الجمل

محمّد بن محمّد النعمان العكبري [ الشيخ المفيد ]

الجمل

المؤلف:

محمّد بن محمّد النعمان العكبري [ الشيخ المفيد ]


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٣٤

رفقنا به أدركنا حاجتنا منه فقالا افعل ما شئت.

فقال ابن عباس لابي موسى ان عليا ارسلنا اليك لما يطرقه سرعتك إلى طاعة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله ومصيرك إلى ما أحببنا اهل البيت وقد علمت فضله وسابقته في الاسلام ويقول لك ان تبايع له الناس ويقرك على عملك ويرضى عنك فانخدع ابو موسى وصعد المنبر فبايع لعلي ساعة من النهار ثم نزل.

خطبة عمار بالكوفة :

فقال عمار : الحمد لله حمدا كثيرا فانه اهل على نعمته التى لا يحصيها ولا يقدر قدرها ولا يؤدى شكرها اشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله ارسله بالهدى والنور الواضح والسلطان القاهر والامين الناصح والحكيم الراجح رسول رب العالمين وقائد المؤمنين وخاتم النبيين بالصدق وصدق المرسلين وجاهد في الله حتى اتاه اليقين.

ثم ان أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع) حفظه الله ونصره نصرا عزيزا وابرم له امرا رشيدا بعثني اليكم وابنه يأمركم بالنفر إليه فانظروا إليه واتقوا واطيعوا الله والله لو علمت ان على وجه الارض بشرا اعلم بكتاب الله وسنة نبيه منه ما استنفرتكم إليه ولا بايعته على الموت يا معشر اهل الكوفة الله الله في الجهاد فوالله لئن صارت الامور إلى غير علي (ع) لتصيرن إلى البلاء العظيم والله يعلم اني قد نصحت لكم وامرتكم بما اخذت بيقيني وما اريد اخالفكم إلى ما انهاكم عنه ان اريد إلا الاصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت واليه انيب استغفر الله لي ولكم.

ثم نزل فصبر هنيئة ثم عاد إلى المنبر فحمد الله واثنى عليه ثم قال :

١٤١

أيها الناس هذا ابن عم رسول نبيكم قد بعثني اليكم استنصركم إلا ان طلحة والزبير قد سارا نحو البصرة وأخرجا عائشة معهما للفتنة الا وان الله قد ابتلاكم بحق امكم وحق ابيكم وحق ربكم أولى وأعظم عليكم من حق امكم وابيكم ولكن الله قد ابتلاكم لينظر كيف تعملون فاتقوا الله واسمعوا واطيعوا وانفقوا في سبيل الله وانفروا إلى خليفتكم وصهر نبيكم فان اصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله قد بايعوه بالمدينة وهي دار الهجرة ودار السلام أسأل الله ان يوفقكم.

ثم نزل فصعد الحسن بن علي عليهما السلام على المنبر فحمد الله واثنى عليه وذكر جده فصلى عليه وذكر فضل ابيه وسابقته وقرابته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وانه أولى بالامر من غيره ثم قال معاشر الناس ان طلحة والزبير بايعا عليا طايعين غير مكرهين ثم نفرا ونكثا بيعتهما له فطوبى لمن خف في مجاهدة من جاهده فان الجهاد معه كالجهاد مع النبي صلى الله عليه وآله.

ثم نزل وكان أمير المؤمنين (ع) كتب مع ابن عباس كتابا إلى أبي موسى الاشعري وغلظ فيه فقال ابن عباس قلت في نفسي اقدم على رجل وهو أمير بمثل هذا الكتاب ان لا ينظر في كتابي ونظرت ان اشق كتاب أمير المؤمنين وكتبت من عندي كتابا عنه لابي موسى :

اما بعد فقد عرفت مودتك إيانا أهل البيت وانقطاعك الينا وانما فرغب اليك لما نعرف من حسن رأيك فينا فإذا اتاك كتابي فبايع لنا الناس والسلام.

فدفعه إليه فلما قرأه ابو موسى قال لي أنا الامير أو أنت؟ قلت انت الامير فدعا الناس إلى بيعة علي فلما بايع قمت وصعدت المنبر فرام انزالي منه فقلت انت تنزلني عن المنبر؟ وأخذت بقائم سيفي فقلت اثبت مكانك والله لئن نزلت اليك هذبتك به فلم يبرح فبايعت الناس لعلي

١٤٢

وخلعت ابا موسى في الحال واستعملت مكانه قرضة بن عبد الله الانصاري ولم ابرح من الكوفة حتى سيرت لعلى (ع) في البر والبحر من اهلها سبعة آلاف رجل ولحقته بذى قار قال وقد سار معه من جبال طي وغيرها الفا رجل ولما صار اهل الكوفة إلى ذي قار ولقوا عليا (ع) بها رحبوا به وقالوا الحمد لله الذي خصنا بمودتك واكرمنا بنصرتك فجزاهم خيرا.

خطبة علي بذي قار :

ثم قام وخطبهم ، فحمد الله وأثنى عليه وقكر النبي فصلى عليه ثم قال :

يا أهل الكوفة إنكم من اكرم المسلمين واعدلهم سنة وافضلهم في الاسلام سهما وأجودهم في العرب مركبا ونصابا ، حزبكم بيوتات العرب وفرسانهم ومواليهم ، انتم أشد العرب ودا للنبي ; وإنما اخترتكم ثقة بعد الله لما بذلتم لي انفسكم عند نقض طلحة والزبير بيعتي وعهدي ، وخلافهما طاعتي واقبالهما بعائشة لمخالفتي ومبارزتي وإخراجهما لها من بيتها ، حتى أقدماها البصرة. وقد بلغني ان اهل البصرة فرقتان : فرقة الخير والفضل والدين قد اعتزلوا وكرهوا ما فعل طلحة والزبير! ثم سكت عليه السلام ، فأجابه أهل الكوفة : نحن أنصارك واعوانك على عدوك ، ولو دعوتنا إلى اضعافهم من الناس احتسبنا في ذلك الخير ورجوناه فرد عليهم خيرا (١).

خطبة أخرى بذي قار :

ولما أراد (ع) المسير من ذي قار تكلم ، فحمد الله واثنى عليه ثم قال : ان الله عزوجل بعث محمدا للناس كافة ورحمة للعالمين ، فصدع بما أمر به

__________________

(١) في تاريخ الطبري (ج ٥ ـ ص ١٩٠) روى خطبته (ع) بغير هذا اللفظ.

١٤٣

ربلغ رسالات ربه ، فلما ألم به الصدع ورتق به الفتق وأمن به السبيل وحقن به الدماء وألف به بين ذوى الاحقاد والعداوة الواغرة في الصدور ، والضغائن الكامنة في القلوب ، قبضه الله عزوجل إليه حميدا وقد ادى الرسالة ونصح للامة ، فلما مضى صلى الله عليه وآله لسبيله دفعنا عن حقنا من دفعنا وولوا من ولوا سوانا ثم ولاها عثمان بن عفان فنال منكم ونلتم منه حتى إذا كان من أمره ما كان أتيتموني فقلتم بايعنا فقلت لكم لا أفعل ; فقلتم بلى لابد من ذلك ، فقبضتم يدى فبسطتموها وتداككتم على تداك الابل الهيم على حياضها يوم ورودها ، حتى لقد خفت انكم قاتلي ، أو بعضكم قاتل بعض ; فبايعتموني وانا غير مسرور بذلك ولا جذل ، وقد علم الله سبحانه إني كنت كارها للحكومة بين امة محمد ، ولقد سمعته يقول! ما من وال يلي شيئا من أمر امتي إلا أتى الله يوم القيامة مغلولة يداه إلى عنقه على رؤوس الخلائق ، ثم ينشر كتابه فان كان عادلا نجا وان كان جائرا هوى. ثم اجتمع علي ملؤكم وبايعني طلحة والزبير وانا اعرف الغدر في وجهيهما والنكث في عينيهما ثم أستأذناني في العمرة فأعلمتهما ان ليس العمرة يريدان فسارا إلى مكة واستخفا عائشة وخدعاها وشخص معها ابناء الطلقاء فقدموا البصرة وهتكوا بها المسلمين وفعلوا المنكر ، ويا عجبا لاستقامتهما لابي بكر وعمر وبغيهما علي وهما يعلمان إني لست دون احدهما ولو شئت ان أقول لقلت ، ولقد كان معاوية كتب اليهما من الشام كتابا يخدعهما فيه فكتماه عني وخرجا يوهمان الطغام انهما يطلبان بدم عثمان والله ما انكرا علي منكرا ولا جعلا بينى وبينهما نصفا وان دم عثمان لمعصوب بهما ومطلوب فيهما يا خيبة الداعي إلى ما ادعا وبماذا اجيب ، والله انهما لفي ظلالة صماء وجهالة عمياء وان الشيطان قد دبر لهما حزبه واستجلب منهما خيله ورجاله ليعيد الجور إلى اوطانه ويرد الباطل إلى نصابه. ثم رفع يديه وقال : اللهم ان طلحة والزبير

١٤٤

قطعاني وظلماني ونكثا بيعتي فاحلل ما عقدا وانكث ما أبرما ولا تغفر لهما أبدا وأرهما المساءة فيما عملا واملا.

فقام الاشتر رضي الله عنه فقال : خفض عليك يا أمير المؤمنين فوالله ما أمر طلحة والزبير علينا بمحيل لقد دخلا في هذا الامر اختيارا ثم فارقانا على غير جور عملناه ولا حدث في الاسلام احدثناه ; ثم اقبلا يثيران الفتنة علينا تائهين جائرين ليس معهما حجة ترى ولا أثر يعرف لقد لبسا العار وتوجها لمحو الديار ، فان زعما ان عثمان قتل مظلوما فليستقد آل عثمان منهما فاشهد انهما قتلاه واشهد الله يا أمير المؤمنين لئن لم يدخلا فيما خرجا منه ولم يرجعا إلى طاعتك وما كانا عليه لنلحقهما بابن عفان.

أبو التيهان :

وقام أبو الهيثم بن التيهان رحمه الله وقال يا أمير المؤمنين صبحهم الله بما يكرهون فان اقبلوا قبلنا منهم وان ادبروا لنجاهدنهم فلعمري ما قوم قتلوا النفس التي حرم الله قتلها واخذوا الاموال واخافوا اهل الايمان باهل ان يكف عنهم ، فأقبل أمير المؤمنين (ع) على عدي بن حاتم فقال له يا عدى انت شاهد لنا وحاضر معنا وما نحن فيه.

عدي بن حاتم :

فقال عدى شهدتك أو غبت عنك فأنا عندما أحببت هذه خيولنا معدة ورماحنا محددة وسيوفنا محمرة فان رأيت أن نتقدم تقدمنا وان رأيت أن نحجم أحجمنا نحن طوع لامرك فامر بما شئت نسارع إلى امتثال امرك.

١٤٥

أبو زينب الازدي :

وقام أبو زينب الازدي فقال والله ان كنا على الحق إنك لاهدانا سبيلا وأعظمنا في الخير نصيبا وان كنا على الضلالة والعياذ بالله أن نكون عليه ، لانك اعظمنا وزرا وأثقلنا ظهرا وقد أردنا المسير إلى هؤلاء القوم وقطعنا منهم الولاية وأظهرنا منهم البراءة وظاهرناهم بالعداوة ونريد بذلك ما يعلمه الله عزوجل واننا ننشدك الله الذي علمك ما لم نكن نعلم السنا على الحق وعدونا على الضلال فقال (ع) اشهد لئن خرجت لدينك ناصرا صحيح النية قد قطعت منهم الولاية واظهرت منهم البراءة كما قلت انك لفي رضوان الله فابشر يا أبا زينب فانك والله على الحق فلا تشك فانك انما تقاتل الاحزاب فأنشأ ابو زينب يقول :

سيروا إلى الاحزاب أعداء النبي

فان خير الناس اتباع علي

هذا أوان طاب سل المشرفى

وقودنا الخيل وهز السمهري

ولما استقر أمر أهل الكوفة على النهوض لامير المؤمنين (ع) وخف بعضهم لذلك بادر ابن عباس ومن معه من الرسل فيمن اتبعهم من أهل الكوفة إلى ذى قار للالتحاق بأمير المؤمنين وأخباره بما عليه القوم من الجد والاجتهاد في طاعته وانهم لاحقون به غير متأخرين عنه وإنما تقدمهم ليستعد للسفر وللحرب وقد كان استخلف قرضة بن كعب على الكوفة على ما قدمناه ويحث الناس على اللحاق به.

فورد على أمير المؤمنين كتابا قد كتب إليه من البصرة ما صنعه القوم بعامله عثمان بن حنيف رحمه الله وما استحلوه من الدماء ونهب الاموال وقتل من قتلوه من شيعته وأنصاره وما أثاروه من الفتنة فيها فوجوده ابن عباس وقد أحزنه ذلك وغمه وأزعجه وأقلقه فأخبره بطاعة أهل الكوفة ووعده منهم بالنصرة فسر عند ذلك وأقام ينتظر أهل

١٤٦

الكوفة والمدد الذي ينتصر بهم على عدوه.

ابن حنيف مع الناكثين :

فصل : وكان من حديث القوم فيما صنعوه بعثمان بن حنيف رضى الله عنه ومن ذكرناه معه على ما جاءت به الاخبار واتفق عليه نقلة السير والآثار.

روى الواقدي وأبو مخنف عن أصحابهما والمدايني وابن دآب عن مشايخهما بالاسانيد التي اختصرنا القول باسقاطها واعتمدنا فيها على ثبوتها في مصنفات القوم وكتبهم فقالوا ان عائشة وطلحة والزبير لما ساروا من مكة إلى البصرة أعدوا السير مع من اتبعهم من بني امية وعمال عثمان وغيرهم من قريش حتى صاروا إلى البصرة فنزلوا حفر أبي موسى (١) فبلغ عثمان بن حنيف وهو عامل البصرة يومئذ وخليفة أمير المؤمنين وكان عنده حكيم بن جبلة فقال له حكيم ما الذي بلغك فقال خبرت ان القوم قد نزلوا حفر ابي موسى فقال له حكيم ائذن لي أن أسير إليهم فاني رجل في طاعة أمير المؤمنين (ع) فقال له عثمان توقف عن ذلك حتى اراسلهم فقال له حكيم إنا لله هلكت والله يا عثمان ، فاعرض عنه وارسل إلى عمران بن حصين وابي الاسود الدؤلي فذكر لهما قدوم القوم البصرة وحلولهم حفر ابي موسى وسألهما المسير إليهم وخطابهم على ما قصدوا به وكفهم عن الفتنة فخرجا حتى دخلا على عائشة فقالا لها يا ام المؤمنين ما حملك على المسير؟ فقالت غضبت لكما من سوط عثمان وعصاه ولا اغضبت ان يقتل فقالا لها وما انت من سوط عثمان وعصاه وانما انت

__________________

(١) سماه ابن جرير في التاريخ (ج ٥ ـ ص ١٧٣) الحفير ولم يضفه إلى ابى موسى وفي معجم البلدان (ج ٣ ـ ص ٣٠٤) الحفير بالتصغير ماء لباهلة بينه وبين البصرة اربعة اميال.

١٤٧

حبيس رسول الله صلى الله عليه وآله وإنا نذكرك الله ان يهراق الدماء في سبيلك فقالت وهل من احد يقاتلني! فقال لها ابو الاسود الدؤلي نعم والله قتالا أهونه شديد ، ثم خرجا من عندها فدخلا على الزبير فقالا له يا أبا عبد الله ننشدك الله ان يهراق الدماء في سبيلك فقال لهما ارجعا من حيث جئتما ان لا تفسدا علينا فأيسا منه وخرجا حتى دخلا على طلحة فقالا له ننشدك الله ان يهراق الدماء في سبيلك فقال لهما طلحة أيحب علي بن ابي طالب (ع) انه إذا غلب على امر المدينة ان الامر له ، وانه لا امر إلا امره والله ليعلمن فانصرفا من حيث جئتما فانصرفا من عنده إلى عثمان ابن حنيف فأخبزاه الخبر.

وروى ابن ابى سبرة عن عيسى بن عيسى عن الشعبي ان أبا الأسود الدؤلي وعمران لما دخلا على عائشة قالا لها ما الذي أقدمك هذا البلد؟ وانت حبيسة رسول الله صلى الله عليه وآله وقد امرك ان تقري في بيتك فقالت غضبت لكم من السوط والعصا ، ولا اغضب لعثمان من السيف فقالا لها ننشدك الله ان يهراق الدماء في سبيلك وان تحملي الناس بعضهم على بعض فقالت لهما انما جئت لاصلح بين الناس وقالت لعمران بن الحصين ها انت مبلغ عثمان بن حنيف رسالة فقال لا ابلغه عنك إلا خيرا فقال لها أبو الاسود أنا ابلغه عنك فهاتي ، قالت له يا طليق ابن ابي عامر بلغني إنك تريد لقائي لتقاتلني ، فقال لها ابو الاسود الدؤلي نعم والله لنقاتلنك فقالت وانت ايضا يبلغني عنك ما يبلغني قم فانصرف عنى فخرجا من عندها إلى طلحة فقالا له يا أبا محمد ألم تجمع الناس إلى حرب ابن عم رسول الله؟ الذى فضله الله كذا وكذا وجعلا يعددان مناقب أمير المؤمنين (ع) وفضائله وحقوقه فوقع طلحة بعلي وسبه ونال منه وقال انه ليس احد مثله اما والله ليعلمن غير ذلك ، فخرجا من عنده وهما يقولان غضب هذا المدنى ، ثم دخلا على الزبير فكلماه مثل كلامهما لصاحبه فوقع ايضا في

١٤٨

علي (ع) وسبه ، وقال لقوم كان بمحضرهم صبحوهم قبل ان يمسوكم فخرجا من عنده حتى صارا إلى عثمان بن حنيف فأخبراه الخبر ، فأذن عثمان للناس بالحرب (١).

فرح حفصة :

فصل : ولما بلغ عائشة نزول أمير المؤمنين (ع) بذى قار كتبت إلى حفصة بنت عمر :

اما بعد فلما نزلنا البصرة ونزل علي بذى قار والله داق عنقه كدق البيضة على الصفا انه بمنزلة الاشقر ، ان تقدم نحر وان تأخر عقر فلما وصل الكتاب إلى حفصة استبشرت بذلك ودعت صبيان بني تيم وعدى واعطت جواريها دفوفا وامرتهن ان يضربن بالدفوف ويقلن ما الخبر ما الخبر علي كالاشقر بذى قار ان تقدم نحر وان تأخر عقر ، فبلغ ام سلمة (رض) اجتماع النسوة على ما اجتمعن عليه من سب أمير المؤمنين والمسرة بالكتاب الوارد عليهن من عائشة فبكت وقالت اعطوني ثيابي حتى اخرج اليهن وأوقع بهم.

ام كلثوم مع حفصة :

فقالت ام كلثوم بنت أمير المؤمنين (ع) أنا أنوب عنك فانني اعرف منك فلبست ثيابها وتنكرت وتخفرت واستصحبت جواريها متخفرات وجاءت حتى دخلت عليهن كأنها من النضارة فلما رأت إلى ما هن فيه من العبث والسفه كشفت نقابها وأبرزت لهن وجهها ثم قالت لحفصة ان تظاهرت انت واختك على أمير المؤمنين (ع) فقد تظاهرتما على اخيه رسول الله صلى الله عليه وآله من قبل فأنزل الله عزوجل فيكما ما انزل

__________________

(١) ابن الاثير (ج ٣ ـ ص ٨٢).

١٤٩

والله من وراء حربكما (١) وأظهرت حفصة خجلا وقالت انهن فعلن هذا بجهل وفرقتهن في الحال.

خطبة عائشة بالمربد :

ولما بلغ عائشة رأى ابن حنيف في القتال ركبت الجمل وأحاط بها القوم وسارت حتى وقفت (بالمربد) واجتمع إليها الناس حتى امتلا المربد بهم فقالت وهى على الجمل صه صه فسكت الناس واصغوا إليها فحمدت الله تعالى وقالت :

اما بعد فان عثمان بن عفان قد كان غير وبدل فلم يزل يغسله بالتوبة حتى صار كالذهب المصفى فعدوا عليه وقتلوه في داره وقتل ناس معه في داره ظلما وعدوانا ثم آثروا عليا فبايعوه من غير ملائمة من الناس ولا شورى ولا اختيار فابتز والله امرهم وكان المبايعون له يقولون خذها اليك واحذرن أبا حسن إنا غضبنا لكم على عثمان من السوط فكيف لا نغضب لعثمان من الغضب ان الامر لا يصح حتى يرد الامر إلى ما صنع عمر من الشورى فلا يدخل فيه احد سفك دم عثمان.

فقال بعض الناس صدقت وقال بعض الناس كذبت واضطربوا بالفعال وتركتهم وسارت حتى اتت (الدباغين) وقد تحيز الناس بعضهم مع طلحة والزبير وعائشة وبعضهم متمسك ببيعة أمير المؤمنين والرضا به فسارت من موضعها ومن معها واتبعها على رأيها طلحة والزبير

__________________

(١) اشارة إلى ما جاء في سورة التحريم من قوله تعالى : (واذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا فلما نبأت به) الآية. ففي تفسير الخازن (ج ٧ ـ ص ٩٧) وروح المعاني للالوسي (ج ٢٨ ـ ص ١٥٢) عن ابن عباس ان حفصة أسرت حديثا لرسول الله صلى الله عليه وآله إلى عائشة وكانتا متصافيتين وهما اللتان تظاهرتا عليه ونزل القرآن فيهما.

١٥٠

ومروان بن الحكم وعبد الله بن الزبير حتى اتوا دار الامارة فسألوا عثمان بن حنيف الخروج عنها فأبى عليهم ذلك واجتمع إليه انصاره وزمرة من اهل البصرة فاقتتلوا قتالا شديدا حتى زالت الشمس واصيب يومئذ من عبد القيس خاصة خمسمائة شيخ مخضوب من اصحاب عثمان ابن حنيف وشيعة امير المؤمنين سوى من اصيب من ساير الناس وبلغ الحرب بينهم التزاحف إلى (مقبرة بني مازن) ثم خرجوا على مسناة البصرة حتى انتهوا إلى (الزابوقة) وهى ساحة دار (الرزق) (١) فاقتتلوا قتالا شديدا كثر فيه القتلى والجرحى من الفريقين ثم انهم تداعوا إلى الصلح ودخل بينهم الناس لما رأوا من عظيم ما ابتلوا به فتصالحوا على أن لعثمان بن حنيف دار الامارة والمسجد وبيت المال ولطلحة والزبير وعائشة ما شاؤا من البصرة ولا يحاجوا حتى يقدم امير المؤمنين (ع) فان احبوا عبد ذلك الدخول في طاعته وان احبوا ان يقاتلوا ، وكتبوا بذلك كتابا بينهم وأوثقوا فيه العهود وأكدوها وأشهدوا الناس على ذلك (٢) ووضع السلاح وآمن عثمان بن حنيف علي نفسه وتفرق الناس عنه.

وطلب طلحة والزبير وأصحابهما عثمان حتى أتوا دار الامارة وعثمان ابن حنيف غافل عنهم وعلى باب الدار السبابجة يحرسون بيوت الاموال

__________________

(١) في معجم البلدان (ج ٤ ـ ص ٣٦٦) انها بالزاء المعجمة بعدها الف ثم باء موحدة وبعدها واو ثم القاف مدينة المسامعة قرب البصرة وهم بنو مسمع بن شهاب بن بلع بن عمرو الخ. وفيها كانت وقعة الجمل

(٢) نص عليه في تاريخ الطبري (ج ٥ ـ ص ١٧٧) وابن الاثير (ج ٣ ـ ص ٨٤) وذكرا ان اسامة بن زيد قال اشهد انهما بايعا مكرهين فثار عليه تمام بن العباس وسهل بن حنيف مع جماعة فانتصر له محمد بن مسلمة وصهيب بن سنان فأخرجوه إلى منزلهم.

١٥١

وكانوا قوما من الزط ووضعوا فيهم السيف من أربع جوانبهم فقتلوا أربعين رجلا منهم صبرا ، يتولى منهم ذلك الزبير خاصة ، ثم هجموا على عثمان فأوثقوه رباطا وعمدوا إلى لحيته وكان شيخا كث اللحية فنتفوها حتى لم يبق منها شئ ولا شعرة واحدة وقال طلحة عذبوا الفاسق وانتفوا شعر حاجبيه واشفار عينيه وأوثقوه بالحديد.

فلما اصبحوا اجتمع الناس إليهم وأذن مؤذن المسجد لصلاة الغداة فرام طلحة ان يتقدم للصلاة بهم فدفعه الزبير وأراد أن يصلي بهم فمنعه طلحة فما زالا يتدافعان حتى كادت الشمس ان تطلع فنادى اهل البصرة الله الله يا أصحاب رسول الله في الصلاة نخاف فوتها (١).

فقالت عائشة : مروا أن يصلى بالناس غيرهما فقال لهم يعلى بن منبه يصلى عبد الله بن الزبير يوما ومحمد بن طلحة يوما حتى يتفق الناس على أمير يرضونه فتقدم ابن الزبير وصلى بهم ذلك اليوم.

وبلغ حكيم بن جبلة العبدى ما صنع القوم بعثمان بن حنيف وقتلهم السبابجة الصالحين خزان بيت مال المسلمين فنادى في قومه يا قوم انفروا إلى هؤلاء الضالين الضالمين الذين سفكوا الدم الحرام وفعلوا بالعبد الصالح واستحلوا ما حرم الله عزوجل فأجابه سبعماءة رجل من عبد قيس وأتوا المسجد واجتمع الناس إلى حكيم بن جبلة فقال للقوم أما ترون ما صنعوا بأخي عثمان بن حنيف ما صنعوا؟ لست بأخيه ان لم أنصره ثم رفع يديه إلى السماء وقال : اللهم ان طلحة والزبير لم يريدا بما عملا القربة منك وما أرادا إلا الدنيا اللهم اقتلهما بمن قتلا ولا تعطهما ما أملا ثم ركب فرسه وأخذ بيده الرمح واتبعه أصحابه واقبل طلحة والزبير

__________________

(١) ابن الاثير (ج ٣ ـ ص ٨١) والتفت ايها النابه إلى الغاية المقصودة لهما وإلا فما هذا النزاع ان كانا يطلبان الحقيقة وما عشت اراك الدهر عجبا.

١٥٢

ومن معهما وهم في كثرة من الناس قد انضم إليهم الجمهور واقتتلوا قتالا شديدا حتى كثرت بينهم الجرحى والقتلى وبرز إلى حكيم بن جبلة رجل من القوم فضربه بالسيف فقطع رجله فتناولها حكيم بيده ورماه بها فصرعه (١).

ثم صار إلى حكيم أخوه المعروف بالاشرف فقال من اصابك؟ فأشار إلى الذى ضربه فأدركه الاشرف (٢) فخبطه بالسيف حتى قتله وتكاثر الناس عليه وعلى اخيه حتى قتلوهما وتفرق الناس.

ورجع طلحة والزبير ونزلا دار الامارة وغلبا على بيت المال فتقدمت عائشة وحملت مالا منه لتفرقه على انصارها فدخل عليها طلحة والزبير في طائفة معهما واحتملا منه شيئا كثيرا فلما خرجا نصبا على ابوابه الاقفال ووكلا به من قبلهما قوما فأمرت عائشة بختمه فبرز لذلك طلحة ليختمه فمنعه الزبير وأراد ان يختمه الزبير دونه فتدافعا فبلغ عائشة ذلك فقالت يختمها عنى ابن اختى عبد الله بن الزبير فختم يومئذ بثلاثة ختوم.

ثم قال طلحة والزبير ما تأمرين في عثمان؟ فانه لما به فقالت اقتلوه قتله الله وكانت عندها امرأة من اهل البصرة فقالت لها يا اماه اين يذهب بك أتأمرين بقتل عثمان بن حنيف واخوه سهل على المدينة وله مكانة من الاوس والخزرج ما قد علمت والله لئن فعلت ذلك ليكونن له صولة بالمدينة يقتل فيها ذرارى قريش فآب إلى عائشة رأيها وقالث

__________________

(١) في تاريخ الطبري (ج ٥ ـ ص ١٨٠) وابن الاثير (ج ٣ ـ ص ٨٥) لما ضربه برجله وصرعه حبا إليه وقتله ثم اتكأ عليه وقال :

يا فخذ لن تراعى * ان معى ذراعي * احمي بها كراعي

(٢) في تاريخ الطبري (ج ٥ ـ ص ١٣٣) قتل مع حكيم بن جبلة ابنه الاشرف واخوه الرعل بن جبلة.

١٥٣

لا تقتلوه ولكن احبسوه وضيقوا عليه حتى أرى رأيي فحبس اياما ثم بدا لهم في حبسه وخافوا من اخيه ان يحبس مشايخهم بالمدينة ويوقع بهم فتركوا حبسه.

مجئ ابن حنيف إلى علي :

فخرج ابن حنيف حتى جاء إلى أمير المؤمنين وهو بذى قار فلما نظر إليه أمير المؤمنين وقد نكل به القوم بكى وقال يا عثمان بعثتك شيخا ملتحى فرددت امردا لي اللهم انك تعلم انهم اجترأوا عليك واستحلوا حرماتك اللهم اقتلهم بمن قتلوا من شيعتي وعجل لهم النقمة بما صنعوا بخليفتي ولما خرج عثمان بن حنيف من البصرة وعاد طلحة والزبير إلى بيت المال فتأملا إلى ما فيه من الذهب والفضة قالوا هذه الغنائم التي وعدنا الله بها واخبرنا انه يعجلها لنا.

علي في بيت المال :

قال ابو الاسود الدؤلي وقد سمعت هذا منهما ورأيت عليا بعد ذلك وقد دخل بيت مال البصرة فلما رأى ما فيه قال يا صفراء بيضاء غري غيرى ، المال يعسوب الظلمة وانا يعسوب المؤمنين فلا والله ما التفت إلى ما فيه ولا فكر فيما رآه منه وما وجدته عنده إلا كالتراب هو انا فتعجبت من القوم ومنه عليه السلام فقلت اولئك ممن يريد الدنيا وهذا ممن يريد الآخرة وقويت بصيرتي فيه ، ولما استقر الامر عند القوم بعد خروج عثمان بن حنيف وعلم طلحة والزبير وعائشة ان أمير المؤمنين بذى قار ينتظر الجموع وانه لا يصبر على ما فعلوه بصاحبه والمسلمين امرت عائشة الزبير ان يستنفر الناس إليه فخطبهم الزبير وامرهم بالجد والاجتهاد وقال لهم ان عدوكم قد اظلكم والله لئن ظفر بكم لا ترك بكم

١٥٤

عينا تطرف فانهضوا إليه حتى نكب عليه قبل ان تلحقه انصاره وقال لهم امضوا فخذوا أعطيتكم فلما رجع إلى منزله قال له ابنه عبد الله امرت الناس أن يأخذوا أعطيتهم ليتفرقوا بالمال قبل ان يأتي على بن ابى طالب فتضعف بئس الرأي الذري رأيت فقال له الزبير اسكت ويلك ما كان غير الذى قلت فقال طلحة صدق عبد الله وما ينبغي ان يسلم هذا المال حتى يقرب منا علي فنضعه في موضعه فيمن يدفعه عنا فغضب الزبير وقال والله لو لم يبق إلا درهم واحد لاعطيته فلامته عائشة على ذلك ووافق رأيها برأى الرجلين فقال الزبير والله لتدعوني أو ألحق بمعاوية فقد بايع في الشام الناس فأمسكوا عنه.

الزبير شاك متردد :

وروى داود بن ابي هند عن ابن عمرة مولى الزبير ان الزبير قال يومئذ لو كان لي الف فارس إلى خمسماءة فارس ينهضون معي الساعة لاسير بهم إلى على فاما ان آتي به بياتا أو أصحبه صباحا لعلي اقتله قبل ان يأتيه مدده فلم يخف معه احد فاغتاظ لذلك وقال هذه والله الفتنة التي كنا نتحدث بها فقال له مولاه ابو عمرة رحمك الله يا أبا عبد الله تسميها فتنة ثم ترى القتال فيها فقال له ويحك انا نبصره ولكن لا نصبر ثم قال بعد ذلك بيوم أو يومين والله ما كان امر قط إلا علمت اين اضع قدمي فيه إلا هذا الامر فاني لم أدر أنا فيه مقبل ام مدبر فقال له ابنه عبد الله والله ما بك هذا وانا لنتعامى فلما يحملك على هذا القول إلا انك أحسست برايات ابن ابي طالب قد اظلت وعلمت ان الموت الناقع تحتها فقال له اعزب ويحك فانك لا علم لك بالامور.

وروى الحرث بن الفضل عن أبي عبد الله الاغر ان الزبير بن العوام قال لابنه يومئذ ويلك لا تدعنا على حال انت والله قطعت بيننا

١٥٥

وقرقت الفتنة بما بليت به من هذا المسير وما كنت متوليا من ولي هذا الامر واقام به والله لا يقوم احد من الناس مقام عمر بن الخطاب فيهم فمن ذا يقوم مقام عمر بن الخطاب وان سرنا بسيرة عثمان قتلنا فما اصنع بهذا المسير وضرب الناس بعضهم ببعض فقال له عبد الله ابنه افتدع عليا يستولي على الامر؟ وأنت تعلم انه كان احسن اهل الشورى عند عمر بن الخطاب ولقد أشار عمر وهو مطعون يقول لاصحابه اهل الشورى ويلكم اطعموا ابن ابي طالب فيها لا يفتق في الاسلام فتقا عظيما ومنوه حتى تجمعوا على رجل سواه.

ولما صار عثمان بن حنيف إلى ذى قار وأقام بها مع أمير المؤمنين وهو مريض يعالج حتى ورد على أمير المؤمنين (ع) اهل الكوفة.

فصل : وروى الواقدي عن شيبان بن عبد الرحمن عن عامر بن كليب عن ابيه قال لما قتل عثمان ما لبثنا إلا قليلا حتى قدم طلحة والزبير البصرة ثم ما لبثنا بعد ذلك إلا يسيرا حتى أقبل علي بن ابى طالب بذي قار فقال شيخان من الحي اذهب بنا إلى هذا الرجل فلننظر ما يدعو إليه فلما اتينا (ذا قار) قدمنا على أذكى العرب فوالله لدخل على نسب قومي فجعلت اقول هو اعلم به مني واطوع فيهم فقال من سيد بني راسب فقلت فلان قال فمن سيد بني قدامة قلت فلان لرجل آخر فقال انت مبلغهما كتابين مني؟ قلت نعم قال أفلا تبايعاني؟ فبايعه الشيخان اللذان كانا معي وتوقفت عن بيعته فجعل رجال عنده قد أكل السجود وجوههم يقولون بايع بايع فقال عليه السلام دعوا الرجل فقلت انما بعثني قومي رائدا وسأنهي إليهم ما رأيت فان بايعوا بايعت وان اعتزلوا اعتزلت فقال لي أرأيت لو ان قومك بعثوك رائدا فرأيت روضة وغديرا فقلت يا قومي النجعة النجعة فأبوا ما كنت بمستنجع بنفسك فأخذت باصبع من اصابعه فقلت ابايع على ان اطيعك ما اطعت الله فإذا عصيته فلا طاعة لك علينا

١٥٦

فقال نعم وطول صوته فضربت على يده ثم التفت إلى محمد بن حاطب وكان من ناحية القوم فقال إذا انطلقت إلى قومك فأبلغهم كتبي وقولي فتحول إليه محمد حتى جلس بين يديه فقال ان قومي إذا اتيتهم يقولون ما يقول صاحبك في عثمان فسب عثمان الذين حوله فرأيت عليا قد كره ذلك حتى رشح جبينه وقال ايها القوم كفوا ما إياكم يسأل ولا عنكم سائل قال فلم أبرح عن العسكر حتى قدم على علي أهل الكوفة فجعلوا يقولون نرى اخواننا من اهل البصرة يقاتلوننا وجعلوا يضحكون ويعجبون ويقولون والله لو التقينا لتعاطينا الحق كأنهم يرون انهم لا يقتلون وخرجت بكتاب علي (ع) فأتيت أحد الرجلين فقبل الكتاب وأجابه ودللت على الآخر وكان متواريا فلو انهم قالوا له كليب ما اذن لي فدخلت عليه ودفعت الكتاب إليه وقلت هذا كتاب علي واخبرته الخبر وقلت اني اخبرت عليا إنك سيد قومك فأبى أن يقبل الكتاب ولم يجبه إلى ما سأله وقال لا حاجة لي اليوم في السؤدد فوالله اني لبالبصرة ما رجعت إلى علي حتى نزل العسكر ورأيت الغر الذين مع على عليه السلام وطلع القوم.

اخبار علي بعدد من يأتيه من الكوفة :

وروى نصر بن عمرو بن سعد عن الاحلج عن زيد بن علي قال لما أبطأ على علي (ع) خبر اهل البصرة وكانوا في فلاة قال عبد الله بن عباس فأخبرت عليا بذلك فقال لي اسكت يا ابن عباس فوالله ليأتينا في هذين اليومين من الكوفة ستة آلاف وستمائة رجل وليغلبن أهل البصرة وليقتلن طلحة والزبير فوالله انني استشرف الاخبار واستقبلها حتى إذا اتى راكب فاستقبلته واستخبرته فأخبرني بالعدة التي سمعتها من

١٥٧

علي (ع) لم تنقص برجل واحد (١).

وروى اسماعيل بن عبد الملك بن يحيى بن شبل عن ابي جعفر محمد ابن علي (ع) قال لما سار علي من ذى قار قاصدا البصرة حتى نزل الخريبة في اثنى عشر الف وعلى الميمنة عمار بن ياسر في الف رجل وعلى الميسرة مالك الاشتر في الف رجل ومعه في نفسه عشرة آلاف رجل وخرج إليه من البصرة الفا رجل خرجت إليه ربيعة كلها إلا مالك بن مسمع منها وجاءته عبد القيس بأجمعها سوى رجل واحد تخلف عنها وجاءته بنو بكر يرأسهم شقيق بن ثور السدوسي ورأس عبد القيس عمر ابن جرموس العبدى وأتاه المهلب بن أبى صفرة فيمن تبعه من الازد

موقف الاحنف :

وبعث إليه الاحنف بن قيس يقول له انى مقيم على طاعتك في قومي فان شئت حبست عنك اربعة آلاف سيف من بني سعد فبعث إليه امير المؤمنين (ع) بل احبس وكف فجمع الاحنف قومه فقال يا بني سعد كفوا عن هذه الفتنة واقعدوا في بيوتكم فان ظهر اهل البصرة فهم اخوانكم لم يهيجوكم وان ظهر علي (ع) سلمتم فكفوا وتركوا القتال (٢) واقبل هلال بن وكيع الحنظلي إلى الاحنف بن قيس حين بلغه ذلك فقال ما يقول سيدنا في هذا الامر؟ فقال الاحنف انما اكون سيدكم غدا إذا قلتم إنا وبقيت فقال هلال (٣) بل انت سيدنا اليوم

__________________

(١) في تاريخ الطبري (ج ٥ ـ ص ١٩٩) قال ابو الطفيل اخبرنا علي عليه السلام بمن يأتيه من اهل الكوفه اثنا عشر الف رجل ورجل فأحصيتهم فما زادوا رجلا ولا نقصوا رجلا.

(٢) المصدر.

(٣) تاريخ الطبري (ج ٥ ـ ص ٢٠١) انه هلال بن وكيع ـ

١٥٨

وشيخنا فقال الاحنف أنا شيخكم المعصى وأنت الشاب المطاع أقعد في بيتك ولا تخرج مع طلحة والزبير فأبى أن يرضى ثم دعا تميما كلهم فبايعوه إلا نفر منهم فبلغ طلحة والزبير ما فعله الاحنف فبعثا إليه يستميلانه ويرومان أن يدخل في طاعتهما فقال اختاروا مني احدى ثلاث خصال اما ان أقيم في بيتي واكف نفسي ولا اكون معكما ولا عليكما واما ان الحق بعلي بن ابى طالب واما ان أأتى إلى الاهواز فاقيم بها فقالا ننظر في ذلك ثم استشارا من حضرهما فقالوا لهما اما علي فعدوكم ولاحظ في أن يكون معه الاحنف واما الاهواز أن أتاها يلحق به كلمن لا يريد القتال معكما منهم ولكن يكون قريبا منكما فان تحرك وطأتماه على صماخه فأمراه بالقعود فأتى (وادي السباع) واقام به (١).

ولما قدم رسول الاحنف على علي (ع) بما بذله من كف قومه عنه قال رجل يا أمير المؤمنين من هذا؟ قال ادهى العرب وخيرهم لقومه فقال كذلك هو وانى لامثل بينه وبين المغيرة بن شعبة لزم الطائف فأقام بها ينتظر على من تستقيم الامة فقال الرجل انى لاحسب ان الاحنف لاسرع إلى ما تحب من المغيرة فقال علي (ع) اجل ما يبالي المغيرة اي لواء رفع لواء ضلالة أو هدى ،

وروى الواقدي قال حدثني معمر بن راشد عن عمرو بن عبيد عن الحسن البصري قال اقبل ابو بكرة يريد أن يدخل مع طلحة والزبير في امرهما فلما رأى عائشة تدبرهما رجع عنهما فقيل له مالك لم تدخل معهما فقال رأيت أمرأة تلي امرهم وقد سمعت رسول الله يقول وقد ذكر ملكة سبأ فقال لا أفلح قوم تدبرهم أمرأة فكرهت الدخول معهم.

__________________

ـ أبن مالك بن عمرو.

(١) تاريخ الطبري (ج ٥ ـ ص ١٩٧ وص ٢٠١).

١٥٩

وروى عبد الله بن عطا عن عبد الرحمن بن أبى بكرة قال أعتزل أبى أن يدخل مع عائشة قال أنى سمعت رسول الله يقول لا يفلح قوم تلي أمرهم أمرأة (١).

كتاب عائشة إلى المدينة واليمامة :

فصل : وروى الواقدي عن رجاله قال لما أفرج القوم عن عثمان أبن حنيف (ره) لما خلفوه من أخيه سهل بن حنيف كتبت عائشة إلى أهل المدينة.

بسم الله الرحمن الرحيم من أم المؤمنين عائشة زوجة النبي صلى الله عليه وآله وأبنة الصديق إلى أهل المدينة أما بعد فان الله أظهر الحق ونصر طالبيه وقد قال الله تعالى : (بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق) الآية. ولكم الويل مما تصفون فاتقوا الله عباد الله وأسمعوا وأطيعوا وأعتصموا بحبل الله جميعا وعروة الحق ولا تجعلوا على انفسكم سبيلا فان الله قد جمع كلمة أهل البصرة وأمروا عليهم الزبير بن العوام فهو أمير الجنود والكافة يجتمعون على السمع والطاعة له فان أجتمعت كلمة المؤمنين على أمرائهم عن ملا منهم وتشاور فانا ندخل في صالح ما دخلوا فيه فإذا جاءكم كتابي هذا فاسمعوا واطيعوا واعينوا على ما سمعتم عليه من أمر الله.

وكتب عبيد بن كعب لخمس ليال من شهر ربيع الاول سنة ست وثلاثين (٢).

__________________

(١) الفيض القدسي شرح الجامع الصغير (ج ١ ـ ص ٣٠٣) عن الحاكم والبخاري في المغازي والفتن والترمذي في الفتن والنسائي في القضاء قال وفيه دلالة على انها لا تصلح لشي من امور الزعامة.

(٢) عند ابن الاثير (ج ٣ ـ ص ٨٦) انه كتب في جمادى.

١٦٠