المنطق

الشيخ محمّد رضا المظفّر

المنطق

المؤلف:

الشيخ محمّد رضا المظفّر


المحقق: الشيخ رحمة الله رحمتي الأراكي
الموضوع : الفلسفة والمنطق
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٤

السبب إلا رسوخ العلاقة بين الشيئين في الذهن. وهذه العلاقة الذهنية أيضاً لها سبب. وسببها العلم بالملازمة بين الشيئين خارج الذهن. ولاختلاف هذه الملازمة من كونها ذاتية أو طبعية أو بوضع واضع وجعل جاعل قسموا الدلالة إلى أقسام ثلاثة : عقلية وطبعية ووضعية.

١ ـ (الدلالة العقلية) ـ وهي فيما إذا كان بين الدال والمدلول ملازمة ذاتية (١) في وجودهما الخارجي ، كالأثر والمؤثر. فإذا علم الإنسان ـ مثلاً ـ أن ضوء الصباح أثر لطلوع قرص الشمس ، ورأى الضوء على الجدار ينتقل ذهنه إلى طلوع الشمس قطعاً ، فيكون ضوء الصبح دالاً على الشمس دلالة عقلية. ومثله إذا سمعنا صوت متكلم من وراء جدار فعلمنا بوجود متكلم ما.

٢ ـ (الدلالة الطبعية) : وهي فيما إذا كانت الملازمة بين الشيئين ملازمة طبعية ، أعني التي يقتضيها طبع الإنسان (٢) ، وقد يتخلّف ويختلف باختلاف طباع الناس ، لا كالأثر بالنسبة إلى المؤثر الذي لا يتخلّف ولا يختلف.

وأمثلة ذلك كثيرة ، فمنها اقتضاء طبع بعض الناس أن يقول : (آخ) عند الحس بالألم ، و (آه) عند التوجع ، و (أف) عند التأسف والتضجر. ومنها اقتضاء طبع البعض أن يفرقع أصابعه أو يتمطى عند الضجر والسأم ، أو يعبث بما يحمل من أشياء أو بلحيته أو بأنفه أو يضع إصبعه بين أعلى أذنه وحاجبه عند التفكير ، أو يتثاءب عند النعاس.

فإذا علم الإنسان بهذه الملازمات فإنه ينتقل ذهنه من أحد المتلازمين إلى الآخر ، فعندما يسمع بكلمة (آخ) ينتقل ذهنه إلى أن متكلمها يحس بالألم. وإذا رأى شخصاً يعبث بمسبحته يعلم بأنه في حالة تفكير وهكذا.

__________________

(١) ولا تتحقق إلا بين العلة والمعلول أو بين معلولي علة واحدة.

(٢) فيحدث الدال عند عروض المدلول من دون قصد وإرادة ، كما في كل فاعل بالطبع.

٤١

٣ ـ (الدلالة الوضعية) : وهي فيما إذا كانت الملازمة بين الشيئين تنشأ من التواضع والاصطلاح على أن وجود أحدهما يكون دليلاً على وجود الثاني ، كالخطوط التي اصطلح على أن تكون دليلاً على الألفاظ ، وكإشارات الأخرس وإشارات البرق واللاسلكي والرموز الحسابية والهندسية ورموز سائر العلوم الأخرى ، والألفاظ التي جعلت دليلاً على مقاصد النفس.

فإذا علم الإنسان بهذه الملازمة وعلم بوجود الدال ينتقل ذهنه إلى الشيء المدلول.

أقسام الدلالة الوضعية

وهذه الدلالة الوضعية تنقسم إلى قسمين : (*)

أ ـ (الدلالة اللفظية) : إذا كان الدال الموضوع لفظاً.

ب ـ (الدلالة غير اللفظية) : إذا كان الدال الموضوع غير لفظ ، كالإشارات والخطوط ، والنقوش وما يتصل بها من رموز العلوم ، واللوحات المنصوبة في الطرق لتقدير المسافات أو لتعيين اتجاه الطريق إلى محل أو بلدة ونحو ذلك.

الدلالة اللفظيّة

تعريفها :

من البيان السابق نعرف أن السبب في دلالة اللفظ على المعنى هو

__________________

(*) انما قسمنا الوضعية فقط الى هذين القسمين ، لان العقلية والطبعية ـ وان كان الدال فيهما قد يكون لفظا ـ لا ثمرة في تقسيمهما الى القسمين لعدم اختصاص كل قسم بشيء دون الاخر. وليس كذلك الوضعية لانقسام اللفظية منها الى أقسامها الثلاثة الآتية دون غير اللفظية. بل كل هذا التقسيم للدلالة انما هو مقدمة لفهم الدلالة الوضعية اللفظية وأقسامها.

٤٢

العلقة الراسخة في الذهن بين اللفظ والمعنى. وتنشأ هذه العلقة ـ كما عرفت ـ من الملازمة الوضعية بينهما عند من يعلم بالملازمة. وعليه يمكننا تعريف الدلالة اللفظية بأنها : «هي كون اللفظ بحالة ينشأ من العلم بصدوره من المتكلم العلم بالمعنى المقصود به».

اقسامها :

المطابقية ، التضمنية ، الإلتزامية

يدل اللفظ على المعنى من ثلاثة أوجه (١) متباينة :

(الوجه الأول) ـ المطابقة : بأن يدل اللفظ على تمام معناه الموضوع له ويطابقه ، كدلالة لفظ الكتاب على تمام معناه ، فيدخل فيه جميع أوراقه وما فيه من نقوش وغلاف ، وكدلالة لفظ الإنسان على تمام معناه ، وهو الحيوان الناطق. وتسمى الدلالة حينئذ (المطابقية) أو (التطابقية) ، لتطابق اللفظ والمعنى. وهي الدلالة الأصلية في الألفاظ التي لأجلها مباشرة وضعت لمعانيها.

(الوجه الثاني) ـ التضمن : بأن يدل اللفظ على جزء معناه الموضوع له الداخل ذلك الجزء في ضمنه ، كدلالة لفظ الكتاب على الورق وحده أو الغلاف. وكدلالة لفظ الإنسان على الحيوان وحده (٢) أو الناطق وحده فلو بعت الكتاب يفهم المشتري دخول الغلاف فيه ، ولو أردت بعد ذلك أن

__________________

(١) راجع شرح الشمسية : ص ٢٨ ، وشرح المطالع : ص ٢٦ ، والقواعد الجلية : ص ١٩٥ ، اللمعات (اللمعة الثانية) ، وأساس الاقتباس : ص ٧ ، والإشارات وشرحه : ص ٢٨.

(٢) لا يخفى عليك : أن الدلالة التضمنية ليست بمعنى إطلاق الإنسان وإرادة الحيوان وحده ـ مثلا ـ أو الناطق وحده ، فإن الإرادة شئ والدلالة شئ آخر ، وبينهما بون بعيد! كما في شرح المطالع ، بل الدلالة التضمنية هي دلالة اللفظ على جزء المعنى الموضوع له سواء كان مراد المتكلم ذلك الجزء وحده أو كان مراده معناه المطابقي المشتمل على هذا الجزء ، فيكون إرادة الجزء في ضمن إرادة الكل. وهكذا في الدلالة الالتزامية.

٤٣

تستثني الغلاف لاحتج عليك بدلالة لفظ الكتاب على دخول الغلاف. وتسمى هذه الدلالة (التضمنية). وهي فرع عن الدلالة المطابقية ، لأن الدلالة على الجزء بعد الدلالة على الكل.

(الوجه الثالث) الالتزام : بأن يدل اللفظ على معنى خارج معناه الموضوع له لازم له يستتبعه استتباع الرفيق اللازم الخارج عن ذاته ، كدلالة لفظ الدواة على القلم. فلو طلب منك أحد أن تأتيه بدواة لم ينص على القلم فجئته بالدواة وحدها لعاتبك على ذلك محتجاً بأن طلب الدواة كاف في الدلالة على طلب القلم. وتسمى هذه الدلالة (الالتزامية). وهي فرع أيضاً عن الدلالة المطابقية (١) لأن الدلالة على ما هو خارج المعنى بعد الدلالة على نفس المعنى.

شرط الدلالة الإلتزامية : (٢)

يشترط في هذه الدلالة أن يكون التلازم بين معنى اللفظ والمعنى الخارج اللازم تلازماً ذهنياً ، فلا يكفي التلازم في الخارج فقط (٣) من دون رسوخه في الذهن وإلا لما حصل انتقال الذهن.

ويشترط ـ أيضاً ـ أن يكون التلازم واضحاً بيّناً ، بمعنى أن الذهن إذا تصور معنى اللفظ ينتقل إلى لازمه بدون حاجة إلى توسط شيء آخر. (*)

__________________

(١) راجع الحاشية : ص ٢٣ ، وشرح الشمسية : ص ٣١ ، وشرح المنظومة : ص ١٣ ، وشرح المطالع : ص ٣٣.

(٢) راجع الحاشية : ص ٢٣ ، وحواشيه في المقام ، وشرح الشمسية : ص ٣٠ ، وشرح المطالع : ص ٣٠ ، والقواعد الجلية : ص ١٩٦.

(٣) لا يخفى عليك : أن كلامه ظاهر في اشتراط التلازم في الخارج ، ولكنه بصدد بيان عدم كفايته. والحق أنه ليس بشرط أصلا ، إذ التلازم الخارجي لا يتحقق إلا بين العلة والمعلول أو معلولي علة ثالثة. وفي أكثر موارد تحقق دلالة الالتزام ليس بين مصداق المعنى المطابقي ومصداق المعنى الالتزامي علية ومعلولية أو معلولية لثالث.

(*) سيأتي في مباحث الكلي ان اللازم ينقسم الى البين وغير البين. والبين الى بين بالمعنى

٤٤

التمرينات

(١) بيّن أنواع الدلالة فيما يأتي :

أ ـ دلالة عقرب الساعة على الوقت.

ب ـ دلالة صوت السعال على ألم الصدر.

ج ـ دلالة قيام الجالسين على احترام القادم.

د ـ دلالة حمرة الوجه على الخجل وصفرته على الوجل.

هـ ـ دلالة حركة رأس المسؤول إلى الأسفل على الرضا وإلى الأعلى على عدم الرضا.

(٢) اصنع جدولاً للدلالات الثلاث (العقلية وأختيها) وضع في كل قسم ما يدخل فيه من الأمثلة الآتية :

أ ـ دلالة الصعود على السطح على وجود السلم.

ب ـ دلالة فقدان حاجتك على أخذ سارق لها.

__________________

الاخص وبين بالمعنى الاعم. والشرط في الدلالة الالتزامية في الحقيقة هو أن يكون اللازم بينا بالمعنى الاخص. ومعناه ما ذكرناه في المتن.

٤٥

ج ـ دلالة الأنين على الشعور بالألم.

د ـ دلالة كثرة الكلام على الطيش وقلته على الرزانة.

هـ ـ دلالة الخط على وجود الكاتب.

وـ دلالة سرعة النبض على الحمى.

ز ـ دلالة صوت المؤذن على دخول وقت الصلاة.

ح ـ دلالة التبختر في المشي أو تصعير الخد على الكبرياء.

ط ـ دلالة صفير القطار على قرب حركته أو قرب وصوله.

ي ـ دلالة غليان الماء على بلوغ الحرارة فيه درجة المائة.

(٣) عين أقسام الدلالة اللفظية من الأمثلة الآتية :

أ ـ دلالة لفظ الكلمة على (القول المفرد).

ب ـ دلالة لفظ الكلمة على (القول) وحده أو (المفرد) وحده.

ج ـ دلالة لفظ السقف على الجدار.

د ـ دلالة لفظ الشجرة على ثمرتها.

هـ ـ دلالة لفظ السيارة على محركها.

وـ دلالة لفظ الدار على غرفها.

ز ـ دلالة لفظ النخلة على الطريق إليها عند بيعها.

(٤) إذا اشترى شخص من آخر داراً وتنازعاً في الطريق إليها فقال المشتري الطريق داخل في البيع بدلالة لفظ الدار ، فهذه الدلالة المدعاة من أي أقسام الدلالة اللفظية تكون؟

(٥) استأجر رجل عاملاً ليعمل الليل كله ، ولكن العامل ترك العمل عند الفجر ، فخاصمه المستأجر مدعياً دلالة لفظ الليل على الوقت من الفجر إلى طلوع الشمس ، فمن أي أقسام الدلالة اللفظية ينبغي أن تكون هذه الدلالة المدعاة؟

(٦) لماذا يقولون لا يدل لفظ (للأسد) على (بخر الفم) دلالة التزامية ، كما يدل على الشجاعة ، مع أن البخر لازم للأسد كالشجاعة؟

٤٦

تقسيمات الألفاظ (١)

للفظ المستعمل بما له من المعنى عدة تقسيمات عامة لا تختص بلغة دون أخرى ، وهي أهم مباحث الألفاظ بعد بحث الدلالة. ونحن ذاكرون هنا أهم تلك التقسيمات ، وهي ثلاثة ، لأن اللفظ المنسوب إلى معناه تارة ينظر إليه في التقسيم بما هو لفظ واحد ، وأخرى بما هو متعدد ، وثالثة بما هو لفظ مطلقاً سواء كان واحداً أو متعدداً.

ـ ١ ـ

المختص ، المشترك ، المنقول ، المرتجل ، الحقيقه والمجاز

أن اللفظ الواحد الدال على معناه بإحدى الدلالات الثلاث المتقدمة إذا نسب إلى معناه ، فهو على أقسام خمسة ، لأن معناه إما يكون واحداً أيضاً ويسمى (المختص) ، وإما أن يكون متعدداً. وما له معنى متعدد أربعة أنواع : مشترك ، ومنقول ، ومرتجل ، وحقيقة ومجاز ، فهذه خمسة أقسام :

١ ـ (المختص) : وهو اللفظ الذي ليس له إلا معنى واحد فاختص به

__________________

(١) راجع الحاشية : ص ٢٧ ، وشرح الشمسية : ص ٣٨ ، وشرح المنظومة : ص ١٤ ، واللمعات : ص ٥ ، والجوهر النضيد : ص ٥ وأساس الاقتباس : ص ٨ وتأمل في الاختلاف الموجود بينها.

٤٧

، مثل حديد وحيوان.(١)

٢ ـ (المشترك) : وهو اللفظ الذي تعدد معناه وقد وضع للجميع كلا على حدة ، ولكن من دون أن يسبق وضعه لبعضها على وضعه للآخر مثل (عين) الموضوع لحاسة النظر وينبوع الماء والذهب وغيرها ومثل (الجون) الموضوع للأسود والأبيض (٢) .. والمشترك كثير في اللغة العربية.

٣ ـ (المنقول) : هو اللفظ الذي تعدد معناه وقد وضع للجميع كالمشترك ولكن يفترق عنه بان الوضع لاحدها مسبوق بالوضع للآخر مع ملاحظة المناسبة بين المعنيين في الوضع اللاحق. مثل لفظ (الصلاة) الموضوع أولاً للدعاء ثم نقل في الشرع الإسلامي لهذه الأفعال المخصوصة من قيام وركوع وسجود ونحوها لمناسبتها للمعنى الأول. ومثل لفظ (الحج) الموضوع أولاً للقصد مطلقاً ، ثم نقل لقصد مكة المكرمة بالأفعال المخصوصة والوقت المعين وهكذا أكثر المنقولات في عرف الشرع وأرباب العلوم والفنون. ومنها لفظ السيارة والطائرة والهاتف والمذياع ونحوها من مصطلحات هذا العصر.

والمنقول ينسب إلى ناقلة فإن كان العرف الخاص كعرف أهل الشرع والمناطقة والنحاة والفلاسفة ونحوهم قيل له : منقول شرعي أو منطقي أو نحوي أو فلسفي وهكذا.

٤ ـ (المرتجل) : وهو كالمنقول بلا فرق إلا أنه لم تلحظ فيه المناسبة بين المعنيين ومنه أكثر الأعلام الشخصية.

__________________

(١) لا يخفى عليك : أن لكل من اللفظين معنى مجازيا حيث يطلق «الحديد» على الصلب من بعض الأجسام غير الحديد ، والحيوان يسلب عن الحي الذي ليس له إلا رمق ، فيقال : إنه ميت ليس بحيوان ، فالأولى التمثيل للمختص بلفظة الجلالة وبالأسامي المبدعة التي تجعل علما للأشخاص.

(٢) مثل بمثالين تلميحا إلى أن المشترك ينقسم إلى ضد وغيره.

٤٨

٥ ـ (الحقيقة والمجاز) : وهو اللفظ الذي تعدد معناه ، ولكنه موضوع لأحد المعاني فقط ، واستعمل في غيره لعلاقة ومناسبة بينه وبين المعنى الأول الموضوع له من دون أن يبلغ حد الوضع في المعنى الثاني فيسمى (حقيقة) في المعنى الأول ، و (مجازاً) في الثاني ، ويقال للمعنى الأول معنى حقيقي ، وللثاني مجازي.

والمجاز دائماً يحتاج إلى قرينة تصرف اللفظ عن المعنى الحقيقي وتعين المعنى المجازي من بين المعاني المجازية.

تنبيهان

١ ـ إن المشترك اللفظي والمجاز لا يصح استعمالهما في الحدود والبراهين ، إلا مع نصب القرينة على إرادة المعنى المقصود ، ومثلهما المنقول والمرتجل ما لم يهجر المعنى الأول ، فإذا هجر كان ذلك وحده قرينة على إرادة الثاني. على أنه يحسن اجتناب المجاز في الأساليب العلمية (١) حتى مع القرينة.

٢ ـ المنقول ينقسم إلى (تعييني وتعيّني) ، لأن النقل تارة يكون من ناقل معين (٢) باختياره وقصده ، كأكثر المنقولات في العلوم والفنون وهو المنقول (التعييني) أي أن الوضع فيه بتعيين معين. وأخرى لا يكون بنقل ناقل معين باختياره ، وإنما يستعمل جماعة من الناس اللفظ في غير معناه الحقيقي لا بقصد الوضع له ثم يكثر استعمالهم له ويشتهر بينهم ، حتى يتغلب المعنى المجازي على اللفظ في أذهانهم فيكون كالمعنى الحقيقي يفهمه السامع منهم بدون القرينة. فيحصل الارتباط الذهني بين

__________________

(١) وأما في الأساليب الخطابية والشعرية ونحوهما ، فلا يحسن اجتناب المجاز ، بل كلما زاد التجوز في تلك الأساليب زاد حسنها.

(٢) أو ناقلين معينين باختيارهم وقصدهم.

٤٩

نفس (١) اللفظ والمعنى ، فينقلب اللفظ حقيقة في هذا المعنى. وهو (المنقول التعيّني).

تمرينات

١ ـ هذه الألفاظ المستعملة في هذا الباب وهي لفظ (مختص ، مشترك ، منقول ، إلى آخره) من أي أقسام اللفظ الواحد؟ أي أنها مختصة أو مشتركة أو غير ذلك.

٢ ـ اذكر ثلاثة أمثلة لكل من أقسام اللفظ الواحد الخمسة.

٣ ـ كيف تميز بين المشترك والمنقول؟

٤ ـ هل تعرف لماذا يحتاج المشترك إلى قرينه؛ وهل يحتاج المنقول إلى القرينة؟

__________________

(١) لفظة «نفس» إشارة إلى أن هذا المعنى كان مرتبطا باللفظ أيضا حين كان معنى مجازيا ، ولكنه لم يكن الارتباط آنذاك بين نفس اللفظ وهذا المعنى ، لأن ارتباط المجاز مباشرة إنما هو بالمعنى الحقيقي لعلاقة بينه وبينه هي المصححة للتجوز ، وارتباطه باللفظ إنما يكون بواسطة المعنى الحقيقي ، فليس له ما دام مجازا ارتباط باللفظ مباشرة.

٥٠

ـ ٢ ـ

الترادف والتباين (١)

إذا قسنا لفظاً إلى لفظ أو إلى ألفاظ ، فلا تخرج تلك الألفاظ المتعددة عن أحد قسمين :

١ ـ إما أن تكون موضوعة لمعنى واحد ، فهي (المترادفة) ، إذا كان أحد الألفاظ (*) رديفاً للآخر على معنى واحد. مثل : أسد وسبع وليث. هرة وقطة. إنسان وبشر. فالترادف : «اشتراك الألفاظ المتعددة في معنى واحد».

٢ ـ وإما أن يكون كل واحد منها موضوعاً لمعنى مختص به ، فهي (المتباينة) ، مثل : كتاب ، قلم ، سماء ، أرض ، حيوان ، جماد ، سيف ، صارم ...

فالتباين : «أن تكون معاني الألفاظ متكثرة بتكثر الألفاظ».

والمراد من التباين هنا غير التباين الذي سيأتي في النسب (٢) ، فإن التباين هنا بين الألفاظ باعتبار تعدد معناها ، وإن كانت المعاني تلتقي في بعض أفرادها أو جميعها ، فإن السيف يباين الصارم ، لأن المراد من الصارم خصوص القاطع من السيوف. فهما متباينان معنى وإن كان يلتقيان في الأفراد ، إذ أن صارم سيف. وكذا الإنسان والناطق ، متباينان معنى ، لأن المفهوم من أحدهما غير المفهوم من الآخر وإن كان يلتقيان في جميع أفرادهما لأن كل ناطق إنسان وكل إنسان ناطق.

__________________

(١) راجع شرح الشمسية : ص ٤١ ، والجوهر النضيد : ص ٦ ، وأصول الفقه : ص ٢٨ الجلد الأول. هذا الجمع يشمل اللفظين فصاعدا على نحو الجمع المنطقي. والجمع باصطلاح علماء المنطق معناه أكثر من واحد. وفي اللغة العربية ـ كما هو معلوم ـ معناه أكثر من اثنين. فتنبه إلى هذا الاستعمال.

(*) هذا الجمع يشمل اللفظين فصاعداً على نحو الجمع المنطقي. والجمع باصطلاح علماء المنطق معناه اكثر من واحد. وفي اللغة العربية ـ كما هو معلوم ـ معناه أكثر من اثنين. فتنبه الى هذا الاستعمال.

(٢) فإن هذا وصف للألفاظ ، وذاك وصف للمفاهيم ، وهو هنا بمعنى تعدد معاني الألفاظ وتكثرها بتكثرها ، وهناك بمعنى عدم اشتراك المعاني في شئ من المصاديق.

٥١

قسمة الالفاظ المتباينه (١)

المثلان ، المتقابلان ، المتخالفان

تقدم ان الالفاظ المتباينة هي ما كثرت معانيها بتكثرها ، أي ان معانيها متغايرة. ولما كان التغاير بين المعاني يقع على أقسام ، فإن الألفاظ بحسب معانيها أيضاً تنسب لها تلك الأقسام. والتغاير على ثلاثة أنواع : التماثل ، والتخالف ، والتقابل.

لأن المتغايرين إما أن يراعي فيهما اشتراكهما في حقيقة واحدة فهما (المثلان) (٢) وإما ألا يراعي ذلك سواء كانا مشتركين بالفعل في حقيقة واحدة أو لم يكونا (٣). وعلى هذا التقدير الثاني أي تقدير عدم المراعاة ،

__________________

(١) راجع شرح المنظومة : ص ٩ ، ونهاية الحكمة : ص ١٤٥ ، وتعليقة الأستاذ مصباح حفظه الله في المقام ، وبداية الحكمة : ص ١٠٣.

(٢) لا يخفى عليك أن هذا مخالف لما اصطلحوا عليه في تعريف المثلين. فان المثلين هما المتشاركان في الماهية النوعية على حد تعبير بعضهم ، أو هما المتشاركان في تمام الماهية على حد تعبير طائفة. والمؤدى واحد. فراجع الاسفار ج ٢ ص ٨٥ س ١ وشرح المنظومة قسم الفلسفة ط. ناب ص ٣٨٩ س ١٢ وتعليقته على ص ١١١ من ط المصطفوي ونهاية الحكمة ط. جماعة المدرسين ص ١٣ وص ١٤١ س ٩. ومثله في كشاف اصطلاحات الفنون للنهانوي.

ويشهد لذلك أولا قولهم : «اجتماع المثلين محال» حيث إن المثلين لما كانا فردين من ماهية نوعية واحدة فكونهما مثلين اثنين يقتضي تعدد وجودهما فيمتنع اجتماعها في وجود واحد. واما إذا فسرا بالمشتركين في حقيقة واحدة بما هما مشتركان لم يكن اجتماع المثلين بمحال فان اللون والطعم على هذا من جهة كون كل منهما كيف محسوب هما مثلان مع أنهما يجتمعان في تفاحة مثلا.

وثانيا ان قولهم : «حكم الأمثال في ما يجوز وفي مالا يجوز واحد» انما يتم إذا أريد بالأمثال أفراد ماهية نوعية واحدة. وأما لو أريد ما ذكره المصنف من المعنى لم يتم القاعدة ، حيث إنه على ذلك يصير الإنسان والحمار مثلين في كون كل منهما حيوانا مع أن الحمار لا يجوز منه التفكر بخلاف الانسان.

ولعل منشأ الخلط اشتراك لفظ المثل بين المعنى اللغوي والمعنى المصطلح.

(٣) كالوجود والعدم.

٥٢

فإن كانا من المعاني التي لا يمكن اجتماعهما في محل واحد من جهة واحدة في زمان واحد ، بأن كان بينهما تنافر وتعاند فهما (المتقابلان) ، وإلا فهما (المتخالفان).

وهذا يحتاج إلى شيء من التوضيح ، فنقول :

١ ـ (المثلان) هما المشتركان في حقيقة واحدة بما هما مشتركان ، أي لوحظ واعتبر اشتراكهما فيها ، كمحمد وجعفر اسمين لشخصين مشتركين في الإنسانية بما هما مشتركان فيها ، وكالإنسان والفرس باعتبار اشتراكهما في الحيوانية. وإلا فمحمد وجعفر من حيث خصوصية ذاتيهما مع قطع النظر عما اشتركا فيه هما متخالفان كما سيأتي. وكذا الإنسان والفرس هما متخالفان بما هما إنسان وفرس.

والاشتراك والتماثل إن كان في حقيقة نوعية بأن يكونا فردين من نوع واحد كمحمد وجعفر يخص باسم المثلين أو المتماثلين (١) ولا اسم آخر لهما. وإن كان في الجنس كالإنسان والفرس سمّيا أيضاً (متجانسين) وإن كان في الكم أي في المقدار (٢) سمّيا أيضاً (متساويين) ، وإن كان في الكيف أي في كيفيتهما وهيئتهما سمّيا أيضاً (متشابهين). والاسم العام للجميع هو (التماثل).

والمثلان أبداً لا يجتمعان (٣) ببديهة العقل.

٢ ـ (المتخالفان) وهما المتغايران من حيث هما متغايران ، ولا مانع من

__________________

(١) وينبغي أن يسمى التماثل هنا بالتماثل بالمعنى الأخص ، وما هو مقابل للتخالف التماثل بالمعنى الأعم.

(٢) أريد بالمقدار هنا معناه اللغوي أي : مبلغ الشئ أو ما يعرف به قدر الشئ من معدود أو مكيل أو موزون كما في أقرب الموارد ، فيعم الكم المتصل والمنفصل كليهما. وأما المقدار المصطلح فهو خصوص الكم المتصل القار.

(٣) يبدو أن المثلين إنما لا يجتمعان إذا كانا من الذوات ، والوجه فيه : أن اجتماعهما ينفي الاثنينية وهو خلف في كونهما مثلين. وأما إذا كانا من الصفات كالطعم واللون بما هما مشتركان في كونهما كيفا محسوسا فلا مانع من اجتماعهما هذا ، اللهم إلا أن يختص التماثل بالذوات.

٥٣

اجتماعهما في محل واحد إذا كانا من الصفات ، مثل الإنسان والفرس بما هما إنسان وفرس ، لا بما هما مشتركان في الحيوانية كما تقدم. كذلك : الماء والهواء ، النار والتراب ، الشمس والقمر ، السماء والأرض. ومثل السواد والحلاوة ، الطول والرقة ، الشجاعة والكرم ، البياض والحرارة. والتخالف قد يكون في الشخص (١) مثل محمد وجعفر وإن كانا مشتركين نوعاً في الإنسانية ، ولكن لم يلحظ هذا الاشتراك. وقد يكون في النوع مثل الإنسان والفرس وإن كانا مشتركين في الجنس وهو الحيوان ولكن لم يلحظ الاشتراك. وقد يكون في الجنس ، وإن كانا مشتركين في وصفهما العارض عليهما ، مثل القطن والثلج (٢) المشتركين في وصف الأبيض إلا أنه لم يلحظ ذلك.

ومنه يظهر أن مثل محمد وجعفر يصدق عليهما أنهما متخالفان بالنظر إلى اختلافهما في شخصيهما ويصدق عليهما مثلان بالنظر إلى اشتراكهما وتماثلهما في النوع وهو الإنسان. وكذا يقال عن الإنسان والفرس هما متخالفان من جهة تغايرهما في الإنسانية والفرسية ومثلان باعتبار اشتراكهما في الحيوانية. وهكذا في مثل القطن والثلج. الحيوان والنبات. الشجر والحجر.

ويظهر أيضاً أن التخالف لا يختص بالشيئين اللذين يمكن أن يجتمعا ، فإن الأمثلة المذكورة قريباً لا يمكن فيها الاجتماع مع أنها ليست من المتقابلات ـ كما سيأتي ـ ولا من المتماثلات حسب الاصطلاح.

__________________

(١) لا يخفى عليك : أن هذا التقسيم إنما ينفع في المتخالفين اللذين يكون لهما جهة مشتركة وإن لم تلحظ ، وأما اللذان ليس لهما جهة مشتركة فتخالفهما في كل من الشخص والنوع والجنس يلازم تخالفهما في الآخرين كالعمى والحجر.

(٢) لا يخفى عليك : أن القطن والثلج يشتركان في الجنس العالي والجنس المتوسط لهما ، فإنهما جوهران جسمان ، على المشهور من كون الجوهر جنسا عاليا. والصواب هو التمثيل بالجسم والمربع مما يدخل تحت جنسين عاليين ، المشتركين في كونهما ماهية ، والحرارة والأبوة المشتركين في كونهما عرضا.

٥٤

ثم إن التخالف قد يطلق على ما يقابل التماثل فيشمل التقابل أيضاً فيقال للمتقابلين على هذا الاصطلاح أنهما متخالفان.

٣ ـ (المتقابلان) (١) هما المعنيان المتنافران اللذان لايجتمعان في محل واحد من جهة واحدة في زمان واحد ، كالإنسان واللا إنسان. والأعمى والبصير (٢) ، والأبوة والبنوة ، والسواد والبياض.

فبقيد وحدة المحل (٣) دخل مثل التقابل بين السواد والبياض مما يمكن اجتماعهما في الوجود كبياض القرطاس وسواد الحبر. وبقيد وحدة الجهة دخل مثل التقابل بين الأبوة والبنوة مما يمكن اجتماعها في محل واحد من جهتين إذ قد يكون شخص أباً لشخص وابناً لشخص آخر. وبقيد وحدة الزمن دخل مثل التقابل بين الحرارة والبرودة مما يمكن اجتماعهما في محل واحد في زمانين ، إذ قد يكون جسم بارداً في زمان ونفسه حاراً في زمان آخر.

اقسام التقابل (٤)

للتقابل أربعة أقسام :

١ ـ (تقابل النقيضين) (٥) أو السلب والإيجاب ، مثل : إنسان ولا إنسان ،

__________________

(١) راجع الجوهر النضيد : ص ٢٥ ، ونهاية الحكمة والتعليقة في عين المقام السابق.

(٢) لا يخفى عليك : أن المتقابل بتقابل الملكة وعدمها هو العمى والبصر ، لا الأعمى والبصير ، وذلك لأن العمى أمر عدمي وأما الأعمى فهو أمر وجودي. اللهم إلا أن يقال ببساطة المشتق وأن معناه هو نفس مفهوم المبدأ وأن الاختلاف إنما هو في كونه لا بشرط كون المبدأ بشرط لا.

(٣) لا يخفى عليك : أن «وحدة المحل» و «وحدة الزمان» قيد لامتناع اجتماع المتقابلين بجميع أقسامهما. وقيد «وحدة الجهة» مخصوص بالمتضايفين حيث إنهما يمكن أن يجتمعا من جهتين ، فلا تغفل.

(٤) راجع الجوهر النضيد : ص ٢٥ ، ونهاية الحكمة : ص ١٤٦ ، وبداية الحكمة : ص ١٠٣ ، وكشف المراد : ص ١٠٧.

(٥) راجع نهاية الحكمة : ص ١٤٦ ، وبداية الحكمة : ١٠٦ ، وكشف المراد : ص ١٠٧.

٥٥

سواد ولا سواد ، منير وغير منير.

والنقيضان : أمران وجودي وعدمي ، أي عدم لذلك الوجودي ، وهما لا يجتمعان ولا يرتفعان ببديهة العقل ، ولا واسطة بينهما.

٢ ـ (تقابل الملكة وعدمها) (١) كالبصر والعمى ، الزواج والعزوبية ، فالبصر ملكة والعمى عدمها. والزواج ملكة والعزوبية عدمها.

ولا يصح أن يحل العمى إلا في موضع يصح فيه البصر (٢) ، لأن العمى ليس هو عدم البصر مطلقاً ، بل عدم البصر الخاص ، وهو عدمه فيمن شأنه أن يكون بصيراً. وكذا العزوبة لا تقال إلا في موضع يصح فيه الزواج ، لا عدم الزواج مطلقاً ، فهما ليسا كالنقيضين لا يرتفعان ولا يجتمعان ، بل هما يرتفعان. وإن كان يمتنع اجتماعهما ، فالحجر لا يقال فيه أعمى ولا بصير ، ولا أعزب ولا متزوج ، لأن الحجر ليس من شأنه أن يكون بصيراً ، ولا من شأنه أن يكون متزوجاً.

إذن الملكة وعدمها : «أمران وجودي وعدمي لا يجتمعان ويجوز أن يرتفعا في موضع لا تصح فيه الملكة».

٣ ـ (تقابل الضدين) (٣) ، كالحرارة والبرودة ، والسواد والبياض ، والفضيلة والرذيلة ، والتهور والجبن ، والخفة والثقل.

والضدان : «هما الوجوديان المتعاقبان على موضوع واحد ، ولا يتصور اجتماعهما فيه ، ولا يتوقف تعقل أحدهما على تعقل الآخر».

__________________

(١) راجع جواهر النضيد : ص ٢٦ ، وأساس الإقتباس ، ص ٥٤ ، ونهاية الحكمة : ص ١٤٩ ، بداية الحكمة : ص ١٠٦ وكشف المراد : ص ١٠٧.

(٢) ومن هنا يعلم : أن العدم والملكة كالضدين لابد أن يكونا صفتين ، بل غير التناقض من أقسام التقابل لا يتحقق في الذوات.

(٣) راجع الجوهر : ص ٢٦ وأساس الاقتباس : ص ٥٥ ، ونهاية الحكمة : ص ١٥١ ، وبداية الحكمة : ص ١٠٤.

٥٦

وفي كلمة (المتعاقبان على موضوع واحد) يفهم أن الضدين لا بد أن يكونا صفتين ، فالذاتان مثل إنسان وفرس لا يسميان بالضدين. وكذا الحيوان والحجر ونحوهما. بل مثل هذه تدخل في المعاني المتخالفة ، كما تقدم.

وبكلمة «لا يتوقف تعقل أحدهما على تعقل الآخر» يخرج المتضايفان ، لأنهما أمران وجوديان أيضاً ولا يتصور اجتماعهما فيه من جهة واحدة ، ولكن تعقل أحدهما يتوقف على تعقل الآخر. وسيأتي.

٤ ـ (تقابل المتضايفين) (١) مثل : الأب والابن ، الفوق والتحت ، المتقد والمتأخر ، العلة والمعلول ، الخالق (٢) والمخلوق وأنت إذا لاحظت هذه الأمثلة تجد :

(اولاً) إنك إذا تعلقت أحد المتقابلين منها لا بد أن تتعقل معه مقابلة الآخر : فإذا تعقلت أن هذا أب أو علة لا بد أن تتعقل معه أن له ابناً أو معلولاً.

(ثانياً) أن شيئاً واحداً لا يصح أن يكون موضوعاً للمتضايفين من جهة واحدة ، فلا يصح أن يكون شخص أباً وابناً لشخص واحد ، نعم يكون أباً لشخص وابناً لشخص آخر. وكذا لا يصح أن يكون الشيء فوقاً وتحتاً لنفس ذلك الشيء في وقت واحد. وإنما يكون فوقاً لشيء هو تحت له ، وتحتاً لشيء آخر هو فوقه وهكذا.

(ثالثاً) إن المتقابلين في بعض هذه الأمثلة المذكورة أولاً ، يجوز أن يرتفعا (٣) ، فإن واجب الوجود لا فوق ولا تحت ، والحجر لا أب ولا ابن.

__________________

(١) راجع الجوهر النضيد : ص ١٣ ، ونهاية الحكمة : ص ١٥٠ ، وبداية الحكمة : ص ١٠٤ ، وكشف المراد : ص ١٠٧ ، وتعليقة الأستاذ حسن زاده في المقام.

(٢) الخلق هو الإيجاد عن مادة ، والعلية أعم منه.

(٣) لا يخفى : أنه بعد ما كان ما سوى هذا الأمر من القيود والأحكام معرفا للمتضايفين

٥٧

وإذا اتفق في بعض الأمثلة أن المتضايفين لا يرتفعان كالعلة والمعلول ، فليس ذلك لأنهما متضايفان. بل لأمر يخصهما (١) ، لأن كل شيء موجود لا يخلو إما أن يكون علة أو يكون معلولاً.

وعلى هذا البيان يصح تعريف المتضايفين بأنهما : «الوجوديان اللذان يتعقلان معاً ولا يجتمعان في موضوع واحد من جهة واحدة ويجوز أن يرتفعا».

تمرينات

١ ـ بيِّن المترادفة والمتباينة من هذه الأمثلة بعد التدقيق في كتب اللغة :

كتاب وسفر

مقول ولسان

خطيب ومصقع

__________________

 ـ جامعا مانعا ـ لاوجه لذكر هذا القيد أي جواز الارتفاع بل هو مضر بالتعريف لإخراجه بعض الأمثلة. وأما ما تصدى له (قدس سره) في حل الإعضال فالإنصاف أنه لا يخلو عن تكلف.

(١) وإلا لكان كل متضايفين كذلك.

٥٨

فرس وصاهل

ليل ومساء

عين وناظر

شاعر وناظم

مصنع وسامع

جلوس وقعود

متكلم ولسن

كف ويد

قدّ وقطع

٢ ـ اذكر ثلاثة أمثلة لكل من المتخالفة والمتماثلة.

٣ ـ بين أنواع التقابل في الأمثلة الآتية

الخير والشر، النور والظلمة ، الحركة والسكون ، الظلم والعدل ، الملتحي والأمرد ، المنتعل والحافي ، الصباح والمساء ، الدال والمدلول ، التصور والتصديق ، العلم والجهل ، القيام والقعود ، العالم والمعلوم.

[٣]

المفرد والمركب(١)

ينقسم اللفظ مطلقاً (غير معتبر فيه أن يكون واحداً أو متعدداً) إلى قسمين :

أ ـ (المفرد) ويقصد المنطقيون به :

(أولاً) اللفظ الذي لا جزء له ، مثل الباء من قولك : كتبت بالقلم ، و (ق) فعل أمر من وقى يقي.

(ثانياً) اللفظ الذي له جزء إلا أن جزء اللفظ لا يدل على جزء المعنى حين هو جزء له (٢) ، مثل : محمد. علي. قرأ. عبد الله. عبد الحسين. وهذان

__________________

(١) راجع الحاشية : ص ٢٤ وشرح الشمسية : ص ٣٣ ، وشرح المنظومة : ص ١٤ ، وشرح المطالع : ص ٣٧ ، واللمعات (منطق نوين : ص ٥) والجوهر النضيد : ص ٧ ، والإشارات وشرحه : ص ٣١ ، والنجاة : ص ٥ ، والتحصيل : ص ٨ ، وتأمل في الاختلافات الموجودة بين المراجع من حيث دخل الإرادة فيهما وعدمه.

(٢) أي حين يكون جزء اللفظ جزءا له ، وإن كان حين لا يكون جزءا ويستعمل مستقلا دالا على معنى أو على جزء المعنى (شرح الإشارات ص ٣٢ و ٣٣) مثل «ان» من «إنسان»

٥٩

الأخيران إذا كانا اسمين لشخصين فأنت لا تقصد بجزء اللفظ (عبد) و (الله) و (الحسين) معنى أصلاً ، حينما تجعل مجموع الجزئين دالاً على ذات الشخص. وما مثل هذا الجزء إلا كحرف (م) من محمد وحرف (ق) من قرأ.

نعم في موضع آخر قد تقول (عبد الله) وتعني بعبد معناه المضاف إلى الله تعالى كما تقول (محمد عبد الله ورسوله). وحينئذ يكون نعتاً لا اسماً ومركباً لا مفرداً. أما لو قلت (محمد بن عبد الله) فعبد الله مفرد هو اسم أب محمد.

أما النحويون فعندهم مثل (عبد الله) إذا كان اسماً لشخص مركب لا مفرد ، لأن الجهة المعتبرة لهم في هذه التسمية تختلف عن الجهة المعتبرة عند المناطقة. إذ النحوي ينظر إلى الإعراب والبناء ، فما كان له إعراب أو بناء واحد فهو مفرد وإلا فمركب كعبد الله علماً فإن (عبد الله) له إعراب و (الله) له إعراب. أما المنطقي فإنما ينظر المعنى فقط.

إذن المفرد عند المنطقي هو : «اللفظ الذي ليس له جزء يدل (*) على جزء معناه حين هو جزء».

ب ـ (المركب) ويسمى القول ، وهو اللفظ الذي له جزء يدل على جزء معناه حين هو جزء مثل (الخمر مضر) ، الجزءان : (الخمر) ، و (مضر) يدل كل منهما على جزء معنى المركب. ومنه (الغيبة جهد العاجز) فالمجموع مركب و (جهد العاجز) مركب أيضا. ومنه (شر الإخوان من تكلف له)

__________________

حيث يدل على معنى الشرط حين يستعمل مستقلا ، ومثل «يد» من «يد الله» علما حيث يدل على جزء المسمى.

(*) ليتنبه الاساتذة انا لم نأخذ في الدلالة قيد القصد كما صنع بعضهم ، لانا نعتقد أن الدلالة لاتحصل بغير القصد. وتعريفنا للدلالة فيما مضى كفيل بالبرهان على ذلك. فمثل (الحيوان الناطق) لو جعل علما لاحد افراد الانسان لايدل جزؤه على جزء معناه. وهو مثل (عبدالله) لا فرق بينهما.

٦٠