المنطق

الشيخ محمّد رضا المظفّر

المنطق

المؤلف:

الشيخ محمّد رضا المظفّر


المحقق: الشيخ رحمة الله رحمتي الأراكي
الموضوع : الفلسفة والمنطق
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٤

فمثلا لو کان القياس مؤلنا من حقيقيتين (١) نحول الاولي الى أربع متصلات والثانية الى أربع أيضا فيحدث من مقارنة الاربع بالاربع ست

__________________

(١) مثاله : دائما إما أن يكون الشئ واجبا أو ممكنا ودائما إما أن يكون الشئ واجبا أو محتاجا (إلى العلة)

فتحول الأولى إلى أربع متصلات ، هي :

(١) كلما كان الشئ واجبا فهو ليس بممكن (٢) كلما كان الشئ ممكنا فهو ليس بواجب

(٣) كلما لم يكن الشئ واجبا فهو ممكن (٤) كلما لم يكن الشئ ممكنا فهو واجب

وتحول الثانية إلى أربع متصلات ، هي :

(٥) كلما كان الشئ واجبا فهو غير محتاج (٦) كلما كان الشئ محتاجا فهو ليس بواجب

(٧) كلما لم يكن الشئ واجبا فهو محتاج (٨) كلما لم يكن الشئ محتاجا إلى العلة فهو واجب.

ف‍ (١) و (٥) قياس من الشكل الثالث ينتج :

قد يكون إذا لم يكن الشئ ممكنا فهو غير محتاج (تلازم نقيضي الطرفين)

و (١) و (٦) ليس بقياس. وكذا (١) و (٧)

و (١) و (٨) قياس من الشكل الأول إن جعلت (٨) صغرى ، ينتج :

كلما لم يكن الشئ محتاجا فهو ليس بممكن.

و (٢) و (٥) ليس بقياس و (٢) و (٦) شكل ثان لم تختلف مقدمتاه في الكيف

و (٢) و (٧) شكل أول ينتج :

كلما كان الشئ ممكنا فهو محتاج إلى العلة (التلازم بين عيني الطرفين)

و (٢) و (٨) ليس بقياس لعدم تكرر الوسط

و (٣) و (٥) ليس بقياس ، وكذا (٣) و (٨)

و (٣) و (٦) شكل أول بجعل (٦) صغرى ، ينتج :

كلما كان الشئ محتاجا إلى العلة فهو ممكن (التلازم بين العينين)

و (٣) و (٧) شكل ثالث ينتج :

قد يكون إذا كان الشئ ممكنا فهو محتاج

و (٤) و (٥) ليس بقياس ، وكذا (٤) و (٦)

و (٤) و (٧) شكل ثالث ينتج :

قد يكون إذا كان الشئ ممكنا فهو محتاج إلى العلة (التلازم بين العينين)

و (٤) و (٨) شكل ثان لا ينتج ، لعدم اختلاف المقدمتين بالكيف

٢٨١

عشرة صورة. وعند فحصها نجد ثماني منها لا يتکرر فيها حد اوسط فلا يتألف منها قياس. والثماني الباقية ينتج بعضها الملازمة بين عيني (١) الطرفين في الحقيقيتين وبعضها الآخر الملازمة بين نقيضيهما وذلک بمختلف الاشکال(٢).

وينبغي أن يختار الطالب منها ما هو أمس بمطلوبه.

ولأجل التمرين نختبر بعض الأمثلة :

لو أن حاکما جيء له بمتهم في قتل وعلى ثوبه بقعة حمراء ادعي المتهم انها حبر فأول شيء يصنعه الحاکم لأجل التوصل الى ابطال دعوي المتهم أو تأييده أن يقول :

هذه البقعة (٣) اما دم أو حبر (٤) (مانعة جمع)

وهي اما دم أو لا تزول بالغسل (مانعة خلو)

فتحول مانعة الجمع الى المتصلتين :

(١) کلما کانت البقعة دما فهي ليست بحبر.

(٢) کلما کانت حبرا فيهي ليست بدم

وتحول مانعة الخلو الى المتصلتين :

(٣) کلما لم تکن البقعة دما فلا تزول بالغسل.

(٤) کلما زالت البقعة بالغسل فهي دم.

وبمقارنة المتصلتين رقم ١ ، ٢ بالمتصلتين رقم ٣ ، ٤ تحدث أربع صور : اثنتان منها لا يتکرر فيهما حد اوسط وهما المؤلفتان من رقم ٣ ، ١ ومن رقم ٤ ، ٢.

__________________

(١) أي : بين عين طرف من إحدى الحقيقيتين ، وعين طرف من الحقيقية الأخرى ، وكذا في الملازمة بين نقيضيهما.

(٢) ولا يخفى أنه قد لا ينتج بعضها ، لعدم توفر شروط الشكل الحاصل.

(٣) البقعة : القطعة من اللون تخالف ما حولها. (المعجم الوسيط) بالفارسية : لكه (نوين)

(٤) الحبر والحبر : المداد يكتب به (المعجم الوسيط).

٢٨٢

أما المؤلفة من رقم ٤ ، ١ فهي من الشکل الاول اذا جعلنا رقم ٤ صغري فينتج ما يأتي :

کلما کانت البقعة تزول بالغسل فليست بحبر.

ويمکن تحويل هذه النتيجة (المتصلة) الى المنفصلتين :

اما ان تزول البقعة بالغسل واما ان تکون حبرا

(مانعة جمع)

واما ألا تزول بالغسل أو ليست بحبر

(مانعة خلو)

وأما المؤلفة من رقم ٣ ، ٢ فهي من الشکل الاول أيضا ينتج ما يلي :

کلما کانت البقعة حبرا فلا تزول بالغسل

ويمکن تحويل هذه النتيجة الى المنفصلتين :

اما أن تکون البقعة حبرا واما أن تزول بالغسل

(مانعة جمع)

واما ألا تکون حبرا او لا تزول بالغسل

(مانعة خلو)

ولاحظ ان هاتين المنفصلتين عين المنفصلتين للنتيجة الاولي. وليس الفرق الا بتبديل الطرفين التالي والمقدم. وليس هذا ما يوجب الفرق في المنفصلة اذ لا تقدم (١) طبعي بين جزءيها کما تقدم مراراً.

٣ ـ المؤلف من المتصلة والمنفصلة (٢)

أصنافه :

وهذا النوع ايضا ينقسم الى الاقسام الثلاثة ونحن حسب الفرض انما نبحث عن القسم الأول منه وهو المشترک في جزء تام من المقدمتين.

وأصناف هذا القسم أربعة لان المتصلة اما صغري أو کبري وعلى التقديرين اما ان يکون الحد المشترک مقدمها أو تاليها فهذه أربعة. أما

__________________

(١) لا ترتب ، ظ.

(٢) راجع شرح الشمسية : ص ١٦٢ ، والجوهر النضيد : ص ١٣٨ ، وأساس الاقتباس : ص ٢٦٤ ، والتحصيل : ص ١٤٦.

٢٨٣

المنفصلة فلا فرق فيها بين ان يکون الحد المشترک مقدمها أو تاليها اذ لا امتياز بالطبع بين جزءيها.

شروط وطريقة أخذ النتيجة :

لا يلتئم الإنتاج من المتصلة والمنفصلة الا برد المنفصلة الى متصلة. فيتألف القياس حينئذ من متصلتين. فيرجع الى النوع الاول وهو المؤلف من متصلتين في شروط وانتاجه فان أمکن بارجاع المنفصلة الى المتصلة تأليف قياس منتج من أحد الاشکال الاربعة حاويا على الشروط فذاک والا کان عقيما.

وبعضهم اشترط فيه ألا تکون المنفصلة سالبة وهذا الشرط صحيح الى حد ما لأن المنفصلة السالبة انما تحول الى متصلة سالبة جزئية والسالبة الجزئية ليس لها موقع في الانتاج في جميع الاشکال الا في الضرب الخامس من الشکل الثالث المؤلف من موجبة کلية وسالبة جزئية والضرف الرابع من الشکل الثاني المؤلف من سالبة جزئية وموجبة کلية. وهذان الضربان نادران.

وعليه فالمنفصلة السالبة اذا أمکن بتحويلها الى متصلة سالبة جزئية أن تؤلف مع المتصلة المذکورة في الأصل أحد الضربين المذکورين فان القياس يکون منتجا فليس هذا الشرط صحيحا على اطلاقه. مثلا اذا قلنا :

ليس البتة اما ان يکون هذا انسانا أو فرسا

(مانعة خلو)

وکلما کان هذا انسانا کان حيوانا

فانهما لا ينتجان لأنه اذا حولنا المنفصلة الى متصلة لا تؤلف مع المتصلة المفروضة شکلا منتجا اذ أن هذه المنفصلة مانعة الخلو تحول الى المتصلتين :

٢٨٤

(١) قد لا يکون اذا لم يکن هذا انسانا فهو فرس.

(٢) قد لا يکون اذا لم يکن هذا فرسا فهو انسان.

فلو قرنا المتصلة رقم (١) بالمتصلة الاصلية لا يتکرر فيهما حد أوسط ولو قرنا المتصلة (٢) بالاصلية کان من الشکل الاول أو الرابع ولا تنتج السالبة الجزئية فيهما.

ولو أردنا أن تبدل من المتصلة الاصلية قولنا :

کلما کان هذا ناطقا کان انسانا.

فانها تؤلف مع المتصلة رقم (٢) الضرب الرابع (١) من الشکل الثاني فينتج : قد لا يکون اذا لم يکن هذا فرسا فهو ناطق.

٤ ـ المؤلف من الحملية والمتصلة (٢)

اصنافه

يجب في هذا النوع أن النوع أن يکون الاشتراک في جزء تام من الحملية غير تام من المتصلة کما تقدمت الاشارة اليه فله قسم واحد لان جزء الحملية مفرد وجزء الشرطية قضية بالاصل فلا يصح فرض أن يکون الجزء المشترک تاما فيهما ولا غير تام فيهما. وهذا واضح.

ولهذا النوع أربعة أصناف لأن المتصلة اما صغري أو کبري وعلى التقديرين فالشرکة اما في مقدم المتصلة او في تاليها فهذه أربعة. والقريب منها الى الطبع صنفان. وهما ما کانت الشرکة فيهما في تالي المتصلة سواء کانت صغري أو کبري.

__________________

(١) وهو المؤلف من سالبة جزئية صغرى ، وموجبة كلية كبرى.

(٢) شرح الشمسية : ص ١٦١ ، وشرح المطالع : ص ٣١٣ ، والجوهر النضيد : ص ١٤٣ ، وأساس الإقتباس : ص ٢٧٠ ، والتحصيل : ص ١٤٠.

٢٨٥

طريقة أخذ النتيجة :

ولأخذ النتيجة في جميع هذه الأصناف الأربعة نتبع ما يلي :

١ ـ أن نقارن الحملية مع طرف المتصلة التي (١) وقعت فيه الشرکة فنؤلف منهما قياسا حمليا (٢) من أحد الاشکال الاربعة حاويا على شروط الشکل لينتج (قضية حملية).

٢ ـ نأخذ نتيجة التأليف السابق وهي الحملية الناتجة فنجعلها مع طرف المتصلة الآخر الخالي من الاشتراک لنؤلف منهما النتيجة متصلة أحد طرفيها نفس طرف المتصلة الخالي من الاشتراک سواء کان مقدما أو تاليا فيجعل

أيضا مقدما أو تاليا والطرف الثاني الحملية الناتجة من التأليف السابق.

مثاله :

کلما کان المعدن ذهبا کان نادرا.

کل نادر ثمين.

کلما کان المعدن ذهبا کان ثمينا.

فقد ألفنا قياسا حمليا من تالي المتصلة ونفس الحملية أنتج من الشکل الاول (کان المعدن ثمينا). ثم جعلنا هذه النتيجة تاليا للنتيجة المتصلة مقدمها مقدم المتصلة الاولي وهو طرفها الذي لم تقع فيه الشرکة.

مثال ثان :

لا أحد من الاحرار بذليل.

وکلما کانت الحکومة ظالمة فکل موجود في البلد ذليل.

 ... کلما کانت الحکومة ظالمة فلا أحد من الاحرار بموجود في البلد.

__________________

(١) الذي ، ظ.

(٢) لا يخفى عليك : أن هذا مختص بما إذا كانت الشرطية مؤلفة من حمليتين ، أو من حملية وشرطية تكون الشرطية في أجزاء الحملية.

٢٨٦

فقد ألفنا قياسا حمليا من الحملية وتالي المتصلة أنتج من الشکل الثاني (لا أحد من الاحرار بموجود في البلد) جعلنا هذه النتيجة تاليا لمتصلة مقدمها مقدم المتصلة في الاصل وهو طرفها الذي لم تقع فيه الشرکة.

الشروط :

أما شروط انتاج هذه الاصناف الاربعة فلا نذکر منها الا شروط القريب الى الطبع منها وهما الصنفان اللذان تقع الشرکة فيهما في تالي المتصلة سواء کانت صغري أو کبري کما مثلنا لهما. وشرطهما :

أولا أن يتألف من الحملية وتالي المتصلة شکل يشتمل على شروطه المذکورة في القياس الحملي.

ثانيا أن تکون المتصلة موجبة فلو کانت سالبة فيجب أن تحول الى موجبة لازمة لها بنقض محمولها (١) أي تحول الى منقوضة المحمول. وحينئذ يتألف القياس الحملي من الحملية في الأصل ونقيض تالي المتصلة مشتملا على شروط الشکل الذي يکون منه.

مثاله :

ليس البتة اذا کانت الدولة جائرة فبعض الناس أحرار. وکل سعيد حر.

فان المتصلة السالبة الکلية تحول الى منقوضة محمولها (٢) موجبة کلية هکذا :

کلما کانت الدولة جائرة فلا شيء من الناس بأحرار (٣).

وبضمها الى الحملية ينتج من الشکل الثاني على نحو ما تقدم في أخذ النتيجة هکذا :

کلما کانت الدولة جائرة فلا شيء من الناس بسعداء (٤).

__________________

(١) تاليها ، ظ.

(٢) تاليها ، ظ.

(٣) فبدل التالي وهي موجبة جزئية بنقيضها وهي السالبة الكلية.

(٤) بسعيد ، ظ.

٢٨٧

(تنبيه)

لهذا النوع وهو المؤلف من الحملية والمتصلة أهمية کبيرة في الاستدلال لا سيما أن قياس الخلف ينحل الى أحد صنفيه المطبوعين. وليکن هذا على بالک فانه سيأتي کيف ينحل قياس الخلف اليه.

٥ ـ المؤلف من الحمليه والمنفصله (١)

وهذا النوع کسابقه يجب أن يکون الاشتراک فيه في جزء تام من الحملية غير تام من المنفصلة. وقد تقدم وجهة.

غير أن الشرکة فيه للحملية قد تکون مع جميع اجزاء المنفصلة وهو القريب الى الطبع وقد تکون مع بعضها وعلى التقديرين تقع الحملية اما صغري أو کبري فهذه أربعة أصناف.

مثاله :

١ ـ الثلاثة عدد.

٢ ـ العدد اما زوج أو فرد.

٣ ـ .. الثلاثة أما زوج او فرد.

وهذا المثال من الصنف الاول المؤلف من حملية صغري مع کون الشرکة مع جميع أجزاء المنفصلة لأن المنفصلة في المثال بتقدير (دائما اما العدد زوج واما العدد فرد).

فکلمة (العدد) المشترکة بين المقدمتين موجودة في جزئي المنفصلة معا.

أما أخذ النتيجة (٢) في المثال فقد رأيت انا اسقطنا الحد المشترک وهو کلمة (عدد) وأخذنا جزء الحملية الباقي مکانه في النتيجة التي هي منفصلة أيضا. وهو على منهاج الشکل الاول في الحملي.

__________________

(١) راجع شرح الشمسية : ص ١٦١ ، وشرح المطالع : ص ٣١٧ ، والجواهر النضيد : ص ١٤٨ ، والتحصيل : ص ١٤٥.

(٢) وأما في الشروط فهي كالحملي.

٢٨٨

وهکذا نصنع في أخذ نتائج هذا النوع. ونکتفي بهذا المقدار من البيان عن هذا النوع.

خاتمه

قد أطلنا في بحث الاقترانات الشرطية على خلاف المعهوم في کتب المنطق المعتاد تدريسها نظرا الى کثرة فائدتها والحاجة اليها فان اکثر البراهين العلمية تبتني على الاقترانات الشرطية. وان کنا ترکنا کثيرا من الابحاث التي لا يسعها هذا المختصر واقتصرنا على أهم الاقسام التي هي اشد علوقا بالطبع.

٢٨٩

القياس الاستثنائي

تعريفه وتأليفه :

تقدم ذکر هذا القياس وتعريفه ؛ وهو من الاقيسة الکاملة أي التي لا يتوقف الانتاج فيها على مقدمة أخري کقياس المساواة ونحوه على ما سيأتي في التوابع.

ولما تقدم أن الاستثنائي يذکر فيه بالفعل اما عين النتيجة أو نقيضها فهنا نقول : يستحيل أن تکون النتيجة مذکورة بعينها أو بنقيضها على أنها مقدمة مستقلة مسلم بصدقها لأنه حينئذ (١) يکون الانتاج مصادرة على المطلوب. فمعني أنها مذکورة بعينها أو بنقيضها انها مذکورة على أنها جزء من مقدمة.

ولما کانت هي بنفسها قضية ومع ذلک تکون جزء قضية فلا بد أن يفرض أن المقدمة المذکورة فيها قضية شرطية لأنها تتألف من قضيتين بالاصل. فيجب أن تکون على هذا احدي مقدمتي هذا القياس شرطية ،

__________________

(١) هذا إذا كانت النتيجة مذكورة بعينها ، وأما إذا ذكرت النتيجة بنقيضها فلا تلزم المصادرة ، وإنما اللازم باطل آخر هو صدق النقيضين ، فإن نقيض النتيجة مفروض صدقه ، لكونه مقدمة في القياس ـ الذي هو قول مؤلف من قضايا متى سلمت يلزمه لذاته قول آخر ـ والنتيجة أيضا يجب صدقها ، كما يقتضيه تعريف القياس.

٢٩٠

أما المقدمة الاخري فهي الاستثنائية (١) أي المشتملة على أداة الاستثناء التي من اجلها سمي القياس استثنائيا.

والاستثنائية يستثني فيها أحد طرفي الشرطية أو نقيضه لينتج الطرف الآخر أو نقيضه على ما سيأتي تفصيله.

تقسيمه :

وهذه الشرطية قد تکون متصلة وقد تکون منفصلة وبحسبها ينقسم هذا القياس الى الاتصالي والانفصالي.

شروطه (٢) :

ويشترط في هذا القياس ثلاثة أمور :

١ ـ کلية احدي المقدمتين فلا ينتج من جزئيتين.

٢ ـ ألا تکون الشرطية اتفاقية.

٣ ـ ايجاب الشرطية. ومعني هذا الشرط في المتصلة خاصة (٣) أن السالبة تحول الى موجبة لازمة لها فتوضع مکانها.

ولکل من القسمين المتقدمين حکم في الانتاج ونحن نذکرهما بالتفصيل :

__________________

(١) حملية كما سيأتي مثاله ، أو شرطية ، وذلك إذا كانت المقدمة الشرطية في القياس مركبة من شرطيتين أو شرطية وحملية واستثنيت الشرطية ، مثال الأول قولنا : إن كان كلما كانت الشمس طالعة فالنهار موجود ، فكلما كان الليل موجودا فالشمس غاربة ، لكنه كلما كانت الشمس طالعة فالنهار موجود ، ينتج : فكلما كان الليل موجودا فالشمس غاربة. ومثال الثاني : هو هذا المثال مع تبديل تالي الشرطية الأولى بقولنا : فوجود النهار لازم لطلوع الشمس.

(٢) راجع شرح الشمسية : ص ١٦٣ ، وشرح المطالع : ص ٣٢٩ ، والقواعد الجلية : ص ٣٨٣ ، والجوهر النضيد : ص ١٥١ ، وأساس الإقتباس : ص ٢٨٩.

(٣) وأما المنفصلة فليس لها نقض محمول. كما ليس لها عكس ، لعدم الترتيب الطبيعي بين طرفيها فتأمل.

٢٩١

حکم الاتصالي(١)

لأخذ النتيجة من الاستثنائي الاتصالي طريقتان.

١ ـ استثناء عين المقدم لينتج عين التالي لأنه اذا تحقق الملزوم تحقق اللازم قطعا سواء أکان اللازم أعم ام مساويا. ولکن لو استثني عين التالي فانه لا يجب أن ينتج عين المقدم لجواز أن يکون اللازم أعم. وثبوت الاعم يلزم منه ثبوت الاخص.

مثاله :

کلما کان الماء جاريا کان معتصما. لکن هذا الماء جار.

 ... فهو معتصم.

فلو قلنا : (لکنه معتصم) فانه لا ينتج (فهو جار) لجواز أن يکون معتصما وهو راکد کثير.

٢ ـ استثناء نقيض التالي لينتج نقيض المقدم. لأنه اذا انتفي اللازم انتفي الملزوم قطعا حتي لو کان اللازم أعم ولکن لو استثني نقيض المقدم فانه لا ينتج نقيض التالي لجواز أن يکون اللازم أعم. وسلب الأخص ال يستلزم سلب الاعم لأن نقيض الأخص أعم من نقيض الاعم.

مثاله :

کلما کان الماء جاريا کان معتصما. لکن هذا الماء ليس بمعتصم.

 ... فهو ليس بجار.

فلو قلنا : (لکنه ليس بجار) فانه لا يتج (ليس بمعتصم) لجواز الاً يکون جاريا وهو معتصم لأنه کثير.

__________________

(١) راجع الحاشية : ص ١٠٣ ، وشرح الشمسية : ص ١٦٤ ، وشرح المنظومة : ص ٨٤ ، وشرحر المطالع : ص ٣٣٠.

٢٩٢

حکم الانفصالي (١)

لأخذ النتيجة من الاستثنائي الانفصالي ثلاث طرق (٢) :

١ ـ اذا کانت الشرطية (حقيقية) فان استثناء عين أحد الطرفين ينتج نقيض الآخر واستثناء نقيض أحدهما ينتج عين الاخر فاذا قلت :

العدد اما زوج أو فرد.

فان الاستثناء يقع على أربع صور هکذا :

أ ـ لکن هذا العدد زوج ينتج فهو ليس بفرد

ب ـ لکن هذا العدد فرد ينتج فهو ليس بزوج

جـ ـ لکن هذا العدد ليس بزوج ينتج فهو فرد

د ـ لکن هذا العدد ليس بفرد ينتج فهو زوج

وهو واضح لا عسر فيه. هذا اذا کانت المنفصلة ذات جزءين. وقد تکون ذات ثلاثة أجزاء فأکثر مثل (الکلمة اما اسم أو فعل او حرف) فاذا استثنيت عين أحدها فقلت مثلا (لکنها اسم) فانه ينتج حمليات (٣) بعدد الاجزاء الباقية فتقول : (فهي ليست فعلا وليست حرفا).

واذا استثنيت نقيض أحدهما (٤) فقلت مثلا : (لکنها ليست اسما) فانه ينتج منفصلة من أعيان الاجزاء الباقية فتقول : (فهذه الکلمة اما فعل أو حرف). وقد يجوز بعد هذا ان تعتبر هذه النتيجة مقدمة لقياس استثنائي

__________________

(١) راجع الحاشية : ص ١٠٣ ، وشرح الشمسية : ص ١٦٤ ، وشرح المنظومة : ص ٨٤ ، وشرح المطالع : ص ٣٣٠.

(٢) كان الأولى أن يقسم الانفصالي إلى ثلاثة أقسام :

الأول : ما كانت المنفصلة التي تألف القياس منها حقيقية. ثم يذكر أن لإنتاجه أربعة طرق ، وبعبارة أخرى : ينتج في أربع صور.

الثاني : ما كانت المنفصلة التي فيها مانعة الجمع. ويذكر أنه ينتج في صورتين.

الثالث : ما كانت المنفصلة التي فيها مانعة الخلو. ويذكر أنه أيضا ينتج في صورتين.

(٣) أي حمليات سالبة.

(٤) في نسخة : أحدها.

٢٩٣

آخر فتستثني (١) عين أحد اجزائها او نقيضه لينحصر في جزء معين.

وهکذا يمکن أن تستعمل هذه الطريقة لو کانت اجزاء المنفصلة أکثر من ثلاثة فتستوفي الاستثناءات حتي يبقي قسم واحد ينحصر فيه الامر. وقد تسمي هذه الطريقة طريقة الدوران والترديد أو برهان السبر والتقسيم أو برهان الاستقصاء کما سبق أن برهنا به لبيان النسبة بين النقيضين في بحث النسب في الجزء الاول. وهذه الطريقة نافعة کثيرا في المناظرة والجدل.

٢ ـ اذا کانت الشرطية (مانعة خلو) فان استثناء نقيض أحد الطرفين ينتج عين الآخر. ولا ينتج استثناء عين أحدهما نقيض الآخر لأن المفروض أنه لا مانع من الجمع بين العينين فلا يلزم من صدق أحدهما کذب الآخر.

٣ ـ اذا کانت الشرطية (مانعة جمع) فان استثناء عين أحد الطرفين ينتج نقيض الآخر. ولا ينتج استثناء نقيض أحدهما عين الآخر لأن المفروض أنه يجوز أن يخلو الواقع منهما فلا يلزم من کذب أحدهما صدق الآخر. وهذا وما قبله واضح.

__________________

(١) كان اللازم أن يقول : فتستثني نقيض أحد أجزائها لينحصر ... وذلك لأنه إن أمكن للقايس استثناء عين أحد الأجزاء لما احتاج إلى تأليف أقيسة متعددة.

٢٩٤

خاتمة في لواحق القياس

القياس المضمر أو الضمير (١) :

انا في أکثر کلامنا وکتاباتنا نستعمل الاقيسة وقد لا نشعر بها. ولکن على الغالب لا نلتزم بالصورة المنطقية للقياس : فقد نحذف احدي المقدمات أو النتيجة اعتمادا على وضوحها أو ذکاء المخاطب أو لغفلة کما انه قد نذکر النتيجة اولا قبل المقدمات او نخالف الترتيب الطبيعي للمقدمات. ولذا يصعب علينا أحيانا أن نرد کلامنا الى صورة قياس کاملة.

والقياس الذي تحذف منه النتيجة أو احدي المقدمات يسمي (القياس المضمر) وما حذفت کبراه فقط يسمي (ضميرا) کما اذا قلت (هذا انسان لانه ناطق). وأصله هو.

هذا ناطق

(صغرى)

وکل ناطق انسان

(کبرى)

 ... فهذا انسان

(نتيجة)

فحذفت منه الکبري وقدمت النتيجة.

وقد تقول (هذا انسان لأن کل ناطق انسان) فتحذف الصغري مع تقديم النتيجة.

__________________

(١) راجع النجاة : ص ٥٨ ، والتحصيل : ص ١٩٠.

٢٩٥

وقد تقول (هذا ناطق لأن کل ناطق انسان) فتکتفي بالمقدمتين عن ذکر النتيجة لأنها معلومة. وقس على ذلک ما يمر عليک.

كسب المقدمات بالتحليل

أظنکم تتذکرون انا في أول الکتاب ذکرنا ان العقل تمر عليه خمسة أدوار لأجل ان يتوصل الى المجهول. وقلنا ان الادوار الثلاثة الاخيرة منها هي (الفکر) وقد طبقنا هذه الادوار على کسب التعريف في آخر الجزء الاول. والآن حل الوقت الذي نطبق فيه هذه الادوار على کسب المعلوم التصديقي بعدما تقدم من درس أنواع القياس. فلنذکر تلک الدوار الخمسة لنوضحها.

١ ـ (مواجهة المشکل) ولا شک ان هذا الدور لازم لمن يفکر لکسب المقدمات لتحصيل أمر مجهول لأنه لو لم يکن عنده أمر مجهول مشکل قد التفت اليه وواجهه فوق في حيرة من الجهل به لما فکر في الطريق الى حله. ولذا يکون هذا الدور من مقدمات الفکر لا من الفکر نفسه.

٢ ـ (معرفة نوع المشکل). والغرض من معرفة نوعه أن يعرف من جهة الهيئة انه قضية حملية أو شرطية متصلة أو منفصلة موجبة أو سالبة معدولة أو محصلة موجهة او غير موجهة وهکذا. ثم يعرفه من جهة المادة أنه يناسب أي العلوم والمعارف او اي القواعد والنظريات. ولا شک ان هذه المعرفة لازمة قبل الاشتغال بالتفکير وتحصيل للقدمات والا لوقف في مکانه وارتطم ببحر من المعلومات لا تزيده الاجهلا فيتلبد ذهنه ولا يستطيع الانتقال الى

٢٩٦

معلوماته فضلا عن أن ينظمها ويحل بها المشکل. فلذا کان هذا الدور لابد منه للتفکير وهو من مقدماته لا منه نفسه.

٣ ـ (حرکة العقل من المشکل الى المعلومات). وهذا أول ادوار الفکر وحرکاته فان الانسان عندما يفرغ من مواجهة المشکل ومعرفة نوعه يفرع فکره الى طريق حله فيرجع الى المعلومات التي اختزنها عنده ليفتش عنها ليقتنص منها ما يساعده على الحل. فهذا الفزع والرجوع الى المعلومات هو حرکة للعقل وانتقال من المجهول الى المعلوم وهو مبدأ التفکير فلذا کان أول أدوار الفکر.

٤ ـ (حرکة العقل بين المعلومات). وهذا هو الدور الثاني للفکر وهو أهم الادوار والحرکات وأشقها وبه يمتاز المفکرون وعنده تزل الاقدام ويتورط المغرور فمن استطاع ان يحسن الفحص عن المعلومات ويرجع الى البديهيات فيجد ضالته التي توصله حقا الى حل المشکل فهذا الذي أوتي حظا عظيما من العلم. وليس هناک قواعد مضبوطة لفحص المعلومات وتحصيل المقدمات الموصلة الى المطلوب من حل المشکل وکشف المجهول.

ولکن لنا طريقة عامة يمکن الرکون اليها لکسب المقدمات نسميها (التحليل) (١) ولأجلها عقدنا هذا الفصل فنقول :

اذا واجهنا المشکل فلا بد أنه قضية من القضايا ولتکن حملية فاذا أردنا حله من طريق الاقتراني الحملي نتبع ما يلي :

__________________

(١) لا يخفى عليك : أن هذه التسمية إنما يحسن إذا أردنا حل المشكل من طريق الاقتراني الحملي أو الشرطي. وأما إذا أردنا حله من طريق القياس الاستثنائي فلا ، وذلك لأ أنه لا تحليل فيها.

٢٩٧

أولا ـ نحلل المطلوب وهو حملية بالفرض الى موضوع ومحمول ولا بد أن الموضوع يکون الحد الاصغر في القياس والمحمول الحد الاکبر فيه فنضع الاصغر والاکبر کلا منهما على حدة.

ثانيا ـ ثم نطلب کل ما يمکن حمله على الاصغر والاکبر وکل ما يمکن حمل الاصغر والاکبر عليه سواء کان جنسا أو نوعا أو فصلا أو خاصة أو عرضاً عاماً. ونطلب ايضا کل ما يمکن سلبه عن کل واحد منهما وکل ما يمکن سلب کل واحد منهما عنه. فتحصل عندنا عدة قضايا حملية ايجابية وسلبية.

ثالثا ـ ثم ننظر فيما حصلنا عليه من المعلومات. فنلائم بين القضايا التي فيها الحد الاصغر يکون موضوعا أو محمولا من جهة وبين القضايا التي فيها الحد الاکبر يکون موضوعا أو محمولا من جهة أخري فاذا استطعنا أن نلائم بين قضيتين من الطرفين على وجه يتألف منهما شکل من الاشکال متوفرة فيه الشروط فقد نجحنا واستطعنا أن نتوصل الى المطلوب والا فعلينا أن نلتمس طريقا آخر.

وهذه الطريقة عينا تتبع اذا کان المطلوب قضية شرطية فنؤلف معلوماتنا من قضايا شرطية اذا لم نختر ارجاع الشرطية الى حملية لازمه لها.

واذا أردنا حل المطلوب من طريق القياس الاستثنائي نتبع مايلي :

__________________

(١) هو حله من طريق القياس الاستثنائي ، على ما سيأتي.

(٢) يبدو منه أن المطلوب إذا كان قضية شرطية ينحصر حله في الاقتراني الحملي ، وقد يكون ذلك لزعمه أن القياس الاستثنائي لا ينتج إلا حملية. وليس كذلك كما مر منا في تعاليقنا على القياس الاستثنائي. فلابد من تبديل هذه الفقرة هنا بقولنا :

وعلى هذا فقس إذا كان المطلوب قضية شرطية ، فإنه يجري فيه الطريقان : الاقتراني والاستثنائي بعين ما ذكر.

٢٩٨

أولا : نفحص عن کل ملزومات المطلوب وعن کل لوازمه ثم عن کل ملزومات نقيضه وعن کل لوازمه.

ثانيا : ثم نفحص عن کل ما يعاند نقيضه صدقا وکذبا أو صدقا فقط أو کذبا فقط.

ثالثا : ثم نؤلف من الفحص الاول قضايا متصلة اذا وجدنا ما يؤلفها ونستثني عين المقدم ونقيض التالي من کل من القضايا المؤلفة فايهما يصح يتألف به قياس استثنائي اتصالي ننتقل منه الى المطلوب.

أو نؤلف من الفحص الثاني قضايا منفصلة حقيقية أو من أختيها اذا وجدنا أيضا ما يؤلفها ونستثني عين الجزء الآخر المعاند للمطلوب أو نقيضه ونستثني نقيض الجزء الآخر في جميع القضايا المؤلفة فأيها يصح يتألف به قياس استثنائي انفصالي ننقل منه الى المطلوب

٥ ـ (حرکة العقل من المعلومات الى المجهول) وهذه الحرکة آخر مرحلة من الفکر عندما يتم لم تأليف قياس منتج فانه لا بد أن ينتقل منه الى النتيجة التي تکون هي المطلوب وهي حل المشکل.

__________________

(١) يعاند المطلوب أو ، ظ.

(٢) عطف على المطلوب. ولا يخفى : أنه إنما لا يستثنى عين المطلوب أو نقيضه لأن النتيجة على ذلك تكون نقيض الجزء الآخر أو عينه ، وشئ منهما ليس بمطلوب.

ولا يخفى عليك أيضا : أن الأمر كذلك أيضا في الشق السابق ، وهو القياس الاستثنائي الاتصالي ، فإنه يستثنى عين المقدم إذا لم يكن هو المطلوب أو نقيضه ، وكذا يستثنى نقيض التالي إذا لم يكن هو المطلوب أو نقيضه.

٢٩٩

القياسات المرکبة

تمهيد وتعريف

لا بد للاستدلال على الميطلوب من الانتهاء في التحليل الى مقدمات بديهية لا يحتاج العلم بها الى کسب ونظر والا لتسلسل التحليل الى غير النهاية فيستحيل تحصيل المطلوب. والانتهاء الى البديهيات على نحوين : تارة ينتهي التحليل من أول الامر الى کسب مقدمتين بديهيتين فيقف ونحصل المطلوب منهما فيتألف منهما قياس يسمي (بالقياس البسيط) لانه قد حصل المطلوب به وحده. وهذا مفروض جميع الاقيسة التي تکلمنا عن أنواعها واقسامها.

وأخري ينتهي التحليل من أول الامر الى مقدمتين احداهمنا کسبية أو کلاهما کسبيتان فلا يقف الکسب عندهما حينئذ بل تکون المقدمة الکسبية مطلوبا آخرلا بد لنا من کسب المقدمات ثانيا لتحصيله فنلتجيء الى تأليف قياس آخر تکون نتيجة نفس الکسبية أي ان نتيجة هذا القياس الثاني تکون مقدمة للقياس الاول. ولو کانت المقدمتان معا کسبيتين فلا بد حينئذ من تأليف قياسين لتحصيل المقدمتين.

ثم ان هذه المقدمات المؤلفة ثانيا لتحصيل مقدمة القياس الاول

٣٠٠