المنطق

الشيخ محمّد رضا المظفّر

المنطق

المؤلف:

الشيخ محمّد رضا المظفّر


المحقق: الشيخ رحمة الله رحمتي الأراكي
الموضوع : الفلسفة والمنطق
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٤

واذ نحن اخترنا الآن (طريقة التحليل العقلي) أولاً فلنذکرها متمثلة في الحرکات الثلاث :

فانک عند ما تجتاز الدور الثاني تنتقل الى الثالث وهو الحرکة الذاهبة حرکة العقل من المجهول الى المعلومات. ومعني هذه الحرکة بطريقة التحليل المقصود بيانها هو أن تنظر في ذهنک الى جميع الافراد الداخلة تحت ذلک الجنس الذي فرضت المشکل داخلاً تحته. وفي المثال تنظر الى افراد السوائل سواء کانت ماء أو غير ماء باعتبار ان کلها سوائل.

وهنا ننتقل الى الرابع وهو (الحرکة الدائرية) أي حرکة العقل بين المعلومات. وهو اشق الادوار وأهمها دائماً في کل تفکير فان نجح المفکر فيه انتقل الى الدور الاخير الذي به حصول العلم والا بقي في مکانه يدور على نفسه بين المعلومات من غير جدوي. وهذه الحرکة الدائرية بين المعلومات في هذه الطريقة هي أن يلاحظ الفکر مجاميع افراد الجنس الذي دخل تحته المشکل فيفرزها مجموعة مجموعة فلأفراد المجهول مجموعة ولغيره من أنواع الجنس الاخري کل واحد مجموعة من الافراد. وفي المثال يلاحظ مجاميع السوائل : الماء والزئبق واللبن والدهن الى آخرها. وعند ذلک يبدأ في ملاحظتها ملاحظة دقيقة ليعرف ما تمتاز به مجموعة أفراد المشکل بحسب ذاتها وحقيقتها عن المجاميع الاخري أو بحسب عوارضها الخاصة بها. ولا بد هنا من الفحص الدقيق والتجربة اليعرف في المثال الخصوصية الذاتية أو العرضية التي يمتاز بها الماء عن غيره من السوائل في لونه وطعمه أو في وزنه وثقله أو في اجزائه الطبيعية. ولا يستغني الباحث عن الاستعانة بتجارب الناس والعلماء وعلومهم.

والبشر من القديم کما قلنا في أول مبحث القسمة اهتموا بفطرتهم في تقسيم الاشياء وتمييز الانواع بعضها عن بعض فحصلت لهم بمرور

١٤١

الزمن الطويل معلومات قيمة هي ثروتنا العلمية التي ورثناها من أسلافنا. وکل ما نستطيعه من البحث في هذا الشأن هو التعديل والتنقيح في هذه الثروة واکتشاف بعض الکنوز من الانواع التي لم يهتد اليها السابقون على مرور الزمن وتقدم المعارف.

فإن استطاع الفکر أن ينجح في هذا الدور (الحرکة الدائرية) بأن عرف ما يميز المجهول تمييزاً ذاتياً أي عرف فصله أو عرف ما يميزه تمييزاً عرضياً أي عرف خاصته فان معني ذلک انه استطاع أن يحلل معني المجهول الى جنس وفصل أو جنس وخاصة تحليلاً عقلياً فيکمل عنده الحد التام او الرسم التام بتأليفه مما انتهي اليه التحليل. کما لو عرف الماء في المثال بأنه سائل بطبعه لا لون له ولا طعم ولا رائحة او انه له ثقل نوعي مخصوص أو انه قوام کل شيء حي (١).

ومعني کمال الحد أو الرسم عنده ان عقله ان عقله قد انتهي الى الدور الاخير وهو (الحرکة الراجعة) أي حرکة العقل من المعلوم الى المجهول. وعندها ينتهي التفکير بالوصول الى الغاية من تحصيل المجهول.

وبهذا اتضح معني التحليل العقلي الذي وعدناک ببيانه سابقاً في القسمة الطبيعية وهو انما يکون باعتبار المتشارکات والمتباينات أي انه بعد ملاحظة المتشارکات بالجنس يفرزها ويوزعها مجاميع أو فقل أنواعاً بحسب ما فيها من المميزات المتباينة فيستخرج من هذه العملية الجنس والفصل مفردات الحد او الجنس والخاصة مفردات الرسم فکنت بذلک حللت المفهوم المراد تعريفه الى مفرداته.

(تنبيه) :

ان الکلام المتقدم في الدور الرابع فرضناه فيما اذا کنت من اول الامر

__________________

(١) وجميع الثلاثة خواص ، وأما الفصل فهو كونه ذا صورة مائية.

١٤٢

لما عرفت نوع المشکل عرفت جنسه القريب فلم تکن بحاجة الا للبحث عن مميزاته عن الانواع المشترکة معه في ذلک الجنس. اما لو کنت قد عرفت فقط جنسه العالي کأن عرفت ان الماء جوهرلا غير فانک لأجل أن تکمل لک المعرفة لابد:

أن تفحص (أولاً) لتعرف أن المشکل من أي الاجناس المتوسطة بتمييز بعضها عن بعض بفصولها أو خواصها على نحو العملية التحليلية السابقة حتي تعرف ان الماء جوهر ذو ابعاد أي جسم.

ثم تفحص (ثانياً) بعملية تحليلية أخري لتعرفه من أي الاجناس القريبة هو فتعرف انه سائل.

ثم تفحص (ثالثاً) بتلک العملية التحليلية لتميزه عن السوائل الاخري بثقله النوعي مثلاً او بأنه قوام کل شيء حي فيتألف عندک تعريف الماء على هذا النحو مثلاً (جوهر ذو أبعاد سائل قوام کل شيء حي) ويجوز أن تکتفي عن ذلک فتقول (سائل قوام کل شيء حي) مقتصراً على الجنس القريب.

وهذه الطريقة الطويلة من التحليل التي هي عبارة عن عدة تحليلات يلتجيء اليها الانسان اذا کانت الاجناس متسلسلة ولم يکن يعرف الباحث دخول المجهول الا في الجنس العالي. ولکن تحليلات البشر التي ورثناها تغنينا في أکثر المجهولات عن ارجاعها الى الاجناس العالية فلا نحتاج على الاکثر الا لتحليل واحد لنعرف به ما يمتاز به المجهول عن غيره.

على أنه يجوز لک أن تستغني بمعرفة الجنس العالي أو المتوسط فلا تجري الا عملية واحدة للتحليل لتميز المشکل عن جميع ما عداه مما يشترک معه في ذلک الجنس العاي أو المتوسط غير أن هذه العملية

١٤٣

لا تعطينا الا حداً ناقصاً أو رسماً ناقصاً (١).

طريقة القسمة المنطقية الثنائية

انک بعد الانتهاء من الدورين الاولين أي دور مواجهة المشکل ودور معرفة نوعه لک أن تعمد الى طريقة أخري من التفکير تختلف عن السابقة.

فان السابقة کانت النظرة فيها الى الافراد المشترکة في ذلک الجنس ثم تمييزها بعضها عن بعض لاستخراج ما يميز المجهول.

أما هذه فانک تتحرک الى الجنس الذي عرفته فتفسمه بالقسمة المنطقية الثنائية الى اثبات ونفي : الاثبات بما يميز المجهول تمييزاً ذاتياً أو عرضياً والنفي بما عداه. وذلک اذا کان المعروف الجنس القريب فنقول في مثال الماء الذي عرف انه سائل : (السائل اما عديم اللون واما غيره) فتستخرج بذلک الحد التام أو الرسم التام وتحصل لديک الحرکات الثلاث کلها.

أما لو کان الجنس الذي عرفته هو الجنس العالي أو المتوسط فانک تأخذ أولاً الجنس العالي مثلاً فتقسمه بحسب المميزات الذاتية أو العرضية (٢) ثم تقسم الجنس المتوسط الذي حصلته بالتقسيم الاول الى أن يصل التقسيم الى الانواع السافلة على النحو الذي مثلنا به في القسمة الثنائية للجوهر وبهذا تصير الفصول (٣) کلها معلومة على الترتيب فتعرف بذلک جميع ذاتيات المجهول على التفصيل.

__________________

(١) لا يخفى عليك : أنه رجوع عما اختاره في تفسير الرسم التام والرسم الناقص : من أن الخاصة مع الجنس ـ مطلقا ـ تام ، وأن الخاصة فقط رسم ناقص.

(٢) لا يخفى عليك : أنه لما كان الغرض تحصيل الجنس المتوسط بالقسمة لا ينفع تقسيم الجنس العالي بالعرضيان ، فإنه لا ينتج إلا حصول الصنف. كما أنه لا ضرورة في التقسيم الأخير إلى تحصيل الفصل ، بل يكفي تحصيل الخاصة ، كما صرح به هو قبل أسطر.

(٣) أو الخواص.

١٤٤

تمرينات

على التعريف والقسمة

(١) انقد التعريفات الآتية وبين ما فيها من وجوه الخطأ ان کان :

أ ـ الطائر : حيوان يبيض

وـ اللبن : مادة سائلة مغذية

ب ـ الانسان : حيوان بشري

ز ـ العدد : کثرة مجتمعة من آحاد

ج ـ العلم : نور يقذف في القلب

ح ـ الماء : سائل مفيد

د ـ القدام : الذي خلفه شيء

ط ـ الکوکب : جرم سماوي منير

هـ ـ المربع : شکل رباعي قائم الزوايا

ي ـ الوجود : الثابت العين

(٢) من أي انواع التعريف تعريف العلم بأنه (حصول صورة الشيء في العقل) وتعريف المرکب بأنه (ما دل جزء لفظه على جزء معناه حين هو جزء). وبين ما اذا کان الجنس مذکوراً فيها أم لا.

(٣) من أي انواع التعريف تعريف الکلمة بأنها (قول مفرد) وتعريف الخبر بأنه (قول يحتمل الصدق والکذب).

(٤) عرف النحويون الکلمة بعدة تعريفات : أ ـ لفظ وضع لمعني مفرد.

ب ـ لفظ موضوع مفرد.

ج ـ قول مفرد.

د ـ مفرد.

فقارن بينها واذکر أولاها واحسنها والخلل في احدها ان کان.

(٥) لو عرفنا الاب بأنه (من له ولد) فهذا التعريف فاسد قطعاً ولکن هل تعرف من أية جهة فساده؟ وهل تري يلزم منه الدور؟ ـ واذا کان يلزم منه الدور أولا يلزم فهل تستطيع ان تعلل ذلک؟

١٤٥

(٦) اعترض بعض الاصوليين على تعريف اللفظ المطلق المقابل للمقيد بأنه (ما دل على شايع في جنسه) فقال انه تعريف غير مطرد ولا منعکس فهل تعرف الطريق لرد هذا الاعتراض من أساسه على الاجمال. وانت اذا حققت ان هذا التعريف ماذا يسمي يسهل عليک الجواب فتفطّن!

(٧) جاء في کتاب حديث للمنطق تعريف الفصل بأنه (صفة أو مجموع صفات کلية بها تتميّز أفراد حقيقة واحدة من أفراد غيرها من الحقائق المشترکة معها في جنس واحد). انقده واذکر وجوه الخلل فيه على ضوء ما درسته في تعريف الفصل وشروط التعريف.

(٨) ان التي نسميها بالکليات الخمسة کان ارسطو يسميها (المحمولات) وعنده ان المحمول لا بد أن يکون من أحد الخمسة فاعترضه بعض مؤلفي المنطق الحديث بأن هذه الخمسة لا تحتوي جميع أنواع المحمولات لانه لا يدخل فيه مثل (البشر هو الانسان).

فالمطلوب ان تجيب عن هذا الاعتراض على ضوء ما درسته في بحث (الحمل وانواعه). وبين صواب ما ذهب اليه ارسطو.

(٩) وعرف هذا البعض المتقدم اللفظين المتقابلين بانهما (اللفظان اللذان لا يصدقان على شيء واحد في آن واحد). انقده على ضوء ما درسته في بحث التقابل وشروط التعريف.

(١٠) کيف تفکر بطريقة التحليل العقلي لاستخراج تعريف الکلمة والمفرد والمثلث والمربع.

(١١) استخرج بطريقة القسمة المنطقية الثنائية تعريف الفصل تارة والنوع أخري.

(١٢) فرق بين القسمة العقلية وبين الاستقرائية في القسمات التفصيلية الآتية مع بيان الدليل على ذلك :

أ ـ قسمة فصول السنة الى ربيع وصيف وخريف وشتاء.

١٤٦

ب ـ قسمة اوقات اليوم الى فجر وصبح وضحى وظهر وعصر واصيل وعشاء وعتمة.

ج ـ قسمة الفعل الى ماض ومضارع وأمر.

د ـ قسمة الاسم الى نکرة ومعرفة.

هـ ـ قسمة الاسم الى مرفوع ومنصوب ومجرور.

وـ قمسة الحکم الى وجوب وحرمة واستحباب وکراهة واباحة.

ز ـ قسمة الصوم الى واجب ومستحب ومکروه ومحرم.

ح ـ قسمة الصلاة الى ثنائية وثلاثية ورباعية.

ط ـ قسمة الحج الى تمتع وقران وافراد.

ي ـ قسمة الخط الى مستقيم ومنحن ومنکسر.

ثم اقلب ما يمکن من هذه القسمات الى قسمة ثنائية واستخرج منها بعض ريفات لبعض الاقسام واختر خمسة على الاقل.

انتهى الجزء الاول

١٤٧
١٤٨

الجزء الثاني

التصديقات

١٤٩
١٥٠

الباب الرابع

القضايا واحکامها

وفه فصلان :

١٥١

الفصل الاول

القضايا

القضية: (١)

تقدم في الباب الاول ان الخبر هو القضية وعرفنا الخبر أو القضية بأنه (المرکب التام الذي يصح أن نصفه بالصدق أو الکذب).

وقولنا : المرکب التام هو (جنس قريب) يشمل نوعي التام : الخبر والانشاء وباقي التعريف (خاصة) يخرج بها الانشاء لان الوصف بالصدق أو الکذب من عوارض الخبر المختصة به کما فصلناه هناک. فهذا التعريف تعريف بالرسم التام.

ولأجل ان يکون التعريف دقيقا نزيد عليه کلمة (لذاته) فنقول : القضية هي المرکب التام الذي يصح أن نصفه بالصدق أو الکذب لذاته.

وکذا ينبغي زيادة کلمة (لذاته) في تعريف الانشاء. ولهذا القيد فائدة فانه قد يتوهم غافل فيظن ان التعريف الاول للخبر يشمل بعض الانشاءات فلايکون مانعا ويخرج هذا البعض من تعريف الانشاء فلا يکون جامعا.

__________________

(١) راجع شرح الشمسية : ص ٨٢ ، وشرح المنظومة : ص ٤٦ ، وتعليقة الأستاذ حسن زاده في المقام ، والجوهر النضيد : ص ٣٠ ، وأساس الاقتباس : ص ٦٤ ، والإشارات وشرحه : ص ١١٢ ، والنجاة : ص ١٢ ، والتحصيل : ص ٤٤.

١٥٢

وسبب هذا الظن ان بعض الانشاءات قد توصف بالصدق والکذب کما لو استفهم شخص عن شيء يعلمه أو سأل الغني سؤال الفقير او تمني انسان شيئا هو واجد له فان هؤلاء نرميهم بالکذب وفي عين الوقت نقول للمستفهم الجاهل والسائل الفقير والمتمني الفاقد اليائس (١) انهم صادقون. ومن المعلوم أن الاستفهام والطلب بالسؤال والتمني من أقسام الانشاء.

ولکنا اذا دققنا هذه الامثلة واشباهها يرتفع هذا الظن لاننا نجد أن الاستفهام الحقيقي لا يکون الا عن جهل والسؤال لا يکون الا عن حاجة والتمني لا يکون الا عن فقدان ويأس فهذه الانشاءات تدل بالدلالة الالتزامية على الاخبار عن الجهل أو الحاجة او اليأس فيکون الخبر المدلول عليه بالالتزام هو الموصوف بالصدق أو الکذب لا ذات الانشاء.

فالتعريف الاول للخبر في حد نفسه لا يشمل هذه الانشاءات ولکن لأجل التصريح بذلک دفعا للالتباس نضيف کلمة (لذاته) لان هذه الانشاءات المذکورة لئن اتصفت بالصدق أو الکذب فليس هذا الوصف لذاتها بل لأجل مداليلها الالتزامية.

أقسام القضية (٢)

القضية : حمليّة وشرطية :

١ ـ (الحملية) مثل : الحديد معدن الربا محرم الصدق ممدوح الکاذب ليس بمؤتمن البخيل لا يسود.

__________________

(١) قيده باليأس ، لأن الترجي أيضا طلب شئ مفقود مع إمكان وجدانه. وأما التمني فهو طلب شئ مفقود مع عدم إمكان وجدانه ، فالمتمني ليس إلا اليائس.

(٢) راجع شرح الشمسية : ص ٨٢ ، وشرح المنظومة : ص ٤٦ ، وشرح المطالع : ص ١١٠ ، الجوهر النضيد : ص ٣١ ، وأساس الاقتباس : ص ٦٨ ، والإشارات وشرحه : ص ١١٤ ، النجاة : ص ١٢ ، والتحصيل : ص ٤٤.

١٥٣

وبتدقيق هذه الامثلة نجد : أن کل قضية منها لها طرفان ونسبة بينهما ومعني هذه النسبة اتحاد الطرفين وثبوت الثاني للاول أو نفي الاتحاد والثبوت. وبالاختصار نقول : معناها ان (هذا ذاک) أو (هذا ليس ذاک) فيصح تعريف الحملية بأنها :

ما حکم فيها بثبوت شيء لشيء او نفية عنه.

٢ ـ (الشرطية) مثل : اذا أشرقت الشمس فالنهار موجود. وليس اذا کان الانسان نماما کان أمينا. ومثل : اللفظ إما ان يکون مفردا أو مرکبا. وليس الانسان اما ان يکون کاتبا او شاعرا.

وعند ملاحظة هذه القضايا نجد : ان کل قضية منها لها طرفان وهما قضيتان بالاصل. ففي المثال الاول لولا (اذا) و (فاء الجزاء) لکان قولنا (اشرقت الشمس) خبرا بنفسه وکذا (النهار موجود). وهکذا باقي الامثلة ولکن لما جمع المتکلم بين الخبرين ونسب احدهما الى الآخر جعلهما قضية واحدة وأخرجهما عما کانا عليه من کون کل منهما خبرا يصح السکوت عليه فانه لو (١) قال (اشرقت الشمس ...) وسکت فانه يعد مرکبا ناقصا کما تقدم في بحث المرکب.

وأما هذه النسبة بين الخبرين بالاصل فليست هي نسبة الثبوت والاتحاد کالحملية لان(٢) لا اتحاد بين القضايا بل هي اما نسبة الاتصال والتصاحب والتعليق أي تعليق الثاني على الاول أو نفي ذلک کالمثالين الاولين واما نسبة التعاند والانفصال والتباين أو نفي ذلک کالمثالين الأخيرين.

ومن جميع ما تقدم نستطيع أن نستنتج عدة أمور :

__________________

(١) كذا ، والمناسب : إذا.

(٢) الأولى : لأنه.

١٥٤

(الاول) : تعريف القضية الشرطية بأنها (ماحکم فيها بوجود نسبة بين قضية واخري او لا وجودها).

الشرطية : متصلة ومنفصلة (١)

(الثاني) : ان الشرطية تنقسم الى متصلة ومنفصلة لأن النسبة :

١ ـ ان کانت هي الاتصال بين القضيتين وتعليق احداهما على الاخري أو نفي ذلک کالمثالين الاولين فهي المسماة (بالمتصلة).

٢ ـ وان کانت هي الانفصال والعناد بينهما أو نفي ذلک کالمثالين الاخيرين فهي المسماة (بالمنفصلة).

الموجبة والسالبة

(الثالث) : ان القضية بجميع اقسامها سواء کانت حملية أو متصلة أو منفصلة تنقسم الي : موجبة وسالبة لأن الحکم فيها :

١ ـ ان کان بنسبة الحمل أو الاتصال او الانفصال فهي (موجبة).

٢ ـ وان کان بسلب الحمل او الاتصال او الانفصال فهي (سالبة).

وعلى هذا فليس من حق السالبة أن تسمي حملية او متصلة او منفصلة لأنها سلب الحمل او سلب الاتصال أو سلب الانفصال ولکن تشبيها لها بالموجبة سميت باسمها.

ويسمى الايجاب والسلب (کيف القضية) لانه يسأل بـ (کيف) الاستفهامية عن الثبوت وعدمه.

__________________

(١) راجع شرح الشمسية : ص ٨٤ ، وشرح المنظومة : ص ٤٦ ، وشرح المطالع : ص ١١١ ، الجوهر النضيد : ص ٣٣ ، وأساس الاقتباس : ص ٦٩ ، والإشارات وشرحه : ص ١١٥ ، والتحصيل : ص ٤٤.

١٥٥

أجزاء القضية (١)

قلنا : ان کل قضية لها طرفان ونسبة وعليه ففي کل قضية ثلاثة اجزاء ففي الحملية :

الطرف الاول : المحکوم عليه ويسمي (موضوعا).

الطرف الثاني : المحکوم به ويسمي (محمولا).

النسبة : والدال عليها يسمي (رابطة)

وفي الشرطية :

الطرف الاول : يسمي (مقدما).

والطرف الثاني : يسمي (تاليا).

والدال على النسبة : يسمي (رابطة).

وليس من حق أطراف المنفصلة أن تسمي مقدما وتاليا لانها غير متميزة بالطبع کالمتصلة فان لک أن تجعل أيا شئت منها مقدما وتاليا ولا يتفاوت المعني فيها ولکن انما سميت بذلک فعلي نحو العطف على المتصلة تبعا لها کما سميت السالبة باسم الموجبة الحملية او المتصلة أو المنفصلة.

__________________

(١) راجع الحاشية : ص ٥٦ ، وشرح الشمسية : ص ٨٦ ـ ١١٠ ، وشرح المطالع : ص ١١٣ ، والجوهر النضيد : ص ٣١ ، وأساس الاقتباس : ص ٦٥ ـ ٧٠.

١٥٦

أقسام القضية باعتبار الموضوع

الحملية : شخصيّة (١) وطبيعية ومهملة ومحصورة

المحصورة : کليّة وجزئية

نبتدئ بالتقسيم باعتبار الموضوع للحملية ثم نتبعه بتقسيم الشرطية فنقول :

تنقسم الحملية باعتبار الموضوع الى الاقسام الاربعة المذکورة في العنوان لأن الموضوع اما ان يکون جزئيا حقيقيا أو کليا :

أ ـ فإن کان جزئيا سميت القضية (شخصية) و (مخصوصة) مثل : محمد رسول الله. الشيخ المفيد مجدد القرن الرابع. بغداد عاصمة العراق أنت عالم. هو ليس بشاعر. هذا العصر لا يبشر بخير.

ب ـ وان کان کليا ففيه ثلاث حالات تسمي في کل حالة القضية المشتملة عليه باسم مخصوص فانه :

١ ـ اما أن يکون الحکم في القضية على نفس الموضوع الکلي بما هو کلي مع غض النظر عن أفراده على وجه لا يصح تقدير رجوع الحکم الى

__________________

(١) راجع شرح الشمسية : ص ٨٨ ، وشرح المنظومة : ص ٤٨ ، وتعليقة الأستاذ حسن زادة في المقام ، وشرح المطالع : ص ١١٩ ، والجوهر النضيد : ص ٤٥ ، وأساس الاقتباس : ص ٨٣ ، والإشارات وشرحه : ص ١١٧ ، والنجاة : ص ١٣ ، والتحصيل : ص ٤٨.

١٥٧

الافراد فالقضية تسمي (طبيعية) لان الحکم فيها على نفس الطبيعة من حيث هي کلية مثل : الانسان نوع. الناطق فصل. الحيوان جنس. الضاحک خاصة ... وهکذا فانک تري ان الحکم في هذه الامثلة لا يصح ارجاعه الى أفراد الموضوع لان الفرد ليس نوعا ولا فصلا ولا جنسا ولا خاصة.

٢ ـ واما أن يکون الحکم فيها على الکلي بملاحظة أفراده بان يکون الحکم في الحقيقة راجعا الى الافراد والکلي جعل عنوانا ومرآة لها إلا أنه لم يبين فيه کمية الافراد لا جميعها ولا بعضها فالقضية تسمي (مهملة) لاهمال بيان کمية افراد الموضوع مثل : الانسان في خسر. رئيس القوم خادمهم. ليس من العدل سرعة العذل. المؤمن لا يکذب ..

فانه ليس في هذه الامثلة دلالة على دن الحکم عام لجميع ما تحت الموضوع أو غير عام.

(تنبيه) قال الشيخ الرئيس في الاشارات بعد بيان المهملة : «فان کان ادخال الالف واللام يوجب تعميما وشرکة وادخال التنوين يوجب تخصيصا فلا مهملة في لغة العرب وليطلب ذلک في لغة أخري. وأما الحق في ذلک فلصناعة النحو ولا نخالطها (١) بغيرها ...»(٢). والحق وجود المهملة في لغة العرب اذا کانت اللام للحقيقة فيشار بها الى نفس الطبيعة من حيث وجودها في مصاديقها (٣) من دون دلالة على ارادة الجميع أو البعض. نعم اذا کانت للجنس فانها تفيد العموم. ويفهم ذلک من قرائن الاحوال. وهذا أمر يرجع فيه الى کتب النحو وعلوم البلاغة.

__________________

(١) في المصدر : تخالطها.

(٢) الإشارات : ج ١ ص ١١٧ ، الفصل الثالث من النهج الثالث.

(٣) وهي التي يشار بها وبمصوبها إلى الماهية ، وهي التي لا تخلفها «كل» نحو : وجعلنا من الماء كل شئ حي ، والرجل خير من المرأة ، والعلم أفضل من المال. ومنها اللام في الأمثلة التي ذكرها المصنف للقضية المهملة.

١٥٨

٣ ـ واما أن يکون الحکم فيها على الکلي بملا حظة أفراده کالسابقة ولکن کمية أفراده مبينة في القضية اما جميعا أو بعضا فالقضية تسمي (محصورة) وتسمي (مسوّرة) أيضا. وهي تنقسم بملاحظة کمية الافراد الي :

أ ـ (کلية) : اذا کان الحکم على جميع الافراد مثل : کل امام معصوم. کل ماء طاهر. کل ربا محرم. لاشيء من الجهل بنافع. مافي الدار ديار.

ب ـ و (جزئية) : اذا کان الحکم على بعض الافراد مثل : بعض الناس يکذبون. قليل من عبادي الشکور. وما أکثر الناس ولو حرصت بمؤمنين. ليس کل انسان عالما. رب أکلة منعت أکلات.

لا اعتبار الا بالمحصورات (١)

القضايا المعتبرة (٢) التي يبحث عنها المنطقي (٣) ويعتد بها هي المحصورات دون غيرها من باقي الاقسام. وهذا ما يحتاج الى البيان :

أما (الشخصية) فلان مسائل المنطق (٤) قوانين عامة (٥) فلا شأن لها في القضايا الشخصية التي لا عموم فيها.

وأما (الطبيعية) فهي بحکم الشخصية لان الحکم فيها ليس فيه تقنين قاعدة عامة (٦) وانما الحکم کما قلنا على نفس المفهوم بما هو من غير

__________________

(١) راجع الحاشية : ص ٥٨ ، وشرح الشمسية : ص ٩٠ ، وشرح المنظومة : ص ٤٩ ، وشرح المطالع : ص ١٢٣ ، والجوهر النضيد : ص ٤٧ ، والإشارات وشرحه : ص ١٢١.

(٢) في العلوم.

(٣) من جهة كون المنطق آلة للعلوم.

(٤) كان اللازم أن يقول : لأن مسائل العلوم ـ ومنها المنطق ـ قوانين موضوعاتها أمور كلية.

(٥) لاوجه لتخصيص ذلك بمسائل المنطق ، فإن مسائل كل علم قوانين عامة.

(٦) إذا كان الوجه في عدم اعتبار الطبيعية عدم كون الحكم فيها تقنين قاعدة عامة ، لزم أن تكون المحصورة الجزئية أيضا كذلك ، فما الوجه في جعل الجزئية من القضايا المعتبرة ، حيث قال : في السطر ... القضايا المعتبرة هي المحصورات خاصة سواء كانت كلية أو جزئية.

١٥٩

أن يکون له مساس بأفراده. وهو بهذا الاعتبار کالمعني الشخصي لا عموم فيه فان الانسان في مثال (الانسان نوع) لا عموم فيه. لأن کلا من أفراده ليس بنوع.

وأما (المهملة) فهي في قوة الجزئية (١)(٢) وذلک لان الحکم فيها يجوز أن يرجع الى جميع الافراد ويجوز أن يرجع الى بعضها دون البعض الآخر کما تقول : (رئيس القوم خادمهم) فانه اذا لم يبين في هذه القضية کمية الافراد فانک تحتمل ان کل رئيس قوم يجب أن يکون کخادم لقومه. وربما کان هذا الحکم من القائل غير عام لکل من يصدق عليه رئيس قوم فقد يکون رئيس مستغنيا عن قومه اذ لا تکون قوته مستمدة منهم. وعلى کلا التقديرين يصدق (بعض الرؤساء لقومهم کخدم لهم) لان الحکم اذا کان في الواقع للکل فان البعض له هذا الحکم قطعا أما البعض الآخر فهو مسکوت عنه. واذا کان في الواقع للبعض فقد حکم على البعض.

اذن الجزئية صادقة على کلا التقديرين قطعا. ولا نعني بالجزئية الا ما حکم فيها على بعض الافراد من دون نظر الى البعض الباقي بنفي ولا اثبات. فانک اذا قلت (بعض الانسان حيوان) فهي صادقة لانها سالکتة عن البعض الآخر فلا تدليل(٣) على أن الحکم لا يعمه. ولا شک ان بعض الانسان حيوان وان کان البعض الباقي في الواقع أيضا حيوانا ولکنه مسکوت عنه في القضية.

واذا کانت القضايا المعتبرة هي المحصورات خاصة سواء کانت کلية

__________________

(١) إن قلت : إذا كانت المهملة في قوة الجزئية والجزئية من المحصورات وهي معتبرة ، لزم اعتبار المهملة أيضا. قلت : المهملة بما هي مهملة غير مبين فيها كمية أفراد الموضوع غير معتبرة ، لإهمالها ، ولكن بعد ملاحظة العقل أن المتيقن منها هي الجزئية ، تصير معتبرة بحكم العقل.

(٢) أي لا حكم لها برأسها ، بل هي داخلة في المحصورة الجزئية حيث إنها في قوتها.

(٣) في بعض النسخ المطبوعة : فلا تدليل.

١٦٠