المنطق

الشيخ محمّد رضا المظفّر

المنطق

المؤلف:

الشيخ محمّد رضا المظفّر


المحقق: الشيخ رحمة الله رحمتي الأراكي
الموضوع : الفلسفة والمنطق
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٤

ثم المقدمة اليقينية إما أن تکون في نفسها بديهية من احدي البديهيات الست المتقدمة وإما ان تکون نظرية تنتهي الى البديهيات.

فاذا تألفت الحجة من مقدمتين يقينيتين سميت (برهانا). ولا بدّ أن ينتجا قضية يقينية لذات القياس المؤلف منهما اضطرارا عندما يکون تأليف القياس في صورته يقينيا أيضا کما کان في مادته فيستحيل حينئذ تخلف النتيجة لاستحالةد تخلف المعلول عن علته فيعلم بها اضطرارا لذات المقدمتين بما لهما من هيئة التأليف على صورة قياس صحيح.

وهذا معني أن نتيجة البرهان ضرورية. ويعنون بالضرورة هنا معني آخر غير معني (الضرورة) في الموجهات على ما سيأتي (١).

والخلاصة ان البرهان يقيني واجب القبول مادة وصورة وغايته ان ينتج اليقين الواجب القبول أي اليقين بالمعني الاخص.

ـ ٢ ـ

البرهان قياس

ذکرنا في تعريف البرهان بانه (قياس) وعليه فلا يسمي الاستقراء ولا التمثيل برهانا. وعلل بعضهم ذلک بأن الاستقراء والتمثيل لا يفيدان اليقين ويجب في البرهان أن يفيد اليقين.

والحق ان الاستقراء قد يفيد اليقين وکذلک التمثيل على ما تقدم في بابهما في الجزء الثاني (٢) بل تقدم ان أساس اکثر کبريات الاقيسة هو الاستقراء المعلل ومع ذلک لا يسمي الاستقراء ولا التمثيل برهانا.

والسر في ذلک ان الاستقراء المفيد لليقين وکذا التمثيل انما يفيد اليقين حيث يعتمد على القياس کما شرحناه في التجربيات(٣). واشرنا في

__________________

(١) يأتي في ص ٣٧٥.

(٢) تقدم في ص ٣١٠ و ٣١٧.

(٣) تقدم في ص ٣٣١.

٣٦١

الجزء الثاني الى أن الاستقراء التام يرجع الى القياس المقسم (١) فراجع. اما الاستقراء الناقص المبني على المشاهدة فقط فانه لا يفيد اليقين لأنه لا يرجع الى القياس ولايعتمد عليه. فاتضح بالاخير ان المفيد لليقين هو القياس فقط.

وليس معني ذلک ان العلوم تستغني عن الاستقراء والتمثيل او التقليل من شأنهما في العلوم بل العلوم الطبيعية بأنواعها وعلم الطب ونحوه کلها تبتني على المجربات التي لا تحصل للعقل بدون الاستقراء والتمثيل ولکن انما تفيد اليقين حيث تعتمد على القياس. فرجع الامر کله الى القياس.

ـ ٣ ـ

البرهان لمي واني

ان العمدة في کل قياس هو الحد الاوسط فيه لأنه هو الذي يؤلف العلاقة بين الاکبر والاصغر فيوصلنا الى النتيجة (المطلوب). وفي البرهان خاصة لا بد أن يفرض الحد الاوسط علة ليقين بالنتيجة اي لليقين بنسبة الاکبر الى الاصغر والا لما کان الاستدلال به اولي من غيره. ولذا يسمي الحد الأوسط (واسطة في (٢) الاثبات).

وعليه فالحد الاوسط اما ان يکون مع کونه واسطة في الاثبات واسطة في الثبوت أيضا أي يکون علة لثبوت الاکبر للاصغر واما ان لا يکون واسطة في الثبوت.

فان کان الاول (٣) (أي انه واسطة في الاثبات والثبوت معا) فان

__________________

(١) تقدم في ص ٣١٠.

(٢) راجع الحاشية ص ١١٢ ، وشرح المنظومة : ص ١٦٧.

(٣) راجع الحاشية : ص ١١٢ ، وشرح الشمسية : ص ١٦٧ ، وشرح المنظومة : ص ٩٢ ، وشرح المطالع : ص ٣٣٤ ، والقواعد الجلية : ص ٣٩٨ ، والجوهر النضيد : ص ١٧١ ، والإشارات وشرحه : ص ٣٠٦ ، والنجاة : ص ٦٦.

٣٦٢

البرهان حينئذ يسمي (برهان لم) او (البرهان اللمي) لانه يعطي اللمية (١) في الوجود والتصديق معا فهو معط للمية مطلقا فسمي به کقولهم : «هذه الحديدة ارتفعت حرارتها وکل حديدة ارتفعت حرارتها فهي متمددة فينتج هذه الحديدة متمددة» فالاستدلال بارتفاع الحرارة على التمدد استدلال بالعلة على المعلول. فکما اعطت الحرارة الحکم بوجود التمدد في الذهن للحديدة کذلک هي معطية في نفس الامر والخارج وجود التمدد لها.

وان کان الثاني (٢) (أي انه واسطة في الاثبات فقط ولم يکن واسطة في الثبوت) فيسمي (برهان إن) أو (البرهان الإنّي) لانه يعطي الانية (٣). والانية مطلق الوجود.

ـ ٤ ـ

اقسام البرهان الاني (٤)

والبرهان الإنّي على قسمين :

١ ـ أن يکون الأوسط معلولاً للاکبر في وجوده في الاصغر لا علة عکس (برهان لم) کما لو قيل في المثال المتقدم : «هذه الحديدة متمددة وکل حديدة متمددة مرتفعة درجة حرارتها». فالاستدلال بالتمدد على

__________________

(١) اللمية ـ بتشديد الميم ـ هي العلية مصدر صناعي مأخوذ من كلمة «لم» راجع ص ١١٤ الجزء الأول.

(٢) راجع الحاشية : ص ١١٢ ، وشرح الشمسية : ص ١٦٧ ، والقواعد الجلية ص ٣٩٨ ، والجوهر النضيد : ص ١٧١ ، والإشارات : ص ٣٠٦ ، والنجاة ص ٦٧.

(٣) الإنية ـ بتشديد النون ـ مصدر صناعي كاللمية مأخوذة من كلمة «إن» المشبهة بالفعل التي تدل على الثبوت والوجود.

(٤) راجع الحاشية : ص ١١٢ ، وشرح المطالع : ص ٣٣٤ ، والقواعد الجلية : ص ٣٩٩ ، واللمعات (منطق نوين) : ص ٣٥ ، والجوهر النضيد : ص ١٧٢.

٣٦٣

 ارتفاع درجة الحرارة استدلال بالمعلول على العلة. فيقال فيه : انه يستکشف بطريق الإن من وجود المعلول على وجود العلة فيکون العلم بوجود المعلول بوجود المعلول سببا للعلم بوجود العلة. فلذلک يکون المعلول واسطة في الاثبات أي علة للعلم بالعلة وان کان معلولا لها في الخارج. ويسمي هذا القسم من البرهان الإنّي (الدليل).

٢ ـ أن يکون الأوسط والاکبر معاً (١) معلولين لعلة واحدة فيستکشف من وجود احدهما وجود الآخر فکل منهما اذا سبق العلم به يکون العلم به علة للعلم بالآخر ولکن لا لأجل ان احدهما علة للآخر بل لکونهما متلازمين في الوجود لاشتراکهما في علة واحدة اذا وجدت لا بد أن يوجدا معا فاذا علم بوجود احدهما يعلم منه وجود علته لاستحالة وجود المعلول بلا علة واذا علم بوجود العلة علم منها وجود المعلول الآخر لاستحالة تخلف المعلول عن العلة. فيکون العلم على هذا بأحد المعلولين مستلزما للعلم بالآخر بواسطة.

وليس لهذا القسم الثاني اسم خاص. وبعضهم لا يسميه البرهان الإنيّ بل يجعل البرهان الإنيّ مختصا بالقسم الاول المسمي بالدليل ويجعل هذا القسم واسطة بينه وبين اللمي. فتکون اقسام البرهان ثلاثة : لميّ وإنيّ وواسطة بينهما.

وفي الحقيقة ان هذا القسم فيه استکشافان واستدلالان : استدلال بالمعلول على العلة المشترکة ثم استدلال بالعلة المشترکة على المعلول الآخر کما تقدم ففيه خاصة البرهان الإنيّ في الاستدلال الاول وخاصة البرهان اللمّي في الاستدلال الثاني. فلذا جعلوه واسطة بينهما لجمعه بين الطريقتين. والاحسن جعله قسما ثانيا للإنيّ کما صنع کثير من المنطقيين رعاية للاستدلال الاول فيه. والامر سهل.

__________________

(١) يعنى : ان يكون الأوسط وثبوت الأكبر للأصغر.

٣٦٤

ـ ٥ ـ

الطريق الاساسي الفكري لتحصيل البرهان

عند العقلاء قضيتان أوليتان لا يشک فيهما الاّ مکابر أو مريض العقل لانهما اساس کل تفکير ولم يتم اختراع ولا استنباط ولا برهان بدونهما حتي الاعتقاد بوجود خالق الکائنات وصفاته مرتکز عليهما. وهما

١ ـ (ان کل ممکن لا بد له من علة في وجوده). ويعبر عن هذه البديهة أيضا بقولهم : (استحالة وجود الممکن بلا علة).

٢ ـ (کل معلول يجب وجوده عند وجود علته). ويعبر عنها ايضا بقولهم : (استحالة تخلف المعلول عن العلة).

ولما کان اليقين بالقضية من الحوادث الممکنة فلا بد له من علة موجبة لوجوده بناء على البديهة الاولي. وهذه العلة قد تکون من الداخل وقد تکون من الخارج.

(الاول) ان تکون من الداخل. ومعني ذلک ان نفس تصور اجزاء القضية (طرفي النسبة) (١) علة للحکم والعلم بالنسبة (٢) کقولنا : «الکل اعظم من الجزء» وقولنا : «النقيضان لا يجتمعان». والبديهتان اللتان مرّ ذکرهما في صدر البحث أيضا من هذا الباب فان نفس تصور الممکن والعلة کاف للحکم باستحالة وجود الممکن بلا علة ونفس تصور الممکن والعلة کاف للحکم باستحالة وجود الممکن بلا علة ونفس تصور العلة والمعلول کاف للحکم باستحالة تخلفه عن علته. فلا يحتاج اليقين في مثل هذه القضايا الى شيء آخر وراء نفس تصوّر طرفي القضية. ولذا تسمي هذه القضايا بـ (الاولية) کما تقدم في بابها (٣) لانها اسبق من کل قضية لدي العقل. ولاجل هذا قالوا ان القضايا الاوليات هي العمدة في مباديء البرهان.

__________________

(١) وكذا النسبة.

(٢) أي العلم بوجود النسبة.

(٣) راجع ص ٣٢٨.

٣٦٥

(الثاني) ان تکون العلة من الخارج. وهذه العلة الخارجة على نحوين :

١ ـ أن تکون احدي الحواس الظاهرة او الباطنة وذلک في المشاهدات والمتواترات اللتين هما من البديهيات الست. وقضاياها من الجزئيات (١) فان العقل هو الذي يدرک ان هذه النار حارة أو مکة موجودة ولکن ادراکه لهذه الاشياء ليس ابتداء بمجرد تصوّر الطرفين ولا بتوسط مقدمات عقلية. وانما بتوسط احدي الحواس وهي جنوده التي يستعين بها في ادراک المشاهدات ونحوها فانه يدرک الطعم بالذوق واللون بالبصر والصوت بالسمع ... وهکذا ثم يدرک بقوة أخري بأن ماله هذا اللون الاصفر مثلا له هذا الطعم الحامض.

وقول الحکماء ان العقل (٢) لا يدرک الجزئيات (٣) فان غرضهم انه لا يدرک الجزئيات بنفسه بدون استعمال آلة ادراکية والا فليس المدرک للکليات والجزئيات الا القوة العاقلة. ولا يمکن ان يکون للسمع والبصر ونحوهما وجود وادراک مع قطع النظر عنها غير ان ادراک القوة العاقلة للمحسوسات لايحتاج الى أکثر من استعمال آلة الادراک المختصة في ذلک المحسوس.

ويختص ادراک القوة العاقلة بتوسط (٤) الآلة في خصوص الجزئيات لان الحسّ بانفراده لا يفيد رأياً کليا لأن حکمه مخصوص بزمان الاحساس فقط وإذا أراد ان يتجاوز الادراک الى الامور الکلية فلا بد أن

__________________

(١) يعني : أن موضوعات هذه القضايا ليست إلا جزئيات ، فتكون القضايا قضايا شخصية.

(٢) راجع التعليقات لأبي علي الشيخ الرئيس : ص ٢٢ وص ٣٣ وص ٥٠ وص ٥٨ وص ٧٧ ص ١١٦ وص ١٢٦ وص ١٤٨ ، والحاشية : ص ١٧ ، وحواشيها في المقام.

(٣) لا يخفى عليك ما فيه من المغالطة باشتراك الاسم ، فإن العقل الذي يدرك الجزئيات إنما هو العقل بمعنى مطلق القوة المدركة أو النفس. والعقل الذي يقول الحكماء : إنه لا يدرك الجزئيات إنما هو خصوص مرتبة من النفس والقوة المدركة لا تدرك إلا الكليات.

(٤) متعلق ب‍ «يختص».

٣٦٦

يستعين بمقدمات عقلية وقياسات منطقية ليستفيد منها الرأي الکلي. فالمشاهدات وکذلک المتواترات تصلح لا ن تکون مباديء يقتنص منها التصورات الکلية والتصديقات العامة بل لو لا تتبع المشاهدات لم نحصل على کثير من المفاهيم الکلية والآراء العلمية. ولذا قيل (من فقد حسا فقد علما). وتفصيل هذه الابحاث يحتاج الى سعة من القول لا يساعد عليه هذا الکتاب.

٢ ـ ان تکون العلة الخارجة هي القياس المنطقي. وهذا القياس على قسمين :

(القسم الاول) ان يکون حاضرا لدي العقل لا يحتاج الى إعمال فکر فلا بد أن يکون معلوله وهو اليقين بالنتيجة حاضراً أيضا ضروري الثبوت. وهذا شأن المجربات والحدسيات والفطريات التي هي من أقسام البديهيات اذ قلنا سابقا ان المجربات والحدسيات تعتمد على قياس خفي حاضر لدي الذهن والفطريات قضايا قياساتها معها. وانما سميت (ضرورية) لضرورة اليقين بما بسبب حضور علتها لدي العقل بلا کسب.

والى هنا انتهي بنا القول الى استقصاء جميع البديهيات الست (التي هي أساس البراهين ورکيزة کل تفکير ورأس المال العلمي لتاجر العلوم) والي استقصاء أسباب اليقين بها.

فالاوليات علة يقينها من الداخل والمشاهدات والمتواترات علتها من الخارج وهي الآلة الحاسة والثلاث الباقية علتها من الخارج أيضا وليست هي الا القياس الحاضر.

(القسم الثاني) ان لا يکون القياس حاضراً لدي العقل فلا بد للحصول على اليقين من السعي لاستحضاره بالفکر والکسب العلمي وذلک بالرجوع الى البديهيات (وهذا هو موضع الحاجة الى البرهان) فاذا حضر هذا القياس انتظم البرهان إما على طريق اللم او الإن. فاستحضار علة

٣٦٧

اليقين غير الحاضرة هو الکسب وهو المحتاج الى النظر والفکر. والذي يدعو الى هذا الاستحضار البديهة الاولي المذکورة في صدر البحث وهي استحالة وجود الممکن بلا علة واذا حضرت العلة انتظم البرهان کما قلنا أي يحصل اليقين بالنتيجة وذلک بناء على البديهة الثانية وهي استحالة تخلف المعلول عن العلة.

فاتضح من جميع ما ذکرنا کيف نحتاج الى البرهان وسر الحاجة اليه وأنه يرتکز اساسه على هاتين البديهتين اللتين هما الطريق الاساس الفکري لتحصيل کل برهان.

ـ ٦ ـ

البرهان اللمي مطلق وغير مطلق (١)

قدعرفت ان البرهان اللمي ما کان الاوسط فيه علة لثبوت الاکبر للاصغر ومعني ذلک انه علة للنتيجة. وهذا على نحوين :

١ ـ ان يکون علة لوجود الاکبر في نفسه على الاطلاق ولاجل هذا يکون علة لثبوته للاصغر باعتبار ان المحمول الذي هو الاکبر هنا ليس وجوده الا وجوده لموضوعه وهو الاصغر وليس له وجود مستقل عن وجود موضوعه کالمثال المتقدم وهو مثال علية ارتفاع الحرارة لتمدد الحديدة. ويسمي هذا النحو (البرهان اللمي المطلق).

٢ ـ ان لا يکون علة لوجود الاکبر على الاطلاق وانما يکون علة لوجوده في الاصغر. ويسمي هذا النحو (البرهان اللمي غير المطلق). وانما صح ان يکون علة لوجود الاکبر في الاصغر وليس علة لنفس الاکبر فباعتبار أن وجود الاکبر في الاصغر شيء وذات الاکبر شيء آخر فتکون

__________________

(١) راجع شرح المنظومة : ص ٩٨ ، والنجاة : ص ٦٦.

٣٦٨

علة وجود الأکبر في الاصغر غير علة نفس الاکبر. والمقتضي لکون البرهان لميّاً ليس الا علية الأوسط لوجود الاکبر في الاصغر سواء کان علة أيضا لوجود الاکبر في نفسه کما في النحو الاول أي البرهان اللمي المطلق او کان معلولاً للاکبر في نفسه او کان معلولاً للاصغر او ليس معلولاً لکل (١) منهما.

مثال الاول ـ وهو ما کان معلولاً للاکبر قولنا : «هذه الخشبة تتحرک اليها النار. وکل خشبة تتحرک اليها النار توجد فيها النار» فوجود النار أکبر وحرکة النار أوسط والحرکة علة لوجود النار في الخشبة ولکنّها ليست علة لوجود النار مطلقا بل الامر`بالعکس فان حرکة النار معلولة لطبيعة النار.

ومثال الثاني ـ وهو ما کان معلولا للاصغر قولنا : «المثلث زواياه تساوي قائمتين. وکل ما يساوي قائمتين (٢) نصف زوايا المربع» فالاوسط (مساواة القائمتين) معلول للاصغر وهو (زوايا المثلث) : وهو في الوقت نفسه علة لثبوت الاکبر (نصف زوايا المربع) للاصغر (زوايا المثلث).

ومثال الثالث ـ وهو ما لم يکن معلولا لکل (٣) من الاصغر والاکبر نحو : «هذا الحيوان غراب. وکل غرب أسود» فالغراب وهو الأوسط ليس معلولا للاصغر ولا للاکبر مع انه علة لثبوت وصف السواد لهذا الحيوان.

__________________

(١) في النسخ : لكل.

(٢) لا يختص عليك : أن المثلث في هذه القضية ليس موضوعا ، فإن المحكوم عليه إنما هو زوايا المثلث. ومن هنا يعلم أن المبتدأ الذي هو مصطلح الأديب والموضوع الذي اصطلح عليه المنطقي بينهما عموم وخصوص من وجه ، يجتمعان في «زيد» في «زيد قائم» ويفترقان في «زيد» في «ضرب زيد» وكذا في المثال الذي نحن فيه.

(٣) في النسخ : لكل.

٣٦٩

ـ ٧ ـ

معنى العله في البرهان اللمي

قلنا : ان البرهان اللمي ما کان فيه الاوسط علة لثبوت الاکبر للاصغر وقد يسبق ذهن الطالب الى أن المراد من العلة خصوص العلة الفاعلية ولکن في الواقع ان العلة تقال على اربعة أنواع والبرهان اللمي يقع بجميعها وهي :

١ ـ (العلة الفاعلية) أو الفاعل او السبب او مبدأ الحرکة. ما شئت فعبر. وقد يعبر عنها بقولها (ما منه الوجود) ويقصدون المفيض والمفيد للوجود او المسبب للوجود کالباني للدار والنجار للسرير والأب للولد ونحو ذلک. ومثال أخذ الفاعل في البرهان : «لم صار الخشب يطفو على الماء؟ فيقال : لأن الخشب ثقله النوعي أخف من ثقل الماء النوعي». ومثاله أيضا ما تقدم في مثال تمدد الحديد بالحرارة.

٢ ـ (العلة المادية) أو المادة التي يحتاج اليها الشيء ليتکوّن ويتحقق بالفعل بسبب قبوله للصورة. وقد يعبر عنها بقولهم (ما فيه الوجود) کالخشب والمسمار للسرير والجص والآجر والخشب ونحوها للدار والنطفة للمولود.

__________________

(١) راجع شرح المنظومة : ص ٩٣ ، والجوهر النضيد : ص ١٧٤ ، والنجاة : ص ٨٣ ، والتحصيل : ص ٢٥٣ وص ٣٧ وص ٢٣٨ ، وكشف المراد ، ص ١١٤.

(*) قد يقصد بعضهم من تعبير «ما منه الوجود» خصوص المفيض للوجود أي الخالق المصور ، والفاعل بهذا المعنى هو خصوص الباري تعالى. وأما الفاعل المسبب للوجود الذي ليس منه فيض الوجود وخلقه وهو ما عدا الله تعالى من الأسباب ، فيعبر عنه «ما به الوجود».

(٣) لا يخفى : أن العلل الأربع في كلامه لم تستعمل بمعناها الصحيح ، فإن الفاعل هو المفيض للوجود ، والباني وأمثاله ليس مفيضا. والعلة المادية هي المادة التي هي قوة محضة ، لا مثل الخشب للكرسي. والعلة الصورية هي الصورة الجوهرية المقومة للمادة لا كالشكل للكرسي.

٣٧٠

ومثال أخذ المادة في البرهان قولهم : «لم يفسد الحيوان؟ فيقال : لأنه مرکب من الاضداد».

٣ ـ (العلة الصورية) أو الصورة. وقد يعبر عنها بقولهم : (ما به الوجود) اي الذي يحصل به الشيء بالفعل فانه ما لم تقترن الصورة بالمادة لم يتکوّن الشيء ولم يتحقق کهيئة السرير والدار وصورة الجنين التي بها يکون انسانا. ومثال أخذ الصورة في البرهان قولهم : «لم کانت هذه الزاوية قائمة؟ فيجاب : لأن ضلعيها متعامدان».

٤ ـ (العلة الغائية) أو الغاية. وقد يعبر عنها بقولهم : (ما له الوجود) أي التي لا جلها وجد الشيء وتکوّن کالجلوس للکرسي والسکني للبيت. ومثال أخذ الغاية في البرهان قولهم : «لم أنشأت البيت؟ فيجيب : لکي اسکنه» و «لم يرتاض فلان؟ فيجاب : لکي يصح». وهکذا.

ـ ٨ ـ

تعقيب وتوضيح في اخذ العمل حدودا وسطي

لا شک انما يحصل البرهان على وجه يجب ان يعلم اذهن بوجود المعلول عند العلم بوجود العلة اذا کانت العلة على وجه اذا حصلت لا بد أن يحصل المعلول عندها. ومعني ذلک ان العلة لا بد أن تکون کاملة تامة السببية والاّ اذا فرض حصول العلة ولا يحصل عندها المعلول لا يلزم من العلم بها العلم به.

وعليه يمکن للمتأمل ان يعقب على کلامنا السابق فيقول : ان العلة التامة التي لا يتخلف عنها المعلول هي الملتئمة من العلل الاربع في

٣٧١

الکائنات المادية أما کل واحدة منا فليست بعلة تامة فکيف صح ان تفرضوا وقوع البرهان اللمي في کل واحدة منها؟

وهذا کلام صحيح في نفسه ولکن انما صح فرض وقوع البرهان اللمي في واحدة من الاربع ففي موضوع تکون العلل الباقية مفروضة الوقوع متحققة وان لم يصرح بها فيلزم حينئذ من فرض وجود تلک العلة التي أخذت حدا أوسط وجود المعلول بالفعل لفرض حصول باقي العلل. لا لأنه يکتفي باحدي العلل الاربع مجردة في التعليل ولا لأن الواحدة منها هي مجموع العلل بل لانها حسب الفرض لا ينفک وجودها عن وجود جميعها فتکون کل واحدة مشتملة على البواقي بالقوة وقائمة مقامها. ولنتکلم عن کل واحدة من العلل کيف يکون فرض وجودها فرضا للبواقي فنقول :

أما العلة الصورية فانه اذا فرض وجود الصورة فقد فرض وجود المعلول بالفعل لأن فعلية الصورة فعلية لذيها فلا بد مع فرض وجود المعلول ان تکون العلل کلها حاصلة والاّ لما وجد وصار فعليا.

وکذا (العلة الغائية) فانما يفرض وجود الغاية بعد فرض وجود ذي الغاية وهو المعلول لان الغاية في وجودها الخارجي متأخرة عن وجود المعلول بل هي معلولة (١) له وانما العلة له هي الغاية بوجودها الذهني العلمي.

وأما (العلة المادية) فانه في کثير من الامور الطبيعية يلزم عند حصول استعداد المادة لقبول الصورة حصول الصورة بالفعل کما لو وضعت البذرة

__________________

(١) لا يخفى ما فيه ، فإن الغاية بوجودها الخارجي إذا كان معلولا ـ كما اعترف به ـ كان أخذها بوجودها الخارجي في البرهان موجبا لكون البرهان من البرهان الإني. فالحق أن يقال : إن العلة الغائية إنما تؤخذ في البرهان فيما إذا اجتمعت سائر الشرائط وكانت العلة الغائية باعثة بالفعل.

٣٧٢

مثلا في أرض طيبة في الوقت المناسب وقد سقيت الماء فلا بد أن يحصل النبات باعتبار ان الفاعل قوة طبيعية في جوهر المادة فلا يمکن الا أن يصدر عنها فعلها عند حصول الاستعداد. التام لأنه اذا طلبت المادة عند اتعدادها بلسان حالها أن يفيض باريء الکائنات عليها الوجود فانه تعالي لا يخل في ساحته فلا بد أن يفيض عليها وجودها اللائق بها. واذا وجدت الصورة فهو فرض وجود المعلول لأن معني حصول الصورة کما سبق حصول المعلول بالفعل.

نعم بعض الامور الطبيعية لا يلزم من حصول استعداد المادة حصول الصورة بالفعل. وذلک عندما يکون حدوث تلک الصورة متوقفة على حرکة من علة محرکة خارجة کاستعداد النخلة للثمر فانما تتم ثمرتها بالفعل بعد التلقيح والتلقيح حرکة من فاعل محرک خارج وهو الملقح. ومن هذا الباب الامور الصناعية فان مجرد الستعداد الخشب لان يصير کرسيا لا يصيره کرسيا بالفعل ما لم يعمل الصانع في نشره وترکيبه على الوجه المناسب. وعليه لا يقع البرهان اللمي في امثال هذه المواد فلا تقع کل مادة حداً اوسط فلذا لا يصح أن يعلل کون الشيء کرسيا بقولنا : لأنه خشب.

وأما (العلة الفاعلية) فليس يجب من فرض الفاعل في کثير من الاشياء وجود المعلول بل لا يؤخذ حداً اوسط الا اذا کان فاعلا تاما بمعني انه مشتمل على تمام جهات تأثيره کما اذا دل على استعداد المادة ووجود جميع الشرائط فيما اذا کان المعلول من الامور الطبيعية المادية. وذلک کفرض وجود الحرارة في الحديد الذي يلزم منه بالضرورة وجود التمدد فالفاعل بدون الموضوع القابل لا يکون فاعلا تاما کما لا يکون القابل بدون الفاعل قابلا بالفعل.

ومن هذا الکلام يعلم ويتضح أنه ليس على المطلوب الواحد في

٣٧٣

الحقيقة الا برهان لمّي واحد مشتمل على جميع العلل بالفعل أو بالقوة وان تعددت البراهين بحسب الظاهر بتعدد العلل حسب اختلافها فالسؤال بلم انما يطلب به معرفة العلة التامة فاذا أجيب بالعلة الناقصة فانه لا ينقطع السؤال بلم. وما دام هنا شرط او جزء من العلة لم يذکر فالسؤال باق حتي يجاب بجميع العلل التي تتألف منها العلة التامة. وحينئذ يسقط السؤال بلم وينقطع.

ـ ٩ ـ

شروط مقدمات البرهان (١)

ذکروا لمقدمات البرهان شروطا ارتقت في أکثر عبارتهم الى سبعة وهي :

١ ـ أن تکون المقدمات کلها يقينية (وقد سبق ان ذلک هو المقوم لکون القياس برهانا وتقدم أيضا معني اليقين هنا). فلو کانت احدي مقدمتيه غير يقينية لم يکون برهانا وکان إما جدليا أو خطابيا أو شعريا أو مغالطيا على حسب تلک المقدمة. ودائما يتبع القياس في تسميته أخس مقدماته.

٢ ـ أن تکون المقدمات اقدم واسبق بالطبع من النتائج لانها لا بد أن تکون عللا لها بحسب الخارج. وهذا الشرط مختص ببرهان (لم).

٣ ـ أن تکون أقدم عند العقل بحسب الزمان من النتائج حتي يصح التوصل بها الى النتائج. فان الاقدم في نفس الامر وهو الاقدم بالطبع شيء والاقدم بالنسبة الينا وبحسب عقولنا شيء آخر فانه قد يکون ما هو الاقدم بحسب الطبع کالعلة ليس أقدم بالنسبة الى عقولنا بأن يکون

__________________

(١) راجع الجوهر النضيد : ص ١٧٦ ، وشرح الإشارات : ص ٢٩٥ ، والنجاة : ص ٦٨ ، والتحصيل : ص ٢٠٦.

٣٧٤

العلم بالمعلول أسبق واقدم من العلم بها فانه لا يجب في کل ما هو اقدم بحسب الطبع ان يکون أقدم عند العقل في المعرفة.

٤ ـ أن تکون اعرف من المعرّف. ومعني انها اعرف ان تکون اکثر وضوحا ويقينا لتکون سببا لوضوح النتائج بداهة ان الوضوح واليقين يجب ان يکون اولا وبالذات للمقدمات وثانيا وبالعرض (١) للنتائج.

٥ ـ ان تکون مناسبة للنتائج ومعني مناسبتها ان تکون محمولاتها ذاتية أولية لموضوعاتها على ما سيأتي من معني الذاتي والاوّلي هنا لان الغريب لا يفيد اليقين بما لا يناسبه لعدم العلة الطبيعية بينهما. وبعبارة أخري کما قال الشيخ الرئيس في کتاب البرهان من الشفاص ٧٢ ـ «فان الغريبة لا تکون عللا ولو کانت المحمولات البرهانية يجوز ان تکون غريبة لم تکن مباديء البرهان عللا فلا تکون مباديء البرهان عللا للنتيجة».

٦ ـ أن تکون ضرورية (٢) اما بحسب الضرورة الذاتية او بحسب الوصف. وليس المراد من (الضروري) هنا المعني المقصود منه في القياس فانه اذا قيل هناک : (کل حـ ب بالضرورة) يعنون به أن کل ما يوصف بانه (حـ) کيفما اتفق وصفه به فهو موصوف بانه (ب) بالضرورة وان لم يکن موصوفا بأنه (حـ) بالضرورة. وأما هنا فيعنون به المشروطة العامة أي ان کل ما يوصف بانه (حـ) بالضرورة فانه موصوف بانه (ب)(٣).

__________________

(١) لا يخفى عليك : أن التعبير بالعرض ليس مصطلحا هنا ، بل الصحيح هو التعبير بقولنا «بالتبع» إن وضوح النتائج بالمقدمات صفة لها بذاتها وليس الوضوح هذا صفة للمقدمات وتنسب إليها من باب إسناد الشئ إلى غير ما هو له.

(٢) راجع الجوهر النضيد : ص ١٧٩ ، والإشارات وشرحه : ص ٢٩٥ ، والنجاة : ص ٧٠ ، والتحصيل : ص ٢٠٥.

(٣) أي : أن المحمول إنما يكون ضروريا للموضوع ما دام وصفه العنواني ثابت له بالضرورة.

٣٧٥

٧ ـ أن تکون کلية. وهنا أيضا ليس المراد من (الکلية) المعني المراد في القياس. بل المراد أن يکون محمولها مقولا على جميع اشخاص الموضوع في جميع الازمنة قولا أوليّاً وان کان الموضوع جزئيا أو مهملا فالکلية هنا يصح ان تقابلها الشخصية. والمقصود من معني الکلية في القياس ان يکون المحمول مقولا على کل واحد وان لم يکن في کل زمان. ولم يکن الحمل أوليا فتقابل الکلية هناک القضية الجزئية والمهملة.

وهذان الشرطان الاخيران يختصان بالنتائج الضرورية الکلية فلو جوزنا ان تکون نتيجة البرهان غير ضرورية وغير کلية فما کان بأس في ان تکون احدي المقدمات ممکنة اوغير کلية بذلک المعني من الکلية لانه ليس يجب في جميع مطالب العلوم ان تکون ضرورية او کلية الا أن يراد من الضرورية ضرورية الحکم وهو الاعتقاد الثاني وان کانت جهة القضية هي الامکان فان اليقين کما تقدم يجب ان يکون الاعتقاد الثاني فيه لا يمکن زواله. ولکن هذا الشرط عين اشتراط يقينية المقدمات وهو الشرط الاول.

ـ ١٠ ـ

معني الذاتي في كتاب البرهان (١)

تقدم انه يشترط في مقدمات البرهان ان تکون المحمولات ذاتية للموضوعات وللذاتي في عرف المنطقيين عدة معاني (٢) احدهما الذاتي في کتاب البرهان. ولا بأس ببيانها جميعا ليتضح المقصود هنا فنقول :

__________________

(١) راجع الجوهر النضيد : ص ١٧٧ ، وشرح الإشارات : ص ٢٩٦ ، والنجاة : ص ٦٨ ، والتحصيل : ص ٢٠٩.

(٢) هي ستة معان ، الخمسة المذكورة بالأرقام ، والذاتي في باب البرهان الجامع بين الأول والثاني.

٣٧٦

١ ـ الذاتي في باب الکليات ويقابله (العرضي). وقد تقدم في الجزء الاول.

٢ ـ الذاتي في باب الحمل والعروض ويقابله (الغريب) اذا يقولون : «ان موضوع کل علم ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية». وهوله درجات وفي الدرجة الاولي ما کان موضوعه مأخوذا في حده کالانف في حد الفطوسة (١) حينما يقال (الانف افطس) فهذا المحمول ذاتي لموضوعه لأنه اذا أريد تعريف الافطس أخذ الانف في تعريفه.

ثم قد يکون موضوع المعروض له مأخوذا في حده کحمل المرفوع على الفاعل فان الفاعل لا يؤخذ في تعريف المرفوع ولکن الکلمة التي هي معروضة للفاعل تؤخذ في تعريفه کما تؤخذ ف تعريف الفاعل. وقد يکون جنس المعروض له (٢) مأخوذا في حده کحمل المبني على الفعل الماضي مثلا فان الفعل لا يؤخذ في تعريف المبني ولکن جنسه وهو الکلمة هي التي تؤخذ في حده بل معروض المفعولية وهو الکلمة تؤخذ في حده. ويمکن جمع هذه المحمولات الذاتية بعبارة واحدة فيقال : (المحمول الذاتي للموضوع ما کان موضوعه أو احد مقوماته واقعا في حده) لأن جنس الموضوع مقوم له وکذا معروضه لأنه يدخل في حده (٣) وکذا معروض جنسه کذلک.

__________________

(١) الفطس ـ بالتحريك ـ تطامن قصبة الأنف وانتشارها (مجمع البحرين).

(٢) أي جنس الموضوع.

(٣) واعلم أن أخذ المقومات.

في الحد أخذ طبيعي ، وأخذ الموضوع فيه اضطراري ، شرح الإشارات : ج ١ ص ١٦

٣٧٧

٣ ـ (الذاتي) في باب الحمل أيضا وهو ما کان نفس الموضوع في حد ذاته کافيا لانتزاع المحمول بدون حاجة الى ضم شيء اليه وهو الدي يقال له : (المنتزع عن مقام الذات) ويقابله ما يسمي المحمول بالضميمة مثل حمل الموجود على الوجود وحمل الابيض على البياض لا مثل حمل الموجود على اماهية وحمل الابيض على الجسم فان هذا هو المحمول بالضميمة فان الماهية موجودة ولکن لا بذاتها بل لعروض الوجود عليها والجسم أبيض ولکن لا بذاته بل لضم البياض اليه وعروضه عليه بخلاف حمل الموجود على الوجود فانه ذاتي له بدون ضم وجود آخر له بل بنفسه موجود وکذا حمل الابيض على البياض فانه ابيض بذاته بدون ضم بياض آخر اليه فهو ذاتي له.

٤ ـ (الذاتي) في باب الحمل أيضا ولکنه في هذا القسم وصف لنفس الحمل لا للمحمول کما في الاصطلاحين الاخيرين فيقال الحمل الذاتي ويقال له الاوّلي أيضا ويقابله الحمل الشايع الصناعي وقد تقدم ذلک في الجزء الاول (١).

٥ ـ (الذاتي) في باب العلل ويقابله (الاتفاقي) مثل ان يقال : اشتعلت النار فاحترق الحطب وابرقت السماء فقصف الرعد فانه لم يکن ذلک اتفاقيا بل اشتعال النار يتبعه احراق الحطب اذا مسها والبرق يتبعه الرعد لذاته لا مثل ما يقال : فتح الباب فابرقت السماء او نظر لي فلان فاحترق حطبي او حسدني فلان فأصابني مرض فان هذه وأمثالها تسمي أموراً اتفاقية.

اذا عرفت هذه المعاني للذاتي فاعلم ان مقصودهم من الذاتي في کتاب البرهان ما يعم المعني الاول والثاني ويجمعهما في البيان ان يقال :

__________________

(١) راجع ص ١٠٠.

٣٧٨

«الذاتي هو المحمول الذي يؤخذ في حد الموضوع أو الموضوع أو احد مقوماته يؤخذ في حده».

ـ ١١ ـ

معني الاولي (١)

والمراد من الأوليّ هنا هو المحمول لا بتوسط غيره أي لايحتاج الى واسطة في العروض في حمله على موضوعه کما نقول : حسم ابيض وسطح ابيض (٢) فان حمل ابيض على السطح حمل أولي اما حمله على الجسم فبتوسط السطح فکان واسطة في العروض لان حمل الابيض على السطح أولاً وبالذات ولعي الجسم ثانياً وبالعرض والتدقيق في معني الذاتي والاولي له موضع آخر لا يسعه هذا المختصر.

ولکن مما يجب ان يعلم هنا ان بعض کتب أصول الفقة (٣) المتأخرة وقع فيها تفسير الذاتي الذي هو في باب موضوع العلم المقابل له الغريب بمعني الأوّلي المذکور هنا. فوقعت من أجل ذلک اشتباهات کثيرة نستطيع التخلص منها اذا فرقنا بين الذاتي والاولي ولا نخلط احدهما بالاخر.

__________________

(١) راجع الجوهر النضيد : ص ١٧٩ ، وشرح الإشارات : ص ٢٩٦ ، والنجاة : ص ٦٩ ، والتحصيل : ص ٢١٠.

(٢) وكما نقول : الماء جار والميزاب جار ، فإن حمل «جار» على الماء أولي ، وحمله على الميزاب بواسطته.

(٣) الظاهر أن المراد به كفاية الأصول للمحقق الخراساني.

(٤) ربما يظهر من تفسير الخواجا في شرح الإشارات (ص ٣٩٦) المناسبة ـ التي هي الشرط الخامس من شروط مقدمات البرهان ـ بكون المحمولات ذاتية لموضوعاتها : أن الأولي والذاتي بمعنى واحد. بل من تأمل في أن اشتراط الذاتية تغني عن اشتراط الأولية يحصل له اليقين بذلك.

٣٧٩
٣٨٠