تلخيص الكون والفساد

أبي الوليد محمد بن رشد الحفيد

تلخيص الكون والفساد

المؤلف:

أبي الوليد محمد بن رشد الحفيد


المحقق: جمال الدين العلوي
الموضوع : الفلسفة والمنطق
الناشر: دار الغرب الإسلامي ـ بيروت
الطبعة: ١
الصفحات: ١٥١

متأخر عن التماس الحقيقي الذي يوجد في الامور الطبيعية ، وذلك أنه قد قيل في السماع في حدّ المتماسين أنهما الجسمان اللذان نهايتهما معا. ولما كان معا هو وضع للاجسام التي هي معا ومن ضرورة الوضع المكان ، كان المتماسان ضرورة في مكان. ولما كانت انواع المكان الأول هي الفوق والاسفل ، فالاشياء المتماسة هي ضرورة إما فوق وإما اسفل. ولما كان ما هو اسفل او فوق ثقيلا او خفيفا ، فالاشياء المتماسة هي ضرورة ما كان لها ثقل او خفة ، إما لكليهما واما لواحد منهما. وبيّن ان الاجسام التي بهذه الصفة فاعلة بعضها في بعض ومنفعلة ، واذا كان هذا هكذا فالمتماسان بالحقيقة او التي شانها التماس هي الاجسام التي نهاياتها معا وهي فاعلة بعضها في بعض ومنفعلة بعضها عن بعض. والمحرّك قد يظن به أنه مساوي للفاعل والمتحرك للمنفعل قالوا وذلك انه لما كان المحرك يوجد على صنفين صنف يحرك بان يتحرك وصنف يحرك بان لا يتحرك ، والفاعل أيضا يوجد بهاتين الصفتين وجب أن يكون كل محرك فاعلا وكل فاعل محركا وليس الامر كذلك بل المحرك اعم من الفاعل وذلك أن الفاعل هو ما فعل اثرا او كيفية / اعني استحالة. وذلك واجب من قبل أن الفاعل مقابل للمنفعل ، والمنفعل انما هو من الاستحالة ، واما كل محرك فليس يلزم فيه ان يفعل استحالة. وإذا كان التماس بالحقيقة انما هو في الفاعلة المنفعلة فبعض المتحركات يماس وبعضها لا يماس. الا ان التماس ايضا من الامور الطبيعية قد يقال بعموم وخصوص؛ فإذا قيل بعموم قيل

٦١

على الجسمين اللذين نهاياتهما معا ، واحدهما شأنه التحريك والآخر شأنه التحرك اي نوع من التحريك كان؛ وإذا قيل بخصوص قيل على ما شأن احدهما الفعل وشأن الآخر الانفعال. وهذه ايضا تقال بعموم وبخصوص؛ فإذا قيلت بعموم قيلت على ما شأن احدهما ان يفعل والآخر أن ينفعل؛ وإذا قيلت بخصوص قيلت على كل ما يفعل كل واحد منهما في صاحبه وينفعل عنه الآخر وهذا هو التماس بالمعنى المتقدم على جميعها. وهو ظاهر في الأشياء التي لدينا ، ولذلك قد يمكن ان يقال أن كل ما يماس من الاجسام الطبيعية فهذه حالها ، وليس كذلك. فإن الجسم السماوي يماس ما لدينا بأن يفعل فيما لدينا ولا ينفعل. وإذا كان الامر هكذا فإنما نقول في الجسم السماوي انه يماس بالمعنى الأول وهو ان يكون احدهما شأنه الفعل والآخر شأنه / الانفعال لا الفعل. لكن لما كانت الأشياء المتجانسة اعني التي موضوعها واحد لا يفعل الا بأن ينفعل ، ظن بجميع الأشياء أنها هكذا. فقد بان من هذا القول أن التماس على الحقيقة انما هو في الأشياء التي ينفعل كل واحد منها عن صاحبه ، وانه ان كان هاهنا شيء فاعل وهو غير منفعل فالمنفعل ممسوس ، والفاعل لا يقال فيه ماس الا بضرب من الاستعارة مثل قول القائل «قد مسني الضر» ، وذلك أن التماس لما كان من الامور المضافة ، وجب أن يدل بالحقيقة على أن كل واحد منهما ماس وممسوس. فهذا هو معنى المس في [الامور] الطبيعية.

٦٢

الجملة السابعة

وهذه الجملة تنقسم قسمين :

الأول : / يخبر فيه ما هي الأشياء الفاعلة والمنفعلة وفي اي جنس من الموجودات توجد.

والثاني : يخبر فيه كيف يكون الفعل والانفعال.

القسم الأول

١٨ ـ قال :

إن الذي اخذناه عن القدماء في تعريف طبيعة الأشياء الفاعلة / والمنفعلة قولان متضادان. فأما القول الواحد وهو الذي قال به اكثرهم فهو أن الأشياء الفاعلة والمنفعلة هي الأشياء المتضادة. المختلفة لا الأشياء الشبيهة. قالوا لان الأشياء اما أن تكون متضادة او متشابهة ، فأما الأشياء المتشابهة فإنه ليس يمكن أن يفعل بعضها في بعض ، ولا أن ينفعل بعضها عن بعض لانه ليس احدهما اولى من ان يفعل في صاحبه من الآخر ولا احدهما اولى ان ينفعل من الآخر. قالوا فإن اعترضنا معترض ، وقال انا نجد النار الكبيرة تطفئ الصغيرة وهما متشابهان فقد فعل احدهما في الآخر ، قلنا له أن ذلك من قبل المضاد والموجود لها في الكم فإن الكبير ضد الصغير. واما القول الثاني الذي هو نقيض هذا فقد قال به ديمقراطيس وحده وهو أن الأشياء الفاعلة المنفعلة هي

٦٣

شبيهة ، قال والدليل على ذلك أنه لا يجوز في الأشياء المختلفة المتضادة أن ينفعل بعضها عن بعض فإن الضد لا يقبل ضده ، مثال ذلك لا تقبل الحرارة البرودة ولا البرودة الحرارة. وإذا لم تنفعل الاضداد بعضها عن بعض فالاشياء المنفعلة هي المتشابهة المتفقة.

١٩ ـ قال :

فهذا ما أخذناه عن القدماء من هذين الرأيين المتناقضين والدليلين اللذين يتعللوا بهما. والسبب بهذا التناقض انه لم يلحظوا الأمر من جميع جهاته بل لحظوا هؤلاء الامر من جهة وهؤلاء من جهة ، ولذلك قول الواحد منهما صادق بالجزء وكاذب بالجزء. وذلك أنه إذا تؤمل الامر بالاقاويل البرهانية وجد أن الشيء يلزم أن يفعل في الشيء من جهة ما هو ضد وأن ينفعل عنه الشيء من جهة ما هو شبيه ، وذلك أنه ليس يمكن أن يفعل الشيء في احدهما في الشيء من جهة ما هو شبيه فإنه كما قال القدماء / ليس احدهما أولى بان يفعل في صاحبه من الآخر. ولو وجد الشبيه يفعل في شبيهه لكان الشيء يفعل في نفسه. ولو كان ذلك كذلك لم يكن هاهنا شيء غير فاسد ولا متحرك لان كل شيء يحرك ذاته ويفسد ذاته. وإذا لم يفعل الشيء بما هو شبيه فهو ضرورة يفعل بما هو مخالف ، وكذلك يظهر انه لا ينفعل الشيء من جهة ما هو مخالف وأنه لو انفعلت الأشياء المختلفة بعضها من بعض لا نفعل كل شيء [عن كل شيء] ، وهو ظاهر أنه لا ينفعل كل شيء عن كل شيء ، فإنه لا / يمكن أن ينفعل البياض عن الخط ولا الخط

٦٤

عن البياض الا بالعرض ، مثل ان يتفق ان يكون الخط اسود ، وإذا كان ذلك كذلك فالشيء إنما ينفعل بما هو شبيه. فقد تبين لنا من هذا أن الفاعل والمنفعل هو من جهة شبيه ومن جهة مخالف ، وإذا تأملنا الأشياء الفاعلة والمنفعلة ظهر لنا أنها اضداد ، فإنه ليس يخرج الشيء شيئا عن طبعه الا أن يكون [ذلك الشيء] له ضدا ، ولذلك لم يمكن اي شيء اتفق أن ينفعل عن اي شيء اتفق. فإذا كانت الأشياء الفاعلة والمنفعلة هي أضداد ، وكانت الاضداد متشابهة بالجنس اذ كانت واحدة ومختلفة بالنوع ، فواجب أن تكون الأشياء الفاعلة والمنفعلة متشابهة بالجنس مختلفة بالنوع. فأما أن الفاعلة والمنفعلة هي اضداد فذلك ظاهر بالقول كما تقدم ، وبالاستقراء ، وذلك أن الجسم إنما شأنه أن يقبل التأثير من جسم مضاد له مثل تكوّن النار عن الهواء وكذلك الطعم عن طعم مضاد له ، واللون عن لون أيضا مضاد له والسبب في القبول هو الجنس المشترك لهما ، وفي الفعل هو الضدية. وليس الصدق موجودا في هذه القضية المأخوذة هاهنا اعني القائلة إن الأشياء الفاعلة المنفعلة هي اضداد ، بل وعكسها يظهر ايضا انه صادق وذلك انه إذا وضعنا ان الاضداد متفقة بالجنس مختلفة بالنوع [وان المتفقة بالجنس المختلفة بالنوع] فاعلة ومنفعلة ينتج لنا من ذلك أن الاضداد وما بينها < يليها > هي الفاعلة والمنفعلة. وهذا البيان وان كان لا يفيد بذاته تصديقا على الاطلاق اذ كان بيانا (١) بالدور ، فقد يفيدنا كما

_________________

١ ـ بيانا : أ؛ بينا : ب ، م.

٦٥

يقول الاسكندر تصديقا ما. وكون الاضداد / فاعلة منفعلة يظهر من الضدية الموجودة في الأشياء هي سبب كونها بالجملة وفسادها ، ولذلك كانت النار تسخن والثلج يبرد ، وبالجملة كلما كان الفاعل والمنفعل ضدا من جهة وشبيها من جهة لزم ضرورة ان يكون هذا يفعل وهذا ينفعل والا لم يكن هنالك كون ولا فساد. ولما لم يهتد القدماء لهذا المعنى بجملته كان ما اهتدى اليه احد الفريقين شبيها / بما اهتدى اليه الفريق الآخر منه ، والذي غلّطهم ان الناس قد ينسبون الفعل الى موضوع الضد لا الى ضد ، ولما كان الموضوع هو الشبيه ظن هؤلاء من هذه الجهة أن الفاعل شبيه ، وكذلك قد ينسبون الانفعال [للضد ويقولون أن الضد يسكن ومن هذه الجهة قالوا أن الانفعال] للاضداد.

٢٠ ـ قال :

وينبغي أن تعلم أن الفاعل ايضا ضربان كما أن المحرك ضربان وذلك أن في كل واحد منهما اول واخير وكما ان المحرك الأول قد يمكن أن يكون غير متحرك بل قد تبين < محرك > وجوب ذلك في الامور الطبيعية ، < وهو > (١) المحرك الاخير لا بد أن يكون (٢) متحركا ، كذلك الفاعل الأول قد يجب أن يكون غير منفعل أصلا سواء كان في صناعة او طبيعة ، مثال ذلك ان

___________________

١ ـ وهو : أ.

٢ ـ يكون : أ.

٦٦

الابدان تنفعل عن صناعة الطب من المرض إلى الصحة ، وليست تنفعل صناعة الطب بهذا الانفعال ، اذ كان الطب هو فاعلا اولا واما الغذاء او الدواء الذي به يفعل الطب الصحة في البدن فهو ينفعل ويفعل. والسبب في ذلك هو الهيولى ، فانه اي فاعل لم يكن هيولاه وهيولى المنفعل واحدة بعينها ، فواجب الا يكون ينفعل بذلك النوع الذي به يفعل. والفاعل فإن هيولاه وهيولى المنفعل واحدة بعينها ، فواجب فيه أن ينفعل عن الذي يفعل فيه. واعني بالهيولى الواحدة التي هي قابلة للضدين على مثال واحد ، اعني الهيولى التي تقبل الحار مثلما تقبل البارد ، فالصناعة لما كانت هيولاها غير هيولى الصحة لم تنفعل عن المرض وذلك أن المرض هيولاه الاخلاط الأربعة / والطب هيولاه النفس. واذا كان الفاعل الأول واجبا فيه الا ينفعل ، فواجب أن يكون في غير هيولى المنفعل ، وهذا الامر في الفاعل الأول ، اعني الجرم السماوي ، فإنه في موضوع مغاير للموضوع الذي فيه الامور المنفعلة وإن وجد هنا / فاعل هو في غير مادة اصلا فواجب فيه الا ينفعل ولا شيء من ضروب الانفعال لا بالذات ولا بالعرض اذ قد ظهر ان الهيولى هي سبب الانفعال. أما الانفعال المتشابه فسببه الهيولى الواحدة. فاما الانفعال المتغير فسببه تغاير الهيولى. والسبب الفاعل يشبه بوجه ما السبب المحرك ويغايره بوجه ما على ما قلناه ، واما السبب الفاعل فهو بما هو فاعل غير السبب الذي من أجله يفعل الفاعل وهو الصورة ولذلك ان قيل اسم السبب عليهما فباشتراك الاسم. وذلك ان الفرق بين السبب

٦٧

الفاعل والسبب الصوري وإن كانا (١) واحدا بالنوع ، فإن السبب الفاعل إذا حصل وجدت الصورة وحدها في المنفعل ، والصورة إذا وجدت ليس يحدث عنها في المنفعل شيء. وأما السبب الهيولاني فهو يخالف هذين بأنه القابل للصورة مثل قبول المادة الاولى لنارية النار. فإن كانت هاهنا صورة مفارقة ، كأنك قلت الحرارة مفارقة وإن كان ليس يمكن ذلك في الحرارة بما هي حرارة ، فواجب ان تكون فاعلة غير منفعلة بضرب من ضروب الانفعال والا يكون لها سبب فاعل الا باشتراك الاسم.

القسم الثاني

وهذا القسم فيه ثلاثة فصول :

الفصل الأول : يخبر فيه بمذاهب القدماء في أسباب الفعل والانفعال وفيما يناسب ذلك ويقايس بين مذاهبهم في التغايير الطبيعية بحسب أصولهم.

الفصل الثاني : يرد فيه (٢) على القائلين بالاجزاء التي لا تتجزأ بحسب ما يحتاج اليه في هذا القول.

__________________

١ ـ كانا : أ؛ كان : ب ، م.

٢ ـ منى؛ به : ا ، ب. م.

٦٨

الفصل الثالث : يخبر فيه بالسبب الذي من جهته كان الفعل والانفعال يوجد للامور الطبيعية.

الفصل الأول

٢١ ـ قال :

إن بعض القدماء قالوا إن الانفعال إنما يكون في الأشياء الموجودة من جهة ان فيها ثقبا ينفذ فيها الفاعل الاخير. قالوا وبهذا الوجه كان انفعال سائر الحواس ، وذلك انا انما نبصر بأن ينفذ البصر في الهواء وفي الماء وفي الاجرام المشفة / وذلك في الثقب الموجودة فيها. وهذه الثقب لا ترى لصغرها ، وهي متراصة منظومة معتدلة ، وهي أكثر فيما كان من الاجسام اكثر شفافة. فقوم ذهبوا هذا المذهب في اعطاء سبب [بعض] الأشياء التي تظهر في الامور الطبيعية / ، وذلك ان الثقب عندهم هي سبب الانفعال وسبب المخالطة ، وسبب النمو. وممن ذهب هذا المذهب ابن دقليس وهؤلاء لم يسلكوا سبيلا واحدا في اعطاء اسباب جميع ما يظهر في الموجودات الطبيعية من سائر التغايير مثل الكون والفساد والاستحالة ، وإن الثقب ليس يمكن أن تكون سببا لهذين التغيرين أعني الكون والاستحالة. وأما الذين سلكوا في ذلك سبيلا واحدا وراموا اعطاء ذلك من جهة واحدة فهم آل لوقيس وآل ديمقراطيس القائلون بالاجزاء التي لا تتجزأ فإن هؤلاء جعلوا نظرهم من الامور المحسوسة وهي المبادي

٦٩

التي هي على المجرى الطبيعي للناظرين وراموا ان يعطوا اسباب ما يظهر فيها من قبل اعتقادهم في الاسطقسات انها اجسام غير منقسمة. واطرد لهم / ذلك في جميع الأشياء لو كان الامر على ما ظنوا في الاسطقسات. وأما قوم أخر وهم آل برميندس وآل ما ليس فجحدوا الامور المحسوسة وجعلوا المبادي مما خيل لهم. فقالوا ان الموجود كله واحد وانه غير متحرك. والقول الذي حركهم الى هذا الاعتقاد هو هكذا : قالوا ان كان الموجود متحركا او كثيرا فهنا ضرورة خلاء [موجود وذلك ان المتحرك ليس يمكن فيه [...] لم (١) يكن له خلاء يتغير فيه وكذلك أيضا [...] لا يمكن أن تكون موضوعا] موجودا ما لم يكن خلاء. قالوا وسواء كانت الأشياء الكثيرة منفصلة بعضها من بعض او متماسة او كثيرة بقبول الانقسام فإن كل واحد من هذه يلزم وجود الخلاء ، وذلك أن المنفصلة إنما انفصلت بالخلاء الذي بينهما. وكذلك المماسة إنما لم تتصل لوضع الخلاء الذي بينهما. قالوا واما المتصل فليس يمكن أن ينقسم حتى يكون كثيرا ما لم يكن كله خلاء ، وذلك ان المتصل ان كان منقسما فهو منقسم بكليته ، وذلك ان القول بأنه منقسم في البعض وغير منقسم في البعض خارج عن القياس ، فإنه لا سبيل ان يقال اي جزء هو منقسم [وأي جزء هو غير منقسم] ، ولا ان يقال انما صار هذا منقسما بأنه / خلاء وهذا غير منقسم ، بأنه ملاء ، وإن كان منقسما بكليته لم يبق منه شيء غير منقسم ، فوجب ان يكون كله

__________________

١ ـ في الأصل : لا.

٧٠

خلاء وألا يكون هنالك كثرة لانه إذا لم يكن هنالك آحاد منقض إليها لم تكن هنالك كثرة. لكن الخلاء غير موجود فالكثرة والحركة غير موجودة. فهؤلاء قد تركوا ما يوجد حسا لامثال هذه الحجج لانهم رأوا أن القياس أولى بأن يتّبع من الحس. ولذلك قال بعضهم أن الكل غير متناه لانه لو تناهى الكل لكان هنالك خلاء يتناهى اليه. وترك ما يوجد حسا لأمثال هذه الأقاويل أشبه بالجنون ، بل نقول أن المجنون لا يبلغ من جنونه ان يرى ان النار والجمر واحد ، بل مقدار ما يعتري المجنون من ذلك ان يظن بالأشياء التي هي قبيحة بحسب العادة انها ليست بقبيحة ، وبما هو جميل ، انه ليس بجميل وانه ليس بين امثال هذه فرقا للخفاء الذي في هذا الجنس ، لا ان يظن ذلك في المحسوسات انفسها. واما لوقيس فإنه وافقه على صحة اتصال المتقدم بالتالي في قياسهم ، وهو أنه إن كانت الحركة والكثرة موجودة فالخلأ موجود ، وخالفهم في المستثنى ، وذلك أن القائلين بأن الموجود واحد استثنوا مقابل التالي ، وهو أن الخلاء غير موجود فانتج لهم مقابل المقدم.

٢٢ ـ قال :

وأما لوقيبس فإنه استثنى ما هو ظاهر للحس وهو المقدم فانتج ان الخلاء موجود. ولذلك ظن أن عنده أقاويل في إعطاء أسباب هذه الأشياء لا يبطل معها لا الكون ولا الفساد ولا الحد فهو [كذا] لا الكثرة ولا شيء من الامور المحسوسة. ولما وافقهم

٧١

بعض الموافقة في الأشياء التي انتجوا منها أن الخلاء غير موجود وهو قولهم الخلاء ليس هو شيئا موجودا ، وليس شيء من الموجودات انه يقال فيه أنه ليس هو شيئا [موجودا] قال ان الواحد بالتحقيق هو ما لا يكون فيه خلاء وكان ملاء كله وهي الأجرام الغير منقسمة.

قال وذلك انه لا يمكن ان يكون من الواحد بالحقيقة كثرة وليس يمكن ايضا ان يكون من الكثرة واحد بالحقيقة. ولذلك / الموجود عنده ليس بواحد بالحقيقة ، بل فيه أجزاء غير متناهية جائلة في الخلاء ، الا أنها تخفى (١) لصغرها (٢) فمن هذه الجهة فقط وافق لوقيبس / من يقول بأن الموجود واحد ، واما في غير ذلك فهو في عين المخالفة. واما سبب الكون والفساد والفعل والانفعال والنمو والاستحالة فلو قيس يواجبه من قبل وجود الاجرام الغير منقسمة جائلة / ومتحركة في الخلاء فيقول ان هذه الاجزاء إذا اجتمعت وتشبكت فعلت الكون ، واذا تشتتت فعلت الفساد ، واذا تماست وتلاقت من شيئين كان الفعل والانفعال ، وإذا تبدل ترتيبها ووضعها فعلت الاستحالة ، وإذا تداخلت فعلت النمو. ووجود الخلاء عنده واجب بين هذه الاجزاء متلاقية كانت او مشتتة. ولذلك ليس الواحد عنده على الحقيقة الا الجرم الغير المنقسم. وبالجملة كما أن أولئك يعطون اسباب الفعل والانفعال والنمو من جهة الثقب كذلك يعطيها هذا من قبل

__________________

١ ـ تحفر : أ.

٢ ـ صغرها : ب ، م ، أ.

٧٢

الاجزاء الغير منقسمة ووجود الخلاء. والقائلون بالثقب يكاد أن يلزمهم القول بالاجرام التي لا تنقسم لأنه إذا لم تكن الثقب في الجسم كله لانه حينئذ كان يكون كله خلاء فواجب ان تكون الاجرام التي بين الثقب المتلاقية غير منقسمة ، فإنه لا فرق فيما بين المذهبين الا ان الذي بين هذه الاجرام هو عند لوقيس خلاء وعند هؤلاء ثقب مملوءة من اجسام الطف. فيكاد ان يكون مذهب الفريقين من الفعل والانفعال متقاربا. الا ان لوقيس اقدر على ان يأتي باسباب جميع التغايير من اصوله التي بنى عليها مذهبه. واما غيرهم فدونهم في ذلك وذلك انه ليس يبين من قول ابن دقليس بحسب اصوله الجهة التي بها يكون الكون والفساد والاستحالة لجميع الموجودات الطبيعية ، وذلك ان أولئك يجعلون ان كون الاجسام الأربعة المسماة اسطقسات من الاجرام الغير منقسمة ويجعلون السبب في اختلاف هذه الاجسام هو اختلاف الاجرام الغير منقسمة التي منها تركبت في الشكل. واما ابن دقليس فانه يقدر ان يوفي سبب الكون والفساد في غير هذه الاجسام الأربعة بأن يقول انها تنحل الى هذه الاجسام ، فاما كون هذه الاجسام وفسادها فليس يمكنه [ان يأتي فيها] بشيء ، ولذلك جحد كيفها اذ ليس يقول ان هاهنا اسطقسا اقدم منها / لا من النار ولا من غيرها كما يقدر ان يقول بذلك من جعل اسطقسا اقدم منها مثل لوقيس وافلاطون. الا ان الفرق بين مذهب افلاطون ولوقيس يوجد في ثلاثة أشياء احدها ان الغير منقسم عند افلاطون هي السطوح ، والغير منقسم عند لوقيس الاجسام؛

٧٣

والثاني ان اشكال غير المنقسمة عند افلاطون متناهية ، وعند لوقيس غير متناهية؛ والثالث ان افلاطون ليس يدخل الخلاء ، ولوقيس يدخله؛ وكلاهما يقول بالتماس الا انه ليس الخلاء من ضرورة التماس عند افلاطون.

الفصل الثاني

فاما ان السطوح الغير منقسمة ليست اسطقسات للاجسام الطبيعية فقد تكلمنا في ذلك في غير هذا الموضع ، يعني في الثالثة من [السماء] والعالم واما انه ليس هاهنا اجسام غير منقسمة فإنّا ندع الإمعان في النظر في ذلك في هذا الموضع وانما نتكلم فيها بيسير من القول وبحسب ما تدعو اليه الجهة التي منها يقولون انها سبب الفعل والانفعال فنقول :

إنه قد يلزمهم ضرورة ان يقولوا في كل واحد من الاجرام الغير منقسمة انها غير قابلة اثرا اصلا ، ولا فعلا ولا انفعالا ، وذلك انه لما كان سبب الانفعال والفعل عندهم انما هو الخلاء المبثوث في الاجرام المركبة من هذه ، وكانت هذه الاجرام ملاء غير خلاء ، فواجب / بحسب هذا الاّ تفعل فعلا ولا انفعالا من الانفعالات الموجودة في الاجسام المركبة منها حتى لا يمكن ان يكون منها شيء بارد ولا صلب ولا ذي كيفية من الكيفيات. لكن ان كان ذلك كذلك ، وكانت هي بذاتها ومفردها لا تقبل الانفعال ولا الفعل ، ولا الخلاء ايضا فيه انفعال ، فإذن ليت شعري ما يكون سبب الانفعال؟ فهذا هو احد الشناعات التي

٧٤

تلزمهم إن وضعناها غير قابلة للتأثير. / وايضا قد يلزم عن اقاويلهم شناعة اخرى ، وهي ان تكون قابلة للانفعال فإنهم يجعلون ان الكرية منها احرى ، فيلزمهم ان كانت الحرارة تخص الشكل الكري أن تكون البرودة تخص شكلا آخر إذ كانت ضد الحرارة ، / فإنه إذا وجد الضد في جنس ما لزم ان يوجد فيه هذه ، وإذا وجدت الحرارة والبرودة فيها وجب وجود الثقل والخفة والصلابة واللين إذ كانت هذه الكيفية يظهر من امرها انها اشد تقدما في وجود الاجسام من تلك اذا وجد الثقل وجد الحار ، وإذا وجد الأحرّ وجد الفعل والانفعال ، فإن الأكثر حرارة يجب ضرورة ان يفعل في الاقل حرارة ، وايضا ان كان هاهنا صلب فهنا لين. وإنما يقال في الشيء انه لين اذا كان يتطامن [كذا]. فيلزمهم على هذا اذن أن يقبل الانفعال عن غيره وذلك خلاف ما يرون ، فكيف ما وضعوا الامر فيها لزمهم المحال المتقدم ، وذلك انهم ان وضعوها غير قابلة للانفعال ، لزم الا تكون سببا للانفعال ، وإن وضعوها قابلة للانفعال ، لزم أن تكون سببا للانفعال ، ويلزمهم من نفس وضعهم ان تكون قابلة غير قابلة كما قلنا ، وذلك ان من وضعهم ان فيها شكلا وحرارة يلزمهم أن تكون قابلة للانفعال ، ومن وضعهم أنها غير منقسمة يلزمهم الا تكون قابلة لانفعال واحد ولا لاكثر من واحد ، وذلك انه ان قبلت الانفعال فإما ان تقبل واحد واحد منها انفعالا يخصه كانك قلت لهذا صلبة ولهذا حرارة ، وإما ان يقبل الواحد منها اكثر من انفعال واحد؛ فإن قبل واحد واحد منها انفعالا لزم الا يكون طبائعها

٧٥

واحدة ، وإذا اختلفت طبائعها فهنالك شيء به تختلف وتتفق فهي منقسمة ، وإن قبلت منها أكثر من واحد لزم أن تكون منقسمة ، لان الانفعالات عندهم إنما تختلف من جهة وضع الاجزاء وترتيبها وهذا شيء لازم لمن قال بسطوح غير منقسمة وأجرام غير منقسمة أعني الا تقبل تخلخلا ولا تكاثفا ولا غير ذلك من الكيفيات ما لم يكن فيها خلاء ، وكلا الفريقين ليس يضعون فيها خلاء ، فأما أصحاب السطوح فينفون وجوده جملة ، وأما أصحاب الاجزاء فينفونه عن الأجزاء. فكلا الوضعين يلزمهم من أقاويلهم نقيضه ، أعني أنهم إن وضعوها غير قابلة الآثار لزمهم أن تكون قابلة من قوله ، وإن وضعوها قابلة / لزمهم أيضا من قولهم أن تكون غير قابلة ، وإذا لم يمكن أن تكون لا قابلة ولا غير قابلة فوجودها محال. وأيضا فمن الفضل اشتراطهم الصغر فيها إذا كانت بطبيعتها غير منقسمة.

فأما نحن ، إذ نعتقد أن الانقسام موجود للجسم فقد يكون الصغر عندنا سببا لعسر الانقسام ، لكن بالعرض ، والكبر سببا لسهولة الانقسام إذ كان الكبير يلقى من الفعل أكثر مما يلقى الصغير. وبالجملة فهم لا يقدرون / أن يقولوا لم صارت الصغار اولى بعدم الانقسام من الكبار وايضا فقد نسالهم هل تلك الاجزاء المصمتة طبيعتها كلها واحدة ام تفترق بفصول محسوسة ، كأنك قلت بعضها أرضية وبعضها نارية ، فإن كانت طبيعتها كلها واحدة فما بالها إذا تلاقت الا تصير واحدة مثلما يعرض في جميع الاجسام المتشابهة الاجزاء مثل الماء إذا لقى< من > ماء ، والنار إذا لقيت نارا؛ وإن كانت تختلف بفصول فكم هي تلك الفصول وما هي ، فإن هذه الفصول إن كانت واحدة [موجودة] فهي أحق أن تكون مبدأ واسطقسا لما يحدث

٧٦

من الأشكال ؛ وايضا إن كانت مختلفة بهذه الفصول فقد يلزم أن يفعل بعضها في بعض وينفعل بعضها عن بعض؛ وأيضا إن كانت متغيرة في المكان كما يرون ذلك أو أي صنف اتفق لها من أصناف التغير فلها ضرورة مغير ، فإن كان كل واحد منها يغير نفسه فإما أن يكون منقسما حتى يكون المغير فيه غير المتغير وإما أن يكون غير منقسم فيكون المغير نفسه هو المتغير / فيجتمع الضدان في شيء واحد بعينه ويكون القابل لهما واحدا بالعدد والقوة ، وذلك أن السبب في أن الضدين طبيعتان متباينتان هو أن الموضوع لهما اثنان بالقوة ، وإنما هو اثنان بالقوة من جهة ما هو مركب ، فلو كان بسيطا لكان واحدا بالعدد والقوة ، ولو كان الموضوع لهما واحدا بالقوة لكان الضدين طبيعة واحدة بعينه فكان يجب اجتماعهما. فهذه جملة ما يعاند به في هذا الموضوع القائلين بالاجرام الغير منقسمة.

وأما القائلون بالثقب فإنه عاندهم هكذا : وذلك أن الجسم إن كان / ينفعل من قبل الثقب ، أعني من قِبَل أن الجسم الفاعل ـ كما يضعون ـ يدخل في الثقب ، فلا يخلو ذلك من أحد قسمين إما أن يكون ذلك والثقب مملوءة ، وإما أن يكون والثقب فارغة. فإن كان ينفعل والثقب مملوءة من جسم فلا معنى للثقب ، لانه لو كان الجسم الذي بهذه الصفة بغير ثقب لقبل الانفعال كما يقبله بالثقب فإن الحال في الجسم الذي في الثقب واحد من جهة قبول الانفعال فإن كان الذي في الثقب يقبل الانفعال فالذي يوجد فيه الثقب أيضا يقبل كذلك؛ فعلى هذا الا يمكن نفوذ البصر في الأجسام المشفة من جهة الثقب إذ كان واحدا منها ملآن لانه بمنزلة ان لو لم يكن فيها ثقب ، واما ان كانت الثقب خارجة فيجب أن يكون فيها اجسام وذلك أن الخلاء

٧٧

والفراغ ليس شيئا إن كان موجودا إلا أنه موضع للجسم ، وإذا كان كل موضع فله [جسم مساو وكل جسم فله موضع] مساو وكل خلاء فله جسم مساو له ، كذلك الثقب اجسام مساوية. فإن قالوا أنها من الصغر بحيث لا يمكن أن تقبل جسما كان هذا مما يضحك منه وهو أن يكون من لا يجوز وجود خلاء مفارق كبيرا أن يجوز وجوده صغيرا. وبالجملة فالقول بالثقب لا معنى له لانه إن كان لا يهب الجسم الانفعال فلا معنى للثقب ، وإن قبلها فالثقب لا معنى لها. فقد تبين من هذا ان القول بالثقب اما أن يكون كاذبا وإما الا يكون سببا للانفعال بالذات ، وذلك أنه لمّا كان الانفعال إنما يكون عندهم بالانقسام [فإن كانت تقبل الانقسام] بكليتها فلا معنى للثقب وإن لم يكن يقبل الانقسام فالثقب أيضا عبث.

الفصل الثالث

٢٣ ـ قال :

وإذ قد تبين بطلان ما قالوه (١) في الفعل والانفعال فنحن مخبرون بالوجه الذي / يجري عليه الامر في ذلك وواضعين له المبدأ الذي قد وضعناه مرارا كثيرة ، وهو أن الأشياء لما كانت مركبة من هيولى وصورة ، كان بعضها بالقوة شيئا ما وهو المنفعل ، وبعضها بالفعل ذلك [الشيء بعينه ، وهو الفاعل وإذا كان ذلك] كذلك ، فليس سبب الانفعال شيئا الا كون المنفعل قابلا للشيء الفاعل. وليس يمكن أن يكون المنفعل من جهة ما هو / منفعل بالقوة قابلا بجزء غير قابل

_________________

١ ـ قالوه (منّي) ؛ قاله : ب ، م. أ

٧٨

بجزء ، بل إن الذي يمكن أن يكون قبوله ببعض الاجزاء اكثر وأقل. ومن هذا الوجه لقائل أن يقول بالثقب مثلما يوجد في المعادن عروق ممتدة قابلة لصورة المعدن المتكون اكثر من سائر أجزاء تلك الارض. فالانفعال والفعل يحدث بين الأشياء متى كان الفاعل والمنفعل غير متحد ، بل كانا شيئين اثنين أحدهما مماس للآخر. واما متى كانا غير متماسين فليس ينفعل أحدهما عن الآخر الا أن يكون ذلك بوساطة جسم آخر بينهما قابلا للانفعال. مثال ذلك أن النار مثلا قد تسخن الشيء بملاقاتها إياه ومباشرتها ، وقد تسخنه وهي منه على بعد بوساطة تسخينها للهواء. فأما أن الشيء ليس يمكن أن يكون منفعلا ببعضه ، وببعض غير منفعل ، فذلك يظهر من هذا القول وذلك أنه إن كان الجسم ليس هو منقسم بكليته بل ينقسم إلى أشياء غير منقسمة إما أجرام وإما سطوح ، فواجب الا يكون منفعلا بجميع أجزائه وإن كان وجود أشياء في الجسم غير منقسمة محال؛ على ما تبين ، فواجب أن تكون طبيعة الجسم كلها واحدة وأن تقبل الانفعال في جميع أجزائها على مثال واحد سواء كان الانفعال من طريق التقسيم وشيئا في باب الكمية ، كما يقول به ديمقراطيس ، او كان شيئا في باب الكيفية ، إلا إن انزالنا اياه شيئا / في باب الكمية محال وشنيع ، وذلك أن هذا القول يبطل الاستحالة ، وذلك أنا نرى الجسم الواحد بعينه يعود مرة رطبا ومرة سيالا وهو ثابت بعينه من غير أن يكون لحقه تقسيم ولا تركيب ولا اختلاف وضع في أجزائه ولا إختلاف ترتيب كما يقول ديمقراطيس ، وذلك إنه لم يبدل طبعه عند ما جمد بأن يتركب ولا بأن ينقسم عند ما سال ، بل هو بعينه مرة سيالا ومرة جامدا صلبا. وايضا فكما أنه لا يمكن أن يكون على هذا

٧٩

الرأي استحالة كذلك لا يمكن أن يكون نموا إذ كان النمو [...](١) تعرض في جميع أجزاء النامي على مثال واحد. فمتى لم يفرض أن النمو يكون بأن تتغير جميع أجزاء الكل إما بأن شيئا يخالطها فيغيرها ، وإما بأن الشيء تغير في نفسه عما خالطه ، لم / يقدر أن يقول شيئا في سبب النمو. فقد تبين من هذا القول ما الأشياء الفاعلة والمنفعلة ، وتبين كيف يكون الفعل والانفعال وكيف لا يكون.

الجملة الثامنة

٢٤ ـ قال :

وقد ينبغي أن ننظر في أمر المخالطة فإنها المعنى الثالث من المعاني التي قصدنا التكلم فيها وذلك بأن نخبر ما هي المخالطة وما المختلط وفي أي الامور يمكن أن توجد المخالطة. وقبل ذلك فينبغي أن نحل الشك الواقع في وجودها فإن هاهنا قوما يرفعون وجودها وذلك أنهم قالوا أن الأشياء التي يقال فيها أنها مختلطة لا تخلو من ثلاثة احوال : إما أن تكون ثابتة بأنفسها لم تتغير عما كانت عليه ولا فسدت؛ وإما أن يكون المختلطان فسد كل واحد / منهما؛ وإما أن يكون فسد واحد منهما. فإن كان المختلطان قائمين لم يفسد واحد منهما فلم يحدث فيهما معنى يجب من أجله أن يقال فيها في وقت ما أنهما مختلطان وفي وقت ما أنهما ليسا مختلطين؛ وإن كان فسد أحدهما وبقي الآخر فهذا لا يسمى اختلاطا ، لأن المخالطة تقتضي أن يكون ما يعرض لاحد المختلطين يعرض للثاني على مثال واحد ؛

__________________

١ ـ بياض.

٨٠