الحجج البالغة على تجرّد النفس الناطقة

الشيخ حسن حسن زاده الآملي

الحجج البالغة على تجرّد النفس الناطقة

المؤلف:

الشيخ حسن حسن زاده الآملي


الموضوع : الفلسفة والمنطق
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-371-146-3
الصفحات: ٢٨٠

١
٢

٣
٤

الفهرس

مقدّمة.......................................................................... ٧

المقدّمة......................................................................... ٩

تمهيد في البراهين على تجرد النفس الناطقة ، وبيان أنّ النفس ذات أطوار وشئون‏.... ١٠

الباب الأوّل : من الحجج البالغة على تجرّد النفس الناطقة على الإطلاق‏............ ١٣

الباب الثاني : من الحجج البالغة على تجرّد القوة الخياليّة اي المدرك للصور المتخيّلة لا بدّ أن يكون مجرّدا ١٧

الف) الحجة الأولى على تجرّد القوّة الخياليّة..................................... ١٩

ب) الحجة الثانية على تجرّد الخيال‏............................................. ٣١

ج) الحجة الثالثة على تجرّد الخيال هي :........................................ ٣٤

د) الحجة الرابعة على تجرّد الخيال :........................................... ٤٥

الباب الثالث : من الحجج البالغة على تجرّد القوّة العاقلة.......................... ٤٩

الف) ومن الأدلّة على تجرّد النفس الناطقة تجرّدا تامّا عقليا :..................... ٥١

ب) ومن الأدلّة على تجرّد النفس الناطقة تجرّدا تامّا عقليّا :....................... ٥٣

ج) ومن الأدلّة على تجرّد النفس الناطقة تجرّدا تامّا عقليّا :....................... ٥٥

د) ومن الأدلّة على تجرّد النفس الناطقة تجرّدا تامّا عقليّا.......................... ٥٦

٥

هـ) ومن الأدلّة على تجرّد النفس الناطقة تجرّدا تامّا عقليّا........................ ٥٧

و) ومن الأدلّة على تجرّد النفس النّاطقة تجرّدا تامّا عقليّا.......................... ٥٨

ز) برهان آخر على تجرّد النفس الناطقة تجرّدا تامّاً عقليّاً.......................... ٦٤

ح) برهان آخر على تجرّد النفس الناطقة تجرّدا تامّا عقليّا......................... ٧٠

ط) برهان آخر على تجرّد النفس الناطقة تجرّدا تامّا عقليّا......................... ٨٢

ى) برهان آخر على تجرّد النفس الناطقة تجرّدا تامّا عقليّا :..................... ١٤٣

يا) برهان آخر على تجرّد النفس الناطقة تجرّدا تامّا عقليا؛ هذا هو البرهان الثالث من نفس الشفاء في أنّ قوام النفس الناطقة غير منطبعة في مادة جسمانية :......................................................... ١٥٨

يب) برهان آخر على تجرّد النفس الناطقة تجرّدا تامّا عقليّا؛ وهو البرهان......... ١٦١

يج) برهان آخر على تجرّد النفس الناطقة تجرّدا تامّا عقليّا ، وهو البرهان......... ١٦٣

يد) برهان آخر على تجرّد النفس الناطقة تجرّدا تامّا عقليّا ، وهو البرهان.......... ١٨١

يه) برهان آخر على تجرّد النفس الناطقة تجرّدا تامّا عقليّا ، وهو البرهان السابع... ٢٢٣

يو) برهان آخر على تجرّد النفس الناطقة تجرّدا تامّا عقليّا ، وهو البرهان.......... ٢٣٦

يز) برهان آخر على تجرّد النفس الناطقة تجرّدا تامّا عقليّا ، وهو البرهان التاسع... ٢٥٢

يح) برهان آخر على تجرّد النفس الناطقة تجرّدا تامّا عقليّا....................... ٢٦٣

يط) برهان آخر على تجرّد النفس الناطقة تجرّدا تامّا عقليّا :..................... ٢٦٤

الباب الرابع : من الحجج البالغة على أنّ للنفس الناطقة مقام فوق التجرّد العقلي. ٢٦٧

الباب الخامس : في التبرّك بالتمسّك بطائفة من آيات وروايات في تجرّد النفس الناطقة وفوق تجرّدها العقلي‏       ٢٧٥

٦

مقدّمة

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

الحمد للّه ربّ العالمين

قال سبحانه : «إليه يصعد الكلم الطيّب والعمل الصّالح يرفعه» ؛ وقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله : «من مات وميراثه الدّفاتر والمحابر وجبت له الجنّة» ؛ وقال الوصيّ الإمام علي المرتضى عليه السّلام في الحثّ على معرفة النفس : «نال الفوز الاكبر من ظفر بمعرفة النفس».

ثمّ قد وفّقنا اللّه سبحانه بتصنيف عدة كتب قيّمة ورسائل نفيسة بالفارسية والعربيّة في معرفة النفس منها هذا السفر العظيم المسمّى بـ «الحجج البالغة على تجرد النفس الناطقة»

نهدى جزيل شكرنا المتواتر إلى ساحة أصدقائي العالمين المكرّمين في مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي الذين قد بذلوا سعيهم المشكور في طبع كثير من مصنّفاتي ونشرها بأحسن أسلوب مرغوب وأتمّ وجه مطلوب ـ جزاهم اللّه عن الإسلام والمسلمين خير جزاء العلماء العالمين ـ قوله سبحانه : «إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً».

قم ـ حسن حسن زاده الآملي

٢١ صفر ١٤٢٢ هـ ق ـ ٢٥ / ٢ / ١٣٨٠ هـ ش

٧
٨

المقدّمة

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم‏

الحمد للّه المتعالي عن التجريد والتنزيه ، والمتنزه عن التخليط والتشبيه. والصلاة والسلام على سفرائه أولى النفوس المكتفية ، الكاملين في القوتين النظرية والعملية ، والمكمّلين عقول الخلائق وأخلاقهم بالمعارف العقلية والمحاسن الخلقية. سيما على خاتمهم المخاطب بقوله (عز شأنه) : (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ)‏ وقوله (علت كلمته) : (إِنَّكَ لَعَلى‏ خُلُقٍ عَظِيمٍ)‏ وعلى عترته المعصومين الهادين ، وعلى جميع عباد الله الصالحين.

وبعد ، فيقول العبد الآمل ربّه الغني المغني ، الحسن بن عبد الله الطبرى الآملي ـ المدعوّ بـ حسن زاده آملي ـ : هذه بضاعتنا المزجاة في تحقيق طائفة من البراهين القاطعة على أنّ النفس الناطقة الإنسانية جوهر غير مخالط للمادة ، بري‏ء عن الأجسام ، منفرد الذات بالقوام والعقل ، روحاني النسج والسوس ، لا يفسد بفساد بدنه العنصرى ، بل باق ببقائه الأبدي ، وسمّيناها الحجج البالغة على تجرّد النفس الناطقة.

ولا يخفى على من لم يهمل نفسه ولم ينسها أنّ أفضل المعارف هو معرفة الإنسان نفسه فإنّ معرفتها هي إحدى الطرق بل كلها لإثبات الواجب بذاته على ما تحقّق في محله ، وإنّ الإيقان بالمعاد المفضي إلى تحصيل السعادة الأبدية معلّق باثباتها.

ومن أخلد إلى الأرض يتوهم بفطانته البتراء أنّ المادة هي الأصل ، وأنّ الإنسان هو هذه البنية المحسوسة والجثّة الملموسة فقط؛ فإذا تلاشت واضمحلّت لم يبق منه شي‏ء ، فينكر الأصل الأصيل الذي هو فوق الطبيعة ووراءها ، ولا يعلم أنّ جوهر الإنسان ليس من الجواهر المركبة الممنوّة بالكون والفساد.

٩

ففي هذه الصحيفة المكرّمة حجج بالغة ناطقة على بقاء النفس من مآثر السلف الصالح. وقد بذلنا جهدنا بتصحيح عبارات الحجج أوّلا ، ثمّ التحقيق والتنقيب في بيان كلّ واحدة منها ثانيا؛ لعلّها توقظ من أخذت الفطانة بيده فأراد أن يفحص عن معرفة ذاته وتحصيل سعادته لبقائه الأبدى. والله سبحانه وليّ التوفيق وبيده أزمّة التحقيق.

واعلم أنّ هاهنا أدلّة تدلّ على أنّ النفس غير الجسمية والمزاج ، وأخرى على أنّها جوهر ، ولمّا كانت العينان : الخامسة والسادسة من كتابنا عيون مسائل النفس وشرحها سرح العيون في هذين الأمرين ، فالصواب أن نكتفى بهما ولم نتعرض بهما في هذا الكتاب.

وقد بيّنا في سائر مسفوراتنا أنّ المباحث الأصيلة عن النفس بنظر ستة ، وإن كنّا بنظر آخر أنهيناه إلى عشرين مبحثا ، بل في عيون مسائل النفس إلى ستّ وستين عينا ، على أنّ بعض العيون يتضمن مسائل في معرفة النفس. وأمّا الستة الأولى فأنّ النفس ذات وحدة شخصية؛ وأنّها تغاير بدنها تغايرا لا تباين وحدتها الشخصية؛ وأنّ لها تجرّدا مثاليا برزخيا؛ وأنّ لها تجردا تامّا عقليا؛ وأنّ لها فوق مقام تجرّدها العقلي؛ وأنّ هذا الشخص الواحد إنسان طبيعي وإنسان مثالي وإنسان عقلي وإنسان لاهوتي. وهذه الصحيفة النورية المكرّمة ناظرة إلى تجرّدها الإطلاقي والمثالي والعقلي وفوق مقام تجرّدها في أبواب ، وناطقة بشر ذمة من أدلّتها النقلية تبرّكا في باب واحد وهو آخر الأبواب. واللّه سبحانه مفتّح الأبواب واليه المرجع والمآب.

تمهيد في البراهين على تجرد النفس الناطقة ، وبيان أنّ النفس ذات أطوار وشئون‏

أدلّة تجرّد النفس الناطقة الإنسانية على ما حصّلناها من الصحف القيمة النورية بعضها عقلية وبعضها نقلية.

أمّا النقلية فسيأتي نقل طائفة منها بعد الفراغ عن العقلية.

وأمّا العقلية فبعضها ناظر إلى أنّها جوهر غير جسم على الإطلاق.

وبعضها ناظر إلى تجرّدها البرزخي. وهي أدلّة قد اعتبر فيها الأشكال والأشباح والمقادير ونظائرها ، لكن تلك الأشباح والأشكال والمقادير ونحوها عارية عن التجدّد الماديّ والتصرّم الطبيعي العيني الخارجي ، وعالية عن الإمكان الاستعدادي والجهات العنصرية؛

١٠

لأنّها فوق هذه النشأة ووراءها. والأشباح المثالية هي من المجرّدات والمفارقات بالحكم البتيّ من ألسنة الحجج البالغة الآتية على ذلك؛ والمقارن هو الجسم والجسماني الطبيعيان ، وهو قابل للإشارة فله الوضع. ولا تنافي بين كون تلك الأشباح البرزخيّة أي الأجسام المثالية ذات أشكال ومقادير ، وبين كونها من المفارقات. وقد توصف المفارقات بالعقلية تمييزا عن المفارقات المثالية. فتبصّر.

وبعضها ناظر إلى تجرّدها التام العقلي. وهي أدلّة اعتبر فيها إدراك الحقائق البسيطة الكلّية. وإطلاق التامّ عليه أنّما هو بالنسبة إلى التجرّد الأوّل البرزخي.

وبعضها ناظر إلى فوق تجرّدها العقلي ، بمعنى أن ليس للنفس الإنسانية مقام معلوم في الهويّة ، ولا لها درجة معيّنة في الوجود. وبعبارة أخرى ليس لها حدّ تقف إليه ومقام تنتهى إليه. ويعبّرون عن هذا المعنى أيضا بأنّها ليس لها وحدة عدديّة ، بل لها وحدة حقّة حقيقيّة ظلّية.

وببيان آخر : أنّ النفس لمّا كانت ذات أطوار وشئون فتارة يبحث عنها في مقامها الطبيعي وأحكامها العنصرية من حيث إنّ البدن مرتبتها النازلة؛ وتارة يبحث عنها من حيث تجرّدها الإطلاقى أي أنّها غير جسم على الإطلاق؛ وتارة يبحث عنها في مقامها الخيالى وأحكامها البرزخية والمثالية أي يبحث عن تجرّدها البرزخى؛ وتارة يبحث عنها في مقامها العقلانى ، ومن أحكامها في هذا المقام تجرّدها العقلى؛ وتارة يبحث عنها في مقامها الذي هو فوق التجرّد العقلانى ، ومن أحكامها في هذا المقام أنّ النفس لا تقف في حدّ.

وتلك الأدلّة قد يكون مفاد بعضها قريبا من الآخر كأنّهما دليل واحد بتقريرين؛ أو أنّ أحدهما مستفاد من الآخر ومستنبط منه يمكن جمعهما في تقرير واحد. ثمّ من تلك الأدلّة القريبة المضامين يفيد بعضها تجرّد النفس تجرّدا برزخيا مثاليا ، وبعضها تجرّدا تاما عقليا بإضافة بعض القيود والاعتبارات في دليل ذلك ، وإضافة بعض آخر في دليل هذا؛ وسنشير إلى طائفة منها في تضاعيف نقل الأدلّة وبيانها. وأمّا الأدلّة على تجردها فهي ما نتلوها عليك على الترتيب المذكور أعنى ادلّة تجرّدها على الإطلاق ، ثمّ تجرّدها البرزخى ثمّ تجرّدها التام العقلى ، ثمّ فوق تجرّدها العقلى ، ثمّ نقل الأدلّة النقلية :

١١
١٢

الباب الأوّل :

من الحجج البالغة على تجرّد النفس الناطقة على الإطلاق‏

١٣
١٤

أمّا الأدلّة على تجرّد النفس الناطقة على الإطلاق فخمسة منها هي ما نأتي بها أوّلا من كتاب الفصل الآتي ذكره. ونعنى بذلك الإطلاق أنّ الدليل يثبت كونها جوهرا غير جسم فقط ، وأما أنّ ذلك الجوهر له درجات من التجرّد : التجرّد البرزخى ، والتجرّد العقليّ ، والتجرّد الذي فوق التجرّد العقلى؛ فعلى عهدة البراهين الأخرى التي سيأتي نقلها وبيانها.

وتلك الأدلّة الخمسة على التجرّد الإطلاقى ننقلها من كتاب الفصل بين الروح والنفس تأليف الفيلسوف قسطا بن لوقا ، حيث قال بعد إثبات كون النفس جوهرا ما هذا لفظه :

وإذ قد بيّنّا أنّ النفس جوهر ، فلنبيّن أنّ النفس لا جسم ، فنقول :

١. إنّ كل جسم كيفياته محسوسة ، وكيفيات النفس غير محسوسة ، فهي لا جسم.

وكيفيات النفس الفضائل والرذائل ، والفضائل والرذائل غير محسوسة ، فاذن النفس لا جسم.

٢. وأيضا فإنّ كل جسم لا يخلو أن يقع تحت الحواس إما كلّها وإما بعضها ، والنفس لا تقع تحت الحواس لا كلّها ولا بعضها ، فإذن النفس لا جسم.

٣. وأيضا كل جسم إمّا أن يكون متنفّسا أو غير متنفّس ، فإن كانت النفس جسما فهي إمّا متنفسة وإمّا غير متنفّسة؛ فلا يمكن أن تكون النفس غير متنفسة إن كانت جسما لأنه يقع محال ، وذلك أنّ النفس تكون لا نفس. وإن قلنا أنّها حيوان أي متنفسة رجع القول علينا في نفس النفس أجسم هي أم لا جسم؟ فيترقّى ذلك دائما بلا نهاية ، فإذن ليست النفس جسما.

٤. وأيضا إن كانت النفس جسما لطيفا فليس يخلو ذلك الجسم من أن يكون إمّا

١٥

روحا لطيفة تنتشر في البدن كلّه ، وإما نارا. فإن كانت كذلك فلا يخلو تلك النار والروح من أن يكون لهما نوع خاصّى وقوة خاصيّة ، وذلك أنّه إن لم يكن لهما نوع خاصّى وقوة خاصيّة لكان إذن كلّ نار روحا ، أو كلّ روح نفسا. وإن كان لهما نوع خاصّى فذلك النوع هو النفس.

٥. وأيضا إن كانت النفس جسما لا يخلو جسم أن يكون إما بسيطا وإما مركّبا : فإن كانت جسما بسيطا فهي لا محالة نار أو ماء أو أرض أو هواء. وإن كانت النفس أحد هذه الأركان مجردا أعني بلا قوة ولا نوع خاصّي يفارق به ما شاركه في جنسه ، فإنّ كل ما هو من جنسه نفس ، فإن كانت النفس نارا كان كل نار نفسا ، وإن كانت هواء كان كل هواء نفسا ، وكذلك في باقي الأركان؛ فإن كان كذلك فكل جسم يحوى ذلك الأسطقس فهو متنفّس أعني أنه ذو نفس. فإن كان الهواء هو النفس كانت الرية والعروق الضوارب والزق المنفوخ حيوانا. وإن كانت النفس ماء كانت الآنية المملوة حيوانا ، وهذا من القول شنع قبيح. وإن كانت النفس جسما مركبا فالبدن إذن نفس ، فإذن النفس لا جسم. انتهى.

تبصرة : كتاب الفصل بين الروح والنفس وقوى النفس ومائية النفس تأليف الفيلسوف قسطا بن لوقا اليوناني معاصر الكندى وثابت بن قرّة ، قد صحّحناه وصدّرناه بمقدّمة ، ثمّ ادرجناه في كتابنا سرح العيون في شرح عيون مسائل النفس تجده في آخر شرح العين الحادية عشرة في الفرق بين الروح البخارى والروح الانسانى؛ والفيلسوف قسطا أراد أيضا في ذلك الكتاب المستطاب الفصل أي الفرق بين الروح البخارى والنفس الناطقة الانسانيّة.

١٦

الباب الثاني :

من الحجج البالغة على تجرّد القوة الخياليّة اي المدرك للصور المتخيّلة لا بدّ أن يكون مجرّدا

١٧
١٨

الف) الحجة الأولى على تجرّد القوّة الخياليّة

وهي التي عوّل عليها أفلاطون الإلهي وقرّرها بعض أهل التحقيق من الإسلاميين :

أنا نتخيل صورا لا وجود لها في الخارج كبحر من زيبق وجبل من ياقوت ، ونميز بين هذه الصور الخيالية وبين غيرها فهذه الصور أمور وجودية وكيف لا يكون كذلك ونحن إذا تخيّلنا زيدا ثمّ شاهدناه حكمنا أن بين الصورتين المحسوسة والمتخيّلة فرقا البتة ، ولو لا أنّ تلك الصور موجودة لم يكن الأمر كذلك ، ومحلّ هذه الصورة يمتنع أن يكون شيئا جسمانيا أي من هذا العالم المادي فان جملة بدننا بالنسبة إلى الصور المتخيلة لنا قليل من كثير فكيف تنطبع الصور العظيمة على المقدار الصغير؟. وليس يمكن أن يقال : إن بعض تلك الصور منطبعة في أبداننا وبعضها في الهواء المحيط بنا إذ الهواء ليس من جملة أبداننا ، ولا أيضا آلة لنفوسنا في أفعالها وإلّا لتألمت نفوسنا بتفرقها وتقطّعها ، ولكان شعورنا بتغيرات الهواء كشعورنا بتغيرات أبداننا فبان أنّ محلّ هذه الصور أمر غير جسمانى وذلك هو النفس الناطقة فثبت أنّ النفس الناطقة مجردة. انتهى تقرير الحجة التي عوّل عليها افلاطن.

وأقول :

هذه الحجة أتى بها الفخر الرازى في الفصل الأوّل من الباب الخامس من المباحث المشرقية وهو الدليل العاشر فيه على تجرّد النفس وقال وهو الذي عوّل عليه أفلاطن وقرّره بعض أهل التحقيق من المتأخرين (ج ٢ ، ص ٣٧٣ ، ط حيدرآباد).

ونقلها كذلك أيضا بعده صدر المتألّهين في الفصل السادس من الطرف الثانى من المسلك الخامس «المرحلة العاشرة» من الأسفار وهي الحجة الثانية فيه في أنّ المدرك‏

١٩

للصور المتخيلة أيضا لا بدّ أن يكون مجرّدا عن هذا العالم. (ج ١ ، ص ٣١٧ ، ط ١).

ومراد صاحب الأسفار في هذا الفصل هو تجرّد النفس المثالى البرزخى الخيالى وهو التجرّد غير التام بالنسبة إلى تجرّدها التام العقلى.

واعلم أنّ الخيال يطلق على الحسّ المشترك ، وعلى خزانته وعلى المتصرفة والمراد هاهنا هو الأوسط والأخير منها كما نصّ به في نفس الأسفار حيث قال في الثانى من الباب العاشر : اعلم أنّ سعادة كلّ قوة بنيل ما هو مقتضى ذاتها من غير عائق وحصول كمالها من غير آفة ولا شك أنّ كمال كلّ شي‏ء ما هو من باب نوعه وجنسه فكمال الشهوة هو حصول مشتهاها ، وكمال القوة الغضبيّة هو الغلبة والانتقام ـ إلى قوله : ـ وللخيال تصوّر المستحسنات وهي إما مثل المحسوسات المرتفعات إلى الخيال ، أو حكايات المعقولة المتنزلة إليه ويمكن ارادة الحس المشترك أيضا ، لأنّ المتصرفة تصوّر مثل المحسوسات في لوح الحسّ المشترك أيضا. على أنّ تلك القوى من شئون النفس والتجرّد الخيالى يوجب تجرّد المتصرفة والحس المشترك أيضا فافهم وتبصّر.

وقال صدر المتألهين بعد نقل الحجة المذكورة بالتقرير المذكور ما هذا لفظه :

وهي حجة برهانية قوية على ما نريده. لكن القوم زعموا أنّ هذه الحجة لبيان إثبات أنّ النفس من المفارقات العقلية ، وذلك غير ثابت بمثل هذه الحجّة ونظائرها. ولم أر في شي‏ء من زبر الفلاسفة ما يدلّ على تحقيق هذا المطلب ، والقول بتجرّد الخيال والفرق بين تجرّدها عن هذا العالم وبين تجرّد العقل والمعقول عنها وعن هذا العالم جميعا ، وهذه من جملة ما آتانى اللّه وهدانى ربّى إليه أشكره كثيرا على هذه النعمة العظيمة ونحمده عليها.

أقول : قوله قدّس سرّه : «وهي حجة برهانية قوية على ما نريد» ، يعنى بقوله ما نريده تجرّد القوة الخيالية.

قوله : « وذلك غير ثابت بمثل هذه الحجة » ، إنّما قال بمثل هذه الحجة لأنّ الحجة مأخوذة فيها صور الأشياء ، والمعقولات مجرّدة عن الصور بذلك المعنى ، فلا تصلح‏

٢٠