تلخيص الكون والفساد

أبي الوليد محمد بن رشد الحفيد

تلخيص الكون والفساد

المؤلف:

أبي الوليد محمد بن رشد الحفيد


المحقق: جمال الدين العلوي
الموضوع : الفلسفة والمنطق
الناشر: دار الغرب الإسلامي ـ بيروت
الطبعة: ١
الصفحات: ١٥١

وإما أن فسدا جميعا فليسا (١) بموجودين فضلا عن أن يكونا مختلطين ، وإذا كان الأمر هكذا ، فليس هاهنا مخالطة.

وهذا الشك يستدعي معرفة الفرق بين المخالطة والكون والفساد وبين الأشياء المختلطة والأشياء الثابتة الغير المختلطة. وأما الفرق بين الاختلاط والكون والفساد فبيّن بنفسه فإنا نقول في الخشبة إذا تغيرت وانقلبت إلى النار إنها تكونت نارا ، ولا نقول إنها اختلطت بالنار ولا النار بالخشبة بل نقول إن الخشبة فسدت وإن النار تكونت. وكذلك يبين الفرق أيضا بين الاختلاط والنمو ، وذلك انا لسنا نقول أن الغذاء اختلط بالبدن ولا البدن بالغذاء ، إذ كان الغذاء يفسد والبدن باق على حاله كما قيل في أحد أقسام الشك. وكذلك أيضا الفرق بين الاختلاط وبين الاستحالة بيّن ، فإنا نقول ان الجسم استحال أبيض بعد أن كان أسود ولا نقول أن البياض اختلط بالجسم / ولا الجسم بالبياض. وبالجملة فليس يمكن أن تختلط الصور والكيفيات بالأجسام الحاملة لها ولا يمكن أيضا [أن] تختلط الصور والكيفيات أنفسها بعضها ببعض ، كأنك قلت البياض بالمعرفة (٢). ولذلك نقول أن أنكساغورش قد اخطأ في قوله إن جميع الأشياء المحسوسة هي كلها معا ومختلطة ، إذ كان ليس يمكن أن يختلط كل شيء بكل شيء. وإذا كان المختلطان ليس أحدهما فاسدا ولا كلاهما فاسدان ولا هما في حال الاختلاط شيئان ثابتان كما كانا قبل الاختلاط ، فواجب أن يكون المختلطان من جهة موجودين ومن جهة غير

__________________

١ ـ فليسا مني؛ فليس : ب ، أ. م.

٢ ـ كلمة غير واضحة.

٨١

موجودين ولما كنا نقول أن بعض الموجودات بالقوة وبعضها بالفعل فقد نرى أن المختلطين في حال الاختلاط هما : إما بالفعل ، فإن المتولد منها هو غير المختلطين قبل أن يختلط ، وإما بالقوة فكل واحد منهما موجود كما كان قبل أن يختلطا ولذلك ما نقول انهما لم يفسدا (١) على / التمام ولا بقيا على أحوالهما قبل الاختلاط. وبهذا ينحل الشك المتقدم ، فإن هذه الجهة [هي] التي أغفلوها في التقسيم ، والدليل على ذلك أنا نجد المختلطين إنما يختلطان من شيئين كانا قبل الاختلاط مفترقين ثم إنهما بعد الاختلاط قد يمكن أن يعودا مفترقين. فليس نقدر أن نقول إنهما بعد الاختلاط باقيان بحالهما قبل الاختلاط وإلاّ كان اسم الاختلاط صفرا لا معنى له. ولا نقدر أيضا أن نقول إنهما فسدا إلى النهاية ولا واحد منهما ، إذ كانا نجدهما يفترقان ، فقد لزم أن الاختلاط معنى موجود ضرورة. وقد ينبغي أن نقول ما هو ونبدأ بالشكوك التي تعرض في معرفة ما هو الاختلاط الحقيقي فنقول :

إن الاختلاط لا يخلو أن يكون إما شيئا عرض من باب الكيفية والصورة أو شيئا عرض من باب الكمية؛ ثم إن كان شيئا عرض من باب الكمية ، فلا يخلو ذلك أيضا من وجهين أحدهما أن يكون الاختلاط هو أن ينقسم كل واحد من المختلطين إلى أجزاء صغار كل واحد منهما حافظ لطبيعة الشيء الذي هو جزء منه ثم تتداخل هذه الأجزاء بعضها على بعض ويقع بعضها / إلى جانب بعض أي جزء اتفق إلى جانب أي جزء اتفق حتى يعسر لذلك على الحس التفريق

_________________

١ ـ إنهما لم يفسدا (منّي) : ؛ في الأصل إنها لم تفسد.

٨٢

بينهما لصغرها فيكون الاختلاط على هذا شيئا / يعرض عند الحس لأن طبيعة كل واحد من المختلطين قائمة في تلك الأجزاء بأنفسها إذ كان انقسام كل واحد من المختلطين إلى أجزاء صغار ولا تداخل بعضها على بعض حتى يعرض لها الاّ تتميز عند الحس ليس ممّا يوجب تغير طبائع المختلطين. ومثال ذلك إن خلطنا حنطة بشعير فإنه يعرض لكل حبة من حبوب الحنطة ان تقع إلى جانب أي حبة اتفقت من حبوب الشعير [...] (١) أن تتغير الشعير] عن طبيعتها ولا حبوب الحنطة. والوجه الثاني أن يكون معنى الاختلاط هو انحلال كل واحد من المختلطين وتغير طبائعهما بانقسام كل واحد منهما إلى أجزاء منقسمة بطبعها ثم تتداخل هذه الأجسام الغير منقسمة بعضها على بعض حتى يكون المختلط شيئا حادثا هو بالفعل غير كل واحد من المختلطين قبل ان يختلطا. فيكون الاختلاط على هذا ليس شيئا عرض عند الحس ، ولكنه أيضا في باب الكمية. ويفارق هذا الاختلاط ذلك المعنى الأول بأن طبيعة كل واحد من المختلطين قد فسدت بانقسامها إلى أجرام غير منقسمة ، واما ذلك الانقسام فطبيعة الأجزاء هي من طبيعة المختلطين وتفارقه أيضا بأن جميع أجزاء أحد المختلطين موضوعا إلى جانب أجزاء المختلط الثاني أي جزء اتفق إلى جانب أي جزء اتفق؛ واما في الاختلاط بالمعنى الأول فليس هو جميع الأجزاء إذ كأنه الأجزاء الخفية (٢) عن الحس يمكن أن تنقسم أيضا إلى أصغر منها فاذن إنما وضع في هذا الاختلاط بعض أجزاء

_________________

١ ـ محو في الهامش.

٢ ـ الخفية : أ ؛ الخافية : ب ، م.

٨٣

أحد المختلطين إلى بعض أجزاء المختلط الثاني وفي ذلك كل الأجزاء. وإذا قلنا أن الاختلاط الذي يعرض من باب الكمية إن كان موجودا فإنما يكون في هذين القسمين ، فنقول انه إن لم يكن الاختلاط تركيبا ولا كان الانقسام في الأجسام ينتهي إلى أجزاء لا تتجزأ ، فواجب الاّ يكون الاختلاط ولا في واحد من هذين القسمين. وإنما كان ذلك واجبا لأن الاختلاط إن كان على الوجه / الأول وهو الذي يخفى عن الحس كان الاختلاط تركيبا. ومعلوم أنه ليس الاختلاط تركيبا ، فإن الأشياء المختلطة حد الكل والجزء منها واحد ، إذ كانت أجساما متشابهة ، أعني أنه يكون منها فعل الكل والجزء واحدا وليس كذلك حال الأشياء المركبة. فإذا كان الأمر هكذا فليس يكون هنالك مخالطة بالحقيقة ، بل عند الحس ، ويكون المختلط عند زيد غير المختلط عند عمرو ولا يكون هاهنا بالحقيقة شيء مختلط عند الرجل المضروب به المثل في حدة البصر ، فيكون اسم / المخالطة والمزاج أخفى من التركيب وذلك شنيع. وإن كان على الوجه الثاني كان انقسام الجسم متناهيا ، وقد تبين انقسام الأجسام إلى غير نهاية فواجب الاّ يكون الاختلاط ولا على معنى واحد من هذين المعنيين. وإذا كان ذلك كذلك فإما أن يكون الاختلاط غير موجود وإما أن يكون في باب الكيفية فقد ينبغي أن نقول أي الأشياء هي القابلة له وفي أي باب من أبواب الكيفية هي وكيف يعرض فنقول :

أما الموجودات التي يعرض لها الاختلاط فهي الموجودات التي قلنا إنه يقع في كل واحد / منها من صاحبه الفعل والانفعال. وقد قلنا أن هذه الأشياء هي التي هيولاها واحدة ، وأما الأشياء التي ليس

٨٤

هيولاها واحدة فليس يقع فيها مخالطة إذ ليس يقع من كل واحد منها انفعال من صاحبه ، مثل صناعة الطب فإنها في الأبدان كما قيل وليس تفعل فيها الأبدان. ولما كانت الأشياء التي هيولاها واحدة هي متضادة على ما تقدم ، فالكيفية التي تكون للمختلط بما هو مختلط هي كيفية متوسطة بين الضدين الموجودين في المختلطين. وأيضا فإنه تختص الأشياء المختلطة بصفة ثانية وهي أن تكون سهلة التقسيم مستوعية في كل واحد من المختلطين ، فإنه إذا انقسم أحد المختلطين إلى أجزاء كبار والثاني إلى صغار لم تكن مخالطة ، لأن الكبار تغلب الصغار فيكون ذلك فسادا للصغار وزيادة في حجم المختلط الثابت ، مثل رطل من الخمر إذا خالط ارطالا من الماء فإنه يعود ماء. وسهولة التقسيم تعرض للأشياء المختلطة من قبل / الرطوبة كما أن عسره يعرض من قبل اليبوسة فلذلك أحق الأشياء في الاختلاط هي الأشياء الرطبة ما لم تكن لزجة. وأما الاختلاط فإنما يعرض إذا فعل كل واحد من الضدين في صاحبه فعلا قريبا من السواء حتى يعرض للمختلطين كيفية واحدة متوسطة بين ذينك الضدين ويكون الموضوع لتلك الكيفية كمية المختلطين معا ضرورة وذلك إذا كان المختلطان عند ما يغير كل واحد منهما صاحبه يستفيد كيفية سواء ، حتى إذا صار إلى الكيفية الوسط ، التي هي بالطبع كيفية واحدة لموضوع واحد ، كان الموضوع لها الكميتان جميعا واما إذا لم يكن استفاد الكيفية كل واحد منهما على شرع سواء لعسر قبول أحدهما كانت كمية المختلط أقل من كمية المختلطين لأن الأجزاء القابلة لتلك الكيفية المتوسطة من المختلط العسير القبول تكون قليلة ولذلك ربما لم يستفد أحد المختلطين من الآخر إلاّ كيفية فقط وذلك لعسر القبول

٨٥

الذي فيه ، أو ان استفاد كمية يسيرة مثل ما يعرض عن مخالطة الرصاص النحاس ، [والنحاس] إنما يقبل عن الرصاص لونه فقط وذلك أن هاهنا أشياء كما يقول أرسطو يوجد لها من حال الاختلاط واختلافه في الكثرة والقلة شبيه بما يوجد لحروف التمتام من الاختلاط بعضها ببعض وميل بعضها إلى مخارج بعض وربما لم يكن الاّ أن أحدهما بمنزلة القابل والآخر بمنزلة الصورة.

فقد ظهر من هذا القول ما هي المخالطة وفي أي الأشياء وأنها ليست كونا ولا فسادا ولا استحالة ولا تركيبا ولا اختلاطا عند الحس ، وأن المخالطة إنما تكون للأشياء السهلة الانحصار القابلة الانفعال ، المتشابهة ، وانها ليست شيئا إلاّ اتحاد المختلطين ورجوعهما واحدا بالاستحالة.

٨٦

المقالة الثانية

وهذه المقالة فيها جمل أربعة :

الجملة الأولى يفحص فيها عن الأجسام المسماة أسطقسات هل هي أسطقس أم لا وإن كانت فهل كلها أو بعضها. /

والثانية يعرف فيها جهة كون هذه الأجسام الأربعة بعضها عن بعض ويعاند آراء القدماء في ذلك.

الثالثة يخبر فيها عن جهة كون المركبات عن هذه الأجسام الأربعة ويبين فيها أنّ جميعها تتركب من هذه الأربعة.

والرابعة يفحص فيها عن جميع أنواع أسباب الكون والفساد العامة ويعرف الوجه الذي به يمكن اتصال الكون في الموجودات الكائنة الفاسدة.

الجملة الأولى

وهذه الجملة فيها فصلان

الفصل الأول يذكر فيه بما سلف في المقالة الأولى ويخبر فيه بالشيء الذي بقي عليه من هذا العلم ويفحص هل هاهنا أسطقسات أقدم من هذه الأربعة أم لا.

الفصل الثاني يبرهن فيه أن هذه الأجسام الأربعة هي أسطقسات المركبات.

٨٧

الفصل الأول

٢٥ ـ قال :

لما كنا قد قلنا كل ما كان ينبغي في المخالطة وفي المماسة وفي الفعل والانفعال الموجود في الأشياء الطبيعية ، وقولنا مع ذلك في الكون والفساد المطلق العام للبسائط والمركبات ، أعني الذي يكون من واحد [وإلى واحد] وأي شيء يوجد وكيف يوجد وعما ذا يوجد ، وقلنا مع ذلك في الاستحالة ما هي وما الفرق بينها وبين الكون ، فقد بقي علينا أن ننظر في الأجسام التي تدعى أسطقسات الأجسام وذلك أنه إن كانت جميع المركبات محسوسة فواجب أن تكون أسطقساتها القريبة أمورا محسوسة وهو ينظر من هذه الأجسام في هذا الكتاب في خمسة أشياء أولها هل هنا شيء أقدم أم لا؟ والثانية ما هي فصول الأسطقسات وكم عددها؟ الثالثة هل تكون بعضها من بعض وإن كان فكيف يكون؟ الرابعة هل يكون منها جميع ما يكون؟ الخامسة إن جميع المتشابهة مركبة من كلها أعني من الأربعة. وهو يبتدئ بالمعنى الأول فنقول :

إن قوما قالوا إن لهذه الأجسام الأربعة موضوعا وهيولى لها موجودة بالفعل / ؛ فبعضهم جعلها واحدا منها إما هواء وإما نارا وبعضهم جعل هذه الهيولى شيئا وسطا بين هذه الأجسام إلاّ أنها مع هذا شيء موجود بالفعل. وقوم قالوا إنه ليس لها موضوع أقدم منها. واختلافهم في هذا مثل اختلافهم في عددها؛ فإن قوما قالوا إن الأسطقسات من هذه اثنين فقط بمنزلة من قال إنها نار وأرض فقط؛

٨٨

وقوم قالوا إنها ثلاثة بمنزلة من قال إنها النار والأرض والهواء؛ وقوم قالوا إنها الأربعة بعينها بمنزلة ابن دقليس فإنه يرى أن الأسطقسات هي هذه الأربعة ، وان الكون والفساد يعرض للأمور من اجتماعها وافتراقها لا باستحالتها.

٢٦ ـ قال :

فأما القول بأن الأوائل التي عنها يلحق الكون والفساد جميع الموجودات كيف ما كان ، أعني كان اجتماعا أو افتراقا أو على وجه آخر غير ذلك واجب أن يسمى أسطقسات ومبادئ ، فذلك أمر متفق عليه. فأما كم عدد هذه المبادئ وكيف ترتيبها في التقدم والتأخر فأمر غير بيّن بنفسه فأما من جعل لهذه الأربعة الأجسام مادة أقدم منها وجعلها جسمانية وبالفعل فهو مخطئ. وذلك أن كل جسم موجود بالفعل فليس يكون خلوا من وجود المتضادة فيه وإذا لم يكن لهذا الجسم الخامس فصلا إلا أحد الفصول الموجودة لهذه الأربعة ، فهو واحد منها ضرورة وسواء فرض هذا الجسم متناهيا أو غير متناه كما يقول به قوم ، وذلك أنه يجب ضرورة أن يكون هذا الجسم الخامس إما ثقيلا وإما خفيفا وإما باردا وإما حارا.

وأما أفلاطون في كتاب طيماوس فإنه وضع لهذه الأجسام الأربعة هيولى أقدم منها ، إلاّ أنه لم يصرح في أمر هذه الهيولى هل هي موجودة بالفعل أم لا ، ولا قال في ذلك قولا بيّنا أكثر مما قال فيه إنه قابل للكل ولا استعمله في سائر الموجودات ولا أعطى سببا يظهر فيها وإنما قال إن هاهنا موضوعا متقدما على الأجسام التي تسمى الأسطقسات كما أن الذهب متقدم على الحلى الذي يصاغ من

٨٩

الذهب. ويقول إن الكائن منها إن سمي باسم الشيء الذي كان منه كان (١) قولا في غاية الصدق / كما أنه إن سمى السوار ذهبا كان ذلك حقا. وهذا الذي قال ليس يصح في الأشياء التي تتكون وإنما يصح في الأشياء التي تستحيل. وقال أيضا إن الأسطقسات تنحل إلى سطوح. وهذا منه متناقض فإنه ليس يمكن أن يكون الهيولى الأولى ، التي يسميها الموضوع ، سطوحا.

وأما نحن فإنا قد بيّنا أن لجميع هذه الأجسام المحسوسة هيولى موجودة بالقوة غير متعرية من أحد الأضداد وأن هذه الأجسام الأربعة مركبة منها ومن التضاد الموجود فيها ، ولذلك ما ينبغي أن نضع ما تبين من ذلك هاهنا فنقول.

إن المبدأ الأول لجميع الأشياء هو الهيولى الغير مفارقة الموضوعة للتضاد ، لأن الحرارة ليس يمكن فيها ان تكون موضوعا للبرد حتى تنقلب طبيعة الحر إلى طبيعة البرد ، بل ان انقلبت الحرارة برودة فواجب ان يكون هاهنا موضوع يقبلهما جميعا تارة هذا وتارة هذا. وهذا لازم في الجوهر مثل لزومه في التأثيرات. ولذلك صار المبدأ الأول ما هو بالقوة جسم محسوس ، وأما المبدأ الثاني فهو المتضادات الأول التي لا يتعرى منها الموضوع الأول ، والثالث بعده الماء والنار وما اشبههما من الأجسام المركبة من المتضادة الأولى والهيولى الأولى ، وإنما كانت هذه في المرتبة الثالثة لأنها متغيرة بعضها إلى بعض فلهذا وجب أن يكون لها أسطقسات متقدمة عليها. فاما الأسطقس المقول بالتقدم فينبغي أن يكون غير متغير أصلا.

_________________

١ ـ كان : أ ؛ فاق : ب ، م.

٩٠

وليست هذه الأجسام المسماة أسطقسات كما يقول ابن دقليس غير متغيرة بعضها إلى بعض ، ولو كان الأمر كما زعم لما كان يوجد فيها استحالة ، أعني في فصولها التي هي الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة ، فإذا كان هنالك استحالة فهنالك موضوع كما قيل فيما تقدم ، وإذا كان موضوع فثم كون وفساد. وإنما كان واجبا أن يكون هنالك موضوع لأن الأضداد لا تتغير بعضها إلى بعض.

الفصل الثاني

وقد ينبغي أن نخبر عن اسطقسات الأجسام المركبة المحسوسة من / جهة ما هي أجسام مركبة أي الأجسام هي وكم هي ويكون إخبارنا عن ذلك بطريق برهاني على ما جرت عليه عادتنا في الأشياء التي نخبر عنها ، لا بمنزلة من يضعها وضعا ويستعملها في إعطاء اسباب المركبات من غير ان يأتي ببرهان على ان فصولها هي هذه الفصول وان عددها هو هذا العدد فنقول :

إنه لما كنا نطلب أسطقسات الأجسام الملموسة من جهة ما هي ملموسة إذ كان هذا النوع من المحسوس هو الذي تشترك فيه جميع الأجسام المركبة ونحن إنما نطلب المبادي والأسطقسات المشتركة لجميع الأجسام المحسوسة فواجب أن تكون فصول الأجسام [المركبة المحسوسة] المتضادة التي هي أسطقسات لجميع الأجسام الملموسة من جهة ما هي ملموسة موجودة في هذا الجنس ، أعني في جنس الملموسات دون غيرها من المتضادات التي في غير هذه الحاسة

٩١

أعني حاسة اللمس. ولذلك ما يجب الا يكون الأسطقسات فصولها البياض والسواد أو الحلاوة والمرارة إذ كانت هذه المتضادة ليست مشتركة لجميع الأجسام. وليس لقائل أن يقول أن المضادة الموجودة في البصر أشد تقدما من مضادة اللمس إذ كان البصر أشد تقدما من اللمس ، فإنا لسنا نطلب في هذا الموضع التقدم على جهة الموضوع والعنصر وهو التقدم بالطبع.

وإذا تقرر أن المضادة التي تركبت منها الاسطقسات الأول هي من الملموسات انفسها فلنلخص اصناف المتضادات الأول التي في اللمس وننظر أي منها يليق به ان يكون فصول الاسطقسات الأول. والمتضادات الأول في اللمس فهي الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة والثقل والخفة والصلابة واللين واللزوجة والقحل والخشونة والملامسة والغلظ والرقة. فأما الثقل والخفة فلما كانا ليسا بفاعلين ولا منفعلين ، وأعني بذلك أنه لا الثقل يفعل ثقلا ولا الخفة تفعل خفة ويدل ذلك على>على ذلك<أن اسميهما ليس يدلان عليهما إلاّ من حيث الحركة فقط لا من حيث الفعل والانفعال ، وكان واجبا أن تكون / المضادة الأول التي في الاسطقسات فاعلة بعضها في بعض ومنفعلة وإلاّ لم يحدث عنها شيء ، فواجب الاّ تعد هذه المضادة في فصول الاسطقسات بما هي أسطقسات. فاما الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة فإن اسماءها الدالة عليها إنما هي عندهم من حيث الاثنان منهما فاعلتان وهما (١) الحرارة والبرودة ، والاثنتان منفعلتان وهما الرطوبة واليبوسة وذلك ظاهر من رسومهما لأن الحرارة هي

___________________

١ ـ وهو : م.

٩٢

الجامعة للأشياء المتجانسة وذلك أن النار وإن ظهر أنها تفرق وتميز شيئا من شيء فإنما فعلها ذلك من جهة الجمع المتجانس فكأنه ليس ذلك على القصد الأول وذلك أنه يلحق جميع المتجانس تفريق الغريب واما البرودة فإنها الجامعة الحاصرة التي هي من جنس واحد ومن غير جنس واحد. وأما الرطوبة فهي ما ليس له في نفسه حد يحصره لكنها سهلة الانحصار من غيرها. وأما اليبوسة فهي ماله في نفسه حد يحصره وحصره من قبل غيره عسير (١). وهذه الرسوم للحار والبارد واليابس والرطب وإن كانت ليست مما يدل عليه أسماؤها عندنا ولا هي رسوم تتنزل منزلة الأقاويل الشارحة للاسم ولا يشهد لها التسمية كما كانت عندهم في ما احسب ، فهي أمور بينة الوجود في نفسها لهذه الكيفيات ، أعني هذه الأفعال التي رسمت بها ، وهي رسوم مأخوذة من فصولها بواسطة ، ولكن اتفق لها في ذلك اللسان أن كانت أمورا مشهورة ومعقولة لشهادة التسمية لها وهي عندنا معقولة لا مشهورة فهذا أحد ما يوجب ان تكون هذه المضادة فصول الأسطقسات.

والشيء الثاني أنّا نجد جميع هذه المضادة التي هي تحت حس اللمس الفاعلة مثل الرقة والغلظ واللزوجة والقحل والصلابة واللين وما اشبهها متولدة عن هذه وراجعة إليها أما الأشياء الرقيقة اللطيفة فلما كان من شأنها ان تملأ فراغ الأشياء وأن تتشكل بسهولة بشكل الحاوي (٢) فإن بينّا من أمرها أنها سهلة الانحصار من غيرها ، وهذا

____________________

١ ـ غيره عسير : أ؛ غير العسير : ب ، م.

٢ ـ الحاوي : أ؛ الهاوى : ب ، م.

٩٣

هو حد الرطوبة المتقدم. فإذن كل رقيق رطب ، وليس كل رطب رقيقا ، / فالرقيقة من الرطوبة ، إذ كانت الرطوبة متقدمة عليها بالطبع. وإذا تبين أن اللطافة والرقة من الرطوبة فظاهر أن مقابلها الذي هو الغلظ من اليبس. واما اللزج فإنه ظاهر أيضا أنه من الرطوبة وذلك أن اللزوجة هي رطوبة [...] ما اوجب لها عسر تقسم وانفعال. فكل لزجة رطبة ، وليس كل رطبة لزجة. وإذا كانت اللزوجة من الرطوبة فظاهر أن مقابلها من اليبس وهو القحل. وذلك ايضا ظاهر من ان القحل هو ما صار من اليبس إلى غايته حتى انعقد لعدم الرطوبة. وكذلك اللين هو من رطوبة ، وذلك أن اللين هو ما كان مواتيه ، إلا أنه ليس يزول كما يزول الرطب. فكل لين رطب وليس كل رطب لينا. ولذلك كان اللين من الرطوبة لا الرطوبة من اللين ، والصلابة أيضا من اليبس إذ كان الصلب منعقدا والمنعقد يابس.

والرطب واليابس يقال كل واحد منهما على أنحاء شتى وكلها ترتقي إلى اليبوسة الأولى والرطوبة الاولى التي حددناها فاما انهما يقالان على أنحاء شتى فيدل على ذلك ان لكل واحد منهما أكثر من مقابل واحد ، وذلك أن اليابس قد يقابله الرطب ويقابله الندي. فإذن اليابس على عدد الأشياء المقابلة له وكذلك الرطب يقابله اليابس والمنعقد. وأما أن جميع هذه المتقابلات ترتقي [إلى] الأوّل منها فهو بين من أنه لما كان الندي يقابله يابس ما وكذلك المبتل ، وكان الندي هو ما في ظاهره رطوبة عرضية والمبتل ما غارت الرطوبة في عروقه ، فبيّن أن الندي ، والمبتل ، من الرطوبة الأولى. وإذا كان ذلك كذلك فاليابس الذي يقابلها من اليبوسة الأولى. وكذلك أيضا إذا كانت الرطوبة تقال على ما له في عمقه رطوبة طبيعية؛ وتقال على

٩٤

ما له في عمقه رطوبة غريبة ، وهو المبلول ، وكان المنعقد هو ما عدم هذين النوعين من الرطوبة ، فواجب إذا كان المنعقد داخلا في اليبوسة الأولى أن يكون المبتلة والرطبة داخلا في الرطوبة الأولى. فقد تبين من هذا أن جميع ما يقال عليه يابس ورطب راجع الى اليابس الأول والرطب الأول ، وأن سائر المتضادات الفاعلة / والمنفعلة في حس اللمس راجعة إلى تلك المضادات الأربع.

والاسكندر يقول انه إنما سكت عن التكاثف والتخلخل إما لانهما تحت الثقيل والخفيف وإما لانهما تحت الصلب واللين وسكت عن الخشونة والملاسة لان الخشونة تحت اليبس والملاسة تحت الرطوبة. وهذا ليس ببيان. فإن الزجاج متخلخل وصلب ، والرخام أملس وليس برطب وكذلك أيضا الزجاج متخلخل ثقيل ، والسحاب متكاثف خفيف ويشبه أن يكون إنما سكت عن التكاثف والتخلخل من قبل انهما كيفيتان غير فاعلتين وأنهما تابعتان أيضا للحرارة والبرودة ، وسكت عن الخشونة لأن الخشونة تقال بالجملة على يبوسة مفرطة في سطح الشيء الخشن والملاسة على رطوبة ما في سطحه ولذلك كانت التي تتولد في الماء يابسة ولكن ملساء. ويشبه أن يكون هذا هو الذي عناه الاسكندر. فلما كنا نجد المتضادات التي في هذا الجنس إما فاعلة ومنفعلة وإما غير فاعلة ولا منفعلة ، وكانت غير المنفعلة والفاعلة ليست يمكن أن تكون فصولا للأسطقسات ، وكانت الفاعلة والمنفعلة نجدها ترجع إلى تلك الأربع ، التي هي الحرارة واليبوسة والرطوبة والبرودة ، وكان يظهر من أمر هذه أنها ليس ترجع بعضها بعضا ، فمن البينّ أنه ينبغي أن تكون هذه الكيفيات الأربع هي فصول الأجسام الأول. وإذا كانت هذه الأربع ليس يوجد

٩٥

بعضها مفردا عن بعض وإنما توجد مركبة ، فبيّن أنه ينبغي أن يكون عدد الاجسام التي هذه صور لها على عدد التراكيب الممكنة لهذه الكيفيات الأول ولما كانت التراكيب المتولدة عنها ستة ، اثنان غير ممكنتين وهما الحار البارد واليابس الرطب ، وأربعة ممكنة وهي الحار اليابس والحار الرطب والبارد اليابس والبارد الرطب ، فبيّن أنه يجب أن يكون عدد الاسطقسات هذا العدد ، فتكون الاسطقسات أربعة : احدها حار يابس والآخر حار رطب والثالث بارد رطب والرابع بارد يابس. وهذا الذي أدّى إليه القول موافق لما يوجد بالحس في هذه الأجسام الأربعة أعني الماء والنار والهواء والأرض ، وذلك أن النار / حارة يابسة والهواء حار رطب لانه بمنزلة البخار ، والماء بارد رطب ، والأرض باردة يابسة. وإذا كان ذلك كذلك فيلزم عن ذلك أن تكون هذه الأجسام الأربعة أسطقسات ، لا بعضها دون كلها ، كما فعل ذلك كثير من القدماء. فإن الذين جعلوا هذه الأجسام الأول الاسطقسات ، اختلفوا في عددها؛ فبعضهم جعلها واحدة من هذه؛ وبعضهم اثنين؛ وبعضهم ثلاثة؛ وبعضهم الأربعة بأسرها ، وكلهم اجمع على أنه لا يوجد أكثر من هذه. فأما الذين جعلوا الاسطقسات واحدة من هذه ثم جعلوا تولد سائر الأشياء من ذلك الواحد بالتخلخل والتكاثف فقد يلزمهم ضرورة أن يقولوا بأسطقسين لانهم إذا قالوا بالتكاثف والتخلخل فقد قالوا بالحرارة والبرودة وإذا كان هناك ضدان فاعلان فهنالك منفعل وموضوع بالقوة. وأما الذين جعلوها اثنين ، كما فعل برمنيدس ، النار والارض ، فانهم جعلوا المتوسط بين هذين اثنين وجعلوهما مختلطين من الطرفين ، أعني الهواء والماء. وكذلك أيضا الذين جعلوها ثلاثة

٩٦

فإنهم جعلوا الوسط مختلطا من الطرفين وهم الذين زادوا مع النار والأرض الهواء. وجعلهم إياها ثلاثة يشبه جعل أفلاطون المبادي الثلاثة ، الصغير والكبير والواحد ، ومن جعلها اثنين متفقين في جعلهم فيها طرفين ووسطا ، إلا [أن] من جعلها اثنين تكون المتوسطة عنده اثنين ، ومن جعلها ثلاثة تكون المتوسطة عنده واحدة ، وكلهم يضعون متضادة واحدة وموضوعا لها. وأما الذين جعلوها أربعة بمنزلة ابن دقليس فإنه يردها إلى مضادة واحدة أعني إلى ضدين اثنين وذلك أنه يجعل الضد الواحد النار والثاني الباقية كلها. فكلهم لم يتجاوزوا عدد الأربعة ، وجعلوا فصولها المتضادة الملموسة ، ولذلك كانت هذه الاجسام ليست أسطقسات أولى وإنما هي مركبة لا بسيطة. والاسطقسات البسيطة هي التي منها تركبت هذه ، وهي أشياء تشبه هذه في الكيفية لا أن هذه هي تلك بعينها. مثال ذلك أن الشيء البسيط في النار إن كان يشبه النار فعلى انه شيء ناري لا نار والشيء البسيط في الهواء إن كان يشبه الهواء فعلى أنه هوائي لا هواء / وكذلك الامر في سائرها.

٢٧ ـ قال :

ولما كانت النار هي الغاية في الحرارة والجليد هو الغاية في البرودة ، إذ كان الغليان للنار والجمود للجليد ، والغليان والجمود نهايتان في البعد ، فواجب أن يكون الجليد هو ضد النار. فإذا كان الجليد جمود رطب بارد فواجب أن تكون النار غليان حار يابس. ولكون هذين في الغاية لم يتولد عن واحد منهما شيء أصلا أعني الجليد والنار والاسكندر يقول إن هذا إنما يوجد للنار التي هاهنا ، وأما النار التي في نهاية المحيط فليست تلك في غاية الحرارة والغليان تلخيص الكون

٩٧

ولذلك كانت النار أكثر الاسطقسات سببا للتوليد وفي هذا نظر وسنفحص عنه (١).

١٢٨ ـ قال : ولما كانت الأجسام البسيطة أربعة فإن اثنين منها من طبيعة الخفيف وهما الهواء والنار ، واثنين منها من طبيعة الثقيل وهما الماء [والأرض. فالخفيف الذي في الغاية هو النار ، والثقيل الذي في الغاية هو الأرض ، والماء] والهواء اللذان بينهما في طبيعة المتوسط. وكان أيضا واحد واحد من الخفيفين ضد واحد واحد من الثقيلين ، فضد النار الماء وضد الهواء الأرض ، وذلك أن كل واحد من هذين يتضادان بالكيفيتين اللتين بهما يتقومان ، والغير متضاد بكيفية واحدة ، ويخص كل واحد من هذه الأربعة أنه ينسب إليه أحد هذه الكيفيات الأربعة على الإطلاق ، وتوجد فيه في الغاية ، فالأرض هي في اليبوسة أولى منها بالرطوبة ، والماء بالبرد أولى منه بالرطوبة ، والهواء أولى بالرطوبة منه بالحرارة ، والنار أولى بالحرارة منها باليبوسة ، ولهذا السبب صارت الأجسام الأولى أربعة.

الجملة الثانية

وهذه الجملة فيها فصول أربعة :

الفصل الأول يبين فيه أصناف تكوّن هذه الأسطقسات الأربعة

___________________

١ ـ حال إلى هذا الفحص في شرح السماء والعالم ، وفي التلخيص وفي تلخيص الآثار العلوية.

٩٨

بعضها من بعض ، إذ قد تبين أنها متكونة بعضها من بعض.

الفصل الثاني يبين فيه أنه ليس لها موضوع بالفعل لا منها ولا خارجا اقدم منها وهو الرأي الذي حكاه أولا عن القدماء.

الفصل الثالث يبين فيه أنه ليس يمكن أن يكون منها واحدا أو اكثر من واحد بمنزلة المبدأ لسائرها في الكون ، أعني أن يكون منه سائر الباقية ولا يكون هو من شيء منها / بل الكون فيها دائر.

الفصل الرابع يعاند فيه الذين يقولون إنها ليس تتغير بعضها إلى بعض وهم أشهر ذلك آل ابن دقليس ، ولذلك يجعل قوله مقابل قولهم ويعدد المحالات التي تلزمهم في هذا القول في جميع الأمور العرضية.

الفصل الأول

٢٩ ـ قال :

ولما كان قد تبين في الثالثة من السماء والعالم أن هذه الأجسام البسيطة يتكون بعضها من بعض ، وإلاّ لما كان يوجد لا كون < ولا > فساد ، ومع ذلك فتكونها وفسادها ظاهر للحس ، وذلك ان تكونها وفسادها إنما هو في الفصول المدركة لحس اللمس فقد ينبغي أن نخبر عن جهات تكوّن بعضها عن بعض. وأولا هل كل واحد منها يتكون عن كل واحد أم بعضها يمكن ذلك فيه وبعضها لا يمكن فيه وهو ظاهر أنه يجب أن يكون كل واحد منها يتكون من كل واحد ، وذلك أنه يجب في الأضداد ان يتكون بعضها من بعض وأن يتغير

٩٩

بعضها إلى بعض على ما تبين من أمر الأشياء الفاعلة والمنفعلة ولما كان كل واحد منها يوجد لها تضاد عند كل واحد منها إذ كانت فصولها إنما هي في التضاد؛ فمنها ما يضاد بعضها بعضا بالفصلين اللذين بهما تقومت ، مثل النار والماء فإنهما يتضادان بالرطوبة واليبوسة والحرارة والبرودة ، ومثل الهواء والأرض يتضادان بالرطوبة واليبوسة والبرودة والحرارة؛ ومنها ما يتضاد بأحد فصليهما اللذين يقومانها مثل الهواء والنار فإنهما يتضادان باليبوسة والرطوبة فقط مثل النار والأرض فإنهما يتضادان بالبرودة والحرارة فقط وكذلك الماء والأرض يتضادان بالرطوبة واليبوسة فقط. وإذا كان كل واحد منها يضاد كل واحد ، فواجب أن يتكون كل واحد منها من كل واحد وإذ قد تبين أن كل واحد منها يتكون عن كل واحد ، فقد يوقف بسهولة على جهات تكوّن بعضها من بعض ، فنقول إن هذه الاسطقسات الأربع لما كان منها ما تشترك في فصل وتتضاد في فصل ، وهذه هي المتتالية؛ ومنها ما يتضاد في فصلين وهذه هي الغير / متتالية مثل النار والماء والهواء والأرض ، فواجب (١) أن يكون الكون والفساد فيها على نوعين : اما بين التي تتضاد بفصل واحد فبفساد مضادة واحدة ، مثال ذلك ان النار إنما تتكون هواء بأن يفسد منها اليبوسة فقط وتبقى الحرارة ، وهذا أسهلها تكونا إذ كان الفساد فيها في مضادة واحدة؛ واما التي تتضاد بفصلين فبفساد ذينك الفصلين ، مثال ذلك أن النار إنما تتكون ماء بفساد الحرارة إلى البرودة واليبوسة إلى الرطوبة ، وهذا هو أعسر الكونين فسادا إذ كان في فصلين متضادين. ولما كان

___________________

١ ـ فواجب منّي ؛ ويجب : من الأصل.

١٠٠