الجمل

محمّد بن محمّد النعمان العكبري [ الشيخ المفيد ]

الجمل

المؤلف:

محمّد بن محمّد النعمان العكبري [ الشيخ المفيد ]


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٣٤

ما لا يمكن رتقه وانصدع في الدين ما لا يستطاع شعبه فلما سمع ذلك منهم بعد الذي ذكرناه من الاباء عليهم والامتناع لتأكيد الحجة لنفسه بسط يده لبيعتهم فتداكوا عليه تداك الابل على حياضها يوم ورودها حتى شقوا أعطافه ووطؤا ابنيه الحسن والحسين بأرجلهم لشدة ازدحامهم عليه وحرصهم على البيعة له والصفقة بها على يده رغبة بتقديمه على كافتهم وتوليته أمر جماعتهم لا يجدون عنه معدلا ولا يخطر ببالهم سواه لهم موئلا فتمت بيعة المهاجرين والبدريين والانصار العقبيين المجاهدين في الدين والسابقين إلى الاسلام من المؤمنين وأهل البلاء الحسن مع النبي صلى الله عليه وآله من الخيرة البررة الصالحين ولم تكن بيعته (ع) مقصورة على واحد أو أثنين أو ثلاثة ونحوها في العدد كما كانت بيعة أبى بكر مقصورة عن بعض أصحابه على بشر بن سعد فتمت بها عنده ثم اتبعه عليها من تابعه عليها من الناس وقال بعضهم بل تمت ببشر بن سعد وعمر ابن الخطاب وقال بعضهم بل تمت بالرجلين المذكورين وأبى عبيدة بن الجراح وسالم مولى أبي حذيفة واعتمدوا ذلك في أن البيعة لانتم بأقل من أربعة نفر من المسلمين ، وقال بعضهم بل تمت بخمسة نفر : قيس ابن سعد واسيد بن خضير من الانصار وعمر وأبو عبيدة وسالم من المهاجرين ثم تابعهم الناس بعدها بالخمسة المذكورين ومن ذهب إلى هذا المذهب الجبائى وأبيه والبقية من أصحابهما في هذا الزمان.

وقالوا في بيعة عمر بن الخطاب مثل ذلك فزعم من يذهب الا أن البيعة تتم بواحد من الناس وهم جماعة من المتكلمين منهم الخياط والبلخى وابن مجالد ومن ذهب مذهبهم من أصحاب الاختيار أن الامامة تمت لعمر بأبى بكر وحده وعقد له إياها دون من سواه.

وكذلك قالوا في عثمان بن عفان والعقد له انه تم بعبد الرحمن بن عوف خاصة وخالفهم على ذلك من أضاف إلى المذكورين غيرهما في العقد

٤١

وزعم أن بيعة عمر انفردت من الاختيار له عن الامام وعثمان انما تم له الامر ببيعة بقية أهل الشورى وهم خمسة نفر ، أحدهم عبد الرحمن فاعترفت الجماعة من مخالفينا بما هو حجة عليهم في الخلاف على أئمتهم وبشذوذ العاقدين لهم وانحصار عددهم بمن ذكرناه.

وثبتت البيعة لامير المؤمنين (ع) باجماع من حوته مدينة الرسول من المهاجرين والانصار وأهل بيعة الرضوان ومن انضاف إليهم من أهل مصر والعراق في تلك الحال من الصحابة والتابعين باحسان ولم يدع أحد من الناس انه تمت له بواحد مذكور ولا انسان مشهور ولا بعدد يحصى محصور فيقال تمت بيعته بفلان واحد وفلان وفلان كما قيل في بيعة أبي بكر وعمر وعثمان.

وإذا ثبت بالاجماع من وجوه المسلمين وأفاضل المؤمنين والانصار والمهاجرين على إمامة أمير المؤمنين (ع) والبيعة له على الطوع والايثار وكان العقد على الوجه الذيي ثبت به إمامة الثلاثة قبله عند الخصوم بالاختيار وعلى أوكد منه بما ذكرناه في الرغبة إليه في ذلك والاجماع عليه ممن سميناه من المهاجرين والانصار والتابعين باحسان حسبما بيناه ثبت فرض طاعته وحرم على كل أحد من الخلق التعرض لخلافه ومعصيته ووضح الحق في الحكم على مخالفيه ومحاربيه بالضلال عن هدايته والقضاء بباطل مخالفة أمره وفسقهم بالخروج عن طاعته لما أوجب الله تعالى من طاعة أولياء أمره في محكم كتابه حيث يقول : (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولي الامر منكم) فقرن طاعة الائمة بطاعته ودل على أن المعصية لهم كمعصيته على حد سواء في حكمه وقضيته وأجمع أهل القبلة مع عن ذكرناه على فسق محاربي أئمة العدل وفجورهم بما يرتكبونه من حكم السمع والعقل وإذا لم يكن أمير المؤمنين (ع) أحدث بعد البيعة العامة له يخرجه عن العدالة

٤٢

ولا كان قبلها على الظاهر بخيانة في الدين ولا خرج عن الامامة كان المارق عن طاعته ضالا فكيف إذا أضاف له بذلك حربا واستحلالا لدمه ودماء المسلمين معه ويبغي بذلك في الارض فسادا يوجب عليه التنكيل بأنواع العقاب ، المذكور في نص من قوله تعالى : (انما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الارض) (١).

هذا بين أن لم يحجب الهوى ويبعد عن فهمه العمى والله نسأل التوفيق.

تأخر سعد واسامة عن حرب البصرة :

(فصل وسؤال) فان قال قائل كيف تتم لكم دعوى الاجماع على بيعة أمير المؤمنين (ع) وقد علمتم ان الاخبار قد ثبتت بتخلف سعد بن

__________________

(١) ذكر أبو بكر محمد بن عبد الله المعروف بابن العربي المعافري الاندلسي المتوفى سنة ٥٤٢ في (أحكام القرآن) ج ٢ ـ ص ٢٢٤ أن عليا (ع) كان إماما لانهم أجتعموا عليه ولم يمكنه ترك الناس لانه كان أحق الناس بالبيعة فقبلها حوطة على الامة وان لا تسفك دماءها بالتهارج ويتخرق الامر وربما تغير الدين وانقض عمود الاسلام وطلب أهل الشام منه التمكين من قتلة عثمان فقال لهم علي (ع) ادخلوا في البيعة واطلبوا الحق تصلوا إليه وكان علي (ع) أسدهم رأيا وأصوب قولا لانه لو تعاطى القود لتعصبت لهم قبائلهم فتكون حربا ثالثة قانتظر بهم أن يستوثق الامر وتنعقد البيعة العامة ثم ينظر في مجلس الحكم ويجري القضاء ولا خلاف بين الامة انه يجوز للامام تأخير القصاص إذا أدى ذلك إلى إثارة الفتنة وتشتيت الكلمة.

وحينئذ فكل من خرج على علي (ع) باغ وقتال الباغي واجب حتى يفئ إلى الحق وينقاد إلى الصلح وأن قتاله لاهل الشام الذين ـ

٤٣

أبي وقاص ، وعبد الله بن عمر بن الخطاب ، واسامة بن زيد ; ومحمد بن مسلمة ; ومظاهرتهم له بالخلاف فيما راقبه بالقتال.

(الجواب) : قيل له أما تأخر من سميت عن الخروج مع أمير المؤمنين (ع) إلى البصرة فمشهور ورأيهم في القعود عن القتال معه ظاهر معروف وليس ذلك بمناف لبيعتهم له على الايثار ولا مضاد للتسليم لامامته على الاختيار والذي ادعى عليه الامتناع في البيعة وأشكل عليه الامر فظن انهم لو تأخروا عن نصرته كان ذلك منهم لامتناعهم عن بيعته ، وليس الامر كما توهموا إلا أنه قد يعرض للانسان شاك فيما تيقن سلطانه في صوابه ، ولا يرى لسلطان حمله على ما هو شاك فيه لضرب من الرأي يقتضيه الحال في صواب التدبير وقد يعتقد الانسان أيضا صواب غيره في شئ يحمله الهوى على خلافه فيظهر فيما صار إليه من ذلك شبهة تعذره عند كثير من الناس فعاله وليس كل من اعتقد طاعة إمامه كان مضطرا إلى وفاقه بل قد يجمع الاعتقاد لحق الرئيس

__________________

أبوا الدخول في البيعة وأهل الجمل والنهروان الذين خلعوا بيعته حق وكان حق الجميع أن يصلوا إليه ويجلسوا بين يديه ويطالبوه بما رأوا فلما تركوا ذلك بأجمعهم صاروا بغاة فتناولهم قوله تعالى : (فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله).

ولقد عتب معاوية على سعد بن أبي وقاص بعدم مشاركته له فقال سعد رادا عليه لقد ندمن على تأخري عن قتال الفئة الباغية يعني بها معاوية ومن تابعه اه‍.

وفى أحكام القرآن للجصاص المتوفى سنة ٣٧٠ (ج ٣ ص ٤٩٢) أن عليا كان محقا في قتاله الفئة الباغية لم يخالف فيه أحد.

وفي (روح المعاني) للالوسي (ج ٢٦ ـ ص ١٥١) عن الحاكم والبيهقي عن عبد الله بن عمر انه قال ما وجدت في نفسي من شئ ـ

٤٤

المقدم في الدين مع العصيان له في بعض أوامره ونواهيه ولولا أن ذلك كذلك لما عصى الله من يعرفه ولا خالف نبيه صلى الله عليه وآله ممن يؤمن به وليس هذا من مذاهب خصومك في الامامة فتوضح عنه بما يكسر شبهة مدعيه على أن الاخبار قد وردت باذعان القوم بالبيعة مع اقامتهم على ترك المساعدة والنصرة وما تضمنت ذكر أعذار لهم زعموها في ذلك وجاءت بما كان من أمير المؤمنين فيما أظهروه وإنكاره له بحسب ما اقتضته الحال في مثله من الخطأ فيما ارتكبوه.

فروى أبو مخنف لوط بمن يحي الازدي في كتابه الذي صنفه في حرب البصرة عن أصحابه ، وروى غيره من أمثاله الرواة للسيرة عن سلفهم أصحاب أمير المؤمنين (ع) لما هم بالمسير إلى البصرة بلغه عن سعد أبن ابى وقاص وابن مسلمة واسامة بن زيد وابن عمر تثاقلهم عنه فبعث إليهم فلما حضروا قال لهم قد بلغني عنكم هنات كرهتها وأنا لا أكرهكم على المسير معي على بيعتي : قالوا بلى ، قال فما الذي يقعدكم عن صحبتي؟ فقال له سعد إني أكره الخروج في هذا الحرب فاصيب مؤمنا فان أعطيتني سيفا يعرف المؤمن من الكافر قاتلت معك.

وقال له اسامة أنت أعز الخلق علي ولكني عاهدت الله أن لا اقاتل أهل لا إله إلا الله ، وكان اسامة قد أهوى برمحه في عهد رسول الله إلى رجل في الحرب من المشركين فخافه الرجل فقال لا إله إلا الله فشجره

__________________

ـ ما وجدت في نفسي من هذه الآية وهي قوله تعالى : (فقاتلوا التي تبغي الخ) حيث انى لم اقاتل الفئة الباغية يعني معاوية ومن معه من الباغين على علي (ع) اه‍ ، ولم يتعقبه الالوسي بشئ ،

ثم ذكر الالوسي عن بعض الحنابلة التصريح بوجوب قتال الباغين احتجاجا بأن عليا (ع) اشتغل في زمان خلافته بقتال الباغين دون الجهاد فهو إذا أفضل من الجهاد.

٤٥

بالرمح فقتله فبلغ النبي صلى الله عليه وآله خبره فقال يا اسامة أقتلت رجلا يشهد ان لا إله إلا الله؟ فقال يا رسول الله إنما قالها تعوذا ، فقال له ألا شفقت عن قتله فزعم اسامة أن النبي صلى الله عليه وآله أمره أن يقاتل بالسيف من قاتل المشركين فإذا قوتل به المسلمون ضرب بسفه الحجر فكسره.

وقال عبد الله بن عمر لست أعرف في هذه الحرب شيئا أسألك أن لا تحملني على ما لا أعرف.

فقال لهم أمير المؤمنين عليه السلام ليس كل مفتون معاتب الستم على بيعتي قالوا بلى قال انصرفوا فسيغنيني الله عنكم فاعترفوا له (ع) بالبيعة وأقاموا في تأخرهم عند عذرا لم يقبله منهم وأخبر أنهم بتركهم الجهاد مفتنون ولم ير الانكار عليهم في الحال بأكثر مما أبداه من ذكر المهم عن الصواب في خلافته والشهادة بفتنتهم بترك وفاقهم له.

ولان الدلائل الظاهرة على حقه (ع) تغني عن محاججتهم بالكلام ومعرفته بباطن أمرهم الذي أظهروا خلافه في الاعتذار يسقط عن فرض التنبيه الذي يحتاج إليه أهل الرقدة عن البيان وقد قال الله عز وجل في تأكيد ما ذكرناه وحجة على ما وصفناه (بل الانسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره.

وقد ذكر بعض العلماء ان الاسباب في تأخر القوم عن نصرة أمير المؤمنين (ع) بعد البيعة له معروفة وان الذي أظهروه من الاعتذار في خلافه خداع منهم وتمويه وستر علي أنفسهم ما استبطنوه منه خوفا من الفضيحة فيه ، فقال أما سعد بن مالك فسبب قعوده عن نصرة أمير المؤمنين (ع) الحسد له والطمع كان منه في مقامه الذي يرجوه فلما خاب من أمله حمله الحسد على خذلانه والمباينة له في الرأي قال والذي أفسد سعدا طمعه فيما ليس له بأهل وجرأة على مسامات أمير المؤمنين بادخال عمر بن الخطاب إياه في الشورى وتأهيله إياه للخلافة وإيهامه

٤٦

لذلك انه محل الامامة فقدم عليه وأفسد حاله في الدنيا والدين حتى خرج منها صفرا مما كان يرتجيه.

وأما اسامة بن زيد فان النبي صلى الله عليه وآله كان ولاه في مرضه الذي توفى فيه على أبى بكر وعمر وعثمان فلما مضى رسول الله سبيله انصرف القوم عن معسكره وخدعوه بتسميته مدة حياتهم له بالامرة مع تقدمهم عليه في الخلافة وصانعوه بذلك مما خالفوه فيه من السمع له والسير معه والطاعة واغتر بخداعهم وقبل منهم مصانعتهم وكان يعلم ان أمير المؤمنين لا يسمح له بالخداع ولا يصانعه مصانعة القوم ويحذر من التسمية التى جعلوها له ولا يرفعه عن منزلته ويسير به سيرته في عبيده وموالي نعمته إذ كان ولائه له بالتعق الذي كان من انزاعه النبي صلى الله عليه وآله لابيه بعد استرقاقه فصار كذلك بعد النبي صلى الله عليه وآله غير انه منه في الولاء فكره الانحطاط عن رتبته التى رتبها القوم فيه ولم يجد إلى التخلص من ذلك إلا بكفر النعمة والمباينة لسيده والخلاف لمولاه فحمل نفسه على ذلك لما ذكرناه.

وأما محمد بن مسلمة فانه كان صديق عثمان بن عفان وخاصته وبطانته فحملته المعصية له على معاونة الطالبين بثاره وكره أن يتظاهر في الكون في حيز المحاربين فهم المباينين طريقهم ولم ير بمقتضى الحال معاونة أعدائهم ولا سمحت نفسه بذلك فأظهر من العذر بتأخره عن نصرة أمير المؤمنين بخلاف باطنه منه مما كره وسترا لقبيح سريرته.

وأما عبد الله بن عمر فانه كان ضعيف العقل كثير الجهل ماقتا لامير المؤمنين (ع) وراثة الخلف عن السلف ما يرثونه من المودة والعداوة وكان أمير المؤمنين (ع) مع ذلك قد شجاه بهدر دم أخيه عبيد الله لقتله الهرمزان وأجلاه عن المدينة وشرده في البلاد لا يأمن على نفسه من الظفر به فيسقط قودا فلم تسمح نفسه بطاعة أمير المؤمنين (ع) ولا

٤٧

أمكنه المقت من الانقياد له لنصرته وتجاهل ما أبداه من الحيرة في قتال البغاة والشك في لمسه ذلك وحجته.

روى هذا الكلام بعينه عن أمير المؤمنين في أسباب تأخر القوم عنه فان صحت الرواية بذلك فهو أوكد بحجته وان لم تثبت كفى في برهانه أن قائله ليس من أهل العلم له صحة فكر وصفاء فطنة.

على أنا لو سلمنا لخصومنا ما ادعوه من امتناع سعد وابن مسلمه واسامة وابن عمر من بيعة أمير المؤمنين وكراهتهم لها باعتزالهم إياها وأضفنا إليهم في ذلك أمثالهم ممن ظاهر عليه بالعداوة كزيد بن ثابت وحسان بن ثابث ومروان بن الحكم بن أبى العاص وعبد الله بن الزبير وولد عثمان بن عفان وجماعة ممن كان معهم في الدار يوم الحصار بني امية المعروفين بمقت بني هاشم وعداوتهم والمباينة لهم في الجاهلية والاسلام بالخلاف لما قدح فيما اعتمدنا من دليل إمامته (ع) الذي بينا القول فيه على مذاهب الخصوم من الحشوية والمرجئة والخوارج وأهل الاعتزال وقاعدتهم في ثبوت البيعة بالاختيار من أهل الرأى إذ كنا لم نعتمد في ذلك على اجماع كافة أهل الاسلام وانما اعتمدنا ما ثبت به العقل على امور القوم في بيعة أهل الفضل منهم والاجتهاد واستظهرنا في التأكيد لذلك بذكر إجماع المهاجرين الاولين وعيون الانصار وفضلاء المسلمين ممن حوته المدينة يومئذ والتابعين بأحسان والخيرة الصالحين من أهل الحجاز والعراق ومصر وغيرها من البلاد والذين كانوا حاضرين بالمدينة يومئذ بأجمعهم سوى من يعتصم بخلافة الخصوم محصور عددهم لقلتهم رضوا بامامة أمير المؤمنين (ع) ورغبوا في تولي الامر وسألوه ورأوا أن لا يستحق له سواه وتابعوه على الطوع منهم والايثار وبذلوا نفوسهم من بعد البيعة معه في جهاد أعدائه واعتقدوا أن التأخر عن طاعته في قتال أعدائه ضلال موبق وفسق مخرج عن

٤٨

الايمان والبيعة عند مخالفينا تتم ببعض من ذكرناه إذ كانوا خمسة نفر على قول فريق منهم أو أربعة على قول آخرين أو أثنين على مذهب فريق آخر بل تتم عند أكثرهم بواحد حسبما ذكرناه فكيف يحل مع ذلك بدليلنا الذي ذكرناه في إمامته (ع) خلاف النفر الذين تعلق بذكرهم في القعود عن القتال ممن تعلق أو بما ظهر بعد البيعة من خلاف مرتكبها. ومباينة معاوية بن أبى سفيان وعمرو بن العاص بعد الذي كان من مراسلتهما أمير المؤمنين (ع) بالبيعة والطاعة بشرط أقرارهما على ما ولاهما عليه عثمان من الاعمال فلما أبى ذلك خوفا من الله تعالى ظاهروا عليه بالخلاف وان خصومنا جهال أغمار لا معرفة لهم بوجوه النظر ولا علم لهم بالاخبار.

ونحن نذكر الآن جملة من بايع أمير المؤمنين (ع) الراضين بامامته الباذلين لانفسهم في طاعته بعد الذي أجملناه من الخبر عنهم ممن يعترف المنصف بوقوفه على أسمائهم تحقيق ما وصفناه عن عنايتهم في الدين وتقدمهم في الاسلام ومكانهم من نبي الهدى وان الواحد منهم لو ولى العقد لامام لانعقد الامر به خاصة عند خصومنا فضلا عن جماعتهم وعلى مذهبهم فيما يدعونه من ثبوت الامامة بالاختيار وآراء الرجال وتضمحل بذلك عنده شبهات الاموية فيما راموه من القدح في دليلنا بما ذكروه من خلاف من سموه حسبما قدمنا ومن بايع أمير المؤمنين بغير ارتياب ودان بامامته على الاجماع والاتفاق ، واعتقد فرض طاعته والتحريم لخلافه ومعصيته والحاضرون معه في حرب البصرة الف وخمسمائة رجل من وجوه المهاجرين الاولين والسابقين إلى الاسلام والانصار البدريين العقبيين وأهل بيعة الرضوان من جملتهم سبعائه من المهاجرين وثمانمائة من الانصار سوى أبنائهم وحلفائهم ومواليهم وغيرهم من بطون العرب والتابعين باحسان على ما جاء به الثبت من الاخبار.

٤٩

بيعة المهاجرين :

فمن جملة المهاجرين عمار بن ياسر صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وحبيبه أخص الاصحاب كان به والثقة قبل البعثة وبعدها وأنصر الناس له وأشدهم اجتهادا في طاعته المعذب في الله أبوه وامه في أول الاسلام الذي لم يكن لاحد من الصحابة في المحنة ما كان له ولا نال أحد منهم في الدين من المكروه والصبر على الاسلام كما ناله ، لم تأخذه في الله لومة لائم ، مقيم مع شدة البلاء على الايمان الذي اختص من رسول الله بمديح لم يسبقه فيها سواه من الصحابة كلها ، مع شهادته له بالجنة مع القطع والبيان لانذاره من قتله والتبشير لقاتله بالنار على ما اتفق عليه أهل النقل من حملة الآثار فمن ذلك قول رسول الله (ص) ان الجنة لتشتاق إلى عمار فانها إليه أشوق منه إليها ، وقوله بشر قاتل عمار وسالبه بالنار ، وقوله صلى الله عليه وآله عمار جلدة بين عيني وأنفي ، وقوله لا تؤذوني في عمار ، وقوله عمار ملا إيمانا وعلما ، في أمثال ذلك من المدايح والتعظيمات التي اختص بها على ما ذكرناه.

ثم الحصين بن الحرث بن عبد المطلب والطفيل بن الحرث المهاجران البدريان ومسطح بن أثاثه وحجار بن سعد الغفاري وعبد الرحمن بن جميل الجمحي وعبد الله ومحمد ابنا بديل الخزاعي والحرث بن عوف وأبو عابد الليثي والبراء بن عازب وزيد بن صوحان ويزيد بن نويرة الذي شهد له رسول الله صلى الله عليه وآله بالجنة وهاشم بن عتبة المرقال وبريدة الاسلمي وعمرو بن الحمق الخزاعي وهجرته إلى الله ورسوله معروفة ومكانه منه مشهور ومدحه له مذكور والحرث بن سراق وأبو اسيد ابن ربيعة ومسعود بن أبي عمر وعبد الله بن عقيل وعمر بن محصن وعدي بن حاتبم وعقبة بن عامر ومن في عدادهم ممن أدرك عصر النبي

٥٠

كحجر بن عدي الكندي وشداد بن أوس في نظرائهما من الاصحاب وامثال من تقدم ذكره من المهاجرين على طبقاتهم في التقى ومراتبهم في الدين ممن يطول تعداد ذكره والكلام فيه.

بيعة الانصار :

ومن الانصار أبو أيوب وخالد بن زيد صاحبا رسول الله صلى الله عليه وآله وخزيمة بن ثابت ذي الشهادتين وأبى الهيثم بن التيهان وأبو سعيد الخدري وعبادة ابن الصامت وسهل وعثمان ابنا حنيف وأبو عباس الزرقي فارس رسول الله صلى الله عليه وآله يوم احد وزيد بن أرقم وسعد وقيس ابنا سعد بن عبادة وجابر بن عبد الله بن حزام ومسعود بن أسلم وعامر ابن أجبل وسهل بن سعيد والنعمان بن حجلان وسعد بن زياد ورفاعة أبن سعد ومخلد وخالد ابني أبي خلف وضرار بن الصامت ومسعود بن قيس وعمر بن بلال وعمار بن اوس ومرة الساعدي ورفاعة بن مالك الزرقي وجبلة بن عمرو الساعدي وعمر بن حزم وسهل بن سعد الساعدي في أمثالهم من الانصار الذين بايعوا البيعتين وصلوا القبلين واختصوا من مدايح القرآن والثناء عليهم من نبي الهدى عليه وآله السلام مما لم يختلف فيه من أهل العلم اثنان وممن لو أثبتنا أسماءهم لطال بها الكتاب ولم يحتمل استيفاء العدد الذي حددناه.

بيعة الهاشميين :

ومن بني هاشم أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومهبط الوحي ومختلف الملائكة الحسن والحسين سبطا الرحمة وسيدا شباب أهل الجنة عليهما السلام ومحمد بن الحنفية وعبد الله بن جعفر ومحمد وعون ابنا جعفر الطيار وعبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن عم رسول الله

٥١

والفضل وقثم وعبيد الله بنو العباس وعبد الله بن أبي لهب وعبد الله ابن الزبير بن عبد المطلب وعبد الله بن أبي سفيان بن الحرث بن عبد المطلب وكافة بني هاشم وبني عبد المطلب.

بيعة باقي الشيعة :

ومن يلحق منهم بالذكر من أوليائهم وعليه شيعتهم وأهل الفضل في الدين والايمان والعلم والفقه والقرآن المنقطعين إلى الله تعالى بالعبادة والجهاد والتمسك بحقائق الايمان : محمد بن أبي بكر ربيب أمير المؤمنين وحبيبه ومحمد بن أبي حذيفة وليه وخاصته المستشهد في طاعته ومالك ابن الحرث الاشتر النخعي سيفه ، المخلص في ولايته وثابت بن قيس النخعي وكميل بن زياد وصعصعة بن صوحان العبدى وعمر بن زاررة النخعي وعبد الله بن أرقم وزيد بن الملفق وسليمان بن صرد الخزاعي وقبيصة وجابر وعبد الله ومحمد بن بديل الخزاعي وعبد الرحمن بن عديس السلولى واويس القرنى وهند الجملي وجندب الازدي والاشعث ابن سوار وحكيم بن جبلة ورشيد الهجري ومعقل بن قبس بن حنظلة وسويد بن الحارث وسعد بن مبشر وعبد الله بن وال ومالك ابن ضمرة والحارث الهمداني وحبة بن جويرة العرنى ممن كانوا بالمدينة عند قتل عثمان وأطبقوا على الرضا بأمير المؤمنين (ع) فبايعوه على حرب من حارب وسلم من سالم وأن لا يولوا في نصرته الادبار وحضروا مشاهده كلها لا يتأخر عنه منهم أحد حتى مضئ الشهيد منهم على نصرته وبقى المتأخر منهم على حجته حتى مضى أمير المؤمنين (ع) لسبيله وكان من بقى منهم بعده على ولايته والاعتقاد بفضله على الكافة بامامته وإذا كان الامر في بيعته حسب ما ذكرناه واجماع من سميناه ونعتناه على الرضا به والطاعة له والاعتقاد كما وصفناه بطل اعتراض المتعرض في

٥٢

ثبوت إمامته بتأخر من سميناه من البيعة وتفردهم عن الحرب معه ووضح حصر عددهم وقلت ان الاجماع كان من كافة أهل الهجرة عليه إذ لو كان هناك سوى النفر المعدودين في خلاف أمير المؤمنين (ع) لشركهم في الرأي وذكرهم الناس في جملتهم وأحصوهم في عددهم وألحقوهم بهم فيما انفردوا به من جماعتهم ولم يكن لغيرهم ذكر في ذلك فصح ما حكيناه من اتفاق المهاجرين والانصار وأهل بدر وأهل بيعة الرضوان والتابعين باحسان على إمامته كما قدمناه فيما سلف وذكرناه والمنة لله.

الاجبار في البيعة :

فان قال قائل قد وجدتكم فيما احتججتم به على مخالفيكم في إمامة علي (ع) وثبوتها الموجب لضلال مخالفيه وخروجهم بحربه عن الايمان عقد الصحابة على الاختيار ورغبتهم إليه في تولي امورهم ومسائلته في ذلك وإباؤه له حتى اجتمع المسلمون والالحاح ممن بايعه طوعا من المهاجرين والانصار وقد جاءت الاخبار بضد ذلك وانه كان قاهرا للامة مجبرا لها على البيعة مكرها في ذلك الناس. فروى الواقدي عن هاشم بن عاصم عن المنذر بن الجهم قال سألت عبد الله بن تغلبة كيف كانت بيعة علي عليه السلام قال رأيت بيعة رأسها الاشتر يقول من لم يبايع ضربت عنقه وحكيم بن جبلة وذووهما ما ظنك بما يكون أجبر فيه جبرا ثم قال أشهد لرأيت الناس يحشرون بيعته فيتفرقون فيؤتى بهم فيضربون ويعسفون فبايع من بايع وانفلت من انفلت ، وروى أيضا عن سعيد بن المسيب قال لقيت سعد بن زيد بن نفيل فقلت بايعت؟ فقال ما أصنع إن لم أفعل قتلني الاشتر وذووه قال وقد عرف الناس من طلحة والزبير كانا يقولان بايعناه مكرهين ، وروى عنهما انهما قالا بايعناه بأيدينا ولم تبايعه قلوبنا ، والخبر مشهور عن طلحة بن عبد الله

٥٣

إنه كان يقول بايعت مع علي وإلا رقبتي ، قالوا وإذا كان البيعة لعلي بقهر وإصرار وإكراه الناس وإجبار لم تثبت إمامته ولم يثبت نظيرها في بيعة أبى بكر وعمر وعثمان ،

الجواب : فيقال للمعترض لما حكيناه ، لسائل عما ذكرناه ، فاما الواقدي فعثماني المذهب بالميل عن علي أمير المؤمنين (ع) والذي رووا عنه ما رواه من إكراه الناس علي البيعة لامير المؤمنين (ع) والتخرص عليه باضافة الاباطيل إليه وقد ثبت ان شهادة المشاجر مردودة بالاجماع وحديث الخصم فيما قدح به عدالة خصمه مطروح بالاتفاق وقول المتهم الظنين غير مقبول بلا اختلاف فلا حجة في الحديث المذكور عن ابن تغلبة.

ولو سلم من جميع ما وصفناه من الطعن فيه إذا كان فانه خبر واحد يضاد التواتر الوارد بخلاف معناه فكيف وهو من الوهن عل ما بيناه.

وأما خبر أبن المسيب عن سعيد بن زيد بن نفيل فقد صرح فيه باقرار سعيد بالبيعة ودعواهم انه بايع خوفا من الاشتر باطلة إذا كان ظاهره بخلاف ما ادعاه فيه وليس كل من خاف شيئا فقد وقع خوفه موقعه بل أكثر من يخاف متوهم للبعد ظان للباطل متخيل للفاسد ولم يذكر سعيد شيئا من إمارات خوفه فيكون له حجة فيما ادعاه ولم يقل أحد ان الاشتر ولا غيره من شيعة أمير المؤمنين (ع) كلموا ممتنعا من بيعته في الحال ولا ضربوا أحدا منهم بالسوط ولا نهروه فضلا عن القتل وضرب الرقاب فكيف يخاف سعيد من الاشتر مع ما ذكرناه وأنى يكون لخوفه وجه صحيح على ما نقلناه وهذا يدل على كذب الواقدي فيما أضافه إلى سعيد بن زيد من الخوف وأخبر عنه أو على تمويه سعيد فيما ادعاه.

وأما قول طلحة والزبير إنهما بايعا مكرهين فالكلام فيه كالكلام

٥٤

على ابن المسيب عن سعيد والتهمة لهما في ذلك أوكد لانهما جعلا ذلك عذرا في نكثهما البيعة والخروج عن الطاعة وطلب الرياسة والامرة فلم يجدا إلى ذلك سبيلا مع ما كان منهما في ظاهر الحال من البيعة على الطوع بلا اجبار إلا بدعوى الاكراه والاحالة في ذلك على الضمائر والبواطن التي لا يعلمها إلا الله وقد ثبت في حكم الاسلام الاخذ لهما بمقتضى الاقرار منهما في البيعة والقضاء عليها بلزوم الطاعة لهما لمن بايعاه والخلاف عليهما لامامهما الذي اعترفا ببيعتهما له وصفقا له بأيديهما على يده بالعقد له على ظاهر الرضا والايثار وسقوط دعواهما للباطن المضاد للحكم الظاهر من ذلك وما زعماه من حكم الكراهة في قلوبهما على ما ادعياه.

مع أن ظهور مشاحتهما لامير المؤمنين (ع) ومظاهرتهما له بالعداوة وبلوغهما في ذلك الغاية من ضرب الرقاب وسفك الدماء يبطل دعواهما على ما يقدح في عدالته ويؤثر في إمامته ويمنعه حقا له على كل حال.

على أنه لو ثبت الاكراه في البيعة لامير المؤمنين لمن ادعى المخالفون إكراهه لم يقدح ذلك في إمامته (ع) على أن اصول شيعته الداينين بالنص عليه من رسول الله صلى الله عليه وآله تقتضي ذلك لان الامام المنصوص عليه المفترض طاعته على الانام أن يكره من أبى طاعته ونصرته بالسوط والسيف على ذلك حتى يفئ إلى أمر الله والانقياد له ويزول بذلك ما يحذر من فسادهم وفتنهم ولا يؤثر أيضا في إمامته على مذهب المخالفين القائلين بالاختيار لانه إذا بايع عندهم من أهل الفضل عدد محصور ثبت له العقد ووجبت له الطاعة وكان له إكراه من أبى البيعة ورام الخلاف والعصيان واعمال السوط والسيف في ردعه عن ذلك وإكراهه على الطاعة والدخول مع الجماعة ومعلوم ان أمير المؤمنين قد بايعه على الرضا به من لا يحصى عددهم كثرة ممن جاهد معه في حروبه وبذل دمه في نصرته من المهاجرين البدريين والانصار العقبيين وأهل

٥٥

بيعة الرضوان ، والتابعين باحسان ممن أثبتنا أسماء بعضهم فيما سبق هذا الفصل في الكتاب فبطل ما تعلق به الخصم من دعوى الاكراه لمن سموه والخبر في ذلك على ما ادعوه والاعتماد على أخبار شواذ به يبطله الظاهر والمنتشر في خلافهما من الاخبار.

إنكار جماعة بيعة ابي بكر :

على أنه يقال للخصم ان كان الخبر باكراه قوم على بيعة أمير المؤمنين يقدح في إمامة عدل فقد جاءت الاخبار المتواترة باكراه من اكره على بيعة أبي بكر وعمر وعثمان فيجب أن نقطع على فساد إمامتهم بذلك وإلا كنت مناقضا عند العقلاء ، ألا ترى ان المعلوم المنتشر بعد بلا ارتياب من مباينة الانصار في بيعة أبي بكر ودعائها إلى البيعة لسعد ابن عبادة وإنكاره بيعة سواه وتضمن على حرف الامر عن قريش وشروعها في ذلك حتى اختلف كلمتهم وأفسد أمره بشر بن سعد منهم وبايع أبا بكر حسدا لابن عمه وظنا عليه بالرياسة وكراهة الاتباع له والتقدم على نفسه فوقعت الفتنة وسلت السيوف ودعا عمر بن الخطاب إلى قتل سعد بن عبادة وحرض عليه في ذلك وقال اقتلوا سعدا قتل الله سعدا فخافت الانصار من ظفرها والجناية عليها فحملوا سعدا من السقيفة بين جماعتهم لضعفه عن النهوض بنفسه لمرض كان به في الحال وانحاز إليه أهل بيته كارهين لبيعة من عقدت له منكرين لما تم لابي بكر متوعدين فيه بالخلاف.

وجاءت الاخبار متظافرة بانكار الزبير بن العوام لبيعة أبى بكر وخروجه بالسيف مصلتا للقتال فتكاثر القوم عليه حتى أخذوه من يده وضربوه بالاحجار فكسروه وجاؤا به ملببا لابي بكر حتى بايع مكرها على غير اختيار منكرا ولما حضر سلمان رضي الله عنه لامرهم

٥٦

متكلما في ذلك بلسانه ومفصحا فيه بلسان العرب وما كان من إنكار العباس بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وآله صرف الامر عن بني هاشم وبيعتهم لمن بايعوا ودعائه أمير المؤمنين (ع) إلى بسط يده ليبايعه على الامر فقال له أمدد يدك يا ابن أخي أبايعك ليقول الناس عم رسول الله صلى الله عليه وآله بايع ابن عم رسول الله فلا يختلف عليك اثنان وقول أبي سفيان حرب بن صخر بأعلى صوته : يا بني هاشم أرضيتم أن يلي عليكم ابن تيم مرة حاكما على العرب ومتى طمعت أن تتقدم على بني هاشم في الامر انهضوا لدفع هؤلاء القوم عما تمالؤا إليه ظلما لكم أما والله لئن شئتم لاملانها عليهم خيلا ورجالا ثم قال :

بني هاشم لا تطمعوا الناس فيكم

ولا سيما تيم بن مرة أو عدي

فما الامر إلا فيكم واليكم

وليس له إلا أبو حسن على

أبا حسن فاشدد بها كف فاتك

فانك بألامر الذي يرتجى ملي (١)

ولما اجتمع من اجتمع في دار فاطمة من بني هاشم وغيرهم للتحيز عن أبى بكر وإظهار الخلاف أنفذ عمر بن الخطاب قنفذا وقال له اخرج من في البيت فان خرجوا وإلا فاجمع الاحطاب على بابه واعلمهم انهم ان لم يخرجوا للبيعة أضرمت البيت عليهم نارا.

ثم قام بنفسه في جماعة منهم المغير بن شعبة الثقفي وسالم مولى حذيفه حتى صاروا إلى باب على فنادى يا فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله اخرجي من اعتصم ببيتك ليبايع ويدخل فيما دخل فيه المسلمون وإلا والله أضرمت عليهم نارا في حديث مشهور (٢).

__________________

(١) رواها اليعقوبي في تاريخه (ج ٢ ـ ص ١٠٥) ط النجف بزيادة بيت رابع :

وان امرءا يرمي قصيا وراءه

عزيز الحمى والناس من غالب قصي

(٢) في العقد الفريد (ج ٢ ـ ص ٢٥٢) ان عمر بن الخطاب.

٥٧

ولما عرف أهل اليمامة تقلد أبي بكر أنكروا أمره وامتنعوا من حمل الزكاة حتى أنفذ إليهم الجيوش فقتلهم وحكم عليهم بالردة عن الاسلام وفى إنكار أهل اليمامة بيعة أبي بكر يقول :

أطعنا رسول الله ما كان بيننا

فيا قوم ما شأني وشأن أبي بكر

إذا مات بكر قام عمر مكانه

وذلك لعمر الله قاصمة الظهر (١)

وكان عبد الله بن أبي سفيان بن الحرث بن عبد المطلب خارجا عن المدينة فدخلها وقد بايع الناس أبا بكر فوقف في وسط المسجد وأنشأ يقول (٢) :

ما كنت أحسب هذا الامر منتقلا

عن هاشم ثم منها عن أبي حسن

اليس أول من صلى لقبلتهم

وأعرف الناس بالآثار والسنن

وآخر الناس عهدا بالنبي ومن

جبريل عون له بالغسل والكفن

من فيه ما فيهم لا يمترون به

وليس في القوم ما فيه من الحسن

فما الذي ردكم عنه فنعلمه

هاان بيعتكم في أول الفتن

__________________

ـ جاء إلى بيت فاطمة بقبس من نار يريد أن يحرقه على من فيه فخرجت إليه فاطمة (ع) تقول يا ابن الخطاب جئت لتحرق دارنا؟ قال نعم اه‍ ، والقبس في نص أهل اللغة شعلة نار مضرمة.

(١) في تاريخ الطبري (ج ٣ ـ ص ٢٢٣) ذكر سبعة أبيات منها البيتين ونسبها للخطيل بن أوس أخو الحطيئة وفى روايته عجز البيت الاول : (فيا لعباد الله ما لابي بكر) وصدر البيت الثاني : (أيورثنا بكر إذا مات بعده).

(٢) في تاريخ اليعقوبي (ج ٢ ـ ص ١٠٣) ط النجف نسبت إلى عتبة بن أبى لهب ولم يذكر الخامس وفى روايته الصدر الاول :

(ما كنت أحسب أن الامر منصرف) والبيت الثاني :

عن أول الناس ايمانا وسابقة

وأعلم الناس بالقرآن والسنن

٥٨

رواه أبو مخنف لوط بن يحيى الازدي عن محمد اسحق الكلبي وأبى صالح ورواه أيضا عن رجاله زايدة بن قدامة قال كان جماعة من الاعراب قد دخلوا المدينة ليتماروا منها فشغل الناس عنهم بموت رسول الله صلى الله عليه وآله فشهدوا البيعة وحضروا الامر فأنفذ إليهم عمر واستدعاهم وقال لهم خذوا بالحظ من المعونة على بيعة خليفة رسول الله واخرجوا إلى الناس واحشروهم ليبايعوا فمن امتنع فاضربوا رأسه وجبينه ، قال والله لقد رأيت الاعراب تحزموا ، واتشحوا بالازر الصنعانية وأخذوا بأيديهم الخشب وخرجوا حتى خبطوا الناس خبطا وجاؤا بهم مكرهين إلى البيعة وأمثال ما ذكرناه من الاخبار في قهر الناس على بيعة أبى بكر وحملهم عليها بالاضطراب كثيرة ولو رمنا ايرادها لم يتسع لهذا الكتاب فان كان الذي ادعاه المخالف من إكراه من أكره على بيعة أمير المؤمنين (ع) دليلا على فسادها مع ضعف الحديث بذلك فيكون ثبوت الاخبار بما شرحناه من الادلة على بيعة أبى بكر موضحة عن بطلانها.

كراهة المسلمين استخلاف عمر :

هذا والامة مجتمعة على أن أبا بكر لما أراد استخلاف عمر بن الخطاب حضره وجوه المهاجرين وفيهم طلحة والزبير وسعد بن أبى وقاص فقالوا ما تقول لربك إذا وليت علينا هذا الفض الغليظ وإنا لم نكن نطيقه وهو رعية لك فكيف إذا ولى الامر ، فاتق الله في الاسلام وأهله ولا تسلطه على الناس ، فغضب أبو بكر وقال اجلسوني فاجلس واستند إلى صدور الرجال من ضعفه ثم قال لهم : أبالله تخوفونى ان كل واحد منكم قد طمع في هذا الامر ، فلما سمع ما اريده لعمر ورم لذلك أنفه قال وقد رأيتم ما جاءته فعملتم على التأمر واستعمال الستور

٥٩

ونضاثد الديباج لتتخذوها كسروية لا والله لا أجبتكم إلى ما تريدون إنى إذا لقيت ربى فسألني من استخلفت عليهم قلت استخلفت عليهم خير أهلهم ، وهذا خبر مشهور لا تنازع فيه العلماء (١) وهو متضمن لعقد أبى بكر الامر لعمر على كراهية ممن ذكرناه وقهرا لهم وإجبارا عليهم فيجب على غلبة الخصم أن تكون إمامة عمر بن الخطاب فاسدة لكراهتها ممن أعددناه.

الصحابة يوم الشورى :

قال ولما كان في يوم الشورى حضر عمار بن ياسر رحمه الله فقام في الناس وقال ان وليتموها عليا (ع) سمعنا وأطعنا وان وليتموها عثمان سمعنا وعصينا فقام الوليد بن عقبة وقال : يا معشر الناس أهل الشورى إن وليتموها عثمان سمعنا وأطعنا وان وليتموها عليا سمعنا وعصينا فانتهره عمار وقال له متى كان مثلك يا فاسق يعترض في أمور المسلمين وشتات جمعها ، وتسابا جميعا وتناوشا حتى حيل بينهما فقال المقداد من وراء الباب : يا معشر المسلمين ان وليتموها أحدا من القوم فلا تولوها من لم يحضر بدرا وانهزم يوم احد ولم يحضر بيعة الرضوان (٢)

__________________

(١) في تاريخ الطبري (ج ٤ ـ ص ٥٢) والعقد الفريد (ج ٢ ـ ص ٢٥٧) وشرح النهج لابن أبى الحديد (ج ١ ـ ص ٥٥) ان أبا بكر ذكر هذا عند مجئ المهاجرين إليه وتذمره منهم وفى تاريخ الخميس (ج ٢ ـ ص ٢٩٩) ان طلحة والزبير قالا له أتولى علينا فظا غليظا ما تقول لربك.

(٢) في شرح النهج لابن أبى الحديد (ج ١ ـ ص ٦٦) ان عبد الرحمن بن عوف أرسل إلى عثمان يذكره بفراره يوم احد وعدم حضوره بدرا ولا بيعة الرضوان فلم ينكر عليه.

٦٠