الجمل

محمّد بن محمّد النعمان العكبري [ الشيخ المفيد ]

الجمل

المؤلف:

محمّد بن محمّد النعمان العكبري [ الشيخ المفيد ]


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٣٤

قتل عثمان والله من عثمان بن عفان خيرا منه وارضى عند الله وعند المسلمين والله ما زال قاتله ـ تعني أمير المؤمنين (ع) ـ مؤخرا منذ بعث محمد صلى الله عليه وآله وبعد أن توفى عدل عنه الناس إلى الخيرة من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله ولا يرونه أهلا للامر ولكنه رجل يحب الامرة والله لا تجتمع عليه ولا على أحد من ولده إلى قيام الساعة.

ثم قالت : معاشر المسلمين ان عثمان قتل مظلوما ولقد قتل عثمان من اصبع عثمان خير منه وجعلت تحرض الناس على خلاف أمير المؤمنين وتحثهم على نقض عهده ولحق إلى مكة جماعة من منافقي قريش وصار إليها عمال عثمان الذين هربوا من أمير المؤمنين ولحق بها عبد الله بن عمر بن الخطاب وأخوه عبيد الله ومروان بن الحكم بن ابي العاص وأولاد عثمان وعبيده وخاصته من بني امية وانحازوا إليها وجعلوها الملجأ لهم في ما دبروه من كيد أمير المؤمنين (ع) وجعل كل من ينحاز عن أمير المؤمنين حسدا له وبغضا أو شانئا له أو خوفا من استيفاء الحقوق عليه أو لاثارة فتنة أو ادغال في الملة ينضم إليها وهي على حالتها وسنتها تنعى إليهم عثمان وتبرء من قاتله وتشهد له بالعدم والاحسان وتخبر انه قتل مظلوما وتحث الناس على فراق أمير المؤمنين والاجتماع على خلعه

ولما عرف طلحة والزبير حالها وحال القوم عمدا على اللحاق بها والتعاضد على شقاق أمير المؤمنين فاستأذناه في العمرة على ما قدمناه وذكرنا الخبر في معناه وشرحناه وسارا إلى مكة خالعين الطاعة ومفارقين للجماعة فلما ورد اليهما فيمن تبعهما من أولادهما وخاصتهما وخالصتهما طافا في البيت طواف العمرة وسعيا بين الصفا والمروة وبعثا إلى عائشة عبد

__________________

ـ بعض الايام إذ دلت عائشة قميص رسول الله صلى الله عليه وآله ونادت يا معشر المسلمين هذا جلباب رسول الله لم يبل وقد أبلى عثمان سنته فقال (رب اصرف عني كيدهن ان كيدهن عظيم).

١٢١

الله بن الزبير وقالا له امض إلى خالتك فاهد إليها السلام منا وقل لها ان طلحة والزبير يقرءاك السلام ويقولان لك ان أمير المؤمنين عثمان قتل مظلوما وان علي بن ابى طالب ابتز الناس أمرهم وغلبهم عليه بالسفهاء الذين تولوا قتل عثمان ونحن نخاف انتشار الامر به فان رأيت أن تسيرى معنا لعل الله يرتق بك فتق هذه الامة ويشعب بك صدعهم ويلم بك شعثهم ويصلح بك امورهم فأتاها عبد الله فبلغها ما ارسلاه به فاظهرت الامتناع من اجابتها إلى الخروج عن مكة.

وقالت يا بني لم أمر بالخروج لكني رجعت إلى مكة لاعلم الناس ما فعل بعثمان امامهم وانه اعطاهم التوبة فقتلوه تقيا نقيا بريا فيرون في ذلك رأيهم ويثيرون على من ابقرهم امرهم وغصبهم امرهم من غير مشورة من المسلمين ولا مؤامرة بتكبر وتجبر ويظن ان الناس يرون له حقا كما كانوا يرونه لغيره هيهات هيهات يظن ابن أبى طالب يكون في هذا الامر كابن أبي قحافة لا والله ومن في الناس مثل ابن أبى قحافة تخضع إليه الرقاب ويلقى إليه المنقاد وليها والله ابن أبي قحافة وخرج منها كما دخل ثم وليها اخو بني عدى فسلك طريقه ثم مضيا فوليها ابن عفان فركبها رجل له سابقة ومصاهرة لرسول الله وأفعال مع النبي مذكورة لا يعمل أحد من الصحابة مثلما عمله في ذات الله وكان محبا لقومه فمال بعض الميل فاستتبناه فتاب ثم قتل فيحق للمسلمين ان يطلبوا بدمه

فقال لها عبد الله فإذا كان هذا قولك في علي يا امه ورأيك في قاتلي عثمان فما الذى يقعدك عن المساعدة على جهاد ابن أبي طالب وقد حضرك من المسلمين من فيه غنى وكفاية فيما تريدين فقالت يا بني افكر فيما قلت وترجع إلي فرجع عبد الله إلى طلحة والزبير بالخبر.

فقالا قد أجابت أمنا والحمد لله إلى ما نريد ثم قالا له باكرها في غد فذكرها امر المسلمين واعلمها إنا قاصدان إليها لنجدد بها عهدا ونحكم

١٢٢

معها عقدا فباكرها عبد الله وأعاد عليها بعض ما أسلفه من القول إليها فأجابته إلى الخروج ونادى مناديها ان ام المؤمنين تريد ان تخرج تطلب بدم عثمان فمن كان يريد ان يخرج فليتهيأ للخروج معها وصار إليها طلحة فلما أبصرت به قالت يا أبا محمد قتلت عثمان وبايعت عليا فقال يا امه ما مثلى إلا كما قال الاول :

ندمت ندامة الكسعى لما

رأت عيناه ما صنعت يداه

وجاءها الزبير فسلم عليها فقالت له يا أبا عبد الله اشتركت في دم عثمان ثم بايعت لعلى وأنت والله أحق بالامر منه فقال لها الزبير أما ما صنعت مع عثمان فقد ندمت منه وهربت إلى ربي من ذنبي من ذلك ولن أترك الطلب بدم عثمان والله ما بايعت عليا إلا مكرها التفت به السفهاء من أهل مصر والعراق واستلوا سيوفهم وأخافوا الناس حتى بايعوه

وصار إلى مكة عبد الله ابن أبي ربيعة وكان عامل عثمان على صنعاء فدخلها وقد انكسر فخذه وكان سبب ذلك ما رواه الواقدي عن رجاله انه لما اتصل بابن ربيعة حصر الناس لعثمان أقبل سريعا لنصرته فلقيه صفوان بن أمية وهو على فرس يجرى وعبد الله بن أبى ربيعة على بغل فدنا منها الفرس فحادت فطرحت ابن أبى ربيعة وكسرت فخذه وعرف ان الناس قد قتلوا عثمان فصار إلى مكة بعد الظهر فوجد عائشة يومئذ بها تدعو إلى الخروج لطلب دم عثمان فأمر بسرير فوضع له سرير في المسجد ثم حمل ووضع عليه وقال للناس من خرج لطلب دم عثمان فعلى جهازه فجهز ناسا كثيرا ولم يستطع الخروج معهم لما كان برجله.

وروى عبد الله بن السائب قال رأيت عبد الله بن أبى ربيعة على سرير في المسجد يحرض الناس على الخروج في طلب دم عثمان ويحمل من جاء وكان يعلى بن منبه التميمي حليف بني نوفل عاملا لعثمان على الجند فوافى الحج ذلك العام فلما بلغه قول ابن أبي ربيعة خرج من داره

١٢٣

وقال أيها الناس من خرج لطلب دم عثمان فعلى جهازه وكان قد صحب ابن أبي ربيعة مالا جزيلا فأنفقه في جهاز الناس إلى البصرة.

وروى الواقدي قال حدثني سالم بن عبد الله عن أبيه عن جده قال سمعت يعلى بن منبه يقول وهو مشتمل بصرة فيها عشرة آلاف دينار وهي عين مالي أقوى من طلب بدم عثمان فجعل يعطي الناس واشترى أربعمائة بعير وأناخها بالبطحاء وحمل عليها الرجال (١).

ولما اتصل بأمير المؤمنين (ع) خبر ابن أبي ربيعة وابن منبه وما بذلاه من المال في شقاقه والافساد عليه قال والله ان ظفرت بابن منبه وابن أبي ربيعي لاجعلن أموالهما في سبيل الله ، ثم قال بلغني ان ابن منبه بذل عشرة آلاف دينار في حربي من أين له عشرة آلاف دينار؟ سرقها من اليمن ثم جاء بها لئن وجدته لاخذته بما اقربه فلما كان يوم الجمل وانكشف الناس هرب يعلى بن منبه ولما رات عائشة اجتماع من اجتمع بمكة إليها من مخالفة علي والمباينة له والطاعة لها في حربه تأهبت للخروج وكانت في كل يوم تقيم مناديها ينادي بالتأهب للخروج وكان المنادي ينادى فيقول من كان يريد المسير فليسر فان ام المؤمنين سائرة إلى البصرة تطلب بدم عثمان بن عفان المظلوم.

وروى الواقدي عن أفلح بن سعيد عن يزيد بن زياد عن عبد الله ابن أبي رافع عن ام سلمة زوجة النبي صلى الله عليه وآله قالت كنت مقيمة بمكة تلك السنة حتى دخل المحرم فلم أر إلا رسول طلحة والزبير جاءني عنهما يقول ان ام المؤمنين عائشة تريد أن تخرج للطلب بدم عثمان فلو خرجت معها رجونا ان يصلح بكما فتق هذه الامة فأرسلت اليهما والله ما بهذا امرت ولا عائشة لقد أمرنا الله أن نقر في بيوتنا لا نخرج للحرب أو للقتال مع ان أولياء عثمان غيرنا والله لا يجوز لنا عفو ولا صلح ولا

__________________

(١) الطبري (ج ٥ ـ ص ١٦٦).

١٢٤

قصاص وما ذاك إلا لولد عثمان واخرى نقاتل علي بن أبي طالب أمير المؤمنين ذو البلاء والعناء وأولى الناس بهذا الامر والله ما أنصفتما رسول الله في نسائه حيث تخرجوهن إلى العراق وتتركوا نساءكم في بيوتكم ثم أرسلت إلى عائشة فنهتها أشد النهي عن طلحة والزبير في الخروج لقتال علي (ع) وذكرتها امورا تعرفها وقالت لها أنشدك الله هل تعلمين ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال لك اتق الله واحذري أن تنبحك كلاب الحوأب فقالت نعم وردعتها بعض الردع ثم رجعت إلى رأيها في المسير (١).

مؤامرة الناكثين :

فصل : فلما تحقق عزم القوم على المسير إلى البصرة وظهر تأهبهم لذلك اجتمع طلحة والزبير وعائشة وخواصهم من قومهم وبطانتهم وقالوا نحب أن نسرع النهضة إلى البصرة فان بها شيعة عثمان وانصاره وعامله عبد الله بن عامر وهو قريبة ونسيبه وقد عمل على استعداد

__________________

(١) في تذكرة الخواص ص ٣٨ ذكر نهى ام سلمة لها فلما رأتها لا تقبل قالت :

نصحت ولكن ليس للنصح قابل

ولو قبلت ما عنفتها العواذل

كان بها قد ردت الحرب رحلها

وليس لها إلا الترحل راحل

وفى المحاسن والمساوي للبيهقي (ج ١ ـ ص ٢٣١) ان ام سلمة حلفت ان لا تكلم عائشة من أجل مسيرها إلى حرب علي فدخلت عائشة عليها يومأ وكلمتها فقالت ام سلمة ألم أنهك ألم أقل لك قالت إني استغفر الله كلميني فقالت ام سلمة يا حائط ألم أنهك ألم أقل لك فلم تكلمها ام سلمة حتى ماتت.

١٢٥

الجنود من فارس وبلاد المشرق لمعونته على الطلب بدم عثمان وقد كاتبنا معاوية بن أبي سفيان ان ينفذ لنا الجند من الشام فان أبطئنا عن الخروج خفنا أن يدهمنا علي (ع) بمكة أو في بعض الطريق فيمن يرى رأيه في عداوة عثمان خوفا من ان يفرق كلمتنا وإذا أسرعنا المسير إلى البصرة وأخرجنا عامله منها وقتلنا شيعته بها واستعنا بأمواله منها كنا على الثقة من الظفر بابن أبي طالب وان اقام بالمدينة سيرنا إليه جنودا حتى نحصره فيخلع نفسه أو نقتله كما قتل عثمان وان سار فهو كالئ ونحن جامون وهو على ظاهر البصرة ونحن بها متحصنون فلا يطول الزمان إلا بفل جموعه واهلاك نفسه أو إراحة المسلمين من فتنته.

ام سلمة تحذر عائشة :

وبلغ ام سلمة اجتماع القوم وما خاضوا فيه فبكت حتى اخضل خمارها ثم أدنت ثيابها فلبستها ومشت إلى عائشة لتعظها وتصدها عن رأيها في مظاهرة أمير المؤمنين (ع) بالخلافة وتقعدها عن الخروج مع القوم فلما صارت إليها قالت إنك عدة رسول الله بين امته وحجابك مضروب على حرمته وقد جمع القرآن ذيلك فلا تبدنيه واملك خفرك فلا تضحيها الله الله من وراء هذه الآية قد علم رسول الله مكانك لو أراد أن يعهد اليك لفعل بل نهاك عن الفرط في البلاء وان عمود الدين لا يقام بالنساء ان انثلم ولا يشعب بهن ان انصدع فصدع النساء غض الاطراف وحف الاعطاف وقصر الوهادة وضم الذيول وما كنت قائلة لو ان رسول الله عارضك ببعض الفلاة ناصة قلوصا من منهل إلى آخر قد هتكت صداقته وتركت عهدته ان يغير الله بك لهواك على رسول الله أتدرين والله لو سرت مسيرك هذا ثم قيل لي ادخلي الفردوس لاستحيت ان القى رسول

١٢٦

الله صلى الله عليه وآله هاتكة حجابا قد ستره علي اجعلي حصنك بيتك وقاعة البيت قبرك حتى تلقينه وانت على ذلك أطوع ما تكوني له ما لزمتيه وانظرى بنوع الدين ما حلت عنه.

فقالت لها ما اعرفني بوعظك واقبلني لنصحك ولنعم المسير مسير فزعت إليه وأنا بين سائرة ومتأخرة فان اقعد فمن غير جزع وان اسير فالى ما لابد من الازدياد منه.

فلما رأت ام سلمة ان عائشة لا تمتنع عن الخروج عادت إلى مكانها وبعثت إلى رهط من المهاجر بن والانصار قالت لهم لقد قتل عثمان بحضرتكم وكانا هذان الرجلان اعني طلحة والزبير يشيعان عليه كما رأيتم فلما قضى امره بايعا عليا وقد خرجا الآن عليه زعما انهما يطلبان بدم عثمان ويريدان ان يخرجا حبيسة رسول الله معهم وقد عهد إلى جميع نسائه عهدا واحدا ان يقرن في بيوتهن (١) فان كان مع عائشة عهد سوى ذلك تظهره وتخرجه الينا نعرفه فاتقوا الله عباد الله فانا نأمركم

__________________

(١) في تفسير روح المعاني للالوسي (ج ٢٢ ـ ص ٦) عند قوله تعالى (وقرن) روى البزار عن أنس ان النساء جئن إلى رسول الله بعد نزول الآية فقلن لقد ذهب الرجال بالفضل والجهاد فهل لنا عمل ندرك به فضل المجاهدين فقال : من قعدت منكن في بيتها فانها تدرك عمل المجاهدين. قال الالوسي وقد يحرم عليهن الخروج الزيارة والمسجد ويكون محرما كبيرة إذا تحققت الفتنة بخروجهن وفي الدر المنثور للسيوطي (ج ٥ ـ ص ١٩٦) ان سودة بنت زمعة زوجة النبي صلى الله عليه وآله لم تحج بعد نزول الآية فقيل لها في ذلك قالت اني حججت واعتمرت وامرني ربى تعالى شأنه ان أقر في بيتي فلا أخرج حتى تخرج جنازتي قال وأخرج مسروق ان عائشة كلما قرأت (وقرن في بيوتكن) تبكي حتى تبل خمارها.

١٢٧

بتفوى الله والاعتصام بحبله والله ولي لنا ولكم.

فشق كثيرا على طلحة والزبير عند سماع هذا القول من ام سلمة ثم أنفذت ام سلمة إلى عائشة فقالت لها وقد وعظتك فلم تتعظي وقد كنت اعرف رأيك في عثمان وانه لو طلب منك شربة ماء لمنعتيه ثم أنت اليوم تقولين انه قتل مظلوما وتريدين ان تثيرى لقتال أولى الناس بهذا الامر قديما وحديثا فاتق الله حق تقاته ولا تعرضي لسخطه فارسلت إليها عائشة أما ما كنت تعرفيه من رأيى في عثمان فقد كان ولا أجد مخرجا منه إلا الطلب بدمه واما علي فانى آمره برد هذا الامر شورى بين الناس فان فعل وإلا ضربت وجهه بالسيف حتى يقضي الله ما هو قاض فأنفذت إليها ام سلمة أما أنا فغير واعظة لك من بعد ولا مكلمة لك جهدي وطاقتي والله انى لخائفة عليك البوار ثم النار والله ليخيبن ظنك ولينصرن الله ابن ابى طالب على من بغى وستعرفين عاقبة ما أقول والسلام

علي يجاهد الثاكثين :

فصل : ولما اجتمع القوم على ما ذكرناه من شقاق أمير المؤمنين والتأهب للمسير إلى البصرة واتصل الخبر إليه وجاءه كتاب يخبره بخبر القوم دعا ابن عباس ومحمد بن ابى بكر وعمار بن ياسر وسهل بن حنيف واخبرهم بذلك وبما عليه القوم من المسير فقال محمد بن ابى بكر ما يريدون يا أمير المؤمنين؟ فتبسم عليه السلام وقال يطلبون بدم عثمان فقال محمد والله ما قتله غيرهم ثم قال علي أشيروا على بما أسمع منكم القول فيه فقال عمار الرأي ان نسير إلى الكوفة فان اهلها لنا شيعة وقد انطلق هؤلاء القوم إلى البصرة وقال ابن عباس الرأي عندي يا امير المؤمنين ان نقدم رجالا إلى الكوفة فيبايعوا لك وتكتب إلى الاشعري ان يبايع لك ثم بعده المسير حتى نلحق بالكوفة فنعاجل القوم قبل ان يدخلوا

١٢٨

البصرة وتكتب إلى ام سلمة فتخرج معك فانها لك قوة فقال أمير المؤمنين بل أنهض بنفسى ومن معي في اتباع الطريق وراء القوم فان ادركتهم بالطريق اخذتهم وان فاتوني كتبت إلى الكوفة واستمددت الجند من الامصار وسرت إليهم.

واما ام سلمة فاني لا أرى إخراجها من بيتها كما رأى الرجلان إخراج عائشة فبينما هم في ذلك إذ دخل عليهم اسامة بن زيد وقال لامير المؤمنين فداك أبي وامى لا تسر وحدك وانطلق إلى ينبع وخلف على المدينة رجلا واقم بما لك فان العرب لهم جولة ثم يصيرون اليك (١).

فقال له ابن عباس ان هذا القول منك يا اسامة على غير عل في صدرك فقد أخطأت وجه الرأى منه ليس هذا برأى (بعير يكون والله كهيئة الضبع في مغارتها) فقال اسامة فما الرأى قال ما أشرت به إليه وما رأى أمير المؤمنين لنفسه.

ثم نادى أمير المؤمنين عليه السلام في الناس تجهزوا للسير فان طلحة والزبير قد نكثا البيعة ونقضا العهد وأخرجا عائشة من بيتها يريدان البصرة لاثارة الفتنة وسفك دماء أهل القبلة ثم رفع يديه إلى السماء فقال اللهم ان هذين الرجلين قد بغيا علي ونكثا عهدي ونقضا عقدى وشاقاني بغير حق سومهما ذلك اللهم خذهما بظلمهما واظفرني بهما وانصرني عليهما ثم خرج في سبعمائة رجل من المهاجرين والانصار واستخلف على المدينة تمام بن عباس وبعث قثم بن عباس إلى مكة (٢)

__________________

(١) في تاريخ الطبري (ج ٥ ـ ص ١٦٠) ذكر هذا الرأى لابن عباس.

(٢) تاريخ الطبري (ج ٥ ـ ص ١٦٩) وفي تذكرة الخواص ص ٢٠١ كان المأمون يقول لبني العباس لما ولى الامر من تولاه قبل علي (ع) لم يولوا أحدا من بني العباس ولا بني هاشم فلما صارت ـ

١٢٩

ولما رأى أمير المؤمنين المسير طالبا للقوم ركب جملا أحمر وراجزه يقول (١) :

سيروا أبابيل وحثوا السيرا

كى تلحقوا طلحة والزبيرا

إذ جلبا شرا وعافا خيرا

يا رب أدخلهم غدا سعيرا

وسار مجدا في السير حتى بلغ (الربذة) فوجد القوم قد فاتوا فنزل بها قليلا ثم توجه نحو البصرة والمهاجرون والانصار عن يمينه وشماله محدقون به مع من سمع بمسيرهم فاتبعهم حتى نزل (بذى قار) فأقام بها.

كتاب علي إلى أبي موسى الاشعري :

ثم دعا هاشم بن عتبة المرقال وكتب معه كتابا إلى أبي موسى الاشعري وكان بالكوفة من قبل عثمان ان يوصل الكتاب إليه ليستنفر الناس منها إلى الجهاد معه وكان مضمون الكتاب :

بسم الله الرحمن الرحيم : من علي أمير المؤمنين إلى عبد الله بن قيس : أما بعد فاني أرسلت اليك هاشم بن عتبة المرقال لتشخص معه من قبلك من المسلمين ليتوجهوا إلى قوم نكثوا بيعتي وقتلوا شيعتي وأحدثوا في هذه الامة الحدث العظيم فأشخص الناس إلى معه حين يقدم بالكتاب عليك فلا تحبسه فاني لم أقرك في المصر الذى أنت فيه إلا أن تكون من أعواني وأنصاري على هذا الامر والسلام.

__________________

ـ إلى أمير المؤمنين ترك آل أبي طالب وأقبل على بني العباس فولى عبد الله البصرة وعبيد الله اليمن ومعبدا مكة وقثم البحرين وما ترك أحدا ممن ينتمى إلى العباس إلا ولاه فهلا نكافأه في ولده.

(١) في تاريخ الطبري (ج ٥ ـ ص ١٨٦) ان راجز علي (ع) قال

سيروا أبابيل وحثوا السيرا

إذ عزم السير وقولوا خيرا

حتى يلاقوا وتلاقوا خيرا

نغزوا بها طلحة والزبيرا

١٣٠

فقدم هاشم بالكتاب على أبى موسى الاشعري فاقرأه الكتاب وقال له ما ترى فقال له أبو السائب اتبع ما كتب به اليك فأبى أبو موسى ذلك وكسر الكتاب ومحاه وبعث إلى هاشم بن عتبة يخوفه ويتوعده بالسجن فقال السائب بن مالك فأتيت هاشما فأخبرته بأمر أبى موسى.

فكتب هاشم إلى أمير المؤمنين :

اما بعد : يا أمير المؤمنين فانى قدمت بكتابك على أمرء شاق عاق بعيد الرحم ظاهر الغل والشقاق وقد بعثت اليك بهذا الكتاب مع المحل ابن خليفة الطائى وهو من شيعتك وأنصارك وعنده علم ما قبلنا فاسأله عما بدا لك واكتب إلي برأيك أتبعه والسلام (١).

فلما قدم الكتاب إلى علي (ع) وقرأه دعا الحسن ابنه وعمار بن ياسر وقيس بن سعد وبعثهم إلى أبى موسى وكتب معهم من عبد الله على أمير المؤمنين إلى عبد الله بن قيس اما بعد : يا ابن الحايك والله إنى كنت لا أرى بعدك من هذا الامر الذى لم يجعلك الله له أهلا ولا جعل لك فيه نصيبا وقد بعثت لك الحسن وعمارا وقيسا فأخل لهم المصر وأهله واعتزل عملنا مذموما مدحورا فان فعلت وإلا أمرتهم أن ينابذوك على سواء ان الله لا يحب الخائنين فان اظهروا عليك قطعوك إربا إربا والسلام على من شكر النعم ورضى البيعة وعمل لله رجاء العاقبة

كتاب علي إلى أهل الكوفة :

فلما قدم الحسن وعمار وقيس الكوفة مستنفرين لاهلها وكان في كتابه معهم :

بسم الله الرحمن الرحيم. من علي بن أبى طالب إلى أهل الكوفة

__________________

(١) رواه في شرح النهج الحديدي (ج ٣ ـ ص ٢٩١) عن أبى مخنف.

١٣١

اما بعد (١) فانى أخبركم من أمر عثمان حتى يكون أمره كالعيان لكم ان الناس طعنوا عليه فكنت رجلا من المهاجرين أكثر استعتابه وأقل عتابه (٢) وكان طلحة والزبير أهون سيرهما إليه الوجيف وقد كان من عائشة فيه فلتة غضب فلما قتله الناس وبايعانى غير مستنكرين طائعين مختارين وكان طلحة والزبير أول من بايعني على ما بايعا به من كان قبلي ثم استأذناني في العمرة ولم يكونا يريدان العمرة فنقضا العهد وأذنا في الحرب وأخرجا عائشة من بيتها يتخذانها فتنة فسارا إلى البصرة واخترت السير إليهم معكم ولعمري اياي تجيبون انما تجيبون الله ورسوله والله ما قاتلتهم وفي نفسي شك وقد بعثت اليكم ولدي الحسن وعمارا وقيسا مستنفرين لكم فكونوا عند ظني بكم والسلام (٣).

خطبة الحسن وعمار وقيس بالكوفة :

ولما نزل الحسن (ع) وعمار وقيس الكوفة ومعهم كتاب أمير المؤمنين (ع) قام فيهم الحسن (ع) فقال :

أيها الناس قد كان من أمير المؤمنين (ع) ما يكفيكم جملته وقد اتيناكم مستنفرين لكم لانكم جبهة الانصار وسنام العرب وقد نقضا طلحة والزبير بيعتهما وخرجا بعائشة وهي من النساء وضعف رأيهن كما قال الله تعالى : (الرجال قوامون على النساء) أما والله لئن لم تنصروه

__________________

(١) في شرح النهج لابن ابى الحديد (ج ٣ ـ ص ٢٩١) مصر بعث الكتاب مع ابن عباس ومحمد بن ابى بكر.

(٢) الاستعتاب طلب العتبى وهي الرضا ومراده (ع) انه كان يكثر من طلب رضاه ويقل من عتابه وتعنيفه.

(٣) رواه الشيخ الطوسي في الامالي ص ٧٨ والسيد الرضى في النهج (ج ٢ ـ ص ٣) باختصار.

١٣٢

لينصرنه الله يتبعه من المهاجرين والانصار وسائر الناس فانصروا ربكم ينصركم. ثم قام عمار بن ياسر فقال :

يا اهل الكوفة ان كانت هانت عندكم الدنيا فقد انتهت اليكم امورنا واخبارنا ان قاتلي عثمان لا يعتذرون إلى الناس من قتله وقد جعلوا كتاب الله بينهم وبين محاجيهم فيه وقد كان طلحة والزبير اول من طعن عليه وأول من امر بقتله وسعى في دمه فلما قتل بايعا عليا طوعا واختيارا ثم نكثا على غير حدث كان منه وهذا ابن رسول الله وقد عرفتم انه انفذه اليكم يستنفركم وقد اصطفاكم على المهاجرين والانصار.

ثم قام قيس بن سعد فقال :

أيها الناس ان هذا الامر لو استقبلنا به اهل الشورى لكان علي أحق الناس به لمكانه من رسول الله صلى الله عليه وآله وكان قتال من ابى ذلك حلالا فكيف بالحجة على طلحة والزبير وقد بايعاه طوعا ثم خلعا حسدا وبغيا وقد جاءكم علي في المهاجرين والانصار ثم انشأ يقول :

رضينا بقسم الله إذ كان قسمنا

عليا وأبناء الرسول محمد

وقلنا لهم اهلا وسهلا ومرحبا

نمد يدينا من هدى وتودد

فما للزبير الناقض العهد حرمة

ولا لاخيه طلحة فيه من يد

اتاكم سليل المصطفى ووصيه

وانتم بحمد الله عارضة الندي

فمن قائم يرجى بخيل إلى الوغى

وضم العوالي والصفيح المهند

يسود من ادناه غير مدافع

وان كان ما نقضيه غير مسود

فان يك ما نهوى فذاك نريده

وان نخط ما نهوى فغير تعمد (١)

__________________

(١) روى الشيخ الطوسي في الامالي ص ٩٤ وص ٨٧ بعضها للنجاشي مع زيادة لم تذكر هنا وقال ان النجاشي اجاب بالتسليم والطاعة

١٣٣

خطبة ابى موسى الاشعري :

فلما فرغ القوم من كلامهم قام ابو موسى الاشعري فقال :

أيها الناس ان تطيعوا الله باديا وتطيعوني ثانيا تكونوا جرثومة من جراثيم العرب يأوى اليكم المضطر ويأمن فيكم الخائف ان عليا انما يستنفركم لجهاد امكم عائشة وطلحة والزبير حواري رسول الله ومن معهم من المسلمين وانا اعلم بهذه الفتن انها إذا اقبلت شبهت وان ادبرت اسفرت وان هذه الفتنة نافذة كداء البطن تجري بها الشمال والجنوب وتشتبك احيانا فلا ندرى ما تأتى اشيموا سيوفكم وقصروا رماحكم وقطعوا اوتاركم والزموا البيوت خلوا قريشا إذا أبوا إلا الخروج من دار الهجرة وفراق اهل العلم بالامرة وترتق فتقها وتشعب صدعها فان فعلت فلنفسها وان ابت فعليها ما جنت سمها في اديمها استنصحوني ولا تستشفونى يسلم لكم دينكم ودنياكم ويشقى بهذه الفتنة من جناها (١).

نهضة زيد واصحابه :

فقام زيد بن صوحان وكانت يده قطعت يوم جلولاء ثم قال :

يا أبا موسى تريد ان ترد الفرات عن ادراجه انه لا يرجع من حيث بدا فان قدرت على ذلك فستقدر على ما تريد ويلك (آلم احسب الناس ان يتركوا ان يقولو آمنا وهم لا يفتنون) ، ثم قال : ايها الناس سيروا إلى أمير المؤمنين واطيعوا ابن سيد المرسلين وانفروا إليه اجمعون تصيبوا الحق وتظفروا بالرشد قد والله نصحتكم فاتبعوا رأيى ترشدون.

__________________

(١) رواها ابن ابى الحديد في شرح النهج (ج ٣ ـ ص ٣٩٣) بزيادة.

١٣٤

ثم قام عبد خير (١) وقال لابي موسى اخبرني يا ابا موسى هل كانا هذان الرجلان بايعا لعلي فيما بلغك وعرفت؟ قال نعم ، قال فهل جاء على (ع) بحدث يحل عقدة بيعته حتى ترد بيعته كما ردت بيعة عثمان؟ قال ابو موسى لا أعلم قال له عبد خير لا دريت نحن غير تاركيك حتى تدرى حينئذ خبرني يا أبا موسى هل تعلم احدا خارجا من هذه الفتنة التي تزعم انها عمياء تحذر الناس منها؟ أما تعلم انها اربع فرق : علي (ع) يظهر بالكوفة وطلحة والزبير بالبصرة ومعاوية بالشام وفرقة اخرى بالحجاز لا غناء بها ولا يقاتل بها عدو.

فقال ابو موسى الفرقة القاعدة عن القتال خير الناس فقال عبد خير غلبك عليك غشك يا أبا موسى (٢) فقام رجل من بجيلة فقال شعرا :

وحاجك عبد خير يابن قيس

فأنت اليوم كالشاة الربيض

فلا حقا اصبت ولا ضلالا

فانت اليوم تهوى بالحضيض

ابا موسى نظرت برأى سوء

تؤول به إلى قلب مريض

وتهت فليس تفرق بين خير

ولا شر ولا سود وبيض

وتذكر فتنة شملت وفيها

سقطت وانت ترزح بالجريض (٣)

قال وبلغ أمير المؤمنين ما كان من امر ابى موسى وتخذيله الناس عن نصرته فقام إليه مالك الاشتر (ره) فقال يا امير المؤمنين انك قد بعثت إلى الكوفة رجلا قبل هذين فلم اره أحكم شيئا وهذان اخلق من بعثت ان ينشب بهم الامر على غير ما تحب ولست ادرى ما يكون فأن رأيت جعلت فداك ان تبعثني في أثرهم فان اهل الكوفة احسن لي طاعة وان

__________________

(١) في تاريخ الطبري (ج ٥ ـ ص ١٨٩) هو الخيواني.

(٢) ابن الاثير (ج ٣ ـ ص ٩٠) والطبري ج ٥ ـ ص ١٩٠

(٣) يقال رزح الرجل : ضعف وذهب ما بيده والجريض ابتلاع الريق غيضا وهما.

١٣٥

قدمت عليهم رجوت ان لا يخالفني احد منهم فقال أمير المؤمنين (ع) الحق بهم على اسم الله فأقبل الاشتر حتى دخل الكوفة وقد اجتمع الناس بالمسجد الاعظم فأخذ لا يمر بقبيلة يرى فيها جماعة في مجلس أو مسجد إلا دعاهم وقال لهم اتبعوني إلى القصر فانتهى إلى القصر في جماعة من الناس فاقتحم القصر وابو موسى في المسجد الاعظم يخطب الناس ويثبطهم عن نصرة علي (ع) وهو يقول ايها الناس هذه فتنة عمياء تطؤ خطامها النائم فيها خير من القاعد والقاعد فيها خير من القائم والقائم خير من الماشي والماشي فيها خير من الساعي والساعي فيها خير من الراكب انها فتنة باقرة كداء البطن أتتكم من قبل مأمنكم تدع الحليم فيها حيران كابن امس انا معاشر اصحاب محمد صلى الله عليه وآله اعلم بالفتنة انها إذا اقبلت شبهت وإذا ادبرت اسفرت.

وعمار والحسن وقيس يقولون له اعتزل عملنا لا ام لك وتنح عن منبرنا

وابو موسى يقول لعمار هذه يدى بما سمعت من رسول الله يقول ستكون بعدي فتنة القاعد فيها خير من القائم.

فقال له عمار انما قال رسول الله صلى الله عليه وآله لك خاصة ستكون فتنة أنت فيها يا أبا موسى قاعدا خير منك قائما.

الاشتر إلى القصر :

فبينا هم في الكلام إذ دخل غلمان ابى موسى ينادون يا أبا موسى هذا الاشتر اخرج من المسجد ودخل عليه اصحاب الاشتر فقالوا له اخرج من السمجد يا ويلك أخرج الله روحك انك والله لمن المنافقين فخرج ابو موسى وأنفذ إلى الاشتر ان اجلني هذه العشية قال قد اجلتك ولا تبت في القصر هذه الليلة واعتزل ناحية عنه ودخل الناس ينتهبون

__________________

(١) تاريخ الطبري (ج ٥ ـ ص ١٩٠).

١٣٦

متاع أبى موسى فاتبعهم الاشتر بمن أخرجهم من القصر وقال لهم اني أجلته فكف الناس عنه (١) ثم صعد الحسن (ع) المنبر فحمد الله واثنى عليه وذكر جده النبي صلى الله عليه وآله فصلى عليه ثم ذكر فضل أمير المؤمنين وانه احق بالامر من غيره وان من خالفه على ضلال.

ثم نزل فصعد عمار فحمد الله واثنى عليه وصلى على رسول الله ثم قال :

أيها الناس انا لما خشينا على هذا الدين ان يهدم جوانبه وان يتعرى أديمه نظرنا لانفسنا ولديننا فاخترنا عليا (ع) خليفة ورضيناه إماما فنعم الخليفة ونعم المؤدب مؤدب لا يؤدب وفقيه لا يعلم وصاحب بأس لا ينكر وذو سابقة في الاسلام ليس لاحد من الناس غيره وقد خالفه قوم من أصحابه حاسدون له وباغون عليه وقد توجهوا إلى البصرة فاخرجوا إليهم رحمكم الله فانكم لو شاهدتموهم وحاججتموهم تبين لكم انهم ظالمون.

خطبة الاشتر :

ثم خرج الاشتر رحمه الله وصعد المنبر فحمد الله واثنى عليه ثم قال :

أيها الناس اصغوا لي بأسماعكم وافهموا لي بقلوبكم ان الله عزوجل قد أنعم عليكم بالاسلام نعمة لا تقدرون قدرها ولا تؤدون شكرها كنتم اعداء يأكل قويكم ضعيفكم وينتهب كثيركم قليلكم وتنتهك حرمات الله بينكم والسبيل مخوف والشرك عندكم كثير والارحام عندكم مقطوعة وكل أهل دين لكم قاهرون فمن الله عليكم بمحمد صلى الله عليه وآله فجمع شمل هذه الفرقة وألف بينكم بعد العداوة وكثركم بعد ان كنتم قليلين ثم قبضه الله وحوله إليه فحوى بعده رجلان ثم ولي بعدهما رجل نبذ كتاب الله وراء ظهره وعمل في احكام الله بهوى نفسه فسألناه ان

__________________

(١) تاريخ الطبري (ج ٥ ـ ص ١٩٠)

١٣٧

يعتزل لنا نفسه فلم يفعل واقام على احداثه فاخترنا هلاكه على هلاك ديننا ودنيانا ولا يبعد الله إلا القوم الظالمين وقد جاءكم الله بأعظم الناس مكانا وأعظمهم في الاسلام سهما ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله وأفقه الناس في الدين وأقرأهم للكتاب واشجعهم عند اللقاء يوم البأس وقد استنفركم فما تنتظرون؟ أسعيد أم الوليد؟ الذى شرب الخمر وصلى بكم على سكر وهو سكران منها واستباح ما حرمه الله فيكم أي هذين تريدون قبح الله من له هذا الرأي ألا فانفروا مع الحسن ابن بنت نبيكم ولا يتخلف رجل له قوة فوالله ما يدرى رجل منكم ما يضره وما ينفعه وإني لكم ناصح شفيق عليكم ان كنتم تعقلون أو تبصرون اصبحوا انشاء الله غدا عادين مستعدين وهذا وجهي إلى ما هناك بالوفاء

خطبة حجر بن عدي :

ثم قام حجر بن عدى الكندى وقال :

أيها الناس هذا الحسن بن أمير المؤمنين وهو من عرفتم احد ابويه النبي صلى الله عليه وآله والآخر الامام الرضي المأمون الوصي صلى الله عليهما الذين ليس لهم شبيه في الاسلام سيد شباب اهل الجنة وسيد سادات العرب أكملهم صلاحا وأفضلهم علما وعملا وهو رسول أبيه اليكم يدعوكم إلى الحق ويسألكم النصر السعيد من ودهم ونصرهم والشقي من تخلف عنهم بنفسه عن مواساتهم فانفروا معه رحمكم الله خفافا وثقالا واحتسبوا في ذلك الاجر فان الله لا يضيع اجر المحسنين.

فأجاب الناس بأجمعهم بالسمع والطاعة.

وقد ذكر الواقدي ان عليا أنفذ إلى أهل الكوفة رسلا وكتب إليهم كتابا عند خروجه من المدينة وقبل نزوله بذى قار وقال في حديث آخر رواه انه أنفذ إلى القوم من الربذة حين فاته رد طلحة والزبير

١٣٨

من الطريق ثم اتفق الواقدي وأبو مخنف وغيرهما من أصحاب السيرة على ما ذكرناه من انفاذ الرسل وكتب الكتب من ذى قار إلى أهل الكوفة يستنفرهم للجهاد معه والاستعانة بهم على أعدائه الناكثين لعهده الخارجين لحربه فكان مما رواه الواقدي ان قال حذثني عبيد الله بن الحرث بن الفضل عن أبيه قال لما عزم علي (ع) على المسير من المدينة لرد طلحة والزبير بعث محمد بن الحنفية ومحمد بن ابي بكر إلى الكوفة وكان عليها ابو موسى الاشعري فلما قدما عليه أساء القول لهما واغلظ وقال : ان بيعة عثمان لفي رقبة صاحبكم وفي رقبتي ما خرجنا منها.

ثم قام على المنبر وقال :

أيها الناس إنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله ونحن أعلم منكم بهذه الفتنة فاحذروها ان عائشة كتبت إلي ان اكفني من قبلك وهذا علي بن ابي طالب قادم اليكم يريد ان يسفك بكم دماء المسلمين فكسروا نبلكم واقطعوا أوتاركم واضربوا الحجارة بسيوفكم.

فقال محمد بن الحنفية (رض) لمحمد بن ابي بكر يا أخي ما عند هذا خير ارجع بنا إلى أمير المؤمنين نخبره الخبر فلما رجعا إليه وأخبراه الحال وقد كان كتب معهما كتابا إلى أبي موسى الاشعري ان يبايع من قبله على السمع والطاعة وقال له في كتابه أخرج الناس عن حجزتك وارفع عنهم سوطك واجلس بالعراق فان خففت فاقبل وان ثقلت فاقعد فلما قرأ الكتاب قال اثقل ثم اثقل.

كتاب علي إلى أهل الكوفة :

ولما بلغ علي ما قال وصنع غضب غضبا شديدا وبعث عمار بن ياسر والحسن (ع) وكتب معهم كتابا فيه :

بسم الله الرحمن الرحيم. من عبد الله علي بن ابي طالب أمير المؤمنين

١٣٩

إلى اهل الكوفة من المؤمنين والمسلمين. اما بعد : فان دار الهجرة تقلعت بأهلها فانقلعوا منها ، وجاشت جيشان المرجل ، وكانت فاعلة يوم ما فعلت ، وقد ركبت المرأة الجمل ، ونبحتها كلاب الحوأب ، وقامت الفتنة الباغية يقودها ، يطلبون بدم هم سفكوه ، وعرض هم شتموه ; وحرمة انتهكوها ، وأباحوا ما أباحوا ، يعتذرون إلى الناس دون الله يحلفون لكم لترضون عنهم ، فان ترضوا عنهم فان الله لا يرضى عن القوم الفاسقين ; اعملوا رحمكم الله ان الجهاد مفترض على العباد فقد جاءكم في داركم من يحثكم عليه ، ويعرض عليكم رشدكم ، والله يعلم اني لم أجد بدا من الدخول في هذا الامر ، ولو علمت ان أحدا أولى به مني لما تقدمت إليه وقد بايعني طلحة والزبير طائعين غير مكرهين ثم خرجا يطلبان بدم عثمان وهما اللذان فعلا بعثمان ما فعلا وعجبت لهما كيف أطاعا أبا بكر وعمر في البيعة وأبيا ذلك علي وهما يعلمان اني لست بدون واحد منهما مع اني قد عرضت عليهما قبل ان يبايعاني إذا أحبا بايعت لاحدهما فقالا لا ننفس على ذلك بل نبايعك ونقدمك علينا بحق فبايعا ثم نكثا والسلام.

علي (ع) في الطريق :

ولما سار عليه السلام من المدينة انتهى إلى فيد وكان قد عدل إلى جبال طي حتى سار معه عدي بن حاتم في ستماءة رجل من قومه فقال عليه السلام لابن عباس ما الرأي عندك في أهل الكوفة فقال له ابن عباس أنفذ عمارا فانه رجل له سابقة في الاسلام وقد شهد بدرا فانه ان تكلم هناك صرف الناس اليك وانا أخرج معه وابعث معنا الحسن ابنك ففعل ذلك فخرجوا حتى قدموا على أبي موسى الاشعري فلما وصلوا الكوفة قال ابن عباس للحسن ولعمار ان أبا موسى عاق فإذا

١٤٠