الجمل

محمّد بن محمّد النعمان العكبري [ الشيخ المفيد ]

الجمل

المؤلف:

محمّد بن محمّد النعمان العكبري [ الشيخ المفيد ]


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٣٤

وكتبت إلى أهل اليمامة وأهل تلك النواحى :

اما بعد فاني اذكركم الله الذي انعم عليكم وألزمكم بالاسلام فان الله تعالى يقول : (ما اصاب من مصيبة في الارض ولا في انفسكم إلا في كتاب من قبل ان نبرأها أن ذلك على الله يسير) فاعتصموا بحبل الله وكونوا مع كتابه فان امكم ناصحة لكم فيما تدعون إليه من الغضب له والجهاد لمن قتل خليفة له حرمة وابتز المسلمين أمرهم وقد اظهر الله عليه وان ابن حنيف الضال المضل كان بالبصرة يدعوا المسلمين إلى سبيل النار وانا أقبلنا إليها ندعو المسلمين إلى كتاب الله وان يضعوا بينهم القرآن فيكون ذلك رضى لهم واجمع لامرهم وكان ذلك لله على المسلمين فيه الطاعة فاما أن ندرك به حاجتنا أو نبلغ عذرا.

فلما دنونا البصرة وسمع بنا أبن حنيف جمع لنا الجموع وأمرهم أن يتلقونا بالسلاح فيقاتلونا ويطردونا وشهدوا علينا بالكفر وقالوا فينا المنكر فأكذبهم المسلمون وأنكروا عليهم وقالوا لعثمان بن حنيف ويحك انما تابعنا زوج النبي وام المؤمنين واصحاب رسول الله وائمة المسلمين فتمادى في غيه وأقام على أمره فلما رأى المسلمون انه قد عصاهم ورد عليهم أمرهم غضبوا الله عزوجل ولام المؤمنين ولم نشعر به حتى أطلبا في ثلاثة آلاف من جهلة العرب وسفائهم وضعهم دون المسجد بالسلاح فالتمسنا أن يبايعوا على الحق ولا يحولوا بيننا وبين المسجد فرد علينا ذلك كله.

حتى إذا كان يوم الجمعة وتفرق الناس بعد الصلاة عنه دخل طلحة والزبير ومعهما المسلمون وفتحوه عنوة وقدموا عبد الله بن الزبير للصلاة بالناس ودنا نخاف من عثمان وأصحابه أن يأتونا بغتة ليصيبوا مناغرة فلما رأى المسلمون أنهم لم يبرحوا تحرزوا لانفسهم ولم يخرج ومن معه حتى هجموا علينا وأباحوا سدة بيتي ومعهم صناديد لهم

١٦١

ليسفكوا دمي فوجدوا نفرا على باب بيتي فردوهم عني وكان حولي نفر من القرشيين والازديين فدفعوهم عني وقتل منهم من قتل وانهزموا فلم نتعرض لبقيتهم وخلينا أبن حنيف منا منا عليه وقد توجه إلى صاحبه وعرفناكم ذلك عباد الله لتكونوا على ما كنتم عليه من النية في نصرة دين الله والغضب لخليفته المظلوم.

وروى الواقدي عن عبد بن السلام بن حفص قال حدثني المنهال أبن سلم البصري قال لما بدى لطلحة والزبير في حبس عثمان بن حنيف واشفقا من أخيه سهل بن حنيف على مخلفيهم في المدينة أطلقوه فتوجه إلى أمير المؤمنين (ع) وهو بذى قار.

خطبة طلحة :

فلما عرفا خروجه إليه قام طلحة في الناس خطيبا فنعى إليهم عثمان إبن عفان وذكر قاتليه وأكثر الذم لهم والشتم وعزا قتله إلى علي بن أبي طالب (ع) وأنصاره وذكر أن عليا اكره الناس على البيعة له فقال فيما قال : يا معشر المسلمين أن الله قد منحكم بام المؤمنين وقد عرفتم حقها ومكانتها من رسول الله صلى الله عليه وآله ومكان أبيها من الاسلام فهذه هي تشهد لنا إنا لم نكذبكم فيما خبرناكم به ولا غررناكم فيما دعوناكم إليه من قتال أبن أبي طالب وأصحابه الصادين عن الحق ولسنا نطلب خلافة ولا ملكا وإنا نحذركم أن تغلبوا على أمركم وتقصروا دون الحق وقد رجونا أن يكون عندكم عونا لنا على طاعة الله وصلاح الامة فانا احق من عناه أمر المسلمين ومصلحتهم.

وأن عليا لو عمل الجد في نصرة أمكم لاعتزل هذا الامر حتى تختار الامة لانفسها من ترضاه.

فقال أهل البصرة مرحبا وأهلا وسهلا بام المؤمنين والحمد الله الذي

١٦٢

أكرمنا بها وانتم عندنا رضى وثقة وأنفسنا مبذولة لكم ونحن نموت على طاعتكم ورضاكم.

ثم أنصرفوا وساروا إلى عائشة فسلموا عليها وقالوا قد علمنا أن أمنا لم تخرج الينا إلا لثقتها بنا وأنها تريد الاصلاح وحقن الدماء وأطفاء الفتن والالفة بين المسلمين وانا ننتظر أمرها في ذلك فان أبى عليها احد فيه قاتلناه حتى يفئ إلى الحق.

وبلغ كلام طلحة مع أهل البصرة إلى عبد بن حكيم التميمي فصار إليه وقال له يا طلحة هذه كتبك وصلت الينا بعيب عثمان بن عفان وخبرك عندنا بالتأليب عليه حتى قتل وبيعتك عليا في جماعة الناس ونكثك بيعته من غير حدث كان منه فيما بلغني عنك وفيما جئت بعد الذي عرفناه من رأيك في عثمان فقال له طلحة اما عيبي لعثمان وتأليبي عليه فقد كان فلم نجد لنا من الخلاص منه سبيلا إلا التوبة فيما إقترفناه من الجرم له والاخذ بدمه فاما بيعتي له فاني اكرهت على ذلك وخشيت منه أن يؤلب علي أن أمتنعت من بيعته ويغري بي فيمن أغراه بعثمان حتى قتله فقال له عبد الله بن حكيم هذه معاذير يعلم الله باطن الامر فيها وهو المستعان على ما نخاف من عاقبة أمرها.

خطبة أخرى له :

وروى عبد الله بن عبيدة قال لما كان من كلام عبد الله بن حكيم ما كان قام طلحة فحمد الله واثنى عليه وقال أن رسول الله صلى الله عليه وآله توفي وهو عنا راض وكنا مع أبي بكر حتى توفاه الله فمات وهو عنا راض ثم كان عمر بن الخطاب فسمعناه وأطعناه حتى قبض وهو عنا راض فأمرنا بالتشاور في أمر الخلافة من بعده واختار ستة نفر ورضيهم للامر فاستقام أمرنا على رجل من الستة ولينا واجتمع رأينا عليه وهو

١٦٣

عثمان وكان أهلا لذلك فبايعناه وسمعنا له وأطعناه فأحدث بعد ذلك إحداثا لم تكن على عهد أبي بكر وعمر فكرهها الناس منه ولم يكن لنا بد مما صنعناه.

وأخذ هذا الرجل الامر دوننا من غير مشورتنا وتغلب عليه ونحن فيه وهو شرع سواء فأتى بنا إليه ونحن أكره الناس إليه واللح على اعناقنا فبايعناه كرها والذي نطلب منه أيها الناس الآن أن يدفع إلى ورثة عثمان قاتليه فانه قتل مظلوما ويخلع هذا الامر ويعتزله ليتشاور المسلمون فيمن يكون إماما كسنة عمر بن الخطاب فإذا استقام رأينا ورأى أهل الاسلام على رجل بايعناه.

فلما فرغ من كلامه قام عظيم من عظماء عبد القيس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال :

أيها الناس أنه قد كان وال هذا الامر وقوامه المهاجرون والانصار بالمدينة ولم يكن لاحد من أهل الامصار أن ينقضوا ما أبرموا ولا يبرموا ما نقضوا فكانوا إذا رأوا رأيا كتبوا به إلى الامصار فسمعوا لهم وأطاعوا وأن عائشة وطلحة والزبير كانوا أشد الناس على عثمان حتى قتل وبايع الناس عليا وبايعه في جملتهم طلحة والزبير فجاءنا نبأهما بيعتهما له فبايعناه فوالله لا نخلع خليفتنا ولا ننقض بيعتنا.

فصاح عليه طلحة والزبير وأمرا بقرض لحيته فنتفوها حتى لم يبق منها شئ.

وقام رجل من بنى جشم فقال :

أيها الناس أنا فلان بن فلان فاعرفوني وإنما أنتسب لهم ليعلموا ان له عشيرة تمنعه فلا يعجل عليه من لا يوافقه كلامه قال أيها الناس أن هؤلاء القوم ان كانوا جاؤكم يطلبون بدم عثمان فوالله ما نحن قتلنا عثمان وان كانوا جاؤكم خائفين فوالله ما جاؤا إلا من حيث يأمن الطير

١٦٤

فلا تغتروا بهم واسمعوا قولي وأطيعوا أمرى وردوا هؤلاء القوم إلى مكانهم الذى منه أقبلوا وأقيموا على بيعتكم لامامكم وأطيعوا لاميركم.

فصاح عليه الناس من جوانب المسجد وقذفوه بالحصى.

ثم قام رجل آخر من متقدمي عبد القيس فقال :

أيها الناس انصتوا حتى أتكلم فقال له عبد الله بن الزبير ويلك ما لك وللكلام فقال مالي وله انا والله للكلام به وفيه ثم حمد الله وأثنى عليه وذكر النبي فصلى عليه وقال : يا معاشر المهاجرين كنتم أول الناس إسلاما بعث الله محمدا نبيه بينكم فدعاكم فأسلمتم وأسلمنا لاسلامكم فكنتم فيه القادة ونحن لكم تبع ثم توفي رسول الله فبايعتم رجلا منكم لم تستأذنونا في ذلك فسلمنا لكم ثم أن ذلك الرجل توفي واستخلف عمر إبن الخطاب فوالله ما استشارنا في ذلك فما رضيتم به رضينا وسلمنا ثم أن عمر جعلها شورى في ستة نفر فاخترتم منهم واحدا فسلمنا لكم واتبعناكم ثم أن الرجل أحدث أحداثا أنكرتموها فحصرتموه وخلعتموه وقتلتموه وما استشرتمونا في ذلك ثم بايعتم علي بن أبى طالب وما استشرتمونا في بيعته فرضينا وسلمنا وكنا لكم تبعا فوالله ما ندرى بماذا نقضتم عليه؟ هل أستأثر بمال؟ أو حكم بغير ما أنزل الله؟ أو أحدث منكرا؟ فحدثونا به نكن معكم فوالله ما نراكم إلا قد ظللتم بخلافكم له فقال له إبن الزبير ما أنت وذاك وأراد أهل البصرة أن يثبوا عليه فمنعتهم عشيرته.

خطبة عائشة :

فصل : وروى محمد بن عمر الواقدي عن موسى بن طلحة قال لقد شهدت عائشة يوم الجمل وقد سألها الناس عن عثمان فما رأيت أفصح منها لسانا ولا أربط منها جنانا فاستجلبت الناس بيديها ثم حمدت الله

١٦٥

وأثنت عليه وقالت :

أيها الناس إنا نقمنا على عثمان لخصال ثلاثة : إمارة بالغنى وضربه بالسوط ورفعه موضع الامامة حتى إذا عتبنا منهن مصوه مص الماء بالصابون ثم عدوا عليه فاستحلت منه حرمات ثلاث حرمة الشهر الحرام وحرمة البلد الحرام وحرمة الخلافة والله لعثمان كان أتقاهم للرب واوصلهم للرحم وأعفهم للفرج أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم

وروى اسرافيل بن يونس عن ابي اسحق الهمداني قال جاء جليد ابن زهير الجشمي وعبد الله بن عامر التميمي فدخلا على عائشة فسلما عليها فقالت من هذان الرجلان؟ فقيل لها هذان زهير بن جليد صاحب خراسان وهذا عبد الله بن عامر التميمي فقالت هما معنا ام علينا؟ فقالا لا معك ولا عليك حتى يتبين لنا الامر فقالت كفى بالاعتزال نصرة.

وروى عمر بن صباح قال اجتمع نفر من وجوه البصرة إلى طلحة والزبير فقالوا لهما فان ولاة عثمان غيركما فدعوا ولاته يطالبون بدمه والله ما نراكما انصفتما رسول الله صلى الله عليه وآله في حبيسته عرضتماها للرياح والشموس والقتال وقد أمرها الله ان تقر في بيتها وتركتما نساءكما في الاكنان والبيوت هلا جئتم بنسائكما معكما فقال لهم طلحة اغربوا عنا قبحكم الله (١).

وجاء عمرو بن حصين إلى عائشة فقال لها قد كان لك يا عائشة في اخواتك عبرة وفى امثالك من امهات المؤمنين اسوة اما سمعت الله تعالى يقول : وقرن في بيوتكن. فلو اتبعت امر الله كان خيرا لك فقالت

__________________

(١) في تاريخ الطبري (ج ٥ ـ ص ١٧٦) ان جارية بن قدامة السعدى قال للزبير وطلحة جئتما بام المؤمنين فهل جئتما بنسائكما؟ قالا لا فقال فما انا منكما في شئ واعتزل القتال ثم قال من ابيات ذكرها

صنتم حلائلكم وقدتم امكم

هذا لعمرك قلة الانصاف

١٦٦

له يا عمر قد كان ما كان فهل عندك عونا لنا وإلا فاحبس عنا لسانك قال اعتزل عليا قالت رضيت بذلك منك.

النصيحة لاصحاب الجمل :

فصل : ولما سار أمير المؤمنين (ع) من ذى قار قدم صعصعة بن صوحان بكتاب علي (ع) إلى طلحة والزبير وعائشة يعظم عليهم عليهم حرمة الاسلام ويخوفهم فيما صنعوه وقبيح ما ارتكبوه من قتل من قتلوا من المسلمين وما صنعوا بصاحب رسول الله صلى الله عليه وآله عثمان بن حنيف رحمه الله وقتلهم المسلمين صبرا ووعظهم ودعاهم إلى الطاعة قال صعصعة رحمه الله فقدمت عليهم فبدأت بطلحة واعطيته الكتاب واديت الرسالة فقال الآن حين عضت ابن ابى طالب الحرب ترفق لنا ثم جئت إلى الزبير فوجدته ألين من طلحة ثم جئت إلى عائشة فوجدتها اسرع الناس إلى الشر فقالت نعم قد خرجت للطلب بدم عثمان والله لافعلن وافعلن فعدت إلى امير المؤمنين عليه السلام فلقيه قبل ان يدخل البصرة فقال ما وراءك يا صعصعة؟ قلت يا امير المؤمنين رايت قوما ما يريدون إلا قتالك فقال الله المستعان.

ثم دعا عبد الله بن عباس فقال انطلق إليهم فناشدهم وذكرهم العهد الذى لى في رقابهم قال ابن عباس جئتهم فبدات بطلحة فذكرته العهد فقال لي يا ابن عباس والله لقد بايعت عليا واللح على رقبتي فقلت له أنا رأيتك بايعت طايعا أو لم يقل لك على بيعتك له ان احببت ابايعك فقلت لا بل نحن نبايعك؟

فقال طلحة إنما قال لى ذلك وقد بايعه قوم فلم استطع خلافهم والله يا ابن عباس ان القوم الذين معه يغرونه وقد لقيناه فسيسلمونه اما عملت يا ابن عباس انى جئت إليه والزبير ولنا من الصحبة ما لنا مع رسول الله

١٦٧

والقدم في الاسلام وقد احاط به الناس قياما على رأسه بالسيف فقال لنا يهزل ان احببتما بايعت لكما فلو قلنا نعم افتراه يفعل؟ وقد بايع الناس له فليخلع نفسه ويبايعنا لا والله ما كان يفعل وحتى ان يغري بنا من لا يرى لنا حرمة فبايعناه كارهين وقد جئنا نطلب بدم عثمان فقل لابن عمك ان كان يريد حقن الدماء واصلاح امر الامة فليمكننا من قتلة عثمان فهم معه ويخلع نفسه ويرد الامر ليكون شورى بين المسلمين فيولوا من شاؤا فانما علي (ع) رجل كأحدنا وان ابى اعطيناه السيف فماله عندنا غير هذا.

قال ابن عباس يا ابا محمد لست تنصف ألم تعلم انك حصرت عثمان حتى مكث عشرة ايام يشرب ماء بئره وتمنعه من شرب الماء حتى كلمك علي في ان تخلى الماء له وانت تأبى ذلك ولما رأى اهل مصر فعلك وانت صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله دخلوا عليه بسلاحهم فقتلوه ثم بايع الناس رجلا له من السابقة والفضل والقرابة برسول الله صلى الله عليه وآله والبلاء العظيم ما لا يدفع وجئت انت وصاحبك طائعين غير مكرهين حتى بايعتما ثم نكثتما فعجب والله اقرارك لابي بكر وعمر وعثمان بالبيعة ووثوبك على ابن ابى طالب فوالله ما علي (ع) دون احد منكم واما قولك يمكنني من قتلة عثمان فما يخفي عليك من قتل عثمان واما قولك ان أبى علي (ع) فالسيف فوالله انك تعلم ان عليا لا يتخوف.

فقال طلحة إيها الآن دعنا من جدالك.

قال فخرجت إلى علي وقد دخل البيوت بالبصرة فقال ما ورائك فأخبرته الخبر فقال اللهم افتح بيننا بالحق وانت خير الفاتحين ثم قال ارجع إلى عائشة واذكر لها خروجها من بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وخوفها من الخلاف على الله عزوجل ونبذها عهد النبي صلى الله عليه وآله وقل لها ان هذه الامور لا تصلحها النساء وإنك لم تؤمرى بذلك فلم ترضى

١٦٨

بالخروج عن امر الله في تبرجك وبيتك الذي امرك النبي بالمقام فيه حتى سرت إلى البصرة فقتلت المسلمين وعمدت إلى عمالى فأخرجتهم وفتحت بيت المال وامرت بالتنكيل بالمسلمين وأبحت دماء الصالحين فارعي وراقبي الله عزوجل فقد تعلمين انك كنت اشد الناس على عثمان فما عدا مما بدا.

قال ابن عباس فلما جئتها وأديت الرسالة إليها وقرأت كتاب علي عليه السلام عليها.

قالت يا ابن عباس ابن عمك يرى انه قد تملك البلاد لا والله ما بيده منها شئ إلا وبيدنا اكثر منه.

فقلت يا اماه ان امير المؤمنين (ع) له فضل وسابقة في الاسلام وعظم عناء.

قالت ألا تذكر طلحة وعناءه يوم أحد قال فقلت لها والله ما نعلم احدا اعظم عناء من علي (ع).

قالت انت تقول هذا ومع علي اشياء كثيرة قلت الله الله في دماء المسلمين قالت واي دم يكون المسلمين إلا ان يكون علي يقتل نفسه ومن معه قال ابن عباس فتبسمت فقالت مما تضحك يا ابن عباس؟.

فقلت والله معه قوم على بصيرة من امرهم يبذلون مهجهم دونه قالت حسبنا الله ونعم الوكيل.

قال وقد كان امير المؤمنين اوصاني ان القى الزبير وان قدرت ان اكلمه وابنه ليس بحاضر فجئت مرة أو مرتين كل ذلك اجده عنده ثم جئت مرة اخرى فلم اجده عنده فدخلت عليه وامر الزبير مولاه شرحسا ان يجلس على الباب ويحبس عنا الناس فجعلت اكلمه فقال عصيتم ان خولفتم والله لتعلمن عاقبة ابن عمك فعلمت ان الرجل مغضب فجعلت الاينه فيلين مرة ويشتد اخرى.

١٦٩

فلما سمع شرحسا ذلك أنفذ إلى عبد الله بن الزبير وكان عند طلحة فدعاه فأقبل سريعا حتى دخل علينا.

فقال يا ابن عباس دع بنيات الطريق بيننا وبينكم عهد خليفة ودم خليفة وانفراد واحد واجتماع ثلاثة وام مبرورة ومشاورة العامة.

فأمسكت ساعة لا اكلمه ثم قلت لو اردت ان اقول لقلت فقال ابن الزبير ولم تؤخر ذلك؟ وقد لحم الامر وبلغ السيل الزبى قال ابن عباس فقلت ما قولك عهد خليفة فان عمر جعل الشورى إلى ستة نفر فجعل النفر امرهم إلى رجل منهم يختار لهم منهم ويخرج نفسه منها فعرض الامر على علي فحلف عثمان وأبى علي ان يحلف فبويع عثمان فهذا عهد خليفة واما دم خليفة فدمه عند ابيك لا يخرج ابوك من خصلتين اما قتل واما خذل واما الانفراد واجتماع ثلاثة فان الناس لما قتلوا عثمان فزعوا إلى علي فبايعوه طوعا وتركوا اباك وصاحبه ولم يرضوا بواحد منهما واما قولك ان معكم اما مبرورة فان هذه الام انتما اخرجتماها من بيهتا وقد امرها الله تعالى ان تقر فيه فأبيت ان تدعها وقد علمت انت وابوك ان النبي صلى الله عليه وآله حذرها من الخروج وقال لها يا حميرا إياك ان تنبحك كلاب الحوأب (١) وكان منها ما قد رأيت وأما دعواك مشاورة العامة فكيف يشاور فيمن قد اجتمع عليه وانت تعلم ان اباك وطلحة بايعا طائعين غير كارهين فقال ابن الزبير الباطل والله ما تقول يا ابن عباس وقد سئل عبد الرحمن بن عوف عن اصحاب الشورى فكان صاحبكم اخيبهم عنده وما ادخله عمر في الشورى إلا وهو يقرفه ولكنه خاف فتقه في الاسلام واما قتل خليفة فصاحبك كتب إلى الآفاق حتى قدموا عليه ثم قتلوه وهو في داره بلسانه ويده وانا معه في الدار اقاتل دونه حتى جرحت بضعة عشر جرحا واما قولك ان عليا بايعه الناس

__________________

(١) ابن حجر في تطهير الجنان بها مس الصواعق المحرقة ص ١٠٨

١٧٠

طايعين فوالله ما بايعوه إلا كارهين والسيف على رقابهم غصبهم امره فقال الزبير دع عنك ما ترى يا ابن عباس جئتنا لتوفينا فقال له ابن عباس انتم طلبتم هذا والله ما عددناك قط إلا منا بنو هاشم لانهم اخوالك ومحبتك لهم حتى ادراك ابنك هذا فقطع ارحامهم فقال الزبير دع عنك هذا

علي ينظم الجيش :

ولما عاد رسل أمير المؤمنين من طلحة والزبير وعائشة باصرارهم على خلافه وإقامتهم على نكث بيعته والمباينة له والعمل على حربه واستحلال دماء شيعته وانهم لا يتعظون بوعظ ولا ينتهون عن الفساد بوعيد كتب الكتائب ورتب العساكر واستعمل على مقدمته عبد الله بن عباس رحمه الله وعلى ساقته هند المرادي ثم الجملي وهو الذي قال فيه عمر بن الخطاب سيد اهل الكوفة اسمه اسم امرأة واستعمل على كافة الخيل عمار بن ياسر وعلى جميع الرجالة محمد بن ابي بكر وفرق الريات من بعده فجعل على خيل مذحج خاصة هند الجملي وعلى رجالتها شريح ابن هاني الحارثي وعلى خيل همدان سعيد بن قيس وعلى رجالتها زياد ابن كعب بن مرة وعلى خيل كندة حجر بن عدي وعلى خيل بجيلة ورجالتها رفاعة بن شداد وعلى خيل قضاعة ورجالتها عدي بن حاتم وعلى خيل خزاعة وأفناء اليمن عبد الله بن زيد وعلى رجالتها عمرو بن الحمق الخزاعي وعلى خيل الازد جندب بن زهير وعلى رجالتها أبا زينب الذى شهد على الوليد بن عقبة بشرب الخمر وكان سبب صرفه وأقام الحد عليه وعلى خيل بكر بن وائل عبد الله بن هاشم السدوسي وعلى رجالتها حسان بن مخدوع الذهلي وعلى خيل عبد القيس من اهل الكوفة زيد بن صوحان العبدي وعلى رجالتها الحرث بن مرة العبدي وعلى خيل بكر بن وائل من اهل البصرة سفيان بن ثور الدوسي

١٧١

وعلى رجالتها الحصين بن المنذر وهو الذي قال فيه امير المؤمنين (ع) يوم صفين :

لمن راية سوداء يخفق ظلها

إذا قيل قدمها حصين تقدما

وعلى المهازم خاصة جوهر بن جابر الخفر وعلى الذهلين خالد بن المعمر السدوسي وعلى خيل عبد القيس من اهل البصرة المنذر بن الجارود العبدي وعلى خيل اسد قبيصة بن جابر الاسدي وعلى رجالتها العكبر بن وائل الاسدي وهو الذي قتل محمد بن طلحة في ذلك اليوم وعلى خيول اهل الكوفة من بنى تميم عمير بن عطارد وعلى رجالتها معقل بن قيس وهو الذى سبا بني ناجية وعلى خيل قيس غيلان من اهل الكوفة عبد الله بن الطفيل البكالي وعلى رجالتها قرة بن نوفل الاشجعي صاحب النخيلة وعلى خيل قريش وكنانة هاشم بن عتبة ابن ابي وقاص المرقال وعلى رجالتها هاشم بن هاشم وعلى من صار إليه من تميم البصرة جارية بن قدامة السعدي وعلى رجالتها اعين بن ضبيعة فأحاط العسكر يومئذ من الفرسان المعروفين والرجالة المشهورين على ستة عشر الف رجل.

ولما بلغ طلحة والزبير ان امير المؤمنين عليه السلام كتب الكتائب ورتب العاسكر وتيقنوا منه الجد وايقنوا منه القصد والحرب عمدا على الاستعداد لها وكان اهل البصرة قد اختلفوا عليهما وقعد الاحنف في بني سعد وكانا يظنان انه معهم فأخلف ظنهم وتأخر عنهما الازد لقعود كعب بن شور القاضي (١) عنهما وكان سيد الازد واهل اليمن بالبصرة فأنفذا إليه رسوليهما يسألانه النصرة لهما والقتال معهما فأبى عليهما وقال انا اعتزل الفريقين فقالا لئن قعد عنا كعب خذلنا الازد باسرها ولا غنى لنا عنه فصارا إليه وأستأذنا عليه فلم يأذن لهما وحجبهما فصارا

__________________

(١) في تاريخ الطبري (ج ٥ ـ ص ٢١٣) ذكره بالسين المهملة.

١٧٢

إلى عائشة فخبراها خبره وسألاها ان تسير إليه فأبت وراسلته تدعوه إلى الحضور عندها فاستعفاها من ذلك.

فقال طلحة والزبير يا ام ان قعد عنا كعب قعدت عنا الازد كلها وهي حي البصرة فاركبي إليه فانك ان فعلت لم يخالفك وانقاد لرأيك فركبت بغلا وأحاط بها نفر من اهل البصرة وصارت إلى كعب بن شور فاستأذنت عليه فأذن لها ورحب بها فقالت يا بني ارسلت اليك لتنصر الله عزوجل فما الذي اخرك عني؟ فقال يا اماه لا حاجة لي في خوض هذه الفتنة فقالت يا بني اخرج معي وخذ بخطام جملي فاني ارجو أن يقربك بي إلى الجنة واستعبرت باكية فرق لها كعب بن شور واجابها وعلق المصحف في عنقه وخرج معها فلما خرج والمصحف في عنقه قال غلام من بني وهب وقد كان عرف امتناعه وتأنيه عن خوض هذه الفتنة يقول :

أيا كعب رأيك ذاك الجزيل

امثل من رأيك الخاطل

أتاك الزبير يدير الامور

وطلحة بالنقل الثاكل

ليستدرجاك بما زخرفا

وامك تهوى إلى نازل

وقد كانت الام معصومة

فأضحت فرائس للآكل

تخط بها الارض مرحولها

ترد الجواب على السائل

فالفيتها بين حي السباع

وعرضتها للشجى الثاكل

بحرب علي وأصحابه

فقد ازم الدهر بالكاهل

فأبديت للقوم ما في الضمير

وقلت لهم قولة الخاذل

فأحطأهما منك ما املاه

وقد اخلفا امل الآمل

وما لك في مصر من نسبة

وما لك في الحى من وائل

فلا تجزعن على هالك

من القوم حاف ومن ناعل

ولما نهض كعب بن شور مع عائشة في الازد اجتمع رأي طلحة

١٧٣

والزبير على تكتب الكتائب واستقر الامر معهما على ان الزبير أمير العسكر خاصة ومديره وطلحة في القلب واللواء مع عبد الله بن حزام ابن خويلد وكعب بن شور مع الازد وعلى خيل الميمنة مروان بن الحكم وعلى رجالة الميمنة عبد الرحمن بن عتاب بن اسيد وعلى خيل الميسرة وهم بنو تميم وسائر قبائل قضاعة وهوازن هلال بن وكيع الدارمي وعلى رجالة الميسرة عبد الرحمن بن الحرث بن هشام وقد ضم إليه الحباب يزيد وعلى خيل قيس غيلان مجاشع بن مسعود وعلى رجالتهم جابر بن النعمان الباهلي وعلى خيل الرباب عمرو بن ثيري وعلى رجالتهم خرشنة ابن عمرو العتبي وعلى من انحاز إليهم من ثقيف عبد الله بن عامر بن كريز وعلى افناء اهل المدينة عبد الله بن خلف الخزاعي وعلى رجالة مذحج الربيع بن زياد الحارثي وعلى رجالة قضاعة عبد الله بن جابر الراسبي وعلى من انحاز إليهم من ربيعة مالك بن مسمع (١) ولما تقرر امر الكتائب في الفريقين فخرج كل فريق بقومه وقام خطباؤهم بالتحريض على القتال.

خطبة ابن الزبير :

فقام عبد الله بن الزبير في معسكرهم فحمد الله وأثنى عليه وقال :

أيها الناس ان هذا الرعث والوعث قتل عثمان بالمدينة ثم جاءكم ينشر اموركم بالبصرة وقد غضب الناس انفسهم ألا تنصرون خليفتكم

__________________

(١) هو مالك بن مسمع بن سيار بن حجدر من آل بكر بن وائل وفد أبوه مسمع على النبي صلى الله عليه وآله وأسلم ثم ارتد وقتل بالبحرين قصاصا عن كلب قتله لقوم من عبد القيس كما في الحيوان للجاحظ (ج ١ ـ ص ١٣٠) وفي معارف ابن قتيبة ص ١٨٤ إذا غضب مالك غضب معه مائة الف سيف وفي الطبري (ج ٧ ـ ص ١٦٨) كان ـ

١٧٤

المظلوم ألا تمنعون حريمكم المباح ألا تتقون الله في عطيتكم من انفسكم أترضون ان يتوردكم اهل الكوفة في بلادكم اغضبوا فقد غوضبتم وقاتلوا فقد قوتلتم ان عليا لا يرى ان معه في هذا الامر احد سواه والله لئن ظفر بكم ليهلكن دينكم ودنياكم.

وأكثز من نحو هذا القول وشبهه.

خطبة الحسن :

فبلغ ذلك أمير المؤمنين عليه السلام وقال لولده الحسن (ع) قم يا بنى فاخطب فقام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه وقال :

أيها الناس قد بلغتنا مقالة ابن الزبير وقد كان والله يتجنى على عثمان الذنوب وقد ضيق عليه البلاد حتى قتل وان طلحة راكز رايته على بيت ماله وهو حي واما قوله ان عليا ابتز الناس امرهم فان اعظم حجة لابيه زعم انه بايعه بيده ولم يبايعه بقلبه فقد أقر بالبيعة وادعى الوليجة فليأتي على ما ادعاه ببرهان وأنى له ذلك وأما تعجبه من تورد أهل الكوفة على اهل البصرة فما عجبه من اهل حق توردوا على اهل باطل ولعمري والله ليعلمن اهل البصرة وميعاد ما بيننا وبينهم اليوم نحاكمهم إلى الله تعالى فيقضي الله الحق وهو خير الفاصلين.

فلما فرغ الحسن (ع) من كلامه قام رجل يقال له عمر بن محمود

__________________

ـ عثماني العقيدة خرج إلى معاوية بعد قتل عثمان وفي ابن الاثير (ج ٤ ص ١١٢) كان معه يوم صفين وفي الاغاني (ج ٩ ـ ص ٣٥) لما لجأ إليه مروان بعد وقعة الجمل وطلبه أمير المؤمنين (ع) لم يدفعه إليه إلا بعد أن أخذ منه رهينة دفعها إلى أبي حفصة عتيق مروان وقال له ان حدث بصاحبك حدث فعليك بالرهينة.

١٧٥

وانشد شعرا يمدح الحسن (١).

خطبة طلحة :

قال فلما بلغ طلحة والزبير خطبة الحسن (ع) ومدح المادح له قام طلحة خطيبا في أصحابه وقال :

يا أهل البصرة قد ساق الله اليكم خير ما ساقه إلى قوم قط : امكم وحرمة نبيكم وحواري رسول الله وابن عمته ومن وقاه بيده ، ان عليا غصب الناس انفسهم بالحجاز وتهيأ للشام يريد سفك دماء المسلمين والتغلب على بلادهم فلما بلغه مسيرنا اليكم وقصدنا قصدكم وقد اجتمع معه منافقوا مضر وأنصار ربيعة ورجالة اليمن فإذا رأيتم القوم فاقصدوا قصدهم ولا ترعووا عنهم وتقولوا ابن عم رسول الله وهذه معكم زوجة الرسول وأحب الناس إليه وابنة الصديق الذي كان أحب الخلق إلى رسول الله صلى الله عليه وآله.

فقام إلى طلحة رجل يقال له خيران بن عبد الله من أهل الحجاز كان قدم البصرة وهو غلام فقال :

يا طلحة والله ما تركت جنبا صحيحا عليه بشتمك ربيعة ومضر واليمن وان كان القول كما تقول فانا لمثلهم وهم منا ونحن منهم وما يفرق بيننا وبينهم غيرك وغير صاحبك ولقد سبقت الينا من على (ع) بيعة ما ينبغي لنا ان ننقضها وانا لنعلم حالكم اليوم وحالكم أمس.

فهم القوم به فمنعهم بنو أسد فخرج منهم ولحق بمنزل ابن صهبان مستخفيا إشفاقا على دمه منهم.

وقام الاسود بن عوف لما سمع طلحة يشتم الاحياء من ربيعة ومضر واليمن فقال يا هذا ان الله لا يفرق بيننا وبين مضر وان اهل الكوفة من

__________________

(١) ذكر الشعر ابن أبي الحديد في شرح النهج (ج ١ ص ٤٩)

١٧٦

كمن شهد الاخ إلى الاخ وانما خلفنا القوم في هو ان فاعفنا مما ترى.

ثم خرج فلحق بعمان ولم يشهد الجمل ولا صفين.

خطبة أمير المؤمنين :

وبلغ أمير المؤمنين عليه السلام لغط القوم واجتماعهم على حربه.

فقام في الناس خطيبا فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي ثم قال :

أيها الناس ان طلحة والزبير قدما البصرة وقد اجتمع أهلها على طاعة الله وبيعتي فدعواهم إلى معصية الله تعالى وخلافي فمن أطاعهما منهم فتنوه ومن عصاهما قتلوه وقد كان من قتلهما حكيم بن جبلة ما بلغكم وقتلهم السبابجة وفعلهما بعثمان بن حنيف ما لم يخف عليكم وقد كشفوا الآن القناع واذنوا بالحرب وقام طلحة بالشتم والقدح في أديانكم وقد أرعد وصاحبه وأبرقا وهذان أمرءان معهما الفشل ولسنا نريد منكم ان تلقوهم ليظنوا ما في نفوسكم عليهم ولا ترون ما في انفسكم لنا ولسنا نرعد حتى نوقع ولا نسيل حتى نمطر وقد خرجوا من هدى إلى ضلال ودعوناكم إلى الرضا ودعونا إلى السخط فحل لنا ولكم ردهم إلى الحق والقتال وحل لهم بقصاصهم القتل وقد والله مشوا اليكم ضرارا وأذاقوكم أمس من الجمر فإذا لقيتم القوم غذا فاعذروني الدعاء وأحسنوا في التقية واستعينوا بالله واصبروا ان الله مع الصابرين.

فقام إليه حكيم بن مناف حتى وقف بين يديه وقال :

أبا حسن أيقضت من كان نائما

وما كل من يدعى إلى الحق يسمع

وما كل من يعطى الرضا يقبل الرضا

وما كان من أعطيته الحق يقنع

وأنت امرء أعطيت من كل وجهة

محاسنها والله يعطي ويمنع

وما منك بالامر المؤلم غلطة

وما فيك للمرء المخالف مطمع

وان رجالا بايعوك وخالفوا

هداك واجروا في الضلال فضيعوا

١٧٧

لاهل لتجريد الصوارم فيهم

وسمر العوالي والقنا تتزعزع

فاني لارجو ان تدور عليهم

رحى الموت حتى يسكنوا ويصرعوا

وطلحة فيها والزبير قرينه

وليس لما لا يدفع الله مدفع

فان يمضيا فالحرب أضيق حلقة

وان يرجعا عن تلك فالسلم اوسع

وما بايعوه كارهين لبيعة

وما بسطت منهم إلى الكره اصبع

ولا بطيا عنها فراقا ولا بدا

لهم احد بعد الذين تجمعوا

على نقضها ممن له شد عقدها

فقصراهما منه أصابع أربع

خروج بام المؤمنين وغدرهم

وعيب على من كان في القلب اشجع

وذكرهم قتل ابن عفان خدعة

وهم قتلوه والمخادع يخدع

فعود علي نبعة هاشمية

وعودهما فيما هما فيه (خروع)

الحرب :

ثم ان أمير المؤمنين عليه السلام أنظرهم وأنذرهم ثلاثة أيام ليكفوا ويرعوا فلما علم اصرارهم على الخلاف قام في أصحابه وقال :

عباد الله انهدوا إلى هؤلاء القوم منشرحة صدوركم فانهم نكثوا بيعتى وقتلوا شيعتي ونكلوا بعاملي وأخرجوه من البصرة بعد ان ألموه بالضرب المبرح والعقوبة الشديدة وهو شيخ من وجوه الانصار والفضلاء ولم يرعوا له حرمة وقتلوا السبابجة رجالا صالحين وقتلوا حكيم بن جبلة ظلما وعدوانا لغضبه لله تعالى ثم تتبعوا شيعتي بعد ان ضربوهم وأخذوهم في كل عايبة وتحت كل رابية يضربون أعناقهم صبرا ما لهم قاتلهم الله أنى يؤفكون فانهدوا إليهم عباد الله وكونوا اسودا عليهم فانهم شرار ومساعدوهم على الباطل شرار فالقوهم صابرين محتسبين موطنين انفسكم انكم منازلون ومقاتلون قد وطنتم انفسكم على الضرب والطعن ومنازلة الاقران فأي امرئ احس من نفسه

١٧٨

رباطة جأش عند الفزع وشجاعة عند اللقاء ورأى من أخيه فشلا أو وهنا فليذب عنه أي عن اخيه الذى فضله الله عليه كما يذب عن نفسه فلو شاء الله لجعله مثله.

فقام إليه شداد بن شمر العبدي فحمد الله وأثنى عليه ثم قال :

أما بعد فانه لما كثر الخطأون وتمرد الجاحدون فزعنا إلى آل نبينا الذين بهم ابتدانا بالكرامة وهدانا من الضلالة الزموهم رحمكم الله ودعوا من اخذ يمينا وشمالا فان اولئك في غمرتهم يعمهون وفي ضلالهم يترددون.

قال ثم ان أمير المؤمنين عليه السلام رحل بالناس إلى القوم غداة الخميس لعشر مضين من جمادي الاولى وعلى ميمنته الاشتر وعلى ميسرته عمار بن ياسر وأعطى الراية محمد بن الحنفية ابنه (١) وسار حتى وقف موقفا ثم نادى في الناس لا تعجلوا حتى اعذر إلى القوم ودعا عبد الله ابن العباس فأعطاه المصحف وقال امض بهذا المصحف إلى طلحة والزبير وعائشة وادعهم إلى ما فيه وقل لطلحة والزبير ألم تبايعاني مختارين فما الذي دعاكما إلى نكث بيعتى وهذا كتاب الله بيني وبينكما

__________________

(١) كان لمحمد يوم البصرة عشرون سنة لان ولادته سنة (١٦) للهجرة نعرف ذلك من قول المسعودي في التنبيه والاشراف ص ٢٨٣ وسبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص ص ١٦٩ وابن كثير في البداية (ج ٩ ـ ص ٣٨) انه توفى سنة احدى وثمانين عن خمس وستين سنة.

ولا بدع في ابن (حيدرة) إذا كانت له مواقف محمودة في الجمل وصفين والنهروان وكانت الراية معه فأبلى بلاء حسنا سجله له التاريخ وشكره الاسلام بعد ما يحدث النبي صلى الله عليه وآله عن اغرز الصفات الحميدة في الطالبين وهي الشجاعة فيقول صلى الله عليه وآله : (لو ولد الناس ابو طالب ـ

١٧٩

قال عبد الله بن العباس فبدأت بالزبير وكان عندي أبقاهما علينا وكلمته في الرجوع وقلت له ان أمير المؤمنين (ع) يقول لك ألم تبايعني طائعا فبم تستحل قتالي؟ وهذا المصحف وما فيه بيني وبينك فان شئت تحاكمنا إليه قال ارجع إلى صاحبك فانا بايعنا كارهين ومالي حاجة في محاكمته فانصرفت عنه إلى طلحة والناس يشتدون والمصحف في يدي فوجدته قد لبس الدرع وهو محتبي بحمائل سيفه ودابته واقفة فقلت له ان أمير المؤمنين يقول لك ما حملك على الخروج وبما استحللت نقض بيعتي والعهد عليك قال خرجت اطلب بدم عثمان أيظن ابن عمك انه قد حوى على الكوفة وقد والله كتبت إلى المدينة يؤخذ لي بمكة فقلت له اتق الله يا طلحة فانه ليس لك ان تطلب بدم عثمان وولده أولى بدمه منك هذا ابان بن عثمان ما ينهض في طلب دم ابيه قال طلحة نحن اقوى على ذلك منه قتله ابن عمك وابتز امرنا فقلت له اذكرك الله في المسلمين وفي دمائهم وهذا المصحف بيننا وبينكم والله ما انصفتم رسول الله إذ حبستم نساءكم في بيوتكم وأخرجتم حبيسة رسول الله فأعرض عني ونادى بأصحابه ناجزوا القوم فانكم لا تقومون لحجاج ابن ابي طالب فقلت

__________________

ـ كلهم لكانوا شجعانا) كما نص عليه الوطواط في غرر الخصائص ص ١٧ في باب حفظ الجوار وخطبته التي ارتجلها يوم صفين في مدح ابيه (ع) وهو واقف بين الصفين تشهد له بالفصاحة والبلاغة على أتم معانيها فهو جليل القدر عظيم المنزلة وعدم حضوره في مشهد الطف اما لان الحسين أذن له بالبقاء ليكون عينا له كما في مقتل محمد بن ابي طالب الحائري أو للمرض كما يراه العلامة الحلي واعترافه بامامة السجاد يدل على حسن رأيه ومعذوريته في التأخر على كل حال وان لم نعرف السبب على التفصيل ولعل الحسين (ع) لاحظ مهمة دقيقة وهي كف الاذى عن آل ابي طالب وحرمهم من الامويين بوجود ابن الحنفية.

١٨٠