١) راجع شرح الشمسية : ص ٤٢ ، وشرح المطالع : ص ٤٦ ، واللمعات : ص ٥ والجوهر النضيد : ص ٧ ، والإشارات : ص ٣١ وشرحه : ص ٣٦.

٦١

غداً. فهذا يسمى (الخبر) ويسمى أيضاً (القضية) و (القول)(١).

ولا يجب في الخبر أن يكون مطابقاً للنسبة الواقعة : فقد يطابقها فيكون صادقاً ، وقد لا يطابقها فيكون كاذباً.

إذن الخبر هو : «المركب التام الذي يصح أن نصفه بالصدق أو الكذب»(*). والخبر هو الذي يهم المنطقي أن يبحث عنه ، وهو متعلق التصديق.

٢ ـ وقد لا تكون للنسبة التامة حقيقة ثابتة بغض النظر عن اللفظ ، وإنما اللفظ هو الذي يحقق النسبة ويوجدها بقصد المتكلم ، وبعبارة أصرح أن المتكلم يوجد المعنى بلفظ المركب ، فليس وراء الكلام نسبة ، لها حقيقة ثابتة يطابقها الكلام تارة ولا يطابقها أخرى. ويسمى هذا المركب (الإنشاء). ومن أمثلته :

١ ـ (الأمر) نحو : احفظ الدرس.

٢ ـ (النهي) نحو : لا تجالس دعاة السوء.

٣ ـ (الاستفهام) نحو : هل المريخ مسكون؟

٤ ـ (النداء) نحو : يا محمد!

٥ ـ (التمني) نحو : لو أن لنا كرة فنكون من المؤمنين!

٦ ـ (التعجب) نحو : ما أعظم خطر الإنسان!

٧ ـ (العقد) كإنشاء عقد البيع والإجارة والنكاح ونحوها نحو بعت وآجرت وأنكحت.

٨ ـ (الإيقاع) : كصيغة الطلاق والعتق والوقف ونحوها نحو فلانة طالق. وعبدي حر.

وهذه المركبات كلها ليس لمعانيها حقائق ثابتة في أنفسها ـ بغض النظر

__________________

(١) القول الجازم ـ البصائر : ص ٤٩.

(*) ستأتي اضافة كلمة (لذاته) في تعريف الخبر والانشاء في بحث القضايا ، فراجع.

٦٢

عن اللفظ ـ تحكي عنها (١) فتطابقها أو لا تطابقها ، وإنما معانيها تنشأ وتوجد باللفظ ، فلا يصح وصفها بالصدق والكذب.

فالإنشاء هو : «المركب التام الذي لا يصح أن نصفه بصدق وكذب».

أقسام المفرد

المفرد : كلمة ، اسم ، أداة. (٢)

١ ـ (الكلمة) وهي الفعل باصطلاح النحاة. مثل : كتب. يكتب. اكتب. فإذا لاحظنا هذه الأفعال أو الكلمات الثلاث نجدها :

(أولاً) تشترك في مادة لفظية واحدة محفوظة في الجميع هي (الكاف فالتاء فالباء). وتشترك أيضاً في معنى واحد هو معنى الكتابة ، وهو معنى مستقل في نفسه.

و (ثانياً) تفترق في هيئاتها اللفظية ، فإن لكل منها هيئة تخصها. وتفترق أيضاً في دلالتها على نسبة تامة زمانية تختلف باختلافها ، وهي نسبة ذلك المعنى المستقل المشترك فيها إلى فاعل ما ، غير معين في زمان معين من الأزمنة : فكتب تدل على نسبة الحدث (وهو المعنى المشترك) إلى فاعل ما ، واقعة في زمان مضى. ويكتب على نسبة تجدد الوقوع في الحال أو في الاستقبال إلى فاعلها. واكتب على نسبة طلب الكتابة في الحال من فاعل ما.

ومن هذا البيان نستطيع أن نستنتج أن المادة التي تشترك فيها الكلمات الثلاث تدل على المعنى الذي تشترك فيه ، وأن الهيئة التي تفترق فيها

__________________

(١) الصحيح : تحكيها ، فإن الحكاية إذا كانت بمعنى الكشف لم يتعد ب‍ «عن» وما يتعدى بها إنما هي الحكاية بمعنى نقل القول.

(٢) راجع شرح الشمسية : ص ٣٦ ، والقواعد الجلية : ص ٢٠٠ ، وأساس الاقتباس : ص ١٥ ، وشرح الإشارات : ص ٣٣.

٦٣

وتختلف تدل على المعنى الذي تفترق فيه ويختلف فيها.

وعليه يصح تعريف الكلمة بأنها : «اللفظ المفرد الدال بمادته على معنى مستقل في نفسه وبهيئته على نسبة ذلك المعنى إلى فاعل لا بعينه نسبة تامة زمانية».

وبقولنا : نسبة تامة تخرج الأسماء المشتقة كاسم الفاعل والمفعول والزمان والمكان ، فإنها تدل بمادتها على المعنى المستقل وبهيئاتها على نسبة إلى شيء لا بعينه في زمان ما ، ولكن النسبة فيها ناقصة لا تامة.

٢ ـ (الاسم) : وهو اللفظ المفرد الدال على معنى مستقل في نفسه غير مشتمل على هيئة تدل على نسبة تامة زمانية. مثل : محمد. إنسان. كاتب. سؤال. نعم قد يشتمل على هيئة تدل على نسبة ناقصة كأسماء الفاعل والمفعول والزمان ونحوها كما تقدم ، لأنها تدل على ذات لها هذه المادة.

٣ ـ (الأداة) وهي الحرف باصطلاح النحاة. وهو يدل على نسبة بين طرفين. مثل : (في) الدالة على النسبة الظرفية. و (على) الدالة على النسبة الاستعلائية. و (هل) الدالة على النسبة الاستفهامية. والنسبة دائماً غير مستقلة في نفسها ، لأنها لا تتحقق إلا بطرفيها.

فالأداة تعرف بأنها : (اللفظ المفرد الدال على معنى غير مستقل في نفسه).

(ملاحظة) ـ

الأفعال الناقصة مثل كان وأخواتها (١) في عرف المنطقيين ـ على التحقيق ـ تدخل في الأدوات ، لأنها لا تدل على معنى مستقل في نفسها لتجردها عن الدلالة على الحدث ، بل إنما تدل على النسبة الزمانية فقط. فلذلك تحتاج إلى جزء يدل على الحدث ، نحو (كان محمد قائماً) فكلمة

__________________

(١) ومثلها أفعال المقاربة ، كما لا يخفى.

٦٤

قائم هي التي تدل عليه.

وفي عرف النحاة معدودة من الأفعال وبعض المناطقة يسميها (الكلمات الوجودية)(١).(٢)

الخلاصة :

تمرينات

١ ـ ميز الألفاظ المفردة والمركبة مما يأتي :

مكة المكرمة

 تأبط شراً

 صردر(٣)

جعفر الصادق

امرؤ القيس

منتدى النشر

ملك العراق

أبو طالب

النجف الأشرف

__________________

(١) ولعل مرادهم أنها كلمات ـ أي أفعال ـ تدل على وجود النسبة فحسب ، نظير الأفعال المعينة في اللغة الفارسية.

(٢) راجع حاشية شرح الشمسية : ص ٣٦ ، وتعليقة الأستاذ حسن زادة على شرح المنظومة : ص ١٠٨.

(٣) لقب عبد السلام الشاعر.

٦٥

هنيئاً

ديك الجن

صبرا

٢ ـ ميز المركبات التامة والناقصة والخبر والإنشاء مما يأتي :

الله اكبر

نجمة القطب

يا الله

صباح الخير

السلام عليكم

ماء الفرات

غير المغضوب عليهم

لا إله إلا الله

زر غبا تزدد حباً

سبحان ربي العظيم وبحمده

شاعر وناظم

٣ ـ اذكر كم هي الإنشاءات والأخبار في سورة القدر.

٤ ـ إن اللفظ المحذوف دائماً يعتبر كالموجود ، فقولنا في العنوان : (تمرينات) أتعده مفرداً أم مركباً. ولو كان مركباً فماذا تظن : أهو ناقص أم تام.

٥ ـ تأمل هل يمكن أن يقع تقابل التضاد بين (الأدوات) ولماذا؟

٦٦

الباب الثاني

مباحث الکلي

٦٧

الکلي والجزئي

يدرک الانسان مفهوم الموجودات التي يحسّ بها ، مثل : محمد. هذا الکتاب. هذا القلم. هذه الوردة. بغداد. النجف ... واذا تأملها يجد کل واحد منها لا ينطبق على فرد آخر ، ولا يصدق الا على ذلک الموجود وحده. وهذا هو المفهوم (الجزئي). ويصح تعريفه بأنّه : «المفهوم الذي يمتنع صدقه على أکثر من واحد».

__________________

(١) راجع الحاشية : ص ٣٠ ، وشرح الشمسية : ص ٤٤ ، وشرح المنظومة : ص ١٦ ، وتعليقة الأستاذ حسن زادة في المقام ، وشرح المطالع : ص ٤٧ ـ ٥٠ ، واللمعات (منطق نوين : ص ٥) ، والجوهر النضيد : ص ٨ ، وأساس الاقتباس : ص ١٩ ، ومنطق الإشارات : ص ٣٧ ، والنجاة : ص ٦.

(٢) إن قلت : كيف يكون «محمد» جزئيا مع أنه اسم لأشخاص كثيرين فيصدق على كل منهم ويحتاج لإرادة فرد خاص منهم إلى القرينة؟

قلت : «محمد» لفظ مشترك ، حيث إنه وضعه كل من آباء أولئك الأشخاص لابنه بخصوصه ، فله معان متعددة كل منها مفهوم جزئي يمتنع صدقه على أكثر من واحد. وليس له مفهوم واحد يقبل الانطباق على أكثر من واحد. وأما احتياجه إلى القرينة فإنما هو لتعيين المعنى المراد من بين المعاني ، كما في كل مشترك ، ومنشأ توهم المستشكل غلطه بين صدق اللفظ على كثيرين الذي هو ملاك الاشتراك اللفظي ، وصدق المفهوم الواحد على كثيرين الذي هو ملاك الكلية وهو الاشتراك المعنوي.

(٣) أي : تأمل هذه المفاهيم.

٦٨

ثم ان الانسان اذا رأى جزئيات متعددة ، وقاس بعضها الى بعض ، فوجدها تشترک في صفة واحدة انتزع منها صورة مفهوم شامل ينطبق على کل واحد منها. وهذا المفهوم الشامل أو (الصورة المنتزعة) هو المفهوم (الکلي). ويصح تعريفه بأنه «المفهوم الذي لا يمتنع صدقه على اکثر من واحد».

مثل مفهوم : انسان. حيوان. معدن. ابيض. تفاحة. حجر. عالم. جاهل. جالس في الدار. معترف بذنبه.

تکملة تعريف الجزئي والکلي

لا يجب أن تکون أفراد الکلي موجودة فعلاً : فقد يتصور العقل مفهوماً کلياً صالحاً للانطباق على اکثر من واحد من دون ان ينتزعه من جزئيات موجودة بالفعل ، وانما يفرض له جزئيات يصح صدقه عليها ، بل قد يمتنع وجود حتي فرد واحد له مثل مفهوم «شريک الباري» ، ومفهوم «اجتماع النقيضين». ولا يضر ذلک في کليته. وقد لا يوجد له الا فرد واحد ويمتنع وجود غيره ، مثل مفهوم «واجب الوجود» ، لقيام البرهان على ذلک ، ولکن العقل لايمنع من فرض أفراد لو وجدت لصدق عليها هذا المفهوم. ولو کان مفهوم «واجب الوجود» جزئياً ، لما کانت حاجة الى البرهان على التوحيد ، وکفي نفس تصور مفهومه لنفي وقوع الشرکة فيه. وعليه فهذا الانحصار في فرد واحد انما جاء من قبل أمر خارج عن نفس المفهوم ، لا أن نفس المفهوم يمتنع صدقه على أفراد کثيرة.

اذن ، بمقتضي هذا البيان لا بد من اضافة قيد (ولو بالفرض) في تعريفي الجزئي والکلي ، فالجزئي : «مفهوم يمتنع صدقه على کثير ولو بالفرض» ، والکلي : «لا يمتنع ... ولو بالفرض» (١).

__________________

(١) قيد «بالفرض» في تعريف الجزئي للاحتراز عن مثل الواجب الوجود وفي تعريف

٦٩

(تنبيه) مداليل الادوات کلها مفاهايم جزئية ، والکلمات أي (الافعال) بهيئاتها تدل على مفاهيم جزئية ، وبموادها على مفاهيم کلية. أما الاسماء فمداليلها تختلف ، فقد تكون كلية كأسماء الأجناس ، وقد تكون جزئية كأسماء الاعلام وأسماء الاشارة والضمائر (١) ونحوها.

الجزئي الاضافي (٢)

الجزئي الذي تقدم البحث عنه يسمي (الجزئي الحقيقي). وهنا اصطلاح آخر للجزئي يقال له (الجزئي الاضافي) ، لاضافته الى ما فوقه ، ومع ذلک قد يکون کلياً اذا کان أضيق دائرة من کلي آخر أوسع منه.

توضيحه : انک تجد أن (الخط المستقيم) مفهوم كلي منتزع من عدة أفراد كثيرة ، وتجد أن (الخط المنحني) أيضاً مفهوم کلي منتزع من مجموعة افراد اخرى فاذا ضممنا احدى المجموعتين الى الاخرى وألغينا ما بينهما من الفروق ننتزع مفهوماً کلياً أکثر سعة من المفهومين الاولين يصدق على جميع أفرادهما ، وهو مفهوم (الخط). فهذا المفهوم الثالث الکبير نسبته الى المفهومين الصغيرين ، کنسبة کل منهما الى أفراد نفسه ، فکما کان الفرد من الصغير بالاضافة الى الصغير نفسه جزئياً ، فالکلي الصغير أيضاً بالاضافة الى الکلي الکبير کالجزئي من جهة النسبة ، فيسمي (جزئياً اضافياً) لا بالحقيقة لانه في نفسه کلي حقيقة.

وکذا الجزئي الحقيقي من جهة اضافته الى الکلي الذي فوقه يسمي

__________________

الكلي لإدخاله ، فلولاه لم يكن تعريف الجزئي مانعا ، ولا تعريف الكلي جامعا.

(١) يبدو أن ما ذكره صحيح في ضمائر المتكلم والخطاب ، وأما ضمائر الغيبة فهي تختلف باختلاف مراجعها فإن كانت جزئية فجزئية ، وإن كانت كلية فكلية.

(٢) راجع الحاشية : ص ٣٥ ، وشرح المطالع : ص ٥١ ، والقواعد الجلية : ص ٢٢٧ ، وأساس الاقتباس : ص ١٧ ، وشرح الإشارات : ص ٣٧.

٧٠

(جزئيا اضافياً). وهکذا کل مفهوم بالاضافة الى مفهوم أوسع منه دائرة يسمي (جزئياً اضافياً) ، فزي مثلا جزئي حقيقي في نفسه وجزئي اضافي بالقياس الى الحيوان ، وکذا الحيوان بالقياس الى الجسم النامي ، والجسم النامي بالقياس الى مطلق الجسم.

اذن يمکن تعريف الجزئي الاضافي بأنه (الاخص من شيء) او «المفهوم المضاف الى ما هو اوسع منه دائرة».

* * *

المتواطئ والمشكك (١)

ينقسم الکلي الى المتواطيء والمشکک ، لأنه :

أولاً : اذا لا حظت کلياً مثل الانسان والحيوان والذهب والفضة ، وطبقته على أفراده ، فانک لا تجد تفاوتاً بين الافراد في نفس صدق المفهوم عليها : فزيد وعمر وخالد الى آخر افراد الانسان من ناحية الانسانية سواء ، من دون أن تکون انسانية احدهم أولى من انسانية الآخر ولا اشد ولا اکثر ، ولا أي تفاوت آخر في هذه الناحية. واذا کانوا متفاوتين ففي نواحٍ أخرى غير الانسانية ، کالتفاوت بالطول واللون والقوة والصحة والاخلاص وحسن التفکير ... وما الى ذلک.

وکذا أفراد الحيوان والذهب ، ونحوهما ، ومثل هذا الکلي المتوافقة أفراده في مفهومه يسمي (الکلي المتواطيء) أي المتوافقة افراده فيه ، والتواطؤ : هو التوافق والتساوي.

ثانياً : اذا لا حظت کلياً مثل مفهوم البياض والعدد والوجود ، وطبقته على أفراده ، تجد على العکس من النوع السابق ، تفاوتاً بين الافراد في صدق المفهوم عليها ، بالاشتداد أو الکثرة أو الاولوية أو التقدم. فنري بياض الثلج أشد بياضاً من بياض القرطاس ، وکل منهما بياض وعدد الالف أکثر

__________________

(١) راجع شرح الشمسية : ص ٣٨ ، وشرح المنظومة : ص ٣٨ ، وتعليقة الأستاذ حسن زادة في المقام ، وشرح المطالع : ص ٤٥ ، وأساس الاقتباس : ص ١٢.

٧١

من عدد المائة ، وکل منهما عدد. ووجود الخالق أولى من وجود المخلوق ، ووجود العلة متقدم على وجود المعلول بنفس وجوده لا بشيء آخر ، وکل منهما وجود. وهکذا الکلي المتفاوتة افراده في صدق مفهومه عليها يسمي (الکلي المشکک) والتفاوت يسمي (تشکيکاً).

تمرينات

١ ـ عينَّ الجزئي والکلي من مفاهيم الاسماء الموجودة في الابيات التالية :

أ ـ ما کل ما يتمنى المرء يدرکه

تجري الرياح بما لا تشتهي السفن

ب ـ هذا الذي تعرف البطحاء وطأته

والبيت يعرفه والحل والحرم (١)

ج ـ نحن بما عندنا وانت بما

عندک راض والرأي مختلف

٢ ـ بينّ ما اذا کانت الشمس والقمر والعنقاء والغول والثريا والجدي والارض من الجزئيات الحقيقة أو من الکليات واذکر السبب.

٣ ـ اذا قلت لصديق (ناولني الکتاب) وکان في يده کتاب ما ، فما المفهوم من الکتاب هنا جزئي أم کلي؟

٤ ـ اذا قلت لکتبي : (بعني کتاب القاموس) ، فما مدلول کلمة القاموس ، جزئي أم کلي؟

٥ ـ اذا قال البائع : (بعتک حقة من هذه الصبرة من الطعام) فما المبيع جزئي أم کلي؟

٦ ـ عين المتواطيء والمشکک من الکليات التالية :

العلم. الکتاب. القلم. العدل. السواد. النبات. الماء. النور. الحياة. القدرة. الجمال. المعدن.

__________________

(١) للفرزدق الشاعر ، قالها في مدح زين العابدين (عليه السلام).

٧٢

٧ ـ اذکر خمسة امثلة للجزئي الاضافي ، واختر ثلاثة منها من التمرين السابق.

المفهوم والمصداق

(المفهوم) : نفس المعنى بما هو ، أي نفس الصورة الذهنية المنتزعة من حقائق الاشياء.

و (المصداق) : ما ينطبق عليه المفهوم ، أو حقيقة الشيء الذي تنتزع منه الصورة الذهنية (المفهوم).

فالصورة الذهنية لمسمى (محمد) مفهوم جزئي ، والشخص الخارجي الحقيقي مصداقه. والصورة الذهنية لمعنى (الحيوان) مفهوم کلي ، وافراده الموجودة وما يدخل تحته من الکليات کالانسان والفرس والطير مصاديقه. والصورة الذهنية لمعنى (العدم) مفهوم کلي ، وما ينطبق عليه وهو العدم الحقيقي مصداقه ... وهکذا.

(لفت نظر) : يعرف من المثال الاول ان المفهوم قد يکون جزئياً حقيقياً واضافياً. ويعرف من الثالث أن المصداق لا يجب أن يکون من الامور الموجودة والحقائق العينية ، بل المصداق هو کل ما ينطبق عليه المفهوم وان کان أمراً عدمياً لا تحقق له في الاعيان.

العنوان والمعنون

او دلالة المفهوم على مصداقه

اذا حکمت على شيء بحکم قد يکون نظرک في الحکم مقصوراً

٧٣

على المفهوم وحده ، بأن يکون هو المقصود في الحکم ، کما تقول : (الانسان : حيوان ناطق(١)) فيقال للانسان حينئذ الانسان بالحمل الاولي.

وقد يتعدي نظرک في الحکم الى أبعد من ذلک ، فتنظر الى ما وراء المفهوم ، بأن تلاحظ المفهوم لتجعله حاکياً عن مصداقه ودليلاً عليه ، کما تقول : (الانسان ضاحک) أو (الانسان في خسر) ، فتشير بمفهوم الانسان الى اشخاص افراده وهي المقصودة في الحکم ، وليس ملاحظة المفهوم في الحکم وجعله موضوعاً الا للتوصل الى الحکم على الافراد. فيسمى المفهوم حينئذ (عنواناً) والمصداق (معنوناً). ويقال لهذا الانسان : الانسان بالحمل الشايع.

ولأجل التفرقة بين النظرين نلاحظ الامثلة الآتية :

١ ـ اذا قال النحاة : «الفعل لا يخبر عنه». فقد يعترض عليهم في بادي الرأي ، فيقال لهم : هذا القول منکم اخبار عن الفعل ، فکيف تقولون لا يخبر عنه؟

والجواب : ان الذي وقع في القضية مخبراً عنه ، وموضوعا في القضية هو مفهوم الفعل ، ولکن ليس الحکم له بما هو مفهوم ، بل جعل عنواناً وحاکياً عن مصاديقه وآلة لملاحظتها ، والحکم في الحقيقة راجع للمصاديق نحو ضرب ويضرب. فالفعل الذي له هذا الحکم حقيقة هو الفعل بالحمل الشايع.

٢ ـ واذا قال المنطقي : «الجزئي يمتنع صدقه على کثيرين» ، فقد

__________________

(١) في مقام تعريف الإنسان : حيث إنه في هذا المقام يكون المقصود بالذات بيان مفهوم المعرف. وأما إذا أريد من الإنسان في المثال أفراده ـ وهذه الإرادة ممكنة كمال الإمكان ـ لم يكن مثالا لما رامه ، بل كان من قبيل القسم الثاني. فالأولى ترك هذا المثل والتمثيل بنحو الإنسان كلي. هذا مضافا إلى اشتراك المثال بين ما كان الحمل فيه أوليا وبين ما كان الموضوع مأخوذا بالحمل الأولي.

٧٤

يعترض فيقال له : الجزئي يصدق على کثيرين ، لان هذا الکتاب جزئي ومحمد جزئي وعلي جزئي ، ومکة جزئي ، فکيف قلتم يمتنع صدقه على کثيرين؟

والجواب : مفهوم الجزئي أي الجزئي بالحمل الاولي : کلي؛ لا جزئي؛ فيصدق على کثيرين ، ولکن مصداقه أي حقيقة الجزئي يمتنع صدقه على الکثير ، فهذا الحکم بالامتناع للجزئي بالحمل الشايع ، لا للجزئي بالحمل الاولي الذي هو کلي.

٣ ـ واذا قال الاصولي : «اللفظ المجمل : ما کان غير ظاهر المعنى» ، فقد يعترض في بادي الرأي فيقال له : اذا کان المجمل غير ظاهر المعنى فکيف جاز تعريفه ، والتعريف لا يکون الا لما کان ظاهراً معناه؟

والجواب : مفهوم المجمل أي المجمل بالحمل الاولي مبين ظاهر المعنى لکن مصداقه أي المجمل بالحمل الشايع کاللفظ المشترک المجرد عن القرينة غير ظاهر المعنى. وهذا التعريف للمجمل بالحمل الشايع.

تمرينات

١ ـ لو قال القائل : «الحرف لايخبر عنه» ، فاعترض عليه انه کيف أخبرت عنه؟ فبماذا تجيب؟

٢ ـ لو اعترض على قول القائل : «العدم لا يخبر عنه» أنه قد اخبرت عنه الآن ، فما الجواب؟

٣ ـ لو اعترض على المنطقي بأنه کيف تقول : «ان الخبر کلام تام يحتمل الصدق والکذب» وقولک (الخبر) جعلته موضوعاً لهذا الخبر فهو مفرد لا يحتمل الصدق والکذب.

٧٥

٤ ـ لو قال لک صاحب علم التفسير : «المتشابه محکم» وقال الاصولي (المجمل مبين) وقال المنطقي (الجزئي کلي) و (الکلي غير موجود بالخارج (*)) ، فبماذا تفسر کلامهم ليرتفع هذا التهافت الظاهر.

٥ ـ لو قال القائل : «العلة والمعلول متضائفان. وکل متضائفين يوجدان معاً». وهذا ينتج ان العلة والمعلول يوجدان معاً. وهذه النتيجة غلط باطل ، لان العلة بالضرورة متقدمة على المعلول ، فبأي بيان تکشف هذه المغالطة.

ومثله لو قال : الاب والابن متضائفان أو المتقدم والمتأخر متضائفان وکل متضائفين يوجدان معاً.

____________________

(*) في الخارج ، ظ.

٧٦

النسب الأربع

تقدم في الباب الاول انقسام الالفاظ الى مترادفة ومتباينة. والمقصود بالتباين هناک التباين بحسب المفهوم (١) أي ان معانيها متغايرة. وهنا سنذکر أن من جملة النسب ، التباين والمقصود به التباين بحسب المصداق.

فما کنا نصطلح عليه هناک بالمتباينة ، هنا نقسم النسبة بينها الى اربعة أقسام ، وقسم منها المتباينة لاختلاف الجهة المقصودة في البحثين ، فانا کنا نتکلم هناک عن تقسيم الالفاظ بالقياس الى تعدد المعنى واتحاده. اما هنا فالکلام عن النسبة بين المعاني باعتبار اجتماعها في المصداق وعدمه. ولا يتصور هذا البحث الا بين المعاني المتغايرة اي المعاني المتباينة بحسب المفهوم اذ لا يتصور فرض النسبة بين المفهوم ونفسه.

فنقول : کل معنى اذا نسب الى معنى آخر (٢) يغايره ويباينه مفهوماً فاما ان يشارک کل منهما الآخر في تمام افرادهما وهما المتساويان. واما أن يشارک کل منهما الآخر في بعض أفراده وهما اللذان بينهما نسبة العموم والخصوص من وجه واما أن يشارک أحدهما الآخر في جميع افراده دون العکس وهما اللذان بينهما نسبة العموم

____________________

(١) لا يخفى ما فيه من المسامحة بعد ما كان التباين هناك صفة للألفاظ ، وتكون النسب الأربع بين المعاني كما يصرح بذلك في ذيل هذه العبارات.

(٢) راجع الحاشية : ص ٣٢ ، وشرح الشمسية : ص ٦٣ ، وشرح المطالع : ص ٥١.

٧٧

والخصوص مطلقاً. واما أن لا يشارک احدهما الآخر أبداً وهما المتباينان. فالنسب بين المفاهيم أربع : التساوي ، والعموم والخصوص مطلقاً ، والعموم والخصوص من وجه ، والتباين.

١ ـ (نسبة التساوي) : وتکون بين المفهومين اللذين يشترکان في تمام افرادهما کالانسان والضاحک فان کل انسان ضاحک وکل ضاحک انسان. ونقربهما الى الفهم بتشبيههما بالخطين المتساويين اللذين ينطبق احدهما على الآخر تمام الانطباق. ويمکن وضع نسبة التساوي على هذه الصورة : ـ

ب = حـ

باعتبار أن هذه العلامة (=) علامة على التساوي ، کما هي في العلوم الرياضية وتقرأ يساوي. وطرفاها (ب ، حـ) حرفان يرمز بهما الى المفهومين المتساويين.

٢ ـ (نسبة العموم والخصوص مطلقاً) وتکون بين المفهومين اللذين يصدق احدهما على جميع ما يصدق عليه الآخر وعلى غيره ويقال للاول : (الاعم مطلقاً) وللثاني (الاخص مطلقاً) کالحيوان والانسان والمعدن والفضة فکل ما صدق عليه الانسان يصدق عليه الحيوان ولا عکس. فانه يصدق الحيوان بدون الانسان. وکذا الفضة والمعدن.

ونقربهما الى الفهم بتشبيههما بالخطين غير المتساويين. وانطبق الاکبر منهما على تمام الاصغر وزاد عليه. ويمکن وضع هذه النسبة على الصورة الآتية :

ب > حـ

باعتبار ان هذه العلامة (>) تدل على أن ما قبلها أعم مطلقاً مما بعدها وتقرأ (أعم مطلقاً من) کما تقرأ في العلوم الرياضية (اکبر من).

٧٨

ويصح ان نقلبها ونضعها على هذه الصورة :

حـ < ب

وتقرأ (اخص مطلقاً من) کما تقرأ في العلوم الرياضية (أصغر من) فتدل على ان ما قبلها اخص مطلقاً مما بعدها.

٣ ـ (نسبة العموم والخصوص من وجه) : وتکون بين المفهومين اللذين يجتمعان في بعض مصاديقهما ويفترق کل منهما عن الآخر في مصاديق تخصه کالطير والاسود فانهما يجتمعان في الغراب لانه طير واسود ويفترق الطير عن الاسود في الحمام مثلاً والاسود عن الطير في الصوف الاسود مثلاً. ويقال لکل منهما أعم من وجه وأخص من وجه.

ونقربهما الى الفهم بتشبيههما بالخطين المتقاطعين هکذا يلتقيان في نقطة مشترکة ويفترق کل منهما عن الآخر في نقاط تخصه. ويمکن وضع النسبة على الصورة الآتية :

ب * حـ

أي بين (ب ، حـ) عموم وخصوص من وجه.

٤ ـ (نسبةالتباين) وتکون بين المفهومين اللذين لا يجتمع احدهما مع الآخر في فرد من الافراد أبداً. وامثلته جميع المعاني المتقابلة التي تقدمت في بحث التقابل وکذا بعض المعاني المتخالفة مثل الحجر والحيوان. ونشبهها بالخطين المتوازيين اللذين لا يلتقيان أبداً مهما امتدا. ويمکن وضع التباين على الصورة الآتية :

ب / / حـ

أي ان ب يباين حـ.

النسب بين نقيضي الكليين

کل کليين بينهما احدى النسب الاربع لا بد أن يکون بين نقيضيهما

٧٩

أيضا نسبة من النسب کما سيأتي. ولتعيين النسبة يحتاج الى اقامة البرهان. وطريقة البرهان التي نتبعها هنا تعرف (بطريقة الاستقصاء) او طريقة الدوران والترديد ، وسيأتي ذکرها في مبحث (القياس الاستثنائي(١)). وهي أن تفرض جميع الحالات المتصورة للمسألة ومتي ثبت فسادها جميعا عدا واحدة منها فان هذه الواحدة هي التي تنحصر المسألة بها وتثبت صحتها.

فلنذکر النسبة بين نقيضي کل کليين مع البرهان فنقول :

١ ـ (نقيضا المتساويين متساويان أيضا) أي انه اذا کان الانسان يساوي الناطق فان لا انسان يساوي لا ناطق. وللبرهان على ذلک نقول :

المفروض أن

ب = حـ

والمدعى أن

لا ب = لا حـ

(البرهان) :

لو لم يکن لا ب = لا حـ

لکان بينهما احدي النسب الباقية. وعلى جميع التقادير لا بد أن يصدق احدهما بدون الآخر في الجملة(٢).

فلو صدق لا ب بدون لا حـ

لصدق لا ب مع حـ لأن النقيضين لا يرتفعان

ولازمه ألا يصدق ب مع حـ لأن النقيضين لا يجتمعان وهذا خلاف المفروض وهو ب = حـ

وعليه فلا يمکن أن يکون بين لا ب ولا حـ من النسب الاربع غيرالتساوي فيجب أن يکون :

____________________

(١) يأتي في ص ٢٩٤.

(٢) أي إجمالا ومن دون تعيين أن صدق أحدهما بدون الآخر في جميع الموارد (كما في التباين الكلي) أو يختص ببعضها (كما في العموم والخصوص) وكذا من دون تعيين أن أحدهما الصادق بدون الآخر هو أحدهما بخصوصه (كما في العموم والخصوص مطلقا حيث إنه هو الأعم فقط) أو هو كل منهما (كما في العموم والخصوص من وجه والتباين الكلي).

٨٠