المنطق

الشيخ محمّد رضا المظفّر

المنطق

المؤلف:

الشيخ محمّد رضا المظفّر


المحقق: الشيخ رحمة الله رحمتي الأراكي
الموضوع : الفلسفة والمنطق
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٤

أو مقدمتيه ان کانت کلها بديهية وقف عليها الکسب وان کانت بعضها أو کلها کسبية احتاجت الى تأليف اقيسة بعددها ... وهکذا حتي نقف في مطافنا على مقدمات بديهية لا تحتاج الى کسب ونظر. ومثل هذه التأليفات المترتبة التي تکون نتيجة احدها مقدمة في الآخر لينتهي بها الى مطلوب واحد هو المطلوب الأصلي تسمي (القياس المرکب) لأنه يترکب من قياسين أو أکثر.

فالقياس المرکب اذن هو (١) : «ما تألف من قياسين فأکثر لتحصيل مطلوب واحد».

وفي کثير من الأحوال نستعمل القياسات المرکبة فلذلک قد نجد في بعض البراهين مقدمات کثيرة فوق اثنتين مسوفة لمطلوب واحد فيظنها من لا خبرة له انها قياس واحد وهي في الحقيقة ترد الى قياسات متعددة متناسقة على النحو الذي قدمناه وانما حذفت منه (٢) النتائج المتوسطة أو بعض المقدمات على طريقة (القياس المضمر) الذي تقدم شرحه. وارجاعها الى أصلها قد يحتاج الى فطنة ودربة (٣).

اقسام القياس المركب

وعلى ما تقدم ينقسم القياس المرکب الى موصول ومفصول (٥) :

__________________

(١) راجع شرح الشمسية : ص ١٦٤ ، وشرح المطالع : ص ٣٣١ ، والتحصيل : ص ١٥٩.

(٢) منها ، ظ.

(٣) درب به دربا ودربة : اعتاده وأولع به. وعلى الشئ : مرن وحذف.

(٤) راجع شرح الشمسية : ص ١٦٤ ، وشرح المطالع : ص ٣٣١ ، والقواعد الجلية : ص ٣٨٦ ، وأساس الاقتباس : ص ٢٩٥ ، والتحصيل : ص ١٥٩.

(٥) ويسميان أيضا «موصول النتائج» و «مفصول النتائج» فالموصول والمفصول وصفان للقياس باعتبار متعلقة وهي النتائج.

٣٠١

١ ـ (الموصول) وهو الذي لا تطوي فيه النتائج (١) بل تذکر مرة نتيجة لقياس ومرة مقدمة لقياس آخر کقولک :

أ ـ کل شاعر حساس

ب ـ وکل حساس يتألم

 ... کل شاعر يتألم.

ثم تأخذ هذه النتيجة فتجعلها مقدمة لقياس آخر لينتج المطلوب الأصلي الذي سقت لأجله القياس المتقدم فنقول من رأس :

أ ـ کل شاعر يتألم

ب ـ وکل من يتألم قوي العاطفة

 ... کل شاعر قوي العاطفة.

٢ ـ (المفصول) وهو الذي فصلت عنه النتائج وطويت فلم تذکر کما تقول في المثال المتقدم :

أ ـ کل شاعر حساس.

ب ـ وکل حساس يتألم.

ج ـ وکل من يتألم قوي العاطفة.

 ... کل شاعر قوي العاطفة.

وهذه عين النتيجة السابقة في الموصول. والمفصول أکثر استعمالا في العلوم عتمادا على وضوح النتائج المتوسطة فيحذفونها.

والقياسات المرکبة قد يسمي بعضها بأسماء خاصة لخصوصية فيها ولا بأس بالبحث عن بعضها تنويرا للاذهان. منها :

__________________

(١) أي : النتائج المتوسطة ، كما سيصرح بذلك بعد أسطر.

٣٠٢

قياس الخلف (١)

قد سبق منا ذکر لقياس الخلف مرتين : مرة في أول تنبيهات الشکل الثالث وسميناه (طريقة الخلف) وشرحناه هناک بعض الشرح. وقد کنا استخدمناه للبرهان على بعض ضروب الشکلين الثاني والثالث. ومرة أخري نبهنا عليه في آخر القسم الرابع من الاقتراني الشرطي وهو المؤلف من متصلة وحملية اذ قلنا إن قياس الخلف ينحل الى قياس شرطي من هذا القسم. ومن الخير للطالب الآن أن يرجع الى هذين البحثين قبل الدخول في التفصيلات الآتية.

والذي ينبغي أن يعلم أن الباحث قد يعجز عن الاستدلال على مطلوبه بطريقة مباشرة فيحتال الى اتخاذ طريقة غير مباشرة فيلتمس الدليل على بطلان نقيض مطلوبه ليثبت صدق مطلوبه لأن النقيضين لا يکذبان معا. وابطال النقيض لاثبات المطلوب هو المسمي (بقياس الخلف) ولذا أشرنا فيما سبق في تنبيهات الشکل الثالث الى أن طريقة الخلف من نوع الاستدلال غير المباشر. ومن هنا يحصل لنا تعريف قياس الخلف بانه : «قياس مرکب يثبت المطلوب بابطال نقيضه».

أما انه قياس مرکب فلأنه يتألف من قياسين : اقتراني شرطي مؤلف من متصلة وحملية واستثنائي.

کيفيته :

اذا أردنا اثبات المطلوب بابطال نقيضه فعلينا أن نستعمل الطريقة التي سنشرحها ولنرجع قبل کل شيء الى الموارد التي استعملنا لها قياس

__________________

(١) راجع الحاشية : ص ١٠٤ ، وشرح الشمسية : ص ١٦٥ ، وشرح المطالع : ص ٣٣١ ، واللمعات (منطق نوين) : ص ٣١ ، والجوهر النضيد : ص ١٦٠ ، وأساس الاقتباس : ص ٣١٩ ، وشرح الإشارات : ص ٢٨٣ ، والتحصيل : ص ١٥١.

٣٠٣

الخلف فيما سبق ولنختر منها للمثال (الضرب الرابع من الشکل الثاني) فنقول :

المفروض صدق

ـ ١ ـ س ب م (١)

وـ ٢ ـ کل حـ م (٢)

المدعي صدق النتيجة :

س ب ح (٣)

و (خلاصة البرهان) بالخلف أن نقول : لو لم يصدق المطلوب لصدق نقيضه ولکن نقيضه ليس بصادق لأن صدقه يستلزم الخلف فيجب ان يکون المطلوب صادقا. وهذا کما تري قياس استثنائي يستدل عي کبراه بلزوم الخلف. ولبيان لزوم الخلف عند صدق النقيض يستدل بقياس اقتراني شرطي (٤) مؤلف من متصلة مقدمها المطلوب منفيا وتاليها نقيض المطلوب ومن حملية مفروضة الصدق.

و (تفصيل البرهان) بالخلف نتبع ما يأتي من المراحل مع التمثيل بالمثال الذي اخترناه.

١ ـ نأخذ نقيض المطلوب (کل ب حـ) ونضمه الى مقدمة مفروضة الصدق ولتکن الکبري وهي (کل حـ م) فيتألف منهما قياس من الشکل الاول.

کل ب حـ ، کل حـ م

ينتج کل ب م

٢ ـ ثم نقيس هذه النتيجة الحاصلة الى المقدمة الاخري المفروضة

__________________

(١) مثل : بعض الحيوان ليس بإنسان.

(٢) مثل : كل ضاحك إنسان.

(٣) بعض الحيوان ليس بضاحك.

(٤) لا يحتاج في بيان لزوم الخلف إلى القياس الاقتراني الشرطي الذي أشار إليه ، بل المتصلة التي ذكرها هي نفس المتصلة التي جعلها صغرى القياس الاستثنائي فلو جعلنا الاستثنائي في قياس الخلف ما ذكره آنفا فلابد أن يستدل للزوم الخلف باقتراني حملي صغراه نقيض المطلوب وكبراه حملية مفروض الصدق ، ينتج ما يناقض حملية أخرى مفروض الصدق. هذا خلف.

٣٠٤

الصدق وهي (س ب م) فنجد انهما نقيضان : فأما ان تکذب (س ب م) والمفروض صدقها هذا خلف أي خلاف ما فرض من صدقها واما أن تکذب هذه النتيجة الحاصلة وهي (کل ب م). وهذا هو المتعين.

٣ ـ ثم نقول حينئذ : لا بد أن يکون کذب هذه النتيجة المتقدمة ناشئا من کذب احدي المقدمتين لأن تأليف القياس لا خلل فيه حسب الفرض ولا يجوز کذب المقدمة المفروضة الصدق فلا بد ان يتعين کذب المقدمة الثانية التي هي (نقيض المطلوب) کل ب حـ فيثبت المطلوب (س ب حـ).

٤ ـ وبالاخير يوضع الاستدلال هکذا :

أ ـ من قياس اقتراني شرطي.

(١) الصغري التي هي قولنا (لو لم يصدق س ب حـ فکل ب حـ)

(٢) الکبري المفروض صدقها هو قولنا

(کل حـ م)

فينتج حسبما ذکرناه في أخذ نتيجة النوع الرابع من الشرطي :

(لو لم يصدق س ب حـ فکل ب م) ..

ب من قياس استثنائي.

(١) الصغري (١) نتيجة الشرطي السابق وهي :

لو لم يصدق س ب حـ فکل ب م.

(٢) الکبري قولنا : و (لکن کل ب م کاذبة)

لانه نقيضها وهو (س ب م) صادق حسب الفرض

فينتج : «يجب أن يکون (س ب حـ) صادقا»

وهو المطلوب

__________________

(١) كان الأولى أن يقول : ومن قياس استثنائي مؤلف من :

١ ـ متصلة هي نتيجة ... و ٢ ـ استثنائية هو قولنا : ...

وذلك لأن مقدمات القياس الاستثنائي لا تسمى بالصغرى والكبرى ، فإن الصغرى هي ما فيه الأصغر والكبرى ما فيه الأكبر ، وليس في القياس الاستثنائي أصغر ولا أكبر ..

٣٠٥

قياس المساواة (١)

من القياسات المشکلة التي يمکن ارجاعها الى القياس المرکب (قياس المساواة) وانما سمي قياس المساواة لأن الأصل فيه المثال المعروف (أ مساو لب وب مساو لج ينتج أ مساو لج) والا فهو قد يشتمل على المماثلة والمشابهة ونحوهما کقولهم : الانسان من نطفة والنطفة من العناصر فالانسان من العناصر وکقولهم : الجسم جزء من الحيوان والحيوان جزء من الانسان فالجسم جزء من الانسان.

وصدق قياس المساواة يتوقف على صدق مقدمة خارجية محذوفة وهي نحو مساوي المساوي مساو وجزء الجزء جزء والمماثل للمماثل مماثل ... وهکذا. ولذا لا ينتج لو کذبت المقدمة الخارجية نحو : (الاثنان نصف الاربعة والاربعة نصف الثمانية) فانه لا ينتج : الاثنان نصف الثمانية لأن نصف النصف ليس نصفا.

تحليل هذا القياس

وهذا القياس کماتري على هيئة مخالفة للقياس المألوف المنتج اذلا شرکة فيه في تمام الوسط لأن موضوع المقدمة الثانية وهو (ب) جزء من محمول الأولي وهو (مساو لب) فلا بد من تحليله وارجاعه الى قياس منتظم يضم تلک المقدمة الخارجية بالمحذوفة الى مقدمتيه ليصير على هيئة القياس. وفي باديء النظر لا ينحل المشکل بمجرد ضم المقدمة الخارجية فلا يظهر کيف يتألف قياس تشترک فيه المقدمات في تمام الوسط وانه من أي انواع اقياس ولذا عد عسر الانحلال الى الحدود المترتبة في القياس المنتج لهذه النتيجة وعده بعضهم من القياسات المفردة وبعضهم عده من المرکبة.

__________________

(١) راجع تعليقة الأستاذ حسن زادة : ص ٢٨٦ ، وشرح المطالع : ٢٤٢ ، والإشارات وشرحه : ٢٧٩.

٣٠٦

والأصح أن نعده من المرکبات فنقول انه مرکب من قياسين.

(القياس الأول) ـ : صغراه المقدمة الأولي (أ مساو لب)

وکبراه (مساو لب مساو لمساوي ج)

«وهذه الکبري صادقة مأخوذة من المقدمة الثانية من قياس المساواة أي (ب مساو لج) لأنه بحسبها يکون (مايساوي ج) عبارة ثانية عن (ب) فلو قلت : کل ما يساوي ب يساوي ب تکون قضية صادقة بديهية ويصح أن تبدل عبارة (ما يساوي ج) بحرف (ب) فنقول مکانها (مساو لب مساو لمساوي ج). وعليه يکون هذا القياس الأول من الشکل الأول الحملي والأوسط فيه : مساو لب».

فينتج

(أ مساو لمساوي ج)

(القياس الثاني) ـ : صغراه النتيجة السابقة من الأول (أ مساو لمساوي ج).

وکبراه المقدمة الخارجية المذکورة وهي (المساوي لمساوي ج مساو لج) فينتظم قياسا (١) من الشکل الأول الحملي أيضا والأوسط فيه (مساو لمساوي ج).

فينتج

أ مساو لج

(وهو المطلوب)

__________________

(١) قياس ، ظ.

٣٠٧
٣٠٨

٢ ـ الاسقراء (١)

تعريفه :

عرفنا الاستقراء فيما سبق بأنه هو «أن يدرس الذهن عدة جزئيات فيستنبط منها حکما عاما» کما لو درسنا عدة أنواع من الحيوان فوجدنا کل نوع منها يحرک فکه الأسفل عند المضغ فنستنبط منها قاعدة عامة وهي : ان کل حيوان يحرک فکه الأسفل عند المضغ.

والاستقراء هو الأساس لجميع أحکامنا الکلية وقواعدنا العامة (٢) لأن

__________________

(١) راجع الحاشية : ص ١٠٥ ، وشرح الشمسية : ص ١٦٥ ، وشرح المنظومة : ص ٨٥.

(٢) هذا التزام بما لا يلزم ، بل بما يمتنع ، فإنه يلزم عليه الشبهة المستعصية الآتية ، وأيضا يلزم هدم ما مر منه غير مرة : من أنه لا يمكن أن يطلب كل علم بدليل وإلا لما انتهينا إلى العلم بقضية أبدا وهل الاستقراء إلا من أنواع الحجة؟ أي الدليل. ولا تدفع إلا بالالتزام بالبديهيات العقلية المتقدمة على الاستقراء ، كما اعترف به نفسه في القسم الثالث ويلزمه في القسم الثاني والرابع ، لأن كلا منهما مبتن على حكم عقلي : الأول على استحالة تخلف المعلول عن العلة ، كما قد اعترف به بقوله : ولا شبهة عند العقل أن العلة لا يتخلف عن معلولها أبدا. والثاني على كون حكم الأمثال واحدا ، كما صرح به بقوله : لأن الجزئيات متماثلة متشابهة في التكوين ، فوصف واحد منها يكون وصفا للجميع.

٣٠٩

تحصيل القاعدة العامة والحکم الکلي لا يکون الا بعد فحص الجزئيات واستقرائها فاذا وجدناها متحدة في الحکم نلخص منها القاعدة أو الحکم الکلي. فحقيقة الاستقراء هو الاستدلال بالخاص على العام وعکسه القياس وهو الاستدلال بالعام لعي الخاص لأن القياس لا بد أن يشتمل على مقدمة کلية الغرض منها تطبيق حکمها العام على موضوع النتيجة.

أقسامه :

والاستقراء على قسمين تام وناقض لأنه اما ان يتصفح فيها حال الجزئيات بأساها أو بعضها.

والأول (التام) وهو يفيد اليقين. وقيل بأنه يرجع الى القياس المقسم (*) المستعمل في البراهين کقولنا : کل شکل اما کروي واما مضلع وکل کروي متناه وکل مضلع متناه فينتج (کل شکل متناه).

والثاني (الناقص) وهو الا يفحص المستقري الا بعض الجزئيات کمثال الحيوان من انه يحرک فکه الاسفل عند المضغ بحکم الاستقراء لأکثر أنواعه. وقالوا انه لا يفيد الا الظن لجواز أن يکون أحد جزئياته ليس له هذا الحکم کما قيل ان التمساح يحرک فکه الأعلي عند المضغ.

__________________

ومن هنا يظهر : أن التزامه بإفادة الاستقراء الناقص لليقين في غير القسم الأول غير متين ، فإن الثالث ليس باستقراء ، والثاني والرابع إنما يفيدان اليقين باستنادهما إلى الكبرى الكلية العقلية المذكورة ، فهما أيضا يفيدان اليقين ، لرجوعهما إلى القياس ، فالاستقراء بما هو استقراء منحصر في الأول. وقد صرح بأن الناقص منه لا يفيد اليقين. القياس المقسم من نوع المؤلف من المنفصلة والحملية ، ولكن له حمليات بعدد أجزاء المنفصلة ، ولا تحول فيه المنفصلة إلى متصلة بل تبقى على حالها ، ويشبه أن ينحل إلى عدة قياسات حملية بعدد أجزاء المنفصلة.

(*) القياس المقسم من نوع المؤلف من المنفصلة والحملية ولكن له حمليات بعدد اجزاء المنفصلة ، ولا تحول فيه المنفصلة الى متصلة بل تبقي على حالها ، ويشبه ان ينحل الى عدة قياسات حملية بعدد اجزاء المنفصلة.

٣١٠

شبهة مستعصية

ان القياس الذي هو العمدة في الأدلة على المطالب الفلسفية وهو المفيد لليقين لما کان يعتمد على مقدمة کلية على کل حال فان الاساس فيه لا محالة هو الاستقراء لما قدمنا أن کل قاعدة کلية لا تحصل لنا الا بطريق فحص جزئياتها.

ولا شک ان أکثر القواعد العامة غير متناهية الافراد فلا يمکن تحصيل الاستقراء التام فيها.

فيلزم على ذلک أن تکون أکثر قواعدنا التي نعتمد عليها لتحصيل الاقيسة ظنبة فيلزم أن تکون اکثر اقيستنا ظنية وأکثر ألتنا غير برهانية في جميع العلوم والفهون. وهذا ما لا يتوهمه أحد.

فهل يمکن أن ندعي ان الاستقراء الناقص يفيد العلم اليقيني فنخالف جميع المنطقيين الاقدمين. ربما تکون هذه الدعوي قريبة الى القبول اذ تجد انا نتيقن بأمور عامة ولم يحصل لنا استقراء جميع أفرادها کحکمنا قطعا بأن الکل أعظم من الجزء مع استحالة استقراء جميع ما هو کل وما هو جزء وکحکمنا بأن الاثنين نصف الاربعة مع استحالة استقراء کل اثنين وکل أربعة وکحکمنا بأن کل نار محرقة وان کل انسان يموت مع استحالة استقراء جميع أفراد النار والانسان ... وهکذا ما لا يحصي من القواعد البديهية فضلا عن النظرية.

حل الشبهة

فنقول في حل الشبهة ان الاستقراء على أنحاء :

١ ـ أن يبني على صرف المشاهدة فقط فاذا شاهد بعض الجزئيات أو اکثرها أن لها وصفا واحدا الستنبط ان هذا الوصف يثبت لجميع الجزئيات

٣١١

کمثال استقراء بعض الحيوانات انها تحرک فکها الاسفل عند المضغ. ولکن هذا الاستنباط قابل للنقض فلا يکون الحکم فيه قطعيا وعلى هذا النحو اقتصر (١) نظر المنطقيين القدماء في بحثهم.

٢ ـ أن يبني ذلک على التعليل أيضا. بأن يبحث المشاهد لبعض الجزئيات عن العلة في ثبوت الوصف فيعرف ان الوصف انما ثبت لتلک الجزئيات المشاهدة لعلة أو خاصية موجودة في نوعها ولا شبهة عند العقل ان العلة لا يتخلف عنها معلولها أبدا. فيجزم المشاهد المستقري حينئذ جزما قاطعا بثبوت الوصف لجميع جزئيات ذلک النوع وان لم يشاهدها. کما اذا شاهد الباحث أن بعض العقاقير يؤثر الاسهال فبحث عن علة هذا التأثير وحلل ذلک الشيء الى عناصره فعرف تأثيرها في الجسم الاسهال في الاحوال الاعتيادية فانه يحکم بالقطع أن هذا الشيء يحدث هذا الاثر دائما.

وجميع الاکتشافات العلمية وکثير من أحکامنا على الأمور التي نشاهدها من هذا النوع وليست هذه الاحکام قابلة للنقض فلذلک تکون قطعية کحکمنا بأن الماء ينحدر منالمکان العالي فانا لا نشک فيه مع انا لم نشاهد من جزئياته الا أقل القليل وما ذلک الا لأنا عرفنا السر في هذا الانحدار. نعم اذا انکشف للباحث خطأ ما حسبه انه علة وان للوصف علة وان للوصف علة أخري فلا بد أن يتغير حکمه وعلمه.

٣ ـ أن يبني على بديهة العقل کحکمنا بأن الکل أعظم من الجزء فان تصور الکل وتصور الجزء وتصور معني أعظم هو کاف لهذا الحکم. وليس هذا في الحقيقة استقراء لأنه لا يتوقف على المشاهدة فان تصور

__________________

(١) وهو الحق فإن غيره ليس من الاستقراء ، كما صرح بذلك في أوسطها ، وصرح أيضا في آخر بحث التمثل بذلك في حق أولها ، والأخير مثله في اعتماده على كبرى كلية ، فهما بأجمعها قياس والأوسط بديهي لم يستفد من دليل قياسا أو استقراء أو تمثيلا.

٣١٢

الموضوع والمحمول کاف للحکم وان لم تشاهد جزئيا واحدا منها.

٤ ـ أن يبني على المماثلة الکاملة بين الجزئيات کما اذا اختبرنا بعض جزئيات نوع من الثمر فعلمنا بأنه لذيذ الطعم مثلا فانا نحکم حکما قطعيا بأن کل جزئيات هذا النوع لها هذا الوصف وکما اذا برهنا مثلا على أن مثلثا معينا تساوي زواياه قائمتين فانا نجزم جزما قاطعا بأن کل مثلث هکذا فيکفي فيه فحص جزئي واحد وما ذلک الا لأن الجزئيات متماثلة متشابهة في التکوين فوصف واحد منها يکون وصفا للجميع بغير فرق.

وبعد هذا البيان لهذه الاقسام الاربعة يتضح ان ليس کل استقراء ناقص لا يفيد اليقين الا اذا کان مبنيا على المشاهدة المجردة ويسمي القسم الثاني وهو الاستقراء المبني على التعليل في المنطق الحديث (بطريق الاستنباط) أو طريق البحث العلمي وله أبحاث لا يسعها هذا الکتاب.

٣١٣

٣ ـ التمثيل (١)

تعريفه :

هذا ثالث انواع الحجة وبه تنتهي مباحث (الباب الخامس). والتمثيل على ما عرفناه سابقا هو «أن ينتقل الذهن من حکم أحد الشيئين الى الحکم على الآخر لجهة مشترکة بينهما». وبعبارة أخري هو : «اثبات الحکم في جزئي لثبوته في جزئي آخر مشابه له».

و (التمثيل) هو المسمي في عرف الفقهاء (بالقياس) الذي يجعله أهل السنة من أدلة الاحکام الشرعية. والإمامية ينفون حجيته ويعتبرون العمل به محقاللدين وتضييعا للشريعة.

مثاله : الذا ثبت عندنا ان النبيذ يشابه الخمر في تأثير السکر على شاربه وقد ثبت عندنا أن حکم الخمر هو الحرمة فلنا أن نستنبط ان النبيذ أيضا حرام او على الاقل محتمل الحرمة للاشتراک بينهما في جهة الاسکار.

__________________

(١) راجع الحاشية : ص ١٠٦ ، وشرح الشمسية : ص ١٦٦ ، وشرح المنظومة : ص ٨٦ ، والجوهر النضيد : ص ١٦٢.

٣١٤

ارکانه :

وللتمثيل أربعة أرکان :

١ ـ (الأصل) وهو الجزئي الأول المعلوم ثبوت الحکم له کالخمر في المثال.

٢ ـ (الفرع) وهو الجزئي الثاني المطلوب اثبات الحکم له کالنبيذ في المثال.

٣ ـ (الجامع) وهو جهة الشبه بين الأصل والفرع. کالاسکار في المثال.

٤ ـ (الحکم) المعلوم ثبوته في الأصل والمراد اثباته للفرع کالحرمة في المثال.

فاذا توفرت هذه الارکان انعقد التمثيل فلو کان الأصل غير معلوم الحکم أو فاقدا للجامع المشترک لا يحصل التمثيل. وهذا واضح.

قيمته العلمية :

ان التمثيل على بساطته من الادلة التي ال تفيد الا الاحتمال. لأنه لا يلزم من تشابه شيئين في أمر بل في عدة أمور ان يتشابها من جميع الوجوه فاذا رأيت شخصا مشابها لشخص آخر في طوله او في ملامحه أو في بعض عاداته وکان أحدهما مجرما قطعا فانه ليس لک ان تحکم على الآخر بأنه مجرم أيضا لمجرد المشابهة بينهما في بعض الصفات أو الافعال.

نعم اذا قويت وجوه الشبه بين الأصل والفرع وکثرت يقوي عندک الاحتمال حتي يقرب من اليقين ويکون ظنا.

والقيافة من هذا الباب فانا قد نحکم على شخص انه صاحب أخلاق فاضلة أو شرير بمجرد أن نراه لأنا کنا قد عرفنا شخصا قبله يشبهه کثيرا في ملامحه أو عاداته وکان ذا خلق فاضل أو شريرا .. ولکن کل ذلک لا يغني عن الحق شيئا.

٣١٥

غير انه يمکن أن نعلم ان (الجامع) أي جهة المشابهة علة تامة لثبوت الحکم في الأصل وحينئذ نستنبط على نحو اليقين ان الحکم ثابت في الفرع لوجود علته التامة فيه لأنه يستحيل تخلف المعلول عن علته التامة. ولکن الشأن کله انما هو في اثبات ان الجامع علة تامة للحکم. لأنه يحتاج الى بحث وفحص ليس من السهل الحصول عليه حتي في الأمور الطبيعية. والتمثيل من هذه الجهة يلحق بقسم الاستقراء المبني على التعليل الذي أشرنا اليه سابقا بل هو نفسه (١).

اما اثبات ان الجامع هو العلة التامة لثبوت الحکم في المسائل الشرعية فليس لنا طريق اليه الا من ناحية الشارع نفسه ولذا لو کانت العلة منصوصا عليها من الشارع فانه ال خلاف بين الفقهاء جميعا في الاستدلال بذلک على ثبوت الحکم في الفرع کقوله لعيه السلام. «ماء البئر واسع لا يفسده شيء ... لأن له مادة» (٢) فانه يستنبط منه ان کل ماء له مادة کماء الحمام وماء حنفية الاسالة فهو واسع لا يفسده شيء.

وفي الحقيقة ان التمثيل المعلوم فيه ان الجامع علة تامة يکون من باب القياس البرهاني المفيد لليقين اذا يکون فيه الجامع حدا أوسط والفرع حدا أصغر والحکم حدا أکبر فنقول في مثال الماء :

١ ـ ماء الحمام له مادة.

٢ ـ وکل ماء له مادة واسع لا يفسده شيء (بمقتضي التعليل في الحديث).

ينتج ماء الحمام واسع لا يفسده شيء.

وبهذا يخرج عن اسم التمثيل واسم القياس باصطلاح الفقهاء الذي کان محل الخلاف عندهم.

__________________

(١) وهو يصرح بعد أسطر أنه في الحقيقة قياس ، فيعلم من ذلك : أن الاستقراء المبني على التعليل أيضا في الحقيقة قياس ، كما ذهبنا إليه هناك.

(٢) الوسائل ١ : ١٢٦ ، الباب ١٤ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ٦.

٣١٦

تمرينات

على الاقيسه

١ ـ استدل بعضهم على نفي الوجود الذهني بأنه لوکانت الماهيات موجودة في الذهن لکان الذهن حارا باردا بتصور الحرارة والبرودة ومستقيما ومستديرا وهکذا واللازم باطل فالملزوم مثله. والمطلوب أن تنظم هذا الکلام قياسا منطقيا مع بيان نوعه.

٢ ـ استدل بعضهم على أن اللع تعالي عالم بأن فاقد الشيء لا يعطيه وهو سبحانه قد خلق فينا العلم فهو عالم فبين نوع هذا الاستدلال ونظمه.

٣ ـ المروي ان العلماء ورثة الانبياء ولکنهم لما لم يرثوا منهم المال والعقار فقد ورثوا العلم والاخلاق (٣) فهل هذا استدلال منطقي؟ وبين نوعه.

٤ ـ استدل بعضهم على ثبوت الوجود الذهني فقال : «لا شک في أنا نحکم حکما ايجابيا على بعض الاشياء المستحيلة کحکمنا بأن اجتماع النقيضين يغاير اجتماع الضدين. والموجبة تستدعي وجود موضوعها ولما لم يکن هذا الوجود في الخارج فهو في الذهن» فکيف تنظم هذا الدليل على القواعد المنطقية مع بيان نوعه وانه بسيط او مرکب. مع العلم ان (٢) قوله : «ولما لم يکن هذا الوجود .. الخ» عبارة عن قياس استثنائي.

٥ ـ واستدلوا على لزوم وجود موضوع القضية الموجبة بأن ثبوت شيء لشيء يستدعي ثبوت المثبت له فکيف تنظم هذا الکلام قياسا منطقيا.

__________________

(١) الكافي ١ : ٣٢ ، باب صفة العلم وفضله وفضل العلماء ح ٢. باختلاف في اللفظ.

(٢) بأن ، ظ.

٣١٧

٦ ـ ضع القضايا الآتية في صورة قياس مع بيان نوعه وشکله «صاحب الحجة البرهانية لا يغلب» لأنه «کان على حق» و «کل صاحب حق لا يغلب». واذا کانت القضية الاولي شرطية لعي هذه الصورة : «اذا کانت الحجة برهانية فصاحبها لا يغلب» فکيف تؤلف المقدمات لتجعل هذه الشرطية نتيجة لها ومن أي نوع يکون القياس حينئذ.

٧ ـ ضع القضايا الآتية في صورة قياس مع بيان نوعه : «انما يحشي الله من عباده العلماء» ولکن «لما لم يخش خالد الله سبحانه فهو ليس من العلماء».

٨ ـ ما الشکل الذي ينتج جميع المحصورات الاربع.

٩ ـ افحص عن السر في الشکل الثالث الذي يجعله لا ينتج الا جزئية.

١٠ ـ في أي شکل يجوز فيه أن تکون کبراه جزئية ويکون منتجا.

١١ ـ اذا کانت احدي المقدمتين في القياس جزئية فلما ذا يجب أن تکون المقدمة الأخري کلية.

١٢ ـ اذا کانت الصغري في القياس سالبة فهل يجوز أن تکون الکبري جزئية ولماذا؟

١٣ ـ کيف نحصل النتيجه من هذين المنفصلتين : «الانسان اما عالم أو جاهل» حقيقية. و «الانسان اما جاهل أو سعيد» مانعة خلو.

١٤ ـ هل يمکن أن نؤلف من المنفصلتين الآتيتين قياسا منتجا : «اما ان يسعي الطالب اولا ينجح في الامتحان» مانعة خلو. و «الطالب اما أن يسعي أو يتهاون» مانعة جمع.

١٥ ـ جاء سائل الى شخص والخ بالطلب کثيرا فاستنتج المسؤول من إلحاحه انه ليس بمستحق وهذا الاستنتاج بطريق قياس الاستثناء فکيف تستخرجه؟

٣١٨

١٦ ـ البراهين في قاعدة نقض المحمول (من صفحة ١٨٦ الى ١٩٠) الى قياسات منطقية طبقا لما عرفته من القواعد في القياس البسيط والمرکب.

١٧ ـ حاول أن تطبق أيضا البراهين في عکس النقيض على قواعد القياس.

١٨ ـ البرهان على نقض محمول الموجبة الکلية (صفحة ١٨٦) يمکن إرجاعه الى قياس المساواة والى قياس شرطي من متصلتين فکيف ذلک؟ وکذلک نظائره.

انتهى الجزء الثاني

٣١٩

الجزء الثالث

الصناعات الخمس

٣٢٠