الجمل

محمّد بن محمّد النعمان العكبري [ الشيخ المفيد ]

الجمل

المؤلف:

محمّد بن محمّد النعمان العكبري [ الشيخ المفيد ]


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٣٤

امر ولم تشرحه له فلما امسينا بعثنا إلى عائشة نستأذن عليها فأذنت لنا قالت كبشة فدخلت في نسوة من الانصار فحدثتنا بخروجها وانها لم تظن الامر يبلغ إلى ما بلغ ثم قالت لقد عمل لي على هودج حملني ثم البس الحديد ودخلت فيه وقمت في وسط الناس أدعو إلى الصلح وإلى الكتاب والسنة فليس أحد يسمع من كلامي حرفا وعجل من لقينا القتال فرموا النبل وصرعهم القوم حتى قتل من اصحاب علي رجل ورجلان ثم تقارب الناس ولحم الشر وصار القوم ليس لهم همة إلا جملي ولقد دخلت علي سهام فجرحتني فأخرجت ذراعها وارتنا جرحا على عضدها فبكت وأبكتنا.

قالت وجعل كلما اخذ بخطام جملي رجل قتل حتى أخذه ابن اختي عبد الله فصحت به وناشدته بالرحم انه يتجافاني فقال يا ام هو الموت يقتل الرجل وهو عظيم الغنى عن أصحابه على نيته خير ان يدرك وقد فارقته نيته فصحت واثكل اسماء فقال يا ام الزمي الصمت وقد لحم ما ترين فأمسكت وكان من معنا فتيان احداث من قريش لا علم لهم بالقتال ولم يشهدوا الحرب فكانوا جزرا للقوم فاني لعلى ما نحن فيه وقد كان الناس كلهم حول جملي فسكتوا ساعة فقلت خيرا أم شرا ذا سكوتكم ضرس القتال وإذا ابن أبي طالب أنظر إليه يباشر القتال بنفسه واسمعه يصيح الجمل الجمل فقلت أرادوا والله قتلي فإذا هو علي بن أبى طالب ومعه محمد بن أبى بكر أخي ومعاذ بن عبد الله التميمي وعمار ابن ياسر وقطعوا البطان واحتملوا الهودج فهوى على أيدي الرجال يرفلون به وهرب من كان معنا فلم أحس لهم خبرا.

ونادى منادي علي بن أبى طالب لا يتبع مدبرا ولا يجهز على جريح ومن طرح السلاح فهو آمن فرجعت إلى الناس أرواحهم فمشوا على الناس واستحيوا من السعي فادخلت منزل عبد الله بن خلف

٢٠١

الخزاعي (١) وانه منزل رجل قد قتل وأهله مستعبرون عليه ودخل معي كل من خاف عليا ممن نصب له واحتمل ابن اختي عبد الله جريحا فوالله انى لعلى ما أنا عليه وأنا أسأل ما فعل ابو محمد طلحة إذ قال قائل قتل فقلت ما فعل أبو سليمان فقيل قد قتل فلقد رأيتني تلك الساعة جمدت عيناى فانقطعت من الحزن وأكثرت من الاسترجاع والندامة وذكر من قتل فبكيت لقتلهم فنحن على ما نحن عليه وأنا أسأل عن عبد الله فقيل قتل فازددت غما وهما حتى كاد ينصدع قلبي فوالله لقد بقيت ثلاثة أيام بلياليهن ما دخل في فمي طعام ولا شراب وانى عند قوم ما يقصروا في ضيافتي وان الخبز في منازلهم لكثير لكنى أذهب اعالج الشبع من الطعام فما اقدر فنعوذ بالله من الفتنة ولقد كنت ألبت على عثمان حتى نيل منه ما نيل فلما قتل ندمت وعلمت ان المسلمين لا يستخلفون مثله أبدا كان والله أجلهم حلما وأعبدهم عبادة وأبذلهم عند النائبة وأوصلهم للرحم

قالت كبشة بنت كعب فرجعت إلى أبى فقال ما حدثتكم به عائشة فأخبرته بما قالت فقال يرحم الله عائشة ويرحم الله أمير المؤمنين عثمان هي كانت أشد الناس عليه ولقد نزعت وتابت وأرادت ان تأخذ بثاره فجاء خلاف ما أرادت فرحمهم الله جميعا.

ثم قال رحم الله عمر بن الخطاب كان والله يرى هذا كله قال يوما ان كان يصير اختلاف فانما يكون بينكم وان كان بينكم دخل عليكم ما تكرهون.

وروى الواقدي قال حدثنا محمد بن نجار عن عائشة بنت سعد قالت اشتكى أبى فدخل عليه مروان بن الحكم يعوده فذكر عائشة فقال مروان يا أبا اسحق لقد حضرت امورا فاعتزلت عنها يوم الدار وحضرتها

___________________

(١) في تاريخ الطبري (ج ٥ ـ ص ٢١٩) زوجته صفية بنت الحارث ابن طلحة بن أبى طلحة وهي ام طلحة الطلحات بن عبد الله بن خلف.

٢٠٢

فقاتلت أمامي حتى وقعت جريحا ثم حضرت الجمل واني لانظر إلى خروج عائشة وهودجها وعليه درع الحديد وقد انهزم الناس وما اخذ بخطام الجمل أحد إلا مات فقال له أبي وهو يبكي وعمار وسطها فقال مروان أي والله فبكى أبى قال ثم خرجت يومئذ فحملت جريحا فلم أر يوما كان أسرع انكشافا من يوم الجمل فقال له أبى ما أحب ان حضرت الدار آمرا ولا ناهيا ولا احب ان حضرت الجمل آمرا ولا ناهيا ثم خرج مروان وجعل ابى يبكى ويقول ليت شعرى ما لقى عمار وأصحابه وأمثاله من أصحابنا الله حملهم وغرسهم في جنته.

وروى ابن ابى سبرة علقمة عن امه قال سمعت عائشة تقول : لقد رأيتني يوم الجمل وان على هودجي الدروع الحديدية والنبل يخلص إلي منها وأنا في الهودج فهون ذلك علي ما صنعنا بعثمان ألبنا عليه حتى قتلناه وجرينا عليه الغواة فنعوذ بالله من الفرقة بين المسلمين.

وروى منصور بن أبى الاسود عن مسلم الاعور عن حبة العرنى قال والله انى لانظرن إلى الرجل الذى ضرب الجمل ضربة على عجزه فسقط لجنبه فكأني أسمع عجيج الجمل ما سمعت قط عجيجا أشد منه. قال لما عقر الجمل وانقطع بطان الهودج فزال عن ظهر الجمل وانفض اهل البصرة منهزمين وجعل عمار بن ياسر ومحمد بن أبى بكر يقطعان الحقب والانساع واحتملاه ـ أي الهودج ـ ووضعاه على الارض فأقبل علي بن أبى طالب حتى وقف عليها وهي في هودجها فقرع الهودج بالرمح وقال يا حميراء أرسول الله امرك بهذا المسير ونادى عمار بن ياسر يومئذ لا تجهزوا على جريح ولا تتبعوا مدبرا موليا ورأيت يومئذ سعيد وابان ابنا عثمان فجيئ بهما إلى علي بن أبى طالب عليه السلام فلما وقفا بين يديه قال بعض من حضر اقتلهما يا أمير المؤمنين فقال بئس ما قلتم آمنت الناس كلهم واقتل هذين ثم أقبل عليهما وقال لهما ارجعا عن غيكما وانزعا

٢٠٣

وانطلقا حيث شئتما وان أحببتما فأقيما عندي حتى أصل أرحامكما فقالا يا أمير المؤمنين نحن نبايع فبايعا وانصرفا.

قتل طلحة بن عبد الله :

وروى اسماعيل بن عبد الملك عن يحيى بن شبل عن جعفر بن محمد عن أبيه عليه السلام قال حدثني أبى علي زين العابدين عليه السلام قال قال لي مروان بن الحكم لما رأيت الناس يوم الجمل قد كشفوا قلت والله لادركن ثاري ولافوزن منه الآن فرميت طلحة فأصبت نساه فجعل الدم ينزف فرميته ثانية فجاءت به فأخذوه حتى وضعوه تحت شجرة فبقي تحتها ينزف منه الدم حتى مات.

وروى ابن سليمان عن ابن خيثمة قال قال عبد الملك بن مروان يوما وقد ذكر عثمان وقتل طلحة ولولا ان أبى قتله لم يزل في قلبى جرحه إلى اليوم وقال عبد الملك سمعت أبى يقول نظرت إلى طلحة يوم الجمل وعليه درع ومغفر لم أر منه إلا عينيه فقلت كيف لي به فنظرت إلى فتق في درعه فرميته فأصبت نساه فقطعته فانى انظر إلى مولى له يحمله على ظهره موليا فلم يلبث ان مات.

وروى عبد الحميد بن عمران عن ابن كعب القرظي عن رواح بن الحرث عن عمير قالت لقيت طلحة بن عبد الله فقلت يا أبا محمد ما أخرجك إلى ههنا؟ أفلم تبايع عليا بالمدينة طايعا غير مكره؟ قال دعني والله ما بايعته إلا والسيف على عنقي فلما التقى الناس يوم الجمل جاءه سهم غرب (١)

___________________

(١) ذكر ابن جرير في التاريخ (ج ٥ ـ ٢١٥) انه اصابه سهم غرب وفي كتاب (مبادى اللغة) تأليف محمد بن عبد الله الخطيب الاسكافي المتوفى سنة ٤٢١ ص ١٠٨ يقال اصابه سهم غرب إذا لم يعرف الرامي.

٢٠٤

قطع نساه فنزف الدم حتى مات.

وروى ابو سهل عن الحسن قال لما رمي طلحة ركب بغلا وقال لغلامه التمس لي مكانا أدخل فيه فقال الغلام ما ادرى اين ادخلك فقال طلحة ما رأيت كاليوم اضيع من دم شيخ مثلي وقال الحسن وكان امر الله فدرا مقدورا.

وفي رواية علي بن زيد بن جذعان قال لما بلغ طلحة ان الزبير قد اندفع ذهب في طلبه وقد التقى وهم لا يعلمون برجوع الزبير فمر مروان ابن الحكم فرآه فقال لا اطلب ثارى بدم عثمان بعد اليوم والله وقاتل عثمان بين اعجاز الابل وصدورها ثم رماه بسهم فقتله.

وفي رواية سفيان بن عنبسة عن ابى موسى عن الحسن بن ابى الحسن قال خرج طلحة بن عبد الله من رساتيق أقطعه إياها عثمان إذ كان يقبضها ينيخ بها الف راكب ثم يروحون فلم يعرف له ذلك حتى سعى في دمه فلما كان يوم البصرة خرج للقتال وقد لبس درعا استجن به من السهام إذ اتاه سهم فأصابه وكان امر الله قدرا مقدورا ورأيته يقول حين اصابه السهم ما رأيت كاليوم مصرع شيخ اضيع من مصرعي قال الحسن وقد كان قبل ذلك جاهد جهادا مع رسول الله ووقاه بيده فضيع امر نفسه ولقد رأيت قبره مأوى الشقاء فيضع عنده قريبه ثم يقضى عنده حاجته فما رأيت اعجب من هؤلاء القوم.

واما الزبير فانه اتى حيا من احياء العرب فقال اجيروني وقد كان قبل ذلك يجير ولا يجار عليه ثم قال الحسن وما الذى اخافك والله ما اخافك إلا ابنك قال فاتبعه ابن جرموز في تلول من اتاليل العرب والله ما رأيت مثله قط ضاع دمه وهذا قبره (بوادي السباع) (١) مخراة

___________________

(١) ذكر ابن كثير في البداية (ج ١١ ـ ص ٣١٩) ان اهل البصرة في المحرم كشفوا عن قبر فرأوا رجلا طري عليه ثيابه وسيفه ـ

٢٠٥

للثعالب فخرجا ولم يدركا ما طلبا ولم يرجعا إلى ما تركا فعز على هذه الشقوة التى كتبت عليهما.

وروى قيس بن ابى حازم قال رمى طلحة بسهم في ركبتيه فجعل يعدو والدم يفور فإذا امسكوا رأس الجرح انتفخت ركبته فصاح دعوه فانه سهم ارسله الله فلم يزل الدم ينزف حتى مات فدفنوه على شاطئ الفرات فرأى بعض الناس في النوم طلحة يقول اريحوني من هذا الماء فانى في اذى شديد ورأى الرجل تلك الرؤيا ثلاث مرات فنبشوه فإذا قبره قد اخضر كأنه السلق فاستخرجوه فأخذ ما يلى الارض من لحيته ووجهه قد أكلته الارض فاشتروا له دارا من دور آل بكر بعشرة آلاف درهم فدفنوه فيها.

فهذه الاخبار جملة مختصرة صحيحة في مقتل طلحة بن عبد الله طريقها من العامة من اوضح طريق وسندها اصح اسانيد وليس بين الامة فيها اختلاف وكل يدل على ان طلحة قتل وهو مصر على الحرب غير نادم ولا مرعوى عن ذلك وفاقا لمذهب الحشوية وخلافا لمذهب

___________________

ـ فظنوه الزبير بن العوام فأخرجوه وكفنوه ودفنوه واتخذوا عند قبره مسجدا ووقف عليه أوقاف كثيرة وجعل عنده خدام وقوام وفرش وتنوير ، انتهى.

أقول وإذا اوقفنا تاريخ الطبري (ج ٥ ـ ص ٢١٩) ان ابن جرموز طعن الزبير من خلفه واخذ فرسه وخاتمه وسلاحه وجاء بالسيف إلى علي (ع) وخلى عن غلامه فدفنه بوادي السباع اه‍.

نعرف من هذا الرجل الطري الذى عليه ثيابه وسيفه لم يكن هو الزبير قطعا وانى لا أراه إلا شهيدا على الحق والشهيد يدفن بثيابه لا يغسل ولا يكفن ويتضح من ذلك ان القبر المنسوب للزبير منشأه ذلك الظن وهو لا يغنى عن الحق شيئا.

٢٠٦

المعتزلة وشاهدا ببطلان ما ادعوه من توبته.

قتل الزبير بن العوام :

روى المفضل بن فضالة عن سويد بن الهادي عن محمد بن ابراهيم قال هرب الزبير على فرس له يدعى (ذا الجمار) حتى وقع بسفوان فمر بعبد الله بن سعيد المجاشعي وابن مطرح السعدي فقالا له يا حوارى رسول الله انت في ذمتنا لا يصل اليك احد فأقبل معهما فهو ليسير مع الرجلين إذ اتى الاحنف بن قيس رجل فقال اريد ان اسر اليك سرا ادن منى فدنا منه فقال يا ابا الحسن هذا الزبير قد هرب وانى رأيته بين رجلين من بنى مجاشع ومنقر اظنه يريد التوجه إلى المدينة فرفع الاحنف صوته وقال ما اصنع ان كان الزبير قد القى الفتنة بين المسلمين حتى ضرب بعضهم بعضا ثم هو يريد ان يرجع إلى أهله إلى المدينة سالما فسمعه ابن جرموز فنهض ومعه رجل يقال له فضالة ابن محابس وعلما ان الاحنف انما رفع صوته يذكر الزبير لكراهته ان يسلم وايثاره ان يقتل فاتبعاه جميعا فلما رآهما من كان مع الزبير قالوا له هذا ابن جرموز وانا نخافه عليك فقال لهم الزبير انا أكفيكم ابن جرموز وانتم اكفوني ابن محابس فحمل عمير على الزبير وعطف عليه وقال يا فضالة اعني فان الرجل قاتلي فأعانه وحمل ابن جرموز فقتله واحتز رأسه واتى به الاحنف بن قيس ثم إلى أمير المؤمنين (ع) فلما رآه العسكر انكروه وقالوا له من أنت؟ قال انا رسول الاحنف بن قيس فمن قائل يقول مرحبا بك وبمن جئت من عنده ومن قائل يقول لا مرحبا بك ولا بمن جئت من عنده حتى انتهى إلى فسطاط امير المؤمنين (ع) فخرج إليه رجل ضخم طوال عليه درع يتجسس فإذا هو الاشتر فقال من أنت؟ قال انا رسول الاحنف فقال مكانك حتى استأذن لك فاستأذن له فدخل وامير المؤمنين

٢٠٧

متكئ وبين يديه ترس عليه اقراص من طعام الشعير فسلم عليه وهناه بالفتح عن الاحنف وقال انا رسوله وقد قتلت الزبير وهذا رأسه وسيفه فألقاهما بين يديه فقال عليه السلام كيف قتلته وما كان من امره فحدثنا كيف صنعك به ثم قال ناولني سيفه فناوله فاستله وقال سيف اعرفه أما والله لقد قاتل بين يدى رسول الله صلى الله عليه وآله غير مرة ولكنه الحين ومصارع السوء.

وفي رواية منصور بن ابى الاسود عن عطاء بن السائب عن ابى البحترى قال لما بعث الاحنف بن قيس إلى امير المؤمنين (ع) برأس الزبير وسيفه وجاءه الرسول يهنئه بالفتح تلا : (الذين يتربصون بكم فان كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم (١).

وفي رواية اخرى عن زيد بن فراس عن غزال بن مالك قال لما قتل الزبير وجئ برأسه إلى امير المؤمنين عليه السلام قال أما والله لولا ما كان من امر حاطب بن أبى بلتعة ما اجترأ طلحة والزبير على قتالي وان الزبير كان أقرب إلى من طلحة وما زال منا اهل البيت حتى بلغ ابنه فقطع بيننا.

وفي رواية عبد الله بن جبير عن ابن أبي عون قال سمعت مروان ابن الحكم يقول لما كان يوم الجمل قلت والله لادركن ثار عثمان فرميت طلحة بسهم فقطعت نساه وكان كلما شد الموضع غلب الدم عليه وألمه فقال لغلامه دعه فهو سهم ارسله الله إلى ثم قال له ويلك اطلب لي موضعا احترز به فلم يجد له مكانا فاحتمله عبد الله بن معمر فأدخله بيت أعرابية ثم ذهب فصبر هنيئة ورجع فوجده قد مات وهرب الزبير فاراد المدينة حتى أتى وادى السباع فرفع الاحنف صوته وقال ما اصنع بالزبير قد لف بين عارين من الناس حتى قتل بعضهم بعضا وهو يريد

___________________

(١) سورة النساء : ١٤٠.

٢٠٨

اللحاق بأهله فسمع ذلك ابن جرموز فخرج في طلبه وتبعه رجل من مجاشع حتى لحقاه فلما رآهما الزبير حذرهما فقالا يا حواري رسول الله انت في ذمتنا لا يصل اليك أحد وسايره ابن جرموز فبينا هو يسير ويستأخر والزبير يفارقه ثم قال يا أبا عبد الله انزع درعك واجعلها على فرسك فانها تثقلك وتعييك فنزعها الزبير وجعل عمرو بن مجاشع ينكص ويستأخر والزبير يناديه فيلحقه وهو يجري بفرسه ثم انحاز إليه حتى اطمأن إليه ولم ينكر تأخره عنه فحمل عليه وطعنه بين كتفبه فأخرج السنان من بين ثدييه ونزل فاحتز رأسه وجاء به إلى الاحنف فأنفذه إلى أمير المؤمنين (ع) فلما رأى رأس الزبير وسيفه قال ناولني السيف فناوله فهزه وقال سيف طالما قاتل به بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله ولكن الحين ومصارع السوء ثم تفرس في وجه الزبير وقال لقد كان لك برسول الله صلى الله عليه وآله صحبة ومنه قرابة ولكن دخل الشيطان منخرك فأوردك هذا المورد.

الوصي يكلم القتلي :

فصل : لما انجلت الحرب بالبصرة وقتل طلحة والزبير وحملت عايشة إلى قصر بني خلف ركب امير المؤمنين (ع) وتبعه أصحابه وعمار بن ياسر رحمه الله يمشي مع ركابه حتى خرج إلى القتلي يطوف عليهم فمر بعبد الله بن خلف الخزاعي وعليه ثياب حسان مشهرة فقال الناس هذا والله رأس الناس فقال عليه السلام ليس برأس الناس ولكنه شريف منيع النفس ثم مر بعبد الرحمن بن عتاب بن اسيد فقال هذا يعسوب القوم ورأسهم كما ترونه ثم جعل يستعرض القتلى رجلا رجلا فلما رأى أشراف قريش صرعى في جملة القتلى قال جدعت انفي اما والله ان كان مصرعكم لبغيضا إلي ولقد تقدمت اليكم وحذرتكم عض السيوف

٢٠٩

وكنتم أحداثا لا علم لكم بما ترون ولكن الحين ومصارع السوء نعوذ بالله من سوء المصرع ثم سار حتى وقف على كعب بن شور وهو مجدل بين القتلى وفي عنقه المصحف فقال نحو المصحف وضعوه في مواضع الطهارة ثم قال اجلسوا لي كعبا فاجلس ورأيته ينخفض إلى الارض فقال يا كعب بن شور قد وجدت ما وعدني ربي حقا فهل وجدت ما وعدك ربك حقا ثم قال اضجعوا كعبا فتجاوزه فمر فرأى طلحة صريعا فقال اجلسوا طلحة فاجلس وقال يا طلحة بن عبد الله قد وجدت ما وعدني ربى حقا فهل وجدت ما وعدك ربك حقا ثم قال اضجعوه فوقف رجل من القراء أمامه وقال يا أمير المؤمنين ما كلامك هذه الهام قد صديت لا تسمع لك كلاما ولا ترد جوابا فقال عليه السلام انهما ليسمعان كلامي كما سمع اصحاب القليب كلام رسول الله صلى الله عليه وآله ولو أذن لهم في الجواب لرأيت عجبا ومر بعبد الله بن المقداد بن عمر (١) وهو في الصراعى فقال رحم الله أباك انما كان رأيه فينا احسن من رأيك فقال عمار الحمد لله الذي اوقعه وجعل خده الاسفل انا والله يا أمير المؤمنين لا نبالي عمن عند من الحق من ولد ووالد فقال عليه السلام رحمك الله يا عمار وجزاك عن الحق خيرا ومر بعبد الله بن ربيعة بن رواح وهو في القتلى فقال هذا البائس ما كان اخرجه نصر عثمان والله ما كان رأي عثمان فيه ولا في ابيه بحسن ومر بمعبد بن زهير بن امية فقال لو كانت الفتنة برأس الثريا لتناولها هذا الغلام والله ما كان فيها بذي مخبره ولقد اخبرني من ادركه انه يلوذ خوفا من السيف حتى قتل البائس ضياعا ومر بمسلم بن

___________________

(١) امه ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب شقيق ابى طالب والد على (ع) وعبد الله والد النبي صلى الله عليه وآله ومن غرائب الاسرار الآلهية ان ابن المقداد يخرج على امير المؤمنين (ع) ومحمد بن ابى بكر يكون مع امير المؤمنين (ع).

٢١٠

قرضة فقال البر اخرج هذا ولقد سألني ان اكلم عثمان في شيئ يدعيه عليه بمكة فلم أزل به حتى اعطاه وقال لي لولا انت ما اعطيته ان هذا ما علمت بئس العشيرة ثم جاء لحينه ينصر عثمان ثم مر بعبدالله بن عمير ابن زهير قال هذا ايضا ممن وضع في قتلانا يطلب بزعمه دم عثمان ولقد كتب إلى كتبا آذى عثمان فيها فأعطاه شيئا فرضى عنه ومر بعبد الله ابن حكيم بن حزام فقال هذا خالف أباه في الخروج علي وان أباه حيث لم ينصرنا بايع وجلس في بيته ما الوم أحدا إذا كف عنا وعن غيرنا ولكن الملوم الذي يقاتلنا ومر بعبد الله بن المغيرة بن الاخنس فقال اما هذا فقتل ابوه يوم قتل عثمان في الدار فخرج غضبا لمقتل أبيه وهو غلام لا علم له بعواقب الامور ومر بعبد الله بن الاخنس بن شريق فقال اما هذا فاني أنظر إليه وقد أخذ القوم السيوف وانه لهارب يعدو من السيف فنهيت عنه فلم يسمع نهيي حتى قتل وكان هذا ممن مقت علي وانه من فتيان قريش الاغمار لا علم لهم بالحرب خدعوا واستنزلوا فلما وقعوا الحجوا فقتلوا.

الشهيد يحاج بدمه :

ثم امر عليه السلام مناديه فنادى : من أحب ان يواري قتيله فليواره وقال عليه السلام واروا قتلانا في ثيابهم التى قتلوا فيها فانهم يحشرون على الشهادة واني لشاهد لهم بالوفاء.

كتب علي إلى المدينة والكوفة :

ثم رجع إلى خيمته واستدعى عبد الله بن رافع وقال اكتب إلى اهل المدينة :

بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله علي بن ابي طالب. سلام عليكم فانى احمد الله اليكم الذي لا إله إلا هو فان الله بمنه وفضله وحسن بلائه

٢١١

عندي وعندكم حكم عدل وقد قال سبحانه في كتابه وقوله الحق :

ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوء فلا مرد له وما لهم من دونه من وال.

واني مخبركم عنا وعمن سرنا إليه من جموع اهل البصرة ومن سار إليهم من قريش وغيرهم مع طلحة والزبير ونكثهما علي ما قد علمتم من بيعتي وهما طايعان غير مكرهين فخرجت من عندكم بمن خرجت ممن سارع إلى بيعتى وإلى الحق حتى نزلت (ذاقار) فنفر معي من نفر من اهل الكوفة وقدم طلحة والزبير البصرة وصنعا بعاملي عثمان بن حنيف ما صنعا فقدمت إليهم الرسل واعذرت كل الاعذار ثم نزلت ظهر البصرة فأعذرت بالدعاء وقدمت الحجة وأقلت العثرة والزلة واستعتبتهما ومن معهما ممن نكث بيعتي ونقض عهدي فأبوا إلا قتالي وقتال من معى والتمادى في الغى فلم أجد بدا في مناصفتهم بالجهاد فقتل الله من قتل منهم ناكثا وولى من ولى منهم واغمدت السيوف عنهم واخذت بالعفو فيهم وأجريت الحق والسنة في حكمهم واخترت لهم عاملا واستعملته عليهم وهو عبد الله بن عباس وإنى سائر إلى الكوفة انشاء الله تعالى.

وكتب عبد الله بن ابي رافع في جمادي الاولى سنة ست وثلاثين من الهجرة وكتب امير المؤمنين عليه السلام إلى ام هاني بنت ابي طالب (١) :

سلام عليك احمد اليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فانا التقينا مع البغاة والظلمة في البصرة فأعطانا الله تعالى النصر عليهم بحوله وقوته

___________________

(١) يتم هذا إذا صح ما في تقريب التهذيب لابن حجر ص ٦٢٠ لكنهؤ من انها ماتت في ايام معاوية واما على ما في مناقب ابن شهراشوب (ج ١ ـ ص ١١٠) ايران من انها ماتت ايام النبي (ص) فلا يتم.

٢١٢

واعطاهم سنة الظالمين فقتل كل من طلحة والزبير وعبد الرحمن بن عتاب وجمع لا يحصى وقتل منا بنو مخدوع وابنا صوحان وعليا وهندا وثمامة فيمن يعد من المسلمين رحمهم الله والسلام.

وكتب إلى أهل الكوفة :

بسم الله الرحمن الرحيم من علي امير المؤمنين إلى أهل الكوفة.

سلام عليكم فاني احمد الله اليكم الذي لا إله إلا هو أما بعد فان الله حكم عدل لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم (وإذا اراد الله بقوم سوء فلا مرد له وما لهم من دونه من وال) واني اخبركم عنا وعمن سرنا إليه من جموع اهل البصرة ومن سار إليه من قريش وغيرهم مع طلحة والزبير بعد نكثهما صفقة ايمانهما فنهضت من المدينة حين انتهى إلى خبرهم وما صنعوه بعاملي عثمان بن حنيف حتى قدمت ذا قار فبعثت اليكم ابني الحسن وعمارا وقيسا فاستنفروكم لحق الله وحق رسوله وحقنا فأجابني اخوانكم سراعا حتى قدموا علي بهم وبالمسارعة إلى طاعة الله حتى نزلت ظهر البصرة فأعذرت بالدعاء وأقمت الحجة وأقلت العثرة والزلة من اهل الردة من قريش وغيرهم واستعتبتهم عن نكثهم بيعتي وعهد الله لي عليهم فأبوا إلا قتالي وقتال من معى والتمادى في البغي فناهضتهم بالجهاد وقتل من قتل منهم وولى إلى مصرهم من ولى فسألوني ما دعوتهم إليه من كف القتال فقبلت منهم وغمدت السيوف عنهم واخذت بالعفو فيهم واجريت الحق والسنة بينهم واستعملت عبد الله بن عباس على البصرة وانا سائر إلى الكوفة ان شاء الله تعالى وقد بعثت اليكم زجر بن قيس الجعفي لتسألونه يخبركم عنا وعنهم وردهم الحق علينا وردهم الله وهم كارهون والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وكتب عبد الله بن ابى رافع في جمادى الاولى سنة ست وثلاثين.

٢١٣

خطبة علي (ع) :

ولما كتب امير المؤمنين عليه السلام بالفتح قام في الناس خطيبا فحمد الله واثنى عليه وصلى على محمد وآله ثم قال :

اما بعد فان الله غفور رحيم عزيز ذو انتقام جعل عفوه ومغفرته لاهل طاعته وجعل عذابه وعقابه لمن عصاه وخالف امره وابتدع في دينه ما ليس منه وبرحمته نال الصالحون وقد امكنني الله منكم يا أهل البصرة واسلمكم بأعمالكم فاياكم ان تعودوا إلى مثلها فانكم اول من شرع القتال والشقاق وترك الحق والانصاف.

زهد علي (ع) :

ثم نزل عليه السلام واستدعى جماعة من اصحابه فمشوا معه حتى دخلوا بيت المال وارسل إلى القراء فدعاهم ودعا الخزان وامرهم بفتح الابواب التي داخلها المال فلما رأى كثرة ما فيها فقال هذا جناي ثم قسم المال بين اصحابه فأصاب كل منهم ستة آلاف درهم وكان اصحابه اثنى عشر الف واخذ كأحدهم فبينا هي بحالها إذ أتاه آت فقال يا امير المؤمنين ان اسمي سقط من كتابك وقد رأيت من البلاء ما رأيت فدفع سهمه إلى ذلك الرجل.

وروى الثوري عن داوود بن ابى هند عن ابى حرز الاسود قال لقد رأيت بالبصرة طلحة والزبير قد ارسلا إلى اناس من اهل البصرة انا فيهم فدخلنا بيت المال معهما فلما رأيا ما فيه من اموال قالا هذا ما وعدنا الله ورسوله ثم تليا هذه الآية : (وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذا) إلى آخر الآية وقالا نحن احق بهذا المال من كل احد ولما كان من القوم ما كان دعانا علي بن ابي طالب (ع)

٢١٤

فدخلنا معه بيت المال فلما رأى ما فيه ضرب احدى يديه على الاخرى وقال غرى غيري وقسمه بين اصحابه بالسوية حتى لم يبق إلا خمسماءه درهم عزلها لنفسه فجاءه رجل فقال ان اسمى سقط من كتابك فقال عليه السلام ردوها ردوها عليه ثم قال الحمد الذى لم يصل إلى من هذا المال شيئا ووفره على المسلمين.

خطبة بعد القسمة :

روى الواقدي ان امير المؤمنين عليه السلام لما فرغ من قسمة المال قام خطيبا فحمد الله واثنى عليه وقال :

ايها الناس انى احمد الله على نعمة قتل طلحة والزبير وهربت عائشة وايم الله لو كانت عايشة طلبت حقا وهانت باطلا لكان لها في بيتها مأوى وما فرض الله عليها الجهاد وان اول خطأها في نفسها وما كانت والله على القوم أشأم من ناقة الصخرة وما ازداد عدوكم بما صنع الله إلا حقدا وما زادهم الشيطان إلا طغيانا ولقد جاؤوا مبطلين وادبروا ظالمين ان اخوانكم المؤمنين جاهدوا في سبيل الله وآمنوا يرجون مغفرة الله واننا لعلى الحق وانهم لعلى الباطل ويجمعنا الله واياهم يوم الفصل واستغفر الله لي ولكم.

كتاب إلى اهل الكوفة :

وفي رواية عمر بن سعد عن يزيد بن الصلت عن عامر الاسدي قال ان عليا كتب بعد فتح البصرة مع عمر بن سلمة الارحبي إلى اهل الكوفة

من عبد الله علي بن ابى طالب إلى قرضة بن كعب ومن قبله من المسلمين سلام عليكم فانى احمد الله اليكم الذي لا إله إلا هو اما بعد فانا لقينا القوم الناكثين لبيعتنا المفرقين لجماعتنا الباغين علينا من امتنا

٢١٥

فحاججناهم إلى الله فنصرنا الله عليهم وقتل طلحة والزبير وقد تقدمت اليهما بالنذر واشهدت عليهما صلحاء الامة ومكنتهما في البيعة فما أطاعا المرشدين ولا أجابا الناصحين ولاذ اهل البغي بعائشة فقتل حولها جم لا يحصى عددهم إلا الله ثم ضرب الله وجه بقيتهم فأدبروا فما كانت ناقة الحجر بأشأم منها على اهل ذلك المصر مع ما جاءت به من الحوب الكبير في معصيتها لربها ونبيها من الحرب واغترار من اغتر بها وما صنعته من التفرقة بين المؤمنين وسفك دماء المسلمين لا بينة ولا معذرة ولا حجة لها فلما هزمهم الله امرت ان لا يقتل مدبرا ولا يجهز على جريح ولا يهتك ستر ولا يدخل دار إلا باذن اهلها وقد آمنت الناس واستشهد منا رجال صالحون ضاعف الله لهم الحسنات ورفع درجاتهم وأثابهم ثواب الصابرين وجزاهم من اهل مصر عن اهل بيت نبيهم احسن ما يجزى العاملين بطاعته والشاكرين لنعمته فقد سمعتم واطعتم ودعيتم فأجبتم فنعم الاخوان والاعوان على الحق انتم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

كتب عبد الله بن ابى رافع في رجب سنة ست وثلاثين.

سيرته في أهل البصرة :

روى مطر بن خليفة عن منذر الثوري قال لما انهزم الناس يوم الجمل امر امير المؤمنين عليه السلام مناديا ينادي ان لا تجهزوا على جريح ولا تتبعوا مدبرا وقسم ما حواه العسكر من السلاح والكراع.

وروى سفيان بن سعد قال قال عمار لامير المؤمنين (ع) ما ترى في سبي الذرية قال ما أرى عليهم من سبيل انما قاتلنا من قاتلنا ولما قسم ما حواه العسكر قال له بعض القراء من اصحاب اقسم من ذراريهم لنا واموالهم وإلا فما الذى أحل دماءهم ولم يحل اموالهم فقال عليه السلام

٢١٦

هذه الذرية لا سبيل عليها وهم في دار هجرة وانما قتلنا من حاربنا وبغى علينا وأما أموالهم فهي ميراث لمستحقيها من أرحامهم فقال عمار رحمه الله لا نتبع مدبرهم ولا نجهز على جريحهم فقال (ع) لا لاني آمنتهم.

وروى سعد بن جشم عن خارجة عن مصعب عن أبيه قال شهدنا مع أمير المؤمنين (ع) الجمل فلما ظفرنا بهم خرجنا في طلب الطعام فجعلنا نمر بالذهب والفضة فلا نتعرض له وإذا وجدنا الطعام أصبنا منه قال وقسم علي (ع) ما وجده في العسكر من طيب بين نسائنا وقال (ع) مروا نساء هؤلاء المقتولين من أهل البصرة أن يعتدن منهم ولنقسم أموالهم في أهليهم فهي ميراث لهم على فريضة من الله قال وكان إذا أتى بأسير منهم فان كان قاتل قتله وان لم تقم عليه بينة بالقتل أطلقه ولما قسم ما حواه العسكر أمر بفرس فيه كادت أن تباع فقام إليه رجل قال يا أمير المؤمنين هذه الفرس لي كانت وإنما أعرتها لفلان ولم أعلم انه يخرج عليها فسأله البينة على ذلك فأقام البينة انها عارية فردها وقسم ما سوى ذلك.

ذمه أهل البصرة :

وروى نصر بن عمر بن سعد عن أبي خالد عن عبد الله بن عاصم عن محمد بن بشير الهمداني عن الحرث بن سريع قال لما ظهر امير المؤمنين (ع) على أهل البصرة وقسم ما حواه العسكر قام فيهم خطيبا فحمد الله وأثنى عليه وصلى على رسول الله وقال :

أيها الناس ان الله عزوجل ذو رحمة واسعة ومغفرة دائمة لاهل طاعته وقضى ان نقمته وعقابه على أهل معصيته يا أهل البصرة يا أهل المؤتفكة؟ ويا جند المرأة؟ وأتباع البهيمة رغا فرجفتم ، وعقر فانهزمتم أحلامكم دقاق ، وعهدكم شقاق ، ودينكم نفاق ، وأنتم فسقة مراق

٢١٧

أرضكم قريبه من الماء ; بعيدة من السماء ، خفت عقولكم ، وسفهت أحلامكم ، شهرتم سيوفكم علينا ، وسفكتم دماءكم ، وخالفتم إمامكم ، فأنتم أكلة الآكل ، وفريسة الظافر ، والنار لكم مدخر ، والعار لكم مفخر ، يا أهل البصرة : نكثتم بيعتى ، وظاهرتم علي ذوي عداوتي ، فما ظنكم يا أهل البصرة الآن؟.

فقام إليه رجل منهم فقال نظن خيرا يا أمير المؤمنين ونرى انك ظفرت وقدرت فان عاقبت فقد أجرمنا وان عفوت فالعفو أحب إلى رب العالمين.

فقال (ع) قد عفوت عنكم فاياكم والفتنة فانكم أول من نكث البيعة وشق عصا الامة فارجعوا عن الحوبة واخلصوا فيما بينكم وبين الله بالتوبة

ولما فرغ (ع) من الخطبة وكلامه لاهل البصرة ركب بغلته واجتمع إليه جماعة من شرطة الخميس وطوايف.

أسباب بغض عائشة :

عن عمر بن أبان قال لما ظهر أمير المؤمنين على أهل البصرة جاءه رجال منهم فقالوا يا أمير المؤمنين ما السبب الذي دعا عائشة إلى المظاهرة عليك حتى بلغت من خلافك وشقاقك ما بلغت؟ وهي امرأة من النساء لم يكتب عليها القتال ولا فرض عليها الجهاد ولا ارخص لها في الخروج من بيتها ولا التبرج بين الرجال وليست مما تولته في شيئ على حال فقال (ع) سأذكر أشياء حقدتها علي ليس في واحد منها ذنب إليها ولكنها تجرمت بها علي.

أحدها : تفضيل رسول الله لي على أبيها وتقديمه إياي في مواطن الخير عليه فكانت تضطغن ذلك ويصعب عليها وتعرفه منه فتتبع رأيه فيه

وثانيها : لما آخى بين أصحابه آخى بين أبيها وبين عمر بن

٢١٨

الخطاب واختصني باخوته فغلظ ذلك عليها وحدتني لسعدى منه.

وثالثها : أوصى صلوات الله عليه بسد أبواب كانت في المسجد لجميع أصحابه إلا بابي فلما سد باب أبيها وصاحبه وترك بابى مفتوحا في المسجد تكلم في ذلك بعض أهله فقال صلوات الله عليه ما أنا سددت أبوابكم وفتحت باب علي بل الله عزوجل سد أبوابكم وفتح بابه فغضب لذلك أبو بكر وعظم عليه وتكلم في أهله بشئ سمعته منه ابنته فاضطغنته علي.

وكان رسول الله أعطى أباها الراية يوم خيبر وأمره أن لا يرجع حتى يفتح أو يقتل فلم يلبث لذلك وانهزم فأعطاها في الغد عمر بن الخطاب وأمره بمثل ما أمر صاحبه فانهزم ولم يلبث فساء رسول الله ذلك وقال لهم ظاهرا معلنا : لاعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كرار غير فرار لا يرجع حتى يفتع الله على يده فأعطاني الراية فصبرت حتى فتح الله على يدي فغم ذلك أباها وأحزنه فاضطغنه علي ومالي إليه ذنب في ذلك فحقدت لحقد أبيها.

وبعث رسول الله صلى الله عليه وآله أباها ليؤدي سورة براءة وأمره أن ينبذ العهد للمشركين فمضى حتى انحرف فأوحى الله إلى نبيه أن يرده ويأخذ الآيات فيسلمها إلي فعرف أباها باذن الله عزوجل وكان فيما أوحى الله عزوجل إليه لا يؤدي عنك إلا رجل منك وكنت من رسول الله وكان مني فاضطغن لذلك علي أيضا واتبعته عائشة في رأيه.

وكانت عائشة تمقت خديجة بنت خويلد وتشنئها شنآن الضرائر وكانت تعرف مكانها من رسول الله صلى الله عليه وآله فيثقل ذلك عليها وتعدى مقتها إلى ابنتها فاطمة فتمقتني وتمقت فاطمة وخديجة وهذا معروف في الضرائر.

ولقد دخلت على رسول الله ذات يوم قبل أن يضرب الحجاب على

٢١٩

أزواجه وكانت عائشة بقرب رسول الله فلما رآني رحب وقال ادن مني يا علي ولم يزل يدنيني حتى أجلسني بينه وبينها فغلظ ذلك عليها فأقبلت إلي وقالت بسوء رأي النساء وتسرعهن إلى الخطاب ما وجدت لاستك يا علي موضعا غير موضع فخذي فزبرها النبي صلى الله عليه وآله وقال لها العلي تقولين هذا انه والله أول من آمن بي وصدقني وأول الخلق وردا علي الحوض وهو أحق الناس عهدا إلي لا يبغضه أحد إلا أكبه الله على منخره في النار فازدادت بذلك غيضا علي.

ولما رميت بما رميت اشتد ذلك على النبي فاستشارني في أمرها فقلت له يا رسول الله سل جاريتها بريرة واستبرء الحال منها فان وجدت عليها شيئا فخل سبيلها فالنساء كثيرة فأمرني ان اتولى مسألة بريرة واستبرء الحال منها ففعلت ذلك فحقدت علي والله ما اردت بها سوء لكنى نصحت لله ولرسوله وامثال ما ذكرت فان شئتم فاسألوها ما الذي نقمت علي حتى خرجت مع الناكثين لبيعتي وسفك دماء شيعتي والتظاهر بين المسلمين بعداوتي إلا البغي والشقاق والمقت لي بغير سبب يوجب ذلك في الدين والله المستعان.

فقال القوم القول والله ما قلت يا امير المؤمنين ولقد كشفت الغمة ولقد نشهد إنك اولى بالله ورسوله ممن عاداك فقال الحجاج بن عزمة الانصاري في ابيات يتصل بما ذكرناه ويغني ما اثبتناه من هذه الجملة منها عن ايرادها.

قال الواقدي ولما فرغ امير المؤمنين (ع) من اهل الجمل جاءه قوم من فتيان قريش يسألونه الامان وان يقبل منهم البيعة فاستشفعوا إليه بعبد الله بن العباس فشفعه وامر لهم في الدخول عليه فلما مثلوا بين يديه قال لهم ويلكم يا معشر قريش علام تقاتلونني على ان حكمت فيكم بغير عدل أو قسمت بينكم بغير سوية أو استأثرت عليكم أو لبعدي عن

٢٢٠