الجمل

محمّد بن محمّد النعمان العكبري [ الشيخ المفيد ]

الجمل

المؤلف:

محمّد بن محمّد النعمان العكبري [ الشيخ المفيد ]


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٣٤

رسول الله أو لقلة بلاء مني في الاسلام فقالوا يا امير المؤمنين نحن اخوة يوسف فاعف عنا واستغفر لنا فنظر إلى احدهم فقال له من انت؟ قال انا مساحق بن مخرمة معترف بالزلة مقر بالخطيئة تائب من ذنبي فقال عليه السلام قد صفحت عنكم وايم الله ان فيكم من لا ابالي بايعني بكفه أو باسته ولئن بايعني لينكثن.

وتقدم إليه مروان بن الحكم وهو متكئ على رجل فقال له ما بك؟ هل بك جراحة؟ قال نعم يا امير المؤمنين وما ارانى إلا لما بى فتبسم أمير المؤمنين (ع) وقال لا والله ما انت لما بك وستلقى هذه الامة منك ومن ولدك يوما احمرا وبايعه وانصرف وتقدم إليه عبد الرحمن بن الحرث بن هشام فلما نظر إليه امير المؤمنين (ع) قال والله لئن كنت انت واهل بيتك لاهل دعة وان كان فيكم غنى ولكن اعف عنكم ولقد ثقل علي حيث رأيتكم في القوم واحببت ان تكون الواقعة بغيركم فقال له عبد الرحمن فقد صار ذلك إلى ما لا يجب ثم بايعه وانصرف.

مسير عائشة إلى المدينة :

ولما عزم أمير المؤمنين (ع) على المسير إلى الكوفة انفذ إلى عائشة يأمرها بالرحيل إلى المدينة فتهيأت لذلك وانفذ معها اربعين امرأة البسهن العمائم والقلانس وقلدهن السيوف وامرهن ان يحفظنها ويكن عن يمينها وشمالها ومن ورائها فجعلت عائشة تقول في الطريق اللهم افعل بعلي بن ابى طالب وافعل بعث معي الرجال ولم يحفظ بى حرمة رسول الله فلما قدمن المدينة معها القين العمائم والسيوف ودخلن معها فلما رأتهن ندمت على ما فرطت بذم امير المؤمنين (ع) وسبه وقالت جزى الله ابن ابى طالب خيرا فلقد حفظ في حرمة رسول الله صلى الله عليه وآله.

٢٢١

اعتراف مروان بالظلم :

وروى ابو مخنف عن العدي عن ابى هشام عن البريد عن عبد الله ابن المخارق عن هاشم بن مساحق القرشي قال حدثنا ابى انه لما انهزم الناس يوم الجمل اجتمع معه طائفة من قريش فيهم مروان بن الحكم فقال بعضهم لبعض والله لقد ظلمنا هذا الرجل يعنون أمير المؤمنين (ع) ونكثنا بيعته من غير حدث والله لقد ظهر علينا فما رأينا قط اكرم سيرة منه ولا احسن عفوا بعد رسول الله صلى الله عليه وآله تعالوا حتى ندخل عليه ونعتذر إليه فيما صنعناه قال فصرنا إلى بابه فاستأذناه فأذن لنا فلما مثلنا بين يديه جعل متكلمنا يتكلم فقال (ع) انصتوا اكفكم انما انا بشر مثلكم فان قلت حقا فصدقوني وان قلت باطلا فردوا علي انشدكم الله أتعلمون ان رسول الله صلى الله عليه وآله قبض وانا اولى الناس به وبالناس من بعده؟ قلنا اللهم نعم قال فعدلتم عني وبايعتم ابا بكر فأمسكت ولم احب ان اشق عصا المسلمين وافرق بين جماعاتهم ثم ان ابا بكر جعلها لعمر من بعده فكففت ولم اهج الناس وقد علمت انى كنت اولى الناس بالله وبرسوله وبمقامه فصبرت حتى قتل وجعلني سادس ستة فكففت ولم احب ان افرق بين المسلمين ثم بايعتم عثمان فطغيتم عليه وقتلتموه وانا جالس في بيتي واتيتموني وبايعتموني كما بايعتم ابا بكر وعمر وفيتم لهما ولم تفوا لي وما الذي منعكم من نكث بيعتهما ودعاكم إلى نكث بيعتى فقلنا له كن يا امير المؤمنين كالعبد الصالح يوسف إذ قال :

لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو ارحم الراحمين :

فقال (ع) لا تثريب عليكم اليوم وان فيكم رجلا لو بايعني بيده لنكث باسته ; يعنى مروان بن الحكم.

وروى المسعودي عن هاشم بن الوليد عن ابن سعيد التميمي عن

٢٢٢

ابى ثابت مولى ابى ذر قال شهدت مع أمير المؤمنين (ع) الجمل فلما رأيت عائشة واقفة بين الصفين ومعها طلحة والزبير قلت ام المؤمنين وزوجة الرسول وحواري الرسول وصاحبيه بأحد فدخلني ما يدخل الناس من الشك حتى كان عند صلوة الظهر كشف الله ذلك عن قلبي وقلت علي امير المؤمنين واخو سيد المرسلين واولهم اسلاما لم يكن بالذي يقدم على شبهة فقالت معه قتالا شديدا فلما انقضى الحرب اتيت المدينة فسرت إلى بيت ام سلمة فاستأذنت عليها فقيل من هذا فقلت سائل فقالت اطعموا السائل فقلت انى والله لم أسأل طعاما ولكني مولى ابى ذر رجعت اسأل عن ديني فقالت مرحبا بك فقصصت عليها فقالت اين كنت حين طارت القلوب مطايرها فقلت انى بينما احس ذلك إذ كشف الله عن قلبي فقاتلت مع أمير المؤمنين (ع) حتى فرغ فقالت احسنت انى سمعت رسول الله يقول ان عليا مع القرآن والقرآن مع علي لا يفترقا حتى يردا الحوض.

فصل : وقد اختلفت الروايات في عدد القتلى بالبصرة فقد جاء في بعضها انهم خمسة وعشرون الفا.

وروى عن عبد الله بن الزبير رواية شاذة انهم خمسة عشر الف قتيل ويوشك ان يكون ابن الزبير اثبت ولكن القول في ذلك باطل لبعده عن جميع ما قاله اهل العلم فاما الاخبار عن عدد من قطعت يده يومئذ ورجله ثم قتل بعد ذلك فهي مشهورة انهم كانوا نحو من اربعة عشر الف رجل.

ابن عباس والي البصرة :

فصل : ومما رواه الواقدي عن رجاله قال لما اراد امير المؤمنين الخروج من البصرة استخلف عليها عبد الله بن العباس ووصاه وكان

٢٢٣

في وصيته له ان قال : يا ابن عباس عليك بتقوى الله والعدل بمن وليت عليه وان تبسط للناس وجهك وتوسع عليهم مجلسك وتسعهم بحلمك وإياك والغضب فانه طيرة الشيطان واياك والهوى فانه يصدك عن سبيل الله واعلم ان ما قربك من الله فهو مباعدك من النار وما باعدك من الله فمقربك من النار واذكر الله كثيرا ولا تكن من الغافلين

وروى ابو مخنف لوط بن يحيى قال لما استعمل امير المؤمنين عبد الله بن العباس على البصرة خطب الناس فحمد الله واثنى عليه وصلى على النبي ثم قال :

معاشر الناس قد استخلفت عليكم عبد الله بن العباس فاسمعوا له واطيعوا امره ما اطاع الله ورسوله فان احدث فيكم أو زاغ عن الحق فاعلموا انى اعزله عنكم فانى ارجو ان اجده عفيفا تقيا ورعا وانى لم اوله عليكم إلا وانا اظن ذلك به غفر الله لنا ولكم.

فأقام عبد الله بالبصرة حتى عمد امير المؤمنين (ع) إلى التوجه إلى الشام فاستخلف عليها زياد بن ابيه وضم إليه ابا الاسود الدؤلي ولحق بأمير المؤمنين حتى سار إلى صفين.

وروى ابو مخنف لوط بن يحيي عن رجاله لما اراد امير المؤمنين (ع) التوجه إلى الكوفة قام في اهل البصرة فقال ما تنقمون علي يا اهل البصرة؟ واشار إلى قميصه وردائه فقال والله انهما لمن غزل اهلي ما تنقمون مني يا اهل البصرة واشار إلى صرة في يده فيها نفقته فقال والله ما هي إلا من غلتي بالمدينة فان انا خرجت من عندكم بأكثر مما ترون فانا عند الله من الخائنين ثم خرج وشيعه الناس إلى خارج البصرة وتبعه الاحنف بن قيس إلى الكوفة.

ولما خرج وصار على غلوة استقبل الكوفة بوجهه وهو راكب بغلة رسول الله صلى الله عليه وآله وقال الحمد لله الذي اخرجني من اخبث البلاد

٢٢٤

واخشنها ترابا واسرعها خرابا واقربها من الماء وابعدها من السماء بها مغيض الماء وبها تسعة اعشار الشر وهي مسكن الجن الخارج منها برحمة والداخل إليها بذنب اما انها لا تذهب الدنيا حتى يجيئ إليها كل فاجر ويخرج منها كل مؤمن وحتى يكون مسجدها كأنه جؤجؤ سفينة.

فهذه جملة من اخبار البصرة وسبب فتنتها ومقالات اصحاب الآراء في حكم الفتنة بها قد اوردناها على سبيل الاختصار واثبتنا ما اثبتنا من الاخبار عن رجال العامة دون الخاصة ولم نثبت في ذلك ما روته الشيعة في إنكاره وكان الغرض فيما اوردناه في هذا الكتاب من تفصيل ذكر فتنة البصرة وما جرى فيها من القتال والفعال والابانة عن عناد القوم لأمير المؤمنين (ع) والقصد لحربه وسفك دمه من غير شبهة في امره ولا عذر فيما صاروا إليه من خلافه ولنوضح فيما تضمنته الاخبار في بطلان مقال من ادعى للقوم التوبة من فرطهم الضلال لحرب امير المؤمنين (ع) وفساد مذهب من ذهب إلى ذلك من المعتزلة والمرجئة والحشوية.

ويدل على ما اثبتناه منه ان القوم مضوا مصرين على اعمالهم غير نادمين عليها ولا تائبين منها وانهم كانوا يتظاهرون إلى الله بالقربة والتدين بعداوتهم لامير المؤمنين (ع) والبغض والتضليل والتبديع له ولاولاده ولشيعته وانصاره والبراءة إلى الله من جميعهم وان امير المؤمنين (ع) يرى عليهم بمثل ذلك ويرى القربة إلى الله بجهادهم وقتالهم حتى مضى لسبيله وانا مثبت بعد الذي قدمت اخبارا قد سلم لصحتها اهل العقل والنقل على خلافهم في الآراء والمذاهب تؤكد ما ذكرت في هذا الكتاب ويشهد بصحة ما ذكرت وان كنت قد جمعتها في موضوع آخر من كتبي وانما أوردتها في هذا الكتاب لملائمتها لمعناه وتأييده لما تضمنته من فوائده وفحواه وبالله استعين.

٢٢٥

فمن ذلك ما حدثنا به ابو بكر محمد بن عمر الجعابي قال حدثنا أبو العباس احمد بن محمد بن سعيد بن عقدة عن ابي الحسن علي بن الحسين ابن فضال باسناده في كتابه المعروف (بالمبنى) وهو اشهر ان يدل عليه العلماء عن ابان بن عثمان عن الاجلح عن ابي صالح عن عبد الله بن عباس قال لما رمى اهل الافك عائشة استشار رسول الله صلى الله عليه وآله عليا فيها فقال يا رسول الله النساء كثيرة سل الخادمة فسألوا بريرة فقالت ما علمت إلا خيرا فبلغ ذلك عائشة فقالت لا احب عليا بعد هذا ابدا وكانت تقول لا احب عليا ابدا أليس هو الذي خلا وصاحبه بجاريتي يسألانه عني وهذا حديث صحيح الاسناد واضح الطريق وهو يتضمن التصرح منها ببغض امير المؤمنين (ع) بنصيحته لرسول الله صلى الله عليه وآله واجتهاده في طاعته ومشورته من غير ان يكون ظلمها بذلك واعتدى عليها فيه إذ لو كان ذلك كذلك وحاشاه (ع) لما سمع رسول الله صلى الله عليه وآله مقالته ولا قبل مشورته ولا انتهى فيه إلى رأيه ولما صار بعد ذلك إلى الاصغاء إليه والاعتماد في ذلك عليه فدل على صوابه وضلال من مقته لاجله وعاداه فيه (١).

ومن ذلك ما رواه محمد بن مهران قال حدثنا محمد بن علي بن خلف قال حدثنا محمد بن كثير عن اسماعيل بن زياد البزاز عن ابي ادريس عن رافع مولى عائشة قال كنت غلاما اخدمها وكنت إذا كان رسول الله عندها اكون قريبا منها فبينما رسول الله صلى الله عليه وآله ذات يوم عندها إذ جاء جاء فدق الباب فخرجت إليه فإذا جارية معها اناء مغطى فرجعت إلى

___________________

(١) تقدم في بعض الحواشى بيان كذب الحديث فانه مروى عنها فقط لانه لم ينقله احد من المسلمين غيرها وذكرنا ان المصنف (ره) انما ذكر القصة مماشاة مع القوم الذين طربوا لتنزيه عائشة بالقرآن وإلا فالشيخ المفيد لم تخف عليه هذه الظاهرة التي استوضحناها.

٢٢٦

عائشة واخبرتها فقالت ادخلها فدخلت فوضعته بين يدى عائشة ووضعته بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله فأكل منه فقال ياليت امير المؤمنين وسيد المرسلين وإمام المتقين يأكل معي فقالت عائشة ومن ذلك؟ فجاء جاء فدق الباب فخرجت إليه فإذا هو علي بن ابى طالب (ع) فرجعت إليه فقلت هذا علي بالباب فقال ادخله فلما دخل قال له اهلا لقد تمنيتك حتى لو ابطيت لسألت الله ان يأتيني بك اجلس فكل معي فجلس معه ورأيت النبي صلى الله عليه وآله ينظر إليه ويقول قاتل الله من يقاتلك وعادى الله من عاداك فقالت عائشة من يقاتله ويعاديه فقال لها انت ومن معك.

وهذا الحديث يدل على عداوتها له من حيث استفهمته عما تعلمه على وجه الانكار ودعائه في آخر القول على من يقاتله ويعاديه لعلمه بما يكون منها من القتال ايضا ودعائه على من عاداه ليبين فضيلته وما هي عليه من البغض والشنآن له ويزيل الشبهة عن الامة في حقه وصوابه وباطل عدوه في خلافه له وعناده.

ومن ذلك ما رواه غير واحد عن الارقم بن شرحبيل عن عبد الله بن العباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله في مرضه الذي توفى فيه ابعثوا إلى علي وادعوه فقالت عائشة لو بعثت إلى ابي بكر وقالت حفصة لو بعثت إلى عمر فبعثنا إلى ابي بكر وعمر فلما حضرا فتح النبي عينيه فرأهما فقال انصرفا فان تكن لي حاجة بعثت اليكما.

وروى اسحق عن عكرمة عن عبد الله بن العباس قال اغمي على النبي صلى الله عليه وآله ثم افاق فقال ادعوا لي اخي فأمرت عائشة ان يدعوا ابا بكر فدخل فلما رآه رسول الله اعرض عنه فقالت ام سلمة ادعوا له عليا فانه اخوه وحبيبه فدعوه فجاء حتى جلس بين يديه فلما رآه ادناه وناجاه طويلا وهذا الحديث مع استقامته وكثرة رواته وظهوره في الخاصة والعامة يدل على عداوتها له وحسدها عليه.

٢٢٧

ومن ذلك ما احتج عليه اهل النقل من شهادتها لابي بكر في صواب منعه فاطمة فدكا ومقابلتها في تلك الشهادة امير المؤمنين (ع) فيما ذهب إليه من استحقاقها ومظاهرة ابي بكر على منع فاطمة من ميراث ابيها ولم يشركها في ذلك احدى الازواج.

ومن ذلك ما رواه اسحق عن الزهري عن عبد الله بن عبد الله عن عائشة قالت استشعر رسول الله من المرض في بيت ميمونة فدعى نساءه فاستأذنهن ان يمرض في بيتي فأذن له فخرج بين رجلين من اهل بيته احدهما الفضل بن العباس ورجل آخر يخطان قدماه الارض عاصبا رأسه حتى دخل بيتى قال عبد الله فحدثت عنها عبد الله بن العباس فقال هل تدري من الرجل؟ قال ذلك علي بن ابى طالب وما كانت امنا تذكره بخير وهي تستطيع.

ومن ذلك ان عائشة كانت تذم عثمان وولاته وكانت تقول كل قول بغضا منه وترفع قميص رسول الله فتقول هذا قميص رسول الله لم يبل وقد ابلى عثمان احكامه ولما جاء الناعي إلى مكة فنعاه بكى لقتله قوم من اهل ظنه فأمرت مناديا ينادي : ما بكاؤكم على نعثل اراد ان يطفئ نور الله فأطفأه الله تعالى وان يضيع سنة رسوله فقتله ثم ارجف بمكة ان طلحة قد بويع له فركبت مبادرة بغلتها وتوجهت نحو المدينة وهي مسرورة حتى انتهت إلى (سرف) فاستقبلها عبد بن ابي سلمة (١)

___________________

(١) في تاريخ الطبري (ج ٥ ـ ص ١٧٢) يعرف بابن ام كلاب نسبة إلى امه ثم ذكر الحديث وذكر ابياته :

منك البداء ومنك الغير

ومنك الرياح ومنك المطر

وانت امرت بقتل الامام

وقلت لنا : انه كفر

فهبنا اطعناك في قتله

وقاتله عندنا من امر

ولم يسقط السقف من فوقنا

ولم ينكسف شمسنا والقمر

٢٢٨

فقالت له ما عندك من الخبر قال قتل عثمان قالت فمن ذا ولوه قال بايعوا عليا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله فقالت والله لوددت ان هذه تطبق على هذه ان تمت لصاحبك فقال لها عبد بن ابى سلمة ولم؟ فوالله ما على هذه الغبراء نسمة اكرم منه على الله فلماذا تكرهين قوله فقالت إنا عبنا على عثمان في امور سميناها له ولمناه عليها فتاب منها واستغفر الله فقبل منه المسلمون ولم يجدوا من ذلك بدا فوثب عليه صاحبك فقتله والله لاصبع من اصابع عثمان خير منه وقد مضى كما يمضي الرخيص ثم رجعت إلى مكة تنعى عثمان وتقول هذه المقالة للناس : فهل يصح رحمكم الله عند احد من العقلاء دخول الشبهة من بغضها أو يرتاب مكلف في اعنادها لامير المؤمنين عليه السلام على ما ذكرناه.

ومن ذلك ما رواه نوح بن رواح عن ابى اسحق قال حدثني المنهال عن جماعة من اصحابنا ان طلحة لما قدم مكة جاء إلى عائشة فلما رأته قالت يا ابا محمد قتلت عثمان وبايعت عليا فقال لها يا اماه مثلى كما قال الشاعر

ندمت ندامة الكسعي لما

رأت عيناي ما صنعت يداه

أو لا ترى انها تبدي له العداوة في كل حال وتظهر العناد له بكل مقال

ومن ذلك كتبها إلى الآفاق تؤلب عليه وتخذل الناس عنه من غير شبهة تعرض في الديانة لفعل كان منه كتبت إلى زيد بن صوحان على ما اجتمعت عليه نقلة الاخبار :

بسم الله الرحمن الرحيم من عائشة ابنة ابى بكر ام المؤمنين زوجة النبي إلى ابنها المخلص زيد بن صوحان اما بعد إذا جاءك كتابي هذا فأقم في بيتك وخذل الناس عن علي حتى يأتيك امري وليبلغني عنك ما اقر به فانك من اوثق اهلي عندي والسلام.

___________________

وقد بايع الناس ذا تدرء

يزيل الشبا ويزيل الصعر

ويلبس للحرب اثوابها

وما من وفي مثل من قد غدر

٢٢٩

فكتب إليها زيد بن صوحان :

بسم الله الرحمن الرحيم من زيد بن صوحان إلى عائشة بنت أبي بكر اما بعد فان الله امرك بأمر وامرنا بأمر أمرك أن تقري في بيتك وأمرنا بالجهاد فأتاني كتابك بضد ما أمر الله به وذلك خلاف الحق والسلام (١).

ومن ذلك ما تظاهرت به الاخبار وثبتت به الآثار في الكتب المصنفة في حرب البصرة وغيرها من كتاب عايشة إلى حفصة ما رواه عن الاصم عن الحسن بن أبي الحسن البصري قال لما نزل علي (ع) ذا قار كتبت إلى حفصة الذي قدمنا ذكره.

وروى بشر بن الربيع عن عمار الدهني عن سالم بن أبي الجعد قال ذكر النبي خروج بعض نسائه وعنده عائشة وعلي حاضر فضحكت عائشة والتفت إلى علي وقال إذا رأيت من امرها شيئا فارفق بها (٢)

وروى عصام بن قدامة البجلي عن ابن عباس قال قال رسول الله لعائشة وعنده نساءه ليت شعري أيتكن صاحبة الجمل تخرج حتى تنبحها كلاب الحوأب يقتل عن يمينها وشمالها خلق كثير كلهم في النار وينجو بعد ما كادت.

وروى أبو بكر بن عياش عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال المسعودي في حديثه قال رسول الله يا علي إذا أدركتها فاضربها واضرب أصحابها.

___________________

(١) تاريخ الطبري (ج ٥ ـ ص ١٨٣).

(٢) رواه الحاكم في المستدرك على الصحيحين (ج ٣ ـ ص ١١٩) ولم يعقب عليه الذهبي وفي تطهير الجنان لابن حجر بهامش الصواعق المحرقة ص ١٠٨ قال رسول الله لعلي سيكون بينك وبين عائشة أمر قال علي (ع) أنا أشقاها؟ قال لا فإذا كان ذلك فأرددها إلى مأمنها

٢٣٠

وروى علي بن مسهر هشام عن ابن عروة عن أبيه عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وآله يا عائشة إني رأيتك في المنام مرتين أرى جملا يحملك في سدفة من حرير فاكشفتها فإذا هي أنت.

أفلا ترى ان رسول الله صلى الله عليه وآله نهاها وقد بين ما يكون منها على علم منه في مصيرها وعاقبة أمرها ثم نهاها عن ذلك وزجرها ودعا عليها لاجله وتوعدها صلى الله عليه وآله فاقدمت على خلافه مستبصرة بعداوته وارتكبت نهيه معاندة له في أمره وصارت إلى ما زجرها عنه مع الذكر له والعلم به من غير شبهة في معاندته على أن كتاب الله المقدم في الحجة على ما تعمده من اثر وخبر وسنة وقد اوضح ببرهانه على اقدام المرأة على الخلاف له من غير شبهة وقتاله وقتال أوليائه لغير حجة بقوله تعالى لها ولجميع نساء النبي : وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الاولى فخرجت من بيتها مخالفة لامر الله وتبرجت بين الملا والعساكر في الحروب تبرج الجاهلية الاولى وأباحت دماء المؤمنين وأفسدت الشرع على المسلمين وأوقعت في الدين الشبهات على المستضعفين.

ومن ذلك ما رواه أبو داود الطبري عن عبد الله بن شريك عن عامر عن عبد الله بن عامر قال سمعت عبد الله بن بديل الخزاعى يقول لعائشة أنشدك الله ألم نسمعك تقولين سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول علي مع الحق والحق مع علي لن يفترقا حتى يردا علي الحوض (١) قالت بلى فقال لها إذا كان ذلك مم هذا قالت دعوني والله لوددت انهم تفانوا جميعا فدل ذلك على انه لم يعترضها شبهة في قتاله وانها في خلاف الله ورسوله والاخبار في هذا المعنى كثيرة ان أخذنا في ايرادها طال بها الكتاب فاما ما جاء في عناد طلحة والزبير لامير المؤمنين (ع) وإقدامهما على حرب عثمان

___________________

(١) رواه الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين (ج ٣ ص ١٢٤) ولم يتعقبه الذهبي في تلخيص المستدرك.

٢٣١

طمعا في نيل الامر من بعده بغير شبهة في ذلك وانهما كانا متوليين لقتل عثمان فلما بايع الناس لامير المؤمنين (ع) وفاتها ما كانا يأملانه من التأمر على الناس عمدا إلى حربه ورمياه بما صنعاه بعثمان وعاندا في ذلك وكابرا ودفعا به المعلوم.

وروى موسى بن مطير عن الاعمش عن مسروق قال دخلنا المدينة فبدأنا بطلحة فخرج مشتملا بقطيفة حمراء فذكرنا له امر عثمان وهم القوم به فقال لقد كاد سفهاؤكم ان يغلبوا عقلاءكم ثم قال أجئتم معكم بحطب ألا فخذوا هاتين الحزمتين فاذهبوا بها إلى بابه فأحرقوه بالنار فخرجنا من عنده وأتينا الزبير فقال مثل قوله فخرجنا حتى أتينا عليا عند أحجار الزيت فذكرنا امره فقال استتيبوا الرجل ولا تعجلوا فان رجع عما هو عليه وإلا فانظروا.

وروى محمد بن اسحاق عن أبي جعفر الاسدي عن أبيه عن عبد الله ابن جعفر قال كنت مع عثمان وهو محصور فلما عرف انه مقتول بعثنى وعبد الرحمان بن أزهر إلى علي (ع) وقد استولى طلحة على الامر وقال انطلقا وقولا له انك أولى بالامر من ابن الحضرمية فلا يغلبنك على امر ابن عمك.

وروى الفضل بن دكين عن عمران الخزاعي عن ميسرة بن جرير قال كنت عند الزبير بأحجار الزيت وهو آخذ بيدي فأتاه رجل وقال يا أبا عبد الله ان أهل الدار قد حيل بينهم وبين الماء فقال ادبروا : (وحيل بينهم وبين ما يشتهون كما فعل بأشياعهم من قبل انهم في شك مريب) فهذه الاخبار وأمثالها قد جاءت بما فعل طلحة والزبير بعثمان وما أباحاه من دمه وان أمير المؤمنين كان معتزلا لذلك عن عثمان دافعا عنه بحسب الامكان ثم جاءا بعد ذلك يطلبان بدم عثمان ويدعيان عليه انه تولى قتله ويقر فانه بما ادعياه ويعملان في قتل أهل الايمان

٢٣٢

وإثارة الفتنة في الاسلام وهلاك العباد والبلاد.

وروى ابراهيم بن عمر عن أبيه عن بشير عن نوح بن دراج ان عليا قال لهما والله ما للعمرة تريدان وقد بلغني أمركما وأمر صاحبتكما فحلفا بالله ما يريدان إلا العمرة.

وروى الحسن بن المبارك عن بكر بن عيسى ان عليا (ع) أخذ عليهما العهد والميثاق أعظم ما أخذه على أحد من خلقه أن لا يخالفا ولا ينكثا ولا يتوجها وجها غير العمرة حتى يرجعا إليه فأعطياه ذلك من أنفسهما ثم أذن لهما فخرجا.

وروت ام راشد مولاة ام هاني ان طلحة والزبير دخلا على علي فاستأذناه في العمرة فلما وليا من عنده سمعتهما يقولان ما بايعا بقلوبنا وانما بايعنا يأيدينا فأخبرت عليا بمقالتهما فقال : (ان الذين يبايعونك انما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فانما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما) ثم قام عليه السلام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال :

اما بعد فان الله لما قبض نبيه قلنا نحن أهل بيته وعصبته وورثته وأولياؤه وأحق خلق الله به لا ينازعنا في سلطانه أحد فبينما نقول ذلك إذ نفر المنافقون فانتزعوا سلطان نبينا منا وولوه غيرنا وأيم الله لولا مخافة الفرقة بين المسلمين أن يعودوا إلى الكفر لغيرنا ذلك ما استطعنا وقد وليتمونا أيها الناس أمركم وبايعني طلحة والزبير فيمن بايعني منكم ثم نهضا إلى البصرة ليفرقا جماعتكم ويلقيا ما بينكم الفتنة اللهم فخدهما بغشهما لهذه الامة وسوء بطرهما.

وفي رواية اخرى في غير هذا الكتاب خطبته هكذا :

اما بعد فانه لما قبض الله رسوله قلنا نحن أهله وورثته وعترته

٢٣٣

وأولياؤه دون الناس لا ينازعنا في سلطانه أحد ولا يطمع في حقنا طامع إذا انبرى لنا قومنا فغصبونا سلطان نبينا فصارت الامرة لغيرنا وصرنا سوقة يطمع فينا الضعيف ويتعزز علينا الذليل فبكت الاعين منا لذلك وخشنت الصدور وجزعت النفوس وأيم الله لولا مخافة الفرقة بين المسلمين وان يعودوا إلى الكفر ويبور الدين لكنا على غير ما كنا لهم عليه فولى الامر ولاة لم يألوا الناس خيرا ثم استخرجتموني أيها الناس من بيتى فبايعتموني على شنئان مني لامركم وفراسة تصدقني عما في قلوب كثير منكم وبايعني هذان الرجلان في أول من بايعني تعلمون ذلك وقد نكثا وغدرا ونهضا إلى البصرة بعائشة ليفرقا جماعتكم إلى آخر ما في المتن قال وقد كان في منع الحسن (ع) أن يدفن مع جده فيما لا خلاف فيه بين العلماء فيما حاورت به القوم إذ قالت ما لكم ولى تريدون ان تدخلوا بيتي من لا أحب وكانت مؤذية له في أسباب لا حاجة لنا بذكرها ومن الله نسأل التوفيق لما يرضيه والعمل بما يقرب منه ونستهديه إلى سبيل الرشاد انه ولي الاجابة قريب مجيب والحمد لله حمد العارفين بفضل العوارف وصلوته وسلامه على سيدنا محمد المصطفى من الخلق المبعوث بالحق هلال الدين ونور المتقين وسيد الاولين والآخرين وآله الطاهرين.

٢٣٤