المنطق

الشيخ محمّد رضا المظفّر

المنطق

المؤلف:

الشيخ محمّد رضا المظفّر


المحقق: الشيخ رحمة الله رحمتي الأراكي
الموضوع : الفلسفة والمنطق
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٤

المفهوم. ويرجع الحمل حينئذ الى کون الموضوع من أفراد مفهوم المحمول ومصاديقه (١). مثل قولنا : (الانسان حيوان) فان مفهوم انسان غير مفهوم حيوان ولکن کل ما صدق عليه الانسان صدق عليه الحيوان. وهذا النوع من الحمل يسمي (الحمل الشايع الصناعي) أو (الحمل المتعارف) لانه هو الشايع في الاستعمال المتعارف في صناعة العلوم.

واذا اتضح هذا البيان يظهر الجواب عن السؤال الثاني أيضا لان المقصود من المحمول في باب الکليات هوالمحمول بالحمل الشايع الصناعي. وحمل الحد التام من الحمل الذاتي الاولي.

٣ ـ الحمل : مواطاه واشتقاق

اذا قلنا : الانسان ضاحک فمثل هذا الحمل يسمي (حمل مواطاة) أو (حمل هوهو) ومعناه ان ذات الموضوع نفس المحمول. واذا شئت فقل معناه. هذا ذاک. والمواطاة معناها الاتفاق. وجميع الکليات الخمسة يحمل بعضها على بعض وعلى أفرادها بهذا الحمل.

وعندهم نوع آخر من الحمل يسمي (حمل اشتقاق) او حمل (ذو هو) کحمل الضحک على الانسان فانه لا يصح أن تقول الانسان ضحک بل ضاحک أو ذو ضحک. وسمي حمل اشتقاق وذو هو لان هذا المحمول بدون أن يشتق منه اسم كالضاحك أو يضاف اليه (ذو) لا يصح حمله على موضوعه ، فيقال للمشتق كالضاحك محمولا بالمواطاة ،

________________

(١) لا يخفى عليك : أن مفاد الحمل الشائع هو كون الموضوع هو المحمول مصداقا ، فتارة يكون الموضوع من مصاديق المحمول كقولنا : «زيد إنسان» واخرى يكون المحمول من مصاديق الموضوع كقولنا : «الإنسان زيد» وثالثة يكونان ذوي مصداق واحد كقولنا : «الإنسان ناطق» «الناطق إنسان».

١٠١

وللمشتق منه كالضاحك محمولا (١) بالاشتقاق.

والمقصود بيانه ان المحمول بالاشتقاق كالضحك والمشي والحس لا يدخل (٢) في اقسام الكليات الخمسة ، فلا يصح أن يقال : الضحك خاصة للانسان ، ولا اللون خاصة للجسم ، ولا الحس فصل للحيوان ، بل الضاحك والملون هو الخاصة ، والحساس هو الفصل ... وهكذا. واذا وقع في كلمات القوم شيء من هذا القبيل فمن التساهل في التعبير الذي قد يشوش افكار المبتدئين ، اذ ترى بعضهم يعبر بالضحك ويريد منه الضاحك. وبهذا يظهر الجواب عن السؤال الثالث.

نعم (اللون) بالقياس الى البياض كلي وهو جنس له ، لانك تحمله عليه حمل مواطاة ، فتقول : البياض لون. اما اللون والبياض بالقياس الى الجسم فليسا من الكليات المحمولة عليه.

العروض مناه الحمل

٦ ـ ثم لا يشتبه عليک الامر فتقول : انکم قلتم الکلي الخارج ان عرض على موضوعه فقط فهو الخاصة والا فالعرض العام. والضحک لاشک يعرض على الانسان ومختص به. فاذن يجب أن يکون خاصة.

فانا نرفع هذا الاشتباه ببيان العروض المقصود به في الباب فان المراد منه هو الحمل حملا عرضيا لا ذاتيا. وعليه فالضحک لا يعرض على الانسان بهذا المعني. واذا قيل يعرض على الانسان فبمعني آخر للعروض وهو الوجود فيه.

وعندهم تعبير آخر يسبب الاشتباه وهو قولهم الکلي الخارج

________________

(١) لا يخفى أنه لا وجه لنصب «محمولا» في شئ من الموضوعين ، بل لابد من رفعه على أنها نائبة عن فاعل يقال.

(٢) لا يخفى عليك : أنه لا يدخل بما هو محمول بالاشتقاق ، وإلا فالمشي والحس محمولان بالمواطاة على أفرادهما ، فكل منهما نوع أو جنس لهما.

١٠٢

عرض خاص وعرض عام فيطلقون العرض على الکلي الخارج ثم يقولون لمثل الضحک انه عرض. والمقصود بالعرض في التعبير الاول هو العرضي مقابل الذاتي والمقصود بالعرض في الثاني هو الموجود في الموضوع مقابل الجوهر الموجود لا في موضوع.

ومثل اللون يسمي عرضا بالمعني الثاني لانه موجود في موضوع ولکن لا يصح أن يسمي عرضا بالمعني الاول أبدا لانه بالقياس الى الجسم لايحمل عليه حمل مواطاة وبالقياس الى ما تحته من الانواع کالسواد والبياض هو جنس لها کما تقدم فهو حينئذ ذاتي لا عرضي.

تقسيمات العرضي

العرضي : لازم ومفارق (١)

١ ـ (اللازم) ما يمتنع انفکاکه عقلا عن موضوعه کوصف (الفرد) للثلاثة و (الزوج) للاربعة و (الحارة) للنار ...

٢ ـ (المفارق) : ما (لا) يمتنع انفکاکه عقلا عن موضوعه کأوصاف الانسان المشتقة من افعاله واحواله مثل قائم وقاعد ونائم وصحيح وسقيم وما الى ذلک وان کان لا ينفک أبدا : فانک تري ان وصف العين (بالزرقاء) لا ينفک عن وجود العين ولکنه مع ذلک يعد عرضيا مفارقا لانه لو امکنت حيلة لازالة الزرقة لما امتنع ذلک وتبقي العين عينا. وهذا لا يشبه اللازم فلو قدرت حيلة لسلخ وصف الفرد عن الثلاثة لما أمکن ان تبقي الثلاثة ثلاثة ولو قدر سلخ وصف الحرارة عن النار لبطل وجود النار. وهذا معني امتناع الانفکا ک عقلا.

اللازم : بيّن وغير بيّن (٢)

________________

(١) راجع الحاشية : ص ٤٧ ، وشرح الشمسية : ص ٥٦ ، والتحصيل : ص ١٢.

(٢) راجع الحاشية : ص ٤٧ ، وشرح الشمسية : ص ٥٦ ، وشرح المطالع : ص ٧٠ ، والجوهر النضيد : ص ١١ ، والإشارات وشرحه : ص ٥٠.

١٠٣

البيّن : بيّن (١) بالمعني الاخص وبيّن (٢) بالمعني الاعم.

١ ـ (البين بالمعني الاخص) : ما يلزم من تصور ملزومه تصوره بلا حاجة الى توسط شيء آخر.

٢ ـ (البين بالمعني الاعم) : ما يلزم من تصوره وتصور الملزوم وتصور النسبة بينهما الجزم بالملازمة. مثل : الاثنان (٣) نصف الاربعة أو ربع الثمانية فانک اذا تصورت الاثنين قد تغفل عن انها نصف الاربعة اوربع الثمانية ولکن اذا تصورت ايضا الثمانية مثلا وتصورت النسبة بينهما تجزم انها ربعها. وکذا اذا تصورت الاربعة والنسبة بينهما تجزم انها نصفها ... وهکذا في نسبة الاعداد بعضها الى بعض. ومن هذا الباب لزوم وجوب المقدمة لوجوب ذي المقدمة فانک اذا تصورت وجوب الصلاة وتصورت الوضوء وتصورت النسبة بينه وبين الصلاة وهي توقف الصلاة الواجبة عليه حکمت بالملازمة بين وجوب الصلاة ووجوبه.

وانما کان هذا القسم من البين أعم لانه لا يفرق فيه بين أن يکون تصور الملزوم کافيا في تصور اللازم وانتقال الذهن اليه وبين الا يکون کافيا بل لا بد من تصور اللازم وتصور النسبة للحکم بالملازمة. وانما

________________

(١) يظهر منه (قدس سره) أن البين ينقسم إلى قسمين ، وهو يستلزم كون النسبة بين القسمين هو التباين ، وسيأتي ص ١٣١ الشرط في كل تقسيم ، وليس هنا كذلك. والذي عليه المصنف ـ قد صرح به المولى عبد الله (قدس سره) في الحاشية والخبيصي في شرحه وكذا في الشمسية وشرحها ـ أن البين يطلق بالاشتراك اللفظي على معنيين ، ويقابله في كل من معنييه غير البين. وعليه يكون تقسيم اللازم إلى البين وغير البين تقسيمين في الحقيقة. ولا يبقى معه محل لإشكال أعمية أحد القسمين من الآخر.

(٢) راجع الحاشية : ص ٤٧ ، وشرح الشمسية : ص ٥٦ ، وشرح المطالع : ص ٧٢.

(٣) لا يخفى عليك : أن اللازم للاثنين ليس هو الثمانية بل هو كونه ربع الثمانية ، فكان عليه أن يقول : وتصورت ربع الثمانية ، وهكذا في الأربعة.

١٠٤

يکون تصور الملزوم کافيا في تصور اللازم عندما يألف الذهن الملازمة بين الشيئين على وجه يتداعي عنده المتلازمان فاذا وجد أحدهما في الذهن وجد الآخر تبعاله فتکون الملازمة حينئذ ذهنية.

٣ ـ (غير البيّن) وهو ما يقابل البين مطلقا بأن يکون التصديق والجزم بالملازمة لا يکفي فيه تصور الطرفين والنسبة بينهما. بل يحتاج اثبات الملازمة الى اقامة الدليل عليه. مثل الحکم بان المثلث زواياه تساوي قائمتين فان الجزم بهذه الملازمة يتوقف على البرهان الهندسي ولا يکفي تصور زوايا المثلث وتصور القائمتين وتصور النسبة للحکم بالتساوي.

والخلاصة : معني البين مطلقا ما کان لزومه بديهيا ، وغير البين ما کان لزومه نظريا(١).

المفارق : دائم وسريع الزوال وبطيئه

(الدائم) : کوصف الشمس بالمتحرکة ، ووصف العين بالزرقاء. (سريع الزوال) : کحمرة الخجل وصفرة الخوف. (بطيء الزوال) : کالشباب للانسان.

الکلي المنطقي والطبيعي والعقلي (٢)

اذا قيل : (الانسان کلي) مثلا فهنا ثلاثة أشياء : ذات الانسان بما هو انسان ومفهوم الکلي بما هو کلي مع عدم الالتفات الى کونه انسانا أو غير انسان والانسان بوصف کونه کليا. أو فقل الاشياء الثلاثة هي : ذات

________________

(١) لا يخفى ما فيه ، فإن البين بالمعنى الأعم هو ما يكون بديهيا أوليا ... والبديهيات لا تنحصر في الأوليات ، فإذا لم يكن اللازم بينا فلا يجب أن يكون نظريا ، بل يمكن أن يكون بديهيا غير أولي.

(٢) راجع الحاشية : ص ٤٨ ، وشرح الشمسية : ص ٦١ ، وشرح المنظومة : ص ٢٠ ، وشرح المطالع : ص ٥٦ ، ونهاية الحكمة : ص ٧٤ ، وتعليقة الأستاذ المصباح في المقام ، وبداية الحكمة : ص ٥٧ ، وكشف المراد : ص ٨٦.

١٠٥

الموصوف مجردا ومفهوم الوصف مجردا والمجموع من الموصوف والوصف.

١ ـ فان لا حظ العقل (والعقل قادر على هذه التصرفات) نفس ذات الموصوف بالکلي مع قطع النظر عن الوصف بأن يعتبر الانسان مثلا بما هو انسان من غير التفات الى انه کلي أو غير کلي وذلک عندما يحکم عليه بأنه حيوان ناطق ـ فانه أي ذات الموصوف بماهو عند هذه الملاحظة يسمي (الکلي الطبيعي). ويقصد به طبيعة الشيء بما هي.

والكلي الطبيعي موجود في الخارج بوجود افراده(١).

٢ ـ وان لا حظ العقل مفهوم الوصف بالکلي وحده وهو أن يلاحظ مفهوم (ما لا يمتنع فرض صدقه على کثيرين) مجردا عن کل مادة مثل انسان وحيوان وحجر وغيرها فانه أي مفهوم الکلي بما هو عند هذه الملاحظة يسمي (الکلي المنطقي).

والکلي المنطقي لا وجود له الا في العقل لا نه مما ينتزعه ويفرضه العقل فهو من المعاني الذهنية الخالصة التي لا موطن لها خارج الذهن.

٣ ـ وان لا حظ العقل المجموع من الوصف والموصوف بأن لا يلاحظ ذات الموصوف وحده مجردا بل بما هو موصوف بوصف الکلية کما يلاحظ الانسان بما هو کلي لا يمتنع صدقه على الکثير فانه أي الموصوف بما هو موصوف بالکلي يسمي (الکلي العقلي) لا نه لا وجود له الا في العقل لا تصافه بوصف عقلي فان کل موجود في الخارج لا بد أن يکون جزئيا حقيقيا (٢).

________________

(١) راجع الحاشية : ص ٤٩ ، وشرح الشمسية : ص ٦٢ ، وشرح المنظومة : ص ٢٢ ، وشرح المطالع : ص ٥٨ ، ونهاية الحكمة : ص ٧٤ ، وبداية الحكمة : ص ٥٨ ، وكشف المراد : ص ٨٧.

(٢) لا يخفى عليك ما في هذا التعليل ، فإن كل موجود في الخارج شخص وليس بجزئي حقيقي فإن الجزئي كالكلي من المقولات الثانية المنطقية إنما يعرض المفهوم. فإن المقسم

١٠٦

ونشبه هذه الاعتبارات الثلاث لا جل توضيحها بما اذا قيل : (السطح فوق) فاذا لا حظت (ذات السطح) بما يشتمل عليه من آجر وخشب ونحوهما وقصرت النظر على ذلک غير ملتفت الى انه فوق أو تحت فهو شبيه بالکلي الطبيعي. واذا لا حظت مفهوم (الفوق) وحده مجردا عن شيء هو فوق فهو شبيه بالکلي المنطقي. واذا لا حظت ذات السطح بوصف انه فوق. فهو شبيه بالکلي العقلي.

واعلم ان جميع الکليات الخمسة واقسامها بل الجزئي أيضا تصح فيها هذه الاعتبارات الثلاثة فيقال على قياس ما تقدم : نوع طبيعي ومنطقي وعقلي وجنس طبيعي ومنطقي وعقلي ... الى آخرها.

فالنوع الطبيعي مثل انسان بما هو انسان والنوع المنطقي هو مفهوم «تمام الحقيقة المشترکة بين الجزئيات المتکثرة بالعدد في جواب ما هو» والنوع العقلي هو مفهوم الانسان بما هو تمام الحقيقة المشترکة بين الجزئيات المتکثرة بالعدد ... وهکذا يقال في باقي الکليات وفي الجزئي أيضا.

تمرينات

(١) اذا قيل : التمر لذيذ الطعم مغذ من السکريات ومن أقسام مأکول الانسان بل مطلق المأکول وهو جسم جامد فيدخل في مطلق الجسم بل الجوهر فالمطلوب ان ترتب سلسلة الاجناس في هذه الکليات متصاعدا وسلسلة الانواع متنازلا. بعد التمييز بين الذاتي والعرضي. واذکر بعد ذلک اقسام الانواع الاضافية من هذه الکليات واقسام العرضيات منها.

(٢) واذا قيل : الخمر جسم مايع مسکر محرم شرعا سالب للعقل مضر

________________

والمعروض للكلي والجزئي هو المفهوم ، ولو صح ما ذكره لزم كون الجزئي العقلي موجودا في الخارج ولا يلتزم به أحد.

١٠٧

بالصحة مهدم للقوي فالمطلوب أن تميز الذاتي من العرضي في هذه الکليات واستخراج سلسلة الکليات متصاعدة أو متنازلة.

(٣) واذا قيل : الحديد جسم صلب من المعادن التي تتمدد بالطرق والتي تصنع منها الآلات وتصدأ بالماء فالمطلوب تأليف سلسلة الکليات متصاعدة أو متنازلة مع حذف ما ليس من السلسلة.

(٤) اذا قسمنا الاسم الى مرفوع ومنصوب ومجرور فهذا من باب تقسيم الجنس الى أنواعه أو تقسم النوع الى أصنافه؟ اذکر ذلک مع بيان السبب.

١٠٨

الباب الثالث

المُعرّف وتلحق به القِسمة

١٠٩

المقدمه :

في مطلب ما واي وهل ولم (١)

اذا اعترضتک لفظة من أية لغة کانت فهنا خمس مراحل متوالية لا بد لک من اجتيازها لتحصيل المعرفة في بعضها يطلب العلم التصوري وفي بعضها الآخر العلم التصديقي.

(المرحلة الاولي) (٢) تطلب فيها تصور معني اللفظ تصورا اجماليا فتسأل عنه سؤالا لغويا صرفا اذا لم تکن تدري لاي معني من المعاني قد وضع. والجواب يقع بلفظ آخر (٣) يدل على ذلک المعني کما اذا سألت عن معني لفظ (غضنفر) فيجاب : اسد. وعن معني (سميدع) (٤) فيجاب :

________________

(١) راجع شرح المنظومة : ص ٣٣ ، واللمعات (منطق نوين) : ص ٣٤ ، والجوهر النضيد : ص ١٦٥ ، والإشارات وشرحه : ص ٣٠٩ ، والنجاة : ص ٦٧ ، والتحصيل : ص ١٩٥.

(٢) لا يخفى : أن هذه المرحلة وإن كانت مفيدة ، وربما يستعان بها لتسهيل المعرفة. ولكنه لا ضرورة في اجتيازها ، بل يمكن الشروع من المرحلة الثانية ، بل لا سبيل إليها فيما ليس له لفظ مرادف معروف عند السائل.

(٣) مرادف أو غير مرادف.

(٤) وفي أقرب الموارد : السميذع : السيد الكريم الشريف السخي الموطأ الأكناف ، والشجاع ، والذئب ، والرجل الخفيف في حوائجه ، والسيف. ج : السماذع. ولا يقال : السميدع بالدال المهملة ، ولا تضم السين. انتهى. وضبطه في القاموس كذلك أيضا. ولكن ذكر محشو القاموس : أن ضبط الكلمة في نسخة المؤلف بالدال المهملة ، وأنه هو ظاهر كلام

١١٠

سيد ... وهکذا. ويسمي مثل هذا الجواب (التعريف اللفظي) (١). وقواميس اللغات هي المتعهدة بالتعاريف اللفظية.

واذا تصورت معني اللفظ اجمالا فزعت نفسک الي :

(المرحلة الثانية) اذ تطلب تصور ماهية المعني أي تطلب تفصيل ما دل عليه الاسم اجمالا. لتمييزه عن غيره في الذهن تمييزا تاما (٢) فتسأل عنه بکلمة (ما) فتقول : (..... ما هو؟)

وهذه (ما) تسمي (الشارحة) لأنها يسأل بها عن شرح معني اللفظ. والجواب عنه يسمي (شرح الاسم) وبتعبير آخر (التعريف الاسمي). والاصل في الجواب أن يقع بجنس المعني وفصله القريبين معا ويسمي (الحد التام الاسمي). ويصح ان يجاب بالفصل وحده او بالخاصة وحدها أو باحدهما منضما الى الجنس البعيد أو بالخاصة منضمة الى الجنس القريب. وتسمي هذه الاجوبة تارة بالحد الناقص وأخري بالرسم الناقص أو التام ولکنها توصف جميعا بالاسمي. وسيأتيک تفصيل هذه الاصطلاحات.

ولو فرض ان المسؤول اجاب خطأ بالجنس القريب وحده کما لو قول (شجرة) في جواب (ما النخلة) فان السائل لا يقنع بهذا الجواب وتتوجه نفسه الى السؤال عن مميزاتها عن غيرها فيقول : (أية شجرة هي في ذاتها) أو (أية شجرة هي في خاصتها) فيقع الجواب عن الاول بالفصل وحده فيقول : (مثمرة التمر) وعن الثاني بالخاصة فيقول : (ذات السعف) مثلا.

وهذا هو موقع السؤال بکلمة (أي). وجوابها الفصل أو الخاصة.

________________

الجوهري وابن سيدة والصاغاني ، بل صرح بعضهم بأن إعجام ذاله خطأ. وورد في المنجد أيضا بالمهملة.

(١) وشرح الاسم ، فإن هذا المصطلح مشترك بين التعريف اللفظي وبين التعريف الحقيقي قبل العلم بالوجود.

(٢) أي : جامعا ومانعا.

١١١

واذا حصل لک العلم لشرح المعني تفزع نفسک الي :

(المرحلة الثالثة) : وهي طلب التصديق بوجود الشيء فتسأل عنه بـ (هل) وتسمي (هل البسيطة) فتقول : هل وجد کذا أو هل هو موجود.

(ما) الحقيقية :

تنبيه ـ ان هاتين المرحلتين الثانية والثالثة يتعاقبان في التقدم والتأخر فقد تتقدم لثانية على حسب ما رتبناهما وهو الترتيب الذي يقتضيه الطبع وقد تتقدم الثالثة ذلک عندما يکون السائل من أول الامر عالما بوجود الشيء المسئول عنه او أنه على خلاف الطبع قدم السؤال عن وجوده فأجيب.

وحينئذ اذا کان عالما بوجود الشيء قبل العلم بتفصيل ما اجمله اللفظ الدال عليه ثم سأل عنه بـ (ما) فان ما هذه تسمي (الحقيقية). والجواب عنها نفس الجواب عن (ما الشارحة) بلا فرق بينهما الا من جهة تقدم الشارحة على العلم بوجوده وتأخر الحقيقية عنه.

وانما سميت حقيقية لان السؤال بهاعن الحقيقة الثابتة والحقيقة باصطلاح المناطقة هي الماهية الموجودة والجواب عنها يسمي (تعريفا حقيقيا) وهو نفسه الذي کان يسمي (تعريفا اسميا) قيل العلم بالوجود ولذا قالوا :

«الحدود (١) قبل الهليات البسيطة حدود اسمية وهي باعيانها بعد الهليات تنقلب حدوداً حقيقة».

________________

(١) لا يخفى عليك بعد الالتفات إلى أن الجواب عن ما الشارحة والحقيقية قد يكون بالرسم كما قد يكون بالحد وأن كليهما يسمى بالتعريف الاسمي في الأول وبالتعريف الحقيقي في الثاني : أن الحد هنا بمعنى مطلق المعرف حدا كان أم رسما.

١١٢

واذا حصلت لک هذه المراحل انتقلت بالطبع الي :

(المرحلة الرابعة) : وهي طلب التصديق بثبوت صفة او حال للشيء ويسأل عنه بـ (هل) أيضا ولکن تسمي هذه (هل المرکبة) لانه يسأل بها عن ثبوت شيء لشيء بعد فرض وجوده والبسيطة يسأل بها عن ثبوت الشيء فقط فيقال للسؤال بالبسيطة مثلا : هل الله موجود. وللسؤال بالمرکبة بعد ذلک : هل الله الموجود مريد.

فاذا اجابک المسؤول عن هل البسيطة (١) أو المرکبة تنزع نفسک الي : (المرحلة الخامسة) : وهي طلب العلة : اما علة الحکم فقط أي البرهان على ما حکم به المسؤول في الجواب عن هل (٢) او علة الحکم وعلة الوجود معا (٣) لتعرف السبب في حصول ذلک الشيء واقعا. ويسأل لاجل کل من الغرضين بکلمة (لم) الاستقهامية فتقول لطلب علة الحکم مثلا : (لم کان الله مريدا). وتقول مثلا لطلب علة الحکم وعلة الوجود معا : (لم کان المغناطيس جاذبا للحديد؟) کما لو کنت قد سألت : عل المغناطيس جاذب للحديد؟ فأجاب المسؤول بنعم فان حقک ان تسأل ثانيا عن العلة فتقول (لم).

تلخيص وتعقيب

ظهر مما تقدم أن :

(ما) لطلب تصور ماهية الشيء. وتنقسم الى الشارحة والحقيقية ،

________________

(١) يفهم منه : أن مطلب «لم» لا يختص بالهلية المركبة بل يعمها والهلية المركبة.

(٢) البسيطة أو المركبة كما استفيد من قوله قبل سطرين : فإذا أجابك المسؤول عن هل البسيطة أو المركبة.

(٣) إن قلت : لم لم يذكر قسما ثالثا وهو طلب علة الوجود فقط؟ قلت : لأن كل ما هو علة للوجود فهو علة للحكم ، ولا عكس ، فطلب علة الوجود طلب لعلة الحكم أيضا. وهذا بخلاف علة الحكم ، فإنها قد تنفك عن علة الوجود.

١١٣

ويشتق منها مصدر صناعي فيقال : (مائية). ومعناه الجواب عن ما. کما ان (ماهية) مصدر صناعي من (ما هو).

و (أي) لطلب تمييز الشيء عما يشارکه في الجنس تمييزا ذاتيا أو عرضيا بعد العلم بجنسه.

و (هل) تنقسم الى «بسيطة» ويطلب بها التصديق بوجود الشيء أو عدمه و «مرکبة» ويطلب بها التصديق بثبوت شيء لشيء أو عدمه ويشتق منها مصدر صناعي فيقال : (الهلية) البسيطة او المرکبة.

و (لم) يطلب بها تارة علة التصديق فقط وأخري علة التصديق والوجود معا. ويشتق منها مصدر صناعي فيقال (لميّة) بتشديد الميم والياء. مثل (کمية) من (کم) الاستفهامية. فمعني لميّة الشيء. عليّته

فروع المطالب

ما تقدم هي أصول المطالب (١) التي يسأل عنها بتلک الادوات وهي المطالب الکلية التي يبحث عنها في جميع العلوم. وهناک مطالب أخري يسأل عنها بکيف واين ومتي وکم ومن. وهي مطالب جزئية أي انها ليست من أمهات المسائل بالقياس الى المطالب الاولي لعدم عموم فائدتها فان ما لا کيفية له مثلا لا يسأل عنه بکيف وما لا مکان له أو زمان لا يسأل عنه بأين ومتي. على انه يجوز ان يستغني عنها غالبا بمطلب هل المرکبة فبدلا عن ان تقول مثلا : (کيف لو ورق الکتاب؟ واين هو؟ ومتي طبع؟ ..) تقول : (هل ورق الکتاب البيض؟ وهل هو في المکتبة؟ وهل طبع هذا العام؟ ..) وهکذا. ولذا وصفوا هذه المطالب بالفروع وتلک بالاصول.

________________

(١) جمع مطلب ، مصدر ميمي من الطلب ، كالمسائل من السؤال.

١١٤

التعريف

تمهيد (١) :

کثيراً ما تقع المنازعات في المسائل العلمية وغيرها حتي السياسية لاجل الاجمال في مفاهيم الالفاظ التي يستعملونها فيضطرب حبل التفاهم لعدم اتفاق المتنازعين (٢) على حدود معني اللفظ فيذهب کل فرد منهم الى ما يختلج في خاطره من المعني. وقد لا تکون لأحدهم صورة واضحة للمعني مرسومة بالضبط في لوحة ذهنه فيقنع لتساهله أو لقصور مدارکه بالصورة المطموسة المضطربة ويبني عليها منطقه المزيف.

وقد يتبع الجدليون والساسة عن عمد وحيلة ألفاظاً خلابة غير محدودة المعني بحدود واضحة يستغلون جمالها وابهامها للتأثير على الجمهور وليترکوا کل واحد يفکر فيها بما شاءت له خواطره الخاطئة أو الصحيحة فيبقي معني الکلمة بين أفکار الناس کالبحر المضطرب. ولهذا تأثير سحري عجيب في الافکار.

ومن هذه الالفاظ کلمة (الحرية) التي أخذت مفعولها من الثورة الفرنسية واحداث (٣) الانقلابات الجبارة في الدولة العثمانية والفارسية والتأثير کله لاجمالها وجمالها السطحي الفاتن والا فلا يستطيع العلم أن يحدها بحد معقول يتفق عليه

ومثلها کلمة (الوطن) الخلابة التي استغلها ساسة الغرب لتمزيق بعض الدول الکبري کالدولة العثمانية. وربما يتعذر على الباحث أن يعرف أثنين کانا يتفقان على معني واحد واضح کل الاتفاق يوم ظهور هذه الکلمة

________________

(١) لعل الأولى التعبير ب‍ «الحاجة إلى التعريف» بدل قوله : تمهيد.

(٢) بصيغة الجمع بشهادة ضمير الجمع في قوله : «كل فرد منهم». والجمع عند المناطقة يطلق على الاثنين وما فوقه.

(٣) في بعض النسخ : أحدثت.

١١٥

في قاموس النهضة الحديثة : فما هي مميزات الوطن؟ أهي اللغة أم لهجتها ام اللباس ام مساحة الارض ام اسم القطر والبلد؟ بل کل هذا غير مفهوم حتي الآن على وجه تتفق عليه جميع الناس والامم. ومع ذلک نجد کل واحد منا في البلاد العربية يدافع عن وطنه فلماذا لاتکون البلاد العربية أو البلاد الاسلامية کلها وطناً واحداً؟

فمن الواجب على من أراد الاشتغال بالحقائق لئلا يرتطم هو والمشتغل معه في المشاکل أن يفرغ مفردات مقاصده في قالب سهل من التحديد والشرح فيحفظ ما يدور في خلده من المعني في آنية من الالفاظ وافية به لا تفيض عليها جوانبها لينقله الى ذهن السامع أو القاريء کما کان مخزوناً في ذهنه بالضبط. وعلى هذا الاساس المتين يبني التفکير السليم.

ولأجل أن يتغلب الانسان على قلمه ولسانه وتفکيره لا بد له من معرفة اقسام التعريف وشروطه وأصوله وقواعده ليستطيع أن يحتفظ في ذهنه بالصور الواضحة للاشياء اولاً وان ينقلها الى أفکاره غير صحيحة ثانياً ... فهذه حاجتنا لمباحث التعريف.

اقسام التعريف

التعريف حد ورسم (١)

الحد والرسمتام وناقص (٢).

________________

(١) راجع الحاشية : ص ٥٠ ، وشرح الشمسية : ص ٧٨ ، وشرح المنظومة : ص ٣٠ ، وشرح المطالع : ص ١٠٠ ، والجوهر النضيد ، ص ١٩٤ ـ ١٨٨ ـ ١٦٤ ، والإشارات وشرحه : ص ٩٥.

(٢) راجع الحاشية : ص ٥٠ ، وشرح الشمسية : ص ٧٩ ، وشرح المنظومة : ص ٣١ ، وشرح المطالع : ص ١٠٢ ـ ١٠٠ ، والجوهر النضيد ، ص ١٩٤ ـ ١٨٨ ـ ١٦٤ ، والإشارات وشرحه : ص ٩٥.

١١٦

سبق ان ذکرنا (التعريف اللفظي). ولا يهمنا البحث عنه في هذا العلم لانه لا ينفع الا لمعرفة وضع اللفظ لمعناه فلا يستحق اسم التعريف الا من باب المجاز والتوسع. وانما غرض المنطقي من (التعريف) هو المعلوم التصوري الموصل الى مجهول تصوري الواقع جواباً عن (ما) الشارحة أو الحقيقية. ويقسم الى حد ورسم وکل منهما الى تام وناقص.

١ ـ الحد التام

وهو التعريف بجميع ذاتيات المعرّف (بالفتح) ويقع بالجنس والفصل القريبين لاشتمالهما على جميع ذاتيات المعرف فاذا قيل : ما الانسان؟

فيجوز أن تجيب أولاً بأنه : (حيوان ناطق). وهذا حد تام فيه تفصيل ما أجمله اسم الانسان ويشتمل على جميع ذاتياته لأن مفهوم الحيوان ينطوي فيه الجوهر والجسم النامي والحساس المتحرک بالارادة. وکل هذه اجزاء (١) وذاتيات للانسان.

ويجوز أن تجيب ثانياً بأنه : (جسم نام حساس متحرک بالارادة ناطق). وهذا حد تام أيضاً للانسان عين الاول في المفهوم الا انه أکثر تفصيلاً لانک وضعت مکان کلمة (حيوان) حده التام. وهذا تطويل وفضول لا حاجة اليه الا اذا کانت ماهية الحيوان مجهولة للسائل فيجب.

ويجوز أن تجيب ثالثاً بأنه : (جوهر قابل للابعاد الثلاثة نام حساس متحرک بالارادة ناطق) فتضع مکان کلمة (جسم) حده التام فضولاً الا اذا کانت ماهية الحيوان مجهولة للسائل فيجب.

وهکذا اذا کان الجوهر مجهولاً تضع مکان حده التام ان وجد (٢) حتي ينتهي الامر الى المفاهيم البديهية الغنية عن التعريف

________________

(١) أي : أجزاء لمفهومه وماهيته.

(٢) قيد بذلك ، لأن المشهور أن الجوهر جنس عال ، وعليه فلا جنس له ولا فصل ، فلا حد له.

١١٧

کمفهوم الموجود والشيء ... وقد ظهر من هذا البيان :

أولاً ان الجنس والفصل القريبين تنطوي فيهما جميع ذاتيات المعرف لا يشذ منها جزء أبداً ولذا سمي الحد بهما (تاماً).

وثانياً ان لا فرق في المفهوم بين الحدود التامة المطولة والمختصرة الا ان المطولة أکثر تفصيلاً. فيکون التعريف بها واجباً تارة وفضولاً أخري.

وثالثاً ان الحد التام يساوي المحدود في المفهوم کالمترادفين (١) فيقوم مقام الاسم بأن يفيد فائدته ويدل على ما يدل عليه الاسم اجمالاً.

ورابعاً ان الحد التام يدل على المحدود بالمطابقة

٢ ـ الحد الناقص

وهو التعريف ببعض ذاتيات المعرّف (بالفتح) ولابد أن يشتمل على الفصل القريب على الاقل. ولذا سمي (ناقصاً). وهو يقع تارة بالجنس البعيد والفصل القريب وأخري بالفصل وحده.

مثال الاول تقول لتحديد الانسان : (جسم نام ... ناطق) ، ، فقد نقصت من الحد التام المذکور في الجواب الثاني المتقدم صفة (حساس متحرک بالارادة) وهي فصل الحيوان وقد وقع النقص مکان النقط بين جسم نام وبين ناطق فلم يکمل فيه مفهوم الانسان.

ومثال الثاني تقول لتحديد الانسان أيضاً : (... ناطق) فقد نقصت من الحد التام الجنس القريب کله. فهو أکثر نقصاناً من الاول کما تري ... وقد ظهر من هذا البيان :

أولاً ان الحد الناقص لا يساوي المحدود في المفهوم لانه يشتمل

________________

(١) لعله إنما جعلهما كالمترادفين ، ولم يعدهما مترادفين لأن المترادفين يتساويان في الإجمال والتفصيل كما يتساويان في المفهوم ، والحد والمحدود ليسا كذلك.

١١٨

على بعض اجزاء مفهومه. ولکنه يساويه في المصداق.

وثانياً ان الحد الناقص لا يعطي للنفس صورة ذهنية کاملة للمحدود مطلقة له کما کان الحد التام فلا يکون تصوره تصوراً للمحدود بحقيقته بل أکثر ما يفيد تمييزه عن جميع ما عداه تمييزاً ذاتياً فحسب.

وثالثاً انه لا يدل على المحدود بالمطابقة بل بالالتزام لانه من باب دلالة الجزء المختص على الکل.

٣ ـ الرسم التام

وهو التعريف بالجنس والخاصة کتعريف الانسان بانه (حيوان ضاحک) فاشتمل على الذاتي والعرضي. ولذا سمي (تاماً).

٤ ـ الرسم الناقص

وهو التعريف بالخاصة وحدها کتعريف الانسان بأنه (ضاحک) فاشتمل على العرضي فقط فکان (ناقصاً).

وقيل : ان التعريف بالجنس البعيد والخاصة معدود من الرسم الناقص فيختص التام بالمؤلف من الجنس القريب والخاصة فقط.

ولا يخفي ان الرسم مطلقاً کالحد الناقص لايفيد الا تمييز المعرّف (بالفتح) عن جميع ما عداه فحسب الا انه يميزه تمييزاً عرضياً. ولا يساويه (٢) الا في المصداق لا في المفهوم. ولا يدل عليه الا بالالتزام. کل هذا ظاهر مما قدمناه.

________________

(١) لا يخفى عليك : بعد الالتفات إلى لزوم المساواة بين المعرف والمعرف أن الخاصة التي تصلح للتعريف إنما هي الخاصة المساوية فقط ، لا الأخص.

(٢) كان الأولى تقديم هذه الجملة على قوله : «لا يفيد إلا تمييز المعرف ـ بالفتح ـ ...» حتى يطابق ترتيب الأمور الثلاثة هنا الترتيب المتقدم في الحد الناقص.

١١٩

انارة

ان الاصل في التعريف هوالحد التام لان المقصود الاصلي من التعريف أمران : (الاول) تصور المعرّف (بالفتح) بحقيقته لتتکون له في النفس صورة تفصيلية واضحة. و (الثاني) تمييزه في الذهن عن غيره تمييزاً تاماً. ولا يؤدّي هذان الامران الا التام. واذ يتعذر الامر الاول يکتفي بالثاني. ويتکفل به الحد الناقص والرسم بقسميه. والاّ قدم تمييزه تمييزاً ذاتياً ويؤدي ذلک بالحد الناقص فهو اولي من الرسم. والرسم التام اولي من الناقص.

الا ان المعروف عند العلماء ان الاطلاع على حقائق الاشياء وفصولها من الامور المستحيلة أو المتعذرة (١). وکل ما يذکر من الفصول فانما هي خواص لازمة تکشف عن الفصول الحقيقية (٢). فالتعاريف الموجودة بين أيدينا اکثرها او کلها رسوم تشبه الحدود.

فعلي من أراد التعريف أن يختار الخاصة اللازمة البينة بالمعني الاخص لانها ادل على حقيقة المعرف واشبه بالفصل. وهذا انفع الرسوم في تعريف الاشياء. وبعده في المنزلة التعريف بالخاصة اللازمة البينة بالمعني الاعم. أما التعريف بالخاصة الخفية غير البينة فانها لا تفيد تعريف الشيء لکل أحد (٣) فاذا عرفنا المثلث بانه (شکل زواياه تساوي قائمتين) فانک لم تعرفه الا للهندسي المستغني عنه.

________________

(١) أي : لا يمكننا الاطلاع وإن لم يكن مستحيلا ، فرب ممكن لا يقدر عليه الإنسان.

(٢) أي تكشف عن أنها موجودة ، لا أنها توجب معرفتها.

(٣) وقوع الكل بعد السلب يفيد أن السلب ورد على العموم ، فمفاد العبارة : إن التعريف بالخاصة الخفية غير عام الفائدة وإن كان قد يفيد لبعض الأفراد. ولكنه ينافي الجملة اللاحقة التي هي صريحة في أنه لا يفيد لأحد ، أما غير الهندسي فواضح ، وأما الهندسي فلاستغنائه عنه وكونه تحصيلا للحاصل.

١٢٠