الجمل

محمّد بن محمّد النعمان العكبري [ الشيخ المفيد ]

الجمل

المؤلف:

محمّد بن محمّد النعمان العكبري [ الشيخ المفيد ]


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٣٤

وصول امرك إليهم فقال عثمان والله قد علمت ما تقول أما والله لو كنت بمكانى ما أغضبتك ولا عتبت عليك ولا جئت منكرا ولا عملت سوأ إن وصلت رحما أو سددت خلة (١).

ثم خرج عثمان فجلس على المنبر مغضبا وقال : اما بعد فان لكل شئ آفة ولكل امر عاهة ، وان آفة هذه الامة وعاهة هذه النعمة عيابون طعانون يرونكم ما تحبون ويسرون ما تكرهون يقولون لكم ويقولون امثال النعام يتبعون اول ناعق احب مواردها إليها البعيد لا يشربون إلا نغصا ولا يردون إلا عكرا لا يقوم لهم رائد وقد اعيتهم الامور وتعذرت عليهم المكاسب ألا فقد والله عبتم علي بما اقررتم لابن الخطاب بمثله ولكنه وطأكم برجله وضربكم بيده وقمعكم بلسانه فدنتم له ما احببتم أو كرهتم واوطأت لكم كتفي وكففت يدى ولساني عنكم فاجترأتم على أما والله لانا عز نفرا واقرب ناصرا واكثر عددا واقمن ان قلت هلم اتى إلي ولقد اعددت لكم اقرانكم وكشرت لكم عن نابى واخرجتم مني خلقا لم اكن احسنه ومنطقا لم اكن به انطق فكفوا عني السنتكم وطعنكم وعيبكم على ولاتكم فانى قد كففت عنكم من لو كان هو الذى يكلمكم لرضيتم منه بدون منظقي هذا ألا فما تفقدون من حقكم والله ما قصرت في بلوغ ما كان يبلغ من كان قبلي وما وجدتكم تختلفون عليه فما بالكم.

فقال مروان بن الحكم ان شئتم حكمنا بيننا وبينكم السيف فنحن وانتم كما قال الشاعر :

فرشنا لكم اعراضنا فنبت بكم

مغارسكم تبنون في دمن الثرى

فقال عثمان لمروان اسكت أسكتك الله دعني واصحابي ثم نزل

__________________

(١) تاريخ الطبري (ج ٥ ـ ص ٩٦ وص ٩٧).

١٠١

عثمان (١) فلما كان بعد ايام عاد إليه علي (ع) فوعظه فقال لست ابدء بك وانى لاعلم شأنك لي دعني واصحابي فقال (ع) لقد اديت اليك ما اوجب الله علي وخرج من عنده.

خطبة عثمان :

فلم يكن بأسرع من أن عثمان خرج إلى المسجد فرقى المنبر فحمد الله واثنى عليه وقال :

أما بعد ايها الناس فوالله ما عاب من عاب منكم شيئا اجهله وما جئت شيئا الا وانا اعرفه ولكني منتني نفسي وكذبتني نصيحتي وضل عني رشدي ولقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول من زل فليتب ومن اخطأ فليتب ولا تتمادى بالهلكة فان من تمادى في الجور كان ابعد عن الطريق فأنا اول من اتعظ أستغفر الله أستغفر الله مما فعلت واتوب إليه فمثلي نزع وتاب فإذا نزلت فليأتني إشرافكم فليرونى رأيهم فوالله ائن ردنى الحق عبدا لاكونن له كالمرقوق ان ملك صبر وان عتق شكر وما عن الله مذهب إلا إليه فلا يعجزن عنكم خياركم أن يدنوا إلي لئن أبت يميني لتتابعني شمالي.

فقام إليه المقداد بن عمر فقال يا عثمان ليس بواصل لك ما ليس معك الله الله في نفسك فأتمم على ما قلت (٢).

ولما نزل عثمان وجد مروان ابن الحكم وسعيد بن العاص ونفرا من بنى امية فجلس فقال له مروان يا أمير المؤمنين أتكلم ام أصمت فقالت له نائلة بنت الفرافصة امرأة عثمان بل اصمت فأنتم والله قاتلوه ومؤثموه

__________________

(١) تاريخ الطبري (ج ٥ ـ ص ٩٦ وص ٩٧) وابن الاثير (ج ٣ ـ ص ٥٨).

(٢) في الطبري (ج ٥ ـ ص ١١١) نسب القول إلى سعيد بن زيد

١٠٢

انه قال مقالة لا ينبغى ان ينزع عنها فاقبل عليها مروان قال لها وما انت في هذا فوالله لقد مات ابوك ولا يحسن ان يتوضأ فقالت مهلا عن ذكر الاباء فانك تخبر عنه وهو غائب تكذب عليه وان اباك لا يستطيع ان يدفع عنه اما والله لولا انه عمه وانه يناله غمه لاخبرتك عنه ولم اكذب عليه ثم اعرض مروان عنها وقال اتكلم ام اسكت فقال له عثمان تكلم قال بأبى انت وامي والله لوددت ان مقالتك هذه كانت وانت ممتنع منيع وكنت اول من رضى بها واعان عليها ولكنك قلت ما قلت حين بلغ الحزام الطبين وبلغ السيل الزبى وحين اعطى الخطة الذليلة الذليل والله لاقامة على خطيئة تستغفر منها اجمل من توبة تخوف عليها وانت ان شئت تقربت بالتوبة ولم نقرر بالخطيئة وقد اجتمع على الباب مثل الجبال من الناس فقال عثمان فاخرج إليهم وكلمهم فانى استحي منهم فخرج إليهم مروان وفتح الباب والناس يركب بعضهم بعضا قال : ما شأنكم قد اجتمعتم ايها الناس كأنكم جئتم لنهب شاهت الوجوه كل انسان آخذ باذن صاحبه إلا من اريد جئتم تريدون ان تنزعوا ملكنا من ايدينا اخرجوا عنا أما والله لئن رمتمونا ليمرن عليكم منا أمر لا يسركم ولا تحمدوا غب رأيكم ارجعوا إلى منازلكم فانا والله ما نحن بمغلوبين على ما في ايدينا فرجع الناس وخرج بعضهم إلى أمير المؤمنين فقال خرج علينا مروان وقال كذاو كذا وقصوا عليه الخبر فخرج مغضبا حتى دخل على عثمان فقال يا عثمان أما رضيت من مروان ولا رضى منك إلا بتحرفك عن دينك وبخدعك عن عقلك مثل جمل الظعينة يقاد حيث يسار به والله ما مروان بذي رأى في دينه ولا نفسه وأيم الله انى لاراه سيوردك ثم لا يصدرك وما أنا عائد بعد مقامي هذا لمعاتبتك اذهبت والله شرفك وغلبت على امرك

١٠٣

ثم انصرف عنه (١).

كتاب عثمان إلى معاوية :

وبعث عثمان في الحال المسور بن مخرمة الزهري بكتاب إلى معوية ابن ابى سفيان :

اما بعد : فانى كتبت كتابي هذا والله ما أحسبه يبلغك وانا حي وقد رأيتك ورضيت عنك بمكانك واطمأننت إلى نفسك ووثقت بامنية من مناك ولن تنتهي بك الامنية دون الذلة فاحداهما خير لك من الاخرى وإذا بلغك كتابي هذا فابعث إلى جيشا سريعا برجل معه من اهل ثقتك في نفسك واجعله حبيب بن مسلمة ثم أمره فليجعل اليومين يوما والليلتين ليلة والمنزلين منزلا وان استطعت ان تفاجئني مفاجأة فقد التقت العصا ولم يبق إلا خذوات واعط وامنع وهات وهلم ونعم ولا يبين ذلك عاجل وامر ناهض والدين مع اول صدمة والسلام (٢)

في امثال ما اثبتناه من كلام أمير المؤمنين (ع) وإنكاره عليه في مقام بعد مقام واعتزاله امره وامر القوم حتى كان منه ومنهم ما كان وكيف يكون علي (ع) معتوبا لعثمان مع ما وصفناه أو راضيا بشئ من افعاله على ما ذكرناه وكيف لا يكون ساخطا مع ما بيناه ومشاركا للقوم جميعا في تبديعه على ما قدمناه غير أنه لم يساعدهم على حصره ولا اعانهم على خلعه ولا شاركهم في قتله لما اسلفناه من القول في عائبة

__________________

(١) تاريخ الطبري (ج ٥ ـ ص ١١١ وص ١١٢) وابن الاثير (ج ٣ ـ ص ٦٥).

(٢) في تاريخ الطبري (ج ٥ ـ ص ١١٥) ان معاوية لما وصل إليه الكتاب تربص واظهر كراهية المخالفة لاصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وقد علم باجتماعهم عليه فأبطأ في الامر.

١٠٤

ذلك وعلمه بها وأحاطته بجميع ما كان منها ولاقامة الحجة على قارفيه بذمه في بطلان تزويرهم له وأيضاحه عن بهتانهم فيه عليه وليس ذلك بمناف لرأيه الذى بينا عنه وشرحناه ولنا في أحكام قتل عثمان وخاذليه وحاصريه ما سننبه عنه شافعا لهذا الفصل ان شاء الله.

الآراء في احداث عثمان :

فصل : اعلم علمك الله الخير وجعلك من اهله ووفقك لما يرضيه انني لم أجد احدا حقق القول في آراء المنكرين على عثمان ما فعله من الاحداث ولا صوب مذهبهم في ذلك واكثر من قال منهم قولا فهو مسند له إلى ظن تضعيف إمارته أو إلى عقد يسبق في ذلك كانوا على مذاهب وآراء متباينة وأغراض متنافية طائفة منهم تعلقوا عليه باحداث لم ينكروا مثلها من غيره طمعا فيه واستقصاء مقاله وقصدوا إلى تقلد الامر من بعده ونيل الرياسة بخلعها منه وقتله فمن هذه الطائفة من قدمنا من ذكر طلحة والزبير في حصر عثمان وتولى ذلك بنفسه واعوانه وتغلب على بيت المال في حياته وجعل لاقفال أبوابه مفاتيح في يديه واجتهاده في سفك دمه بمنع الماء عنه وسعيه في إتلافه بذلك فلما تم الامر في قتل الرجل تطاول منهم من تطاول الامر وظن انه مختار متابع فبطل زعمه بانصراف الناس إلى غيره واختيارهم سواه فلما فاته ما كان أمله ورجاه بالسعي الذى سعاه وانقياده لبيعة الامام ، أما طمعا أو خوفا فتعقب الرأى ونكث البيعة وخرج عن العهدة وفارق الاسلام ونصب الحرب له حتى آل أمره في ذلك إلى ما آل ، ومنهم طائفة ارغمها عثمان بمنعه لها المراد منه وردها عن طلباتها وأبطل رسومها فحقدت عليه لذلك وسعت في خلعه وسفك دمه وظنت ان الامر يصير من بعده إلى من يتمكن من قياده ويجبها إلى ملتمسها فلما تم ما سعت فيه فات القوم الذى رجت

١٠٥

لهم ما رجت من الامر رجعت عن رأيها إلى نقضه وأظهرت الندم على ما فرط منها وتحيزت إلى الفرقة وصارت مع من ألب على الامام القائم مجتهدة في إزالة الامر عنه ومصيرة إلى من ترجوه معينا لها ومريدا ومطيعا لامرها فعمت الجميع الخيبة مما رجت وكان عاقبة أمرهم خسرا وطائفة انتقضت عادتها بعثمان والاكرام لها والاعظام ممن تقدمه فصارت بذلك كارهة لامره وساعية في خلعه وطائفة كان المتقدمون يقلدونهم الاعمال واستبدل بهم منها سواهم من الناس ، وحرمهم ما كانوا يصلون إليه من بيت المال فسعت في ذلك في خلعه وعاونوا من أجله على قتله وطائفة استشنعت احداثا كانت منه ، واعتقدت فيه الضلال بذلك وقصدت في خلعه الامر بالمعروف والنهى عن المنكر وربما كان منهم غالطا فيما استشنعه وربما كان منهم مصيبا فيه غير ان الغرض كان منهم فيما صنعوه قصدا لنصرة الدين والاسلام وهذه الطائفة هي التي كانت الاصل في الانكار عليه وبفعلها تسبب الاسباب في خلعه وقتله وطائفة منهم كانت تعتقد الحق في أصل الامامة وطريقها وترى ان السالك سبيل عثمان في نيل المراد مشاركا فيما أنكروه منه ولم يكن الذين حملهم على معونة حاصريه وقاتليه ممن عددناه بشئ من اغراضهم على ما شرحناه وفصلناه بل كان غرضهم في ذلك بما لو تم لهم ما صنعوه فيمن تقدم لسارعوا إليه لكنه لم يتفق لهم في المتقدم واتفق لهم في المتأخر واما خاذلوه فجمهورهم تنقسم أغراضهم في ذلك إلى أغراض من سميناه من خذله أو الشك في حاله وأحوال حاصريه وقاتليه ، فذلك لم يجوزوا المعونة لهم عليه ولا تفردوا بالنصرة له منهم.

وأما أمير المؤمنين (ع) فلم يكن تفرده عن نصرته وترك النهوض بالدفاع عنه خذلانا له لرأى يستصوبه في خلعه وقتله بل كان رأيه عليه السلام تابعا في ذلك لعقيدته فيمن تقدم عليه من الامراء من

١٠٦

كافة القوم وكان عالما بعواقب الامور غير شاك في المصالح يرى الموادعة والمهادنة والرقود المسالمة إلى انقضاء المدة التي يعلم صواب التدبير فيها بذلك فامتنع (ع) من التحمل للدفاع عن حصره وقتله بمثل ما امتنع من دفاع المتقدمين عليه في الامر وذلك لشيئين معروفين احدهما عدم الانصار له على مراده في ذلك والثاني لوخيم العاقبة في المباينة للجمهور ولما تقتضي الحرب وتوقع الفتنة وقد دفع عليه السلام عنه بالقول في أحوال اقتضت المصلحة دفاعه عنه وأمسك عن الانكار لما كان القوم عليه والرأى في حصره وخلعه وقتله لما عرف من جميل العاقبة في ذلك ولو لم يكن (ع) مستودعا علم ذلك كما تذهب إليه الشيعة فيه لكانت مشاهدته للحال ودلائلها تكفيه وتقنعه فيما صنع وراده في الاحوال والاختلاف بين ذو العقول فان الشاهد يرى ما لا يراه الغائب فعمل عليه السلام في اختلاف الاقول منه والافعال على علمه بعواقب الامور وشاهد الحال فلذلك التبس الامر على الجمهور في رأيه (ع) في عثمان وقاتليه فنسبه بعض الناس إلى الرضا بما صنعه القوم بعثمان ونسبه آخرون إلى المواطاة عليه والتأليب ونسبه آخرون إلى الهوى في ذلك والتقصير فما كان يجب عليه لعثمان ونسبه آخرون إلى الكرهة لما أجرى القوم في حصر عثمان فادعوا أنه كان له مواليا وبأعماله راضيا ولكن العجز عن نصرته أقعده عنها ثم أكد الشبهة عليهم فيما ذكرناه من اختلاف الاعتقاد في ذلك ما قدمنا في ذكره من أفعاله (ع) المختلفة مع عثمان تارة ينكر عليه ما أنكره المسلمون وتارة يدفع عنه وينهي عن قتله القاصدين إلى ذلك من اهل الامصار ، وتارة ينكر على من منعه الماء ويغلظ لذلك ويغضب من خلافه فيه وتارة يجلس في بيته وهو يرى الناس يهرعون إلى قتله وترك الاجتهاد في طلب دمه فلا يكون منه وعظ في ذلك ولا تخويف بالله عزوجل في ذلك وهو

١٠٧

في ظاهر الحال مطاع معظم مسموع الامر متبع في الرأي هذا مع هجره لعثمان أحيانا ومنازعته له حينا وصلحه أحيانا ومسالمته له حينا وتغليظ القول عليه احيانا وسعيه في الصلح بينه وبين الناس زمانا وترك ذلك إلى الكف عنه زمانا هذا مع ان المحفوظ من قوله فيه بعد قتله مما تختلف ظواهره وتشتبه معانيه.

كقوله (ع) : وقتا والله ما قتلت عثمان ولا مالئت في قتله.

وقوله (ع) حينا : الله قتل عثمان.

وقوله (ع) وقتا آخر : لو لم يدخل الجنة إلا قاتل عثمان لما دخلها ولو لم يدخل النار إلا قاتل عثمان لما دخلها.

وقوله (ع) وقتا آخر : والله ما غاضني قتل عثمان ولا سرني ولا أحببت ذلك ولا كرهته.

وقوله (ع) : حينا آخر : اكبت الله قتلة عثمان.

وقوله (ع) عند مطالبة القوم بقتلة عثمان : من قتل عثمان فليقم فقام أربعة آلاف من الناس المتحيزين إليه فقال هؤلاء قتلة عثمان وكون قتلة عثمان خاصة أنصاره وأعوانه واصحابه وإظهاره الولاية لهم والتعظيم والمودة والاكرام مع تقربهم إليه وائتمانه لهم.

وقوله (ع) : اللهم اقتل قتلة عثمان في بر الارض وبحرها في أمثال ما ذكرناه ولكن الافعال والاقول التي ذكرناها منه متلائمة غير مختلفة في معناها إذا دحض بعضها بعضا وحمل بعضها على بعض في الرأي الذى تقتضيه الاحوال ويوجبه النظر في العلم بالعواقب وتمام المصالح.

رأي الجاحظ في علي :

فصل : قد زعم الجاحظ ان أمير المؤمنين (ع) كان ممتحنا بعد

١٠٨

قتل عثمان بمحن عظيمة وذلك ان جميع من نصب له الحرب جعل الحجة عليه في دعواه عليه قتل عثمان ، قال وظاهر الحال يوهم ذلك عليه لانه كان مباينا له في الاحوال والاوقات وهاجرا له في زمان وايام وكان المنكرون على عثمان من اهل مصر والعراق يلجأون إليه في السفارة بينه وبين عثمان وكان (ع) فيهم مسموع القول مطاعا معظما مأمونا ثم قعد عن نصرته وتقلد الامر من بعده واستنصر على محاربيه بقتله فلم يشك القوم انه قاتله قال وواحدة من هذه الخصال تريب فكيف بجميعها ثم قال : وقد علم الناس قد يكون في هذا المصر الذي يتولاه اميرا ووزيرا وعاملا من يوصل مثل عمله ويصلح لمثل رتبته ويمد عنقه إلى مثل ولايته ولا يتفق له من مراده من ذلك ويقصده الناظر بما يمنعه من صرفه والتدبر في عزله فيلزم بيته ويقصر مراعاته خوفا من بيعته في عزله وتولى مقامه فيموت حتف أنفه فلا يشك الناس انه دس إليه من قتله ولو قتل ذلك الانسان ذو غر لغرض لضره أو لطلب ماله لقطعوا ان أمير البلدة وضعه على ذلك ودبر الامر فيه عليه وقد يجلس السلطان بعض الرعية لشئ يجده في نفسه عليه فيموت في الحبس حتف انفه فيحلف خلق من الناس بالله انه تقدم فخنقه ولا يشك الجمهور انه واطأ على دمه ولو اقسم السلطان بالله اقساما أكدها على البرائة من دمه لجعلوا ذلك شبهة فيما ادعوه عليه من قتله ، ثم قال هذا الرجل اعني الجاحظ ان اقوال علي في عثمان انما اختلفت وتناقضت ـ بزعمه ـ لانه كان محتاجا إلى التبرئ من دمه لكف اهل البصرة واهل الشام عنه بذلك وكان محتاجا إلى إضافة دم عثمان إليه لاستصلاح رعيته وارتباطهم لنصرته وليس الامر كما زعمه الجاحظ ولا القصد فيه كما توهمها وانما حمل الجاحظ حال أمير المؤمنين (ع) في ما زعمه على احوال أهل الدنيا ومن لا دين له ولا يقين ولا تقوى من يصنع ما يصنع

١٠٩

ويقول ما يقول لعمارة الدنيا ولا يبالي بعاقبة ذلك في الآخرة بل كانت افعال علي (ع) واقواله التي اثبتناها في ما تقدم على الاغراض التي أنبأنا عنها وأوضحنا عن اتفاقها ووفاقها للدين والنظر في مصالح المسلمين ومن تأمل ما ذكرناه وفكر فيه بقلب سليم وجده على ما وصفناه.

رأي العثمانية :

فصل : وقد زعمت العثمانية ان الذي يدل على مشاركة علي (ع) قتلة عثمان أشياء قد ثبتت بالاخبار وتظاهرت بها الآثار منها انه تولى الصلوة بالناس يوم النحر وعثمان محصور ولم يستأذنه في ذلك وتغلب عليه فيه وهذا مما جعل الشافعي حجة في جواز صحة صلوة المتغلب بالناس يوم الجمعة والعيدين ورد به على أهل العراق وإنكارهم ذلك وقولهم لا تصح الصلوة في الجمعة والعيدين خلف المتغلب فحكى الربيع والمزنى عن الشافعي انه قال في هذه المسألة لا بأس بصلوة الجمعة والعيدين خلف الآمر فان عليا (ع) صلى بالناس وعثمان محصور وقد روى ابو حذيفة القرشي عن محمد بن اسحاق وغيره ان قوما صاروا إلى عثمان وهو محصور وقالوا ما ترى إلى هؤلاء الذين يصلون بالقوم في يوم الجمعة بالناس وانت على هذا الحال لم تأمرهم بذلك وقد كان طلحة بن عبيد الله صلى بهم يوم الجمعة في حصار عثمان فحكوا عن عثمان انه قال إذا أحسنوا فاتبعوهم وان أساؤا فاجتنبوهم الصلوة حسنة فصلوا إذا صلوا ، فزعمت العثمانية ان عليا كان متهما بدم عثمان لصلوته بالناس يوم النحر عن غير إذنه وادعى الشافعي انه كان متغلبا بذلك ولم يتعلق احد من قرف طلحة بدم عثمان لصلوته بالناس يوم الجمعة وعثمان محصور ولا نسبوه إلى التغلب بذلك وبرؤه من دمه وهو الذى تولى حصره حتى قتله وكانت شبهتهم في برائة طلحة خلاف لامير المؤمنين (ع) والتمويه في

١١٠

حربه بالتظاهر لطلب دمه وعقول هؤلاء القوم عقول ضعيفة واحلامهم احلام سخيفة فلذلك ينقادون من الشبهة إلى ما ذكرناه.

ومما تعلق القوم به أيضا في قرف علي (ع) بدم عثمان بعد الذي ذكرناه وعددنا مقامه بالمدينة منذ حصر وقول اسامة بن زيد مشيرا عليه بالخروج عنها على ما رواه حذيفة القرشي عن رجاله قال قال اسامة ابن زيد لعلي لانت والله يا أبا الحسن أعز علي من سمعي وبصري فأطعني واخرج إلى أرضك بينبع فان قتل عثمان وأنت شاهد طلبك الناس بدمه وان لم تشهد لم تعدك بك الناس أحدا ، فقال ابن عباس لاسامة يا أبا محمد أتطلب أثرا بعد عين أبعد ثلاثة من قريش وروى يوسف بن دينار عن عبد الملك بن عمير اللخمي عن أبي ليلى قال سألني عبد الملك بن مروان حين قدم الكوفة عن قتل عثمان فأخبرته فقال أين كان علي يومئذ فقلت بالمقاعد يأمر فيطاع ، وينهى فيطاع ولقد رأيته عند أحجار الزيت مختبيا بسيفه ومناد ينادي آمن الله هذا الناس كلهم إلا الشقي (نعثلا) فقال عبد الملك هل سمعت عليا يقول شيئا؟ فقال لا ، وروى النخعي عن علقمة بن قيس قال أرسلت ام حبيبة بنت أبي سفيان إلى علي وهو قاعد في المسجد : ان امن لي خاصتي ومن في الدار من أهلي ، فقال الناس كلهم آمنون إلا الشقي ابن أبى العاص وروى خالد الحذا عن رجل من بني شيبان قال رأيت عليا يوم قتل عثمان يخطب الناس على المنبر وعليه السلاح فجعلت العثمانية هذه الاشياء شبها لها فيما قذفت به أمير المؤمنين (ع) من دم عثمان واحتجت ايضا في ذلك بما صنعه علي (ع) عند قتل عثمان من أخذ نجائبه وأدراعه وأورد في ذلك قول الوليد بن عقبة يخاطب بني هاشم ويعاتبهم عند قتل عثمان (١) :

__________________

(١) ذكر ابو الفرج في الاغاني (ج ٤ ـ ص ١٧٤) في ـ

١١١

بنى هاشم ردوا سلاح ابن اختكم

ولا تنهبوه لا تحل مناهبه

بنى هاشم كيف الهوادة بيننا

وعند علي درعه ونجائبه

بنى هاشم كيف التودد بيننا

وتبر ابن اروى فيكم وجوائبه

بنى هاشم انى وما كان منكم

كصدع الصفا لا يشعب الصدع شاعبه

هم قتلوه كي يكونوا مكانه

كما غدرت يوما بكسرى مرازبه

فان لم تكونو قاتليه فانه

سواء علينا مسلموه وسالبه

واحتجوا أيضا بقول حسان بن ثابت الانصاري في قتل عثمان :

ضحوا بأشمط عنوا السجود له

يقطع الليل تسبيحا وقرآنا

يا ليت شعرى وليت الطير تخبرني

ما كان بين علي وابن عفانا

لتسمعن وشيكا في ديارهم

الله اكبر يا ثارات عثمانا

وله ايضا :

من عذيري من الزبير ومن

طلحة هاجا أمرا له اعسار

حين قالا للناس دونكم العل‍

ج فشبت وسط المدينة نار

واصطلاها محمد بن أبى بكر

جهارا وخلفه عمار

وعلي في بيته يسأل النا

س رويدا وعنده الاخبار

باسطا كفه يريد ذراعيه

وفيه سكينة ووقار

خذلته الانصار إذ حضر المو

ت وكانت تعاند الانصار

وكذلك اليهود ضلت عن الدي‍

ن بما زينت لها الاحبار

وامثال ما ذكرناه والجواب عن

جميعه سهل قريب والمنة لله

الدفاع عن علي :

فصل : فاما الجواب عما تعلقوا به من قذف علي (ع) بدم عثمان من حيث تولى الصلوة بالناس يوم النحر وعثمان محصور فهو مبنى على

__________________

ـ الرواية عن محمد بن حبيب ابياتا تسعة.

١١٢

مذهبين : أحدهما الشيعة القائلين بالنص على علي القاطعين على إمامته بلا فصل ، وهو انه إذا كان الامام المفترض الطاعة فله ان يتولى كلما يتمكن من توليه مما اقتضته إمامته ، والامامة تقتضي إمامة المسلمين في الصلاة والتقدم عليهم في الجهاد ، وإقامة الحدود والاحكام وليس متى تولى الامام شيئا مما له توليته عند الامكان دل ذلك على انه ساع في دم انسان ومريد لقتله على كل حال والجواب على المذهب الآخر وهو القول بالاختيار ان الامام إذا غير وبدل وأحدث ما ينفسخ به عقده فلا فاضل الناس أن يتولى أمر الصلاة ، والامر بالمعروف والنهى عن المنكر إلى أن يعقد الامام من بعده وعلى مذهب القوم الذين رأوا إقامة الامام بالاختيار ان في خلع عثمان باحداثه قد زال فرض طاعته بذلك وكان للافاضل منهم أن يقدموا في الصلاة بهم من يرون إلى أن يتم الامر في العقد لمن يستحق ذلك ; ولو كان هناك من يعتقد ان إمامة عثمان لم تزل بأحداثه ، إلا أنه ممنوع من الصلاة بالناس لكان للافاضل أن يتولوا الصلاة نيابة عنه في تلك الحال فعلى كل المذهبين اللذين ذكرناهما لا تجب بصلاة علي يوم النحر بالناس وعثمان محصور أن يقضى عليه بانه كان مريدا لقتله ، فضلا أن يكون مشاركا فيه وقد روى الخصم عن عثمان لما اوذن بصلاة طلحة بالناس ، واستؤذن في الصلاة معه ، قال لهم إذا أحسنوا فاتبعوهم وإذا أساؤا فاجتنبوهم فحكم لصلاتهم بالحسن وان كان محصورا لم يأذن فيها لهم ولم يولهم ذلك إلا انه اباحه ووصف المصلين بانهم في ذلك محسنون فان تعلق المخالف على علي عليه السلام في قتل عثمان بصلاته بالناس وهو محصور لولا انه تعنت بذلك عادل عن طريق الانصاف واما تعلقهم بقعود أمير المؤمنين عليه السلام بالمدينة حتى قتل عثمان ، وتركه الخروج منها ومباعدة القوم فيما صنعوه وما أشار عليه اسامة من الخروج وتحذيره في قعوده بمطالبة

١١٣

القوم له بدم عثمان فليس أيضا ما ثبتت به الحجة على ما ادعوه من قبل انه لا يمتنع أن يكون مقامه بالمدينة في تلك الحال لتدبير الدفاع عنه ولو كان خرج عنها لتعجل من قتل القوم له ما تأخر ولم يكن أيضا يؤمن ان يتعدى القتل منه إلا غيره وتحدث فتنة لا بتلافى صلاحها فجلس (ع) لذلك ولم يجلس لمعونة على قتل عثمان ، بل لو خرج من المدينة في حال حصر القوم الرجل لكانت التهمة إليه في قتله اسرع مع ما ذكرناه من المحذور ، واما نقلهم جواب ابن عباس لاسامة وقوله أبعد ثلاثة من قريش تطلب اثرا بعد عين ، فليس فيه أيضا دليل على إيثار ابن عباس لامير المؤمنين (ع) قتل الرجل ولا فيه حجة على انهما شركا يفى ذلك من تولاه وانما يدل على إيثار ابن عباس ان يكون الامر فيهم بعد عثمان ، ولسنا ننكر أن يكون عليا كان مؤثرا للتمكن من الامر بعد عثمان ليقيم بذلك حدود الله وينفذ به أحكامه ، وينظر في مصالح المسلمين ، ومن آثر ذلك من أهله فهو محمود وهذا يستمر على مذهب الشيعة الامامية والزيدية والجارودية والقائلين بالنص عليه وعلى مذهب اصحاب الاختيار معا.

فاما اصحاب النص فيقولون انه الامام المفترض الطاعة على الانام وكان يجب أن يجتهد بالمتوصل بما للائمة إقامته وتولي ما لهم توليته وان لا يفرط في ذلك ولا يهمله وإذا كان مقامه لما ذكرناه كان به محمودا ولم يجز صرف الغرض فيه إلى ما ادعاه الخصوم من خلافه مع انه لم ينكر انما كان مقامه بالمدينة لدفاع ما كان يحذر من إمامة من لا يستحق الامر بعد قتل عثمان فأقام لدفاعهم عن ذلك لوجوده بينهم وعلمه برأى الناس في تقديمه على غيره ولو كان نائبا عن المدينة لغلب على الامر من يعسر على الامة صرفه عنه ممن لا يؤمن على الدين وهو مستمر على اصول أصحاب أهل الاختيار كما استمر على اصول

١١٤

أصحاب النص وليس فيه دليل على ما يتعلق به القوم من قذفه بقتل عثمان حسبما بيناه وشرحناه.

واما قبض أمير المؤمنين (ع) عند قتل عثمان النجائب والادراع (١) التى قبضها مما كان منسوبا إلى عثمان والتعلق بشعر الوليد بن عقبة على ما أثبتناه عنه فيما سلف وسطرناه فليس ايضا بحجة لقاذف علي (ع) بقتل عثمان وذلك انه لو لم يقبض ذلك علي (ع) لاسرع إلى قبضه ونهبه وتملكه من ليس له ذلك بحق من الرعية واحتاط بقبضه واحرازه لاربابه وقد كان هو الامام باتفاق الجمهور بعد عثمان وللامام ان يحتاط لاموال المسلمين وتركات من قضى بينهم ليصل إلى مستحقيه دون غيرهم وليس إذا التمس الوليد بن عقبة ما لا يستحق فمنع منه كان ذلك لغلول المانع له بما التمسه ولا لتغلبه عليه ولا قول الوليد ايضا مسموع ولا شهادته مقبولة مع نزول القرآن بتفسيقه ، قال تبارك وتعالى اسمه (يا ايها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) وقد روى اهل التفسير ان هذه الآية نزلت في الوليد بن عقبة حين أنفذه النبي صلى الله عليه وآله إلى قوم يقبض منهم الصدقات فعاد مدعيا عليهم انهم منعوه من ذلك وخرجوا إلى حربه فأعد رسول الله جماعة لحربهم فورد وارد بتكذيب الوليد وانهم على الاسلام والطاعة فأنزل الله تعالى ما اثبتناه فيه (٢).

وجاء في الحديث المشهور ان الوليد قال لامير المؤمنين في محاورة

__________________

(١) روى في الاغاني (ج ٤ ـ ص ١٨٥) ان أمير المؤمنين (ع) أخذ من دار عثمان ابل الصدقة والسلاح ، أقول وليس لاحد رد عليه بعد ان تمت البيعة فكان الخليفة المطلق يتصرف بما يراه من الصلاح.

(٢) رواه البغوي في تفسيره بهامش تفسير الخازن (ج ٦ ـ ص ١٨٥ والالوسي في روح المعاني (ج ٢٦ ـ ص ١٤٤).

١١٥

جرت بينهما أنا أبسط منك لسانا وأحد سنانا قال عليه السلام اسكت يا فاسق فأنزل الله تعالى هذه الآية : (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون) (١) وبعد فلو كانت الادراع والنجائب التي قبضها أمير المؤمنين (ع) بعد قتل عثمان ملكا له ، لكان اولاده وأزواجه أحق بها من الوليد وكان ارتباط علي (ع) ليوصلها إلى ورثته أولى من تسليمها للوليد وأمثاله من بني امية الذين ليس لهم من تركة عثمان نصيب على حال فكيف وقد ذكر الناس في هذه الادراع والنجائب انها من الفيئ الذى يستحقه المسلمو فغلب عليها عثمان واصطفاها لنفسه فلما بايع الناس عليا انتزعها (ع) من موضعها ليجعلها في مستحقيها فما في ذلك من تهمة بقتل عثمان لولا العمى والخذلان. واما شعر حسان ابن ثابت وما تضمنه من التعريض على أمير المؤمنين (ع) :

وليت شعرى فليت الطير تخبرني

ما كان بين علي وابن عفانا

ليسمعن وشيكا في ديارهم

الله اكبر يا ثارات عثمانا

فهو لعمري قذف بدم عثمان فلم يكن قوله حجة لنصغي إليه ولا كان عدلا فتقبل شهادته وقد نص التنزيل على رد شهادته فقال الله عزل وجل : (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا منهم شهادة أبدا اولئك هعم الفاسقون)

ولا خلاف ان حسان كان ممن قذف عائشة وجلده النبي صلى الله عليه وآله على قذفه وإذا كان القرآن حاصرا على المسلمين قبول شهادة الفاسقين فوجب رد شهادة حسان وان لا يقبل منه على حال مع انه لا خلاف بين أهل العراق من ان القاذف مردود الشهادة وان تاب فعلى قول

__________________

(١) انظر الدر المنثور للسيوطي (ج ٤ ـ ص ١٧٨) وتفسير الخازن (ج ٣ ـ ص ٢٧٠) والاغانى (ج ٤ ـ ص ١٨٥) وابن أبي الحديد (ج ٢ ـ ص ١٠٣).

١١٦

هذه الفرقة شهادة حسان مردودة عى كل حال وأما من ذهب إلى أن القاذف تقبل شهاته عنه التوبة فبينهم في ذلك اختلاف فمنهم من يقول انه يشترط في توبته أن يقف في الموضع الذى قذف فيه فيكذب نفسه ويظهر التوبة من جرمه ولم يدع أحد أن حسان كذب نفسه ظاهرا ورجع عن قذفه مختارا فلا توبة له على قول هذا الفريق واما الفريق الاخر فانهم قبلوا شهادة القاذف بعد توبته ولم يشترط في توبته ما ذكرناه فليس معهم دليل على أنه تاب والظاهر منه القذف الذى يستحق به التفسيق ورد الشهادة في دين الاسلام فلا تعلق في قول حسان في قذف أمير المؤمنين (ع) بدم عثمان على كل حال على أن حسان مذموم مردود القول باتفاق أهل الاسلام وعلى كل مذهب لاهل القبلة وذلك انه قال في يوم الغدير بمحضر من النبي صلى الله عليه وآله في أمير المؤمنين ما قال وشهد له بالامامة والنص فيها عليه من الله تعالى فردته المعتزلة بذلك وأنكرته الحشوية ودفعته الخوارج وكذبه جميع من سميناه ولم يحتج فيه إلا على مذهب الشيعة الامامية والجارودية دون من سواهما من فرق الامة على ما ذكرناه وقوله الذى قدمنا ذكره وأشرنا إليه على الاجمال هو هذا :

يناديهم يوم الغدير نبيهم

بخم وأسمع بالنبي مناديا

يقول فمن مولاكم ووليكم

فقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا

آلهك مولانا وأنت ولينا

ومالك فينا في المقالة عاصيا

فقال له قم يا علي فانني

رضيتك من بعدى إماما وهاديا

فمن كنت مولاه فانت وليه

فكونوا له انصار صدق مواليا

هناك دعا اللهم وال وليه

وكن للذى عادى عليا معاديا (١)

__________________

(١) كفاية الطالب للحافظ الكنجي ص ١٧ ط نجف وتذكرة الخواص ص ٢٠ ومناقب الخوارزمي ص ٨٠.

١١٧

وهذا القول مقبول عند الشيعة لانه قاله بمحضر من رسول الله ومشهده فلم ينكر عليه فصارت الحجة في صوابه شهادة رسول الله بحقه والناصبة بأجمعها ترد عليه وتكذبه فيه ثم تقبل قوله في القذف الباطل وحال الفتنة الظاهرة ولا شاهد لهم على ما ادعوه ثم هو في وصفه لعثمان بأنه ظلم فيما صنع به وانه كان بريئا عند الله ومن أهل التقى والايمان مردود الشهادة عند جميع حاصرى عثمان وقاتليه من المهاجرين والانصار والتابعين باحسان وعند كافة الشيعة والمعتزلة والخوارج حين قال :

ضحوا بأشمط عنوان السجود له

يقطع الليل تسبيحا وقرآنا

إذ كان حسان مكذبا في قوله على مذهب ما ذكرناه من اهل القبلة ومردود الشهادة بما سلف له من قدف المحصنات لم يعتمد في الحجة بقوله المفترى به ومن برهان شمله الخذلان ثم هو في قول له آخر يكذب عند الشيعة بأجمعها وجمهور المعتزلة والمرجئة والحشوية القائلين بأن أمير المؤمنين (ع) كان أفضل الناس بعد النبي صلى الله عليه وآله وأبى على الجبائي وابنه ورهطهما ومن شركهما في الوقف وترك القطع في التفضيل لاحد من الخلفاء الاربعة على غيره وذلك في مرثيته لابي بكر :

إذا تذكرت شجوا من اخى ثقة

فاذكر اخاك ابا بكر بما فعلا

خير البرية أتقاها وأعدلها

بعد النبي وأوقاها بما جملا

الثاني التالي المحمود مشهده

وأول الناس ممن صدق الرسلا

وهذا يكشف لك عن سقوط من تعلق في شئ من الدين بقول حسان من ابطال من جعل قوله حجة على كل حال وتبيين انه كان في ما يقول نظما ونثرا على مذهب الشعراء الذين لا يتقون السيئات ولا يتورعون عن الخطيئات ولا يبالون بارتكاب الزلات ويقدمون على الاباطيل في ارتكاب الموبقات ممن وصفهم الله تعالى في كتابه فقال (والشعراء

١١٨

يتبعهم الغاوون ألم تر انهم في كل واد يهيمون وانهم يقولون ما لا يفعلون) وقد كان حسان ممن يشكر نعمة عثمان عليه واحسانه إليه ولم يكن ممن يرجع إلى تقوى فيحجزه من الباطل فيما ادعاه وان امرأ يعتمد على قول حسان وأمثاله في القدح على أمير المؤمنين ويصوب استنفار الناس عليه واغراءهم به لخفيف الميزان عند الله بين الخسران وبالله المستعان

فتنة الجمل :

باب : الخبر عند ابتداء فتنة أصحاب البصرة في تدبيرها والاجتماع منهم على العمل عليها وما جاءت به الاخبار المتظافرة في ذلك قد اسلفنا القول في اسباب هذه الفتنة والدواعي إليها والاغراض التي كانت فيها وذكرنا من براهين الحق على ما اصلناه من المذهب الصحيح في ذلك وابطال شبهات الضالين فيه ونحن نبدأ بشرح القصة في ابتداء امر اصحاب الفتنة ، وما عملوا عليه فيها وتجدد من رأيهم في تدبيرها حسبما جاءت به الاخبار المستفيضة بين العلماء بالسير والحوادث المشهورة.

فصل : لما تم امر البيعة لامير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) واتفق على طاعته كافة بني هاشم ووجوه المهاجرين والانصار والتابعين باحسان وأيس طلحة والزبير مما كانا يرجوان به من قتل عثمان بن عفان من البيعة لاحدهما بالامامة وتحققت عائشة بنت ابى بكر تمام الامر لعلي بن ابي طالب أمير المؤمنين واجتماع الناس عليه وعدو لهم عن طلحة والزبير وعلمت انه لا مقام لهما بالمدينة بعد خيبتهما مما املاه من الامر وعرف عمال عثمان ان أمير المؤمنين لا يقرهم على ولاياتهم وانهم ان ثبتوا في أماكنهم أو صاروا إليه طالبهم الخروج مما في أيديهم من اموال الله عزوجل وحذروا من عقابه على تورطهم في خيانة المسلمين وتكبرهم على المؤمنين واستحقاقهم بحقوق المتقين واجتبائهم الفجرة

١١٩

الفاسقين عمل كل فريق منهم على التحرز منه واحتال في الكيد له واجتهد في تفريق الناس عنه فسار القوم من كل مكان إلى مكة استعاذة بها وسكنوا إلى ذلك المكان وعائشة بها وطمعوا في تمام كيدهم لامير المؤمنين للحيز إليها والتمويه على الناس بها وكانت عائشة يقدرها كثير من الناس لمكانها من النبي صلى الله عليه وآله وانها من امهات المؤمنين وابنة أبى بكر المعظم عند الجمهور وان كل عدو لعلي بن ابى طالب (ع) يلتجؤ إليها متى اظهرت المباينة له ودعت إلى حربه وافساد أمره فلما تواترت الاخبار عليها وهي بمكة وتحيزها عن عثمان لقتل المسلمين له قبل أن تعرف ما كان من امر المسلمين بعده عمدت على التوجه إلى المدينة راجية بتمام الامر بعد عثمان لطلحة والزبير زوج اختها فلما صارت ببعض الطريق لقيت الناعي لعثمان فاستبشرت بنعيه له وما كان من امر الناس في اجتماعهم على قتله ثم استخبرت عن الحال بعده فأخبرت ان البيعة تمت لامير المؤمنين بعده وان المهاجرين والتابعين لهم باحسان وكافة اهل الايمان اجتمعوا على تقديمه والرضاء به فساءها ذلك وأحزنها وأظهرت الندم على ما كان منها في التأليب على عثمان والكراهة لتمام الامر لعلي بن ابي طالب فأسرعت راجعة إلى مكة فابتدأت بالحجر فتسترت فيه ونادى مناديها باجتماع الناس إليها فلما اجتمعوا تكلمت من وراء الستر تدعوا إلى نصرة عثمان وتنعاه إلى الناس وتبكيه وتشهد انه قتل مظلوما وجاءها عبد الله بن الحضرمي عامل عثمان على مكة فقال قرت عينك قتل عثمان وبلغت ما أردت من أمره فقالت سبحان الله أنا طلبت قتله انما كنت عاتبة عليه من شئ ارضاني فيه (١)

__________________

(١) في تاريخ اليعقوبي (ج ٢ ـ ص ١٥٢) ط النجف كان بين عثمان وعائشة منافرة وذلك انه نقصها مما كان يعطيها عمر بن الخطاب وصيرها اسوة غيرها من نساء رسول الله وان عثمان ليخطب في ـ

١٢٠